مشاهدة النسخة كاملة : الباب
راضي الضميري
22-11-2007, 04:19 PM
مضت أكثر من عشر دقائق وهو واقف ينتظر أمام الباب ، حرك يده بعصبية كبيرة ونظر إلى ساعته
ـ ما زال هناك وقت ، سأنتظر .
أسند ظهره إلى الجدار ونظر حوله ، فوجد اثنيِْـن ينتظران مثله أمام باب آخر ، أبواب كثيرة تفتح وتغلق ، وكلمات محددة تتناثر بين الحين والآخر على مسمع من الجميع ، شُفيتم ، عوفيتم ، حركة دؤوبة لا تنتهي ، فهذه ساعة الذروة ، ومعظم الناس خارج منازلهم ، ولكن لفت انتباهه أمر ما ، كلما وقف بجانبه أحد ينظر إليه ثم يذهب بعيدًا عنه ، شعر بغضب شديد وتساءل :
ـ ماالأمر، هل تفوح مني رائحة ما أم أن شكلي فيه خطأ ؟
نظر إلى نفسه و إلى من حوله ، ثم أسند رأسه إلى الجدار ، وسرح بخياله بعيدًا ، وأطلق تنهيدةً كبيرة , فاليوم كان عصيبًا بالنسبة له ، فمنذ الصباح ,والمشاكل تلاحقه ، مشادة كبيرة مع زوجته ، ككل يوم مشاكل ومشاكل لا تنتهي وأصبحت لغة التفاهم بينهما صعبة ، وها هي تريد الطلاق ، و صديقه الوحيد الذي خرج به من الدنيا والذي كان يقوم بدور فاعل خير ويصلح بينهما تخاصم معه ولم يعد يكلمه .
أشاح بنظره في أرجاء المكان وأطلق زفيرًا قويًا .
ـ لماذا لم يخرج حتى الآن .
تساءل بغضب :
ـ هل اكتشف اختراعًا جديدًا ، أتراه سيخرج الآن صارخًا وجدتها ، وجدتها .
هز رأسه باستهزاء :
ـ ومنذ متى كنا نكتشف ، لقد انتهينا منذ زمن بعيد ،و لم يعد هناك أي أمل ، حسنًا سأنتظر لأرى هذا المكتشف العظيم .
الناس يدخلون ويخرجون مسرعين ، عشرون دقيقة مضت ، و الحركة أصبحت بطيئة ، الباب الآخر مفتوحٌ لماذا لا أستخدمه ، تساءل فيما بينه وبين نفسه .
ـ لا ، لا ، أريد أن أرى هذا المخترع العظيم الذي دخل ولم يخرج حتى الآن ، وكأنه اشترى هذا المكان بما دفعه ، أريد أن أرى ملامحه ، سأنتظر ...
ضرب الحائط بقبضته ، مما لفت انتباه أحد العاملين هناك ، فحاول الاقتراب منه , نظر إليه لكنه تراجع على الفور ، لم تعجبه نظراته وحالة القلق التي بدا عليها .
الوقت يمضي وما زال واقفًا يتمتم بصوت خافت :
ـ هذا اليوم من أوله لا يبشر بالخير ، لماذا يحصل كل هذا معي ، يا إلهي لم أعد أستطيع الوقوف ، يجب أن أدخل ، أشعر بأمعائي وكأنها ستتمزق ، وهذا الحيوان لم يخرج بعد ، سأستخدم المرفق الآخر ، لكن ، لا .. لا ، أريد أن أرى ملامح هذا الشيء الذي دخل ولم يخرج بعد .
الوقت يمضي ، حركة الدخول والخروج خفت كثيرًا ، زاد انفعاله وغضبه ، يجب أن يدخل فهو يعاني من الضغط والسكري ، وعليه أن يدخل فالتأخر يضر كثيرًا بصحته ، اقترب منه العامل قائلاً :
ـ سيدي أنت ....
قاطعه بشدة
ـ أنا ماذا ، ها ... لعلي لم أدفع بعد ، أو لعلك تريد أن تصاحبني ، أم أنني أقف في مكان ممنوع، أغرب عن وجهي .
تراجع العامل وقد بدت على ملامحه آثار الدهشة والحيرة ، ووقف ينظر إليه من بعيد ، مضى ثلاثون دقيقة وهو واقف ،أصابه التعب ،لم يعد يحتمل الوقوف ، جلس القرفصاء ، نظر حوله فوجد العامل ينظر إليه ، شعر للحظة بأنه ربما قد أخطأ في حقه ، أراد أن يعتذر لكنه تراجع
ـ لماذا أعتذر أنا لم أخطئ
فجأة طرأ على باله كلام زوجته هذا الصباح
ـ هكذا أنت لم تتغير ولن تتغير أبدًا !؟
هذه عبارتها المفضلة لديها ، وكأنها نشيد وطني لا بد من سماعه يوميًا ، حتى صديقه الوحيد كان يقولها له واليوم بالذات كانت هذه العبارة سبب الخصام بينهما ..
ـ أتغير أتغير ، ماذا بي حتى أتغير ، لماذا لا تتغيرون أنتم ، لماذا لا تتغيرون أنتم ؟
قالها بغضب شديد وبصوت عال ، مما لفتت انتباه الجميع إليه ، لكنه لم يعرهم أي انتباه ، حاول الوقوف لكنه شعر بألم شديد في بطنه ، وأحس بثقل رأسه على جسمه ، وبحرقة في عيونه ، بالكاد استطاع الوقوف ، حرك يده بانفعال كبير ونظر إلى ساعته
ـ لم يبقَ لديَّ وقت كاف ، ماذا يفعل هذا الحيوان ، لماذا لم يخرج حتى الآن ، هل مات ، أتراه غلبه النعاس فنام ...
شعر برغبة شديدة في اقتحام الباب وتحطيمه فوق رأسه ، تمنى لو يقتله ،صرخ بقوة ..
ـ ماذا يفعل ابن ..
لم يستطع أن يكمل جملته ، شعر بأن الدنيا تدور به ، وآلام بطنه تزداد ، ورأسه يكاد ينفجر ، تقدم نحو الباب يريد أن يضربه بكل ما تبقى له من قوة ، نظر جيدًا ، تمعن في الباب:
ـ يا إلهي ، ما هذا ، كيف لم ... كيـ... آهـ .... أمممم .. آهـ...
دار حول نفسه ثم صرخ صرخة مدوية وخر صريعًا على وجهه.
سحر الليالي
22-11-2007, 04:39 PM
الفاضل "راضي الضميري"
كلمة الا بداع والروعة قليلة جدا في حق قصتك..!!
رائعة وأكثر..!!
سلمت ودمت مبدعا
لك خالص تقديري وقوافل ورد
جوتيار تمر
22-11-2007, 04:59 PM
راضي الضميري الجميل ...
محاكاة جميلة / سردت بلغة حكائية واعية / ومدركة لجوانيات النفس الانسانية / حيث ارغمت هنا على افراغ ما في باطنها بشكل مونودرامي / وكأني بالذات هنا ترى الاشياء من منظور العين الواحدة / التي تحاول ان تستدرك الامور كلها في لحظة واحدة ايضا / وهي لاتعي ان من سمات الحياة ان تدور الافلاك معاً / رغم وجود الخصوصية لكل واحدة منها / هذه النفس التي وجدتها في قصتك تعاني الاستلاب / ولقد اجدت هنا في رسم مخالجات نفسه / وحواره الذاتي الذي افضى واجعله يتعرى من داخله تماما / بل حتى زوجته لم تسلم من حواراه الداخلي هذا / ولعل سمة الغضب التي وجدتك تركز عليها / والتي اراك تريد ايصال رسالتك بشأنها / اجدك قد ابدعت في اظهار احدى نتائجها داخل الاجتماع / وكذلك وفق رؤية الانسان الخاصة بنفسه ايضا.
دمت بخير
محبتي لك
جويتار
هشام عزاس
22-11-2007, 10:42 PM
المبدع / راضي الضميري
قصة جميلة و محاكاة ذاتية في القمة , تمكنا من خلالها معرفة بعض جوانب هذه الشخصية المتذمرة و كيف تفكر و أجدت التعبير عن المحيط الداخلي و الخارجي و التحكم بحرفية في النبض المتسارع
كان هناك تساؤل أراه جوهر القصة و هو عدم اعتراف المرء بالسلبيات التي تشوب شخصيته و الإستماع
لصوت الذات في غالب الأحيان و قد ظهر هذا في عدة صور من القصة
في التهاية سقوطه هو عبارة عن سقوط هذا المعنى الذي يجب أن نتجنبه و نحاول سماع صوت الآخر بداخلنا .
قصة رائعة بالفعل أخي العزيز
اكليل يغلف قلبك
هشـــــــام
وفاء شوكت خضر
23-11-2007, 12:26 AM
الأخ الأديب المبدع / راضي الضميري ..
وسيبقى الباب موصدا طلاما أن العقل موصد ..
سلبية تدفع بالمرء إلى الخسارة بكل معناها لمجرد تعنته ..
إنسان يعلق أخطاءه على الآخرين لأنهم لم يوافقوه الرأي ، لا يسمع ولا يرى إلا ذاته ظنا منه أنه
على الصواب دائما حتى رأى اعواجه .
أبدعت بحق ..
قرأتها خمس مرات ولم أمل ..
تحيتي أخي .
راضي الضميري
24-11-2007, 04:25 PM
الفاضل "راضي الضميري"
كلمة الا بداع والروعة قليلة جدا في حق قصتك..!!
رائعة وأكثر..!!
سلمت ودمت مبدعا
لك خالص تقديري وقوافل ورد
الأخت الفاضلة سحر الليالي
شكرًا لكِ على مرورك الرائع ، وبارك الله فيك.
تقديري واحترامي
د. سمير العمري
26-11-2007, 12:56 AM
لا أقول إلا ما قالت الأخت الكريمة وفاء: سيظل الباب موصدا ما بقي العقل موصدا.
نص جميل وسردية موفقة وتشويق عال.
أحسنت أخي الأديب.
تحياتي
صبيحة شبر
26-11-2007, 08:33 PM
الأخ العزيز راضي الضميري
( الباب) قصة متقنة بطلها يشبهه الكثيرون في عالمنا المعاصر
حيث يرتكب الفرد الأخطاء ولا يعترف بارتكابها مما يسبب المشاكل المستمرة مع
الزوجة وفقدان الصديق الوحيد الذي ظل ينعته ب( الحيوان) للتدليل على ان الاخرين
لايفهمونه ، القلق وعدم وضوح الرؤية والامراض تجعل بطل القصة عصبيا
يسب الناس ويلعنهم ثم يكتشف بعد ابتعاد الناس ان الباب ليس هو ما كان يبحث عنه
قصة اجاد فيها كاتبها في توضيح نتيجة التسرع وعدم التعقل في ردود الفعل
علاء الدين حسو
27-11-2007, 12:01 PM
تحية للكاتب على نص اطلق خيال القارئ يقف عند ابواب كثيرة وليس هذا الباب فقط
وحتى يمكنه الاجتياز عليه ان يتحول الى طاقة ، نور فينتثر او ينفذ من ادق الثقوب ..تحية حب وتقدير
راضي الضميري
27-11-2007, 04:35 PM
راضي الضميري الجميل ...
محاكاة جميلة / سردت بلغة حكائية واعية / ومدركة لجوانيات النفس الانسانية / حيث ارغمت هنا على افراغ ما في باطنها بشكل مونودرامي / وكأني بالذات هنا ترى الاشياء من منظور العين الواحدة / التي تحاول ان تستدرك الامور كلها في لحظة واحدة ايضا / وهي لاتعي ان من سمات الحياة ان تدور الافلاك معاً / رغم وجود الخصوصية لكل واحدة منها / هذه النفس التي وجدتها في قصتك تعاني الاستلاب / ولقد اجدت هنا في رسم مخالجات نفسه / وحواره الذاتي الذي افضى واجعله يتعرى من داخله تماما / بل حتى زوجته لم تسلم من حواراه الداخلي هذا / ولعل سمة الغضب التي وجدتك تركز عليها / والتي اراك تريد ايصال رسالتك بشأنها / اجدك قد ابدعت في اظهار احدى نتائجها داخل الاجتماع / وكذلك وفق رؤية الانسان الخاصة بنفسه ايضا.
دمت بخير
محبتي لك
جويتار
العزيز جو
أشكرك جزيل الشكر على هذا التحليل الرائع ، فقد أصبت في كثير من الأمور التي طرحتها ، وهذا ليس بغريب على فيلسوف وأديب قدير مثلك.
كن بخير
ابراهيم عبد المعطى
28-11-2007, 06:19 PM
المبدع / راضى الضميرى
فى نص مشوًق إنسابت الكلمات تقص قصة انسان مطحون , تتدافع من حوله المشاكل
ضغوط زوجته , هجر صديقه , مرض الضغط والسكر , ثلاثية العكننة والمأساة , ويشتد
ألم التذكر حتى يذهل عمًا حوله ويسقط فى النهاية صريعًا .
أبدعت ايها الكاتب فى السرد والوصف والعرض
وتفضل خالص ودى وتقديرى
ابراهيم عبد المعطى
راضي الضميري
08-12-2007, 01:51 AM
المبدع / راضي الضميري
قصة جميلة و محاكاة ذاتية في القمة , تمكنا من خلالها معرفة بعض جوانب هذه الشخصية المتذمرة و كيف تفكر و أجدت التعبير عن المحيط الداخلي و الخارجي و التحكم بحرفية في النبض المتسارع
كان هناك تساؤل أراه جوهر القصة و هو عدم اعتراف المرء بالسلبيات التي تشوب شخصيته و الإستماع
لصوت الذات في غالب الأحيان و قد ظهر هذا في عدة صور من القصة
في التهاية سقوطه هو عبارة عن سقوط هذا المعنى الذي يجب أن نتجنبه و نحاول سماع صوت الآخر بداخلنا .
قصة رائعة بالفعل أخي العزيز
اكليل يغلف قلبك
هشـــــــام
الجميل هشام
السلبيات كثيرة ومجتمعاتنا لا تخلو منها ، ونسأل الله سبحانه وتعالى فرجًا قريبًا .
أسعدني مرورك الرائع أخي العزيز .
تقبل تقديري واحترامي
راضي الضميري
04-04-2008, 03:37 AM
الأخ الأديب المبدع / راضي الضميري ..
وسيبقى الباب موصدا طلاما أن العقل موصد ..
سلبية تدفع بالمرء إلى الخسارة بكل معناها لمجرد تعنته ..
إنسان يعلق أخطاءه على الآخرين لأنهم لم يوافقوه الرأي ، لا يسمع ولا يرى إلا ذاته ظنا منه أنه
على الصواب دائما حتى رأى اعواجه .
أبدعت بحق ..
قرأتها خمس مرات ولم أمل ..
تحيتي أخي .
الأديبة الفاضلة وفاء شوكت خضر
نعم سيبقى الباب موصدًا طالما أن العقل موصد
وسيبقى الحال على ما هو عليه ، ما دمنا لم نعد ترتيب أمورنا وإعادة حسابتنا من جديد ، أو حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا .
شكرًا لحضورك ولقلمك الكبير أيتها الوفية .
تقبلي تقديري واحترامي
سعيد محمد الجندوبي
04-04-2008, 11:28 PM
العزيز راضي
نصّ له مداخل كثيرة
تناولت حالة قد تنتابنا جميعا في لحظة من لحظات العمر
من منا لا يشعر بنفسه مقياس المقاييس؟
مع محبّتي
سعيد محمد الجندوبي
راضي الضميري
09-05-2008, 11:36 PM
لا أقول إلا ما قالت الأخت الكريمة وفاء: سيظل الباب موصدا ما بقي العقل موصدا.
نص جميل وسردية موفقة وتشويق عال.
أحسنت أخي الأديب.
تحياتي
الأديب والشاعر الرائع الدكتور سمير العمري
تعم ، سيبقى الباب موصدًا ، وسيبقى هذا الباب الغير صالح للاستخدام مغلقًا أمام أي أمل في التغيير طالما بقينا هكذا جامدين وبلا حراك .
.
شكرًا لمرورك العطر أيها الأديب الحبيب.
تقديري واحترامي
راضي الضميري
22-05-2008, 07:23 PM
الأخ العزيز راضي الضميري
( الباب) قصة متقنة بطلها يشبهه الكثيرون في عالمنا المعاصر
حيث يرتكب الفرد الأخطاء ولا يعترف بارتكابها مما يسبب المشاكل المستمرة مع
الزوجة وفقدان الصديق الوحيد الذي ظل ينعته ب( الحيوان) للتدليل على ان الاخرين
لايفهمونه ، القلق وعدم وضوح الرؤية والامراض تجعل بطل القصة عصبيا
يسب الناس ويلعنهم ثم يكتشف بعد ابتعاد الناس ان الباب ليس هو ما كان يبحث عنه
قصة اجاد فيها كاتبها في توضيح نتيجة التسرع وعدم التعقل في ردود الفعل
الأديبة الفاضلة صبيحة شبر
نعم ، يقف أمام باب لا يبحث عنه ، ولن يجده طالما بقي العقل جامدًا ....لا حياة فيه .
أشكر لك مرورك العبق .
تقديري واحترامي
حسنية تدركيت
22-05-2008, 09:36 PM
نص رائع أخي راضي الضميري دوما موفق إن شاء الله
دمت بخير وسعادة..
ريما عبدالله
22-05-2008, 09:48 PM
حتى متى سأبقى خطيئتك الأولى
لك متسع لأكثر من بداية
و قصيرة كل النهايات
انني انتهي الآن فيك..
فمن يعطي للعمر عمرا
يصلح لأكثر من بداية
أشكرك جداً على هذه القصة الرائعة
دمت بخير
وتقبل مروري المتواضع
م.ريما عبدالله
د. مصطفى عراقي
12-06-2008, 05:25 PM
مضت أكثر من عشر دقائق وهو واقف ينتظر أمام الباب ، حرك يده بعصبية كبيرة ونظر إلى ساعته
ـ ما زال هناك وقت ، سأنتظر .
أسند ظهره إلى الجدار ونظر حوله ، فوجد اثنيِْـن ينتظران مثله أمام باب آخر ، أبواب كثيرة تفتح وتغلق ، وكلمات محددة تتناثر بين الحين والآخر على مسمع من الجميع ، شُفيتم ، عوفيتم ، حركة دؤوبة لا تنتهي ، فهذه ساعة الذروة ، ومعظم الناس خارج منازلهم ، ولكن لفت انتباهه أمر ما ، كلما وقف بجانبه أحد ينظر إليه ثم يذهب بعيدًا عنه ، شعر بغضب شديد وتساءل :
ـ ماالأمر، هل تفوح مني رائحة ما أم أن شكلي فيه خطأ ؟
نظر إلى نفسه و إلى من حوله ، ثم أسند رأسه إلى الجدار ، وسرح بخياله بعيدًا ، وأطلق تنهيدةً كبيرة , فاليوم كان عصيبًا بالنسبة له ، فمنذ الصباح ,والمشاكل تلاحقه ، مشادة كبيرة مع زوجته ، ككل يوم مشاكل ومشاكل لا تنتهي وأصبحت لغة التفاهم بينهما صعبة ، وها هي تريد الطلاق ، و صديقه الوحيد الذي خرج به من الدنيا والذي كان يقوم بدور فاعل خير ويصلح بينهما تخاصم معه ولم يعد يكلمه .
أشاح بنظره في أرجاء المكان وأطلق زفيرًا قويًا .
ـ لماذا لم يخرج حتى الآن .
تساءل بغضب :
ـ هل اكتشف اختراعًا جديدًا ، أتراه سيخرج الآن صارخًا وجدتها ، وجدتها .
هز رأسه باستهزاء :
ـ ومنذ متى كنا نكتشف ، لقد انتهينا منذ زمن بعيد ،و لم يعد هناك أي أمل ، حسنًا سأنتظر لأرى هذا المكتشف العظيم .
الناس يدخلون ويخرجون مسرعين ، عشرون دقيقة مضت ، و الحركة أصبحت بطيئة ، الباب الآخر مفتوحٌ لماذا لا أستخدمه ، تساءل فيما بينه وبين نفسه .
ـ لا ، لا ، أريد أن أرى هذا المخترع العظيم الذي دخل ولم يخرج حتى الآن ، وكأنه اشترى هذا المكان بما دفعه ، أريد أن أرى ملامحه ، سأنتظر ...
ضرب الحائط بقبضته ، مما لفت انتباه أحد العاملين هناك ، فحاول الاقتراب منه , نظر إليه لكنه تراجع على الفور ، لم تعجبه نظراته وحالة القلق التي بدا عليها .
الوقت يمضي وما زال واقفًا يتمتم بصوت خافت :
ـ هذا اليوم من أوله لا يبشر بالخير ، لماذا يحصل كل هذا معي ، يا إلهي لم أعد أستطيع الوقوف ، يجب أن أدخل ، أشعر بأمعائي وكأنها ستتمزق ، وهذا الحيوان لم يخرج بعد ، سأستخدم المرفق الآخر ، لكن ، لا .. لا ، أريد أن أرى ملامح هذا الشيء الذي دخل ولم يخرج بعد .
الوقت يمضي ، حركة الدخول والخروج خفت كثيرًا ، زاد انفعاله وغضبه ، يجب أن يدخل فهو يعاني من الضغط والسكري ، وعليه أن يدخل فالتأخر يضر كثيرًا بصحته ، اقترب منه العامل قائلاً :
ـ سيدي أنت ....
قاطعه بشدة
ـ أنا ماذا ، ها ... لعلي لم أدفع بعد ، أو لعلك تريد أن تصاحبني ، أم أنني أقف في مكان ممنوع، أغرب عن وجهي .
تراجع العامل وقد بدت على ملامحه آثار الدهشة والحيرة ، ووقف ينظر إليه من بعيد ، مضى ثلاثون دقيقة وهو واقف ،أصابه التعب ،لم يعد يحتمل الوقوف ، جلس القرفصاء ، نظر حوله فوجد العامل ينظر إليه ، شعر للحظة بأنه ربما قد أخطأ في حقه ، أراد أن يعتذر لكنه تراجع
ـ لماذا أعتذر أنا لم أخطئ
فجأة طرأ على باله كلام زوجته هذا الصباح
ـ هكذا أنت لم تتغير ولن تتغير أبدًا !؟
هذه عبارتها المفضلة لديها ، وكأنها نشيد وطني لا بد من سماعه يوميًا ، حتى صديقه الوحيد كان يقولها له واليوم بالذات كانت هذه العبارة سبب الخصام بينهما ..
ـ أتغير أتغير ، ماذا بي حتى أتغير ، لماذا لا تتغيرون أنتم ، لماذا لا تتغيرون أنتم ؟
قالها بغضب شديد وبصوت عال ، مما لفتت انتباه الجميع إليه ، لكنه لم يعرهم أي انتباه ، حاول الوقوف لكنه شعر بألم شديد في بطنه ، وأحس بثقل رأسه على جسمه ، وبحرقة في عيونه ، بالكاد استطاع الوقوف ، حرك يده بانفعال كبير ونظر إلى ساعته
ـ لم يبقَ لديَّ وقت كاف ، ماذا يفعل هذا الحيوان ، لماذا لم يخرج حتى الآن ، هل مات ، أتراه غلبه النعاس فنام ...
شعر برغبة شديدة في اقتحام الباب وتحطيمه فوق رأسه ، تمنى لو يقتله ،صرخ بقوة ..
ـ ماذا يفعل ابن ..
لم يستطع أن يكمل جملته ، شعر بأن الدنيا تدور به ، وآلام بطنه تزداد ، ورأسه يكاد ينفجر ، تقدم نحو الباب يريد أن يضربه بكل ما تبقى له من قوة ، نظر جيدًا ، تمعن في الباب:
ـ يا إلهي ، ما هذا ، كيف لم ... كيـ... آهـ .... أمممم .. آهـ...
دار حول نفسه ثم صرخ صرخة مدوية وخر صريعًا على وجهه.
========
أديبنا الحبيب الأستاذ راضي الضميري
سعادتي بقصتك غامرة
وكذلك بهذا الحوار النقدي الرائع الذي دار حولها بما يدل على حيوية الواحة في التعامل مع النصوص الراقية بعناية ووعي وصدق، تعاطفا مع البطل أو إدانة له كما تحتمل قصتك الثرية على مستوى الرمز والواقع والحوار الداخلي ، والإحساس بالزمن ، والتمادي في الوهم رغم انفتاح أبواب أخرى.
فكان الوقوف أمام الباب مساحة للبطل ولنا للتأمل والكشف.
وممّا لفتني في القصة على مستوى البناء ، أنك لم تكشف في النهاية طبيعة هذا الباب بصورة مباشرة، كما يفعل بعضهم بسذاجة عجيبة ، كأن يقول مثلا وكأنه يصرخ : " يااااااااااه لقد اكتشف أنه واقف أمام باب كذا
ثم لا ينسى أن يضع عشرات علامات التعجب.
أما أنت أيها المبدع الحقيقي فلم تلجأ إلى مثل هذه الخاتمة الفجة ، بل جاءت خاتمة القصة في غاية من البراعة ، مكتفيا بلحظة تنوير ذكية فهم منها القارئ أنه كان واقفا أمام الباب الخطأ دون حاجة إلى تحديد لتترك مساحات لخيال القارئ حيث يتوقع كل قارئ ما يراه.
أديبنا الرائع
بوركت
ودمت وأهل الواحة الطيبة بكل الخير والسعادة والودّ
راضي الضميري
09-07-2008, 12:54 AM
تحية للكاتب على نص اطلق خيال القارئ يقف عند ابواب كثيرة وليس هذا الباب فقط
وحتى يمكنه الاجتياز عليه ان يتحول الى طاقة ، نور فينتثر او ينفذ من ادق الثقوب ..تحية حب وتقدير
الأديب الفاضل علاء الدين حسو
نعم الأبواب كثيرة وفي شتى المجالات ، لأن الجمود والتحجر لم يكن يقصد به باب معين ، فالمشكلات التي يعانيها مجتمعنا كثيرة جدًا ، والقاسم المشترك بين هذه الأبواب مفتاحها العقل الذي أصابه الجمود ومنذ زمن بعيد .
شكرًا لك على هذه القراءة الواعية .
تقديري واحترامي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir