عبدالسلام المودني
22-11-2007, 01:22 PM
أحدهم يهمس في أذني أن استيقظ إن شئت فقد حان الوقت لذلك، بفتور أشرع عيني وأدعكهما جيدا. منبه ساعتي يردد أغنية هامسة. بحركة اعتيادية أذر وجلا سريري لألج الحمام. مرآتي تغمز لي بطرفها وتقول بمرح (صباح الخير.. عزيزي). بدا الماء ناعما على جسدي فترنح منتشيا وآثار الدغدغة ماتزال تسكن مسامه. انشرحت حواسي مستبشرة لما ألفيت القهوة في مكانها بالدولاب ولم تشاكسني على عادتها. السكر الذي عهدته نزقا مشاكسا يرقد جواره بدعة. سيجارتي لذيذة هذا الصباح، والشمس انداحت في كل زوايا المطبخ. أحسست ملابسي متسامحة مع جسدي لأول مرة، وجورباي لايصدران روائح منفرة. باب شقتي ظل مقفلا طول الليل ولم يمارس أحدهم العنف عليه ليلا، ولست مضطرا لتغيير قفله هذا الصباح ككل مرة. في الخارج تنبعث روائح خدر تغازل ما تقع عليه قدماي.
سيدة حسناء تشبه ماري تحييني بإيماءة من رأسها وتنصرف دون أن تطالبني بحق متأخر إيجار البيت. أعب من الهواء، وأملأ به رئتي، وأكتشف عودة الطيور إلى المدينة بعد طول غياب. السماء متصالحة مع الأرض والجو يرشح بألوان ساحرة تسر ناظري.
أستأجر هذه الطريق كل يوم ولم أرها بمثل هذا البهاء قط، ولاعادت خياشيمي مثل هذه الروائح العطرة. المصنع حيث أعمل والذي أرهقني بابتعاده عني كل يوم، أراه اليوم يهرول اتجاهي فاردا ذراعيه بحميمية معلنة. عوض أن يبصق على الأرض، رفع البواب يده محييا بكل أدب، والسكرتيرة عفت عن ابتسامة أصفى من دمع مومس. أصادف مديري في الممر إلى مكتبي، فيتوقف مرحبا بي ويطبع على خدي قبلة أبوية دافئة. زملائي في العمل يسارعون إلى تحيتي ولايوشوشون في ظهري، أو ينقلوا خبر تأخري إلى مديري، كأنهم علموا أنه لتوه قابلته وقبلني. تصلني رسالة على هاتفي من الحكومة تعتذر عن أفعالها السابقة معي، وتعدني أنها ستمتعني بالكرامة كباقي المخلوقات.
العمل غير مرهق اليوم حد أني لم أتذمر، ولم أنظر لساعتي حتى تفاجأت أن موعد انصرافي قد أزف. أستعير المصعد هبوطا فرحا أنه يعمل، وأن لي الحق في استخدامه كالآخرين.
الشارع مليء بالابتسامات والتحايا والعناق والقبلات. امرأة لاتضرب ابنها الذي أتى خطأً بحجم عمره وتقول له بكل رقة (ما فعلته خطأ عزيزي، عدني ألا تكرره).
والطفل لايبكي، بل يبتسم في وجهها ويقول (أعدك أمي).
الشمس تبقى أكثر من موعدها اليوم، ولا تتأفف من مزاحمة القمر لها في السماء. التلفزة تصالحت مع مشاهديها، وأخبارها ممتعة.
يقول مقدم الأخبار مبتسما في وجهي (عرف كوكبنا الليلة الماضية حالة طبيعية غير طبيعية، فقد ارتوت أرضه من سائل روحي جعلها تشعر بسعادة انعكست على كل سكانها، ما جعل تصرفاتهم مختلفة وغريبة. وبحسب العلماء فالأمر يعود لاصطدام نيزك مائي قادم من الفضاء الخارجي بالأرض ما أحدث هذا الخلل الذي نطمئن كل شعب الكوكب أن الأمور ستعود إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن...).
أهاجر إلى قناة دينية، فيظهر لي الوجه نفسه لكنه ملتح هذه المرة يقول (...هذا وقد فسر علماء الدين الظاهرة بكونها المعجزة التي تحدثت عنها دياناتنا الخمسون، وهي مذكورة في الآية الخامسة، الإصحاح الثامن، الصفحة العاشرة من المجلد الأول من المكتبة الرابعة من الفقرة الأخيرة من العنوان الممسوح بالقول "وقد تقرر أن يتبول ساكن السماء في ليلة زواجه، فيصيب سائله كوكب الأرض بالثمالة مقدار ليلة ويوم").
في القناة الإخبارية المشهورة جدا يعود صاحبنا ليقول بصوت أنثوي هذه المرة (ينضم معنا من قصبة تادلة الخبير في شؤون الإرهاب. سيد بوقال ما تفسيركم للظاهرة؟ يرد بوقال، وهو للإشارة الرجل نفسه قائلا "الأمر عادي جدا، فحسب العقيدة الجديدة المنصوص عليها في "بقايا" فإن إرهابيا من كوكبنا أراد أن يغير المنكر في كوكب مجاور، فعمد إلى تفجير نفسه في مصنع للخمور هناك، فتدفق السائل الذي أثمل الأرض..."). يمسك النوم بتلابيبي، وأنا شبه أكيد أني سأعاني غدا ابتداء من منبه ساعتي، وحتى أخبار ما قبل النوم التي تهيئني لكوابيسي.
عبدالسلام المودني
سيدة حسناء تشبه ماري تحييني بإيماءة من رأسها وتنصرف دون أن تطالبني بحق متأخر إيجار البيت. أعب من الهواء، وأملأ به رئتي، وأكتشف عودة الطيور إلى المدينة بعد طول غياب. السماء متصالحة مع الأرض والجو يرشح بألوان ساحرة تسر ناظري.
أستأجر هذه الطريق كل يوم ولم أرها بمثل هذا البهاء قط، ولاعادت خياشيمي مثل هذه الروائح العطرة. المصنع حيث أعمل والذي أرهقني بابتعاده عني كل يوم، أراه اليوم يهرول اتجاهي فاردا ذراعيه بحميمية معلنة. عوض أن يبصق على الأرض، رفع البواب يده محييا بكل أدب، والسكرتيرة عفت عن ابتسامة أصفى من دمع مومس. أصادف مديري في الممر إلى مكتبي، فيتوقف مرحبا بي ويطبع على خدي قبلة أبوية دافئة. زملائي في العمل يسارعون إلى تحيتي ولايوشوشون في ظهري، أو ينقلوا خبر تأخري إلى مديري، كأنهم علموا أنه لتوه قابلته وقبلني. تصلني رسالة على هاتفي من الحكومة تعتذر عن أفعالها السابقة معي، وتعدني أنها ستمتعني بالكرامة كباقي المخلوقات.
العمل غير مرهق اليوم حد أني لم أتذمر، ولم أنظر لساعتي حتى تفاجأت أن موعد انصرافي قد أزف. أستعير المصعد هبوطا فرحا أنه يعمل، وأن لي الحق في استخدامه كالآخرين.
الشارع مليء بالابتسامات والتحايا والعناق والقبلات. امرأة لاتضرب ابنها الذي أتى خطأً بحجم عمره وتقول له بكل رقة (ما فعلته خطأ عزيزي، عدني ألا تكرره).
والطفل لايبكي، بل يبتسم في وجهها ويقول (أعدك أمي).
الشمس تبقى أكثر من موعدها اليوم، ولا تتأفف من مزاحمة القمر لها في السماء. التلفزة تصالحت مع مشاهديها، وأخبارها ممتعة.
يقول مقدم الأخبار مبتسما في وجهي (عرف كوكبنا الليلة الماضية حالة طبيعية غير طبيعية، فقد ارتوت أرضه من سائل روحي جعلها تشعر بسعادة انعكست على كل سكانها، ما جعل تصرفاتهم مختلفة وغريبة. وبحسب العلماء فالأمر يعود لاصطدام نيزك مائي قادم من الفضاء الخارجي بالأرض ما أحدث هذا الخلل الذي نطمئن كل شعب الكوكب أن الأمور ستعود إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن...).
أهاجر إلى قناة دينية، فيظهر لي الوجه نفسه لكنه ملتح هذه المرة يقول (...هذا وقد فسر علماء الدين الظاهرة بكونها المعجزة التي تحدثت عنها دياناتنا الخمسون، وهي مذكورة في الآية الخامسة، الإصحاح الثامن، الصفحة العاشرة من المجلد الأول من المكتبة الرابعة من الفقرة الأخيرة من العنوان الممسوح بالقول "وقد تقرر أن يتبول ساكن السماء في ليلة زواجه، فيصيب سائله كوكب الأرض بالثمالة مقدار ليلة ويوم").
في القناة الإخبارية المشهورة جدا يعود صاحبنا ليقول بصوت أنثوي هذه المرة (ينضم معنا من قصبة تادلة الخبير في شؤون الإرهاب. سيد بوقال ما تفسيركم للظاهرة؟ يرد بوقال، وهو للإشارة الرجل نفسه قائلا "الأمر عادي جدا، فحسب العقيدة الجديدة المنصوص عليها في "بقايا" فإن إرهابيا من كوكبنا أراد أن يغير المنكر في كوكب مجاور، فعمد إلى تفجير نفسه في مصنع للخمور هناك، فتدفق السائل الذي أثمل الأرض..."). يمسك النوم بتلابيبي، وأنا شبه أكيد أني سأعاني غدا ابتداء من منبه ساعتي، وحتى أخبار ما قبل النوم التي تهيئني لكوابيسي.
عبدالسلام المودني