تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة ( 2 ) مع آية سورة طه ( قال هي عصاي ... ) .



أحمد الرشيدي
28-09-2007, 02:31 AM
يكاد يقع الاجماع من علماء التفسير والبلاغة أن في الآية إطنابا ، وقد ذكر كثير منهم أن الغرض منه التلذذ بالخطاب ... ، بل إن سعد الدين التفتازاني - رحمه الله - ذكر في المطول أن في ذكر المسند إليه - وهو في الآية الكريمة الضمير ( هي ) - " استلذاذ وبسطا للكلام ، ولهذا يطال الكلام مع الأحباء ... وهذا القول من السعد يجعلني أمعن النظر ، وأعمل الفكر فيما عنَّ لي عند قراءتي للآية ، ونحن إذا نظرنا إلى السياق :
( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)‏ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ... ).

مما لا شك فيه أن موسى - عليه السلام - فجئ ، وفجئ بماذا ؟ بالإله يناديه ويكلمه ، وهذا لعمر الله موقف جليل ذو مهابة ، وموسى - عليه السلام - من البشر ، وكثيرا ما اعتراه الخوف الجبلي الذي يعترى البشر ، وفي آيات سورة طه ما يؤكد صحة ما ذهبت إليه ( قال خذها ولا تخف ) / 21 ، ( قالا ربنا إننا نخاف ) / 45 ( قال لا تخافا ... ) 46 ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) 67 ، وهذا التكرار لخوف موسى في هذه السورة حري بالدراسة كما أن هناك مواضع أخرى في غير سورة طه تشير إلى خوف موسى - عليه السلام ( فخرج منها خائفا يترقب ) وهذا الخوف الجبلي لا يعيب الأنبياء لأنهم بشر يقول العلامة السعدي رحمه الله - عن خوف موسى عندما ألقى السحرة عصيهم " كما هو مقتضى الطبيعة البشرية ، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره ". وعليه ، فإن توجيه الإطناب من موسى بأنه تلذذ في الخطاب وانبساط من موسى ليس بالوجيه - والله أعلم ؛ لأنه لا يتواءم مع طبيعة النفس البشرية كيف وهما - أي موسى وهارون يقولان لرب العزة حين أمرهما بالذهاب إلى فرعون : ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى )45 فكيف يكون حال موسى عندما فجئ بنداء رب العزة له ! هذا ما عنَّ لي ، ومن ثمَّ أرى أن الأعلى - والله أعلم - أن يقال :

إن موسى توجس خيفة من الاستفهام ، وهو استفهام ليس الغرض منه طلب الفهم ، وإنما المؤانسة ، و التقرير ، والتنبيه والإيقاض ،وهو ما أشار إليه الزمخشري ، وأبو السعود ، وأما المؤانسة ، فلم أر من أشار إليها - فيما وقفت عليه - وهي دالة على رحمة الله بعباده ، وعلمه بما توسوس به نفوسهم ، فموسى عبد من عباد الله كلمه الله تكليما ، وهذا كما تقدم موقف جليل عظيم ذو مهابة ، ونحن نعلم ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال له جبريل - عليه السلام - : " اقرأ " . فكيف بموسى ! وهو الذي كان يسير ليلا يلتمس قبسا ، والمعلوم من البلاغة ضرورة أن حال المتكلم ، والمخاطب لهما الأثر الرئيس في الكلام يقول الإمام عبد القاهر - رحمه الله - : أن الألفاظ تقع مرتبة على المعاني المترتبة في النفس المنتظمة فيها على قضية العقل " وهذا الكلام من الإمام من أجل وأنفع ما تجده في كتب البلاغة والنقد ، نعم ؛ لأنه يفتح لك الباب على مصراعيه لتلج قلب المتكلم وعقله ، ونحن إذا نظرنا إلى تركيب الآية الكريمة نجد ( هي عصاي ) وكان مقتضى الظاهر أن يحذف المسند إليه ( هي ) لأنه معلوم ، ولكن الذكر فيه توكيد ، وهذا يعضد ما ذهبتُ إليه من أن موسى كأنه استشعر أن في العصا أمرا ربما يسبب له عقوبة ، فأكد ، وبعض العلماء يرى أن من طرق القصر تعريف الطرفين ( هي ) ( عصاي ) بالإضافة ، وهذه الإضافة لها قيمة رفيعة في بناء الجملة ؛ لأنها تتضمن نفي كل ما هو خلاف كونها عصاه هو ، ثم إنه - عليه السلام - عدد استعمالاته لها ، وكل ما ذكر مما لا ليس فيه تبعة عليه ، وهذا يتسق غاية الاتساق مع حال موسى ، وفي توجيه الاستفهام رحمة من الله بعبده الصالح ، فهذا الكلام من شأنه أن يهدئ من روع موسى ، ويعيده إلى شيء محسوس بيمينه طالما صحبه ، ومن ثمَّ يهيئه لتلقي الخطاب الإلهي ورؤية المعجزة الكبرى ، وهذا لا يصطدم مع ما ذكرتُ ، وإنما هو معه في وفاق ، وقد وجدت في الآية الكريمة بعد ذلك حذفا عجبا ، وهو في قوله تعالى : ( قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) ) ( لا تخف ) بحذف المعمول ، نعم الذهن ينصرف مباشرة إلى أن تقدير الحذف : لا تخف منها ، ولكنه لا يأبى أن يكون المعمول عاما لكل خوف ، ومنه خوف موسى لهيبة الموقف ، وهو ما لمحته من كلام الزمخشري الذي تكرم بنقله الأخ الكريم د. عمر :

" وقالوا‏:‏ إنما سأله ليبسط منه ويقلل هيبته‏ " ثم في قوله - أيضا - في تفسيره للإجمال بعد الإطناب ( ولي فيها مآرب أخرى ) :
" وقالوا‏:‏ إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه وقالوا‏:‏ انقطع لسانه بالهيبة فأجمل " ، فالقول الأول ليس بالأعلى عندي .

والله أعلم .

سمو الكعبي
29-09-2007, 01:41 AM
الأستاذ : أحمد الرشيدي
لايزال عطاؤك دفقا , سلمت أستاذي .
أعجبنتي الوقفة وخصوصا في المقطع الأخير .
دمت علما مرففا في سماء البلاغة .

وفاء شوكت خضر
29-09-2007, 04:49 AM
بارك الله بك أخي الكريم الأديب اللغوي / أحمد الرشيدي ..

رب زدني علما ..
وقفة منها الفائدة ..
أشكرك لما تكرمت به علينا منها .

سأبقى في الجوار دوما .
تحيتي ..

حمدى ليلة
29-09-2007, 10:18 AM
أخى الكريم /احمد الرشيدى
أفادك الله
وأنار بصيرتك
وأكرمك كما امتعتنا
بهذا الفيض من المعانى والشروح
كم هى جميلة تلك الوقفة ...
دمت كما أنت دائماً ... وأفضل

خليل حلاوجي
29-09-2007, 10:39 AM
النار لا تؤنس أحد بل النور ... لكن النار هنا وعند سيدنا موسى آنسته

الأنس بقول الله تعالى له موجها ً
فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى

أي ياموسى لايصدنك وأنت تجاهد في الحياة أن لا تتفكر في غاية وجودك ... في الساعة

واحذر حتى تؤنس في حياتك من اولئك الذين يكررون محاولاتهم في صدك عن الساعة ... فتردي

التردي أن ننسى أو نتناسى غايتنا وساعتنا .... وتلك والله أنس الحياة

\


بوركت وعوفيت

سحر الليالي
02-10-2007, 01:59 AM
الفاضل " أح ــمد الرشيدي"

بارك الله بك،وجزاك بـ كل حرف ألفـ ح ــسنة وأكثر...!!

تقبل خالص تقديري وقوافل ورد لــ روحك

عبدالملك الخديدي
03-10-2007, 10:42 AM
الأخ الحبيب : احمد الرشيدي
جزاك الله خير وبارك فيك على تفسيرك الموفق لآية من كتاب الله ولإلقاء الضوء على جزء مهم من شخصية النبي موسى عليه الصلاة والسلام ، وبقدر الخوف الكثير الوارد عنه في اكثر من آيه نجد أن موسى عليه الصلاة والسلام كان من الجبارين الباطشين الأقوياء .. ولعلها من صفات أولي العزم من الرسل ( القوة والشجاعة في الحق والخوف والرهبة أمام عظمة الخالق ).
ولكن تشعر وأنت تقرأ هذه الآية الكريمة الثقة بالنفس وحسن الإجابة على سؤال لم يكن القصد منه الاستفسار لذلك لم تسيطر عليه رهبة الموقف كما هو الحال في الآية التي تتحدث عن موقفه عندما ألقى السحرة عصيّهم .. وخشيته منهم ، عندما طمئنه ربه بأن يلقيها ولا يخف ..

تقبل فائق التحية والمودة.

د. سمير العمري
30-10-2007, 08:42 PM
أديب كبير أنت أخي أحمد الرشيدي زادك اللع علما وأدبا.

أسعدني أن أقف هنا على سواحك حرفك الزاخر بالكثير لأتنفس عنده هواء نقيا.

وفقك الله أخي الكريم.



تحياتي

أحمد الرشيدي
17-12-2007, 05:16 PM
الأستاذة الأديبة سمو الكعبي

الأستاذة الأديبة وفاء شوكت

الأستاذ الأديب حمدي ليلة

الأستاذ الأديب خليل حلاوجي

الأستاذة الأديبة سحر الليالي

الأستاذ الأديب عبد الملك الخديدي

الأستاذ الأديب سمير العمري


أشكر لكم مروركم النافع الماتع ، ولتتقبلوا شكري وتقديري ، والله يحفظكم ويرعاكم