المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السندريللا



خديجة منصور
01-01-2008, 07:52 PM
" قفي جيدا...اعدلي ظهرك.....ارفعي ذقنك...لا ليس هكذا...نعم هكذا....تقدمي الآن..خطوة خطوة....الرجل أمام الأخرى ...هكذا جيد....أوه ...لا ...لماذا تسقطين كل مرة...أنت لا تصلحين لشيء "

نهضت في تؤدة، تلملم خيبتها، لا تريد أن ترفع رأسها لتلتهب بنيران النعوت و الاتهامات المتدفقة من عيني مدرسة الرقص الفرنسية...عينان جميلتان...لكن نظرتهما حادة...ولو ظهرت ابتسامة يوما على الشفتين الموسومتين بدقة بقلم الشفاه الأحمر...لما زحزحت تلك النظرة وكأن الخط القاتم السواد المرسوم بإحكام حول ضفاف الجفون يسجنهما ويشل حركتهما...إلا من حركات آلية...تعرف مسارها كل عين.

أخذت حذاء رقص الباليه الوردي وأدارت ظهرها للمدرسة..واتجهت نحو صالة تبديل الملابس..تعرف أن كل الأعين متجهة صوبها...وتعرف أن المرآة الكبيرة تعكس نظرات متسائلة خائفة من عيني الفتيات الأخريات...ولكنها لا تبالي...غيرت ثيابها وخرجت ....توجهت نحو الباب...ووجهها في الأرض...لا تريد أن تلتقط ذاكرتها أية صورة لهذه اللحظات ...تريد فقط أن تخرج من هنا..لا يهمها ما سيحصل بعد ذلك ..لا يهمها أبدا....تناهى إلى سمعها وهي تضع يدها على مقبض الباب الخشبي صوت المدرسة ..الناعم في نبرته والقاسي في وقعه...." لا تعودي ثانية....ليس لك مكان هنا"

نزلت الدرج... وعند الطابق السفلي وصلتها كالمعتاد تلك النغمات الحزينة المنبعثة من قاعة درس الموسيقى والتي تتخللها نغمة نشاز...كأنها صيحة ألم ترددها الآلة الموسيقية حين تخطأ اليد التي تجرأت على لمس خيوطها.... امتلأ أنفها برائحة الرطوبة المنبعثة من القبو حيث توجد قاعة درس المسرح.....لم تسمع صراخ...أوديب ولا استعطاف أونتيجون.....أسرعت الخطى...وحين لفظها المعهد في الرصيف الممتلئ بالمارة....تألمت ولأول مرة .... من أشعة الشمس الدافئة ومن لفحات النسيم الناعمة على وجهها....وانكمشت كأنها خرجت من عالم.....إلى عالم.... .

فتحت دولاب الملابس....وقع نظرها على فستان السندريللا الجميل...لمست الثوب الناعم الحريري.....ومررته على يدها..كلمات والدتها ما زالت ترن في أذنها ...." رفضت الدور....والله برافو عليك....وماذا نفعل بذلك الثوب الذي كلفنا وأتعبنا..اغربي عن وجهي...فعلا....أنت لا تصلحين لشيء" ....لبسته...ووقفت أمام المرآة...وبلمسة ..أشعلت الراديو كاسيت...نفس النغمات تخرج من هذا الجهاز منذ بدأت التمرين...ابتعدت إلى آخر الغرفة....وبدأ تتهادى...واقفة في خيلاء...معتدل ظهرها...مرتفع ذقنها....تقدم رجل أمام الرجل الأخرى..في خطوات ....ثابتة....ناعمة...كأنها لا تلمس الأرض بل تطير فوقها....وبدأت تبتعد شيئا فشيئا...ها هي ذي تبتعد ثانية...شيء يجرها ...وشيء...لا يريدها أن تنجرف....أخذت تتمايل يمنة و يسرة ....فجأة...خرق صوته الفضاء....وجعل كل الأصوات تصمت....تتلاشى...و تجمدت في مكانها ... كل شيء يختفي...يندثر حتى عقارب الساعة التي أمامها تتوقف ....تراها الآن بوضوح...هي جامدة كما مفاصلها.....ثم... يسمع رنين زر الراديو كاسيت وهو يرتفع معلنا عن انتهاء الوجه الأول...وكأنه كذلك يفتح أزرار مفاصلها...فتتحرك...لتسقط فوق أقرب كرسي ....وآخر الكلمات ترتفع في الفضاء....." لا اله إلا الله"

أخذت خمار صلاتها الطويل وأحكمت وضعه حول وجهها وتركته ينسدل حول جسمها....وأقامت الصلاة...ثم بدأت رحلتها داخل الذات...هكذا تحسها الآن....هكذا تعيشها منذ فترة....وهكذا تريد أن تبقى...وتأبى أن تفقد هذا الشعور الجديد ...هي لا تفهمه جيدا...لا تعرف حدوده...لكن لا تريد فقدانه...مهما كلفها ذلك....مهما كلفها.....سلمت يمنة ويسرة....وبعد الذكر الذي يتسابق الآن إلى ذهنها بعد كل صلاة بتلقائية غريبة...وبعمق كبير....يجعلها تنظر في اللاشيء..لمدة لم تستطع إلى الآن تحديدها..أهي خمسة دقائق...أكثر...أقل....لا تدري...ولا تريد أن تعرف....فقط ما يهم هو هذا الشيء الجديد الذي يملأ حياتها...يمتلكها.. أدارت وجهها...فالتقت عيناها بعينيها في المرآة......واتسعت الصورة لتشملها كاملة.....كان الثوب الناعم يتماوج حولها....وكان الخمار يلفها في عذوبة فائقة....يجعلها تبدو كوردة...علت وجهها ابتسامة رائعة...ساحرة...و غمرتها نشوة عظيمة....وسكون لا مثيل له....وكانت بكل وجدانها....تقول: " لك وحدك....لك وحدك..... ومن أجلك وحدك...سأضعه......أراضي عني...أراضي عني..."..... وفاضت المقلتان بدموع حارقة....حارة....صادقة..... .

2004

صبيحة شبر
01-01-2008, 10:41 PM
الأخت العزيزة خديجة منصور
( السندريللا) قصة كتبت بعناية تتحدث عن صراع قوي يدور داخل
نفس البطلة ، ماذا تريد لنفسها ان تكون ؟ هل تقلد الاخر لاجل التقليد ؟
ام ترسم لها طريقا خاصا متفقا مع قناعتها
تنتصر الارادة في نهاية القصة لتبين ان الانسان موقف
وان الاصرار على ذلك الموقف يحدد نوع النهاية

وفاء شوكت خضر
01-01-2008, 10:55 PM
الأخت الفضالة / خديجة منصور ..

سرد رائع ولغة متقنة ، ستلسل شدنا من أول حرف حتى النهاية ..
قصة حملت الوعظ بأسلوب جميل مرغب ، من خلال صراع البطلة ما بين ما تريده وما يريده الآخرون لها ..
لتنصر رغبة الذات التي تزينت بعمق الإيمان والروحانية في الوقوف بين يدي الخالق في صورة رائعة رسمتها في نهاية القصة ..

بارك الله بك وزادك من فضله ..
كنت رائعة بما خطه يراعك النبيل هنا .

تحيتي ..

جوتيار تمر
02-01-2008, 09:28 PM
العزيزة خديجة........
بدا لي ان القصة تسير منحى اخر غير الذي توقعته ، فصالة الرقص ، والخيبة ، احيانا تؤدي بالمرء الى احضان اليأس المنفلت الى افاق اخرى سلبية في اكثر الاحيان ، ولكن هنا وجدت بأن الخيبة واليأس لهما وجهان اخران غير الذي دائما نجد الكتاب يصورونه من خلال الانحلال ،والركود والاتماء في احضان العدمية واللاجدوى ، لقد ابعدت هنا من خلال بنائك السردي المميز ان تخرجينا من روتين اليأس السلبي الى احضان واقع اخر فيه نوع من التفاؤل المشروط والحذر ، لكنه في النهاية جاء تفاؤلا ممسوقا ومؤديا جيدا لعملية تغير النفس الى واقع اخر فيه رضى النفس نفسها.

كل عام وانت بخير
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

خديجة منصور
10-01-2008, 02:11 AM
أختي صبيحة شبر
أختي وفاء شوكت خضر
أخي جوتيار

لكم كل التقدير أعزائي :001:

د. مصطفى عراقي
11-01-2008, 11:26 AM
تألمت ولأول مرة .... من أشعة الشمس الدافئة ومن لفحات النسيم الناعمة على وجهها....وانكمشت كأنها خرجت من عالم.....إلى عالم.... .





كانت تلك إذن هي لحظة الميلاد لسنديللا أخرى جديدة فريدة ، لم ينتشلها من واقعها الأليم ساحرةٌ طيبة وأمير نبيل ، بل ضميرٌ حيٌّ ، ونورٌ غامر.



أديبتنا الراقية الأستاذة خديجة

تحية من أعماق القلب لهذا التوظيف الفني الموفق في سياقٍ قصصي غاية في الإبداع والجمال، ورسالةٍ غاية في النبل والجلال



ودمت بكل الخير والسعادة والنور



مصطفى

حنان الاغا
11-01-2008, 02:52 PM
وهل يقارن الإبداع أيا كان جنسه بلقاء المبدع العظيم جل وعلا .

الأخت خديجة

مرحبا بك وبنصك الذي جعلتِ له بداية هي قطب ونهاية هي القطب الآخر الممتد في أعماق الروح النقية للشخصية.

لغة سرد رشيقة تخللها قليل من العبارات الحوارية التي أدت الغرض.

أراضي عني / أراض

ابن الدين علي
11-01-2008, 03:53 PM
القصة جد رائعة محكمة البناء و تصوير بليغ للشخصية التي تعيش صراعا بين ما هو موجود و ما ينبغي ان يكون. غير انني اتساءل : لو أن البطلة كانت موفقة في الرقص و لم تطردها الاستاذة هل كانت ستقف بين يدي الله . ؟

خديجة منصور
12-01-2008, 03:46 AM
أخي د. مصطفى عراقي
نعم...لا ساحرة و لا أمير,,,بل نور و ضمير
لك مني كل التقدير أخي

أختي حنان الآغا
شكرا لكلماتك الجميلة و لمرورك الطيب
لك مني كل التقدير أختي

أخي ابن الدين علي
شكرا لمرورك و تعليقك الجميل
كانت سيدي موفقة في الرقص و اختارت أن تقف بين يدي الله
لك مني كل التقدير أخي

آمال المصري
26-08-2013, 08:15 PM
السندريللا ... نص رائع فكرة وسرد ماتع وحبكة قوية وحكمة بليغة
يقول أن لكل مسار يتفق ومبادئه بعيدا عن التقليد الغربي الأعمى وأعتقده ليس مشروطا بفشل ولكنها مجرد أسباب ودوافع لتحديد المسار وتجديد النية
استمتعت هنا د. خديجة
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

براءة الجودي
26-08-2013, 09:30 PM
لو أنها رضخت للتقليد الأعمى لكانت تلك السندريلا العمياء المزيفة , لكنها في النهاية وصلت لأعماق السنريلا وحقيقة رقتها في خلقها وإيمانها وحجابها
يمر الإنسان بصراع قوي بينه وبين نفسه بين قناعاته ومبادئه والتاثيرات الخارجية مما يراه ويسمعه وعلى حسب الإرادة والعزيمة والقناعة يزيد الإيمان فتأبى كل تقليد وضلال
وإن نقص الإيمان فهو بحسب انخراطها في شهوات الدنيا وفتنتها ..
كنت أحسب يأسها إحباطا لها أوستعيش في دوامة حزن رفضها , وحينما وصلتِ في القصة إلى مشهد رجوعها للبيت ورقصها بإتقان في غرفتها ظننتها أنها أتقنت ذلك وقررت العودة بإرادة أكثر وستصنع معجزة في دورها
أرى أن هذه الفتاة هي هكذا بطبيعتها رقيقة انيقة من دون تعاليم المعلمة التي تزعم أنها ستصقلها لكن أظن أن مامنع الفتاة من إتقان ذلك أمام المعلمة هو حزن في نفسها ورفضها لهذا المنكر فهي غير مرتاحة لفعل هذا الشئ الشاذ عن مبادئها فحينما لبست الخمار وصلت وسكنت نفسها من بعد دوار وفراغ كبير وجدت ذاتها أخيرا وحددت ماذا تريد بالضبط وعرفت من تكون ؟ ولمن تسمع ولأمر من تتبع وهذا هو نقاء في النفس وصفاء في البصيرة فنزلت الدمعة الصادقة وتوجهت لربها تدعوه وترجوه وتخشاه وهذا من صفات المتقين .
قصة فيها من الوعظة والصراع ومراجعة النفس والرحلة فيها والغوص بأعماقها لندرك ماذا نفعل وماسنفعل ولماذا ؟؟
ابدعت في السرد والوصف وجذبت الأنظار وكانت نهاية مفاجئة ورائعة
كل الود والتقدير

ربيحة الرفاعي
19-09-2013, 11:54 PM
ميلاد النور وإشراقة شمس الخير في قلب السندريلا التي عرفت اخيرا ما تريد لنفسها بعد صراع داخلي عنيف بين ما هو راسخ في أعماقها وما يغريها بتقليد آخر لا يشبهها

سرد جميل نجحت فيه بشدنا للقصة بقوة
ومشاهد رسمتها بمهارة لا تتاح لغير فنان قدير

دمت مبدعتنا بألق

تحاياي

ناديه محمد الجابي
20-09-2013, 06:36 PM
الله .. الله .. ما أجمل تلك الكلمات التي جعلت جسمي كله يقشعر
...كان الثوب الناعم يتماوج حولها....وكان الخمار يلفها في عذوبة فائقة...
.يجعلها تبدو كوردة...علت وجهها ابتسامة رائعة...ساحرة...و غمرتها نشوة عظيمة
....وسكون لا مثيل له....وكانت بكل وجدانها....تقول:
" لك وحدك....لك وحدك..... ومن أجلك وحدك...سأضعه......
أراضي عني...أراضي عني..."..... وفاضت المقلتان بدموع حارقة....حارة....صادقة..... .

وصدق حبيبي رسول الله حيث قال:
من التمس رضى الله سبحانه بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه،
ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس " .
عزيزتي خديجة .. لقد استمتعت بفكرتك الرائعة الممتعة المبدعة
دام وهج أبداعك ورقة حسك.

نداء غريب صبري
12-10-2013, 06:13 AM
كنت أتمنى أن تختار هذا الخمار وهي ناجحة في رقص الباليه
لكنها اختارته عندما فشلت في دروس الرقص
وبعد أن قالت لها المدربة أنت لا تصلحين لشيء

القصة الجميلة والأسلوب المشوق أثرا بي
وأمتعتني قراءتها

شكرا لك أختي

بوركت