المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرية خراف و صبيه



خالدالمرضي الغامدي
11-02-2008, 02:19 AM
قرية خراف وصبيّة *
خالد المرضي الغامدي
يكاد ثقل ملابسها يوقف تسارع خطوها الرشيق الرقيق، تمر غير بعيد، تعبر الساقية فيترك قطيع أغنامها الََمَسُوق نقب أظلافه على بقايا المستنقع الراكد الناضبة مياهه.
القرية في وقارها تلتحف اخضرار العشب، تلفظ أشواك الجدب إلى نيران التنانير العالية أدخنتها، تتصاعد في مساءات القرية لتشي بطعم (الخبزة) في احمرار أطرافها المستديرة النابضة بعشق أهلها الكادحين.
بجوار قطيعها تتقافز جنادب و جرادات طيور (العصفرّة) المتناسق اصفرار ريشها بتراقص أذيالها الحذرة، تقتات ما تنبشه قوائم خرافها، آه وهذا طائر الحجل ليُسْمح له ليعبر غير عابئ بجلبه الرّواح. القطيع المرصودة حركته بأعين راعيته الصبيّة، خراف ممتلئة بلحومها مكتنزة شحومها، وشياه ملأى بدرها المتهدل بين أقدامها الخلفية.
والبَهْم تلاحق أمهاتها الجادات سعيها الحثيث. تلك البَهْم التي تمر بين عيني. تتراقص ابتعادا واقترابا. ثغاء أمهاتها المترقبة الحافزة لرجوعها الناهية عن ابتعادها.
الآن يقطع الساقية إلى شاطئ الوادي، عبر المضيق. ولأن الممر غير نابت العشب تتصاعد الأغبرة ثم لا تلبث أن تتلاشى خلف أشجار العرعر والسرو.
في الجوار كانت تمتد مساحة من السنابل الملأى. هناك بعض الخراف تتماكر خارجة عن القطيع فيسقط حجر زاجر ورادع. ثم لا تلبث أن تعود آمنة في طريقها المقروء.
في سيرها خلف القطيع تعبث بعصا صغيره. ترفعها حينا وأحيانا تنكت بها الأرض. تقلّب ما صغر من حصى الطريق. رأسها الصغير كان يغطيه معصب أحمر وتنسدل من خلفه لفافة سوداء. يلتف المعصب حول طاسة الرأس لتبدو وكأنها تعتقل عقالا. اللفافة السوداء تكاد تلامس الأرض لتغطي معظم ظهرها. وجهها يبدو أصغر من حجمه الطبيعي كثيرا حيث يتقوقع خلف كل تلك اللفائف. قدماها كانتا تسقطان في ما يشبه الخف الجلدي الأسود.
ودون أدنى شك لم يكن هناك جوربان سميكان أو هزيلان. لا أعلم كيف جاءني ذلك الاقتناع، ربما لمحت أعلى كعبها عندما اصطكت قدمها بذلك الصخر الناتئ الذي أفقدها توازنها دون السقوط.
تتراقص كنحله بين أزهارها العبقة أو تطير كفراشه زاهية.
آه.. الآن القطيع على الضفة الأخرى، يرسم مستقيما طوليا مارا بجوار سفح الجبل، أضحت عيناي لا تميزان تفاصيل ملامحها، تلك الراعية الصغيرة أبدا كالبَهْم المتراقصة حول أمهاتها. لَََـِمَ تعبث بمشاعري إلى هذا الحد؟!
لا أعرف لماذا وجَدْتني أضع يدي على صدري حنيناً عندما اختفت خلف خرافها العابرة سفح الجبل في دائرة الشمس!
* جريدة المدينة السعودية 24/12/1428

جوتيار تمر
11-02-2008, 03:29 PM
الغامدي...
اهلا بك في الواحة الخضراء...
نص ذا بناء سردي محكم ، غلب على لغته الوصفية ، فجاء الوصف معبرا ،يغوص في تفاصيل الشيء ويوحي بمداليل نقيضه في آن واحد ،نهلت من واقع عياني مادتك ، واثريت المادة بفنية الكتابة لديك ، فكنت اداة والمادة روح ، نقلت من خلال السردية هذه تلك الروح الينا وهي تبيح للعين الافتتان ، وللقلب الاضطراب ، وللعقل التأمل ، وهنا يمكن قدرة السارد في ايصال المراد الى المتلقي.

دم بخير
محبتي
جوتيار

خالدالمرضي الغامدي
12-02-2008, 07:34 AM
الغامدي...
اهلا بك في الواحة الخضراء...
نص ذا بناء سردي محكم ، غلب على لغته الوصفية ، فجاء الوصف معبرا ،يغوص في تفاصيل الشيء ويوحي بمداليل نقيضه في آن واحد ،نهلت من واقع عياني مادتك ، واثريت المادة بفنية الكتابة لديك ، فكنت اداة والمادة روح ، نقلت من خلال السردية هذه تلك الروح الينا وهي تبيح للعين الافتتان ، وللقلب الاضطراب ، وللعقل التأمل ، وهنا يمكن قدرة السارد في ايصال المراد الى المتلقي.
دم بخير
محبتي
جوتيار
استاذي الفاضل جوتيار
جدا سعيد بتواجدي بين هذه الكوكبة من كتاب الواحة
وسعادتي اكثر بمداخلتك الجميلة التي اضافت الكثير
لك خالص التحية

سحر الليالي
12-02-2008, 08:48 PM
قصة رائعة ..!!

سلمت أيها الفاضل
وبــ إنتظار جديدك ..

تقبل خالص تقديري وتراتيل ورد

وفاء شوكت خضر
13-02-2008, 10:11 PM
الأخ الفاضل خالد ..

السلام عليك ورحمة الله وبركاته ..

سردية رائعة اللغة والبناء ، من يقرأها للمرة الأول يتع حركة الراعية والخراف صاعدا وهابطا التلة والوادي ، لكن حين يقرأها مرة أخرى يحس بأن القصة ترمي إلى شيء أبعد من راعية وخراف ، استحوذت على فكر ومشاعر الراوي ..
هذه القصة تحمل مدلول أعمق مما هو ظاهر ، وقد أعجبتني الرمزية التي توحي بأكثر من مدلول ..

أتمنى أن نقرأ لك المزيد من هذا الإبداع ..

تحيتي وتقديري ..

خالدالمرضي الغامدي
15-02-2008, 01:01 AM
قصة رائعة ..!!
سلمت أيها الفاضل
وبــ إنتظار جديدك ..
تقبل خالص تقديري وتراتيل ورد


سحر الليالي الفاضلة

اشكر لك جميل مرورك

لك خالص الود والتقدير

خالدالمرضي الغامدي
15-02-2008, 01:05 AM
الأخ الفاضل خالد ..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته ..
سردية رائعة اللغة والبناء ، من يقرأها للمرة الأول يتع حركة الراعية والخراف صاعدا وهابطا التلة والوادي ، لكن حين يقرأها مرة أخرى يحس بأن القصة ترمي إلى شيء أبعد من راعية وخراف ، استحوذت على فكر ومشاعر الراوي ..
هذه القصة تحمل مدلول أعمق مما هو ظاهر ، وقد أعجبتني الرمزية التي توحي بأكثر من مدلول ..
أتمنى أن نقرأ لك المزيد من هذا الإبداع ..
تحيتي وتقديري ..

الاستاذة وفاء

سرتني جدا هذه القراءة الرائعة

والمداخلة الجميلة

لك خالص التقدير