تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الجثمان



صبيحة شبر
11-01-2008, 02:58 AM
ال
جثمان

انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ، وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان الرؤية ، منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة
- لاأعرف ماذا تريدون ؟
تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران
- لم أفعل ما تقولون
تنهال عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور
- لم اسمع بمن تتهمون
- انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب
يعلق من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة
- ماذا تريدون
- يا ابن ........ ألا تدري ؟
- نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ، يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟ يلبون حاجته بعد فراق ؟
- قل كلمة واحدة
يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل
تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا
- اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي
ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،
- انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة
ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم يمسكون به ، لينجوا
وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر مجيئهم العمر كله ؟
يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:
- لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا





صبيحة شبر

سعيد محمد الجندوبي
11-01-2008, 03:21 AM
الأديبة المبدعة صبيحة شبر

نص جميل وان تخللته آلام الجسد والروح
يصف حالة كثيرا ما يتردد وقوعها في أوطاننا البائسة، سببها انعدام الأفق والحرية واحترام الإنسان... هذا الذي كرّمه رب العالمين

مع محبتي

سعيد الجندوبي

جوتيار تمر
11-01-2008, 01:14 PM
الشبر الرائعة .....

وضعت بين يدي المتلقي صور ومشاهد توحي باكثر من مغزى ومدلول ، فالتضحية ، وضيق الافق ، والاعدام ، والرفاق ، وسلب الحريات ، كلها مواضيع تتداخل وتتشابك داخل القصة نفسها ، والتوفيق بينها يحتاج الى دراية وقدرة ، ولعل ما جعلت القصة تبقى مصدر وخز ذهني النهاية وتلك التساؤلات المتتالية التي رافقت عميلة الحفر الترابي العقلي معا ، تلك التساؤلات بحد ذاتها موضوع قيم لرواية لاتنتهي.

دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

صبيحة شبر
21-01-2008, 07:25 PM
الأديبة المبدعة صبيحة شبر
نص جميل وان تخللته آلام الجسد والروح
يصف حالة كثيرا ما يتردد وقوعها في أوطاننا البائسة، سببها انعدام الأفق والحرية واحترام الإنسان... هذا الذي كرّمه رب العالمين
مع محبتي
سعيد الجندوبي


الأخ العزيز سعيد محمد الجندوبي
قراءة جميلة للنص وتحليل صائب
الشكر الجزيل لك
دمت بخير

صبيحة شبر
21-01-2008, 07:26 PM
الشبر .....

وضعت بين يدي المتلقي صور ومشاهد توحي باكثر من مغزى ومدلول ، فالتضحية ، وضيق الافق ، والاعدام ، والرفاق ، وسلب الحريات ، كلها مواضيع تتداخل وتتشابك داخل القصة نفسها ، والتوفيق بينها يحتاج الى دراية وقدرة ، ولعل ما جعلت القصة تبقى مصدر وخز ذهني النهاية وتلك التساؤلات المتتالية التي رافقت عميلة الحفر الترابي العقلي معا ، تلك التساؤلات بحد ذاتها موضوع قيم لرواية لاتنتهي.
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار

العزيز جوتيار
قراءة واعية وتحليل دقيق
واراء صائبة
الشكر الجزيل لك
دمت بخير

سحر الليالي
30-01-2008, 11:55 PM
المبدعة "صبيحة شبر"

منذ مدة لم أصافح حرفك...
رائعة كما أنت دوما

سلمت ودمت متألقة
لك ودي وتراتيل ورد

د. نجلاء طمان
05-02-2008, 07:05 AM
التضحية والإيثار, وفجيعة النهاية ...ثم الانتظار المعانق للوحدة... فالموت؛ كلها عناصر يمكن أن توظف على معظم الأصعدة , سياسيًا , اجتماعيًا أو فكريًا. في النهاية الفكرة وظفت بشكل جيد جدًا, وكانت اللغة انسيابية السرد, تدخل في منحنى شعري رائع عبر بشكل فعال عن جوانيات البطل.

دمت مبدعة

د. نجلاء طمان

صبيحة شبر
29-02-2008, 02:36 PM
المبدعة "صبيحة شبر"
منذ مدة لم أصافح حرفك...
رائعة كما أنت دوما
سلمت ودمت متألقة
لك ودي وتراتيل ورد

الأخت العزيزة سحر الليالي
الشكر الجزيل على المرور الكريم
دمت بخير

صبيحة شبر
29-02-2008, 02:39 PM
التضحية والإيثار, وفجيعة النهاية ...ثم الانتظار المعانق للوحدة... فالموت؛ كلها عناصر يمكن أن توظف على معظم الأصعدة , سياسيًا , اجتماعيًا أو فكريًا. في النهاية الفكرة وظفت بشكل جيد جدًا, وكانت اللغة انسيابية السرد, تدخل في منحنى شعري رائع عبر بشكل فعال عن جوانيات البطل.
دمت مبدعة
د. نجلاء طمان

الأخت المبدعة د.نجلاء طمان
قراءة واعية للنص وتحليل دقيق
أسعدني نقدك البناء
الشكر الجزيل لك
دمت بخير

سيلفا حنا حنا
06-03-2008, 07:26 PM
هنا أجد رؤيا مقدسة
الإنسان ــــــــــــــــــ
يولد عارياً باكياً ينضج شاباً قوياً ,يتألم مريضاً شاكياً, يكبر عاجزا معذباً مثلما بدأ ينتهي
هاهنا سمعت هذا الرجل يقول لا لن أتوقف ما دامت حياً ميتاً أنزف
قالها وبصوت مرتفع ..عالمكم أهان خاصتي ,وشتم صفتي ,إنني بالنسبة لكم نعوة فقيد يرقد في مكان
مجهول خارج هذا الزمان,,,
هاهنا الوجه الاخر من الإنسان
مرض الأنانية هو الدافع نحو السلوك الدكتاتوري والعدواني في عالم السياسة ، وقمع الآخرين والاستحواذ على مقدّرات الحياة السياسية .. والأناني لا يضحي بشيء ، ولا يشارك في الحياة الاجتماعية إلاّ إذا قدّر أن يكون له من الربح أكثر ممّا يعطي الآخرين .


يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:
- لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا
وفي شخصية القصة وبعد التساؤلات حللت الأتي
التضحية والإيثار والانتصار على الأنا له ما يقابله من عوض ، وهو الجزاء الاُخروي الذي يرجوه المؤمنون بالله وبعالم الآخرة .. ان الضمانة لحل أزمة الصراع بين مصالح الذات والأنا من جهة، وبين مصالح المجتمع وإحداث التوازن النفسي والاجتماعي من جهة اُخرى ، هو الإيمان بالله وبالجزاء الاُخروي .. وكلّما ازداد تخلي الإنسان عن الأنانية والأثرة ، وترسخ في نفسه مفهوم الإيثار ، وتقديم مصلحة الآخرين ، ازداد مكسبه الذاتي مما أعد الله سبحانه للمؤثرين على أنفسهم في عالم الخلود والبقاء.....
سيدتي والأم الحنون صبيحة شبر
لك محبتي وتقديري وودي ووردي :0014:
جزاك الله كل خير يا أماه

ليوفقنا الله

صبيحة شبر
13-03-2008, 07:42 PM
هنا أجد رؤيا مقدسة
الإنسان ــــــــــــــــــ
يولد عارياً باكياً ينضج شاباً قوياً ,يتألم مريضاً شاكياً, يكبر عاجزا معذباً مثلما بدأ ينتهي
هاهنا سمعت هذا الرجل يقول لا لن أتوقف ما دامت حياً ميتاً أنزف
قالها وبصوت مرتفع ..عالمكم أهان خاصتي ,وشتم صفتي ,إنني بالنسبة لكم نعوة فقيد يرقد في مكان
مجهول خارج هذا الزمان,,,
هاهنا الوجه الاخر من الإنسان
مرض الأنانية هو الدافع نحو السلوك الدكتاتوري والعدواني في عالم السياسة ، وقمع الآخرين والاستحواذ على مقدّرات الحياة السياسية .. والأناني لا يضحي بشيء ، ولا يشارك في الحياة الاجتماعية إلاّ إذا قدّر أن يكون له من الربح أكثر ممّا يعطي الآخرين .
وفي شخصية القصة وبعد التساؤلات حللت الأتي
التضحية والإيثار والانتصار على الأنا له ما يقابله من عوض ، وهو الجزاء الاُخروي الذي يرجوه المؤمنون بالله وبعالم الآخرة .. ان الضمانة لحل أزمة الصراع بين مصالح الذات والأنا من جهة، وبين مصالح المجتمع وإحداث التوازن النفسي والاجتماعي من جهة اُخرى ، هو الإيمان بالله وبالجزاء الاُخروي .. وكلّما ازداد تخلي الإنسان عن الأنانية والأثرة ، وترسخ في نفسه مفهوم الإيثار ، وتقديم مصلحة الآخرين ، ازداد مكسبه الذاتي مما أعد الله سبحانه للمؤثرين على أنفسهم في عالم الخلود والبقاء.....
سيدتي والأم الحنون صبيحة شبر
لك محبتي وتقديري وودي ووردي :0014:
جزاك الله كل خير يا أماه
ليوفقنا الله

الأخت الرائعة سيلفا حنا حنا
قراءة جميلة للنص وتحليل دقيق
لما يتمتع به الانسان من صفات متعارضة متناقضة
الايثار مع الاثرة والحب مع الكراهية
من يتميز بالكرم يضحي بحياته من اجل الاخرين
أسعدتني قراءتك كثيرا
الشكر الجزيل لك
دمت بخير

ربيحة الرفاعي
02-12-2014, 02:21 AM
نجحت القاصة في بناء سردي محكم وأداء جميل اعتمد شاعرية اللغة في الغوص في دخيلة الشخوص بتوظيف الفكرة رغم عدم جدّتها في خدمة إسقاطات سياسية واجتماعية هامة باعتماد إشارات صارخة وقيم عالية

إبداعك لافت أيتها الرائعة

تحاياي

خلود محمد جمعة
09-12-2014, 10:09 AM
وما بين صوت الحفر وألمه وبين بصماته على الروح عالم أخذتنا اليه الكتابة ببراعة
مؤثرة حد الألم
كل التقدير

آمال المصري
12-11-2015, 05:16 PM
وصف دقيق لمقهور وراء القضبان ضحى بحريته يعري من خلال الأحداث فظائع العسكر وما يتلقاه على أيديهم من تنكيل وتعذيب
لغة رشيقة وسرد ماتع جعلنا نعيش الحدث ونتفاعل معه
أبدعت أديبتنا الفاضلة
تحاياي

كاملة بدارنه
14-11-2015, 07:38 PM
وصف رائع معبّر لما جرى هناك بأبعاده المؤثّرة
حرف هادف مؤثّر
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
01-11-2017, 08:13 PM
نص موجع مؤلم بما حمل من وصف لآلام التعذيب والعقاب
التضحية من أجل الآخرين ـ وانتظار الموت وحيدا وقد تخلى عنه من تحمل من أجلهم
سرد قصصي يمس شغاف القلب بصدقه الشعوري ، وألقه التعبيري
قصة قوية الملامح ـ ذكية الفكرة ـ تقدم قضية كبيرة
أبدعت نسجها بقوة.
:v1::001:

محمد محمود محمد شعبان
01-11-2017, 11:38 PM
رائعة رغم الجراح الدامية
أحسنت القص أديبتنا الراقية