تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وأدوها



خديجة منصور
13-02-2008, 04:15 AM
أريد أن أحدثك عن طفلة صغيرة أحست أنها وئدت في زمن كانت تحسب أن الوأد فيه اختفى
...كانت تلصق أنفها بزجاج النافذة..كانت تدير ظهرها لوالدتها التي تجلس في احدى أركان الغرفة...كانت بين الفينة و الأخرى تمسح أنفاسها من زجاج النافذة بيديها الصغيرتين...كانت تمعن النظر الى الخارج...تتأمل من يلعبون خارجا الى هذا الوقت من النهار...الشيء الذي منعت منه منذ فترة...كانت تتساءل...أليست لهم أمهات ترتكن في غرفة و الصمت يطبق على المنزل بأكمله...يبكين تارة و يبتسمن أخرى....كانت تتبعهم عينيها حتي يختفون...كانت تتطلع الى زرقة السماء و هي تستحيل سوادا...ينقبض قلبها لمقدم الليل....تترامى الى مسامعها خطواته في الدرج...تغمض عينيها و تمسك بصدرها...سرعة خفقان قلبها...تجعلها تمسك به لكي لا ينخلع
ماذا سيقول لو علم ما فعلته بالسوط؟...كان يحيرها شكله ...طويل كالعصا و ملتوي كالضفيرة، لم تتجرأ على لمسه حين لاحظته يوما في غرفة السطح...سألت عنه والدتها حين نزلت، تنهدت ثم قالت..."يضربني به"...الألم الذي أحسته في صدرها حينذاك..."الضربة"...لم تبرحها...تعاودها كلما أحست ظلمه...و لو ان السنين مرت و لو ان "ذاكرة النسيان" ابتلعت جل ذكرياتها...لكن تبقى بعض منها و خاصة تلك التي جعلتها يوما تقول "لن أترك له الفرصة يوما لإيلامي...أبدا"...تطفو...و تظهر...لتعيد النزيف.
- لماذا يضربك؟
- لأشياء تافهة
- ما هي هاته الأشياء؟
- أتذكرين يوم أحضرت صديقتك، أردت أن أترككما على سجيتكما و طلعت للسطح...و في فترة نظرت من النافذة...كان عائدا...انظري
شقت والدتها عن صدرها لترى كدمات زرقاء....."الضربة"...
- لماذا؟...و لماذا نظرت من النافذة؟
قطبت والدتها متمتمة
- كنت أروح عن نفسي قليلا بالنظر الى الخارج...قال ان جيبي كان ظاهرا...انا حتى كنت أنظر من طرف النافذة...قال ...كان هناك رجال في الطرف الآخر من الزقاق
أحست الصغيرة بنوع من الاختناق...
- لا تنظري من النافذة مرة أخرى رجاءا..لا تجعلي رجلا ينظر اليك رجاءا
- لم يكن هناك أحد
- اتركيه اذا...لا تبقي معه
- أين أذهب بخمسة أطفال؟
كان أكبر من أن يحتمل احساس صغير...أكبر من أن يجيب عقل ما زال على ما في الدنيا...لم يع
طلعت الى غرفة السطح...تقدمت نحوه..أمعنت النظر فيه...اقتربت أكثر...مدت يدها الصغيرة...لمسته...صلب...حجر...ك يف يمكنه أن يلمس الجلد و لا يدميه...أخذته...كان ثقيلا على محملها الصغير...خرجت الى السطح...أدارت عينيها في كل الاتجاهات...و بعد برهة...رمت بكل قوتها....طار في الهواء...ليستقر...فوق سقف السطح
متى سيحتاجه ثانية؟...متى سيذهب في طلبه؟...ماذا سيقول حين لا يجده؟.....
كانت عائدة من المدرسة، و كما عهدها دائما في طريق العودة...كان سؤال واحد يستحوذ على ذهنها...هل ستجدها باكية؟...هل ستجد المنزل ساكنا...الصمت المطبق...الرهيب...و ستنتظر...مقدم الليل...لتحضر له العشاء هي...هل ستنتظر الليل و هي تحاول أن تغرق في كتبها المدرسية....
دخلت البيت، رائحة الطعام تملأ الجو...الحمد لله...احدى بشائر الخير...تقدمت بخطى أسرع...والدتها غيرت ترتيب الأثاث...و....باقة الورد الاصطناعي تقبع في أحد أركانه...تقدمت....كان يأخذها بين ذراعيه....
عادت ادراجها...لتحدث جلبة عند دخولها...ليست المرة الأولى التي ترى فيها دفئهما، ليست المرة الأولى التي ترى عيني والدتها تستحيل من شيء لنقيضه...من غمامة سوداء..لبريق ساطع...ما لا تستوعبه هو لماذا كل هذا الألم...لماذا كل هذا العنف...لماذا كل هذا التناقض.
حتما لم يكن لدى عقلها الصغير جوابا...و طبعا عرفت مع السنين...انه الحب...لعبته...و أكيد أن لاعبيه لم ينتبهوا الى أن المشاهد تحت السن القانونية لاستيعاب قوانين اللعبة و أن تلك "الضربة"..."الضربات"...تجمعن ألما...تمردا...رفضا...صيحة " لن أهان يوما باسم الحب"...و "لن أترك له المجال ليتسرب الي"...و " لن أنظر في عينين يأسراني"....
وئدت الصغيرة....

جوتيار تمر
13-02-2008, 04:35 PM
العزيزة خديجة...
النص جاء وفق معيار سردي جيد و مترابط متين الحبكة ،ومتناغم من حيث التسلسل الزمني ،وطغى عليه الوصفة المكانية بشكل ملفت للنظر..حيث ابرزت الاحداث تلك القيمة المكانية للعمل ككل، وللرؤية الذاتية للساردة بشكل خاص ،وقد ميز النص هذا التنازع العفوي في الوجدان بين الرغبة والرهبة، من خلال استحضار الاحداث الدائرة والماضي ، فلغة النص اوحت بزمكانية متوالية ، وكذلك بمضمون ذا قيمة فكرية ، له تأثيره على السلوك الانساني ، سواء على البعد الآني أم البعد المستقبلي ، ومعالجة مثل هذه المشاكل بعد ان تصبح واقعا يحتاج الى وقت طويل ، والقفلة التي انتهى النص عليه يدل على مدى التأثير الذي نتحدث اليه.

محبتي
جوتيار

سحر الليالي
13-02-2008, 09:21 PM
الفاضلة " خديجة "

قصة مملوءة بـ الألم ..ولكنها كتبت بـ روعة..!

سلمت ودمت مبدعة

لك خالص ودي وتراتيل ورد

وفاء شوكت خضر
13-02-2008, 09:52 PM
أروع ما في قصتك هو أنها تتحدث عن حالة اجتماعية مازالت وجودة حتى الآن في مجتمعاتنا ، وكثير من الأطفال يتأثر بها سلبا ، إما باكتساب هذه الأخلاق لتبقي استمرارية هذا العنف ، أو بتأثيرات نفسية تبقى لصيقة فيهم مؤثرة على حياتهم الإجتماعية والأسرية بسبب ما تتركه من ألم في النفس وخوف من المرور بهذا العنف ..

قصة رائعة الفكرة والسرد ..
ننتظر المزيد من هذه النصوص التي تعالج حالات اجتماعية ، وتلقي عليها الضوء بقوة ..

تقبلي أعجابي الشديد واحترامي الكبير ..
ودي ..

خديجة منصور
14-02-2008, 11:12 PM
الأخ العزيز جوتيار
أنتظر دائما نقدكم القيم، يصل دائما الى أبعاد كثيرة للقصة في نفسي
لك كل التقدير

خديجة منصور
14-02-2008, 11:20 PM
الأخت العزيزة سحر الليالي
مجرد اسمك و طلتك تملأ فضائي عطرا
لك كل التقدير

خديجة منصور
15-02-2008, 12:10 AM
الغالية وفاء
أكيد أن تأثير هذه الحالة كبير، هناك زيادة على ما ذكرت...ممن عانوا منها...يجندون أنفسهم لكي لا يعرف أطفال آخرين ما عاشوه هم....حتما أثار الألم تبقى محفورة...و ربما يخففها فهم أسباب الحالة...لكن...النفس...النفس التي عرفت هذا تبقى حبيسة الألم...ويستحيل العنف من كدمات الى كل ما يمكن أن يحدث نفس الألم و لو كانت كلمة...نظرة ...او حتى لفتة...الحساسية تزيد...لترفض كل أنواع "العنف".

كل التقدير وفاء

ربيحة الرفاعي
15-12-2012, 11:59 PM
فكرة هامة ومعالجة ذكية وسرد شائق البناء
وددت لو استعضت عن هذه النقاط المبعثرة خلل النص بعلامات الترقيم تعين القارئ على قراءة أدق وفهم اصح لنصك

أهلا بك أديبتنا في واحتك

تحاياي

نداء غريب صبري
20-01-2013, 06:32 AM
قصة اجتماعية جميلة ومحبوكة
مع أنك أكثرت من كانت في بداية النص

شكرا لك اختي

بوركت

آمال المصري
12-04-2013, 11:46 PM
نص قصصي اجتماعي يتناول مشكلة هامة لم يضعها في الحسبان كلا الزوجان وقد تترك أثرا سلبيا على الطفل ومن ثم مشاكل نفسية تتفاقم مع الزمن ويستعصي علاجها
كان السرد شائقا والحبكة قوية واللغة جميلة
بوركت أديبتنا الفاضلة واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
25-03-2017, 09:08 PM
قرأت هنا لأديبة متميزة قصة إجتماعية أكثر من رائعة
الفكرة ألقة، واللغة بديعة، والسرد جميل بلغة بسيطة وأسلوب رصين
روعة الإحساس ولمسة الصدق فيه
بوركت ـ قلما وفكرا
ولك تحياتي وودي.
:0014::0014:

قوادري علي
25-03-2017, 09:55 PM
رصدت باقتدار حالة اجتماعية تتكرر
فيرصدها وعي ولاوعي الأبناء لتساهم في تركيبة شخصيتهم لذلك توجب الحذر من هذه المظاهر أمام الأبناء
شكرا جزيلا المبدعة خديجة