تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سعيد وسلمى والصغير...



أحمد عيسى
12-03-2008, 09:53 PM
سعيد وسلمي والصغير
(1) سعيد
السواد يزحف على كل شيء…
يزحف يقتحم أثاث المنزل
ويداهم جدران البيت البيضاء
عروقه تنبض في عنف…
يداه ترتجفان وهو يسند بهما رأسه ، يهتز الرأس مع اهتزاز يديه وتهتز الدنيا معهما
اليوم زفافها …
اليوم نهاية العالم عند سعيد
اليوم تنتهي رحلة العذاب اللذيذ ويبدأ الجزء القاتل
كانت لا تحس به
لا تدرك النيران التي تحترق في فؤاده شوقاً إليها
يفقد شجاعته عندها تماماً
لا يستطيع الكلام …
يشل لسانه ويكتفي بمراقبتها من شباك غرفته
وهي تدخل باب العمارة بخطواتها الرشيقة
آهٍ يا سلمى
آه لو تدركين ماذا يعتمل بقلب مسكين
لو أعلم فقط أنها تحبني … لأقتحم العرس وأخطفها رغم العالم كله …
ولكنه أرسل لها رسالتين مع أخيه الصغير
لماذا لم ترد ؟
لماذا لم تجبه ولو بكلمة لا ؟… لا أريدك
ودخل أخوه الصغير يرمقه باستغراب وقال:
- سلمي تبلغك تحياتها وتقول لك:
"هل بلغتك الرسالة" ؟
بلغتني الرسالة يا سلمى …
بلغني أنك لم تحبيني يوماً …
وصلت رسالتك الشفوية من دون كلام …
- اغرب عن وجهي … اتركني …
وابتعد الصغير خائفاً من ثورة سعيد
وسعيد يتهاوى على أقرب مقعد …
والدنيا تبدو ضخمة من خلف غشاء الدمع المتهاوي خلسة …
أعضاؤه تتضاءل تتضاءل …
تتلاشى …
لم يبقَ إلا قلب ينبض في قوة ينتظر ساعة صفر كي ينفجر …

(2) سلمى
تذرع الغرفة جيئة وذهاباً
تنتظر أن يأتي في آخر لحظة كي ينقذها من موتٍ قادم …
الدموع تتساقط في صمت …
والقلب يقول :
أين أنت يا من سكنتني وخيّمت فيَّ … أين أنت مما يحدث لي الآن …
إنها تحبه …
تحبه بكل سكناتها وهمساتها …
تحبه لأخلاقه …
لطيبة قلبه … لحيائه الشديد … لرجولته
تحبه لأنه هو …
ولكن كيف يفهم … كيف …
لقد شكت للحظة أنه يحبها من تحديقه بها كلما رآها
نظرة خاوية قد لا تحمل شيئاً وقد تحمل كل شيء …
وقد تعني أنه لا يزال يتمسك بوعده الذي قطعه منذ كان بعد طفلاً يلعب معها دون قيود ودون حواجز … ويصرخ دائماً … أنت لي … وسأطلبك من والدك …
وفي خطوة جريئة أرسلت له رسالة تلمح له فيها أنها لا زالت على عهدها …
ولا رد إلى الآن
أين أنت أيها الصغير لتبلغني الرد …؟
- سلمى … أهل العريس بدءوا يتوافدون …
البسي ملابسك واخرجي لاستقبالهم …
- سأخرج يا أماه
سأخرج وليفهم أو لا يفهم … لقد انتهت حياتي يوم زفافي هذا … وليحدث ما يحدث
فلن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها …
قالتها
وانهمرت دموعها مدراراً
وفستان الزفاف الأبيض يلتمع من خلف باب الدولاب المفتوح …
الفستان يزداد سواداً …
أكثر فأكثر
اسود الفستان …
وانهارت لغة العيش والسعادة في المكان

(3) الصغير
على سطح العمارة يقف
بملامحه الطفولية وبراءته الفطرية
يرمق طيارته الورقية بإعجاب لا متناهي
ما أجملها زاهية الألوان
ترتفع الطيارة في البحر الأزرق الهائل الذي يتناثر في الأعلى
والرياح تداعبها في رقة
ثم تتجهم ملامحه في سرعة وتقلب مضحك
- هذه آخر ورقة جميلة تعطيني إياها (سلمي)
لا أعرف لماذا توقف أخي عن إعطائي هذه الأوراق الملونة …
الذعر يبدو على ملامحه وطيارته تنقلب بغتة
تعود الطيارة لوضعها الطبيعي
فتعود الابتسامة إلى شفتيه الصغيرتين
والورد يتألق على طيارة الصغير
واسم سلمى يلتمع بذيل الصفحة
كلمات العشق الطائرة تغني أبشع ألحان
طيري يا طيارة طيري …
واسرقي عذرية المكان …
********************************
أبوفارس
قصتي الاولى التي تنشر في جريدة محلية ووضعتها هنا كما هي
مارس 2000

جوتيار تمر
12-03-2008, 10:06 PM
العزيز احمد...
اعجبني في النص سرديته المترابطة القويمة ، والتي رغم انفاصلها زمكانيا من حيث المفهوم العمري ، نجدك قمت بتوظيفه دراميا على اسس ذات ابعاد دلالية تؤثث للنسيج النفسي المتداخل بين الشخوص الثلاثة ، وبين المحيط ،وهذا ما يجعل النص ذاا مغزى دلالي فياض ومستمر.

دم بخير
محبتي
جوتيار

هشام عزاس
13-03-2008, 11:33 AM
الجميل / أحمد

قصة جميلة حملت مداليل كثيرة لعل أهمها الخوف و التردد في إعلان المشاعر و تطويقها وفق منظور الذات ... عدم البوح و الخوف الشديد ربما أن نفقد بمصارحتنا حبيبا يجعلنا نفقده ..
التريث و التأني صفتان حميدتان و لكن إذا كان في غير موضعهما يصير العكس .
الطفل ... له مدلول البراءة و قد لمست علاقة وطيدة بينه و بين الحدث و طائرته الورقية و مخافة ضياعها يعكسان نفس الحدث بصورة أو بأخرى ...
جميل جدا ما قرأته لك و اعذرني فالرد أتى على عجالة من أمري فلم أتناول كل شيء
دمت رائعا ...

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــــام

د. مصطفى عراقي
13-03-2008, 09:17 PM
سعيد وسلمي والصغير
(1) سعيد
السواد يزحف على كل شيء…
يزحف يقتحم أثاث المنزل
ويداهم جدران البيت البيضاء
عروقه تنبض في عنف…
يداه ترتجفان وهو يسند بهما رأسه ، يهتز الرأس مع اهتزاز يديه وتهتز الدنيا معهما
اليوم زفافها …
اليوم نهاية العالم عند سعيد
اليوم تنتهي رحلة العذاب اللذيذ ويبدأ الجزء القاتل
كانت لا تحس به
لا تدرك النيران التي تحترق في فؤاده شوقاً إليها
يفقد شجاعته عندها تماماً
لا يستطيع الكلام …
يشل لسانه ويكتفي بمراقبتها من شباك غرفته
وهي تدخل باب العمارة بخطواتها الرشيقة
آهٍ يا سلمى
آه لو تدركين ماذا يعتمل بقلب مسكين
لو أعلم فقط أنها تحبني … لأقتحم العرس وأخطفها رغم العالم كله …
ولكنه أرسل لها رسالتين مع أخيه الصغير
لماذا لم ترد ؟
لماذا لم تجبه ولو بكلمة لا ؟… لا أريدك
ودخل أخوه الصغير يرمقه باستغراب وقال:
- سلمي تبلغك تحياتها وتقول لك:
"هل بلغتك الرسالة" ؟
بلغتني الرسالة يا سلمى …
بلغني أنك لم تحبيني يوماً …
وصلت رسالتك الشفوية من دون كلام …
- اغرب عن وجهي … اتركني …
وابتعد الصغير خائفاً من ثورة سعيد
وسعيد يتهاوى على أقرب مقعد …
والدنيا تبدو ضخمة من خلف غشاء الدمع المتهاوي خلسة …
أعضاؤه تتضاءل تتضاءل …
تتلاشى …
لم يبقَ إلا قلب ينبض في قوة ينتظر ساعة صفر كي ينفجر …

(2) سلمى
تذرع الغرفة جيئة وذهاباً
تنتظر أن يأتي في آخر لحظة كي ينقذها من موتٍ قادم …
الدموع تتساقط في صمت …
والقلب يقول :
أين أنت يا من سكنتني وخيّمت فيَّ … أين أنت مما يحدث لي الآن …
إنها تحبه …
تحبه بكل سكناتها وهمساتها …
تحبه لأخلاقه …
لطيبة قلبه … لحيائه الشديد … لرجولته
تحبه لأنه هو …
ولكن كيف يفهم … كيف …
لقد شكت للحظة أنه يحبها من تحديقه بها كلما رآها
نظرة خاوية قد لا تحمل شيئاً وقد تحمل كل شيء …
وقد تعني أنه لا يزال يتمسك بوعده الذي قطعه منذ كان بعد طفلاً يلعب معها دون قيود ودون حواجز … ويصرخ دائماً … أنت لي … وسأطلبك من والدك …
وفي خطوة جريئة أرسلت له رسالة تلمح له فيها أنها لا زالت على عهدها …
ولا رد إلى الآن
أين أنت أيها الصغير لتبلغني الرد …؟
- سلمى … أهل العريس بدءوا يتوافدون …
البسي ملابسك واخرجي لاستقبالهم …
- سأخرج يا أماه
سأخرج وليفهم أو لا يفهم … لقد انتهت حياتي يوم زفافي هذا … وليحدث ما يحدث
فلن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها …
قالتها
وانهمرت دموعها مدراراً
وفستان الزفاف الأبيض يلتمع من خلف باب الدولاب المفتوح …
الفستان يزداد سواداً …
أكثر فأكثر
اسود الفستان …
وانهارت لغة العيش والسعادة في المكان

(3) الصغير
على سطح العمارة يقف
بملامحه الطفولية وبراءته الفطرية
يرمق طيارته الورقية بإعجاب لا متناهي
ما أجملها زاهية الألوان
ترتفع الطيارة في البحر الأزرق الهائل الذي يتناثر في الأعلى
والرياح تداعبها في رقة
ثم تتجهم ملامحه في سرعة وتقلب مضحك
- هذه آخر ورقة جميلة تعطيني إياها (سلمي)
لا أعرف لماذا توقف أخي عن إعطائي هذه الأوراق الملونة …
الذعر يبدو على ملامحه وطيارته تنقلب بغتة
تعود الطيارة لوضعها الطبيعي
فتعود الابتسامة إلى شفتيه الصغيرتين
والورد يتألق على طيارة الصغير
واسم سلمى يلتمع بذيل الصفحة
كلمات العشق الطائرة تغني أبشع ألحان
طيري يا طيارة طيري …
واسرقي عذرية المكان …
********************************
أبوفارس
قصتي الاولى التي تنشر في جريدة محلية ووضعتها هنا كما هي
مارس 2000


أديبنا القدير الأستاذ أحمد عيسى

تحية زاهرة لهذه المقدرة الفائقة على السرد القصصي الشاعري الممتزج بالتصوير الدرامي المشهدي ، والإيحاء الشعوري الغنائي ، عبر زوايا متعددة تلقي كل زاوية الضوء على جانب من جوانب التجربة القصصية الثرية الشجية


فلك جزيل الشكر
ودمت بكل الخير والسعادة والألق



مصطفى

أحمد عيسى
15-03-2008, 01:46 PM
العزيز احمد...
اعجبني في النص سرديته المترابطة القويمة ، والتي رغم انفاصلها زمكانيا من حيث المفهوم العمري ، نجدك قمت بتوظيفه دراميا على اسس ذات ابعاد دلالية تؤثث للنسيج النفسي المتداخل بين الشخوص الثلاثة ، وبين المحيط ،وهذا ما يجعل النص ذاا مغزى دلالي فياض ومستمر.
دم بخير
محبتي
جوتيار
كعادتك دائماً استاذنا جو
مرورك معبق برائحة المسك والياسمين
أشكر لك لطيف مرورك

أحمد عيسى
21-03-2008, 06:42 PM
الجميل / أحمد
قصة جميلة حملت مداليل كثيرة لعل أهمها الخوف و التردد في إعلان المشاعر و تطويقها وفق منظور الذات ... عدم البوح و الخوف الشديد ربما أن نفقد بمصارحتنا حبيبا يجعلنا نفقده ..
التريث و التأني صفتان حميدتان و لكن إذا كان في غير موضعهما يصير العكس .
الطفل ... له مدلول البراءة و قد لمست علاقة وطيدة بينه و بين الحدث و طائرته الورقية و مخافة ضياعها يعكسان نفس الحدث بصورة أو بأخرى ...
جميل جدا ما قرأته لك و اعذرني فالرد أتى على عجالة من أمري فلم أتناول كل شيء
دمت رائعا ...
اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــــام
الفاضل هشام

احلى باقات الورد اهديها لك
وأشكر لك مرورك دائماً

دمت بألق

أحمد عيسى
12-01-2010, 10:32 PM
أديبنا القدير الأستاذ أحمد عيسى

تحية زاهرة لهذه المقدرة الفائقة على السرد القصصي الشاعري الممتزج بالتصوير الدرامي المشهدي ، والإيحاء الشعوري الغنائي ، عبر زوايا متعددة تلقي كل زاوية الضوء على جانب من جوانب التجربة القصصية الثرية الشجية


فلك جزيل الشكر
ودمت بكل الخير والسعادة والألق



مصطفى

الأستاذ الفاضل : د. مصطفى عراقي

أشكرك أيها الرائع على ردك الذي غاب عني ، ولتعلم أننا قد اشتقنا لردودك وتواجدك بيننا ..

كل الود والحب أيها الأخ الكريم ..

ربيحة الرفاعي
05-02-2014, 11:42 PM
ثلاث نقلات مشهديّة محمولها الشعوري أعمق من إشاراتها الحدثيّة الموجزة، وتصويرها الدرامي مؤثر ، في سرد شائق وحبكة طيبة

للرفع

دمت بخير أيها الرائع

تحاياي

آمال المصري
08-02-2014, 07:50 AM
ثلاثة مشاهد منفصلة تربطهما تك الوريقات التي ذهب معها الحب أدراج الرياح ببراءة ولغة متقنة وسرد ماتع بلغة شاعرية بديعة
وخاتمة ذات دلالات تجعل المتلقي يبحر فيما وراءها
بوركت واليراع أديبنا القدير
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أحمد عيسى
08-02-2014, 09:34 PM
ثلاث نقلات مشهديّة محمولها الشعوري أعمق من إشاراتها الحدثيّة الموجزة، وتصويرها الدرامي مؤثر ، في سرد شائق وحبكة طيبة

للرفع

دمت بخير أيها الرائع

تحاياي

\أستاذتي القديرة / الأديبة ربيحة الرفاعي

لعل هذه القصة من أحب القصص الى قلبي ، كونها حملت مخزونا كبيرا من عواطفي كشاب صغير ، بدأ يكتب عن الهجر قبل أن يكتب عن الحب
ولعل في فعل الصغير دلالة ما ، أن في أحزاننا سعادة ربما لآخرين ، وكل شيء بمقدار
أحييك ، وأشكرك على رفع هذا العمل ـ أسعدتني بسعة صدرك وسماحة خلقك وكرمك البالغ

كوني بخير باذنه تعالى

ناديه محمد الجابي
09-02-2014, 04:27 PM
نص قصصي راق في مجمله ـ أسلوب ممتع وسرد موفق مع تشويق
وشاعرية في التعبير وبهاء في رسم المشهد بالتصوير.
سرقت منا الفكر والإحساس بأسلوبك السلس وشلال مشاعر انساب في النفس
أسجل إعجابي العميق بقلمك.

خلود محمد جمعة
11-02-2014, 10:51 PM
طارت الحروف في السماء يمسكها خيط رفيع
قصة مائزة و جميلة لكنها غير مقنعة
لقصصك تنوع وحرف مختلف
دمت رائعاً
مودتي وتقديري

نداء غريب صبري
22-02-2014, 02:31 PM
قصة فيها ما يحزن ويضحك في الوقت نفسه
ماذا سيفعلان بالصغير إذا عرفا بالأمر؟

أسلوبك جميل ومشوق أخي

شكرا لك

بوركت