تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أنا التاريخ



محمد المختار زادني
12-04-2008, 10:11 PM
أنا التاريخ

نطقوا باسمي على خشبات المسارح، زوّروا توقيعي، ألبسوني مهلهل الأزياء....سقوني من أغراضهم قوارير دماء. سفن القراصنة كانت أقلاما سطّرت قصص بطولات طوى الموج صحائفها. كذبوا ... أكثروا في الموت طقوس الإجلال ، ساقوني في دروب الخوف بلا سبب، قدّسوا جبن الجلاّدين وقسوتهم. ألجموا كل مصلح حكيم، قتلوا الأنبياء، سجنوا الفلاسفة، ونفوا رواد الفكر إلى جزر بعيدة، ولوثوا حجرات المعابد بلهاث الخطايا!
وحين أطل فجر الرشد على غابة الأفهام، انتحلوا جلابيب الكلام في أمور أشكلت على الفهم وبثت الحيرة في مسارح العقول... وقالوا في الغيب أكبر الأكاذيب، زوّقوها بخيوط سندسية مسروقة من بساتين العلم الغنّاء! لم يعلموا بما شربت غيوم الأندلس من حروف يوم أطعموا النار كتابات ابن رشد، ولم يخطر ببال دعاة القضاء أنني ختمت على صكّ براءة جاليليو قبل أن يتفوهوا بإدانته، ونشرته بنت الحقيقة على كتف القرن العشرين...
كانت للأكاذيب أردية واسعة في ساحة الدهر، فأكلت أرضة الأفكار منها حتى لم تبق فيها ما يستر الحقيقة إلا لبضع سنين، بل لبضع سويعات! الكل يطير، يحلق في سماء الحياة : الغبار الحشرات وخلايا الفطر والطحالب! ومثلما تحلق أسراب الطيور تحلق الأسواق وغرف الندوات والصور والأشكال والأنغام ونواح الأرامل والأيتام... الكل يسمع ويشاهد كيف تتلاقح الأكاذيب وتتناسخ الأساطير...
لكل عصر أساطيره وخرافاته ليبقى الشرّ أبدا في غمرة النشوة ممنطقا بغلالة السخرية من سذاجة بني البشر... هي الأساطير تتوالد فيرث خلفها من سلفها الغموض والعجز أمام المستحيل، بينما الحقائق تتكشّف في توالدها عن أنوار تزداد ألقاً وانتشارا فتقلّص من مدى المستحيل وتحصر الجهل في جيوب أضيق من لباس الزمن الآتي. أما الموت فيتم دورة النواميس الطبيعية ليختم فصلا تَمّ العمل به في دور السابق، ويبدأ فصلا يُنتظر أن يكون لبنة في نسيج اللاّحق. يرى الإنسان الموت مصيبة حتمية الحدوث وهو يجهل مطلقا مصيره الغيبِي ولن يستطيع الحياة ككائن سويّ بغير مرجع للطمأنينة الروحية؛ لذا كانت للمعتقدات المكانة العليا في خصائص المجتمع الإنساني!
لم يسبق أن وجدت على الأرض شعوب دون معتقدات، بل كانت على تخلفها وجهلها تتمسك بعقائدها وتقدم القرابين والتضحيات طائعة راكنة لإيمان لايبقره شوك الظن... وكم مرة وقفت هنا على حافة بركة الأكاذيب حيث تتمازج الحيل بافتراءات الكهنوت، لتشكيل الخرافة واختلاق الأسطورة، وهي العيب الذي مازال أهل الأرض يشتمونني به...

أحمو الحسن الإحمدي
13-04-2008, 08:31 AM
مــاتع ماسطــره قلمك هنــا أيهــا السامق

تقبـل إعجـابي الكبير بحرفك الباسق ..

ودي ووردي ..

محمد المختار زادني
13-04-2008, 08:38 PM
مــاتع ماسطــره قلمك هنــا أيهــا السامق
تقبـل إعجـابي الكبير بحرفك الباسق ..
ودي ووردي ..


شرفني مرورك أيها الأخ العزيز

بورك قلمك وبورركت قريحتك فأنا مازلت أمرّ بما تخطه على وجه الزمن

فأجد الروح الشاعرية والأدب الفياض

خليل حلاوجي
31-05-2008, 04:06 PM
نبالغ ونقلب الحقيقة ... ثم نصدق ما نتلوه ... ونسميه تاريخ

\

لك الود والورد أستاذنا

عبدالصمد حسن زيبار
11-06-2008, 07:56 PM
نص ممتع متفرد

تحية ود وورد وسلام

مازن سلام
01-07-2008, 12:34 PM
السيد محمد المختار زادني المحترم
كتبوا لنا تاريخاً,
ولم يكتبوا تاريخنا...
ولأننا أنفسنا انقسمنا ومازلنا,
لم نكتب شيئاً ,
وبقينا نعيش على أمجاد من سبقونا
كل التحية
مازن سلام

د. مصطفى عراقي
01-07-2008, 02:25 PM
أنا التاريخ
نطقوا باسمي على خشبات المسارح، زوّروا توقيعي، ألبسوني مهلهل الأزياء....سقوني من أغراضهم قوارير دماء. سفن القراصنة كانت أقلاما سطّرت قصص بطولات طوى الموج صحائفها. كذبوا ... أكثروا في الموت طقوس الإجلال ، ساقوني في دروب الخوف بلا سبب، قدّسوا جبن الجلاّدين وقسوتهم. ألجموا كل مصلح حكيم، قتلوا الأنبياء، سجنوا الفلاسفة، ونفوا رواد الفكر إلى جزر بعيدة، ولوثوا حجرات المعابد بلهاث الخطايا!
وحين أطل فجر الرشد على غابة الأفهام، انتحلوا جلابيب الكلام في أمور أشكلت على الفهم وبثت الحيرة في مسارح العقول... وقالوا في الغيب أكبر الأكاذيب، زوّقوها بخيوط سندسية مسروقة من بساتين العلم الغنّاء! لم يعلموا بما شربت غيوم الأندلس من حروف يوم أطعموا النار كتابات ابن رشد، ولم يخطر ببال دعاة القضاء أنني ختمت على صكّ براءة جاليليو قبل أن يتفوهوا بإدانته، ونشرته بنت الحقيقة على كتف القرن العشرين...
كانت للأكاذيب أردية واسعة في ساحة الدهر، فأكلت أرضة الأفكار منها حتى لم تبق فيها ما يستر الحقيقة إلا لبضع سنين، بل لبضع سويعات! الكل يطير، يحلق في سماء الحياة : الغبار الحشرات وخلايا الفطر والطحالب! ومثلما تحلق أسراب الطيور تحلق الأسواق وغرف الندوات والصور والأشكال والأنغام ونواح الأرامل والأيتام... الكل يسمع ويشاهد كيف تتلاقح الأكاذيب وتتناسخ الأساطير...
لكل عصر أساطيره وخرافاته ليبقى الشرّ أبدا في غمرة النشوة ممنطقا بغلالة السخرية من سذاجة بني البشر... هي الأساطير تتوالد فيرث خلفها من سلفها الغموض والعجز أمام المستحيل، بينما الحقائق تتكشّف في توالدها عن أنوار تزداد ألقاً وانتشارا فتقلّص من مدى المستحيل وتحصر الجهل في جيوب أضيق من لباس الزمن الآتي. أما الموت فيتم دورة النواميس الطبيعية ليختم فصلا تَمّ العمل به في دور السابق، ويبدأ فصلا يُنتظر أن يكون لبنة في نسيج اللاّحق. يرى الإنسان الموت مصيبة حتمية الحدوث وهو يجهل مطلقا مصيره الغيبِي ولن يستطيع الحياة ككائن سويّ بغير مرجع للطمأنينة الروحية؛ لذا كانت للمعتقدات المكانة العليا في خصائص المجتمع الإنساني!
لم يسبق أن وجدت على الأرض شعوب دون معتقدات، بل كانت على تخلفها وجهلها تتمسك بعقائدها وتقدم القرابين والتضحيات طائعة راكنة لإيمان لايبقره شوك الظن... وكم مرة وقفت هنا على حافة بركة الأكاذيب حيث تتمازج الحيل بافتراءات الكهنوت، لتشكيل الخرافة واختلاق الأسطورة، وهي العيب الذي مازال أهل الأرض يشتمونني به...


======

أخانا الجليل المفكر الراقي والأديب القدير الأستاذ: محمد المختار زادني



تحية زاهرة عاطرة لهذه الرسالة العميقة التي فتحت بوبات الوعي والرؤية بأسلوبٍ غاية في الرقي ، مازجة بين جلال الفكر ، وجمال الأدب.


أستأذنك أيها الحبيب في نسخة منه إلى فنون النثر نصا من عيون النثر الأدبي


محبك: مصطفى