مشاهدة النسخة كاملة : كـُنْ مَـلاكاً .. قبل أن تـنعت الآخـرين بالشيـطـنة ..!
أبوبكر سليمان الزوي
02-10-2007, 11:06 PM
أخبرنا القـرآن الكريم أن الملائكة قد استغربوا وتساءلوا - عن الجدوى والحكمة - من استخلاف الخالق عـز وجل - للبشر في الأرض - لغرض عبادته ؛ في حين أن الملائكة تعبده كما ينبغي وتسبّـح بحمده وتقـدّس له ..!
وأخبرنا أن استغراب الملائكة كان بسبب علمهم بأن البشر سيُـفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ..!
وأخبرنا القـرآن كذلك أن الملائكة - ورغم تحفظهم على سلوك البشر ، ورغم علمهم بأن البشر لن يعبدوا الله حق عبادته ..
إلا أنهم سجدوا جميعاً لأبي الإنسانية – آدم عليه السلام - امتثالاً لأمـر الله عز وجل – الذي كـرّم آدم - بذلك الأمـر الجليل العظيم الكبير المهيب – ألا وهو نفخ الله من روحه في آدم .. ؛
وعَلِـمنا أن الله سبحانه وتعالى لم يغضب من تساؤلات ملائكته ؛ بل أجابهم عليها بتجربة عملية أثبتت للملائكة قصورهم المعرفي ومحدودية علمهم بملكوت الله وبأسـرار خلقه ومآل الأمور وفق مشيئته ..
وكذلك أخبرنا القرآن الكريم في هذا الصدد أن الخالق جل جلاله - لم ينفِ عن البشر نزعتهم العدوانية بسفك الدماء والإفساد في الأرض ..؛
ولكنه راهن على ما أودع فيهم من عقل وعلم ومعرفة - كفيلة بأن تقودهم إلى امتثال أوامره جلّ في عـُلاه ، وتـُعينهم على مقاومة نزعاتهم الشريرة – المتمثلة في الظلم والنابعة من الجهل ..
أما عن إبليس (الشيطان) ، فإننا نعلم من خلال ما ورد في شأنه في القـرآن الكريم .. أنه قد بَـاءَ بغضب الله واستحق لعنته .. ولم يكن ذلك بسبب تهاونه في العبادة ، ولا كفـرٍ منه ولا شركٍ بالله ، ولم يكن بسبب قتل النفس التي حـرّم الله قتلها بغير الحق ، ولم يزنِ ، ولم يخن أمانة ، ولم يبع وطناً ، ولم يأكل الربا ولا لحم الخنزير ولم يشرب الخمـر ، ولم يظلم أحـداً ..!
ولكن .. كان من إبليس أن تساءل عن أحقية آدم في سجوده له . وكان تساؤله مصحوباً برفضٍ للسجود - متجاهلاً أنه بذلك يكون قد رفض أمـر الله- بغض النظر عن المُـكـرّم بالسجود .. والذي كان- حينها - آدم عليه السلام ..!
ويتضح لنا أن السبب في جنوح إبليس عن طاعة الله- رغم علمه بضعفه أمام قوة الخالق- كان نابعاً من تكبـّر الأنا داخله - على الآخـر الذي هو آدم عليه السلام ..! .. وذلك بسبب الغيرة والحسد ؛ حيث أن تكريم آدم بالسجود له قد أغاظ إبليس ولم يَـرُقْ له ، فتكبـّر فأعماه ذلك عن طاعة الله .. اعتماداً –خاطئاً- منه على صواب تحليله للأمـر ..
إذاً كان ذنب إبليس الذي استحق به لعنة الله وغضبه .. هو الحَـسَـدَ والغيرة والتكبّرَ على مخلوق آخـر - رآه أضعف وأهـون وأقل منه شأناً ..!
فهل بين الدينيين الموحدين مِـنْ بني البشر مَـنْ يحمل مثل هذا الفكـر القاصـر ..!
(( عقل الإنسان يقوده باتجاه طاعة الخالق تشبّـهاً بالملائكة .. وجهله يقوده صوب غفلة إبليس ..! )) .
فكيف للإنسان تحديد موقعه بدقة ، حتى يُـدرك أين يقف ، وأين عليه أن يتجه ..!
وهل يتخذ الإنسان قـراراته المصيرية بمحض إرادته وبكامل وعيه ..!
يمكن اختصار التساؤلات كالآتي :
1- هل بين البشـر من هو أهلٌ للقب الملاك ..! وهل منهم مـن يستحق لقب الشيطان – نسبة لسلوك إبليس ..!
2- من هـو الجاهل ؛ وما مدى مسئوليته عن جهله ..! وهل يعلم الجاهل بجهله ؛ وهل من عـلاجٍ لإزالة الجهل من فكـر الجاهل ..!
الإجابة الفكرية - أرجو أن نشترك جميعاً في وضعها هنا .. بعد أن تحظى هذه المقدمة البديهية بآراء الزملاء وتعليقاتهم ..
دمتم بخير ..
وفاء شوكت خضر
03-10-2007, 12:04 AM
أخي الأديب / أبو بكر سليمان الزوي ..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
ما قرأته هنا ليس فقط موضوعا للنقاش ، بل هو أيضا توعية لمن لديه رشد ، بأن يتبصر في هذا الموضوع بعمق ..
ليس لنا أن ننعت أي من البشر بالملاك ، لكن ربما إن وجدنا في الإنسان النقاء والذي نفتقده بعض من صفة الملائكة نشببه بالملاك ، وصفا لخلقه ونقاء سريرته ، فليس بين الملائكة من يعصي الله ، ومن عصاه ، عصاه بقدره وقدرته كي يكون في المقام الذي هو فيه ، ولم يكن جل في علاه عاجزا على أن يرغم إبليس على السجورد ، ولا أن يجعله يفهم كينونة هذا المخلوق الذي هو آدم عليه السلام ، فكيف عرفت كل الملائكة عن آدم ، وإبليس وحده الذي جهله .
أما عمن نصفه من الإنس بإبليس ، فهذا لما نراه من سوء عمله ، وقد قال سبحانه وتعالى شياطين الجن والإنس ، شيطان الجن نستعيذ منه ولكن شيطان الإنس يبقى يوسوس لك حتى يهلكك وهو أشد مكرا والعياذ بالله ، لأنه بات من جنود إبليس .
أما عن البشر ..
الجاهل هو من لا علم له والذي تعلم و لم يستفد من علمه ..
هذا الجاهل برأيي .
لكن هناك جهالة وسفاهة ، وهنا تكمن المشكلة ، حين الجاهل يدعي العلم .
تستطيع أن تعلم الجاهل ، ولكن السفيه كيف سيتعلم ..
من أراد العلم طلبه ، ولو طلبه كل جاهل لما بقي على وجه البسيطة جاهل .
بما يعني أن العلم يمحو الجهل إذا أراد هذا الجاهل أن يتعلم ..
أما إن لم يرد ..
فلك أن تسميه بما شئت .
أعذر خربشاتي وربما أكون قد ابتعدت عما أردت ..
فلك العذر مرة أخرى .
تقديري لشخصك ولفكرك .
سحر الليالي
03-10-2007, 01:51 AM
الفاضل "أبو بكر"
سأحجز لي مكانا هنا ...لأتابع فيض فكركـ وقلمكـ...!!
سلمتـ ودمتـ بـ خير
لك خالص تقديري وباقة ورد
أبوبكر سليمان الزوي
03-10-2007, 08:14 AM
الأخت العزيزة .. وفاء ..
.. هذا رد صباحي في عجالة ، ولي عودة قر يباً بإذن الله ...
أولاً .. عذراً .. فقد أضفت بعض الإضافات على النص بعد ردكِ عليه ..
أما عن خربشاتك واحتمالية ابتعادكِ عما أردته أنا - كما تقولين .. فسامحكِ الله - أختاه ..
فما تفضلتِ به هو في صلب الموضوع ، وتلك هي المعاني والاتجاه الذي أقصـده ..
وليت كل من أراد خربشةً أن يأتينا بمثل تلك ..
عذراً أختي الفاضلة .. لكِ كل الشكر ، ولي عودة ..
خليل حلاوجي
07-10-2007, 10:24 AM
الكريم الأستاذ ابو بكر
شكرا ً لهذا الطرح الثري ..
أخي الحبيب : الشيطان وكما نفعل نحن اليوم ألقى الكرة في ساحة الآخرين فلم يتهم نفسه بقصورها بل قال لرب العالمين ... بما أغويتني .... وأما آدم فلم يلم أحد سوى نفسه
ومن هنا يبدأ التصور العقلاني لتجديد الوعي عند كلا المدرستين ... مدرسة التناصح الذاتي ومدرسة التشوش والتنصل من مسؤولياتنا .
عوفيت
أبوبكر سليمان الزوي
14-10-2007, 07:11 AM
الأخت .. وفاء شوكت خضر
الأخت .. سحر الليالي
الأخ .. خليل حلاوجي
وكل الأخوة والأخوات الذين وضعوا بصماتهم قراءة أو كتابة .. على الموضوع
أشكر مروركم ، ولا غنى عن تعليقاتكم وانتقاداتكم ..
ملاحظة :
تكملة هذا الموضوع تم وضعها في صورة مقالة مستقلة بواحة الفكر - منبر الحوار المعرفي ، بعنوان\ رابط (الإنسانُ مخلوقٌ جاهلٌ وضعيف ، ويحمل أمانةً عظيمةً (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?goto=newpost&t=26052))
أشكر تواصلكم ، وعذراً عن التأخير والتغيير ..
مودتي للجميع ..
ماجدة ماجد صبّاح
02-07-2008, 07:46 PM
السيد الأستاذ/ أبا بكر...
من يخطئ فهو إنسان...أما من يصر على الخطأ...فهو شيطان...
وأما الملاك...
فلا محل له اليوم بيننا ونحن في هذه الغياهب نحيا..
لكَ تقديري ومودتي على موضوعك...
وربما لي عودةٌ إن شاء الله
أبوبكر سليمان الزوي
27-09-2008, 02:00 AM
السيد الأستاذ/ أبا بكر...
من يخطئ فهو إنسان...أما من يصر على الخطأ...فهو شيطان...
وأما الملاك...
فلا محل له اليوم بيننا ونحن في هذه الغياهب نحيا..
لكَ تقديري ومودتي على موضوعك...
وربما لي عودةٌ إن شاء الله
أختي ماجـدة \ لكِ الشكر الجزيل على مرورك الجميل، ومِنّي الاعتذار عن التأخير .. وكل عام وأنتِ بخير ..
من العنوان يتضح القصد .. وهو أنّ بعض الناس ينصحون غيرهم .. كما لو كانوا ملائكة وغيرهم شياطين ..
فأردتُ التذكير بأن الناصح والمنصوح بشرٌ، يحملون نسبة من الجهل - كفيلة بإيقاعهم في الخطأ-، .. فلا يظنن أحدٌ نفسه ملاكاً معصوماً !
دمتِ بكل ود
راضي الضميري
02-10-2008, 12:35 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ العزيز الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي
أشكرك جزيل الشكر على طرحك لهذا الموضوع القيّم والمفيد ، وأرجو منك أن تسمح لي بإدراج مشاركتي المتواضعة – وإن جاءت متأخرة لكوني لم أعلم به إلا منذ وقت قصير – لعلّي أساهم ولو بجزء يسير ومن خلال تفاعل أفكارنا مع بعضها البعض من خلال التعقيب على بعض ما جاء في طرحك هذا ، والمساهمة في الإجابة على التساؤلات الرائعة التي اختصرت بها ما تريد قوله .
وأخبرنا القـرآن كذلك أن الملائكة - ورغم تحفظهم على سلوك البشر ، ورغم علمهم بأن البشر لن يعبدوا الله حق عبادته ..
إلا أنهم سجدوا جميعاً لأبي الإنسانية – آدم عليه السلام - امتثالاً لأمـر الله عز وجل – الذي كـرّم آدم - بذلك الأمـر الجليل العظيم الكبير المهيب – ألا وهو نفخ الله من روحه في آدم .
أختلف معك هنا في هذا الاستنتاج ؛ لماذا ؟ لأن تفسير الآية التي جاء فيها خبر خلق سيدنا آدم عليه السلام " قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَِ" البقرة آية 30 قد أجمع أهل العلم أنها تحتمل ؛ (أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر الملائكة عمّا سيكون (بعلمه)من ذرية المخلوق من قتل وسفك دماء ، ومنها ما قيل عن قياس الملائكة أفعال هذا المخلوق لأفعال من سبقوه من الجن الذي عاشوا من قبل على الأرض وسفكوا الدماء ، وجاء قول الملائكة على وجه الاستعلام - استخبار - منهم لربهم لا على وجه الإيجاب - بأنهم قطعًا سيفعلون ذلك أي سفك دماء ومعصية ، مع أنّ منهم من سيفعل عكس ذلك وهذا ما لم يعرفوه ، ولذلك لم يدركوا الحكمة من هذا الخلق ... وأيضَا هناك من قال بأن الملائكة سألت الله سبحانه وتعالى على وجه التعجب فهذه دعوى لا دلالة عليها ، وقد أنكرها الطبري في تفسيره ، وخلاصة القول أن الملائكة ومما تقدم - وحتى لو افترضنا أنها سألت على وجه التعجب – فإن هذا التعجب قد زال بعد أن أثبت لهم رب العزة قصور علمهم أمام علمه سبحانه وتعالى ، وهذا ما دعاهم للتسبيح والقول أن لا علم لهم إلا ما علمهم ، واصل التسبيح عند العرب لله ؛ التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك " قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُِ "البقرة آية 32أي تنزيهاً لك عن أن يعلم الغيب أحد سواك ، فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى والملائكة تعرف ذلك ، وما علمته الملائكة فهو من تعليم الله جل وعلا إياهم .
ومن هنا فإن سجود الملائكة فيما بعد لسيدنا آدم عليه السلام لم يكن مقرونًا بتحفظ الملائكة ؛ لأن كلمة تحفظ فيما معناها أن الملائكة سجدت وهي متحفظة على خلق آدم لما علمته على قياس لما فعله الجن - وهي رواية – وأيضًا لما علمهم إياه رب العالمين من الإفساد الذي سيكون من ذريته ؛ أي سجلت اعتراض أو لنقل أنها سجلت موقفًا تعتقد أنه صحيح أو في محله ، فعندما يقول شخص ما سأفعل كذا رغم تحفظي عليه ؛ هذا يعني أنه سيفعله وفي نفسه شيء من هذا الأمر ، لكن الراجح ما يعزز عدم تحفظها هذه الآية الكريمة – رقم 32 - وما تلاها من آيات يدلل على أن الملائكة أقرت أنها لا تعلم أكثر مما علمها الله ؛ لذاك نفذت أمر السجود بدون أي تحفظ ؛ والذي أجمع عليه معظم أهل العلم أنه سجود تحية لا سجود عبادة ؛ وأيضًا لو رجعنا إلى بداية ما ورد في النصّ لوجدنا أنك قلت أنّ الملائكة تساءلت واستغربت ، وشتان ما بين السؤال والاستغراب وما بين التحفظ ، فأن نقول ذلك يعني أن الملائكة وبعد أن تساءلت سجدت وما زال التحفظ قائم عندها على خلق آدم ، قال تعالى عن الملائكة واصفًا لنا إياهم " عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَِ " التحريم آية 6 وقال تعالى "وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ " الرعد آية 13 وعند البخاري عن أبي هريرة قال ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) البخاري ، وظاهر الآيات مع الحديث ، يساند بعضه بعضًا ليؤكد أنّ الملائكة يسمعون ويطيعون ويخافون الله سبحانه وتعالى ، ولا يعلمون إلا ما علمهم الله تعالى ؛ ويعلمون أنّ الله تعالى يعلم الغيب وما تخفي الصدور ، و من هنا فإن ورود التحفظ من جانب الملائكة مع السجود اختلف معك فيه ، لأنه يخالف كل ما ذكر آنفًا من صفاتهم ، فكيف يعقل أن يسجدوا مع التحفظ ، مع ما سبق ذكره .
وكذلك أخبرنا القرآن الكريم في هذا الصدد أن الخالق جل جلاله - لم ينفِ عن البشر نزعتهم العدوانية بسفك الدماء والإفساد في الأرض ..؛
ولكنه راهن على ما أودع فيهم من عقل وعلم ومعرفة - كفيلة بأن تقودهم إلى امتثال أوامره جلّ في عـُلاه ، وتـُعينهم على مقاومة نزعاتهم الشريرة – المتمثلة في الظلم والنابعة من الجهل ..
هنا لديّ ملاحظة ؛ إن الله سبحانه وتعالى عندما يخلق فهو يعلم ما سيخلق وماذا سيعمل هذا المخلوق من أفعال وأقوال ؛ لذلك أنْ نقول - راهن - فأنا اختلف معك في هذه النقطة ؛ لأن الرهان يحتمل الربح والخسارة في القضية محل البحث ، وأيضًا فإن قائله لا يقطع بنتيجته التي ستؤول إليه إلا بعد الثبوت والله تعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون ، لكن قد نقول ( خيَّره )- أي ابن آدم على ما أودع فيه من عقل وعلم ومعرفة .
أما عن إبليس (الشيطان) ، فإننا نعلم من خلال ما ورد في شأنه في القـرآن الكريم .. أنه قد بَـاءَ بغضب الله واستحق لعنته .. ولم يكن ذلك بسبب تهاونه في العبادة ، ولا كفـرٍ منه ولا شركٍ بالله ، ولم يكن بسبب قتل النفس التي حـرّم الله قتلها بغير الحق ، ولم يزنِ ، ولم يخن أمانة ، ولم يبع وطناً ، ولم يأكل الربا ولا لحم الخنزير ولم يشرب الخمـر ، ولم يظلم أحـداً ..!
ولكن .. كان من إبليس أن تساءل عن أحقية آدم في سجوده له . وكان تساؤله مصحوباً برفضٍ للسجود - متجاهلاً أنه بذلك يكون قد رفض أمـر الله- بغض النظر عن المُـكـرّم بالسجود .. والذي كان- حينها - آدم عليه السلام .
هنا لدي ملاحظة : إن إبليس باء بغضب من الله واستحق لعنته لأنه كفر كفرًا صريحًا قال تعالى " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَِ " البقرة آية 34 فهو في امتناعه عن السجود - رغم مراجعة الله سبحانه وتعالى له في ما فعله - إلا أنه لم يتراجع ؛ فكفر وهذا قولاً واحدًا عند كل العلماء ولا يختلف فيه اثنان ؛ إلا إذا كنت لم أفسر جيدًا القصد الذي كنت تعنيه ، فهو استحق اللعن والطرد من رحمة الله لحظة رفضه وامتناعه عن السجود ، لأنه ما كان له - أو لأي مخلوق - أن يسأل خالقه وقد أُمر بالسجود ، قال تعالى " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَِ " الأنبياء آية 23
ويتضح لنا أن السبب في جنوح إبليس عن طاعة الله- رغم علمه بضعفه أمام قوة الخالق- كان نابعاً من تكبـّر الأنا داخله - على الآخـر الذي هو آدم عليه السلام ..! .. وذلك بسبب الغيرة والحسد ؛ حيث أن تكريم آدم بالسجود له قد أغاظ إبليس ولم يَـرُقْ له ، فتكبـّر فأعماه ذلك عن طاعة الله .. اعتماداً –خاطئاً- منه على صواب تحليله للأمـر ..
أتفق معك في أنّ إبليس أكلته الغيرة والحسد فتكبر هذا صحيح ؛ لكنني لا أتفق معك في قضية أن مجرد تحليله للأمر أدى به إلى ما كان ، لأنه إن كان كذلك، فقد يأتي أحد ما ويقول إن إبليس قد اجتهد بأحقيته بعدم السجود على اعتبار أنْ خلقه أفضل من سيدنا آدم عليه السلام وهذا فيه وجهة نظر - وأعرف أحد الدعاة وقد أخذ بهذا بوجهة النظر هذه ولم يكفر إبليس - ، علمًا أننا لو نظرنا للأمر من هذه الناحية لكان عليه أن يتنبه - قبل أنْ يحلل - على أن الملائكة أفضل خلقًا منه ، هذا لو أردنا أن نجري مفاضلة بين خلقه وخلق الآخرين من حوله كما فعل ، إلا إذا اعتبر - أي إبليس - أن الملائكة في مجموعهم أكثر منه وأقوى منه ولا قدرة له عليه ، ولكنه كتم الأمر في نفسه - وهذا محال- بينما استقوى على سيدنا آدم واعتبر أنه في متناول اليد فاستكبر على خالق ومن ثمّ عليه - وهذا ممكن والعلم عند الله، ولو راجعنا التفاسير لوجدت أن في بعضها - إن لم يكن فيها كلها - نجد أن إبليس استغرب من هذا المخلوق - أي سيدنا آدم عليه السلام -ولم تكن قد نفخت فيه الروح بعد ، فقال للملائكة لو سلطني الله عليه لأرديته ، هذا في بعض الروايات ، ومن هنا نجد أن إبليس كان لديه الوقت الكافي ليفكر في الأمر - وقبل نفخ الروح في سيدنا آدم عليه السلام - لأن إخبار الملائكة عن خلق آدم من قبل الله عز وجل كان موجهًا إلى عموم الملائكة بمن فيهم إبليس ؛ رغم أنه ليس من جنسهم – وقبل خلق آدم عليه السلام - لكن الخطاب كان دالاً على الجمع وهم الملائكة لأنهم الأكثر عددا ، فإذا قلنا أنه اعتمد اعتمادًا - خاطئًا - منه على صواب تحليله للأمر فهذا ؛ يعطيه الفرصة – وربما العذر على أنه أخطأ - ليكون مجتهدًا على أساس عملية التفاضل التي أجراها في ذهنه .
إذاً كان ذنب إبليس الذي استحق به لعنة الله وغضبه .. هو الحَـسَـدَ والغيرة والتكبّرَ على مخلوق آخـر - رآه أضعف وأهـون وأقل منه شأناً ..!
فهل بين الدينيين الموحدين مِـنْ بني البشر مَـنْ يحمل مثل هذا الفكـر القاصـر ..!
البشر ليسوا معصومين ، وكلنا يخطئ ومن ظن عكس ذلك فهو أحد اثنين ؛ إمّا أنه أحمق وجاهل ، أو إنه متجاهل ومتكبر ولا يرى أبعد من أنفه ، ومعنى أن البشر يخطئون لا يعني أن الأخطاء على نفس القدر من الذنب و المعصية ، فالأخطاء تكون متفاوتة ، وهذا المعنى الذي قصدته -وأشكرك على أنك أدرجته ها هنا - لا ينطبق على الموحدين وحتى لو كانت لديهم أخطاء ؛ لأن الإنسان البسيط ومن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله يعلم علم اليقين أنه إنْ تمثل بمثل هذه الصفات فهو في عداد المطرودين من رحمة الله تعالى ، هذا ما يؤكده كتاب الله قال تعالى لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَِ " النحل آية 23 "
" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَِ " غافر آية 60
و في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، حديث عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله سبحانه الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم).رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان .
((عقل الإنسان يقوده باتجاه طاعة الخالق تشبّـهاً بالملائكة .. وجهله يقوده صوب غفلة إبليس ..! )) .
الملائكة يعبدون الله ويطيعون أمره ولا يعصونه في أي شيء ؛ هذا إجماع أهل العلم ومن أساسيات الإيمان وما هو معلوم من الدين بالضرورة ، والإنسان مهما حاول فلن يستطيع أن يتصف بصفات الملائكة لأنه يخطئ في ما أمره به الله تعالى ، لذلك نقول أن الإنسان يقوده عقله إلى طاعة الخالق تشبهًا بالرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو المطلوب منا لكي نعرف الله ، فالرسول هو قدوتنا وهو من عرّفنا على الله تعالى ذكره، فالله تعالى في كتابه الكريم قال وفي أكثر من موضع ما معناه اتبعوا الرسول ولم يذكر إطلاقًا أن نتشبه بالملائكة ، قال تعالى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًاِ " الأحزاب آية 21 وقال تعالى " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌِ " آل عمران آية 31 وفي الحديث قال عمرو بن دينار قال سمعت بن عمر رضي الله عنهما يقول : (قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ). متفق عليه
قال صلى الله عليه وسلم – : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري و مسلم ويفهم من ذلك أن نتبعه صلى الله عليه وسلم وننشر سنته ونبلغها للناس . ومن هنا فعقل الإنسان يجب أن يتبع من هو من جنسه من البشر ؛أي الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه بشر ، لا من ما ليس من جنسه وهو محال مثل الملائكة .
وأمّا جهل الإنسان فليس من الضروري أن يكون جاهلاً حتى يقوده عقله صوب إبليس ؛ لأن هناك من يتجه صوب إبليس وهو بكامل قواه العقلية ، كما إن كلمة غفلة هنا أختلف معك في ورودها على هذا النحو ؛ لأن نقيض الإيمان هو الكفر وليس الغفلة ، فإذا كان عقلنا يقودنا باتجاه طاعة الله سبحانه وتعالى - أي الإيمان - فإن نقيض الإيمان هو الكفر الذي يقودنا لإتباع إبليس ، قال تعالى " لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَِ " ص آية 85 ، كما أن نقيض الحق هو الباطل ؛ والقول بالغفلة يضع الإنسان بين منزلتين فلا هو كافر ولا هو مؤمن ، فأبليس كفر ولم يغفل ، وهذا ما جاء به الكتاب والسنة وما أجمع عليه أهل العلم قاطبة .
فكيف للإنسان تحديد موقعه بدقة ، حتى يُـدرك أين يقف ، وأين عليه أن يتجه ..!
وهل يتخذ الإنسان قـراراته المصيرية بمحض إرادته وبكامل وعيه ..!
الإنسان عليه أن يحدد هدفه وبدقة ويجيب على أسئلة الحياة الكثيرة ، ومنها التي سيتحدد من خلالها مصيره في الحياة الآخرة ، - وأنا هنا أتكلم عن أحوالنا كمسلمين - وهذه الأسئلة تتعلق بدينه وعمله ورسالته في هذه الحياة ، وما دوره فيها ، وما هي المهام الملقاة على عاتقه تجاه دينه وأمته ، ومن خلال هذه الأسئلة عليه أن يحدد بنفسه ويجيب على هذا السؤال : هل هو قادر على اتخاذ قراراته بنفسه ؛ فإن أجاب بنعم فحينها يعلم من جوابه أنه مخير وليس مسير ، وعليه فهو مسئول عن كل أفعاله وأعماله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، فالله سبحانه وتعالى أقواله وأفعاله كلها فيها حكمة بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ، و تنزه عن الظلم ، قال تعالى " إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًاِ " النساء آية 40 وقال تعالى " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِِ " فصلت آية 46 وقال تعالى " مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًاِ " النساء آية 147
ولو نظرنا الآن فيما نفعله ، فماذا نقول عن مسئولية الأفعال التي نقوم بها ، فأنت كتبت مثلاً هذا النصّ بمحض إرادتك وبكامل وعيك ؛ وأنا كتبت ما كتبت هذا الرد بمحض إرادتي وبكامل وعيِّ ، وعلى هذا تقاس كل أعمالنا .
هل بين البشـر من هو أهلٌ للقب الملاك ..!
يستحيل أن يكون هناك ملاك من البشر ، لأن الملاك غير مكلف ولا يعصي خالقه ويفعل ما يؤمر به ؛ أمّا البشر فإنهم مكلفين و حكمهم على الأمور يحتمل الصواب أوالخطأ ؛ فلا عصمة للبشر .
وهل منهم مـن يستحق لقب الشيطان – نسبة لسلوك إبليس ؟
نعم يستحق ؛ قال تعالى( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ غُرُورًا ) الأنعام آية 112 وعند أهل العلم والتفسير أن من مشركي قوم النبي صلى الله عليه وسلم شياطين - من الإنس - أعداء له ، وفي سورة فصلت هناك ما يشير بوضوح إلى شياطين الإنس قال تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا َتحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَِ " سورة فصلت آية 41
وهذا يدل بوضوح على أن هناك شياطين من الإنس ، يتبعون زعيمهم إبليس ، ومن يتشبه به ويسير على خطاه فهو منه ولا شك بذلك .
ومعنى أن لا يكون هناك ملاكًا من البشر لا يعني أنْ لا يكون هناك شيطانًا من الإنس ، لأن الثاني مكلف وقد ينحرف انحرافاً واضحًا عن منهج الله ويعاديه كما فعل المشركين من قريش ؛ فاستحق أن يكون شيطانًا نسبة إلى إبليس ، وأيضًا فلو نحن رأينا رجلاً أو امرأة على سبيل المثال وفي رمضان – كما يحدث الآن – يشرب الخمر أو يدخن ويأكل في الشارع جهارًا نهارًا ، وإذا ما راجعته يرفض الاستماع وينكر الصيام وفضله مع إصراره على فعله ؛ فهل نقول عنه أنه مخطئ أم شيطان وكافر ؟ وكما تعلم فإن إنكار أي ركن من أركان الإسلام أو الإيمان فهو كافر وهذا بإجماع أهل العلم كلهم، ، على أنّ من يريد أنْ يصنف هذا أو ذاك و يطلق عليه لقب شيطان أو يقول عنه كافر ، عليه أن يأتي بدليل قطعي – كما في المثال السابق - يثبت قيامه بفعل يستحق عليه هذا اللقب .
من هـو الجاهل ؛
التعريفات قد تختلف ، و قالوا "العلم إدراك ؛ والجهل تصور الشيء أي إدراكه على خلاف ما هو به في الواقع ". وعلى هذا فالجاهل الذي يتصرف وفق تصوره للأمور وبدون علم ولا دراية ، وقد يتصرف بدراية أيضًا ولكن علمه لم ينفعه فجهل فيما خاض فيه .
والأخطر منه عندما يصبح جهل هذا الجاهل مركبًا فيعمل ويفعل "لأنه لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ".
وما مدى مسئوليته عن جهله ..!
مسئولية مطلقة ؛ لأنه تصرف بناءً على حكمه على الأمور وبناءً على رأيه القاصر ، لأن لا أحد لديه استعداد لتحمل عواقب و مسئولية جهل غيره ، على أننا يجب أن نحدد ما هو طبيعة الجهل هل هو في شيء معين بذاته أي معلوم ؛ أم هو نطلقه على عموم اللفظ .
وهل يعلم الجاهل بجهله ..
ربما يعلم ؛ ولكنه ربما يصر على صحة ما يذهب إليه ، وهنا يصبح جاهل وعنيد ، وهذه هي الطامة الكبرى ، وقد لا يعلم ؛ لأنه بالأصل جاهل و يحكم على الأمور بناءً على ما يتصوره في عقله وبدون إدراك منه ولا علم ولا معرفة .
وهل من عـلاجٍ لإزالة الجهل من فكـر الجاهل ..!
الجهل مرض ، وعلاجه يتوقف على مدى استعداد " الشخص "الجاهل ليتعلم من أخطاءه ومن غيره ، لأن العلم نقيض الجهل ، وبما أنه مرض فحتى في الدول المتطورة لم نسمع أنهم أجبروا إنسانا ما على تلقي العلم كي يخرجوه من الجهل بالقوة ، ومن يظن أن في الغرب لا يوجد جهلة وبكثرة فهو مخطئ ، هذا على المستوى الفردي ، لكن على المستوى الجماعي فإن علاج الجهل هو مسئولية جماعية خاصة في مجتمعاتنا التي ترفل بالجهل ، ورغم أن الدول متطورة قدمت كل التسهيلات لحل هذا الداء في مجتمعاتها ، - على عكس مجتمعاتنا – إلا أن المسئولية تبقى جماعية ، وعلى كل واحد منا أن يأخذ دوره في المجتمع وكل من موقعه ، ويحاول على قدر جهده وطاقته ؛ و على كافة المستويات ، حتى مع ذاك الذي نحمله مسئولية أعماله نتيجة جهله ، لكن تبقى المسئولية أولاً وأخيرًا كبيرة وملقاة على الجميع .
لكنك أحيانًا وفي مجتمعاتنا هذه تجد البعض وقد أصابه الكبر ؛ فيجهل ولسان حاله يقول كما قال الشاعر دريد بن الصمة
وهل أنا إلا من غزية أن غوت *** غويت وإن ترشد غزية أرشد
وهذه آفة كبير كبيرة - بل هي مصيبة - تواجه مجتمعاتنا ؛ إلا وهي العصبية القبلية والطائفية ، لأن الإنسان قد يجهل أحيانًا مع علمه بما سيقدم عليه .
**************************
هذه إجاباتي على طرحك المفيد والرائع والذي حمل في طياته أفكارًا منيرة تستحق الدراسة والتحليل ، ونحن في هذا المنبر الحر نثمن أي مبادرة – مثل هذه المبادرة - من شأنها رفع كفاءتنا الفكرية ، وتعميق الحوار الهادف والبناء لعلّنا نستطيع أن نجد حلولاً نحاول من خلالها تقديم ما هو نافع ومفيد لأمتنا العظيمة .
أشكرك أخي أبو بكر سليمان الزوي على إتاحة هذه الفرصة لي ولجميع من شاركنا في هذا الحوار ، وتبقى القاعدة الرئيسية في أي حوار "إنّ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية " .
وكل عام وأنت بخير
تقديري واحترامي
معروف محمد آل جلول
03-10-2008, 02:04 PM
أخي المحترم أبو بكر سليمان الزوي ..
أشكرك على هذا الطرح الذي نعتبره ..منطلقا فكريا للإجابة على تساؤلاتكم ..منخلال دراسة سلةك البشر في الأرض ..
المجادل بالباطل هو ألد خصم كما ورد في الأثر ..وإليس كلم يكتف بالعصيان بل راح يجادل ..
والحجة واهية ..لم ينظر إلى أمر الله تعالى كمافعل لينفذه ..
بل نظر إلى مادة الخلق ..خلقتني من نار ..خلقته من طين ..
أيها الفاضل لنا عودة جادة ..لأهمية الموضوع ..
أبوبكر سليمان الزوي
04-10-2008, 12:47 AM
أخي العزيز \ راضي الضميري .. أهلاً وسهلاً دائماً، بتعليقاتك، ومحاوراتك، واختلافاتك معي .. التي باتت تروق لي ..
واعلم أخي الكريم، أنه لن يكون بيننا إلا كل خير - مهما اختلفنا في وجهات النظر - بإذن الله ..
وإنني بتُّ أعتقد بأنك أهلٌ للحوار، واختلاف الرأي الذي لا يُفسد للود قضية ..
فحواراتنا هي حوارات أتباع الدين الواحد والرسول الواحد والكتاب الواحد ..
وما هي إلا محاولات لاستيضاح الأمور، واستجلاء الغموض أو الاختلاط الذي يشوب بعض المفاهيم بين المسلمين .. وذلك من أجل تثبيت الإيمان في القلوب وتقوية حجة اللسان به ..
ملاحظاتي ..
أودُّ التذكير أولاً، بنقطة هي من الأهمية بمكان في صلب موضوعنا، وهي :
أن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، يختلف عن موضوع استخلافه في الأرض ! فهذا أمرٌ، وتلك مسألة !
فأمر السجود كان مقروناً بلحظة الخلق .. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29 ، ص 72 .
فأمر الله للملائكة بالسجود لآدم، كان لحظة خلقه وعند نفخ الروح فيه ..
حيث أعلن إبليس تحفظه، ورفض السجود؛ بينما لم يكن الأمر حينها مسألة مطروحة لإبداء الرأي بشأنها أو لأخذ العلم بها!
فقال له الله تعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } الأعراف12 .
بمعنى لماذا لم تنفذ الأمر لحظة صدوره - بغض النظر عن رضاك عن الموضوع وفهمك لسببه - من عدمهما !
في حين امتثل الملائكة لأمر الله بالسجود لآدم، - ولم يُظهروا استغراباً أو تحفظاً، لأن الصيغة واللحظة كانتا في صورة أمر- واجب التنفيذ، ولم تكن صيغة أو لحظة طرحٍ لمسألة !
وإنما أظهروا تحفظهم على سلوك البشر -بأنهم لن يكونوا أهلاً للخلافة في الأرض، وذلك عندما فتح الله لهم المجال للتساؤل، وإبداء الملاحظات !
وأنا أفهم كل هذه الأمور على أنها دروس تمهيدية من الخالق لمخلوقاته حول مسئولياتهم وعلاقاتهم القادمة !
والملائكة- وبكل تأكيد- يعلمون بأنه لا يمكن مقارنة علمهم بعلم الله، فعلمهم جزئي مخلوق بقدر؛ وعلمه سبحانه وتعالى .. كلي شامل أبدي أزلي خالق محيط .. لا نظير له ..
ونحن نعلم، بأن الإيمان والامتثال لأوامر الله، هو مجاهدة ومقاومة للنفس، فهو لا يُحقق زوال التساؤل وانتفاء التحفظ على بعض نقاط الغموض فيما حول المؤمن .. وذلك بسبب طبيعة المخلوقات الفاقدة للكمال !
ولنا في نبي الله إبراهيم المثل الأعلى .. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260 .
فالمؤمن الفقير - مثلاً -، يعبد الله ويمتثل لأوامره، ويعلم بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب ..
ولكن هذا المؤمن ليس راضياً عن وضع الفقر الذي هو فيه، ويبحث عن سببه، ويبذل الجهد لجمع المال .. فهل نقول له، بما أنك مؤمن، فإنه ينبغي عليك أن تكون سعيداً راضياً بفقرك ! وهل يستطيع أن يفعل، حتى لو قلنا له ذلك !
ثانياً
أختلف معك هنا في هذا الاستنتاج ؛ لماذا ؟ لأن تفسير الآية التي جاء فيها خبر خلق سيدنا آدم عليه السلام ...
لأن كلمة تحفظ فيما معناها أن الملائكة سجدت وهي متحفظة على خلق آدم ...
فأن نقول ذلك يعني أن الملائكة وبعد أن تساءلت سجدت وما زال التحفظ قائم عندها على خلق آدم ،
وَرَدَ في تعليقك - وعلى لساني- أكثر من مرة، مقولة( تحفّظ الملائكة على خلق آدم) .. وأنا، إذ أتوقع منك تحرّي الدقة، فإنني أستغرب منك ما قرأت لك !
حيث إنني لم أقل إطلاقاً بأن الملائكة تحفّظت على خلق آدم، لعلمي وإيماني بأنه لا يحق لهم ذلك ! ولا يُمكن لمخلوق أن يتحفّظ على مشيئة الخالق .. بدليل أنهم سجدوا دون نقاش..
وما قلته هو : تحفظت الملائكة على سلوك البشر !!!
وذلك لعلم الملائكة بأن البشر سيسفكون الدماء ويُفسدون في الأرض، .. وذلك عندما أخبرهم ربُّ العزة بأنه جاعلٌ البشرَ خليفة في الأرض !! ولا علاقة للأمر هنا بخلق آدم !
وسلوك البشر ذاك، لم ينفه رب العزة عنهم، ولم يؤنب أو يُعاقب الملائكة على ذكره واستنكاره !
ولكننا نفهم من السياق بأنه أقرهم عليه- فهو الذي أعلمهم به ! ثم قال لهم، هذا ما تعلمونه أنتم عن البشر، ولكني أعلم ما لا تعلمون !
وبكل تأكيد، لا تعلم الملائكة عن البشر أو سواهم من مخلوقات الله .. إلا بقدر ما يأذن لهم الله به !
وأما حول تفسير الآيات، وعلم الملائكة، فأنا لم أقل، بأن الملائكة كانوا يعلمون من تلقاء أنفسهم، بمعزل عن علم الله !
وها أنت ذا تقول (تحتمل)، أي ليس التفسير مؤكداً ، أي أنه افتراض ..
قد أجمع أهل العلم أنها تحتمل ؛ (أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر الملائكة عمّا سيكون (بعلمه)من ذرية المخلوق من قتل وسفك دماء ،
وأما قولك، إن تعجب الملائكة قد زال .. فأنا لم أقل - سابقاً - بأنه ظل قائماً .!
ولكنني أقول الآن، إن سبب تعجب الملائكة واستغرابهم وتحفظهم على سلوك البشر- بما يعني أنهم غير جديرين بالخلافة- من وجهة نظر الملائكة- لعلمهم بسلوكهم ..
إن ذلك التحفظ والتعجب من قبل الملائكة، كان في محله - في حدود علمهم، ولم يكونوا مخطئين في ذلك ..
ولكن ما استجد في الأمر، هو أن الملائكة قد علموا بأن معرفتهم بالبشر محدودة، وبأن سفك الدماء والإفساد في الأرض ما هو إلا جزء من سلوك بعضِ البشر، وأنه ليس هو السبب في استخلافهم !
.. يطيب لي الحوار معك، فأهلاً بك ..
راضي الضميري
04-10-2008, 03:45 AM
أخي العزيز أبو بكر سليمان الزوي
أشكرك على كل ما تفضلت به ، وأرجو أن أكون عند حسن ظنك.
وهنا لا بد أن أوضح نقطة مهمة ألا وهي : أنني لا أحبذ الخوض في مثل هذه الأمور الغيبية والتي تحتاج إلى دلائل قطعية لكي نثبت صحتها ؛ هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن الأمر باعتقادي قد انتهى والخوض فيه لا يزيد ولا ينقص من إيماننا ، على أننا أحيانًا نخوض في مثل هذه المواضيع محاولين قدر الإمكان توضيح الأمور مستندين إلى الكتاب والسنة ، والعقل لوحده قد يعجز عن تفسير كل ما يحيط بها من غموض .
لديّ ملاحظات فأرجو منك أن تتقبلها بصدر رحب كما تعودنا منك أخي العزيز ، وسأضع ملاحظاتي داخل النص وبلون مختلف لعلّي أستطيع أن أوضح مقصدي بشكل أفضل - رغم أنني لست خبيرًا في الاقتباس - وأحب أن أوضح أمرًا آخر وهو أنني أحاول أن استوضح بعض النقاط التي جاءت في نصك في محاولة لإزالة الالتباس الذي قد يحوم حولها وبدافع توضيح الأمور ، لأنها نقاط مهمة ويترتب عليها مفاهيم قد تكون غير متوافقة مع صريح الكتاب والسنة - بخصوص إبليس تحديدًا - فقط لا غير ، ونسأل الله التوفيق والسداد لي ولك وللجميع .
أخي العزيز \ راضي الضميري .. أهلاً وسهلاً دائماً، بتعليقاتك، ومحاوراتك، واختلافاتك معي .. التي باتت تروق لي ..
واعلم أخي الكريم، أنه لن يكون بيننا إلا كل خير - مهما اختلفنا في وجهات النظر - بإذن الله ..
وإنني بتُّ أعتقد بأنك أهلٌ للحوار واختلاف الرأي الذي لا يُفسد للود قضية ..
فحواراتنا هي حوارات أتباع الدين الواحد والرسول الواحد والكتاب الواحد ..
وما هي إلا محاولات لاستجلاء الغموض أو الاختلاط الذي يشوب بعض المفاهيم بين المسلمين .. وذلك من أجل تثبيت الإيمان في القلوب وتقوية حجة اللسان به ..
ملاحظاتي ..
أودُّ التذكير أولاً، بنقطة هي من الأهمية بمكان في موضوعنا، وهي :
أن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، يختلف عن موضوع استخلافه في الأرض ! فهذا أمرٌ، وتلك مسألة !
فأمر السجود كان مقروناً بلحظة الخلق .. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29 ، ص 72 .
فأمر الله للملائكة بالسجود لآدم، كان لحظة خلقه وعند نفخ الروح فيه ..
حيث أعلن إبليس تحفظه، ورفض السجود؛ بينما لم يكن الأمر حينها مسألة مطروحة لإبداء الرأي بشأنها أو لأخذ العلم بها!
أخي العزيز : ما فهمته من هذه النقطة - في نصك - أنّ إبليس اللعين تساءل ومن ثمّ غار وحسد ومن ثمّ رفض السجود وكل ذلك جاء بعد أن حلل - الأمر- اعتمادًا خاطئًا منه على صواب تحليله للأمر ، هذا ما جاء في نصك ، ومن هنا فقد كنتُ أود لو تفضلت بتفصيل هذه النقطة لأنك ذكرت فيما بعد أنه - أي إبليس - باء بغضب الله واستحق لعنته ولم يكن ذلك بسبب جملة من الأمور ذكرتها ومن بينها ... ولا بسبب كفر منه ولا شرك بالله ، وهذا ما لم أتفق معك فيه ، لأن هذه النقطة كانت واضحة في معناها ، لكنك لم تعقب عليها ، فإبليس كفر وهذا لا خلاف عليه عند أهل العلم و كل الأديان السماوية ، لذلك كنت أتمنى عليك أنْ تذكر في نصك أن إبليس باء بغضب من الله وتذكّر كل ما ذكرته لكن بدون ذكرك للفقرة التي ذكرتها سابقًا - أي لا بسبب كفر منه ولا شرك بالله ـ بل بسبب كفر منه .
فقال له الله تعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } الأعراف12 .
بمعنى لماذا لم تنفذ الأمر لحظة صدوره - بغض النظر عن رضاك عن الأمر وفهمك لسببه - من عدمهما !
في حين امتثل الملائكة لأمر الله بالسجود لآدم، - ولم يُظهروا استغراباً أو تحفظاً، لأن الصيغة واللحظة كانتا في صورة أمر- واجب التنفيذ، ولم تكن صيغة أو لحظة طرحٍ لمسألة !
وإنما أظهروا تحفظهم على سلوك البشر -بأنهم لن يكونوا أهلاً للخلافة في الأرض، وذلك عندما فتح الله لهم المجال للتساؤل !
والملائكة- وبكل تأكيد- يعلمون بأنه لا يمكن مقارنة علمهم بعلم الله، فعلمهم جزئي مخلوق؛ وعلمه سبحانه وتعالى .. كلي أبدي أزلي خالق محيط .. لا نظير له ..
ونحن نعلم، بأن الإيمان والامتثال لأوامر الله، لا يوجب زوال التساؤل والتحفظ على بعض نقاط الغموض فيما حول المؤمن ..
هنا لديّ ملاحظة أخي الفاضل : لقد أثبت تساءل الملائكة قصور علمهم أمام علم الله ، وعندما تساءلت كان إبليس موجودًا ، فلم يتدارك الامر لذلك كفر ، لأنه في حالة صدور الأمر فلا مجال للتساءل والتحفظ هذا بخصوص الملائكة على وجه التحديد وفي قصة سيدنا آدم عليه السلام ، أمّا فيما يخص البشر فإن كان تساءل الملائكة أثبت قصوره فكيف بعلم البشر ، لا مجال للتساءل والتحفظ في أمور السنن سنن الله في الكون والخلق ، لأن السنن لا تخاصم ولا ينبغي أن تؤخذ وتتبع بالرأي والتفكير ، فلا تردد ولا تفكير ولا استشارة في أمر قد أمر الله به قال تعالى " (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/ 36 نعم قد يسأل البشر عن أمور تتعلق بالكون والحياة ، والله سبحانه وتعالى يقول لنا وفي أكثر من موضع أن نتفكر في خلق السموات والأرض ، وهذه الحياة ، والغاية التي خلقنا من أجلها ، ويطالبنا بأن نتعلم ونعمل ، ونحاول على قدر جهدنا أن نجد حلولاً لمشاكل الحياة ، ومن ضمنها أن نعتمد على القرآن والسنة ؛ لأن فيها كل ما يلزمنا ، وقال سبحانه وتعالى في كتابه أنه ما فرط في شيء في الكتاب ، وحثنا على طلب العلم وفي كل المجالات ، لكن هناك أمور لم يخبرنا بها ، ولم يعلمنا بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يسأل عنها صحابته وهم خير بني البشر بعد الرسل ، وسكتوا عنها لا لعجز منهم ولا لقصور في علمهم ، بل تحوطًا وخوفًا من الخوض في أمور قد تهلكهم ولا منفعة ترجى من الخوض فيها ، وهم الأعلم بلغة القرآن - فقد نزل بلغتهم - نظرًا لفصاحتهم ونبوغهم وتقواهم
ولنا في نبي الله إبراهيم المثل الأعلى .. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260 .
هنا سيدنا إبراهيم عليه السلام لم يؤمر بأمر من الله ؛ وهناك فرق بين أنْ أسأل فأتحفظ وأتساءل ، وبين أنْ أسأل الله عن أمر لا أعرف له إجابة أو أشكل عليّ وهذا خاص بالأنبياء وهذا زمن الوحي ، أمّا إن سأل الإنسان - في وقتنا - فمن أين ستأتيه الإجابة ، قطعًا من الكتاب والسنة والتي هي مفسرة للقرآن .
فالمؤمن الفقير - مثلاً -، يعبد الله ويمثل لأوامره، ويعلم بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب ..
ولكن هذا المؤمن ليس راضياً عن وضع الفقر الذي هو فيه، ويبحث عن سببه، ويبذل الجهد لجمع المال .. فهل نقول له، بما أنك مؤمن، فإنه ينبغي عليك أن تكون سعيداً راضياً بفقرك !
وهل يستطيع أن يفعل، حتى لو قلنا له ذلك !
نقطة مهمة أخي العزيز أشرت إليها : يبحث عن سببه - أي الفقر - ولكن أين سيبحث هذه النقطة الأهم بنظري ، فنحن حوارنا ينصب حول التساءل والتحفظ وهل هو جائز بحق الله أم لا ،لا حول أن يتساءل الإنسان عن سبب فقره ويسعى تبعًا لذلك في الاجتهاد وجمع المال ، ومن المعلوم أن الله هو الرازق والرزاق ، وبيده مفاتيح كل شيء ، فهل يسأل الله تعالى لمَ لم يرزقه أم يبحث عن الرزق في الأرض ويأخذ بالأسباب ، فلا يتكل ويسأل الله أن يرزقه ، قال تعالى " وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ " الذاريات / 23،22 وهنا أقسم الله جل جلاله بأن الرزق من عنده وهو سبحانه يقسمه بين عباده وحسب مشيئته ، فلا مجال أمام العبد غير السعي في الأرض وطلب الرزق .
ثانياً
وَرَدَ في تعليقك - وعلى لساني- أكثر من مرة، مقولة( تحفّظ الملائكة على خلق آدم) .. وأنا، إذ أتوقع منك تحرّي الدقة، فإنني أستغرب منك ما قرأت لك !
حيث إنني لم أقل إطلاقاً بأن الملائكة تحفّظت على خلق آدم، لعلمي وإيماني بأنه لا يحق لهم ذلك ! ولا يُمكن لمخلوق أن يتحفّظ على مشيئة الخالق .. بدليل أنهم سجدوا ..
بل إنني قُلتُ: تحفظت الملائكة على سلوك البشر !!!
في هذه النقطة بالذات قد تكون محقًا ، لكن دعني أوضح لك السبب الذي دفعني لقول ذلك - وقد أكون مخطئًا على أية حال - إنّ القول بأن الملائكة تحفظت على سلوك البشر و من دون أنْ تعرف الجوانب الأخرى لسلوك البشر ، يدفع للإعتقاد أن الملائكة تحفظت على خلق آدم أصلاً لأنها رأت الجانب السلبي منه فقط ؛ أي أنها لم ترى الوجه الإيجابي ، وهي بهذا التحفظ - أي السلوك - لم ترى ولم تبصر الحكمة من خلق سيدنا آدم عليه السلام ، ومن هنا قد يتبين أنها قالت ذلك بدافع أنه إذا كان سيسفك الدماء ويفسد في الأرض فما الداعي لخلقه ، وهذا ما فهمته من التحفظ السلوك، لذلك عندما قرأت ما كتبته قمت بربط السؤال بالنتيجة التي خرجوا بها ، طبقًا للنص أمامنا ، وقد أكون مخطئًا في تحليلي للأمر ، فعذرًا .
وذلك لعلم الملائكة بأن البشر سيسفكون الدماء ويُفسدون في الأرض، .. وذلك عندما أخبرهم ربُّ العزة بأنه جاعلٌ البشرَ خليفة في الأرض !! ولا علاقة للأمر هنا بخلق آدم !
وسلوك البشر ذاك، لم ينفه رب العزة عنهم، ولم يؤنب أو يُعاقب الملائكة على ذكره واستنكاره !
ولكنه أقرهم عليه- فهو الذي أعلمهم به ! ثم قال لهم، هذا ما تعلمونه أنتم عن البشر، ولكني أعلم ما لا تعلمون !
وبكل تأكيد، لا تعلم الملائكة عن البشر أو سواهم من مخلوقات الله .. إلا بقدر ما يأذن لهم الله به !
وأما حول تفسير الآيات، وعلم الملائكة، فأنا لم أقل، بأن الملائكة كانوا يعلمون من ذات أنفسهم، وأنهم لم يكونوا بحاجة لعلم الله !
وها أنت ذا تقول (تحتمل)، أي ليس التفسير مؤكداً ، أي أنه افتراض ..
وأما قولك، إن تعجب الملائكة قد زال .. فأنا لم أقل - سابقاً - بأنه ظل قائماً .!
ولكنني أقول الآن، إن سبب تعجب الملائكة واستغرابهم وتحفظهم على سلوك البشر- مما يعني أنهم غير جديرين بالخلافة- من وجهة نظر الملائكة- لعلمهم بسلوكهم ..
إن ذاك التحفظ والتعجب من قبل الملائكة، كان في محله - في حدود علمهم، ولم يكونوا مخطئين في ذلك ..
القول أنهم لم يكونوا ( مخطئين ) ليس دقيقًا ، لأن المعلومة التي حكموا عليها لم تكن منهم بالأصل ، بل من عند الله ، والتساءل من قبلهم بُنيَّ على تصور لم يكن دقيقًا ، و بعد الامتحان الذي تعرضوا له تبين لهم الأمر على حقيقته ، فكيف نقول أنهم أصابوا في أمر اعترفوا بقصورهم فيه أمام علم الله فيما بعد .
وأنا هنا اٌقول بناءً على تلك الفقرة التي أوردتها بدءً من كلمة " ولكنني أقول الآن ......إلى ......ولم يكونوا مخطئين في ذلك " على أساس أنها من تحليلك أنت .
ولكن ما استجد في الأمر، هو أن الملائكة قد علموا بأن معرفتهم بالبشر محدودة، وبأن سفك الدماء والإفساد في الأرض ما هو إلا جزء من سلوك بعضِ البشر، وأنه ليس هو السبب في استخلافهم !
.. يطيب لي الحوار معك، فأهلاً بك ..
هذا ما لديّ أخي العزيز بخصوص ملاحظاتك ، ولكن كان هناك ملاحظات بخصوص أمور أخرى تعرضت لها وناقشتها ، كنت أود لو ناقشتها ، ليس من باب استعراض الأمور هكذا وبدون داع ، بل لأننا هنا نتكلم عن أفكار تتعلق بمصيرنا في الحياة الدنيا والأهم الآخرة ، وإذا لم توضح بشكل جلي ، فقد يتبناها أحد ما ، وعلى حسب فهمه - وقد يكون محدودًا- فيرتب عليها استنتاجات قد لا تكون نتيجتها كما أردت لها أنت أو أنا أنْ تكون في المحصلة النهائية .
ومرة أخرى أكرر وأقول إنّ الخوض في مثل هذه الأمور الغيبية لا أحبذه لأنه - بالنسبة لي - لا يقدم ولا يؤخر في مسيرة حياتنا ،لكنني ومن باب الأمانة التي تحملها أنت ونحن جميعًا ، أردت توضيح الأمور وعلى حسب علمي المتواضع وهذا بخصوص مسألة خلق آدم وتساءل الملائكة على وجه التحديد أمّا إبليس اللعين فأمره محسوم سلفًا ؛ لأنّ الآيات القرآنية أوضحت ما كان من شأنه ، وما ترتب عليه بشكل واضح وجلي .
علمًا أن تلخيصك للأسئلة التي خرجت بها كان رائعًا ، ووضع يده على جزء مهم من مشكلتنا التي نعاينها في الوقت الحاضر ، إضافة إلى أمور أعتقد أنها مهمة أيضًا ومن بينها الأسئلة التي لم نجد لها حلاً بعد - أو توافق إن جاز التعبير- وهو : ما هي الأسباب التي أدت بنا للوصول إلى ما وصلنا إليه ؟ كيف ننهض بأمتنا من هذه المأزق الذي تعيش فيه وما هو الحل ؟.
تقديري واحترامي
أبوبكر سليمان الزوي
07-10-2008, 04:47 PM
السلام عليكم ..
أخي راضي الضميري : حيث إنك لا ترغب الخوض في مثل هذه الأمور، وأن الأمر من وجهة نظرك قد انتهى ...؛ وكذلك تركيزك على أمر إبليس دون غيره ..
وهنا لا بد أن أوضح نقطة مهمة ألا وهي : أنني لا أحبذ الخوض في مثل هذه الأمور الغيبية والتي تحتاج إلى دلائل قطعية لكي نثبت صحتها ؛ هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن الأمر باعتقادي قد انتهى والخوض فيه لا يزيد ولا ينقص من إيماننا ،...
وأحب أن أوضح أمرًا آخر وهو أنني أحاول أن استوضح بعض النقاط التي جاءت في نصك في محاولة لإزالة الالتباس الذي قد يحوم حولها وبدافع توضيح الأمور ، لأنها نقاط مهمة ويترتب عليها مفاهيم قد تكون غير متوافقة مع صريح الكتاب والسنة - بخصوص إبليس تحديدًا - فقط لا غير ، ونسأل الله التوفيق والسداد لي ولك وللجميع .
عليه فإنني سأوجز لك ما أقصده ..
1- إبليس اللعين، فسق عن أمر ربه، وأصبح من الكافرين .. لا خلاف ولا جدال في كفره .!
2- رغم أن إبليس قد دخل في زمرة الكافرين، إلا أنه يعرف ضعفه، ويعرف الله حق المعرفة، فلم يُنكر ربوبية الله وقدرته، ولم يُنكر أن لله عباداً مخلصين؛ كما اعترف بأنه قد فُتن .. حيث قال :
{ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } الحجر39 .
( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83} ) ص .
{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } الأنفال48 .
{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }الحشر16 .
3- زبدة القول، ووجه المقارنة هنا، هي: أن معنى الكُفر والإيمان في حالة إبليس كما ورد في القرآن، لا يتوافق مع مفهوم الكفر والإيمان الذي يتداوله المسلمون اليوم - في وصفهم لأنفسهم، وفي علاقتهم بالآخر ..
حيث يُقسّمون العالم إلى دار كُفر ودار إسلام !
في حين أن جُلّ الذين نسميهم بالكافرين اليوم، هم لا يعرفون الله كما عرفه إبليس، وليسوا مستكبرين مثله !
قال تعالى: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }المائدة 82 .
فأنا أرى، أن رسالتنا نحن المسملين - لاسيما العرب-، هي أن نفهم ديننا حق الفهم والمعرفة قولاً، ونكون قدوة لغيرنا عملاً، ثم ندعوهم للإيمان بالبرهان والمنطق، لنقيم عليهم الحجّة ونكون شهداء عليهم .
وليست رسالتنا - فقط - أن ننعتهم بالكافرين، أو ندخلهم في الإسلام بالقوة إن استطعنا.!
فلو اتخذنا حالة إبليس كمقياس لإطلاق صفة الإيمان أو الكفر على الإنسان، فإن الأمر سيكون على مستوى الأفراد، لا على مستوى المجتمعات !
وحينها يجب أن يكون في عداد الكافرين، كل من عرف الله وآمن به، ثم عصى بعض أوامره .. فتكبّر وكذب وزنى واغتاب و... .. ولا تخلو ديار المسلمين من مثل هؤلاء - مع بالغ الأسف !!!!
ولذلك جاء عنوان المقالة : كُنْ ملاكاً .. قبل أن تنعت الآخرين بالشيطنة !
أشكرك أخي راضي الضميري على حوارك الهادئ الهادف الجميل، وأرجو أن أكون قد وُفقت في توضيح وجهة نظري.!
وإن شئت استمر الحوار، وسأوضح لك حينها كل ما التبس لديك من جهتي ..
تحياتي ..
عبدالصمد حسن زيبار
07-10-2008, 08:57 PM
متابعون لهذا الحوار المثمر
راضي الضميري
08-10-2008, 12:54 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ العزيز أبو بكر سليمان الزوي
يطيب لي الحوار معك ، ومهما طال بنا الزمن ؛ فسيبقى حوارنا تحت نفس المظلة التي اتفقنا عليها ، واسمح لي بالدخول في الموضوع ..
ملاحظاتي باللون الأحمر .
السلام عليكم ..
أخي راضي الضميري : حيث إنك لا ترغب الخوض في مثل هذه الأمور، وأن الأمر من وجهة نظرك قد انتهى ...؛
انتهى من حيث أنّ الأمر كان عند بدء الخلق ، وتحيط به أمور غيبية لا نستطيع القطع بها ، ولكننا نعلم من ما أخبرنا به الله تعالى أنها حصلت وانتهى الأمر ، والتفكّر فيها قد يعقد المسائل ، وعامة النّاس اليوم - المتابعين لنا ولغيرنا - لا يملكون الحصانة الكافية ولا العلم الكافي للخوض فيها - ولا أدعي أنني لديّ علم كافي ولا الحصانة اللازمة ولا نزكي على الله أحد - فكلنا مرجون لأمر الله وهو أعلم بنا وبنوايانا
وكذلك تركيزك على أمر إبليس دون غيره ..
لقد ركزت على كل الأمور ، وقلت أنني لم أتفق معك في جزء منها ، وتمنيت عليك لو تعرضت لها ، لكن قضية إبليس اللعين بالذات كنت حريصًا على توضيح الأمور حولها لما سبق ذكره
زبدة القول، ووجه المقارنة هنا، هي: أن معنى الكُفر والإيمان في حالة إبليس كما ورد في القرآن، لا يتوافق مع مفهوم الكفر والإيمان الذي يتداوله المسلمون اليوم - في وصفهم لأنفسهم، وفي علاقتهم بالآخر ..
إن هذا القول يجعلنا نعيد ترتيب الأمور مرة أخرى ؛ أنا أقول ما يلي : إنّ وجه الكفر قريب ومن وجوه عدة ، وتفصيله هو : ليس كل من امتنع عن السجود بكافر ، وليس كل حاسد بكافر ، ولا كل عاص وفاسق بكافر وهذه النقطة بالتحديد هناك أقوال للعلماء فيها لا مجال للخوض فيها الآن ويلزم أن يصاحبها اعتقاد بالكفر من قبل المرتكب لها والله تعالى أعلم .
ولكن ما يهمنا هو ما يلي : إنّ كفر إبليس نتج - بالدرجة الأولى - عن اتهام ونسبة الجور والتصرف الذي ليس بمرضي لله سبحانه وتعالى , ظهر ذلك من فحوى قوله { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } الأعراف آية 12 ؛ أي أنه أُلزم بأمر رأى فيه جور وظلم وتصرف رديء ، وهذا وجه كفره ، وهذا الأمر إضافة لما صدر منه مسبقًا من حسد وغيرة واستكبار .
فكل من قال بقوله فهو كافر - سواء أكان ينتسب للإسلام أم لا - والملايين الآن يقولون بمثل هذا القول ، فيتهمون الخالق سبحانه وتعالى بالجور والظلم والتصرف الرديء - وحاشا لله أن يكون كذلك - لأن من يتهم شرع الله بالباطل ، ويعتقد أنّ ما كلف به من أوامر إلهية غير صالحة وغير عادلة ؛ فقد دخل قوله في قول إبليس ، والله تعالى أعلم.
حيث يُقسّمون العالم إلى دار كُفر ودار إسلام !
هذه المسألة فيها تفصيل ربما لا يعلمه البعض ، ولن أخوض فيه لضيق الوقت ، لكن إنْ قال بهذ القول بعض الجماعات التكفيرية وغلو فيه أو بعض الجماعات المتشددة ، ممن لم يفرقوا بين دار إسلام أودار عهد ودار حرب ، ولم يفرقوا بين حاجة الأمة إلى نظام عالمي عادل تسري قوانينه على الجميع ؛ فهذا ليس بحجة على المسلمين اليوم ؛ لأن التمييز هنا ضروري ، ومن يقول ويعمل ويحلل بناءً على رأيه في هذه المسألة فهو مخطئ ، لأنه لم يرجع إلى أهل العلم في هذه المسألة ، ومثال على ذلك : أمريكا احتلت العراق بدعوى أنه يمتلك أسلحة دمار شامل وتارة أخرى بحجة أنه على علاقة بالقاعدة ، أو بأنها جاءت لتخليص العراق من الظلم والإستبداد . الخ ، فهل يجوز لنا أن نقتل كل أمريكي نراه أمامنا وفي أي مكان من هذا العالم ؟ بالنسبة لي الجواب لا ؛ وهذا الأمر يحتاج إلى رأي الفقهاء بمعنى كلمة دار إسلام ودار حرب ودار عهد ، وفيها تفصيل طويل ، ولكن لا وجه شبه بين هذا التقسيم ووجه الشبه بكفر إبليس ، فهذا أمر وذاك أمر آخر منفصل عنه تمامًا .
فنحن لا نكره سين أو صاد و لا نحاربه ونصنفه بسبب كفره وإيمانه بإبليس أو تشبهه به ، إنْ كان إيمانه وكفره لا يجر علينا الدمار والخراب ، ونفرق - بالنسبة لي - ما بين الإنسان العادي والجندي المحارب ، كما أنّ هناك فرق بين الكفر كمصطلح ودارالكفر ، ولكل مقام مقال .
وليست رسالتنا - فقط - أن ننعتهم بالكافرين، أو ندخلهم في الإسلام بالقوة إن استطعنا.!
أتفق معك تمامًا ، فلا إكراه في الدين ، لكن هناك مسألة مهمة في نظري ألا وهي باختصار : لديّ صديق وهو نصراني ، ودار حديث بيني وبينه عن الدين ، وفي أثناءه قلت له : يا صديقي أنت بنظري كافر لأنك لست مسلمًا ، وأخاف عليك من عاقبة أمرك ، لأن مثواك النار ،هذا ما يخبرني به ديني ، فقال لي : أنا نصراني ولا أتفق معك فيما تقوله ،لكن لم أناديه يومًا بانه كافر ، بل أنا مشفق عيه ، ولعلّه هو أيضًا يبادلني نفس الشعور .
لكن عندما نريد أن نشرح ديننا للآخرين ، ونعرفهم به ، و جاء أحدهم وقال لك : دينك يقول أنني إذا لم أدخل فيه فأنا من أهل النار ، فما هي التسمية التي ستطلقها عليَّ إن لم أدخل في دينك وأنني من أهل النار ؟
ماذا سنقول ؟ هل نقول لا نعلم ، أم أنت كافر ؛و أيضًا - الطرف الآخر - فكنائسهم وحملات التنصير التي قاموا وما زالوا يقومون بها يقولون عنا أننا كفار ، لأنهم وإن لم يقولوا ذلك علنًا ، فواقع الحال سيطرح عليهم نفس المثال الذي سبق وأنْ أشرت إليه.
هذا الموضوع برأيي يحتاج إلى بحث خاص ، لكن لا مناص من الاعتراف بأننا سنقول عن كل من لم يدخل في الإسلام أنه كافر ، تبقى فقط أمامنا قضية التعامل مع الأطراف الأخرى ، وكيف تكون وعلى قاعدة أن لا إكراه في الدين
فلو اتخذنا حالة إبليس كمقياس لإطلاق صفة الإيمان أو الكفر على الإنسان، فإن الأمر سيكون على مستوى الأفراد، لا على مستوى المجتمعات !
وحينها يجب أن يكون في عداد الكافرين، كل من عرف الله وآمن به، ثم عصى بعض أوامره .. فتكبّر وكذب وزنى واغتاب و... .. ولا تخلو ديار المسلمين من مثل هؤلاء - مع بالغ الأسف !!!!
الأمر ليس كذلك وقد سبق وأنْ أوضحت زبدة القول فيه ، وأزيد : ليس كل من عصى وزنى وكذب واغتاب كافر ، لكن من كان مؤمنًا (أو لم يكن ) ثمّ كفر - كما في حالة إبليس - و من تطابقت معه صفاته كحسد وغيرة واستكبار مع اعتقاد الكفر كما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو كذلك ؛ أي كافر ؛ وإطلاق اللفظ على عمومه - كما في هذا المثل - لا أتفق معك فيه .
[/font]
[/right]
يسرني أنْ أتحاور معك - ولولا ظروفي لتابعت أكثر - وأن نحاول لعلّنا نستطيع أنْ نقدم ما هو مفيد ونافع لأمتنا ، وهذا جهد المقل ، فإن أصبت فبتوفيق الله سبحانه وتعالى ، وإنْ أخطأت فمن نفسي والشيطان ، والله تعالى أعلم .
شكرًا لك أخي العزيز أبو بكر وبارك الله فيك.
أبوبكر سليمان الزوي
13-10-2008, 12:11 AM
السلام عليكم ..
أشكـرك أخي الحبيب\عبد الصمد زيبار، على متابعتك للحوار، وحثك على التفكير ..
أخي\ راضي الضميري .. تقول :
انتهى من حيث أنّ الأمر كان عند بدء الخلق ، وتحيط به أمور غيبية لا نستطيع القطع بها ، ولكننا نعلم من ما أخبرنا به الله تعالى أنها حصلت وانتهى الأمر ، والتفكّر فيها قد يعقد المسائل ،
أما أنه أمر كان قد حصل عند خلق آدم\عليه السلام، فلا شك في هذا . أما أن الأمر قد انتهى، ولا يجب التفكّـر فيه .. فلا أعتقد ذلك !
ولا أعتقد بأن الله يذكر لنا أمراً بهذا الحجم وهذا الوضوح، إلا ويريد منا التفكّر فيه ! خاصة وقد أخبرنا بأن إبليس هو عدونا وعلينا أن نتخذه عدواً !
فكيف نتخذه عدواً وهو يرانا ونحن لا نراه .. إذا لم نتفكر فيما أخبرنا الله عنه !
وعامة النّاس اليوم - المتابعين لنا ولغيرنا - لا يملكون الحصانة الكافية ولا العلم الكافي للخوض فيها - ولا أدعي أنني لديّ علم كافي ولا الحصانة اللازمة ولا نزكي على الله أحد - فكلنا مرجون لأمر الله وهو أعلم بنا وبنوايانا
العلم الكافي في أي أمرٍ من الأمور، إنما يأتي بتوفيق الله - أولاً، ثم بالطلب الصادق والأمين له، والبحث الجاد عنه وفيه ومن خلاله. ومن العلم تتأتى الحصانة المنشودة.
وأما عن عامة الناس، فإن المواقع والمنتديات والمحطات، تعج بما هو أخطر من هذا، وربما وجد بعضهم لدينا ما يُعينه على فهم دينه ... فرب مُبلَّغ أوعى من سامع ( رب قارئ أوعى من كاتب)!
وأنا أتفهّم جيداً مبعث خشيتك، وأحترم وجهة نظرك !
إن هذا القول يجعلنا نعيد ترتيب الأمور مرة أخرى ؛ أنا أقول ما يلي : إنّ وجه الكفر قريب ومن وجوه عدة ، وتفصيله هو : ليس كل من امتنع عن السجود بكافر ، وليس كل حاسد بكافر ، ولا كل عاص وفاسق بكافر وهذه النقطة بالتحديد هناك أقوال للعلماء فيها لا مجال للخوض فيها الآن ويلزم أن يصاحبها اعتقاد بالكفر من قبل المرتكب لها والله تعالى أعلم .
لا أريد أن أبدو كمن يُدافع عن إبليس، ويُهاجم بني آدم ..
ولكن قولك: إن العاصي، والفاسق، ومن امتنع عن السجود لله ، .. ليس كافراً .. فأنا أقول .. الله أعلم أولاً وأخيراً وآخراً،
وأقول أيضاً، إن قصة إبليس مليئة بالعبر، التي لا ينبغي تجاهلها .. فهو قد رفض السجود لمخلوق، وذلك فسق منه وعصيان لأمر الله، واستحق بذلك لعنة الله.
ولكن إبليس يعلم ويُقـرُّ بأن عذاب الله شديد، ولا يُنكر قدرة الله، ويعترف بربوبيته وبأنه الخالق، ولم يرفض السجود لله !
فكيف نقول عن الذي لا يسجد لله، ويفسق عن أمر الله، ويعصي الله .. من البشر، بأنه ليس كافراً .!
الله أعلم .. ولكنني أرى بأنه إذا كان الجزم بكفره ليس باستطاعتنا ولا من حقنا ولا نمتلك له الحجة الكافية، فإن الجزم بإيمانه وإسلامه، هو كذلك ليس باستطاعتنا، ولا نمتلك له الحجة الكافية .. والله أعلم !
أي أنه أُلزم بأمر رأى فيه جور وظلم وتصرف رديء ، وهذا وجه كفره ، وهذا الأمر إضافة لما صدر منه مسبقًا من حسد وغيرة واستكبار .
فكل من قال بقوله فهو كافر - سواء أكان ينتسب للإسلام أم لا - والملايين الآن يقولون بمثل هذا القول ، فيتهمون الخالق سبحانه وتعالى بالجور والظلم والتصرف الرديء - وحاشا لله أن يكون كذلك - لأن من يتهم شرع الله بالباطل ، ويعتقد أنّ ما كلف به من أوامر إلهية غير صالحة وغير عادلة ؛ فقد دخل قوله في قول إبليس ، والله تعالى أعلم.
نرى انعكاس مثل هذا الاعتقاد جلياً على تصرفات وسلوكيات الكثير الكثير من الناس، ولكنهم لا يُعلنون ذلك باللسان، والله أعلم بما في قلوبهم .
ولكن أفعالهم تدل على أنهم يعتقدون- كما قالت المرجئة - بأنه لا تضر مع الإيمان معصية .!
وأنا أقول .. والله أعلم .. إن في ذلك شبهٌ لفعل إبليس ..!
ويبقى أن أُذكـر، بأن باب التوبة مفتوح، ولكن على هؤلاء أن يتذكروا أيضاً بأن كل لحظة في حياتهم، قد تكون هي لحظة خروج الروح !
أشكر لك أدب الحوار ومواصلته، وأُقدر لك ظروفك .!
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir