المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموقرون



أحلام الزعيم
03-10-2007, 08:42 AM
الموقرون

- أنا الموقر حسين علي .. ألا تعرفني ؟! لا أحد في هذه المدينة يجهلني .. أنا من رسم مخطط هذا المكان , إنه الأشهر على الإطلاق هنا . هيا يا رجل بربك أخبرني لماذا يعتليك هذا الذهول؟! آه .. تستغرب أن أجلس معك .. حسنا أن متواضع بطبعي .. أجل متواضع لا تستغرب لقب الموقر الذي أسبق به اسمي إنه إشارة إلى كل أبناء أرض العيون الصغيرة . ما بك ألا تصدقني ؟! اسمع .. أصحاب الأرض هنا – أرض العيون الكبيرة – يسبقون أسماءهم بـ ( النبيل ) ؛ ماذا عنك ؟! دعني أرى عينيك .. عجيب لا يبدو عليك أنك من مكان ! أقصد أنك لست من أرض العيون الصغيرة ولا الكبيرة عيناك جاحظتان جدا .. يا إلاهي إنهما أغرب عينين رأيتهما على الإطلاق؛ قل لي من أنت ؟ وأين أرضك التي يقطنها أصحاب هذه العيون ولماذا أنت هنا ؟ .. حسنا دعك من كل هذا سأخبرك أنا بقصتي .. لقد أتى جدي إلى هنا في شبابه للعمل برصف وتمهيد الطرق ؛ وحين قامت حرب أرض العيون الصغيرة مع جارتها أرض العيون الحمراء لم يستطع العودة . ورغم أن الحياة هنا كانت صعبة جدا في أولها إلا أنها راقت لجدي بعد ذلك . فقد كان النبلاء نبلاء معهم ! بل إن جدي عاش عصره الذهبي حين بدأ الحكم الشيوعي ؛ فلم يعد هناك نبلاء ولا موقرون وأصبح الجميع مدعوكون أقصد مواطنون ! ولو كانت الظروف مهيأة لعودة جدي إلى أرض العيون الصغيرة لما عاد , لأنه أحب الأرض التي عمل بها , كان يقول أن كل شيء هنا اختلط بعرقه الزفت والإسفلت والاسمنت وحتى الطين والطحين . لكن ليت الحال بقي على ما كان .. ما بالك يا رجل تتململ في جلستك كأنك بللت ثيابك ! هل أطلت عليك ؟! أجل .. أجل فهمت سأكمل باختصار , في آخر سني جدي انتهى العهد الاشتراكي بلا رجعة .. أجل .. وعاد النبلاء ( سوبر ) نبلاء ؛ أما الموقرون أصبحوا ( مني مم ) موقرون ! لقد عمل والدي باجتهاد بالغ حتى يوفر لنا معيشة مناسبة في الواقع الرأسمالي . لم يكن متعلما لكنه حرص على تعليمنا بشدة حتى أنه أرسلني لإكمال تعليمي إلى أرض العيون الناعسة رغم أن التعليم هنا كان متاحا للموقرين حينها . سامح الله أبي ؛ ليته لم يفعل .. ليته لم يحرص على تعليمنا . المتعلمون يا صديقي لا يعرفون كيف يجنون المال . أجل صدقني .. لقد كانت معيشتنا جيدة جدا بالنسبة للموقرين رغم أن أبي لم يكن متعلما , أما أنا فلم أستطع أن أوفر لأبنائي ما وفره لي والدي , خاصة وأن ثمن حياة الموقرين هنا باتت باهظة جدا , لقد أنفقت كل ما جمعته لتعليم أبنائي في مشفى قضى فيه والدي آخر أيامه . ولداي الأكبران فاتهما العام الجامعي الأول لأنني لم أتمكن من تسجيلهما . الأنكى أن مدير عملي استغنى عني ولم أجد عملا بديلا ..

* * *
* * *
* * *
يرجى الانتباه .. على جميع الركاب المتوجهون إلى أرض العيون الصغيرة على الرحلة رقم مئة وأربعة وثمانون التوجه إلى البوابة رقم ستة


* * *
* * *
* * *
- أنت تتململ مجددا .. لا عليك سأغادرك . هذه الرحلة التي ستقلنا أنا وأبنائي إلى أرضنا , علي أن أحبها كما أحببت هذه الأرض .. لكن بالله عليك كيف لي أن أعيد جدي ليخلط عرقه بالزفت والإسفلت والإسمنت والطين والطحين ؟! كيف سأعود طفلا أدرس في مدرسة للموقرين فقط دون أن أرى صديقا نبيلا واحدا ؟! كيف سأحمل باقي روحي وأرحل عن قبر أبي وجد وقبر أيامي الحلوة وأجيب أبنائي عن أرضي ؟! كم أتمنى لو أستطيع توفير ثمن المعيشة الباهظة ولا أغادر المكان الذي أحب ,, بقي شيء أخير أود قوله لك .. أعلم أن الاستماع إلى شخص يحكي بلغة لا تفهمها أمر ممل ! لكن سيدرك حفيدك كم سيكون مريحا التحدث بكل ما تريد إلى شخص لا يفهم لغته قبل أن يغادر .. فقط أخبر حفيدك ألا يكون غبيا مثلي ويرسم هو مخطط مطار ترحيلكم إلى أرض العيون الجاحظة .. سررت بلقائك .

تمت
أغسطس 2007

جوتيار تمر
03-10-2007, 11:15 AM
العزيز احلام....
الصورة والبناء جميلان/ والسردية انتهجت مبدأ الايحاء/ لذا نجد حضورا قويا لرمزية / ذات دلالات/ استفزازية لذهنية المتلقي/ في تنامي السرد / لامست جهدا مكثفا في عملية الخلق الصوري المشهدي/ في النص/ بما يعطي الفرصة لدى المتلقي في التعمق الذهني بصورة اكثر/ الكتابة السردية تستفز الوضوح و الاجترار بالتأمل والسؤال / لكن ما أن تحاصر بالتفكير النوايا والمقاصد على التقريب وفق ما يناسب حالة القراءة دون انفصال عن البيئة والمحيط / وهذا بلاشك قفزة رائعة في النص هذا/ حيث الدلالات جاءت واضحة/ في هذا الغرض/ الارض/ والارض الاخرى/ حوارية داخل النفس/ مع الاخر/ ذات طابع ومدلول/ ايماني/ ومن ثم استحضارات/ وذكريات/ وكأن الاباء هم السبب في المعاناة الحالية/ وكأننا نحن الان نعيش حالة خارجة عن كوننا لسنا كذلك/ الامر هكذا تسير/ وهكذا تصبح/ فكيف التحول...؟ سؤال يبقى يرن في اذهاننا...!!!

دمت بألق
محبتي لك
جوتيار

آمال المصري
29-05-2013, 09:05 AM
أسلوب جديد جذبني للقراءة والبحث عن المزيد لأعرفك أكثر أيتها الرائعة
للرفع حتى تأخذ حقها في القراءة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

د. محمد حسن السمان
31-05-2013, 07:39 AM
قرأت العمل منذ فترة طويلة , وكنت متابعا لأعمال الأديبة الأكاديمية الدكتورة أحلام الزعيم , وقد افتقدنا وجودها
بيننا , أذكر لقاءاتنا الجميلة في قسم اللغة العربية , في دولة الكويت الشقيقة , حيث كان يعمل أخي الحبيب الراحل
الأستاذ الدكتور مصطفى العراقي , ثم أذكر أن الدكتورة أحلام انتقلت للعمل في الدراسات والأبحاث في دولة الكويت ,
وكم أتمنى لو عادت بيننا , كم أتمنى أن نعرف أخبارها , نرجو الله أن تكون وأسرتها الكريمة بخير .

د. محمد حسن السمان

براءة الجودي
31-05-2013, 11:09 PM
الكاتبة الفاضلة / أحلام الزعيم
كان اسلوب القصة ساخريًّا فيه شئٌ من الاعتراض على الحال وهذه قضية المسلمين اليوم ومايعانونه وهي سلسلة مترابطة من ماضيهم وماضي أجدادهم وحتى اليوم ولم نصل لحال كهذا إلا بسبب أغلاط لم ننتبه إليها أدّت إلى هذه النتيجة المخزية والفضفضة المُحرِقة وهو مما اقترفته يادي الكثير ولكنا ن ردنا التحول إلى الأفضل فعلينا أن نتدارك ونتعظ من أخطاء الماضي ونصحح ونغير ونبدِّل وهكذا هي الحياة
تقديري

لانا عبد الستار
18-06-2013, 02:55 AM
نص جميل بأسلوب مميز ولغة جيدة
شكرا لما منحتني قراءته

نداء غريب صبري
10-07-2013, 03:17 PM
قصة جميلة بأسلوب ساخر ممتع
أعجبتني وامتعتني قراءتها

شكرا لك اختي

بوركت

د. سمير العمري
19-06-2014, 06:35 PM
نعم هو نص مختلف فيه خيال خصب وإسقاطات رائعة وأداء واع قدير.

نرجو أن تكون الأديبة الكريمة بخير وأن نراها بيننا مجددا!

تقديري

ربيحة الرفاعي
30-06-2014, 05:49 PM
تجنيد للحرف متقن باستلهام المشهد السياسي وتوظيف الإسقاط في خدمة الفكرة بعكس ما هو معروف من توظيف الفكرة في خدمة الإسقاط
الأداء موفق والأسلوب شائق

دمت بخير

تحاياي

ناديه محمد الجابي
24-12-2021, 11:15 AM
نص قصي مميز بلغته المختلفة، وأسلوبه الساخر ، وسرده الشائق
أداء ملفت وتصوير حذق الإلتقاط والتوصيف.
دمت بكل خير.
:001::001: