عبدالصمد حسن زيبار
22-03-2008, 10:30 PM
مجزرة العقل العراقي/ علاءاللامي
مرعبة هي الأرقام والمعطيات الجنائية التي كشفت عنها وزارة الداخلية العراقية، مطلع الشهر الجاري، بخصوص ظاهرة اغتيال وخطف العلماء وذوي الكفاءات العراقيين. بل هي خرافية إن شئنا الدقة! برزت هذه الظاهرة منذ اليوم الأول للاحتلال، ثم اتسعت بشكل مذهل مخلّفة آلاف القتلي والفارين، لدرجة أضحي معها من النادر العثور علي أستاذ جامعي أو طبيب متخصص أو باحث في أغلب المحافظات العراقية، بل في العاصمة بغداد.
تزعم وزارة الداخلية أن عدد المعتقلين المتّهمين بالتورّط في قتل وخطف ذوي الكفاءات والعلماء بلغ ثمانية آلاف متهم، بعضهم منتظم في جماعات قتل متخصصة، وأن عدد الأحكام بالإعدام الصادرة بحق أعداد منهم بلغ 600 حكم، فيما أطلق سراح عدد مماثل ممن لم تثبت عليهم التهم، وحكم بالسجن المؤبد علي ألفي متهم. وضمن نهجها البوليسي السطحي، الهادف لتمييع وتشويه حقيقة ما يحدث، وللتغطية علي الأسباب الحقيقية والقتلة الحقيقيين، قدمت الوزارة أحد الأمثلة علي أولئك المجرمين، وهو شخص يدعي محمد عادل علوان حسين القيسي من سكان منطقة الأعظمية إلي الجمهور زاعمة انه قتل وحده ما لا يقل عن 60 شخصية علمية وفكرية وإنسانية، بينهم الدكتور جاسم محمد الذهب عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد وابنه محمد وزوجته مني فاضل إبراهيم، فضلاً عن اعترافه خلال جلسات التحقيق معه بقتل الدكتور صباح خلف صخيل معاون عميد كلية التربية الأساسية في جامعة المستنصرية مع سائقه فارس غيدان حسين .
تثير هذه الأرقام الحكومية، التي وصفناها بالخرافية، العديد من الأسئلة التي لن يجرؤ وزير الداخلية علي الإجابة عنها، ومنها:
ـ إذا كان عدد المدانين والمحكومين بالإعدام والمؤبد 2600 مدان، وإذا كان مجرم واحد من هؤلاء قتل ستين عالماً وأستاذاً، فكم هو العدد الحقيقي أو التقريبي للعلماء وذوي الكفاءات القتلي والجرحي والمختطفين؟
ـ وهل يعقل أن تتمكن هذه الظاهرة الدموية من المجتمع العراقي إلي هذا الحد في صمت وسرية وعدم اكتراث، أم أن هذا المجتمع، الذي تعيش وتنشط فيه وزارة السيد البولاني، هو مجتمع مريض مؤلف في جملته من مجرمين وقتلة محترفين، علي شاكلة المجتمع الامريكي الذي أسسه المهاجرون الأوروبيون البيض حين كان ثمن الإنسان أرخص من رصاصة تطلق من مسدس رجل الكاوبوي؟
ـ لماذا يجري إهمال الأدلة والمعلومات الكثيرة التي قدمها ذوو الضحايا والجهات المدنية المستقلة، ولماذا تهمّش وتُقصي الآراء ووجهات النظر والاتهامات الموثّقة التي قدمها علماء وأساتذة نجوا من الموت، والتي تتهم أطرافاً لم تأتِ الداخلية العراقية علي ذكرها، كالموساد الإسرائيلي، ومخابرات دولة الاحتلال، والميليشيات المحلية الطائفية المرتبطة بمخابرات دول إقليمية مجاورة للعراق، فيما يجري التركيز دائماً علي تورط تنظيم القاعدة التكفيري في هذه المقتلة الفظيعة كطرف رئيسي (وهو لا يمكن تبرئته تماماً بحجة أنه دخل في مرحلة الكسوف الحركي والنبذ الاجتماعي حالياً)، إضافة إلي أعداد كبيرة من مجرمين جنائيين عاديين نبتوا كالفطر؟
ـ لماذا تستمر هذه الظاهرة بالانتشار، رغم الفتوحات الأمنية والقضائية البطولية التي تزعم الحكومة القيام بها، تستمر حاصدة المزيد من الضحايا ومهددة مستقبل العراق العلمي والحضاري؟
لقد أشارت جهات اعتبارية، وأقلام مستقلة عديدة، صراحة أو ضمناً، إلي تورط إسرائيل، وأيضاً إيران في هذه المذبحة التي تستهدف العقل العراقي، فيما تحدثت أطراف أخري بلغة مواربة يحتمها واقع الحال المأساوي. فقد قالت أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد سناء الداغستاني إن هناك جماعات تعمل بأجندات قد تكون مدعومة من جهات دولية لا تريد للعراق أن يستقر ويواصل مسيرته في العلم والبناء ، مشيرةً إلي أنها تقف وراء حوادث استهداف الأساتذة والأكاديميين علي اختلاف تخصصاتهم العلمية والفنية . كما وجهت أطراف أخري الاتهام إلي جهات معارضة للحكم القائم حالياً، وتحمل السلاح ضده كحزب البعث، بالتورط في اغتيال عدد من العلماء والأساتذة الذين شاركوا في الانتخابات المهنية والنقابية خلال عهد الاحتلال بوصفهم خونة أو مرتدّين، وخصوصاً من متخرّجي الجامعات البريطانية والأمريكية، كما يقول أستاذ جامعي من المؤيدين للحكم القائم حالياً. وللإنصاف، يمكن اعتبار الاتهام الأخير ـ حتي في حال صدقيته ـ اتهاماً جزئياً وقد يكون كيدياً ولا يفسر الظاهرة بكاملها، لأنه لا يخلو من البواعث الحزبية والذاتية لمن أطلقه. كما تحدثت منظمات غير حكومية منها مثلاً منظمة عراقيون في تقريرها السنوي عن تصفية أكثر من 3200 عالم عراقي في مجالات واختصاصات مختلفة علي يد جماعات تستغل تردي الوضع الأمني في البلاد لتنفيذ مخططاتها ، ويمكن اعتبار هذا الرقم للضحايا متواضعاً جداً، إذا ما أخذنا بالحسبان الأرقام الألفية السابقة الذكر لوزارة الداخلية.
هذه المعطيات والأسئلة والحيثيات، لا وجود لها في ذهن الناطقين الإعلاميين بلسان الداخلية العراقية التي تريد تبليع الجمهور قصصاً غرائبية من طراز ألف ليلة وليلة عن مجرم هاجم جزيرة الواق واق وقتل ستين عالماً بمفرده (ودون مساعدة من الجنيّ الراقد في مصباح علاء الدين!) وعن مئات الأحكام بالإعدام وآلاف الأحكام بالسجن المؤبد أصدرها مولاهم السلطان فيما البلد يتصحر ويفقد علماءه كل أسبوع وكل يوم بل وكل ساعة. وأخيراً، فإذا كان صحيحاً ومثيراً للأسي القول إنه ليس بالوسع القيام بالكثير الحاسم لخرق سقف الزيف والتزييف وتدليس الأدلة وحجب الحقائق، في بلد محتل من قبل أعتي قوة عسكرية شهدها تاريخ البشرية، ويدار بواسطة شركة محلية حكومة قائمة علي أقذر أنواع المحاصصة الرجعية المنافية للتاريخ، فإن من العدل تماماً أن نكرر مع صحافي عراقي كتب قائلاً إن أقل ما نقدمه إلي الرجال والنساء الذين حرموا حياتهم بسبب نهضتهم بالتقدم العلمي والتقني للوطن هو أن نلاحق قتلتهم إلي آخر زاوية من زوايا الأرض، وأن نلح علي المطالبة بحقنا في متابعة أصغر تفاصيل الأمر .
المصدر: القدس العربي
مرعبة هي الأرقام والمعطيات الجنائية التي كشفت عنها وزارة الداخلية العراقية، مطلع الشهر الجاري، بخصوص ظاهرة اغتيال وخطف العلماء وذوي الكفاءات العراقيين. بل هي خرافية إن شئنا الدقة! برزت هذه الظاهرة منذ اليوم الأول للاحتلال، ثم اتسعت بشكل مذهل مخلّفة آلاف القتلي والفارين، لدرجة أضحي معها من النادر العثور علي أستاذ جامعي أو طبيب متخصص أو باحث في أغلب المحافظات العراقية، بل في العاصمة بغداد.
تزعم وزارة الداخلية أن عدد المعتقلين المتّهمين بالتورّط في قتل وخطف ذوي الكفاءات والعلماء بلغ ثمانية آلاف متهم، بعضهم منتظم في جماعات قتل متخصصة، وأن عدد الأحكام بالإعدام الصادرة بحق أعداد منهم بلغ 600 حكم، فيما أطلق سراح عدد مماثل ممن لم تثبت عليهم التهم، وحكم بالسجن المؤبد علي ألفي متهم. وضمن نهجها البوليسي السطحي، الهادف لتمييع وتشويه حقيقة ما يحدث، وللتغطية علي الأسباب الحقيقية والقتلة الحقيقيين، قدمت الوزارة أحد الأمثلة علي أولئك المجرمين، وهو شخص يدعي محمد عادل علوان حسين القيسي من سكان منطقة الأعظمية إلي الجمهور زاعمة انه قتل وحده ما لا يقل عن 60 شخصية علمية وفكرية وإنسانية، بينهم الدكتور جاسم محمد الذهب عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد وابنه محمد وزوجته مني فاضل إبراهيم، فضلاً عن اعترافه خلال جلسات التحقيق معه بقتل الدكتور صباح خلف صخيل معاون عميد كلية التربية الأساسية في جامعة المستنصرية مع سائقه فارس غيدان حسين .
تثير هذه الأرقام الحكومية، التي وصفناها بالخرافية، العديد من الأسئلة التي لن يجرؤ وزير الداخلية علي الإجابة عنها، ومنها:
ـ إذا كان عدد المدانين والمحكومين بالإعدام والمؤبد 2600 مدان، وإذا كان مجرم واحد من هؤلاء قتل ستين عالماً وأستاذاً، فكم هو العدد الحقيقي أو التقريبي للعلماء وذوي الكفاءات القتلي والجرحي والمختطفين؟
ـ وهل يعقل أن تتمكن هذه الظاهرة الدموية من المجتمع العراقي إلي هذا الحد في صمت وسرية وعدم اكتراث، أم أن هذا المجتمع، الذي تعيش وتنشط فيه وزارة السيد البولاني، هو مجتمع مريض مؤلف في جملته من مجرمين وقتلة محترفين، علي شاكلة المجتمع الامريكي الذي أسسه المهاجرون الأوروبيون البيض حين كان ثمن الإنسان أرخص من رصاصة تطلق من مسدس رجل الكاوبوي؟
ـ لماذا يجري إهمال الأدلة والمعلومات الكثيرة التي قدمها ذوو الضحايا والجهات المدنية المستقلة، ولماذا تهمّش وتُقصي الآراء ووجهات النظر والاتهامات الموثّقة التي قدمها علماء وأساتذة نجوا من الموت، والتي تتهم أطرافاً لم تأتِ الداخلية العراقية علي ذكرها، كالموساد الإسرائيلي، ومخابرات دولة الاحتلال، والميليشيات المحلية الطائفية المرتبطة بمخابرات دول إقليمية مجاورة للعراق، فيما يجري التركيز دائماً علي تورط تنظيم القاعدة التكفيري في هذه المقتلة الفظيعة كطرف رئيسي (وهو لا يمكن تبرئته تماماً بحجة أنه دخل في مرحلة الكسوف الحركي والنبذ الاجتماعي حالياً)، إضافة إلي أعداد كبيرة من مجرمين جنائيين عاديين نبتوا كالفطر؟
ـ لماذا تستمر هذه الظاهرة بالانتشار، رغم الفتوحات الأمنية والقضائية البطولية التي تزعم الحكومة القيام بها، تستمر حاصدة المزيد من الضحايا ومهددة مستقبل العراق العلمي والحضاري؟
لقد أشارت جهات اعتبارية، وأقلام مستقلة عديدة، صراحة أو ضمناً، إلي تورط إسرائيل، وأيضاً إيران في هذه المذبحة التي تستهدف العقل العراقي، فيما تحدثت أطراف أخري بلغة مواربة يحتمها واقع الحال المأساوي. فقد قالت أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد سناء الداغستاني إن هناك جماعات تعمل بأجندات قد تكون مدعومة من جهات دولية لا تريد للعراق أن يستقر ويواصل مسيرته في العلم والبناء ، مشيرةً إلي أنها تقف وراء حوادث استهداف الأساتذة والأكاديميين علي اختلاف تخصصاتهم العلمية والفنية . كما وجهت أطراف أخري الاتهام إلي جهات معارضة للحكم القائم حالياً، وتحمل السلاح ضده كحزب البعث، بالتورط في اغتيال عدد من العلماء والأساتذة الذين شاركوا في الانتخابات المهنية والنقابية خلال عهد الاحتلال بوصفهم خونة أو مرتدّين، وخصوصاً من متخرّجي الجامعات البريطانية والأمريكية، كما يقول أستاذ جامعي من المؤيدين للحكم القائم حالياً. وللإنصاف، يمكن اعتبار الاتهام الأخير ـ حتي في حال صدقيته ـ اتهاماً جزئياً وقد يكون كيدياً ولا يفسر الظاهرة بكاملها، لأنه لا يخلو من البواعث الحزبية والذاتية لمن أطلقه. كما تحدثت منظمات غير حكومية منها مثلاً منظمة عراقيون في تقريرها السنوي عن تصفية أكثر من 3200 عالم عراقي في مجالات واختصاصات مختلفة علي يد جماعات تستغل تردي الوضع الأمني في البلاد لتنفيذ مخططاتها ، ويمكن اعتبار هذا الرقم للضحايا متواضعاً جداً، إذا ما أخذنا بالحسبان الأرقام الألفية السابقة الذكر لوزارة الداخلية.
هذه المعطيات والأسئلة والحيثيات، لا وجود لها في ذهن الناطقين الإعلاميين بلسان الداخلية العراقية التي تريد تبليع الجمهور قصصاً غرائبية من طراز ألف ليلة وليلة عن مجرم هاجم جزيرة الواق واق وقتل ستين عالماً بمفرده (ودون مساعدة من الجنيّ الراقد في مصباح علاء الدين!) وعن مئات الأحكام بالإعدام وآلاف الأحكام بالسجن المؤبد أصدرها مولاهم السلطان فيما البلد يتصحر ويفقد علماءه كل أسبوع وكل يوم بل وكل ساعة. وأخيراً، فإذا كان صحيحاً ومثيراً للأسي القول إنه ليس بالوسع القيام بالكثير الحاسم لخرق سقف الزيف والتزييف وتدليس الأدلة وحجب الحقائق، في بلد محتل من قبل أعتي قوة عسكرية شهدها تاريخ البشرية، ويدار بواسطة شركة محلية حكومة قائمة علي أقذر أنواع المحاصصة الرجعية المنافية للتاريخ، فإن من العدل تماماً أن نكرر مع صحافي عراقي كتب قائلاً إن أقل ما نقدمه إلي الرجال والنساء الذين حرموا حياتهم بسبب نهضتهم بالتقدم العلمي والتقني للوطن هو أن نلاحق قتلتهم إلي آخر زاوية من زوايا الأرض، وأن نلح علي المطالبة بحقنا في متابعة أصغر تفاصيل الأمر .
المصدر: القدس العربي