المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المبني للمجهول ...



د. عبد الفتاح أفكوح
16-11-2007, 08:05 PM
المبني للمجهول
... ثم إنهم لم يتوقفوا منذ بزوغ ضوء فجر ذلك اليوم عن السير على أقدامهم في هذه الربوع المقفرة من الناس، المترامية الأطراف، ولم تمسك الشمس مذ أشرقت عن الأخذ بنواصيهم والأقدام، وهم ينتقلون في مسيرهم من سهل إلى جبل، ومن جبل إلى سهل، وليس معهم سوى بعض الماء وقليل من الزاد، ثم لم يكن لهم بد من الإستعانة بتجاذب أطراف الحديث على طول المسير ومشقته ...
وعندما أخذ منهم التعب كل مأخذ، وجفت حلوقهم من شدة العطش، غاب بينهم الحديث ولم يتبق منه غير شهيق لهم خافت وزفير باهت، فثقل عليهم حمل أجسادهم، وزادهم ثقل أمتعتهم رهقا، إذ تراكم على ما يشكونه من نصب شديد ...
فجأة لاح لهم من بعيد بناء غشاه السراب وعبث بملامحه، ومن شدة نأيه عنهم وبعد المسافة الفاصلة بينهم وبينه، لم يتمكنوا من تبين معالمه، ولم يظفروا بأي وصف من أوصافه، لكنهم استبشروا خيرا، وحثوا أنفسهم على طي المسافة، بقدر ما بعث بعضهم بعضا على الإسراع في السير نحو ذلك البناء المجهول ...
قال أحدهم: قد يكون البناء مسكنا لجواد كريم، فننزل فيه ضيوفا عليه معززين مكرمين، وأردف الثاني: ربما يكون نزلا للمسافرين وعابري السبيل، وليته يكون كذلك حتى نستريح فيه قليلا من وعثاء السفر ومشقة السير الطويل، وحتى نبيت فيه الليلة إلى صباح الغد، قبل أن نستأنف المسير، وقال الثالث: لا أظنه إلا بناء مهجورا ارتحل عنه أهله منذ زمن، ومهما يكن حاله، فلا أرى لنا بديلا عنه الساعة، ولا خيار لنا سواه، وكل ما أرجوه هو أن نعثر فيه على بعض الماء والزاد ...
ساروا، وساروا ثم ساروا حتى ضاقت أقدامهم بالنعال، ونفرت نعالهم من الأقدام، ولما وصلوا البناء لم يجدوه مسكن جواد كريم، ولا نزلا للمسافر وعابر السبيل، ولا حتى بناء مهجورا، بل وجدوه ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

وفاء شوكت خضر
16-11-2007, 10:01 PM
ربما كان سجنا أو معقلا لعدو ، أو نقطة حدودية ، أو معسكرا للجيش ، أوربما هو ما كانوا يفرون منه إلى هذه الصحراء القاحلة ..
رمزية تحمل القارئ إلى أكثر من احتمال عن هوية المشاة وكينونتهم ، وعن الهدف الذي ساروا إليه ..

تقبل مروري ..

جوتيار تمر
16-11-2007, 10:05 PM
دكتور ...
المبنى المجهول / قصة اعتمدت اسلوب الرمز / والايحاء في ايصال الفكرة الى المتلقي / من خلال التحكم في خيط السرد/ وكذلك التحكم في مساره عبر ازمنة الحكي والقراءة والكتابة / لغة جميلة /فصيحة / اعطت للنص جماله ودلالته الغوية /الفضاء متداخل / مكان الحكي / وزمانه / الرؤية تتضح شيئا فشيئا / عند نقطة النهاية / حيث اللاجدوى الزمكاني يظهر للمتلقي بصورة مفاجأة / لكنه مقصود ودال وموحي .

دمت بالف خير
محبتي لك
جوتيار

د. مصطفى عراقي
16-11-2007, 11:42 PM
أخانا الفاضل الأديب المتميز الدكتور عبد الفتاح
أسمى التحيات يا أديبنا الصاق لكل ماتنثره ههنا من ادب راق متميز
أعجبني في قصة "المبني للمجهول" هذه التورية اللطيفة بين المصطلح النحوي والبناء المجهول (بطل القصة ومحورها)
وكم أعجبت بهذه البداية المبتكرة " ثم إنهم لم يتوقفوا" والتي تدل على أن أحداث القصة بدأت بزمن ليس باليسير قبل زمن السرد.
وأشهد أن القصة صيغت باسلوب غاية في الإبداع والتشويق ، ولكنني أرى - مجرد رأي- أن القصة انتهت هنا: " ولما وصلوا البناء لم يجدوه مسكن جواد كريم، ولا نزلا للمسافر وعابر السبيل، ولا حتى بناء مهجورا"
حيث تترك لنا -القراءَ- مساحة للسؤال والتوقع - بل والصدمة ، ربما أبلغ في التشويق من هذا الحذف المباشر الصريح .
ودمت بكل الخير والسعادة والإبداع
أخوك: مصطفى

حنان الاغا
17-11-2007, 01:11 PM
هي حياتنا أيها الفاضل
مبنية للمجهول !
يلعب بنا العبث لعبته ، فنعدو وراء السراب ، والبقية تتبع ....
بداية متميزة شدتني بقوة وأشارت لي إلى تيه النهاية
لغة مشوقة ممتلئة وسرد محكم مكثف جميل
د. عبد الفتاح أفكوح
سعدت بالتعرف إلى حرفك

سحر الليالي
17-11-2007, 05:17 PM
الفاضل " عبدالفتاح"

قصة أعجبتني حد الدهشة...!!
سلم قلمك المبدع

لك خالص تقديري وقوافل ورد

د. عبد الفتاح أفكوح
17-11-2007, 07:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليكم جميعا ورحمته جل جلاله وبركاته
وبعد ...
إليكم أهدي أريج الشكر وجزيله، ولكم من أخيكم عبد الفتاح مسك التقدير وطيبه على كل حرف أشرق في سماء هذا المقام القصصي ...
حياكم الله
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي