تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : على ذاك الطريق صلبت الفراق وادعيت الحياة



شموخ الحرف
03-02-2008, 11:10 PM
اليوم ابن الأمس البار بأبيه ، كعادتي في الاستيقاظ ، بداية يوم ٍ لا جديد فيه ، لا أعرف السبب في حرصي على دقائقه الأولى ، لكنني أعرف مدى حرصي على الالتزام حتى بالثواني التي تسبقه .
على جادة ذاك الطريق - الذي أصبحت أحفظ تفاصيله - خط سيري حيث مكتبي ، بيننا نوع من الوُد يحترم أحدنا الآخر منذ سنوات ، وحتى اليوم ، مستمع جيد لصباحي ، لا أثرثر يكفيني أن أبدأه لتكون خلوتي بذاتي دون مقاطعة ، وقت مستقطع للتفكير بعيدا عن الجميع ، التفكير في كل شيء وأي شيء بهدوء ٍ ووضوح .
أتنفس ندى الصباح وأرقب استيقاظ زهراته ، عناق طويل ممتع ٌ مع نسيمه البارد ، يلتحفني يراقص أجزاء جسدي ، يخاطب النشاط والحضور .
على ذاك المكتب أعود لتفاصيل أحداث يومي ، أوراقي حيث مكانها ، ابتسامة المستخدمة العجوز تلقي تحية الصباح ، يسعدني حديثها ودعاءها لي كأنه وِردٌ صباحي أنتظره مع قهوتها التي تضعها على مكتبي ، تكتفي بالنظر في وجهي ، أصبحت تعرفني ، تقرأ كيف سأبدأ ، تخاطبني بحذر، تعلم مزاجي أكثر مني ، يتكرر دخولها كثيرا لتتابع قهوتي التي تنتظرني ، تساعدني على استبدالها ، تتحرك دون حديث ، ألحظها ولا أعير اهتماما لما تفعله - آخر اهتمامي ذلك الكوب - رغم أنني أنتظره وأعاتبها عند تأخرها في إحضاره ، كأنني أخشى أن أفقد كامل طقوسي .
تتحرك الحياة وتدور عقارب الساعة وحياتي ملك ٌ لمن حولي لا أجد من الدقائق إلا لأقرأ أمرا آخر أناقشه لأتابع غيره .
كم التقيتُ من بشر ٍ ، كم كنت محورهم ولا تربطني بهم إلا ما أساعدهم في حله من مشكلات يومهم ، كل ٌ يشعر أنه يحمل معضلة تطلب الحل وأنا ذاك الومض أو الطريق الذي يساعدهم ، هكذا اعتدت منذ أن ارتضيت الجلوس على ذاك الكرسي ، شعور ٌ غريب عند ملامسة وجدان الآخرين ، كل ٌ يشكو ألمه ويحمل من الهموم وأنا أستقبل الجمع بابتسامة الرضا وهدوء القانع ، أجدني أفتح ذراعي لأحتوي ألم من أعرف ومن لا أعرف وبعض ساعاتي لمن أعرف ممن يعملن معي ، هموم النساء لا حصر لها وكأنني لا أعرف تلك الهموم !
كم وقفت متسائلة عن سبب قبولي لتلك الهموم وسماعي لمشاكل الآخرين ، سألت نفسي كثيرا هل يجدونني مستودعا لأسرارهم أم ابتسامتي التي تجذبهم لطلب الراحة أم أن الألم الذي يحملون يبحث عن موطنه الأم ليُلقي بثقله داخل العمق !
لا أعرف ولا أريد أن أعرف ، غاية الأمر قناعتي في التخفيف عنهم ولعلي لست الطبيب المداوي ، ليتهم لا يفطنون أن فاقد الشيء لا يعطيه ولكنه مستمع جيد وهذا ما يريده قومي.
أختنق بيومي وأمارسه بروح عالية يشوبها الألم نسيت وسط الجمع ذاتي وأجدتُ الهروب مني ، صلبت الفراق على قارعة الطريق ، تركته عاريا أمام المارة بعيدا عني ، ليكون ألمه حين خُلوة وحين غفلة من البشر ومارست الحياة وعذرا إن قلت : ادعيت الحياة .

لتلك الثواني :

لا جديد .. لا جديد ، وتتوالى الأيام وتتوالى الصباحيات .

وفاء شوكت خضر
03-02-2008, 11:33 PM
على ذلك المفترق ..
كم علقنا من ذكريات نهرب منها ولكنها تبقى عالقة في دقئق حياتنا ، ونتجاهلها بغض الفكر عنها ..
أيام تتوالى ولا جديد سوى أن ذلك الألم يأتينا بوجوه مختلفه ، ليست أقنعة إنما هي وجوه حملت معالم
أخرى للألم..

شموخ الحرف ووقفة مع الذات للذات ..
جميل أن نمنح بعضا من وقتنا للأخرين ..
أن تضحي لا يعني أن تموت كي يعيش الآخرين ..

رائعة بهذا الوصف ليومك المتكرر ..
أما لا جديد هذه فلربما فيها بعض يأس ..

كل دقيقة في حياتنا وكل نفس هو جديد ونعمة ورحمة من الله عزوجل أن وهبنا هذه اللحظة كي
نعمل فيها ما يستحق رضاءه عنا ..

كما أنت دائما متألقة في حرفك ومبدعة ..

تحيتي أيتها الشامخة ..

جوتيار تمر
04-02-2008, 08:09 AM
شموخ الحرف ..
يقول البير كامو: اذا ما تحطمت اللغة بالانكار اللاعقلاني،تلاشت في الهذيان اللفظي،واذا ما خضعت للفكر التقليدي،تخلصت من الشعارات .

هنا اجد لوحة تحدت اللغة والفكر معا فارست نصا مبدعا...

محبتي لك
جوتيار

أنس إبراهيم
04-02-2008, 10:07 PM
أختي شموخ الحرف

كم وقفت متسائلة عن سبب قبولي لتلك الهموم وسماعي لمشاكل الآخرين ، سألت نفسي كثيرا هل يجدونني مستودعا لأسرارهم أم ابتسامتي التي تجذبهم لطلب الراحة أم أن الألم الذي يحملون يبحث عن موطنه الأم ليُلقي بثقله داخل العمق !
!!!
مستودع للأسرار ؟؟
لا أظن ذلك
فربما رسَت بهم أيامهم لتستظل بظل قلبك
ربما وجدت الأمان الذي لطالما بحثت عنه

نص رائع وجميل

تحيتي وتقديري

سمو الكعبي
04-02-2008, 10:32 PM
الأخت شموخ :
رسمت الروتينية بكل بدقة ووضوح , إلا أن حرفك هذه المرة غالب الروتنية فلم يكن كالمقالات السابقة .
تحبيتي