المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وحيد يتألم



علاء الدين حسو
02-01-2008, 11:56 AM
وحيد يتالم

داهم وحيد ألما لم يخطر على باله قط، ولم يشهد مثل هذا الألم طوال الخمسين سنة التي يتذكرها من عمره، ولا يتوقع سنوات الخمس التي لا يتذكرها من طفولته أنه أصيب بمثل هذا الألم.

قطع الألم نومه الذي جهد في جلبه ، ورفس اللحاف ضاربا عرض الحائط ببرودة الطقس، فالألم اشد من البرد ،وهو الذي يقول" ان برودة جهنم أقسى بكثير من حرِّها " .ومن المؤكد أنه ككل البشر، مر به أنواع مختلفة من الألم.كألم العين ،الإذن،الأنف،الضرس،كسر الذراع ،حرق رجل ،جرح يد ، هرس أصبع ،صفعة خد، فج رأس ،حرقة معدة،إلا ان هذا الألم الذي باغته كان أشد.

انكب على وجهه، ساحبا رجليه نحو بطنه ،يضغط على منطقة الألم ، يعصرها علها تهدأ، فهو لا يريد أحدا من أبنائه أو زوجاتهم ولا بناته أو أحفاده الذين يضمه بيته الكبير سماع ما يحس به،سيصبر، قد يكون الألم عارضا ،كألم القولون الكاذب فيرحل بسرعة، او كألم بحصة تحركت في مجرى البول سينتظر ذوبانها . إلا أن الألم كان عنيدا كثور ،أبى أن يفارق المنطقة، فعض على شفته يمنع خروج الصرخة .

في شبابه ، مر به ألم شبيه عدة مرات ، وكان الدواء عند زوجه ،حين يحضنها ويسكن إليها فيهدأ ذلك الألم .خاصة بعد غياب لأيام بسبب سفر أو مرض. ولكنه ألم خفيف كعضة طفل رضيع لم تنبت أسنانه بعد .أما هذا الوجع لا يعادله قلع ظفر أو هرس خصية بمطرقة ..

تقوى على الألم بلف اللحاف ، كمن يعانق أفعى طويلة ، فحشر طرف اللحاف بين أسنانه يسد منافذ قد تهرب منها الصرخة ، وكوّم الطرف الزائد من اللحاف بين رجليه يدعم الضغط على المنطقة المتألمة. فهو لا يريد أن يكرر صرخة الشهر الماضي ، حين فاق على شخير زوجه ،التي ابتسمت وتركت روحها يخرج من فمها وعينيها، فصرخ يطلب النجدة حين فشل منع الروح من السفر ،صرخ في وجه أولاده ، و في وجه الطبيب الذي قال" لو أن الدنيا كلها اجتمعت فلن يقدروا على منع روح خرجت بأمر الله .ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون."

يخطئ من يظن فقد الأم أو الأب مثل الزوجة، أدرك وحيد هذا متأخرا ، فألأم لا تعوض وكذلك الأب هذا متفق عليه ولكن زوجته كانت معه تواسيه ، وحين يحس بالشوق أو الحنين يهرب إلى حضنها، فتسكن نفسه، ويهدأ شوقه .. ويخطئ من يظن بأنها رحلت عنه ، نعم انتقلت ولم تعد تظهر لهم ، لأولاده أو بناته ، او أقاربه وجيرانه،أما هو فتزوره كل ليلة ، تحدثه قليلا وتطلب منه الصبر ، الصبر على تحمل طعام زوجات أولاده، على تحمل غسل ملابسه الداخلية بيديه ، على تحمل برودة الفراش حين الدخول إليه ، ولكنها ستهرب ، ستتسلل من عالمها الذي رحلت إليه عنوة وتأتي إليه فهي تقدر على ما لا يقدر عليه ..بل إنه نادرا ما أحس بأنها ليست بجانبه ، حتى في اليقظة وكم مرة نادى عليها، وكم من مرة سمع صوتها، تتجول بين الغرف ،وعند الخزن، وفي المطبخ ..

قبل أيام انقطعت، فخاف لأول مرة، ولكنها عادت البارحة واعتذرت لصعوبة لن يفهمها، ووعدته أن لا تعود لقطعه ، بعد أن تأكدت بأنه لن يقدر على الزواج مرة أخرى لأسباب عدة منها، معارضة الأولاد، ومنها حالته الصحية التي كانت أحد الأسباب الرئيسة لشجارهما في السنوات الأخيرة، فهو يريد أن يغزو، وهي تخاف على حصانه من التوقف، فتلهيه ثم ترضيه على طريقتها .

فرح حين أحس بتراجع الألم ، كأنه يستعد للرحيل ،بقي ضاغطا على بطنه ، إلا أنه حرر شفته السفلى من أسنانه واللحاف ، وسمح لفمه أن يزفر فخرج مع الهواء حرف الهاء حارا سخّن طرف اللحاف الملاصق لأنفه ..وحين تأكد من مغادرته ،بسط رجليه واستلقى على ظهره،كأنه أنهى واجبه الزوجي بمهارة فكافأ جسده بالراحة.ومد ذراعه كعادته بعد الواجب يتفقد زوجه اللاهثة ، فهوت بقوة على فراغ ،وارتطمت بالفراش البارد، فتذكر فقدانها، وأنها حنثت بوعدها ،كعادتها حينما تحس برغبته في الغزو وهي تخشى على حصانه ..عندئذ ..لحظتئذ.. باغته الألم ،فجعله يصرخ صرخة أشد ألما وأحد صوتا من بكر تلد .

جوتيار تمر
02-01-2008, 09:42 PM
المبدع علاء الدين.....
وحيد يتألم ، نص ذا حركية داخليه فيه عمق تنظيري ، وتصويري ، ومعاني موحية دالة ، فالالم هنا له اسبابه الذاتية ، وحركية النص تمثلت في حركية وحيد نفسها ، رفس اللحاف بعرض الحائط ، حشر طرف اللحاف بين اسنانه ، من هذه اللقطة نلامس حركية لانص في شخصيتها الاساس والتي لديه قوة استحضار رهيبة بحيث يستحضر اثناء الالم كل ما حوله المحيط باكمله ويدس في نفسه بافكار احيانا لاتتلائم والحالة لاتي يمر بها ، ولكنه من خلاله رباطة جأشه كان يتغلب على نفسه ، لقد ابدعت هنا في تصوير الحالة النفسية والذاتية ، وقد لامست حشرا لعدة ماهيات في النص لم تنقص من اهمية الفكرة ولا من قوة بناء والتحكم الجيد بالسرد ،وكأني بالمتلقي يخرج من النص برؤية تجعله ضمن دائرة الالم نفسه، حيث الالم ماذا كان ، ولماذا ظل يستحضر الوالدين ، والاولاد وزوجات الاولاد ووو... حيث هذه الاسئلة ستبقى ترافق المتلقي ، مع عدم اغفال الحالة النفسية التي يمر بها جراء فقد كان قبل ذلك الدواء لكل داء فيه ،بالاخص دواء الحصان الغزو .

دمت بخير
كل عام وانت بخير
محبتي لك
جوتيار

حسام القاضي
03-01-2008, 07:33 PM
أخي الفاضل الأديب / علاء الدين حسو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ازدواجية رائعة بين ألم النفس وألم الجسد
نجحت في تصويرها ببراعة وحساسية..
سؤال قد لاطرحه الكثيرون على انفسهم هل فقد الزوجة يساوي فقد الأبوين؟؟
والاجابة عند صاحب التجربة وحده وماذا كانت الزوجة له ؟
نجحت في نقل معاناة الأرمل العجوز في تفاصيل لا يستشعرها الكثير من الأبناء
هنا تفوق ألم النفس على ألم الجسد ...
عمل رائع اهنئك عليه.
تقبل تقديري واحترامي.

سحر الليالي
03-01-2008, 11:10 PM
الفاضل " علاء"

قــصة مؤلمــة ولكنها في منتهى الروعة ..!!

قرأتها مرتين ....

سلمت ودمت مبدعا

تقبل خالص تقديري وقوافل ورد

علاء الدين حسو
09-01-2008, 12:59 PM
الاديب جوتيار المحترم
تحية خاصة على الاهتمام وللنقد الراقي، والشكر العميق على التحليل الذي اضاء الجوانب المعتمة من النص ..

اخي جوتيار شكرا لك ..
جوتيار[/center][/QUOTE]

علاء الدين حسو
20-01-2008, 11:10 AM
أخي الفاضل الأديب / علاء الدين حسو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ازدواجية رائعة بين ألم النفس وألم الجسد
نجحت في تصويرها ببراعة وحساسية..
سؤال قد لاطرحه الكثيرون على انفسهم هل فقد الزوجة يساوي فقد الأبوين؟؟
والاجابة عند صاحب التجربة وحده وماذا كانت الزوجة له ؟
نجحت في نقل معاناة الأرمل العجوز في تفاصيل لا يستشعرها الكثير من الأبناء
هنا تفوق ألم النفس على ألم الجسد ...
عمل رائع اهنئك عليه.
تقبل تقديري واحترامي.
استاذي حسام القاضي المحترم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
القراءة الواعية وخاصة من اديب محترم يعرف اسرار الكتابة ومفاتيحها تفيد كاتب النص كدرس لتجنب الهفوات وتطوير الميزات ..وهذا ما يحدث عندما اقرأ تعليقك ..
شكرا ..وفقك الله ..احترامي

نزار ب. الزين
21-01-2008, 07:02 PM
نص يفيض روعة
و لوحة رسمت بيد مرهفة
فصورت حالة من الألم ممزوجة بهلوسات مريض
ما فتئ يناجي زوجته المتوفاة
إبداع من مبدع
سلمت يداك أخي علاء الدين حسو ،
و دمت متألقا
نزار

علاء الدين حسو
31-01-2008, 10:45 AM
استاذي نزار المحترم
شكرا لاهتمامك وتحليلاتك الصائبة
دائما اتعلم منك من ابداعك ونقدك ..
شكرا ..وفقك الله

آمال المصري
19-01-2016, 12:18 PM
مادة أدبية أدهشتني بقوة التصوير وسلاسة اللغة ونقل واحدة من معاناة أرمل لايجيد صياغتها إلا يراع متمرسة
بوركت واليراع المبدعة أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
20-01-2016, 05:21 PM
الوحدة أسوا أنواع العذاب والألم..
وظيفة الألم هى التنبيه بوجود مرض معين أو خلل في الجسم
وألم الجسد دواؤه عند الطبيب مهما كان المرض عضال
ولكن ألم النفس أقوى واشد ـ فقد يفقد الإنسان الحركة أو
الرغبة في الحياة، وقد يكون هو السبب لكثير من الألم الجسدي.
مبهرة قصتك وبديعة لغتك وسردك
قص مؤثر وحبكة متقنة بحرف جميل
قصة قوية الفكرة موفقة الطرح
أشكرك على هذا العمل الرائع. :001: