تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الكابوس



لمجيد تومرت
31-12-2007, 07:58 PM
الكابوس
وقف خاشعا حاسر الرأس أما قبر أبيه بعد أن تأكد من معالمه القديمة، بسمل و سلم عليه وعلى باقي القبور من حوله و قد بدا بعضها دارسا والبعض قد نبشته الكلاب الضالة إلا ما حضي منها بتجديد أو زخرفة . جلس أما الشاهد الحجري على ركبتيه في شبه ركوع، وراح يتمتم ببضع آيات من القرآن الكريم من تلك التي علقت بدهنه..فقد حفظ القرآن كله على اللوح حين كان طفلا يافعا على يد هذا الفقيه الراقد أمامه تحث تراب هذا القبر لكنه نسي كل ألأحزاب و السور مع مروز الأيام و السنين.تذكر قولته أبيه المأثورة : " نساتك يا ولدي المدرسة و ملاهي الدنيا سوارك و كلام الله ، الله يرد بيكم و خلاص" . عبارة طالما سمع أباه يرددها كلما بدأ في تلاوة آية أو سورة و عجز هو أو أحد إخوته عن تتمتها. تذكر هذا الموقف و هو يرفع يديه و رأسه مغمض العنين نحو السماء متضرعا إلى الله داعيا لأبيه بالرحمة و المغفرة و بأن يسكنه فسيح جنانه.استجمع بعضه و نهض واقفا ،وقبل أن يبرح المكان ،استرعى انتباهه شيء غريب ..، فهو يعرف جيدا أن قبر أبيه بقي قبرا ترابيا بعد أن رفض باقي الأخوة البناء عليه أو وضع أي علامة تميزه خوفا من السقوط في البدعة و المحرم، فمن أين جاء هذا الشاهد الرخامي !؟ ألم يكن قبل قليل مجرد حجر عادي كان هو من أرساه في مكانه لحظة الدفن مند سبع سنوات !؟ و للتأكد أكثر ، تفقد جنبات القبر ..هذا هو موضعه ..محاط بخمسة قبور لأطفال صغار و نبتة سدر يانعة الاخضرار..!! عاد وركز عينيه على الرخامة من جديد و راح يقرأ ما نقش عليها بخط أسود مضغوط كـأن يدا سحرية قد تفننت في زخرفته قبل لحظات:" هذا قبر الكاتب الكبير المرحوم...... تغمده الله بواسع رحمته وقد توفي بتاريخ....... و إنا لله و إنا إليه راجعون. " يا لهول ووقع ما قرأ !!! بدا كمن أصيب بنوبة صرع أو جنون ، كان لحظتها يلف حول نفسه و يتحسس أطرافه وحروف وجه و شعره رأسه بحركات هستيرية كمن يبحث عن شيء عزيز قد ضاع في دواخله على حين غرة. ، عبثا حاول أن ينطق لكنه لم يجد صوته. كان كمن يصرخ في بئر عميق سحيق .. أيكون حقا هو صاحب هذا القبر!؟ أهذه العظام الرميم الراقدة تحث هذا التراب هي عظامه !؟ متى ..؟و أين ..؟و كيف و لماذا مات...!!؟؟ و من يكون هو الآن في هذه اللحظات الرهيبة...؟؟؟
أسئلة مختنقة كان يحاول الصراخ بها بصوت عال ،لكن لسانه كان قد أرتد إلى حلقه ،فلا هو استطاع الصراح و لا قدماه أسعفتاه ليطلق ساقيه للريح هروبا من هذا المكان الطلسم . سقط عند أول خطوة في اتجاه بوابة المقبرة وهو يلهث و أنفاسه تتقطع.وحين فتح عينيه فجأة على إثر صوت رخيم كان يناديه وكف ناعمة كانت تهدهد رأسه ،و جد زوجته بالقرب منه على السرير و هي تبسمل و تحوقل و تمسح العرق المتصبب من على وجنتيه و تدعك جبينه بلطف محاولة أن تهدأ من روعه ومن هول هذا الكابوس المرعب .. نهض من على السرير وقلبه يكاد ينط من قفص صدره ، لم يرد على أسئلة الزوجة الحائرة، اتجه توا إلى غرفة الحمام، غسل وجهه بالماء البارد، و راح يتأمل ملامحه الهاربة في المرآة.

صبيحة شبر
02-01-2008, 09:06 PM
الأخ العزيز لمجيد تومرت
قصة جميلة صيغت بعناية كبيرة ، كلمات موحية
وتسلسل منطقي للحدث
والحمد لله ان ما رأى بطل القصة لم يكون الا حلما

جوتيار تمر
02-01-2008, 09:14 PM
الرائع تومرت .......
الكابوس ، نص عانيت تداعياته ذات يوم وانا اكتب مثله ، ربما بانحراف بسيط عن العنوان ، مجرد كابوس ، لكن المضمون لم يكن ليختلف عن ما قرأت هنا الا من خلال الفكرة ، التي طرحت من خلالها كابوسي ، لكني اجتمعت ومعك بالمقبرة والموت ، هنا في نصك اجدك تحكم على نبض المتلقي وتضغط عليه منذ بداية النص ، وتحاول ان تدرجه الى اتون النص ، الذي يحمل في طياته الكثير من المداليل التي تنم عن دراية لواقع عياني ، ولماهية التربية الحسية والوجدانية التي رافقت اغلبنا منذ الصغر ، وكذلك الرؤية التي غرست فينا ، ولقد اجدت بالفعل من اخلااج توترات النفس الداخلية جراء استحضارات قديمة ، واخرى شاهدة قبر وحديثة من اجل تكوين رؤية ذات دلالات مفضية وموحية بأزمة النفس الانسانية في وقتنا الحاضر.

دم بخير
محبتي لك
كل عام وانت بخير
جوتيار

براءة الجودي
26-08-2013, 05:27 PM
ماهر هو قلمك في عرض الفكرة حيث تأخذ بلب القارئ ويتشوق للأحداث إلى أن يصل إلى النهاية وبعد أن ينتهي يقول : ليته أكثر أو هل من مزيد ؟ D:
الموت هو أعظم واعظ , ويجعل الإنسان يحاسب نفسه فيحذر من الوقوع في المعاصي والمزالق ويستيقظ من حلم الدنيا استعدادا للباقية
مايتربى عليه الإنسان في الصغر تثب هذه المعتقدات والمبادئ ويستنكر وقوع مايخالفها خصوصا إن تربى على الحق والصدق والقيم الصحيحة لا الخاطئة
رائع ماقرأته
تقديري

د. سمير العمري
06-09-2013, 07:10 PM
نص قصصي جذاب ومشوق رغم رهبة الموت وشهقة الكابوس.
لقد طال غيابك كثيرا عن واحتك أيها الأديب المكرن ونشتاق إليك ولحرفك الكريم.

تقديري

محمد ذيب سليمان
06-09-2013, 07:49 PM
تبا للكوابيس ..فقد كانت تستلمني ليال كثيرة اثناء صغري
نعم لا ادري كيف اصفه ولكنه حتالة من اختناق لا يفكه
الا آية من قرآن او أحديخرجكمنه دون وعي
لقد استطعت ايها اللجميل ان تقودنا من ايدينا الى تلك اللحظة الكابوسيةى الخانقة
وجعلتنا نعيشها مع بطلها
شكرا لك

ربيحة الرفاعي
26-09-2013, 06:22 PM
شائق هذا النص قويّ بفكرته وجمالية تصويره
ماتع حرفك أيها الكريم

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
18-10-2013, 11:56 AM
قصة جميلة مشوقة
واستفادة من الحلم في توصيل الفكرة الرهيبة
أمتعتني قراءتها

شكرا لك اخي

بوركت

آمال المصري
06-03-2015, 10:22 PM
ما أبشع الموت الذي يخشى الكثير ذكره وتذكره .. بل ويخشى النهاية الحتمية
وهنا صور أديبنا الحالة بما انتابها من ذعر لحظة تحول قبر أبيه من قبر ترابي لشاهد رخامي يحمل اسمه وبياناته فانتابته نوبة جنونية جعلته يتحسس أطرافه ليؤكد لنفسه أنه مازال على قيد الحياة
وكان كابوسا ..!
نص رائع لولا أن افتضحه العنوان وكشف عنه النقاب منذ البداية فأطاح بعنصر المباغتة
مرحبا بك في واحتك
تحاياي

خلود محمد جمعة
09-03-2015, 08:27 PM
حقيقة نهرب منها الى أن تطاردنا في أحلامنا
سرد جاذب وحبكة قوية بفكرة مؤثرة
بوركت وكل التقديرة

رويدة القحطاني
05-06-2015, 12:14 AM
كابوس متعب في قصة ممتعة مكتوبة بإبداع وقدرة عالية

ناديه محمد الجابي
02-10-2018, 09:05 PM
ياله من كابوس ترتعد له الفرائص
حتى وإن كان الموت أمرا محتوما ، إلا إنه يظل شيئا مرعبا ورهيبا ومزعجا
القصة أكثر من رائعة ـ سرد مشوق وأداء ماتع ، ولغة متميزة بقوة التعابير، ودقة الوصف والتصوير.
تحياتي وتقديري.
:006::003::003::006: