المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (1)



حسنية تدركيت
28-10-2007, 01:50 AM
فهذه سلسلة تراجم بعض العلماء , والمحدثين من هذه الأمة , التي حباها الله مجدا وعلوا إلى قيام الساعة..نركز فيها على الجوانب الخاصة والعامة من حياة هؤلاء العلماء ؛ من صفات وأخلاق وآداب وعلم ودين وعبادة , فما أحوجنا إليها في هذه الأزمان , فلا عود لعزٍ ومجد لما كانت عليه هذه الأمة ؛ إلا بالرجوعِ لما كان عليه الأول من هذه الصفات , وإحياء ما مات من هذه الخلال .

فإن سير هؤلاء ظلت غائبة عند كثير من المسلمين , فضلا عن غيرهم ممن لا ينتسبون لهذا الدين , فظل المشعل الهادي للحيارى منطفئا , ينتظر من يشعله ليضيء الطريق . فإن الناس ملّوا سماع الكلام , الكل يريد الآن أن يرى واقعا لهذا الدين , كما كان واقعا عند هؤلاء العلماء ومن تابعهم من المسلمين , قائما قد اختلط بقلوبهم وعقولهم , وامتزج باللّحم والعَصب , لقد كانت أنفاسهم لله وحركاتهم لله وسكناتهم لله . إن تكلموا فكلامهم لله , وإن سكتوا فسكوتهم لله . أناروا الدنيا بدينهم وعلمهم وعباداتهم وعملهم , فإن نظرت في سلوكهم وأخلاقهم , قلت هذه آداب وأخلاق الأنبياء , وإن قرأت عن بيعهم وشرائهم وتعاملهم مع الناس , رأيت ترجمة لكتاب الله , وواقعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ونبدأ بسيرة [سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ] هذا العلم الشامخ ، والضوء اللامع الذي أنار الدنيا في زمانه علما وعملا , وأحيا ما غاب واندثر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , والذي تبوء في قلوب المسلمين مكانة لا يبلغ النجم مداها ؛ رغم هروبه من الشهرة والمنصب والجاه , إلا أن القلوب كانت تنشده وتهواه , والكل كان يتمنى أن يقترب منه ويراه .

اسمه ونسبه ومولده :

هو : أبو عبد الله سفيان الثوري - ينسب لثور مُضَر لا إلى ثور همدان - الكوفي الفقيه , أمير المؤمنين في الحديث .

مولده :

قال الذهبي : ولد سنة سبعٍ وتسعين اتفاقا .

شيوخه وطلابه :

لو تأملنا العصر الذي نشأ فيه سفيان لوجدنا ازدهارا في العلم ؛ وخاصة العلوم الشرعية , فقد كان الخلفاء يَحُثُّون على ذلك ويَحُضُّون عليه , ويشجعون العلماء وطلبة العلم , وربما بذلوا الجهد في التقرب إليهم , وطلب الرضى منهم , وبذلوا في ذلك الغالي والنفيس .

فهذا العصر برع فيه العلماء ؛ وانتشروا بين الأمصار يعلمون الناس وينشرون ما عندهم من علم ودين , وكان لا يعترضهم أحد ، فكان لهذا الأثر في كثرة العلماء وطلاب العلم , ومن ثَمّ نجد أن شيوخ سفيان كُثْرٌ وكذلك طلابه , ربما يعجز المرء عن إحصائهم .

شيوخه :

لقد كان سفيان رحمه الله رُحَلَة في طلب العلم , لا يسمع بشيخ في أطراف الأرض إلا ورحل إليه , ساعده على ذلك خِفْةُ الظَّهْر وعدم الشاغل .

فعن حميد بن الأسود قال : قال لي سفيان تجيء حتى نخرج إلى يونس ابن يزيد الأيلي فقلت له : أنت فارغ , وأنا علي عيال .

وقد ساق بعضهم الذهبي في السير , ورتبهم على حسب المعجم فمنهم :

الأسود بن قيس , وأشعث بن أبي الشعثاء , وأيوب السختياني , وبَهْزُ بن حكيم , وثور بن يزيد , وجامع بن شداد , وحبيب بن أبي ثابت وهو من كبار شيوخه , وحُميد الطويل , وخالد الحذّاء , ورَبيعة الرأي , وزياد بن عِلاقة وهو من كبار مشيخته , وأبو حازم : سلمة بن دينار , وسلمة بن كُهيل وهو من كبارهم , وسليمان الأعمش , وسليمان التيمي , وعاصم الأحول , وعبد الله بن سعيد المقبري , وعبد الله بن عون ، وعطاء بن السائب , وعكرمة بن عمار , وعمرو بن دينار , ومحمد بن المنكدر وهو من كبارهم , وهشام ابن عُروة , ويحيى بن سعيد الأنصاري , وأبو إسحاق السَّبيعي . ويقال إن عدد شيوخه ست مائة شيخ . وكبارهم الذين حدثوه عن أبي هريرة وجرير بن عبد الله وابن عباس و أمثالهم .

تلاميذه :

فهم خلق عظيم أيضا ؛ حتى ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنهم أكثر من عشرين ألفا . وتعقبه الذهبي بقوله : وهذا مدفوع ممنوع , فإن بلغوا ألفا فبالجهد . وما علمت أحدا من الحفاظ روى عنه عددٌ أكثر من مالك , وبلغوا بالمجاهيل وبالكذابين ألفا وأربع مائة .

وقد حدّث عنه جماعة من مشيخته وغيرهم خلق , منهم : الأعمش , وأبان بن تغلب , وابن عجلان , وخصيف , وابن جريج , وجعفر الصادق , وجعفر بن برقان , وأبو حنيفة , والأوزاعي , ومعاوية بن صالح , وابن أبي ذئب , ومِسْعر , وشعبة , ومعمر , وكلهم ماتوا قبله .
أصحُّ أسانيدِ الثوري .

فأصح الأسانيد عن ابن مسعود رضي الله عنه : سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود .

وقيل أصح الأسانيد إلى عائشة رضي الله عنها : سفيان الثوري عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة .

وقال الإمام أحمد : ليس بالكوفة أصح من هذا الإسناد : يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان الأعمش عن الحارث بن سويد عن علي رضي الله عنه .

سفيان أمير المؤمنين في الحديث .

وإليك بعض أقوال أهل العلم منها :

ما قال شُعبة , وابن عيينة , وأبو عاصم , ويحيى بن معين , وغيرهم : سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث .

وعن شعبة قال : ساد سفيان الناس بالورع والعلم .

وقال أيضا : سفيان أمير المؤمنين في الحديث .

وقال ابن المبارك : كتبت عن ألفٍ ومائة شيخ , ما كتبت عن أفضل من سفيان .

وقال أيضا : ما نُعِتَ لي أحدٌ فرأيته إلا وجدته دون نعته إلا سفيان الثوري .

وعن إبراهيم بن محمد الشافعي قال : قلت لعبد الله بن المبارك : رَأَيْتَ مثل سفيان الثوري , فقال : وهل رأى سفيانُ الثوري مثلَ نفسه .

عن أبي داود قال : قدمت المسجد الحرام فرأيت حلقة نحوا خمسمائة - أقل أو أكثر - ورجل في وسطها نائم , قلت : من هذا ؟ قالوا : هذا أمير المؤمنين , هذا سفيان الثوري , فرأيت رأسه في حجر زائدة , ورأيت رجله في حجر سفيان بن عيينة , ورأيت رجله الأخرى في حجر زهير , قلت : ما له ؟ قالوا : أصابته مَلِيلة -يعني حُمى .

سفيان آية في زمانه .

وقال ورْقاء وجماعة :لم ير سفيان الثوري مثل نفسه .

وعن شعيب بن حرب قال : إني لأحسب أنه يجاء غدا بسفيان حجة من الله على خلقه . يقول لهم : لم تدركوا نبيكم ؛ قد رأيتم سفيان .

قال ابن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة : ابن عباس في زمانه , والشعبي في زمانه , والثوري في زمانه .

قال علي بن المديني : لا أعلم سفيان صحَّف في شيءٍ قط , إلا في اسم امرأةِ أبي عبيدة , كان يقول : حُفَيْنَة , الصّواب : جُفَيْنَة -بِجِيمٍ .

وروى المرُّوذِيّ , عن أحمد بن حنبل قال : أتدري من الإمام ؟ الإمام سفيان الثوري , لا يتقدمه أحد في قلبي .

وعن ابن عيينة : جالست عبد الرحمن بن القاسم , وصفوان بن سليم , وزيد بن أسلم , فما رأيت فيهم مثل سفيان .

عقيدته ومنهجه :

كان رحمه الله على عقيدة أهل السنة والجماعة , متبعا للأثر ناصحا للأمة , قائما بالحق , ولقد منَّ الله على سفيان في أول الطَّلب برجلين من أشدِّ الناسِ موافقة للحق واتباعا للسنة ؛ وهما أيوب السَّختياني , وعبد الله بن عَوْن ، فأخذا بيده وأقاماه علي عقيدة أهل السنة والجماعة , خلافا لما كان عليه شيعته وعشيرته بالكوفة .

فعن زيد بن الحباب قال : خرج سفيان إلى أيوب , وابن عون , فترك التَّشَيُّع .

وكان دائمَ الثناءِ عليهما رحمه الله .

وقيل أيضا يونس وسليمان التيمي .

فعن يحيى بن يمان قال : قال سفيان الثوري

كانت الخشبية([1]) قد أفسدوني , حتى أنقذني الله بأربعة لم أرى مثلهم , أيوب ويونس وابن عون وسليمان التيمي الذين يرون أنه لا يحسن أن يُعصى الله .

وكذلك هو رحمه الله كان له فضلٌ ومنة على طُلَّابهِ في اتباع عقيدة السَّلف ، فقد كان سببا في إنقاذ الأمام يوسف بن أسباط من ضلالتينِ !! القدر والرفض ، وظلّ بعد ملازما لسفيان كظله 0

قال يوسف بن أسباط : كان أبي قَدَريا ، وأخوالي روافض ، فأنقذني الله تعالى بسفيان .

اتباعه للسلف .

وكان مُتَّبعا لمنهج السلف في الاعتقاد , والأقوال , والأفعال :

قال أبو نعيم : سمعت سفيان يقول : الإيمان يزيد وينقص .

وعن ابن المبارك أنه سمع سفيان يقول : من زعم أنَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص 112/1] مخلوق فقد كفر بالله .

وعن عبد الرزاق قال : سمعت مالكا والأوزاعي وابن جريج والثوري ومعمرا يقولون : الإيمان قول وعمل , يزيد وينقص .

وقال معدان : سألت الثوري عن قوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ }؟ [سورة الحديد 57/4] قال : عِلْمه .

قال محمد بن يوسف الفريابي : سمعت سفيان يقول : إن قوما يقولون لا نقول لأبي بكر وعمر إلا خيرا , ولكن علي أولى بالخلافة منهما . فمن قال ذلك ؛ فقد خطَّأ أبا بكر وعمر , وعليا , والمهاجرين , والأنصار , ولا أدري ترتفع مع هذا أعمالهم إلى السماء ؟!.

قال عبد العزيز بن أبان : سمعت الثوري يقول : من قدَّم على أبي بكر وعمر أحدا , فقد أزرى على اثني عشر ألفا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , توفي رسول الله وهو عنهم راض .

قال عطاء بن مسلم : قال لي الثوري : إذا كنت بالشّام , فاذكر مناقب علي , وإذا كنت بالكوفة , فاذكر مناقب أبي بكر وعمر .

حفظه وسيلان ذهنه :

كان سفيان رحمه الله قد حباه الله ملكة عظيمة في الحفظ , حتى كان موضع دهشٍ من شيوخه وأقرانه , بل بمجرد ورود الكلام على أُذنه يعلق به .

قال عبد الرزاق وغيره , عن سفيان : ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني .

وعن يحيى بن يمان قال : سمعت سفيان الثوري يقول : ما استودعت أذني شيئا قط إلا حفظته , حتى أني أمر بكذا -كلمة قالها - فأسدُّ أذني مخافة أن أحفظ ما يقول .

وقال : أمرُّ بالحائكِ يغني فأسدُّ أذني .

قال ابن المبارك : كنت إذا أعياني الشيء , أتيت سفيان أسأله , فكأنما اغتمسه من بحر .

قال مهران الرازي : كتبت عن سفيان الثوري أصنافه , فضاع مني كتابُ الدّيات , فذكرت ذلك له , فقال إذا وجدتني خاليا فاذكر لي حتى أُمْلِه عليك , فحجَّ فلما دخل مكة , طاف بالبيت وسعى , ثم اضطجع , فذكَّرته فجعل يُمْلي عليَّ الكتاب , بابا في إثر باب , حتى أملاه جميعه من حفظه .

قال الأشجعي : سمعت من الثوري ثلاثين ألف حديث .

أثر العبادة على حفظه .

فالعبادة والزهد غالبا يُؤَثِّران على طبيعة الشخص وحفظه وذكائه , وقد تغير جماعة من العلماء بسبب غلبة العبادة , ورغم كثرة عبادته وزهده رحمه الله ؛ لم يُؤثر ذلك في حفظه وروايته للحديث ، بل لقب بأمير المؤمنين في الحديث , بل بإمام الدنيا في زمانه .

قال يحيى بن سعيد القطان : كان سفيان الثوري ؛ ما شئت من صلاة وقراءة , فإذا جاء الحديث فكأنه ليس الذي كان .

وكيف بقولِ أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج وهو يقول : سفيان أمير المؤمنين في الحديث .

وقول ابن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة : ابن عباس في زمانه , والشعبي في زمانه , والثوري في زمانه .

العلم أفضل من مُلك الدنيا .

فطلب الكفاية من العيش للانشغال بالعلم أولى من الانهماك في الدنيا والانشغال بها , فالدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة , فمن يسر الله له سبل العيش ورُزق العلم النافع فهذا خير له من مُلك الدنيا .

قال سفيان رحمه الله : لما أردت أن أطلب العلم ؛ قلت : يا رب إنه لا بد لي من معيشة , ورأيت العلم يدرس , فقلت : أفرغ نفسي لطلبه .

قال : فسألت ربي الكفاية والتشاغل لطلب العلم , فما رأيت إلا ما أُحب إلى يومي هذا .

وعن وكيع قال : رأيت سفيان الثوري أملى على رجل شيئا ؛ فقال : هذا خير لك من ولايتك الرَّي .

وعن ضمرة بن ربيعة قال : كان سفيان ربما حدَّث بعسقلان يبتدئهم يقول : انفجرت العين , انفجرت العين , يعجب من نفسه , وربما حدث الرجل الحديث فيقول له : هذا خير لك من ولايتك عسقلان وصور .

حثُّه على طلب العلم .

وكان رحمه الله يحث على تحصيل العلم , وبيان فضله , والاستفادة منه ؛قبل ضياع العمر وفواته .

فعن زيد ابن أبي الزرقاء قال : خرج سفيان ونحن على بابه نتدارى ([2])في النسخ , فقال : يا معشر الشباب ! تعجلوا بركة هذا العلم ؛ فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تؤملون منه , ليفد بعضكم بعضا .

وعن يوسف بن أسباط قال : سمعت سفيان الثوري يقول : الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الخبز واللحم .

وكان رحمه الله شديد الخوف على كتبه من التغيير والتبديل ؛ حتى ربما دفنها خشية عليها من عبث العابثين .

وعن أبي عبد الرحمن الحارثي قال : خاف سفيان شيئا فطرح كتبه , فلما أمِنَ أرسل إليّ , وإلى يزيد بن توبة المرهبي , فقال : أخرجوا الكتب . فدخلنا البئر فجعلنا نخرجها , فأقول : يا أبا عبد الله وفى الرِّكاز الخمس , وهو يضحك فأخرجنا تسع قمطرات([3]) كل واحد إلى ها هنا - وأشار إلى أسفل ثَنْدُوَتِهِ ([4]) قال : فقلت اعْزِلْ كتابا فحدثني به . قال : فعزل لي كتابا فحدثني به

احتساب الولد في طلب العلم .

وربما هون على أهل طالب العلم , بما ينكرونه من حال ولدهم , وانشغاله بالعلم , الذي ربما يحول بين الطعام , والشَّراب , والنوم , فينزعج الأهل من حال ولدهم فيأمرهم باحتسابه .

فعن إبراهيم بن سليمان الزيات قال : كنا عند سفيان الثوري فجاءت امرأة فشكت إليه ابنها , وقالت : يا أبا عبد الله أجيئك به تعظه , فقال : نعم جيئي به . فجاءت به فوعظه سفيان بما شاء الله , فانصرف الفتى , فعادت المرأة بعد ما شاء الله , فقالت : جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله -وذكرت بعض ما تحب من أمر ابنها -ثم جاءت بعد حين , فقالت : يا أبا عبد الله ابني ما ينام الليل , ويصوم النهار , ولا يأكل , ولا يشرب . فقال : ويحك مم ذاك ؟ قالت : يطلب الحديث . فقال : احتسبيه عند الله .

شدة انشغاله بالحديث .

وكان له انشغال عجيب بالحديث ؛ حتى عند سكرات موته رحمه الله .

فعن فرقد إمام مسجد البصرة قال : دخلوا على سفيان الثوري في مرضه الذي مات فيه ؛ فحدثه رجل بحديث فأعجبه ؛ فضرب يده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحا له فكتب ذلك الحديث . فقالوا له : على هذه الحال منك ؟ فقال : إنه حسن , فقد سمعت حسنا , وإن مت فقد كتبت حسنا .

وقال بكر بن خلف , حدثنا مؤمل قال : رأيت سفيان في المنام , فقلت يا أبا عبد الله ! ما وجدت أنفع ؟ قال الحديث .

وكان رحمه الله بنصح من يطلب العلم بالتعفف , والنفقة على نفسه , فإن لم يكن عنده نفقة أوصاه أن يطلب معاشه أولا .

عن عبد الرحيم بن سليمان الرازي قال : كنا عند سفيان الثوري ، فكان إذا أتاه الرجل يطلب العلم سأله : هل لك وجه معيشة ؟ فإن أخبره أنه في كفاية من العيش ؛ أمره بطلب العلم ، وإن لم يكن في كفاية ؛ أمره بطلب المعاش أولا .

مكانته في الفقه :

لقد تبوء سفيان مكانة عالية في الفقه حتى أصبح أحد الأئمة المتبوعين ممن يرجع إليهم في الفقه والفتيا .

مكانته في التفسير :

وكان رحمه الله آية في تفسير القرآن , وقد استشهد بأقواله أئمة التفسير , حتى لو تتبع أحدٌ أقواله في التفسير لأخرج مجلدا كاملا , قال عبد الرزاق : سمعت سفيان يقول : سلوني عن القرآن فإني به عالم , وسلوني عن المناسك فإني بها عالم .

كراهيته للشهرة :

وكان رحمه الله لا يحب الشهرة ويخاف منها على نفسه ويهرب ما استطاع .

فعن سفيان بن عيينة قال : قال سفيان الثوري : كنت إذا رأيت الرجال يجتمعون إلى أحد غبطته , فلما ابتليت بها ؛ وددت أني نجوت منهم كفافا لا علي ولا لي .

وعن خلف بن تميم قال : سمعت سفيان الثوري يقول : لولا أن أستذل لسكنت بين قوم لا يعرفونني .

وعن أحمد بن يونس قال : سمعت سفيان يقول : ما رأيت للإنسان شيئا خيرا من أن يدخل في جحر ، قال ابن يونس : اليوم ينبغي أن يدخل في قبر .

قال الثوري رحمه الله :

العلماءُ إذا عَلِموا عَمِلوا ، فإذا عَمِلوا شُغِلوا ، فإذا شُغِلوا فُقِدوا ، فإذا فُقِدوا طُلِبوا ، فإذا طُلِبوا هَرَبوا .

[سنكمل فى المرة القادمة إن شاء الله ، ملخصا من كتاب الشيخ "سفيان الثوري" طبعة دار السلام]


--------------------------------------------------------------------------------

1 - فرقة من الشيعة .

2 - نخفي ونمنع .

3 - القِمَطْر : الصندوق الذي يصان فيه الكتب .

4 - أي اللحم المحيط بالثَّدي .

منقول[/QUOTE]

سحر الليالي
28-10-2007, 04:47 PM
بارك ربي بك وجزاك كل خير يا حسنية

كوني دوما بخير

حسنية تدركيت
29-10-2007, 12:19 AM
بارك ربي بك وجزاك كل خير يا حسنية
كوني دوما بخير
جزاك ربي الجنة غاليتي :001:

عدنان أحمد البحيصي
29-10-2007, 01:35 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم


للتثبيت تقديراً

حسنية تدركيت
30-10-2007, 01:38 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم
للتثبيت تقديراً

جزاك الله خيرا اخي الفاضل
ولا حرمك ربي الاجر والثواب

حسنية تدركيت
30-10-2007, 01:52 PM
إبراهيم بن أدهم
كان والده من أغنى أغنياء خراسان وأحد ملوكها، ولد (إبراهيم) بمكة حينما خرج أبوه وأمه إلى الحج عام 100 هـ أو قريبًا منها، وفتح عينيه على الحياة؛ ليجد الثراء يحيط به من كل جانب؛ فعاش حياة الترف والنعيم، يأكل ما يشاء من أطيب
الطعام، ويركب أحسن الجياد، ويلبس أفخم الثياب.
وفي يوم من الأيام خرج ابراهيم ابن ادهم راكبًا فرسه، وكلبه معه، وأخذ يبحث عن فريسة
يصطادها، وكان إبراهيم يحب الصيد، وبينما هو كذلك إذ سمع نداء من خلفه يقول له: (يا إبراهيم ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت) فوقف ينظر يمينه وشماله، ويبحث عن مصدر هذا الصوت فلم ير أحدًا، فأوقف فرسه ثم قال: والله لا عصيت الله بعد يومي ذا ما عصمني ربي.
ورجع إبراهيم بن أدهم إلى أهله، فترك حياة الترف والنعيم ورحل إلى بلاد الله الواسعة ليطلب العلم، وليعيش حياة الزهد والورع والتقرب إلى الله
سبحانه وتعالى، ولم يكن إبراهيم متواكلاً يتفرغ للعبادة والزهد فقط ويعيش عالة على غيره، بل كان يأكل من عمل يده، ويعمل أجيرًا عند أصحاب المزارع، يحصد لهم الزروع، ويقطف لهم الثمار ويطحن الغلال، ويحمل الأحمال على كتفيه، وكان نشيطًا في عمله، يحكي عنه أنه حصد في يوم من الأيام ما يحصده عشرة رجال، وفي أثناء حصاده كان ينشد قائلا: اتَّخِذِ اللَّه صاحبًا... ودَعِ النَّاسَ جانبا.
يروي بقية بن الوليد، يقول: دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه، فأتيته، فجلس ثم قال: كلوا باسم الله، فلما أكلنا، قلت لرفيقه: أخبرني عن أشد شيء مرَّ بك منذ صحبته.. قال: كنَّا صباحًا، فلم يكن عندنا ما نفطر عليه، فأصبحنا، فقلت: هل لك يا أبا إسحاق أن تأتي الرَّسْتن (بلدة بالشام كانت بين حماة وحمص) فنكري (فنؤجر) أنفسنا مع الحصَّادين؟ قال: نعم.. قال: فاكتراني رجل بدرهم، فقلت: وصاحبي؟ قال: لا حاجة لي فيه، أراه ضعيفًا.. فمازلت بالرجل حتى اكتراه بثلثي درهم، فلما انتهينا، اشتريت من أجرتي طعامي وحاجتي، وتصدقت بالباقي، ثم قربت الزاد، فبكى إبراهيم، وقال: أما نحن فاستوفينا أجورنا، فليت شعري أوفينا صاحبه حقه أم لا؟ فغضبت، فقال: أتضمن لي أنَّا وفيناه، فأخذت الطعام فتصدقت به.
وظل إبراهيم ينتقل من مكان إلى مكان، زاهدًا وعابدًا في حياته، فذهب إلى الشام وأقام في البصرة وقتًا طويلاً، حتى اشتهر بالتقوى والعبادة، في وقت كان الناس فيه لا يذكرون الله إلا قليلا، ولا يتعبدون إلا وهم كسالي، فجاءه أهل البصرة يومًا وقالوا له: يا إبراهيم.. إن الله تعالى يقول في كتابه: {ادعوني أستجب لكم} (غافر: 60) ونحن ندعو الله منذ وقت طويل فلا يستجيب لنا؟! فقال لهم إبراهيم بن أدهم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء:
أولها: عرفتم الله، ولم تؤدوا حقه .
الثاني: قرأتم كتاب الله، ولم تعملوا به .
الثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركتم سنته.
الرابع: ادعيتم عداوة الشيطان، ووافقتموه .
الخامس: قلتم : نحب الجنة، ولم تعملوا لها .
السادس: قلتم : نخاف النار، ورهنتم أنفسكم بها
السابع: قلتم: إن الموت حق، ولم تستعدوا له .
الثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم، ونبذتم عيوبكم.
التاسع: أكلتم نعمة ربكم، ولم تشكروها .
العاشر: دفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بها .
وكان إبراهيم كريمًا جوادًا، فالعسل والسمن غالبًا ما يكونان على مائدته يطعم من يأتيه، سمعه أحد أصحابه ذات مرة وهو يقول: (ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة، من لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن.. إياكم أن تكون أموالكم سببًا في أن تتكبروا على فقرائكم، أو سببًا في أن لا تميلوا إلى ضعفائكم، وألا تبسطوا إلى مساكينكم).
وكان إبراهيم بن أدهم شديد التواضع، لا يحب الكبر، كان يقول: (إياكم والكبر والإعجاب بالأعمال، انظروا إلى من دونكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم، من ذلل نفسه؛ رفعه مولاه، ومن خضع له أعزه،ومن اتقاه وقاه، ومن أطاعه أنجاه) ودخل إبراهيم بن أدهم المعركة مع الشيطان ومع نفسه مصممًا على الانتصار، وسهر الليالي متعبدا ضارعًا باكيًا إلى الله يرجو مغفرته ورحمته، وكان مستجاب الدعاء.
ذات يوم كان في سفينة مع أصحابه، فهاجت الرياح، واضطربت
السفينة، فبكوا، فقال إبراهيم : يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي، يا قيوم، يا محسن يا مُجْمل قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك.. وبدأت السفينة تهدأ، وظل إبراهيم يدعو ربه ويكثر من الدعاء.
وكان أكثر دعائه: (اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك) وكان يقول:
(ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا) وقال: (كل سلطان لا يكون عادلاً فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقيًّا فهو والذئب سواء، وكل من ذلَّ لغير الله، فهو والكلب سواء) وكان يقول لأصحابه إذا اجتمعوا: (ما على أحدكم إذا أصبح وإذا أمسى أن يقول: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت الرجاء).
وكان إبراهيم راضيًا بحالة الزهد القاسية، وظل يكثر من الصوم والصلاة ويعطف على الفقراء والمساكين إلى أن مات رضوان الله عليه سنة 162 هـ.

منقول من موقع اسلامي

بابيه أمال
02-11-2007, 12:51 AM
حسنية..
بارك الله فيك على صفحة جمعت علماء خير أمة الإسلام رحمهم الله وجزاهم خير الجزاء، من تركوا لنا خير الزاد في دنيا نرجو رضا الله فيما تبقى لنا من خطوات على أرضها..
عيني ستبقى بحول الله على شرفتك الخيّرة هذه.. أنهل مما تدرجينه إن شاء الله من سيرة علماء أمة سطروا تاريخهم بمداد الضياء..
من جديد بارك الله فيك، ودمت والخير..

حسنية تدركيت
20-11-2007, 03:04 PM
سعيد بن جبير
وُلِدَ سعيد بن جبير في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب - رضي الله عنه- بالكوفة، وقد نشأ سعيد محبًّا للعلم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه، فقرأ القرآن على
ابن عباس، وأخذ عنه الفقه والتفسير والحديث، كما روى الحديث عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه، قال
خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.
وكان ابن عباس يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهو موجود، ولما كان أهل الكوفة يستفتونه، فكان يقول لهم: أليس منكم ابن أم الدهماء؟ يعني سعيد بن جبير، وكان سعيد بن جبير كثير العبادة لله، فكان يحج مرة ويعتمر مرة في كل سنة، ويقيم
الليل، ويكثر من الصيام، وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام، وكان سعيد بن جبير مناهضًا للحجاج بن يوسف الثقفي أحد أمراء بني أمية، فأمر الحجاج بالقبض عليه، فلما مثل بين يديه، دار بينهما هذا الحوار:
الحجاج: ما اسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد.
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى.
الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد: علم ذلك عنده.
الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِ القلوب..وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين
تأكله النار.
وهب سعيد حياته للإسلام، ولم يَخْشْ إلا الله، ولد في الكوفة، يفيد الناس بعلمه النافع، ويفقه الناس في أمور دينهم ودنياهم، فقد كان إمامًا عظيمًا من أئمة الفقه في عصر الدولة الأموية، حتى شهد له عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بالسبق في الفقه والعلم، فكان إذا أتاه أهل مكة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء (يقصد سعيد بن جبير).
كان سعيد بن جبير يملك لسانًا صادقًا وقلبًا حافظًا، لا يهاب الطغاة، ولا يسكت عن قول الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فألقى الحجاج بن يوسف القبض عليه بعد أن لفق له تهمًا كاذبة، وعقد العزم على التخلص منه، لم يستطع الحجاج أن يسكت لســانه عن قول الحق بالتـهديد أو التخويف، فقد كان سعيد بن جبير مؤمنًا قوي الإيمان، يعلم أن الموت والحياة والرزق كلها بيد الله، ولا يقدر عليه أحد سواه.
اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، أغراه بالمال والدنيا، وضع أموالا كثيرة بين يديه، فما كان من هذا الإمام الجليل إلا أن أعطى الحجاج درسًا قاسيًا، فقال: إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
لقد أفهمه سعيد أن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إن جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة..{يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء:88-89].
ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهو ليس من عباد الدنيا ولا ممن يبيعون دينهم بدنياهم، وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار هذا المشهد بينهما:
الحجاج: ويلك يا سعيد!
سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.
الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد: ما يبكيك؟
الرجل: لما أصابك.
سعيد: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد:22] ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه، فسأله الحجاج: ما أضحكك؟
سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج: اقتلوه.
سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79].
الحجاج: وجهوه لغير القبلة.
سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115].
الحجاج: كبوه على وجهه.
سعيد: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55].
الحجاج: اذبحوه.
سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده
ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
ومات سعيد شهيدًا سنة 95هـ، وله من العمر سبع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.

منقول

حسنية تدركيت
20-11-2007, 03:05 PM
كان سعيد بن جبير من كبار التابعين، الذين ساروا على سنن الهدى، واقتفوا أثر المصطفى، وباعوا الدنيا طلبًا للأخرى. وقد وثقه أهل العلم كافة، حتى قالوا في وصفه: ثقة إمام حجة على المسلمين .
كان الناس يرونه - منذ نعومة أظفاره - إما عاكفًا على كتاب يتعلم، أو قائمًا في محراب يتعبد، فهو بين طلب العلم والعبادة، إما في حالة تعلم، أو في حالة تعبد .
أخذ سعيد العلم عن طائفة من كبار الصحابة، من أمثال أبي سعيد الخدري ، و أبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر ، رضي اللَّه عنهم أجمعين، لكن يبقى عبد الله بن عباس - حبر هذه الأمة - هو المعلم الأول له .
لازم سعيد بن جبير عبد الله بن عباس لزوم الظل لصاحبه، فأخذ عنه القرآن وتفسيره، وتلقى عنه القراءات القرآنية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ بها، وتفقّه على يديه في الدين، وتعلم منه علم التأويل، حتى أصبح من المكانة ما جعل بعض معاصريه يقول فيه: مات سعيد بن جبير ، وما على ظهر الأرض أحد من أهل زمانه إلا وهو محتاج إلى علمه .
وعندما كانت إقامته في الكوفة، كان هو المرجع الأول في الفتوى، وعليه المعول في علم التفسير، لدرجة أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحيل إليه من يستفتيه، ويقول لأهل الكوفة إذا ما أتوه ليسألوه عن شيء: أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني سعيد بن جبير - وكان حبشي الأصل - .
وعلى الرغم من مكانته العلمية التي كان يحظى بها، وخاصة معرفته الواسعة بتفسير كتاب الله، إلا أنه - رحمه الله - كان يتورع عن القول في التفسير برأيه - كما هو شأن السلف من الصحابة رضوان الله عليهم - ومما يروى عنه في هذا الشأن: أن رجلاً سأله أن يكتب له تفسيرًا للقرآن، فغضب، وقال له: لأن يسقط شِقِّي، أحب إليَّ من أن أفعل ذلك .
ولأجل ملازمة سعيد ابن جبير لـ ابن عباس رضي الله عنهما، ومكانته العلمية بين التابعين، فقد كانت أقواله مرجعًا أساسًا، ومنهلاً عذبًا لأهل التفسير، يرجعون إليها، ويغترفون من معينها في تفسير كثير من آيات الذكر الحكيم .
وقد وَثَّقَ علماء الجرح والتعديل سعيداً ، وروى عنه أصحاب الكتب الستة وغيرهم من أصحاب الحديث. قال ابن حبان في كتاب ( الثقات ): كان فقيهًا، عابدًا، فاضلاً، ورعًا .
ومما يُروى عن سعيد وتعلقه بالقرآن، ما ذكره أبو نعيم في ( الحلية ) قال: ( كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان ) وفي رواية ثانية: ( أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين ) .
وقد كانت له - رحمه الله - مواقف مشهورة ومآثر مشهودة مع الحجاج ، الذي قتله صبراً في شعبان سنة خمس وتسعين، وهو ابن تسع وأربعين سنة .

منقول

حسنية تدركيت
20-11-2007, 03:08 PM
حسنية..
بارك الله فيك على صفحة جمعت علماء خير أمة الإسلام رحمهم الله وجزاهم خير الجزاء، من تركوا لنا خير الزاد في دنيا نرجو رضا الله فيما تبقى لنا من خطوات على أرضها..
عيني ستبقى بحول الله على شرفتك الخيّرة هذه.. أنهل مما تدرجينه إن شاء الله من سيرة علماء أمة سطروا تاريخهم بمداد الضياء..
من جديد بارك الله فيك، ودمت والخير..

وفيك بارك الله اختي الغالية امال
جزاك ربي الجنة غاليتي على مرورك العطر