المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواسم الغضب



عبدالله سليمان الطليان
17-01-2008, 09:50 PM
عادة ما كان يتجنب إشعال ذاكراته الخامدة لأنها تجرفه إلى ذكريات أليمة طالما أرقته وجعلته في سهد رغم محاولاته في وئدها وإهمالها في صحراء النسيان لكن المحاولات دائما ترسو إلى الفشل فيجد نفسه غارقا في اجترارها والتوقف عندها وتشريح صورتها بدقة فتسلب فكره وتستولي على خياله وتأسره وتهيم به تجرعه الألم فيظل في حسرة وكدر تخيم عليه الكآبة ويتسرب أليه اليأس .. ذات مره وهو منعزل في وحدته امتطى صهوة الذكريات وراح يعدو بشدة في المرور على الأحداث فتوقف عند حدث سطره التاريخ ووثقه فتح الصفحات والمرارة تعتصره انه الخامس من حزيران عام 1967م لقد كان يجوب الشوارع وهو يشعر بالفخر والعزة يرى الوجوه تعلوها الابتسامات .. المذياع يصدح هنا وهناك بالخطب الحماسية والأناشيد الوطنية غمرت جسده بالنشوة والسعادة ...

انتصرنا ... انتصرنا

عبارات ملتهبة لا تنقطع تملا الأجواء تردد على لسان الصغير والكبير .. هذا هو وطن الشموخ والمجد والتحدي والصمود عاد والفرحة تلازمه وتصاحبه وفي اليوم التالي ساد الصمت وجاء الخبر كسهم أنغرس في داخل جسده معلنا الحقيقة تشتت الذهن وعصفت الأفكار فلقد صار العدو قريبا وضاعت أجزاء من الوطن لقد تغيرت الصورة وجوه واجمة مصابة بالذهول والإحباط تقلب الخبر و تعيد مراجعته في تدقيق وتمحيص لعل وعسى أن يكون هناك التباس لكن الأمر أصبحا واقعا أميط اللثام فانكشفت النتيجة المرة ولم تعد تجدي محاولات الهروب من الحقيقة التي حولت الأحلام إلى أوهام والنصر إلى سراب .. قاوم اثر الحدث وفك قيده مطلقا فكره نحو المقاومة وإغلاق صورة تلك الصفحة السوداء إلا أن مشاهد الضعف و الانهزام جردته من تمرده وإعادته إلى حالته بعدما رأى تلك الجموع الغفيرة تخرج في غضب تردد عبارات نارية تدعوا إلى الأخذ بالثأر والانتقام من العدو جعلته يوقن إن الأمة تتجه إلى الاحتضار إذا كان هذا سلاحها الوحيد الذي تملكه ولن يعود بعد الآن هناك توثيق لنصر جديد بل سوف تبقى هناك مواسم الغضب التي نحصدها فيها السخط و الصياح بعبارات جديدة .

جوتيار تمر
18-01-2008, 09:39 AM
المبدع الطليان...
هذا ما كنت ولم ازل اعنيه بقوة البيان والنحو واصرف في اللغة العربية دون سواها من اللغات ، حيث جرت العادة منذ قديم الزمان على تحريف الكلم عن مواضعه ، وجعلها تنتحل شخصية القوي والذي لايهزم ولايقهر ، وارساء قواعد تستمد قوتها من تاريخ مضى ، فتظل تعيش على ماهية الابائية القديمة ، وعندما تواجه الواقع العياني الحي الملموس ، وتدرك ضعفها وخضوعها وهزيمتها ، تستعين بمخزونها اللغوي ، فتتعالى الصرخات والهتفات ، لقد انتصرنا ، وعند بحث ماهية الانتصار نجدنا امام هزائم لا هزئمة واحدة ، ونجد بان الاخر يده العليا ويدنا ممتدة لقبول الاوامر ، وخاضعة لكل رغباتهم ، لقد جسدت هذه الحالة بلغة انسيابية واضحة وبانتقاء دقيق للمعاني ، وبصورة مشهدية ذاتية يمكن ان تعمم على الاغلب.

محبتي لك
جوتيار

خليل حلاوجي
18-01-2008, 11:53 AM
الانتقام وهي قيمة انسانية تنسينا انساتيتنا ... استبدلنا الإسلام لنا - بقيمة - القصاص ..

لكننا نسينا ذلك الاستبدال

\


نص مترع بالدهشة ... سلمت َ أيها المبدع

عبدالله سليمان الطليان
19-01-2008, 09:26 PM
أخي جوتيار
ان الهروب من الواقع بجترار الماضي واحداثه وتلميع
كلماته التي ماتت في وقتها لن تغير المعنى الذي نعيش فيه
لك مني الحب والتقدير

عبدالله سليمان الطليان
19-01-2008, 09:34 PM
أخي خليل حلاوجي
نحن امة عبثيه وذاتية التفكير في كل شي
وهذا سر الضياع

اشكرك على مرورك
لك التقدير والاحترام

د. سمير العمري
09-08-2009, 08:43 PM
نص جميل شكلا عميق ومميز مضمونا.

أحببت تعليق الخليل وأشيد به.

دام الألأق!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

ربيحة الرفاعي
31-12-2014, 06:08 AM
نص موفق بأداء قصّيّ جميل ومحمول لافت بعمقه وتجسيدة الناجح للفكرة والحالة التي حكتها

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
03-01-2015, 06:36 PM
تصوير للمشهد العربي بدقة والم
بإيجاز وعمق
وتبقى الحقيقة واضحة لا نراها
بوركت وكل التقدير

عبدالله سليمان الطليان
22-01-2015, 08:49 PM
الى اخي الفاضل د. سمير العمري
اعتذر لك عن التاخير في الرد وذلك بسبب الاحداث التي جعلتني اعزف
عن مطالعة واقع يدفع ثمنه الجسد العربي وخاصة احداث غزة المؤلمه التي سقط فيها
العديد من الشهداء ودمرت مبانيها امام عالم يصيح الان على قتل 12 شخص فقط و يعتبره اكبر جريمة
انسانية اين شهداء غزة ايها العالم المتحضر