أحمد عيسى
02-03-2008, 09:57 PM
ألقـت نظرة أخيرة على منزلها ثم مضت ...
لحظات الوداع قصار ...
كانت تعلم هذا ...
لكن هل كانت تتصور يوماً أن تشيع منزلها الذي عاشت فيه بضعاً وعشرين عاماً بنظرة أخيرة وحيدة ثم تتركه للمجرمين كي يقتلعوه من جذوره ..
لقد حملت معها أساورها وحليها وما تبقى من نقود ..
والاهم من هذا كله دفاتر بالية تحكي عن الوطن المفقود والأمل الموعود ...
لكن حجارة المنزل لا يمكن حملها ..
ذكريات أياما قضتها وشهوراً عايشتها ، أشياء لا تُحمل ولا تُرى إنما تُحس
في هذا المنزل عاشت مع (أبو ياسر) قبل أسره
وأحبته
وأنجبت منه ياسر
وفي هذا المنزل تربى ياسر
وعاش طفولته البريئة
ربما ليست طفولة كاملة
ليست كباقي جيله في أي مكان
طفولة منقوصة بدون حرية أو سيادة أو رغد من العيش
طفولة تنغصها ذكريات الاحتلال ومرارة الهجرة وأحزان الماضي والمستقبل ..
لكنها كانت طفولة وحسب..
وفي هذا المنزل كبر ياسر
ومعه كبرت أحلامه
كان شاعراً يعشق القراءة ويدمن الكتابة
وفي هذا المنزل صار يحلم
سيكتب عن الحب
عن الجمال
عن فلسطين
عن القضية
سيكتب عن مشاعره وأحلامه وطموحاته
سيكتب أشياء وأشياء وأشياء
عن التاريخ سيكتب ولأجل فلسطين سينقش نفسه حروفاً وأشعاراً ..
لكن الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي السفن
لقد صودرت أحلامه ووأدت قبل أن تولد ..
ففي ليلة غاب عنها القمر ، جاء سارقو الأحلام ..
فاختطفوا والده ... وقتلوا أولاد عمه وعاثوا في البلد فسادا...
وانقلب السحر على الساحر
فلأول مرة في حياته رمى ياسر القلم ، وامسك بالبندقية
وقاتل وقتل حتى استشهد ...
اخذوا منها زوجها وقتلوا ولدها
وها هم يقتلعون المنزل ..
تمضي في طريقها والمنزل يصغر من ورائها والجرافة التي تقترب منه تكبر فلا ترى سواها ..
لكن لا
لم يبق لديها ما تخسره
تستدير نحو المنزل وتهرول
تجلس على عتبته تحتضن أحلامها ..
افعلوا ما شئتم ...
اقتلوني
ادفنوني تحت هذا المنزل
أخذتم كل ما تريدون
سرقتم كل شيء
لكن لن تجبروني على الرحيل ...
أنا باقية
أنا جزء من هذا المنزل
أنا الجدار الخامس من جدرانه التي نحتها الزمن
أنا جزء من تكوينه وهويته
أنا حجرة أخرى وبوابة لزمن آخر
أنا هي المنزل والتاريخ والهوية
أنا الذكريات
ومنزلي يستنجد بي كي لا يسقط
أنا باقية
فإن أردتم أن تهدموه
فاكسروني أولاً
إن استطعتم....
**************
لحظات الوداع قصار ...
كانت تعلم هذا ...
لكن هل كانت تتصور يوماً أن تشيع منزلها الذي عاشت فيه بضعاً وعشرين عاماً بنظرة أخيرة وحيدة ثم تتركه للمجرمين كي يقتلعوه من جذوره ..
لقد حملت معها أساورها وحليها وما تبقى من نقود ..
والاهم من هذا كله دفاتر بالية تحكي عن الوطن المفقود والأمل الموعود ...
لكن حجارة المنزل لا يمكن حملها ..
ذكريات أياما قضتها وشهوراً عايشتها ، أشياء لا تُحمل ولا تُرى إنما تُحس
في هذا المنزل عاشت مع (أبو ياسر) قبل أسره
وأحبته
وأنجبت منه ياسر
وفي هذا المنزل تربى ياسر
وعاش طفولته البريئة
ربما ليست طفولة كاملة
ليست كباقي جيله في أي مكان
طفولة منقوصة بدون حرية أو سيادة أو رغد من العيش
طفولة تنغصها ذكريات الاحتلال ومرارة الهجرة وأحزان الماضي والمستقبل ..
لكنها كانت طفولة وحسب..
وفي هذا المنزل كبر ياسر
ومعه كبرت أحلامه
كان شاعراً يعشق القراءة ويدمن الكتابة
وفي هذا المنزل صار يحلم
سيكتب عن الحب
عن الجمال
عن فلسطين
عن القضية
سيكتب عن مشاعره وأحلامه وطموحاته
سيكتب أشياء وأشياء وأشياء
عن التاريخ سيكتب ولأجل فلسطين سينقش نفسه حروفاً وأشعاراً ..
لكن الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي السفن
لقد صودرت أحلامه ووأدت قبل أن تولد ..
ففي ليلة غاب عنها القمر ، جاء سارقو الأحلام ..
فاختطفوا والده ... وقتلوا أولاد عمه وعاثوا في البلد فسادا...
وانقلب السحر على الساحر
فلأول مرة في حياته رمى ياسر القلم ، وامسك بالبندقية
وقاتل وقتل حتى استشهد ...
اخذوا منها زوجها وقتلوا ولدها
وها هم يقتلعون المنزل ..
تمضي في طريقها والمنزل يصغر من ورائها والجرافة التي تقترب منه تكبر فلا ترى سواها ..
لكن لا
لم يبق لديها ما تخسره
تستدير نحو المنزل وتهرول
تجلس على عتبته تحتضن أحلامها ..
افعلوا ما شئتم ...
اقتلوني
ادفنوني تحت هذا المنزل
أخذتم كل ما تريدون
سرقتم كل شيء
لكن لن تجبروني على الرحيل ...
أنا باقية
أنا جزء من هذا المنزل
أنا الجدار الخامس من جدرانه التي نحتها الزمن
أنا جزء من تكوينه وهويته
أنا حجرة أخرى وبوابة لزمن آخر
أنا هي المنزل والتاريخ والهوية
أنا الذكريات
ومنزلي يستنجد بي كي لا يسقط
أنا باقية
فإن أردتم أن تهدموه
فاكسروني أولاً
إن استطعتم....
**************