المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُظاهرة مِن أَجل غَزّة



أحمد فؤاد
11-03-2008, 08:15 AM
مُظاهرة مِن أَجل غَزّة


أسرع "هاني" الخُطا و هو يعبر الطريق المؤدي إلى ميدان وسط المدينة الشهير. و لم يلبث أن توقّف أمام بقالة صغيرة ليشتري مناديل ورقية . انتهز فرصة توقّفة ليلتقط بعض الأنفاس . أخرج من جيبه هاتفه النقّال و نظر إلي شاشته التي تؤكّد أنه لم يتلق أي اتصال أو رسالة نصّية ؛ فهدّأ ذلك من توتّره بعض الشئ ، قبل أن يعاود السير مرة أخرى خشية التأخر على موعده معهم. كان الازدحام المُتزايد طَردياً كلّما أقترب من الميدان يعيق سرعة تقدّمه ، مما زاد من توتّره . بدأ في الهرولة إلا أن ذلك لم يزيده إلا تخبّطاً في المارة و كثيراً من عبارات الاعتذار.


أخيراً وصل إلى نهاية الشارع ، ليكون الميدان على مرمى البصر ، إلا أنه وجد حشداً هائلاً من الناس يملأ الميدان عن آخره. إنها مُظاهرة ضخمة ، لا يحتاج الأمر إلى تفكير لمعرفة ذلك ، فمِئات اللافتات المحمولة و المُعلّقة كانت تفصح عن ذلك ، ناهيك عن الصوت الجهوري الذي كان يصُمّ الآذان. لوهلة تَوقّف و هو ينظر إلى اللافتات " أغيثوا غزّة " ، " لعنة الله على اليهود " ، " أين الدور العربي ؟ " ، " من ينقذ الأطفال في غزّة ؟ " ، " تبرّعوا بكل ما لديكم من أجل أخوانكم " ، " حسبنا الله و نِعم الوكيل " ، " غزّة حُرّة رغم الحِصار " ، " غزّة لن تموت " ، " لن نترك غزّة في الظلام " . مشاعر عديدة تأجّجت داخله ، زاد من تأججها الهتافات التي ترج الميدان " بالروح و الدم نفديكِ يا فلسطين " ، " يا فلسطيني يا فلسطيني .. دمك دمي و دينك ديني " ، " يا فسطين يا فلسطين .. نحن معك ليوم الدين " ، " قابلوا بوش بالأحضان .. و تركوا أولادنا في الأكفان " ، " غزّة يا أبيّة .. لن نبيع القضية ". تمكّن الغضب منه فأطلق بعض السباب على الكيان الصهيوني ، شَرع في ترديد الهتافات مع الحشد ، قبل أن يشعر بهزّات منتظمة في جيبه ، فأخرج هاتفه النقّال ليرى اسم المُتّصل ، فعاوده التوتّر مرة أخرى ، و رفض قبول المكالمة لإستحالة الرد في تلك الضوضاء . لم يكن هناك بداً من أن يخترق الحشد لمُقابلة زملائه على الجهة الأخرى من الميدان ، بعد أن أغلقت قوات الشرطة المداخل و المخارج الأخرى للميدان.


اخترقت حوارات كثيرة أذنه أثناء رحلة عبوره هذا الحشد

- " أين الحُكّام العرب ؟ هل سيتركونهم يموتون ؟ "
- " أفتحوا باب الجهاد و أفتحوا الحدود "
- " إلى متى سنظل نشعر بالمهانة ؟"
- " الأمل في الجيل الجديد "
- " هل سيتركون لهم الفرصة؟"
- " نسمع نفس الكلام منذ سنوات"
- " الكيان الصهيوني يُغيّب الشباب"
- " لن نسمح لهم تلك المرة "


شارفت رحلة عبوره الحشد على الإنتهاء . حبّات العرق تُلهب عيناه. شعر بهزّات هاتفه النقّال مرة أخرى في جيبه ، فزاد ذلك من عصبيّته. أنفاسه المُختنقة جعلته يبعد الواقفين بخشونة. رأى من بعيد فُرجه تسمح له برؤية الطريق مرة أخرى ، فأسرع من خطواته . الهاتف لم يكف عن إصدار الهزّات.

أخيراً خرج من هذا الحشد الكبير.توقّف لبضع ثوان ، أخذ شهيقاً طويلاً من الهواء النقي ، قبل أن يلتقط هاتفه النقّال من جيبه ، و ضغط على زر استلام المكالة ، ليأتيه صوتاً عصبيّاً قائلاً:

-" أين أنت يا هاني .. لقد تأخرنا ، و كُلّنا ننتظرك جميعاً ؟ "
-" أنا هُنا في الميدان ، الطريق كان مُزدحماً جداً "
-" حسناً حسناً .... أسرع فتذاكر السينما معك".!!!



تـَـمـَّـت
أحمد فؤاد
03/03/2008

وفاء شوكت خضر
11-03-2008, 09:02 PM
الأخ الفاضل أحمد فؤاد ..

بحق سرت القشعريرة في جسدي وأنا أتابع السرد المشحون بأصوات الغضب ، حتى أنني أحسست أني بين تلك الحشود الغضبة أحس بالغصة والألم ..
كانت النهاية مفاجئة بحق ، لم أتوقع أن تكون بهذا الشكل لكن هي موفقة حيث عبرت عن تناقض ردود الفعل في مثل هذه المواقف ..

تقبل مروري أيها الكريم ..
تحيتي ..

جوتيار تمر
12-03-2008, 01:42 PM
المبدع احمد...

العنوان اختزل المعنى باكمله ، بل جعل النص رهينه ، فمع ان السرد سار جيدا ، وباحكام ، الا ان التناص من الداخل والخارج في الشخصية الاساس لم يظهر بذلك المستوى الذي يظهر مثل هذه الحالات ، ومع ذلك فالنص في مجمله يعبر عن ومضة ووقفة ذات رؤية عميقة ،تجعل المتلقي يقف على تباين ردود الفعل ووجهات النظر حول قضية هي في بعدها الانساني تمثل قضية عاليمة .

دم بخير
محبتي
جوتيار

أحمد فؤاد
18-03-2008, 10:44 AM
الأخ الفاضل أحمد فؤاد ..
بحق سرت القشعريرة في جسدي وأنا أتابع السرد المشحون بأصوات الغضب ، حتى أنني أحسست أني بين تلك الحشود الغضبة أحس بالغصة والألم ..
كانت النهاية مفاجئة بحق ، لم أتوقع أن تكون بهذا الشكل لكن هي موفقة حيث عبرت عن تناقض ردود الفعل في مثل هذه المواقف ..
تقبل مروري أيها الكريم ..
تحيتي ..

الأديبة الفاضلة / وفاء شوكت خضر
سعدت بمروركِ الجميل ، و سعدت أكثر بتفاعلكِ مع القصة .
أشكركِ مرة أخرى ...
لكِ مني كل ود
أحمد فؤاد

ربيحة الرفاعي
04-08-2014, 02:38 AM
أي تفريغ هذا للمظاهرات وحشودها من الاهتمام والجديّة
سؤال تلقائي يراود من يقرأها .. كم من المحتشدين يشبهه في عفوية وجوده وكم منهم يصيح انفعالا وليس همه غير الانتهاء من ذلك الحشد

وتبقى قصة واقعية وإن كرهنا الواقع

دمت بخير
ودامت غزّة أبية قويّة على العادي والغادر والمخذل عصيّة

تحاياي

ناديه محمد الجابي
04-08-2014, 05:15 PM
أضحك الله سنك ـ أضحكتني وشر البلية ما يضحك
مظاهرة ولافتات تحمل عبارات تثير الحمية وهتافات رنانة
ونهاية توضح الموقف الحقيقي .. فالقول سهل أما الفعل فشيء آخر .
جذبني أسلوبك الشيق للمتابعة بحماس ـ لغة رائعة وحبكة متينة وخاتمة ساخرة
تحية لوعيك وعنفوان قلمك.