تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "والنّخلة أرض عربيّة.." بقلم سعيد محمد الجندوبي



سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 02:54 PM
والنّخلة أرض عربيّة...
بقلم سعيد محمد الجندوبي

وصلتُ إلى باب النّخل
دخلتُ على النّخل...
فأعطتني إحدى النّخلات نشيجا عربيّا
وعرفتُ بأنّ النّخلة تعرفني..."

مظفّر النواب

إلى مظفّر النواب..
إلى بدر شاكر السيّاب..
إلى العراق...

حدائق فيلاّ بورقيزي, روما, صائفة سنة 2002

ككلّ خميس، غادرتُ شقّة السّيّدة روزانا بلاّلونا على السّاعة الثّانية بعد الزّوال. كان كلّ شيء على ما يرام. تناولتِ السّيّدة ذات الثّلاثة والسبعين خريفا الغداء وكذلك جرعة وبضعة حبّات من دوائها اليومي، ثمّ اصطحبتها نحو مكانها المفضّل، أريكة وثيرة قبالة التّلفاز. كان على مقربة من يدها اليمنى، طاولة صغيرة وُضع فوقها آخر ما أفرزته التّكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصال بالعالم الخارجي: الهاتف، الرّموت كونترول، للتّنقّل عبر قنوات الشّاشة المتعدّدة، وكذلك زرّ أحمر يمكنها عند الضّغط عليه تنبيه رجال النّجدة، إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
قبل مغادرة الشّقة، ألقيتُ نظرة أخيرة على المطبخ. كان كلّ شيء في مكانه. الصّحون مغسولة، وكذلك بقيّة الأواني. وحوض الإينوكس ينمّ بريقه على أعلى درجات النّظافة. أنا فخورة بنفسي اليوم...
في الشّارع الطّويل فيال ديلّونيفرسيتا، توقّفتُ برهة عن السّير أمام المحطّة تردّدتُ، هل أنتظر الباص؟ ربّما لعشرين دقيقة أخرى؟ ثمّ إنّه قد يأتي مكتظّا في هذه السّاعة من النّهار!... لا.. لا.. سأمشي... لا بدّ من الحفاظ على قوامي الرّشيق!
وهكذا انسابت رندة، عبر شوارع الأحياء الجنوبيّة لمدينة روما، تلك الشّوارع الأنيقة، العريضة، الهادئة. وما أن وصلت إلى مدخل الحديقة الضّخم، حتّى اتّجهت عبر طريق طويلة وملتوية إلى مكانها المفضّل: مقعد خشبيّ داكن الخضرة، يقع تحت شجرة زيزفون فارعة أغصانها، وارفة أوراقها، مغدقة بجانب وافر من ظلالها على البحيرة وقد انحت حتّى لنكأنها تكاد تلامسها.
خلعت رندة حذاءها ذي الكعب العالي، ومدّت ساقيها الطّويلتين إلى الأمام، وأرخت برأسها إلى الوراء، وكأنّها تتمطّى خفية. وضعت بجانبها على المقعد كتابا مغلقا، وأغمضت عينيها في لحظة استرخاء تسبق الغوص في بحر الحروف والكلمات. كانت بين الفينة والأخرى ترفع رأسها، لتتحرّر من عمليّة فكّ تلك الرّموز الصّغيرة السّوداء، فتضع الكتاب على صدرها وتترك لعينيها حرّيّة اللّعب مع أشعّة الشّمس الذّهبيّة المنعكسة على مياه البحيرة.
ثمّ إنّها لاحظت، خلال التفاتة عفويّة نحو الجانب الأيمن، وجود شابّ جالس مثلها على مقعد قبالة البحيرة، تفصله عنها بضعة أمتار. كان هو الآخر يمسك بكتاب؛ ولكنّ الذي استرعى انتباهها أنّه كان يسترق النّظر إليها. فكلّما توقّفت عن المطالعة، أغلق هو الآخر كتابه، وفعل ما كانت تفعله: تأمّل ذلك الامتداد المائي.
وبينما كانت رندا منغمسة في القراءة، غير آبهة لما حولها، أخرجتها نبرة رجاليّة من أحلام الكتاب. اقترب ذلك الشّاب منها وبغمغمة التّردّد والخجل ألقى عليها السّلام:
- "بُوُون دجيورنو سينيوريتا!
- بُووُن دجيورنو.
- هل يزعجكِ أن أجلس بجانبكِ؟"
ألقتْ إليه نظرة استغراب، أتبعتها ببسمة غامضة، ثمّ أفسحت له مكانا على المقعد قائلة:
- "لا! هذا لا يزعجني.. إنّه مقعد عمومي".
"تُرى ما حكمها على ما أنا بصدد فعله؟ هذا عربيّ آخر يحاول بطريقة ركيكة معاكستي! أنا متأكّد أنّها تفكّر كذلك في هذه اللّحظة"..
بالفعل, لم يكن تخمينه بعيدا كلّ البعد عمّا كان يجول بخاطرها. لم ييأس. استجمع كلّ ما أوتي من شجاعة وقال لها:
- "أَ... هل.. هل أنت عربيّة؟"
وكانت رندا قد عادت إلى كتابها.
- "نعم! وهل يخفى هذا؟"
فوجئ الشّاب بسرعة الجواب وبحَدّته القاطعة، وأخذ يفكّر فيما يمكن إضافته.
كانت رندة بحقّ ذات ملامح جليّة العروبة. شعر غزير يكاد سواده يستحيل، تحت أشعّة الشّمس، إلى نوع غريب من الزّرقة. حاجبان أسودان فُطرا على دقّة وجمال الرّسم، تنبعث من تحتهما نظرات يتخلّل السّواد فيهما حدّة وسحر لا يمكن مقاومتهما إلاّ بتجنّب النّظر فيهما بدون إذن مسبق.
- "أنا أيضا.. عربي".
واصلت رندة القراءة، أو ربّما التّظاهر بها.
- "هذا بالفعل يوم من أيّام الصّيف... أليس كذلك؟
- نعم!
- هل أنتِ طالبة؟
- نعم!
- الظّاهر أنّي أزعجتكِ... إذا أردتِ أن أذهب، فسأفعلُ ذلك؟
- هذا شأنكَ! " ثمّ أضافت بنبرة أكثر هدوء: "لستَ بمزعجي..."
استشفّتْ رندة، بحسّها الأنثوي الثّاقب، من ارتباك وخجل مخاطبها أنّ نيّة المعاكسة، حتّى وإن وُجدت لديه، فهي لطيفة ومهذّبة وشديدة الخفاء. فاستفزّته قائلة:
- "أنتَ كعشرات من أمثالك، ممن يرون في كلّ فتاة منفردة، عصفورا قابلا للاصطياد. أليس كذلك؟"
احمرّ وجه الشّاب ووجم عن الكلام.. فهو، في قرارة نفسه، لا يعتبر ما قالته تجنّيا منها على الواقع. ولكنّه أجابها مبتسما ومحاولا إخفاء اضطرابه:
- "لا! المعذرة.. أنتِ في هذا مخطئة.. فأنا لا أريد معاكستك ناهيك عن إزعاجكِ.
- كن صادقا ولو للحظة.. لماذا تحاول تجاذب الحديث مع فتاة لا تعرفها ولا تعرفك؟
- هك... هكذا... لا لشيء... صدّقيني... أنا لست من هواة معاكسة الفتيات. وفي كلّ الأحوال فأنا لا أحسن فعله!
- فعلا في هذا أصدّقك!" وانسابت على شفتيها ضحكة مزيجها السخرية اللّطيفة المازحة والاعتذار عليها. وابتسم الشّاب أيضا.
- "إذا لم تكن بصدد معاكستي فما الذي جاء بك إذا؟
- تريدين الحقيقة؟
- لا أريد غيرها
- كنت أقرأ قصيدة لشاعر أحبّه، ووصلتُ إلى هذا البيت: "والنّخلة أرض عربيّة.." فجأة رفعتُ رأسي فرأيتكِ تستعدّين للجلوس على مقعدكِ هذا، فقلت لا شعوريا: "وأنتِ أرض عربيّة"! ضحكتْ رندا وسألتْ:
- "من الشّاعر؟
- مظفّر النّواب.. شاعر عراقي.. إنّه شاعر ملتزم.
- لم أسمع به قبل اليوم.. أعترف بأنّ ثقافتي الأدبيّة محدودة جدّا..
- ومع هذا أراكِ تحبّين المطالعة.
- أتظاهر بذلك... حتّى أبدو مثقّفة!"
انقطع الكلام بينهما، وساد صمت لا يقطعه إلاّ الحوار الجميل الدّائر بين سكّان الحديقة من العصافير، يؤمّن له خرير شلاّل اصطناعي صغير نوعا من الإيقاع المتواصل. في غمرة هذه الأجواء السّنفونيّة، أنطلق من شفتيهما في ذات الوقت، السّؤال نفسه:
- "ما اسمكَ؟... ما اسمكِ؟"
وضحك الاثنان ضحكة صافية، بريئة، متواصلة. كلّما حاول أحدهما التّوقّف عن الضّحك، والاعتدال في الهيئة، إلاّ واستفزّه منظر الآخر وهو يبذل نفس الجهد.
* * *
(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 02:57 PM
مرّت ساعتان أو يزيد، وهما على نفس الحال. وضعا كتابيهما على جانب من المقعد وانغمسا في أحاديث لا نهاية لها، ولا موضوع يربط بينها، تتخلّلها بين الفينة والأخرى ضحكات بريئة، فانقباض أسارير، فدموع تترقرق في عينيهما، فصمت، فضحك من جديد، وهكذا إلى أن نُبِّها من قِبَل حرّاس الحديقة بأنّ الأبواب ستغلق بعد ربع ساعة.
"- يا إلهي لم نشعر بالوقت يمرّ!"... قالتها رندة متأوِّهة وهي تضع حذاءها.

في الباص، لم يتبادلا الكثير من الكلام. اكتفيا ببعض النّظرات المسترقة، المتعجّلة، والجاهلة لما تريد، والّتي تنتهي أحيانا بابتسامة منقذة.

نزلت رندة عند محطّتها، وواصل الشّاب رحلته. امّحت كلّ الصّور من مخيّلته، إلاّ صورة رندة وهي تودّعه، بصوتها العذب، قائلة قبل أن تُغلَّق أبواب الباص:
- "تشاو.. مع السّلامة.. لا تنسى!
- لا أنسى!؟.. ماذا؟
- النّخلة!
- آه... والنّخلة أرض عربيّة... "


* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 02:58 PM
لم يتبادلا العناوين ولا أرقام الهاتف. كلّ ما تعلم رندة أنّ سامي شابّ من تونس، كان يُدرّس في إحدى الثّانويّات، في العقد الثّالث من العمر، يعتزم الالتحاق بإحدى الجامعات الباريسيّة لإعداد شهادة الدكتوراه في التاريخ، وهو في روما للسّياحة ولملاقاة بعض الأصدقاء.

وعلم سامي أنّ رندة عراقيّة من بغداد، في الخامسة والعشرين من العمر، اضطرّتها أوضاع البلاد بعد الحرب وما تبعها من حضر على كلّ شيء، إلى القدوم على روما قصد إتمام دراستها الجامعيّة في علم الاجتماع الحضري، وهي الآن بصدد تعلّم اللّغة الإيطاليّة. تقطن في مبيت للفتيات ترعاه مؤسّسة خيريّة للرّاهبات، وتعمل نصف الوقت عند سيّدة عجوز، أقعدها المرض وسجنتها الوحدة، سينيورا روزانا بلاّلونا.

تواعدا على اللّقاء في نفس المكان، حديقة فيلاّ بورقيزي، فرندة ترتادها كلّ يوم تقريبا.

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 02:59 PM
مرّ شهر منذ لقاءنا الأوّل، عرفتُ خلاله كلّ شيء عن سامي، وبقيتُ في ذات الوقت أجهلُ عنه الكثير. هو الآخر، عرفَ الكثير عنّي. قصصتُ له طفولتي، أحوال أهلي، صفة بيتنا وحارتنا وكذلك بغداد وجراحها. حدّثتُه عن أحلامي وآمالي، وتحاورنا حول موضوع لا مناص منه "العلاقة بين الجنسين في العالم العربي: الواقع والآفاق"!

كانت كلّ مواعيدنا تتمّ في أماكن عامّة، تحت شمسيّات مقاهي بياتسا ديلاّ ريبوبليكا، في أروقة كنيسة القدّيس بياترو قرب الفاتيكان، على مدرّجات بياتسا دي سبانيا وطبعا على مقعدنا في حديقة فيلاّ بورقيزي، مكاننا المفضّل. ومع هذا فلقد كان سامي ثابتا في تعامله معي، فلم ألحظ عليه أدنى تغيير في سلوكه نحوي. لم يحاول مرّة واحدة استدراجي إلى أماكن الخلوة مثلا، كما يفعل الشّبّان مع الفتيات عادة. لم يحاول ولو مرّة واحدة لمس يدي في غير المصافحة؛ وهذا ما جعلني ارتاح إليه أكثر فأكثر وازداد نحوه تقديرا واحتراما.

وذات يوم دعاني إلى "خرجة" سينما. فظننت به سوءا يومها؛ ولكن ما أن وصلنا إلى قاعة العرض حتّى تبدّد ظنّ السّوء بصاحبي: فلقد كانت السّينما التي دعاني إليها قاعة صغيرة متخصّصة في عرض الأفلام الوثائقيّة، والتّجريبيّة، والكلاسيكيّة وكذلك أفلام العالم الثّالث.. تلك الأفلام التي كثيرا ما يتبعها نقاش. نظرت إلى سامي مبتسمة بنوع من السّخرية اللّطيفة وقلت له:
" - لقد أخفيت عنّي جانبك هذا.. الرومانسي!" شعر سامي بلذعة وردّ كالمعتذر عن اختيار غير موفّق:
" - إذا أردت أن لا نشاهد هذا الشّريط، فلنذهب إلى غير هذا المكان.
- لا! أنا أمزح.. المعذرة.. لم أقصد ذلك.."
ولم أدرِ إلاّ ويدي تمسك بيده.

انتهى الشّريط، وخرجنا من القاعة، وفي الطّريق سألني سامي:
"– هل أعجبك الشّريط؟" وقبل أن أنبس بالجواب أضاف: " أرأيتِ؟ لم تخطئِ حينما وصفتني بالرّومانسي.. الحقيقة تخرج من أفواه الأطفال!" عدوت خلفه محاولة تسديد لكمات لا أظنّ أنّها موجعة إلى كتفه.. وضحكنا.. ضحكنا..
تذكّرتُ.. كان عنوان الشّريط الّذي دعاني سامي إلى مشاهدته: "يوميّات بوليفيا".. تلك اليوميّات الّتي كتبها تشي غيفارا في أشهر وأيّام حياته الأخيرة، قبل سقوطه تحت الرصاص في أحراش أمريكا الجنوبيّة.

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:00 PM
كان سامي شغوفا بالمطالعة ومفعما بروح الإطّلاع على ما يجري في العالم من أحداث، لا سيّما تلك الّتي يقع مسرحها في السّاحة العربيّة... في البداية روى لي الكثير من أحداث منطقة المغرب العربي وبالذّات مسقط رأسه تونس. وكان في روايته لأحداث هذا البلد يتكلّم من موقع الشّاهد عليها. ولكن ما أن علم أنّي عراقيّة، حتّى صار العراق محور حديثه. بات يحدّثني عمّا علمتُ وعمّا لم أعلم من تاريخ بلدي، عن أدبائه، عن شعرائه، عن رجال الفكر فيه وكذلك عن السّياسة.

قرأ عليّ ذات مساء مقمر، عند نافورة "فونتانا دي تريفي"، قصيدة بدر شاكر السّيّاب "أنشودة القمر"، وكنت قد درستها في إحدى فصول الثاّنويّة، غير أنّ وقْعها كان تلك المرّة يختلف كلّيّا عن وقعها بين جدران الفصل، كواحد من الواجبات المدرسيّة الملزمة. بصوت عميق وعذب، يصحبه خرير النّافورة، انسابت موسيقى الكلمات، فكانت لها نغمة لم أألفها قبل ذلك اليوم.

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر.
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء... كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْنًا ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما، النُّجومْ...
(...)
أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،
حتّى إذا ما فضّ عنها ختمها الرجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ.
(...)
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشّوان والحجر
رحىً تدور في الحقول... حولها بشرْ
مطر...
مطر...
مطر...
وكم ذرفنا ليلة الرحيل, من دموعْ
ثمَّ اعتللنا – خوف أن نلامَ - بالمطر...
مطر...
مطر...
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطل المطر،
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ.
مطر...
مطر...
مطر...
(...)
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى.
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليج
"مطر...
مطر...
مطر...
في كلّ قطرة من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتي, واهب الحياة."

ويهطل المطرْ...

لم أدرِ إلاّ ودمعي تنهمر؛ ولم أقل شيئا، ولم يقل سامي شيئا.خيّم علينا الصّمت.. ذاك الصمت المشحون بآلاف المعاني والصّور.. الصمت الذي يحملك بعيدا عبر الآفاق..

حدّثني أيضا عن حروب العراق، وعن طبائع الاستبداد منذ زمن الحجّاج. حدّثني عن ألاعيب الدُّول الكبرى.. وعن تميّز الفكر الإسلامي عند العراقيّين.
"- هلْ سمعتِ بعماد الدّين خليل؟ هلْ تعرفين محمّد باقر الصَّدر؟ هذا الأخير أُعدم في بداية الثّمانينات..
- لقد كنت صغيرة جدّا آنذاك.. وأَضَفتُ معتذرة، لقد نشأتُ في عائلة بعثيَّة حتَّى النُّخاع.."

ومرّة أخرى سألتُ سامي عن أفكاره وتوجّهاته. فوجئ بالسّؤال، ثمّ أجاب ضاحكا:
"- سؤالك عجيب، وعفويّتك أعجب! في بلدي لا نُسأل بهذه الطّريقة إلاّ في محلاّت البوليس السيّاسي!" ثمّ أطرق لبضع ثوان وأضاف متنهّدا: "لقد عرضتُ عليك كلّ أفكاري وكلّ توجّهاتي.. ألا تَزال غامضة لديك إلى الآن؟
- هذا صحيح. لقد تحدّثنا الكثير، وفي كلّ المواضيع تقريبا، ولكنّ الأمر يزداد عندي في كلّ مرّة غموضا. فأنت تذكر وبشغف شديد ثورتا كوبا ونيكاراغوا، وحركات أمريكا اللاّتينيّة اليساريّة.. وتجعل من شخص غيفارا رمزا للثّبات والمبدئيّة، ثمّ أراك مدافعا عن تجربة الإخوان المسلمين في مصر و عن أفكار سيّد قطب الدينيّة، وها أنت متأثّر بالثّورة الإسلاميّة في إيران ومساندا لها حينما كانت في حرب ضدّنا.. وتسرد لي الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة وكذلك شعراء الخمر والفوضويّة، ومقتطفات فلسفيّة من نيتشه وفوكو.."

استغرق سامي في صمت غريب، وراح يرمق مياه البحيرة وكأنّه يسبر أغوارها. ثمّ نظر إليّ نظرة عميقة وابتسم قائلا:
"- إنّ أفضل الأفكار والآراء لتلك التي تنبع وتتشكّل في أذهاننا، وتصاغ على محكّ التّناقضات.. يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ بها.
- برافو سامي.. ها أنت تتكلّم الآن وكأنّك رجل دين!
- هل أستنتج ممّا تقولينه إعجابا أم تبرّما؟
- أنا أمزح معك.. لا تأخذني في كلّ مرّة بمأخذ الجِدّ".
وبعد برهة من الصّمت واصلت رندا قائلة وهي تنظر إلى البحيرة:
- أنا لا أرتاح كثيرا إلى رجال الدّين وإلى أصحاب الدّعوات الدّينيّة في بلداننا..
غيّر سامي وضع جلسته وكأنّه يتهيّأ لسماع خبر مهمّ وخطير وقال:
- واصلي..
- ألسْتَ معي في أنّ هؤلاء شوّهوا صورة العرب والمسلمين في كلّ أنحاء العالم.. حتّى بتنا نُعامل عن بكرة أبينا كإرهابيّين.. لا ندخل إلى بلد، ولا نخرج منه إلاّ بتأشيرة، ولا نأكل ولا ننام إلاّ بإذن، ولا كلام لنا مع النّاس إلاّ وطُرِحت على الطّاولة قضيّة الإرهاب والتّطرّف..
قاطعني سامي كمن يريد إتمام وتأييد ما كنتُ بصدد قوله.. أو كمن يصطحبك في التّغنّي بأغنية كثيرة التّداول..
- وحرّية المرأة، وكذلك المثقّفين.. إنّهم يريدون الرّجوع بنا إلى العصور الوسطى وظلماتها.. إنّهم يسعون بمخطّطاتهم الجهنّميّة إلى كسر وحدتنا الوطنيّة، وإلى ضرب مكاسبنا الحداثيّة، وتكريس تقهقرنا قرونا إلى الوراء.. في الجزائر قتلوا وبكلّ وحشيّة الرُّضَّع وكذلك الحوامل، وفي أفغانستان سجنوا النّساء وراء البرقع.. وفي إيران شنقوا في الشّوارع العامّة آلاف المعارضين الدِّيمقراطيّين.. وفي إسرائيل قتلوا العشرات من المستعمرين الرّوس المساكين والعُزَّل.. وفي العراق.. بلدك الجميل.. هاهم سيطالون بإرهابهم شبّانا في زهرة العمر، قدموا من الكولورادو ومن فرجينيا ومن كاليفورنيا لكي يعيشوا فقط بعض المغامرات الهوليوديّة، ولكي يُهدوا إلى شعب العراق، بعض مُثُل الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان..

تفطّنتْ رندة شيئا فشيئا إلى نبرة سامي السّاخرة، وإلى نوع من الغضب المتصاعد والّذي لم تعهده فيه، كان يتخلّل كلامه، فيصبغ الحروف فيه بلون أسود قاتم، يختزل عمقا تراجيديّا بعيد الأغوار. سكت سامي، ولم تنبس رندة ببنت شفة. كان الصّمت بينهما مشحونا بآلاف الفولتات الكهربائيّة.


* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:01 PM
التقينا بعد ذلك من جديد. بدأت أشعر نحوه بشعور غامض. فاجأت نفسي مرارا وأنا أفكّر فيه.. سألته ذات مرّة ونحن على مقعدنا قبالة البحيرة:
- "سامي.. هل لك خطيبة؟..
لم يجبني.. نظر إلى الأفق وتنهّد.
شعرت بالحرج.. صمتُّ بدوري. قطعتُ الصّمت معتذرة:
- أرجو أن لا أكون ضايقتك بسؤالي هذا؟.. أنا آسفة جدّا.
- لا.. لا تأسفي. أضاف ضاحكا كعادته عندما يسعى إلى تخفيف ضغط الموقف، لا حياء في الدين!
- إذًا؟..
- إذًا.. ماذا؟
- هل لك..؟
قاطعني قائلا:
- كانت تربطني علاقة مع زميلة لي بالجامعة..
- والآن؟.. احمرّ وجهي خجلا من تصرّفي، أقصد لماذا تقول "كان"؟ هل انقطعت علاقتكما؟
- أجل.. كانت بيني وبينها قصّة حبّ.. كتلك الّتي نقرأ عنها في الروايات.. أضاف بعد لحظات من الصّمت: "أظنّ أنّها كانت أصدق منّي في حبّها لي.. لم تتخلّ عنّي.. لقد قررّتُ الهروب ووضعتها أمام الأمر الواقع.. كانت رغبتي في مغادرة البلاد أقوى حتّى من حبّنا.. ما أن استعدتُ جواز سفري المحجوز حتّى حزمتُ أمتعتي وسافرت.. قلت لها ليلة الوداع: لا تنتظريني.. لن أعود.
- أنت قاسٍ سامي! لماذا؟
واصل حديثه غير مكترث لمقاطعتي إيّاه:" أذكر ذلك اليوم وجهها الملائكي وقد غمره الحزن والخيبة.. كانت حبّات الدّمع تنهمر فوق خدّيها، لتتجمّع عند الذّقن وتتساقط كلآلاء أنفرط عقدها. كنّا ساعتها بالباص المكتظّ كعادته ممّا زاد في شعوري بالحرج. حاول أصدقاءنا التّدخّل لرتق الصّدع، ولكن دون جدوى. مرضتْ. نحل عودها. ثمّ قبلت بالزّواج من أوّل شابّ تقدّم لها. أظنّ أنّها سعيدة الآن..
- مسكينة..
- أتبكين... رندا؟

أمسك بيدي بين كفّيه؛ لم أقوى.. لم أجرأ... لم أقدر على إبعاد يدي.. انتشر عبرها دفء عمّ كلّ كياني.. استسلمنا إلى الصّمت.. لم يعد يجدي الكلام.

ما أن عدت إلى غرفتي حتى ألقيت بنفسي على الفراش، لا أقوى على فعل شيء.. كانت صورة سامي ماثلة أمامي حيثما ولّيت وجهي. شعرت برغبة جامحة في ملاقاته، وفي ذات اللحظة بخوف من هذا اللقاء. ارتجف كل كياني وصار لدقات قلبي إيقاع لم أعهده من قبل.. حاولتُ الخروج من هذا المأزق اللذيذ، فلم تنفعني المطالعة ولا التلفاز ولا حتى النوم... أتراني أحب؟ أهذا هو الحب؟

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:02 PM
دقّت طبول الحرب في بلدي المنهك من حربين قد مضتا ولم تمّح آثارهما، وباءت كلّ سبل السلام بالفشل وإن لم يعثر عن أسلحة الدمار الشامل.. وطغت على الصفحات الأولى للجرائد وعلى شاشات التلفزيون وعلى أحاديث الناس أخبار العراق.. في حين بدأت أخبار أهلي تقلّ، فلا يصلني منها إلاّ النزر اليسير لصعوبة الاتصال.. كنت حائرة، وخائفة، لا أدري ما الذي يجب عليّ فعله. لم أكن أقوى حتّى على النزول للشوارع لأشارك النّاس هنا مظاهراتهم المندّدة بالحرب التي باتت تطلّ بأنفها كالأفعى. أُصبت بالإحباط بعد أن أغلقت سفارتنا أبوابها، فانقطع الخيط الواصل بيني وبين بلدي. وحده سامي كان بجانبي. ولكنّ تسارع الأحداث جعلني أشعر بأنّه أكثر اضطرابا منّي. كنّا نقضّي ساعاتا طويلة صامتين، غائبين عن الوجود، نتأمّل أشعّة شمس الشتاء الخجلى وهي تنعكس على وجه البحيرة. كانت الأشجار قد تعرّت من ردائها الأخضر، وقلّت حركة الناس عبر ممرات الحديقة وقد تلحفت بلون الأوراق الأصفر، تتلاعب بها النسمات الباردة. صمْتُ سامي واضطرابه الواضح، رغم محاولته الظهور بخلاف ذلك، زادا من حيرتي وخوفي.. أيّة مشاعر هذه التي تعصف بنا فتجعلنا في حالة غريبة من الكدر؟ أهذا هو حبّ الوطن؟ ثمّ ما الذي يجعل سامي يضطرب لأحداث العراق بهذا الشكل؟ أسئلة كثيرة لم أجد لها جوابا..

أخبرني ذات مساء وأنا أهمّ بمغادرته بأنّه سيتغيّب بعض الوقت لزيارة بعض الأصدقاء في مدينة جنوة.. شعرت يومها وأنا أودّعه بنبرة في صوته غير مألوفة، وعلى سحنته نوع من الإرتباك كان يحاول إخفاءه بتجنّب النظر المطوّل في عينيّا. سألته:
- سامي!.. ما بك؟
- لا شيء.. لا شيء.. سأفتقدك.. رندة!
وضمّني إلى صدره فشعرت بدفء وحنان على وقع دقات قلبه المتصاعدة.. أغمضت عينيّا واضمحلت حركة الناس وصخب الشارع من حولنا.. وحين همّ بمغادرتي رأيت وجهه مبلّلا بالدمع.. لم أجرأ.. لم أقدر على الكلام.

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:03 PM
ذات يوم، وأنا أغادر شقّة السيّدة روزانا بلاّلونا، اعترض طريقي شابّ لا أعرفه. كان وسيما وكانت تبدو عليه ملامح عربيّة. استوقفني بلطف، وقبل أن أنبس بالكلام، باغتني وقد أحسّ بارتباكي، قائلا:
- لا تقلقي يا رندة..
- هل تعرفني؟
- لا! ولكن لديّ إليك رسالة..
- رسالة!.. ممّن؟
- من سامي..
ارتعدت فرائسي، واشتدّ خفقان قلبي.
- هل حدث له مكروه؟.. هل تعرف أين هو الآن؟..
ابتسم الشاب وقال:
-هدّئي من روعك.. هو بخير.. أقدّم لك نفسي.. اسمي أحمد.. من سوريا، وسامي صديق عزيز عليّ.. أقام معي عندما حلّ بروما..
كنت أسمع ما يقول ولا أعيه.. فلقد كنت أتحرّق شوقا لمعرفة أخبار سامي..
لم يطل وقوفنا، بل سارع أحمد إلى فتح محفظته وأخرج منها كتابا صغيرا أزرق اللون.. عرفته.. "وتريّات ليليّة" لمظفّر النواب.. أيقنت أنّ سامي هو الباعث..
-أين هو؟ لماذا لم يأتِ معك؟
أجابني أحمد وهو يهمّ بالانصراف:
- تجدين طيّ الكتاب ظرفا..

تسمّرت في مكاني، لا أقوى على الحركة.. توجّست خيفة من الرسالة وممّا تكنّه.. إلهي! ما الذي يحدث لي؟

لا أدري كم من الوقت مرّ وأنا واقفة في مكاني..
كنت أنوي الذهاب كالعادة إلى حديقة بورقيزي، لأجلس على مقعدنا، قبالة البحيرة.. ولكن لهفتي لمعرفة ما تنطوي عليه الرسالة من أخبار سامي جعلتني أدخل إلى أوّل مقهى اعترضني، لأجلس وأقرأ.. كانت يديّ ترتعشان حينما أمسكتا بالظّرف.. فتحته لأقرأ:
"حبيبتي رندة،
عندما تصلكِ رسالتي هذه، فسأكون بعيدا عنك؛ ولكن لتعلمي بأنّك بين جناحيّ، وفي كلّ نبضة من نبضاته يلهج قلبي باسمك.. رندة.. رندة.. رندة!
لقد التقينا وتحاببنا في زمان قضت الأقدار أن لا يكون مناسبا.. ولكن، لو لا هذا الزمان لما كنّا التقينا. لا مردّ إذًا لقدر الله. ثقي، رندة، بأنّني لم أكذبك القول أبدا، وإن أخفيتُ عنكِ، لأجلٍ معلوم، بعض الجوانب من حياتي، سبقتْ فيها العهود والمواثيق. أعذركِ لو كرهتني، ولو مقتّي ما فعلتُ؛ ولكن لتعلمي بأنّ ما قمتُ به كانت قد تحدّدت معالمه من قبل أن ألقاكِ.. والآن.. الآن، وقد عرفتك، وأحببتك لم يعد لي بدّ من ترك ما عزمتُ عليه.. فمن أجلكِ أيضا، ومن أجل عينيكِ الّتي بتُّ أسيرهما، وحتّى تبقى النّخلة أرضا عربيّة، فعلتُ ما فعلت.
تأكّدي بأنّني أحبّك إلى آخر رمق لي في الحياة..
سنلتقي إن شاء الله..
سامي
فبراير 2003"

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:04 PM
غادرت رندة المدرّج الجامعي، بعد أن ودّعت طلبتها للمرّة الأخيرة، واتّجهت رأسا إلى مكتب العميد الّذي كان بانتظارها. تلقّتها نسمات مكيّف الهواء الباردة وهي تدلف إلى المكتب الوثير.

وقف العميد مرحّبا، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة:
- مرحبا دكتورة رندة!.. هكذا إذًا، اخترتِ مفارقتنا؟..
- بل هو قانون التقاعد سيّدي العميد.. لنفسح المجال للشبّاب!
- والله إن أخذتِ الأمور من وجهة نظر القانون.. فهذا أمر هيّن.. فالقوانين وُضِعت ومعها حيلها!..
أشعل سيجاره الكوبي وأخذ نفسا طويلا، ثمّ نفث سحابة كثيفة وأضاف قائلا:
- أمّا إذا كانت هذه رغبتك.. فهذا أمر آخر، لا قدرة لنا عليه!..
- فعلا أستاذي المحترم!.. لقد اتّخذت قراري بعد طول تدبّر وتأمّل..
تردّد قليلا قبل أن يسألها:
- ألا تخشين من الفراغ، بعد ثلاثة عقود من الحياة المليئة بالحركة والنشاط؟
- ومن قال أنّني سأكفّ عن الحركة والنّشاط!؟ فمكتبتي تعجّ بالكتب التي ادّخرتها لهذا الفراغ الّذي تحدّثت عنه، ولي كذلك بعض الزهور الّتي تنتظر منّي أن أعتني بها أكثر، وأنوي الحجّ، وأنوي القيام برحلة إلى روما طالما أجّلتها.. والقائمة تطول!

ضحك العميد ملأ شدقيه وقال:
- أتمنّى لك دكتورة رندة، من أعماق قلبي، طول العمر، والتوفيق فيما تنوين فعله.
نظر في بعض الأوراق المبعثرة على مكتبه وأضاف:
- حسنا!.. لقد قمنا بجميع الإجراءات الإداريّة تحسّبا لقرارك.. ويسعدني أن أعلمك بأنّ زملائك، وأنا على رأسهم طبعا، قد أعددنا حفلا توديعيّا يليق بمكانتك فينا، وبخدماتك الجليلة لجامعتنا.. سيكون الحفل يوم الخميس المقبل.
- أشكركم جميعا، سيّدي العميد..

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:05 PM
غادرت رندة الجامعة واستقلّت سيّارتها. لم تكن لديها رغبة في الرجوع إلى المنزل، إذ لا أحد هناك في انتظارها. كانت أمّها تملأ عليها البيت، ولكنّها توفّيت قبل سنة، فوجدت رندة نفسها وحيدة في بيت فسيح الأرجاء، لا يشاركها فيه غير الصمت وعبق الماضي.. وفي عتمة تلك الأرجاء كان كلّ شيء، من جدران وأثاث وتحف وصور، يفوح بريح المعابد العتيقة.

كانت والدتها تحرص على صيانة ترِكات الماضي تخليدا لذكرى زوجها وابنها؛ فالأوّل، بحكم مركزه القيادي في "البعث"، اعتقل منذ الأيّام الأولى للاحتلال، ولم يعد أبدا.. تأكّدت فيما بعد من مقتله، وعلمت مكان القبر الجماعي الذي دُفن فيه، من خلال محاكمات مجرمي الحرب ومن تعاونوا مع المحتلّ. أمّا ابنها، فلقد التحق بالمقاومة، واستشهد بالفلّوجة في إحدى العمليّات الفدائيّة؛ كان ذلك في السّنة الرابعة من سقوط بغداد وغزو العراق..

تناثرت صور الماضي عبر أرجاء الصّالون.. لم يخلُ رفّ أو جدار من ضحكة أو بسمة أو معانقة.. حياة بأسرها انتهى بها المطاف تحت المربّعات البلّوريّة وداخل الأطر المذهّبة.. بدت من خلالها الوجوه الضاحكة الباسمة في حالة زهو وسعادة أبديّة.. تاريخ عائلة، طويل، زاخر بالأحداث، مرّ من هنا ولم يترك غير هذه الأيقونات للذكرى.. كانت رندة تعيش وسط سكون هذه الأجواء المميّزة للمعابد والمتاحف.. لقد آلت إليها مهمّة الحفاظ على ذاكرة تلك العائلة حتّى لا يطويها النسيان بعد أن غمرها الموت.

* * *

(يتبع)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:10 PM
ومن السيّارة اتّصلت بالخادمة، أعلمتها بأنّها سوف لن تتناول الغداء في البيت. انسابت السيّارة عبر شوارع ومعابر بغداد العريضة. اكتظّت سماء المدينة بآلاف الأعلام، وكذلك بسعف النخيل يرفرف على جنبات الشوارع، وحول الساحات. كانت الإستعدادت لإحياء ذكرى التحرير تجري على قدم وساق. غادرت رندة طريق المطار، متّجهة شمالا نحو الفلوجة. ضغطت بإبهامها على أحد أزرار جهاز التحكّم المثبت على المقود، فانطلقت نغمات "فصول فيفالدي"، سرت عبر كيانها نشوة تتخلّلها بعض كآبة.. سعادة مزيجها الحنين.

قبيل الفلوجة، غادرت الطريق السيّارة، متّجهة إلى مدينة الشهداء. تلقّتها الأعلام من جديد، وسعف النّخيل تداعبه النّسمات، فيُجيب بحفيف جميل. امتدّت أمام ناظريها مدينة مسجّاة من القبور.. بحر من الخضرة تطفو على امواجه زوارق ذات أشرعة بيضاء، بلا حدّ.. مقبرة الشهداء.. تتخلّلها الممرّات والسّاحات والنّصب التّذكاريّة.. ونخيل، بعدد الشهداء..

اعتادت رندة على زيارة المكان مرّة في الأسبوع.. عقود ثلاثة مرّت، لم تتخلّف خلالها عن هذا الموعد أبدا. وفي كلّ مرّة تؤدّي الطقوس نفسها، بانتظامِ ودقّةِ ساعةٍ سويسرية. تركن سيّارتها في المأوى الخارجي، تتّجه نحو واحد من الأكشاك العديدة لبائعي الزّهور، نفس الكشك، تجامل صاحبه، العمّ عبد الجوّاد، ببعض الكلمات. في البدء، كانت تسأله عن الأحوال، وعن الزوجة والأولاد، والآن، عن الأحفاد. يقدّم لها ورداتها الثلاث، تودّعه متّجهة إلى بوابة المقبرة، تقف عندها برهة، ترفع عينيها صوب الواجهة العليا لقوس النصر الضخم، لتقرأ حروفا نُقشت بخطّ كوفيّ جميل على الرخام الأبيض: "ولا تَحسبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا فِي سَبيلِ الله أمواتا، بَلْ هُمْ أَحيَاء عندَ ربّهِمْ يُرْزَقُون".
تخطو ببطءٍ عبر الممرّات المُظَلَّلة بخضرة النّخيل الدّافئة. تجلسُ بعض الوقت عند قبري والدها وأخيها في مناجاة صامتة. تسقي الزهرات المحيطة بالقبرين، تودّعهما، تاركة فوق كلّ واحد منهما وردة. تتّجه بعد ذلك، عبر ممرّات المدينة النّائمة نحو مربّع ضخم، كُتب على بوّابته المزخرفة بالخزف المغربي الجميل: "شهداء إقليم المغرب العربي". بالدّاخل، توزّعت القبور بحسب ولايات أصحابها. تتوقّف رندة برهة عند المدخل، ثم تخطو من جديد ببطءٍ وتؤدةٍ، تستجمع ذكرياتها.. هاهي الآن تمشي عبر ممرّات حديقة فيلاّ بورقيزي، في روما، تجلس على المقعد الخشبي الأخضر، تظلّله شجرة لا عمر لها، تكاد أغصانها تدغدغ الأشعّة المتراقصة بزهو على سطح البحيرة. صوت يأتي من عمق الذاكرة.. تعرفه:
"- هل.. هل أنتِ عربيّة؟
- نعم! وهل يخفى هذا؟
- أنا أيضا عربيّ..
.................
- الظّاهر أنّي أزعجتكِ... إذا أردتِ أن أذهب، فسأفعلُ ذلك؟
- هذا شأنك!........ لستَ بمُزعجي.."

يتلو الصوت، وسط عبق من الياسمين تحمله النسمات الدافئة:

"يا قاتلتي بكرامة خنجرك العربيّ!
أهاجر في القفر،
وخنجرك الفضّي بقلبي،
وأنادي:
عشقتني بالخنجر والهجر بلادي
ألقيتُ مفاتيحي في دجلة أيّام الوجد
وما عاد هنالك في الغربة
مفتاح يفتحني
ها أنذا أتكلّم من قفلي..."


(انتهت)

سعيد محمد الجندوبي
23-02-2008, 03:16 PM
قراءة في قصّة "والنخلة أرض عربيّة.. " للكاتب سعيد محمد الجندوبي

بقلم الكاتب والنّاقد المغربي محمد داني



قصة قصيرة للأديب التونسي الكبير سي محمد سعيد الجندوبي( والنخلة أرض عربية).. يستهلها بنص مواز كعتبة للنص، عبارة عن شعر يثبت ويوحي بمضمون القصة. وثباتية العنوان.. كما أن الإهداء يحيلنا إلى مقصدية الرسالة( القصة) كإهداء إلى أديبين تحدثا عن النخلة في أشعارهما. واتخذاها رمزا للعراق.. ليحيلنا العنوان والنص الموازي والإهداء إلى العراق.. ويعدنا للحديث عنه.
وأول ما يستعرضنا ، هو العنوان( والنخلة أرض عربية)، وهذا يبين لنا مدى اهتمام سي سعيد بالعنوان ن واعتبار أهميته. فهو يلخص القصة، ويكثفها. فالعنوان نص صغير يصف النص الكبير. يثير به سي سعيد مجموعة من الأسئلة، والافتراضات والرؤى، والاختيارات، التي توحي وتساعد على دخول مضامين النص/ القصة.
والعنوان يتكون من ( الواو) كحرف ابتداء، و( النخلة) التي تدل على نوع من الشجر الذي يميز المنطقة العربية عن سواها من المناطق،والذي يرتبط اسمه بالعربية والعروبة. فهو كدال له مدلوله في الثقافات الأخرى...
(أرض) لها دلالات كثيرة، وهي توحي هنا إلى المكان، والأصالة، والتبعية، والانتماء، والهوية.( عربية) وصف لهذه الأرض وتحديد هويتها، وانتمائها، وإعطائها أبعادها الجيو سياسية والتاريخية والإنسانية.
وعندما نجمع هذه الكلمات بعلاقة الإسناد والوصفية، فإنها تؤدي إلى خرق الانتقاء، وتكسير المجهول، وتحقيق نوع من التعادلية، ونوع من الانتماء والترابطية. وهذا يؤدي إلى الانزياح الذي ينتج عنه المطابقة والتلاؤم. الشيء الذي يحتم اخذه كدلالة جديدة ، استشرافية، ناطقة. تتضمن امتلاك الأرض العربية للنخلة. وان النخلة توجد في ارض من مواصفاتها العروبة واليعربية.
وتجليات العنوان كحقائق يريد إبلاغها سي سعيد لمتلق متعدد ومتنوع، يطرح نوعا من التسمية والعنونة، وبالتالي نوعية السرد. وهذه التجليات لن تكشف أسرارها إلا قراءة واعية ومتأنية للقصة، والتي نكتشف من ورائها كاتبا ينظر للواقع من زوايا متعددة.
وعندما نقف أمام مسرود سي سعيد، نجد أن تحديده الأجناسي تؤكده التسمية التي أعطاها لها( قصة قصيرة)، والتي لها إمكانية التمدد أكثر.. بما أن لها مساحات كبيرة للتعبير.. وولادة أحداث ومواقف لها ارتباط بالذاتي كسياق قصصي ينتسب إلى معمارية النص.
ومن هنا يمكن الجزم بأن قصة( والنخلة ارض عربية) تنتمي كعمل أجناسي إلى القصة الواقعية الجديدة.. والتي تتنوع خطاباتها، وأصواتها ، متحدية الإطار السارد، والنظرة السردية الأحادية.
والقصة كحدث ووقائع متتابعة تتعرض لقصة شابين( رندا) و( سامي) تجمع بينهما الظروف في حدائق فيلا بورقيزي بروما.. وتنسج بينهما الساعات حبا،وارتباطا ولقاءات تتوالى من خلاله أحداث ووقائع وحوارات شاهدها واقع الحال العربي.. ويفترقان دون أن يتم التلاقي، فنعيش لحظات يأس روميو جولييتي.. لتنتهي القصة ببدايتها ليتركنا الكاتب حائرين، طارحين عدة أسئلة من بينها عل السائل هو سامي: أم أن السائل عربي آخر؟ هل القبر الذي زارته في جناح الشهداء المغاربيين يوجد فيه قبر الشهيد (سامي)؟...أسئلة متعددة تنفتح عليها نهاية القصة.
والعجيب في القصة، أنها تختلف عن السرد القصصي المألوف. إذ اعتمد فيها سي سعيد كسر مألوفية السرد، وتتابعه. واعتمد التداخل، والتشابك، والاسترجاع والارتداد، والوقفات الوصفية كمستنسخات.. وذلك بالاعتماد على ساردين مختلفين هما: البطلة( رندة) والسارد الراوي/ الكاتب مكملا بعضهما البعض. مع اعتماد ضميرين في نسج الخطاب القصصي هو ضمير المتكلم، وضمير الغائب.
وهذا يؤكد لنا شيئا هاما، وهو أن سي سعيد الجندوبي يعدد وجهات النظر حول موضوع واحد بؤري هو( عربية الأرض والنخلة). فقصة الحب تتلونها أحداث العراق، وأوضاع العالم العربي والإسلامي، ونظرة الآخر التي أصبح ينظر بها إلى كل ما هو عربي ومسلم. وبالتالي خرج سي سعيد عن المألوفية الكلاسيكية والتي تعطي خطا أفقيا هو( البداية والعقدة والحل). فالقصة لها لحمة وسدى متعدد، متشابك . الشيء الذي أعطاها نوعا من الفنية والجمالية. وهذا كله مقصود من سي سعيد. فهو يريد يذلك تبديد حيرة كبيرة يعرفها العالم.. وهي : هل كل ما هو عربي ومسلم هو إرهابي؟. هل يمكن اعتبار ارض السواد وبلاد النخل غير عربية.، لما تعرفه من غزو للأجنبي؟ خاصة وان مطامع الإقليمية الفارسية والشيعية تحاول تجريد المنطقة من عروبتها.
إن القصة تتضمن قصصا شابك سي سعيد بين خيوطها، وهي رؤيا بدأت تهتم بها الآن السينما العالمية في فيلم( بابل) و( أسود وخرفان). قصة حب وقصة هوية، وقصة ذكريات ، تسير جميعها في خط متواز إلى النهاية، وبفنية كبيرة. الرابط بينها هما الشخصيتان المتناميتان. بالإضافة إلى السارد/ الكاتب.
إنها لوحات مترابطة في طياتها، تظهر لنا عقدة الأمير، والتي تصارع الشخوص فيها والمواقف والأحداث للجنوح نحو الاكتمال برؤى متباينة، ولكن يجمعها شيء واحد : هو العروبة، والانتماء، والهوية، والمشاعر الإنسانية. والتي استعمل في طرحها سي سعيد أسلوب التنضيد enfilage، باعتماد تناصات رائعة تحيلنا إلى قصيدة السياب( أنشودة القمر) وديوان( وتريات ليلية) للشاعر العراقي( مظفر التواب)، للتنبيه من خلالهما ومن خلال هذا التناص إلى عراقية العراق، وان العراق باق ما دام هذا الشعر باق لأنه جزء من العراق وتاريخه المجيد.
إن القصة تشتمل على بنيتين سرديتين جميلتين: بنية سردية استرجاعية، تصور وتركز على ذكريات قديمة، وعلى عهد بائد( حزب البعث- المشاكل الداخلية- حالة العراق قبل الغزو الأمريكي)، ثم بنية سردية مرتبطة بالواقع اليومي، والترصد اليومي في العراق وخارجه، وحتى في بلد الآخر. وكلا البنيتين يتخللهما صراع درامي قوي.
فالأولى ينتابها صراع العودة، والاكتمال، والحسرة، والتمني. والثانية، يتخللها صراع الهوية، وإثبات الذات، والإحياء والانبعاث.
وهذا الصراع هو ما أعطى للقصة بعدها الإنساني والفني والجمالي، وحتى الأدبي، رغم أسلوب الاختزال الذي اعتمده الكاتب للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعرفها العراق والمنطقة العربية وحتى أوربا.
وهذا الاختزال هو واقع رهان دخله الكاتب. رهان متعدد الأوجه . من جانبه المضموني( المحتوى)، ومن جانبه الخطابي( السرد). لأنه يضع في همه قبل الكتابة المتلقي والمتعدد والمختلف الجنسية. فالجانب المضموني يلح فيه سي سعيد على إعطاء الصورة كما يشاهدها هو بتعدد أوجهها، راصدا التحولات والتغييرات والميتامورفوزات التي انتابتها عبر فترات. فيبين لنا الصراع الذي تعيشه الشخوص ككائن عربي مسلم، والشرخ الذي أحدثته هذه الهزات، والأفكار الثورية المستوردة، والقيم المختلفة التي كانت سائدة ، والتي تغيرت مفاهيمها لما يعرفه العالم من تحول إيديولوجي. ليشير لنا من خلال السطور إلى : كيف تغير مفهوم الثورة، والثورة المضادة، والحالة التي تعيشها هذه الشخوص لاسترجاع نوع من الثقة، ونوع من إثبات الذات ونوع من الهوية. وهذا كله يؤدي إلى عقدة الأمير التي تنبني على الصراع للوصول إلى التكامل.. و البارفيتيزم.
فالشخوص تعيش صراعا ما بين ماض مجيد، وذكريات وحاضر وغياب اضطراري، ومحو للهوية مقصود، وإقصاء مرير.. تتيه فيه الروح.
أما في الجانب الخطابي، فإننا نكتشف الطريقة التي يبلغنا فيها بهذا المضمون، والطريقة التي يستعرض بها الأحداث والوقائع والمواقف. وهذا سيجرنا إلى طريقة الكتابة عند سي محمد سعيد الجندوبي. فهو بما انه مقيم في فرنسا، فهو يرفض الطرق الكلاسيكية، ويميل إلى كل ما هو جديد حداثي. لان الكلاسيكية عنده لن تستطيع احتواء هذه الأوجه كلها، وذلك لمحدودية إطارها. لذا يعتمد أسلوبا جديدا يعتمد الطرح والاستذكار والاختزال والتوضيح، والتشويق، والتأويل، والبتر والاختزال. وبالتالي يعدد رؤاه وأنماطها، وزواياها. وبذلك تتحرر كتابته من النمطية ، وتدخل عالم طرح السؤال، وصياغة الواقع كما تشاء من خلال تعدد الأصوات وتفجيرها.
ويظهر تجديد سي سعيد في هذه القصة في الزمن. حيث القصة تحكي على لسان بطلتها، والراوي/ الكاتب/ السارد عن زمن لم يعد موجودا. الكل يسعى إلى استعادتهن واستذكاره عن طريق الذاكرة، واللاوعي والأحلام ، والإبحار في التفكير والتمعن والقراءة. وبذلك يصبح هذا الزمن متشابكا، مستغلقا في حاجة إلى مستنسخات يستعان بها على إضاءة هذا الزمن، وتوضيحه. ولذا يعتمد سي سعيد مجموعة من التناصات المقدسة القرآنية، والشعر والعناوين ن والأسماء والشخصيات الأدبية، والأماكن.. وهذا كله لإزالة مباهم الزمن، وتكسير خطيته وخطية السرد.
والأحداث القصصية التي تتضمنها القصة عندما نستشف أبعادها، فإننا نقف توا على ملابسات كتابة هذه القصة، والظروف التي رافقتها، وبالتالي نقف وبكل وضوح على المثبتات أو المرسخات في القصة. وهي مشكّلات ( بفتح الشين وتشديد الكاف) سياسية، واجتماعية واقتصادية وانتروبولوجية.. واتخذتها القصة خلفيات لتقول للمتلقي كيفما كان نوعه: العراق ارض عربية.. وهذا زكاه موقف الشخصيتين، وسلوكياتهما، وحتى التناصات الموظفة، كإقناع للقارئ على عروبة الأرض ونخلها..//.

جوتيار تمر
24-02-2008, 02:29 AM
الجندوبي المبدع...
أن لم اكن مخطئاُ سبق وان كتبت ردا هنا في هذا النص ، لكني لااعلم اين صار واين ذهب ، المهم اعود واثير ذاكرتي لاستعيد بعض ما كتبت ، مع ان يمن الذين ضعفت ذاكرتهم ، لكن كبداية للنص الاهداء جاء على نفس نمط الرواية القصيرة ، التي تجعل الكتلقي امام هدف او يسيره نحو رابية اجبارية ، والنص بمجمله ، جاء بلغة متمكنة ، وبناء سردي محكم ، سخرت ادواته من اجل ايصال فكرة تؤثث ماهية الحال وما تسير عليه باقي الاحوال ، ومنعمق الواقع العياني لارض بشعبه جاء الحدث القصصي ليعبر عن وجهة نظر ، ويؤرخ لمشاهد تكاد تكون من سنن الكون الثابتة عليه وفيه ، واتذكر اني كتبت ملاحظة في الرد السابق عن كون اثنوغرافية العراق لم تعد تتقبل الانتماء العربي فقط، فهناك شرائح اخرى اصبحت من مقومات القاء العراقي كمكونات اصيلة .


دم بخير
محبتي
جوتيار

سعيد محمد الجندوبي
24-02-2008, 06:44 PM
الجندوبي المبدع...
أن لم اكن مخطئاُ سبق وان كتبت ردا هنا في هذا النص ، لكني لااعلم اين صار واين ذهب ، المهم اعود واثير ذاكرتي لاستعيد بعض ما كتبت ، مع ان يمن الذين ضعفت ذاكرتهم ، لكن كبداية للنص الاهداء جاء على نفس نمط الرواية القصيرة ، التي تجعل الكتلقي امام هدف او يسيره نحو رابية اجبارية ، والنص بمجمله ، جاء بلغة متمكنة ، وبناء سردي محكم ، سخرت ادواته من اجل ايصال فكرة تؤثث ماهية الحال وما تسير عليه باقي الاحوال ، ومنعمق الواقع العياني لارض بشعبه جاء الحدث القصصي ليعبر عن وجهة نظر ، ويؤرخ لمشاهد تكاد تكون من سنن الكون الثابتة عليه وفيه ، واتذكر اني كتبت ملاحظة في الرد السابق عن كون اثنوغرافية العراق لم تعد تتقبل الانتماء العربي فقط، فهناك شرائح اخرى اصبحت من مقومات القاء العراقي كمكونات اصيلة .
دم بخير
محبتي
جوتيار

أشكرك عزيزي جوتيار على عودتك ثانية للنص، فلقد وقع حذفه على طريق الخطأ وتلقيّت اعتذارا على ذلك.
أما في ما يخصّ ما أشرت إليه حول مسألة تعددّ الإثنيات في العراق، فأنا معك تماما. فالعراق ومنذ البدء احتضن العديد من الشعوب والحضارات ومنه نبعت الكتابة والتاريخ والأديان.
وحينما أكّدت من خلال هذه القصّة على عروبة العراق فإنّ منطلقي هو رفض تقسيمه وتجزئته قصد مزيد من إضعاف الأمّة.. ولم (ولن) أفكر يوما بعقليّة الشوفينية والإقصاء.. ربّما تكون خلفيّتي التونسيّة تجعلني أستعمل كلمة عربي بدون أن تكون مشحونة بتعقيدات الشرق ولا سيّما العراق... فنحن في تونس نعلم كلّ العلم بأنّ تركيبتنا هي خليط من الأجناس والأعراق (نوميديون، بربر، فينيقيين، رومان، عرب، زنوج، أتراك، أندلسييون، انكشاريون، أوروبييون..) ورغم هذا فإننا ننتسب الى العروبة.. لأننا نعتقد أن العروبة ليست دما ولا عرقا (هذه نظريات النازية والفاشية الأوروبيّة التي أورثتها لبعض حركاتنا القوميّة) وإنّما هي تاريخ وثقافة ولغة ..
وقد أكد الرسول صلّى الله عليه وسالّم على هذا المفهوم (رفض العرقيّة) حينما قال:"دعوها فإنّها نتنة" أي العصبيّة
وللحوار بقيّة
مع محبّتي لك يا سليل صلاح الدين
سعيد محمد الجندوبي

جوتيار تمر
25-02-2008, 07:21 PM
امجد فيك هذه الروح الانسانية النابعة من عمق ثقافة ودراية ، وانا لم اذكر الامر الا ظناً مني بأني اضيف معلومة جديدة اليك ، ولم اقصد ابداً ماهية التجزئة .

دم بخير
محبتي لك
جوتيار

وفاء شوكت خضر
25-02-2008, 11:03 PM
الأديب القاص / سعيد الجندوبي ..

أولا أعتذر وبشدة على حذفي لهذه الرائعة حين أدرجتها أول مرة بطريق الخطأ ، وأتمنى أن تقبل اعتذاري فما كان الأمر مقصودا ، إلا أن سوء خطوط الاتصال أوقعتني في هذا المأزق الذي بحق أزعجني ..

قرأت النص رغم طوله مرتين ..
النص أجمل ما فيه هو دمج الهويات في هوية واحدة ، وهي العروبة والتي نعتز بأنها جمعتنا شعوبا رغم الحدود والتقسيم واختلاف البيئة والمواقع الجغرافية ، رغم المساحات الشاسعة التي تفصلنا عن بعضنا إلا أننا نلتقي تحت ذلك المسمى الذي جمعنا أيضا بديانات مختلفة ..
كانت السرد مشوق وجميل ومترابط ، تسلسل انسيابي في الحكي والأحداث ، صور كثيرة أوردتها عن الغربة والحنين الذي يغلف القلوب فيها فينسج دثارا يجمع شملهم تحته في صقيع الغربة ويمدهم بدفء روحي ..
النهاية كانت أكثر من رائعة فهي تحكي عن نفسها ..

أسعدني المكوث هنا على ضفاف حرفك ..

تحيت وصادق الود .

سعيد محمد الجندوبي
01-03-2008, 02:59 PM
امجد فيك هذه الروح الانسانية النابعة من عمق ثقافة ودراية ، وانا لم اذكر الامر الا ظناً مني بأني اضيف معلومة جديدة اليك ، ولم اقصد ابداً ماهية التجزئة .
دم بخير
محبتي لك
جوتيار


وأنا واثق من ذلك أستاذي العزيز جوتيار

مع محبّتني

سعيد محمد الجندوبي

خالد ابراهيم
02-03-2008, 06:31 AM
الروائى الكبير محمد سعيد الجندوبى
بلا شك ننتظر تكملة رائعتك
تحية لك ولقلمك إننا فى انتظار باقى لوحاتك الفنية
مودتى وتقديرى
خالد ابراهيم

هشام عزاس
04-03-2008, 11:53 PM
الجندوبي الرائع

أنا كذلك عدت لأعبر عن إعجابي الشديد بالقصة و مضمونها
و لأقول لك أنني أتذكر تلك اللحظات السعيدة و أنا أقرأ أحداث هذه القصة الشيقة و المعبرة بحق
عدت لأستعيد ذكرى الوردتين ...

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــــــــــام

فيصل الزوايدي
31-03-2008, 11:21 PM
أخي العزيز سعيد محمد الجندوبي .. قصتك اعتمدت ثنائية المراة و الوطن ، الحب و الكفاح بل و ثنائية زمانية حاضر الهزيمة و مستقبل الانتصار لتنتهي بتلك الخاتمة الاستشرافية المقنِعة
دمت متألقا
مع الود الدائم

د. نجلاء طمان
01-04-2008, 08:57 AM
النخلة والأرض العربية المنصهرة في الأرض الأم, وسهم الحب النافذ للقلب من عمق جراحات الأوطان, وقصة طويلة,أفرزت الألم النابع من عمق الوفاء. استمتعت جدًا بالقصة وسردها الهادئ, وأعجبتني النهاية بشدة. لا أنسى أن أشيد بالقراءة النقدية فقد كملت القصة الطويلة بشكل رائع.

دمت ونفسك الطويل في السرد

د. نجلاء طمان

سعيد محمد الجندوبي
08-04-2008, 10:31 AM
الأديب القاص / سعيد الجندوبي ..
أولا أعتذر وبشدة على حذفي لهذه الرائعة حين أدرجتها أول مرة بطريق الخطأ ، وأتمنى أن تقبل اعتذاري فما كان الأمر مقصودا ، إلا أن سوء خطوط الاتصال أوقعتني في هذا المأزق الذي بحق أزعجني ..
قرأت النص رغم طوله مرتين ..
النص أجمل ما فيه هو دمج الهويات في هوية واحدة ، وهي العروبة والتي نعتز بأنها جمعتنا شعوبا رغم الحدود والتقسيم واختلاف البيئة والمواقع الجغرافية ، رغم المساحات الشاسعة التي تفصلنا عن بعضنا إلا أننا نلتقي تحت ذلك المسمى الذي جمعنا أيضا بديانات مختلفة ..
كانت السرد مشوق وجميل ومترابط ، تسلسل انسيابي في الحكي والأحداث ، صور كثيرة أوردتها عن الغربة والحنين الذي يغلف القلوب فيها فينسج دثارا يجمع شملهم تحته في صقيع الغربة ويمدهم بدفء روحي ..
النهاية كانت أكثر من رائعة فهي تحكي عن نفسها ..
أسعدني المكوث هنا على ضفاف حرفك ..
تحيت وصادق الود .

العزيزة وفاء شوكت خضر،
لا لوم عليك البتّة فسبحان من لا يسهى أو يخطئ والأمر بسيط للغاية..
سعدتُ بمرورك من هنا وبقراءتك العميقة المتأنّية

أعتزّ بشهادتك أيّما اعتزاز

مع محبّتي

سعيد محمد الجندوبي

سعيد محمد الجندوبي
18-04-2008, 01:03 PM
الروائى الكبير محمد سعيد الجندوبى
بلا شك ننتظر تكملة رائعتك
تحية لك ولقلمك إننا فى انتظار باقى لوحاتك الفنية
مودتى وتقديرى
خالد ابراهيم

العزيز خالد إبراهيم

أشكرك على كلماتك المشجعة
ربما لو واتتني القريحة سأطوّر هذا العمل إلى رواية

مع محبتي وتقديري

سعيد محمد الجندوبي

سعيد محمد الجندوبي
22-04-2008, 09:49 PM
الجندوبي الرائع
أنا كذلك عدت لأعبر عن إعجابي الشديد بالقصة و مضمونها
و لأقول لك أنني أتذكر تلك اللحظات السعيدة و أنا أقرأ أحداث هذه القصة الشيقة و المعبرة بحق
عدت لأستعيد ذكرى الوردتين ...
اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــــــــــام

العزيز هشام عزاس

عودتك للنص تسعدني وتبعث الدفء في القلب
لك مني ألف وردة

مع محبتي

سعيد محمد الجندوبي

سعيد محمد الجندوبي
27-04-2008, 03:44 AM
أخي العزيز سعيد محمد الجندوبي .. قصتك اعتمدت ثنائية المراة و الوطن ، الحب و الكفاح بل و ثنائية زمانية حاضر الهزيمة و مستقبل الانتصار لتنتهي بتلك الخاتمة الاستشرافية المقنِعة
دمت متألقا
مع الود الدائم

أخي العزيز فيصل الزوايدي

أشكرك على هذا المرور المصحوب بقراءة واعية للنص

مع محبتي

سعيد محمد الجندوبي

سعيد محمد الجندوبي
25-06-2009, 12:30 PM
ـتصحيح:
وردتْ في النصّ قصيدة بدر شاكر السياب الشهيرة تحت عنوان " أنشودة القمر " وهذا سهو مني تفطنتُ إليه وأنا أعيد قراءة القصّة.. وعنوان القصيدة كما تعلمون " أنشودة المطر "... فعذرا بدر وعذرا معشر القرّاء
سعيد محمد الجندوبي

سعيدة الهاشمي
25-06-2009, 01:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفاضل المبدع سعيد محمد الجندوبي،

هذا التصحيح مكنني من قراءة هذه الرائعة التي تهت فيها وودت لو أستمر تائهة فلا أخرج

منها أبدا ولا أقف عند النهاية، قصة تخللها السرد والوصف معا فأجدت كليهما، جاءت رائعة راقية

تعبر عن آلام الأرض والقلب، لا يسعني أمام ما قرأت إلا أن أحييك وبشدة على هذه القصة الرائعة

قلبا وقالبا.

احترامي وتقديري.

خليل ابراهيم عليوي
25-06-2009, 01:21 PM
رسمت بكلملتك صورا تعجز الكامرة عن رصدها وسلاسة وعذوبة رائعة

د خليل

سعيد محمد الجندوبي
09-07-2009, 02:11 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفاضل المبدع سعيد محمد الجندوبي،

هذا التصحيح مكنني من قراءة هذه الرائعة التي تهت فيها وودت لو أستمر تائهة فلا أخرج

منها أبدا ولا أقف عند النهاية، قصة تخللها السرد والوصف معا فأجدت كليهما، جاءت رائعة راقية

تعبر عن آلام الأرض والقلب، لا يسعني أمام ما قرأت إلا أن أحييك وبشدة على هذه القصة الرائعة

قلبا وقالبا.

احترامي وتقديري.


العزيزة الفاضلة سعيدة الهاشمي

أسعدني مرورك الجميل من هنا وأثلجت كلماتك صدري

مع محبّتي وتقديري

سعيد الجندوبي

ربيحة الرفاعي
27-07-2014, 03:07 AM
تحت مظلة العروبة ورمزية النخلة جاء السرد شائقا متقن الحبكة بتصاعد حدثي ملفت عرض لثنائيات كان أروعها ثانية الواقع والقادم المأمول، والهزيمة والنصر المنشود
الأداء متقن وحوارية العنوان مع النص بديعة والغاية سامية والنفس الروائي المائز

دمت مبدعا

تحاياي

سعيد محمد الجندوبي
10-02-2016, 08:05 PM
تحت مظلة العروبة ورمزية النخلة جاء السرد شائقا متقن الحبكة بتصاعد حدثي ملفت عرض لثنائيات كان أروعها ثانية الواقع والقادم المأمول، والهزيمة والنصر المنشود
الأداء متقن وحوارية العنوان مع النص بديعة والغاية سامية والنفس الروائي المائز

دمت مبدعا

تحاياي

عذرا عن تأخّري في الدّ أيتها الشاعرة الرقيقة
كلماتك هنا أيضا خير هدية

مع مودّتي الموصولة


سعيد

ناديه محمد الجابي
10-02-2016, 09:44 PM
شدتني قصتك بحكيها الشائق وجعلتني أهيم معها من أول حرف
وحتى آخر حرف .. فكانت وجبة دسمة ورائعة بكل ما حملت من
عمق الفكرة وثراء اللغة وتماسك البناء والرمزية العالية الهادفة
أبدعت فتفردت بهذه الرائعة ـ ويبقى قلمي عاجزا عن التعبير عن
المتعة التي شعرت بها.
أ. سعيد .. كتبت فأبدعت فأمتعت
فمن كل قلبي أقول شكرا لك
ولك كل إحترامي وتقديري. :os:

سعيد محمد الجندوبي
10-02-2016, 09:48 PM
شدتني قصتك بحكيها الشائق وجعلتني أهيم معها من أول حرف
وحتى آخر حرف .. فكانت وجبة دسمة ورائعة بكل ما حملت من
عمق الفكرة وثراء اللغة وتماسك البناء والرمزية العالية الهادفة
أبدعت فتفردت بهذه الرائعة ـ ويبقى قلمي عاجزا عن التعبير عن
المتعة التي شعرت بها.
أ. سعيد .. كتبت فأبدعت فأمتعت
فمن كل قلبي أقول شكرا لك
ولك كل إحترامي وتقديري. :os:

أستاذة نادية
مرورك بين كلماتي شرف لي، وأعتزّ كلّ الاعتزاز بشهادتك
لك مني أجمل تحية وأخلصها
سعيد

ناديه محمد الجابي
14-12-2019, 08:18 PM
سهرتي كانت رائعة اليوم في قراءة هذه القصة البديعة
مرة أخرى والإستمتاع بها
فشكرا لك على قصة امتزج فيها الخيال بالواقع في نسج محكم وحبكة فنية
بمهارة وعمق ودقة في التصوير، وعمق في الحس ، وجمال الحرف
كل التقدير لحرفك ـ ودام يراعك.
:v1::nj::0014:

سعيد محمد الجندوبي
05-03-2020, 05:01 PM
سهرتي كانت رائعة اليوم في قراءة هذه القصة البديعة
مرة أخرى والإستمتاع بها
فشكرا لك على قصة امتزج فيها الخيال بالواقع في نسج محكم وحبكة فنية
بمهارة وعمق ودقة في التصوير، وعمق في الحس ، وجمال الحرف
كل التقدير لحرفك ـ ودام يراعك.
:v1::nj::0014:


العزيزة ناديه
أعتزّ كثيرا أن أثّثتي سهرتك بما خططت من كلمات تروي قصّتنا جميعا وكذلك أحلامنا
أشكرك من صميم القلب
سعيد