المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رقصٌ على حافة ما



حنان الاغا
03-02-2008, 06:58 PM
رقص على حافة ما
رأسي جسم كرويّ مجوف بما يسمح للدماغ بالتقافز هنا وهناك، يلتجىء إلى هذا الجدار أو ذاك ، كلما تحرك هذا الجسم الكرويّ ،فأحس بلا نسب الأشياء ، وبلا لونها ولا شكلها ، وصولا إلى لا طعمها ولا حتى ملمسها .
هذا الحديد الصدىء أمامي حسبته مروحة قد تبرّد تلك الأبخرة الحرّى التي تنبعث من مسامّي. ها هو يمتد وقوفا لساعات ، ولمسافات ، إلا أنه يتوقف فجأة ، للحظات لا تكفيه لحفظ توازنه فيتهاوى جزء منه ، وتنفتح على وسعها أعمدته المروحية من أعلى ، فيما تبقى مضمومة ملتوية من الأسفل ، فتميل باتجاه الأرض المغطاة بالصقيع ، مكونة هضابا عجيبة من معدن صدىء.
تعتريني رغبة بالضحك وأنا أحس بأشياء تدغدغ باطن قدميّ ، فأضحك ، هو ملمس الحديد البارد المغطى بحبيبات الصدأ . لكن ألواني وقعت مني وانفرطت أرضا ، فمن لي بمن يلمها قبل أن أفقد المشهد؟
ـــ أرجوكم هي لي ، نعم وقعت مني . شكرا . وتلك الفرشاة هناك أيضا .
ـــ هكذا تماما .
وأمد ذراعي بالفرشاة المغموسة باللون البني المحمر الداكن ، أمدها على امتدادها لأرسم لوحتي الجديدة. جداريّتي التي ستؤرخ للأقدام الصغيرة والكبيرة الدائبة السير مندفعة باتجاهين متعاكسين ، براحة رغم الركض ، ونعومة رغم الألم .
أسمع صوت ضحكات مكتومة ، فأضحك أنا الأخرى ويدي مستمرة بتلوين مساحة كبيرة من الجدارية . أريد الآن فرشاة أصغر ، أحتاج لرسم بعض التفاصيل ، فأمد يدي فجأة لتناولها ، فأحس بأشياء تقيد يدي ، تمسكها لكن بحنان.
ـــ ماذا ؟ دعوا يدي .
ـــ أمي لا تقلقي . هذه أنا ، أعطني الكوب فقد تناثر الماء . دعيني أجففه .
أحس ببرودة المعدن تلسع أضلاعي ،فأصرخ :
ـــ دثروني . البرد يقتلني ، يحرقني ، يجمدني . لا أدري.
لكن أين أجد ما يكفي لتغطيتهم ؟ لقد عصفت بنا رياح سموم أخطأت وقتها ، فحولت شتاءنا سعيرا من بنادق وصقيع وجوع .
ماذا تفعل دمعاتي هذه وسط يباب الأرواح !
أفتح عينيّ لأرى العينين الباسمتين تتلألأ فيهما دمعتان بعد أن سقطت أخريان على خديّ.أكابد ابتسامة منع تكونها جفاف شفتيّ المحترقتين ، فأبكي .
ـــ جرحي صغير لا تقلقي . هم من يقلقني أمرهم.
ثم أغرق في بكاء منغّم محشو بالكلمات ، يقطعه الصوت القلق إلى جانبي :
ــــ أنت هنا في سريرك ، لم يصبك رصاص ولا حديد ولا حجر.
أصغي باهتمام وتركيز محاولة اللحاق بهم ، وسماع أصواتهم وأنادي :
ـــ أين هم ؟ أين أنتم ؟ أين ذهبت الأصوات ، وهذا اللغط أين تبدد ؟
يد تربت صدري بإيقاع منتظم رقيق ، فأنسحب ببطء وهدوء وأغلق كل الأبواب .
أسمعني ، أسمع كلماتي تنطلق قذائف وحمما ملتهبة :
ـــ بهدوء ، دون فوضى ، اخرجوا مسرعين ، واتركوا كل شيء . النار تقترب . خذوا الصغار والأوراق واقفزوا .كيف ؟ نعم كيف ؟ يا لفجيعتي . كيف نخرج وليس هناك غير باب واحد مغلق ؟ وأنا أحترق ولا أملك ملابس واقية . هو الجنون كيف لا؟
ـــ افتحي فمك قليلا حبيبتي .
لا مهرب إلا هذا الجبل سنتسلقه. لا تخشوْا ارتفاعه. لطالما تسلقته ، إن فيه بعض صخور رملية مبعثرة تساعد على تثبيت الأحذية فلا تنزلق .
تسلقت الجبل كعادتي بسرعة أصواتهم تناديني . نظرت فإذا بهم ينتظرون حاولت النزول عندما اكتشفت أنني حافية القدمين. هكذا أنا مندفعة دائما ، وفكرت:
ـــ الصعود سهل ولكن النزول من هذا الارتفاع أمر مرعب ، تماما كما أنا في أحلامي ، أصعد أعلى القمم بسهولة ومتعة ، وأصاب بخوف النزول . هي فوبيا أعاني منها دائما .سأحاول مضطرة.
وضعت قدمي العارية على نتوء في الجرف الأملس فانزلقت ، ودوت صرختي ورجع صداها يجلجل في الكون .
أسمع همهمات وأرى عيونا كثيرة وأشياء لامعة فأغمض عينيّ وأبكي بمرارة.
ـــ أعرف ماذا حدث . مات الجنين . لا داعي للإخفاء .
ــ أمي . هذا غير صحيح. افتحي عينيْك.
ـــ إذا هي ذراعي . بترت أو شلت.
وأنخرط في بكاء صوته يقطع قلبي .أفتح عينيّ بجهد ، أجد الوجوه الباسمة والعيون القلقة حولي ، ويدا ناعمة تمسح عرقي .
ـــ أنت تغرقين في عرقك . دعيني أسحب ذراعك من تحتك .نعم هكذا.

______________
حنان الأغا
دمشق
1/2/2008

وفاء شوكت خضر
03-02-2008, 09:29 PM
الحبيبة الحنونة الحميمة حناني ..

حمدا لله على سلامتك..

أكل هذا الإبداع من هذيان الحمى ..
ليتني كنت قربك ، لكنت سرقت كل حرف نطقت به في هذيانك ..
اعذريني إن ضحكتوأنا أقرأ هذه القصة التي هي لقطات من هذيانك الذي فاتني ..

ما زالت الصور القديمة راسخة في عقلك الباطن ، فأتت بصور مختلفة ، لتمتد للحاضر بما فيه
من امتداد للمأساة التي عشتها وعاصرتها ..

ربما لأني أعرفك عن قرب أحس بكل حرف تخطه يمينك ، فأنا أعرف أنك لست عسراوية ..

حناني الرائعة ..
أحسست بقربك من خلال هذا النص ..
اشتقت إليك فلا تطيلي الغياب ..

كل الشوق والحب ..

جوتيار تمر
04-02-2008, 08:32 AM
العزيزة جدا حنان....
الرقص على حافة ما ، وكأنك هنا تتعمدين ان تجعلي المتلقي على حافة هي في ذهنه حافة ما ، لكنها في الاصل حافة ان لم ينتبه اليها قد يقع في اغوار عميقة لانهاية لها من هواجس قد تطغي على فكره ، الرقص هنا ليس له دلالته الشائعة لحتى الرقص اصبح في فنون اللغة له مداليل لاتتوقف عند كلمة وحرف ، وكذا حال الحافة وما تلاها (ما ) حيث الاستفهامية الملزمة هنا تجعل المتلقي يبقى في دائرة النص ، والمضمون اتى ليؤكد بقاء المتلقي رهن الاشارة ولحظة الانفراج ، وهي نصوصك حنان من تتسم بهذه المرونة والعمق في ذات الوقت.

محبتي لك
جوتيار

د. نجلاء طمان
05-02-2008, 07:39 AM
الهذيان, ومرحلة أخرى في أغوار النفس تنطلق من العقل الباطن في انفعاليات عبر عنها القص بسرد واثق . حبل التعانق بين الحوار واسرد, وبين الوعي واللا وعي, كان مشدودًا في تمكن.

دمت في القص واثقة

د. نجلاء طمان

حنان الاغا
06-02-2008, 05:12 PM
الحبيبة الحنونة الحميمة حناني ..
حمدا لله على سلامتك..
أكل هذا الإبداع من هذيان الحمى ..
ليتني كنت قربك ، لكنت سرقت كل حرف نطقت به في هذيانك ..
اعذريني إن ضحكتوأنا أقرأ هذه القصة التي هي لقطات من هذيانك الذي فاتني ..
ما زالت الصور القديمة راسخة في عقلك الباطن ، فأتت بصور مختلفة ، لتمتد للحاضر بما فيه
من امتداد للمأساة التي عشتها وعاصرتها ..
ربما لأني أعرفك عن قرب أحس بكل حرف تخطه يمينك ، فأنا أعرف أنك لست عسراوية ..
حناني الرائعة ..
أحسست بقربك من خلال هذا النص ..
اشتقت إليك فلا تطيلي الغياب ..
كل الشوق والحب ..
___________________________

الغياب أيتها العزيزة أمر محتوم الآن أو بعد حين
تبا لها هذه الحمى تعري نفوسنا ، بل عقولنا ، وتجعلها تشف عما يدور داخلها .
وتتجاوزنا لتخلطنا بكل شيء ، فنصبح كمية ما من خليط ما.

وفاء اشتقت لك أيتها الحنون

سعيد محمد الجندوبي
09-02-2008, 07:20 PM
العزيزة حنان

سرد جميل لاهث، يقطع أنفاس القارئ ويحمله الى مجاهل نفسه العميقة الأغوار

استمتعت بقرائتك

مع محبتي

سعيد محمد الجندوبي

حنان الاغا
09-02-2008, 08:16 PM
العزيزة جدا حنان....
الرقص على حافة ما ، وكأنك هنا تتعمدين ان تجعلي المتلقي على حافة هي في ذهنه حافة ما ، لكنها في الاصل حافة ان لم ينتبه اليها قد يقع في اغوار عميقة لانهاية لها من هواجس قد تطغي على فكره ، الرقص هنا ليس له دلالته الشائعة لحتى الرقص اصبح في فنون اللغة له مداليل لاتتوقف عند كلمة وحرف ، وكذا حال الحافة وما تلاها (ما ) حيث الاستفهامية الملزمة هنا تجعل المتلقي يبقى في دائرة النص ، والمضمون اتى ليؤكد بقاء المتلقي رهن الاشارة ولحظة الانفراج ، وهي نصوصك حنان من تتسم بهذه المرونة والعمق في ذات الوقت.
محبتي لك
جوتيار
___________________________

الصديق الطيب جوتيار

سرت مرة فوق شاطيء ما في أرضنا العربية ، في الخليج تحديدا، وصلت في سيري إلى نقطة ما على خط الشاطيء فاهتز قلبي ، بل كياني ووقفت كمن يسقط من عل ويرتطم بصخر صلب. لقد أحسست أنني أقف على حافة الجرم الذي نعيش فوقه ، وكأنه تحول من كروي إلى مسطح . هذا هو شعوري فوق.

ودي وتقديري دائما

حنان الاغا
09-02-2008, 08:19 PM
الهذيان, ومرحلة أخرى في أغوار النفس تنطلق من العقل الباطن في انفعاليات عبر عنها القص بسرد واثق . حبل التعانق بين الحوار واسرد, وبين الوعي واللا وعي, كان مشدودًا في تمكن.
دمت في القص واثقة
د. نجلاء طمان
__________________________

مرحبا بعودتك أيتها العزيزة.

أحيانا يصعب علينا الانسلاخ عنا

وفي هذه الحال لا بد من المشوار حتى نهايته .

دمت بخير وعافية

حنان الاغا
09-02-2008, 08:23 PM
العزيزة حنان
سرد جميل لاهث، يقطع أنفاس القارئ ويحمله الى مجاهل نفسه العميقة الأغوار
استمتعت بقرائتك
مع محبتي
سعيد محمد الجندوبي
____________________
الصديق العزيز الجندوبي

الوعورة تشتد داخلنا أحيانا بحيث نحسبها آثار زلزال فننتفض ونهرب في دائرة الهذيان ، ننتظر قطرة ماء تفتح لنا سبيل الخروج.

جميلة قراءتك

مجذوب العيد المشراوي
10-02-2008, 08:42 PM
الملحمة جد نفسية هنا عامرة وقاهرة .. هيَ خيالات تجذبها حمى وإبداع يتعاركان لخلق شيء ما هو حنان في مستوى ثالث أقوى من الإدراك الممل ... شكرا ألف مرة لأنك قدمت فحصا للجسد والروح في حالة قصوى ...

حنان الاغا
22-02-2008, 11:36 PM
الملحمة جد نفسية هنا عامرة وقاهرة .. هيَ خيالات تجذبها حمى وإبداع يتعاركان لخلق شيء ما هو حنان في مستوى ثالث أقوى من الإدراك الممل ... شكرا ألف مرة لأنك قدمت فحصا للجسد والروح في حالة قصوى ...

______________________
الأخ العزيز مجذوب

وكأنها أي الروح كانت تطل من عل. حقا هو ذاك

كل الشكر لك