المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شروط النقد الموضوعي



د. سلطان الحريري
05-10-2003, 11:47 PM
شروط النقد الموضوعي


في البحث عن الحقيقة الكونية ، من خلال الحقيقة الأدبية تبرز الضرورات المنطقية الباحثة عن الشروط المطلقة الساعية إلى بلورة حقيقة من الحقائق ؛ والنقد كأحد الفنون المعرفية ، أو المعارف الفنية يعدّ من أدق المعارف لأنه يناقش أعقد القضايا في حياة الإنسان ، وهي قضية الإحساس والتعبير ؛ والإحساس حتى يومنا هذا لا مقياس حقيقي له ، وكي يمكن لنا أن نقيس درجة الإحساس ، ونحن مازلنا نشتعل في لحظة ضعف أحياناً ، ونتبلد في لحظة أخرى، ونفرح في ساعة ما، ونحزن في ساعات أخر؛والإحساس الأدبي أعصاب دقيقة تبحث عن ديمومتها من خلال انفعالها بقضايا قد تكون ذات أهمية في عصر ما ، وقد تكون تافهة في عصر آخر ، وقد لا نحتاجها في زمن ،بينما هي ضرورة في عصرها 0
ومن هنا نعتبر أنه إذا كان النقد ثمرة حقيقية لشيئين هما : ( دراسة موضوعية للأدب ، وتقرير شخصي للناقد ) ، فإنه من الواجب عند الحديث عن شروط الناقد الحق الصحيح المعافى من الميول ، والأهواء ، والذاتية ، والشخصانية ، والأنانية على أن يفهم هذا الناقد من النص المنقود الغاية التي يريد أن يتوصل إليها الأديب ، وإن دقت ، ولا يكون ذلك إلا بفهم الجزئيات المتعلقة بعلوم اللغة ، والتي تعين على سبر عمق عقل الأديب ، وطرق تأدية العبارة بشكل ملفت للانتباه ، والناقد الحق من كان ذا معرفة ، وخبرة ، وذكاء ،و اطلاع على فنون الأدب ، والحياة ، ومقاييس المنطق ، والعلم ، ومناهجه 0ذا قدرة على النفاذ إلى عمق الأديب نفسياً ، وعقلياً دون التعصب لجنس ، أو لون ، أو فكر ، أو اتجاه أو طريقة على أن يكون ذا ملكة نقدية تسهم في كشف أدق الأسس الجمالية ، والمعرفية التي يحملها النص ، وإذا كان هناك من مهمة تقع على عاتق الناقد الأدبي ؛ فإنما هي نابعة من كونه مسؤولاً عن رفع مستوى الذوق ، والفهم عند القارئ ، والأديب ، وكم من رواية ، أو قصة ،أو قصيدة كشف النقاد عن آفاق الجمال ، والمعرفة فيها0
إن مهنة الغربلة التي يمتلكها الناقد ، إنما هي جزء من مهمة النقد على أن تكون هذه الغربلة للآثار الأدبية ، لا لأصحابها كما يفعل البعض 0 لقد كان الآمدى في موازنته بين الطائيين يحاول أن ينصف كليهما ، ويعطي كل ذي حق حقه من خلال عرضه لحجج الفريقين المناصرين لكلا الشاعرين ، وإن مال أحياناً لأحدهما على حساب الآخر 0
ونحن لو استعرضنا أحكام النقاد منذ القديم حتى يومنا هذا عربياً وأوربياً لوجدنا أن معظم الأحكام النقدية التي حكمت على شاعر بعينه ،أو على نص بذاته ، أو على حقبة ، أو عصر أدبي بكامله أحكام جائرة وغير محققة لشروط النقد الموضوعي التي تجرد الناقد من كل الترهات المسبقة ، وتضعه في مواجهة مع النص فقط 0 وباستثناء الحكم النقدي الذي أطلقته (أم جندب زوج امرئ القيس ) في مقارنتها بين قصيدتين ذات وزن واحد , وقافية واحدة ، وموضوع واحد بين شاعرين هما ( امرؤ القيس زوجها وعلقمة الفحل ) إن صحت الرواية ، وترجيح قصيدة علقمة 0 تبقى الكثير من الأحكام النقدية بحاجة إلى مراجعة وخاصة تلك التي تحدثت عن شعراء ، وأدباء كانوا مقربين من البلاط الأموي والعباسي 0000
إن النقد الأدبي ، باعتباره وظيفة اجتماعية يسهم على مر العصور في تكوين ذوق إنساني يرقى بالإنسان ، ويرتفع به نحو الكمال ، بل يجعله إنساناً متحضراً ؛ على أساس أن عملية النقد بحد ذاتها ارتقاء نحو الأفضل ، وبحث عن الكمال ، وتنمية لملكة التغيير ، وفتح لآفاق النفس ، وتهذيب للغرائز ، وتقوية للعقل 0
لقد دخلت الفلسفات القديمة والحديثة ، والأفكار المجردة عمق النقد ، أصبح على النقد بعد أن كان فعالية تابعة لفعالية الأدب أن يرسم أطره ، وقوانينه ، ومناهجه ،وأهدافه ، ووظائفه بل أصبح من مهماته أن يكون لنفسه محوراً أفقياً وعمودياً تتمحور حوله كل المعارف ، والأفكار التي تظهر حديثاً 0
لا أريد أن أدخل في تفاصيل دقيقة ، فالحديث سيطول ؛ ولكنني أريد أن أؤكد على دور النقد الحقيقي ، ودخوله في كل باب ، ولا يمكن لأي أدب مهما كان أن يحافظ على شبابه ، وحيويته إلا بإسهام النقد 0لا أقصد أي نقد ؛ إنما أقصد النقد الفعال ، النقد الهادف ، النقد الصحيح ، النقد المبرمج ، النقد الموضوعي ، النقد القائم على أسس دقيقة ، وركائز صحيحة 0
وما كان للمتنبي أن يبرز على حقيقته أمام قارئيه لولا المعارك النقدية التي دارت حوله ،وما كان لإليوت أن تثمر شجرة الشعر لديه لولا وقوف النقد ( أحد جوانب شخصيته ) خلف شخصيته الأدبية 0
إن المفاهيم النقدية ليس كما يعتقد البعض مصطلحات لفظية تضفي على أي نص عناصر المدح ، أو الذم ، أو هي براءات اختراع 0 إنها أفكار وفلسفات ومعتقدات العصر الذي تعيشه إنها روح الحياة الإنساني لديه 0
أليس الأدب هو الإنسان ؟! أليس الأدب هو العمق الروحي ؟! إذاً كيف يكون هناك أدب روحي ، وعمق روحي لولا وجود النقد 0
لا أريد أن أدلل على أهمية النقد بالنسبة للأدب ، فالثمرة الناضجة يعرف طعمها من يمضغها ، والثمرة الفجة كذلك ؛ والإنسان العادي لا يحتاج إلى تعليل سبب طيب هذه الثمرة الناضجة ، أو قبح الفجة 0 ولكن الذي تأخذ بتلابيبه حركة الحياة ، وتطويرها لا بدّ له أن يضع الأمور في نصابها ، وأن يعلل أسباب الجمال ، والقبح ، والكمال ، والجلال في كل ما يطلع عليه ، وأن يضع الموازيين الدقيقة من أجل تصحيح العلوم ، وبناء القيم ، ورصد حركة الحياة ، والسمو بمستوى الروح الإنساني 0
إن ديناميكية النقد ، والأدب تتأتى من خلال البحث الحقيقي عن مثل الخير ، والحق ، والعدل ، والجمال ؛ لأنه (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت ، وفروعها في السماء ؛ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار )
وسياسة الأدب وترويضه عملية معقدة ، وذات أبعاد حساسة ؛ إذ أن الأدب قد يتحول بفعل السياسة ، أو النقد على حدّ سواء إلى اتجاهات ذات أبعاد منحرفة إذا شاءت السياسة ، أو النقد ذلك ؛ أو إلى اتجاهات ذات أبعاد بنّاءة إن أريد له ذلك ؛ خاصة وأن من الأدباء من تجره نرجسيته ، وذاتيته النفعية و المصلحة ، و إذا تحول الأدب إلى نفعية فعلى الذوق السلام 0
لن ندخل منذ البداية إلى ساحة الصراع بين القديم ، والجديد ، وبين الحداثة ، والتقليد ؛وبين الأصالة ، والتنطع ؛ وبين الشكلية ، والمضمون ؛ ولكننا سنؤكد على نقطة حساسة في عملية النقد هي البحث عن (أكسير وروح الأدب ) الذي نعتبره بحق لبّ العملية النقدية ، وسننظر إلى العملية النقدية على أنها محور من محاور تطور الأدب ، لا من خلال الكلام الفارغ ، ولنكن من خلال التطبيق العملي في عملية فرز نوعي ، وكيفي للأدباء الذين ساهموا في بناء الأمة ، و منهجة فنونها البناءة ، ومحاربة فنونها الهدامة . ونحن في عملنا هذا لن نتعرض إلى أفضل شاعر في المدح ، أو الهجاء ،أو الغزل كما كان يصنع نقادنا القدماء ، بل سننظر إلى الأدب على أنه اتجاهات ، ومحاور ، وظواهر نشأت بفعل عوامل متعددة ، ومتشعبة ، وأن هذا الأديب ، أو ذاك أسهم في تلك الظاهرة ، أو أسس لها ، لأن مسألة المذاهب الأدبية مسألة دخيلة بالنسبة لأدبنا ، و ليست من نسيج بنائه . ولو أنا حاولنا استعراض ظواهر الأدب العربي لوجدنا بوناً شاسعاً بين ما يتحدث عن الواقع ، وبين ما يفترض فيه أن يكون نظرية لأدب أسسّ بنيانه منذ أكثر من ألف ، وستماية عام ؛ وفي حديثنا عن أدبنا هذا ، وعن أدبائنا الذين يسهمون في عنونته ، وبناء قواعده ، وتأطير أشكاله ، وتعميق أجناسه سنتعرض إلى الغث ، والسمين ؛ النافع ، والضار ، والجميل ، والقبيح ؛ الخيالي ، والواقعي ؛ العلمي ، والنظري لندرك منذ البداية أننا واعون لما يجري في الساحة العالمية .
لن نتغافل عن كون أدبنا ، ونقدنا يعيش في مأزق في بعض جوانبه ، وفي ردّة في بعض جوانبه الأخرى ، وفي تقليد في مناحي أخر ؛ ولكننا سنتعرض لنقطة مهمة جداً تسهم في بناء الأدب أولاً ؛ والنقد ثانياً .
كيف نؤسس لأدب عربي إنساني دعائمه الحق ، والخير ، والعدل ، والجمال ؟
وكيف نؤسس لنقد عربي يحقق للأدب ، وللأدباء أريحية رحبة ؟
وما هي السبل الموصولة لذلك؟
أسئلة سنحاول في بحثنا هذا الولوج في أعماقها ، والكشف عن أسرارها .
إنني لن أحاول الخروج بالنقد من مرحلة التأسيس الحقيقي إلى التنطع ، والتزوير ، واللعب على (سيرك) الكلمات ، وادعاء التمثل للثقافات الأجنبية ، وإدخال كل غث ، وسمين إلى نقدنا ، وأدبنا فتلك سمات العاجزين الذين يعيشون بثقافتهم على أكتاف الآخرين ، وهذا لا يعني ألا نستفيد من كل ما أبدعته الثقافات العالمية ، والآداب الإنسانية ؛ وإنما أريد التأصيل لكل ما يخدم ثقافتنا ، وفكرنا ، وواقعنا ، وأمتنا دون أن يتعارض ذلك مع فكرنا الإسلامي الحنيف ، وليس أدل على ذلك إلا المذاهب الأدبية ، والنقدية التي نشأت في غير عالمنا 0صحيح أنها مذاهب نقدية ، وأدبية فعالة ،وحساسة تؤطر لحركة الفكر الإنساني ؛ إلا أنها مستغلة في بعض جوانبها من مفكرين غير أمينين على التراث الإنساني ، بل هم عوامل هدم ، وتدمير ، وتخريب لكل ما هو جمالي ، وخيري ، وإنساني ، ولكن بطرق دقيقة 0
ولن أتوسع كثيراً في ذلك ( فالوجودية والسريالية) كمذاهب أدبية حاولت الثورة على جمود الأدب ، وسعت لتطويره ؛ ولكن من خلال ذلك أدخلت السم بالدسم ، فالوجودية مثلاً اعتبرت أن الإنسان محور الوجود ،وانه بعد الحرب الكونية التدميرية الأولى ، والثانية كان عل الإنسان أن يهتم بوجوده،ولكن دون أن يقترن ذلك برفض فكرة الألوهية والأديان ، والموروث الإنساني 0
كما أن السريالية نقلت الشعر نقلة كبيرة بمحاولة الارتقاء به إلى التلقائية والعفوية ولكنها دمرت الأدباء والشعراء من ناحية ثانية بدعوتهم إلى استعمال المخدرات ،والحشيش ، والأفيون من أجل تحريض العقل الباطن على استنـزاف ما يختبئ في تلافيفه من قضايا لم يستطع الإنسان إخراجها في وعيه الكامل 0
لقد دعا الكثير من فلاسفة الشعر ، والأدب إلى ضرورة الخروج به إلى سماء الجنون ،وهذه قضية قديمة منذ أيام شياطين الشعر مدعين أن الأدب ،والجنون قناة اتصال ،ولكنهم نسوا ، أو تناسوا أن الأدب هو اختراق للواقع ،وصدام معه ،ومحاولة لتغييره وبالتالي فهو يحمل لواء التغيير ،وكل تغيير في عرف المجتمع جنون 0 ألم يتهم أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون مرة، و بالشاعرية مرة أخرى ، وبالكهانة مرة ثالثة 0صحيح أن بين العبقرية والجنون قنوات اتصال ولكن ذلك لا يعني أن الأدب جنون 0
وللحديث بقية

ياسمين
06-10-2003, 07:37 AM
د. سلطان
دعنى أحييييييك تحية اعجاب وتقدير لهذا الموضوع

لان موضوع النقد والناقد دائما مانتناوله بالنقاش او بعرض رؤى مختلفة
ولكنى لم اقرأ هذا العمق فى تحليله هكذا من قبل
فالناقد هو الذى يعرف كيف يخرج اللؤلؤ من المحار فعلا

وهاأنت الان بعرضك الثرى لهذا الموضوع استخرجت لنا كثيرا
مما سبحنا وتعمقنا فى بحار هذا الموضوع لنستخرج مثل هذه الكوامن
والتى كتبتها انت لنا على صفحة من بحر علم وفهم وثقافة

د. سلطان
حقيقى الموضوع رائع
واتابع معك البقية وسيكون لنا حوار فى نهاية الموضوع ان شاء الله
شكرا لهذا الفكر المتألق

لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين

خالد عمر بن سميدع
06-10-2003, 01:53 PM
تابع أخي الكريم د. سلطان ونحن معك .





:010:

د. سلطان الحريري
06-10-2003, 03:33 PM
الأخت العزيزة ياسمين الواحة :
أشكرك عزيزتي على مرورك الكريم وعلى عبارات الإطراء فيه ، وبانتظار المناقشات حول الموضوع الذي أراه مهما جدا في وقت نحن نعيش فيه أزمة نقدية ضاع فيها القارئ بين الناقد والأديب .. وهدفنا في النهاية أن نتقدم نحو الحقيقة ؛ فالتقدم نحوها وصول عظيم ..
لك محبتي وتقديري


الأخ العزيز مغترب قديم :
شكرا على قراءتك للموضوع ، وأرجو أن يكون قد لاقى استحسانا لديكم
لك محبتي وتقديري

محمد الحسين الزمزمي
07-09-2005, 11:09 AM
تحياتي لك أيها الرائع.
تابع فما زلت أنتظر البقية .
تقبل تحياتي وودي .

د. سمير العمري
07-09-2005, 02:51 PM
صدقت أخي الحبيب فإن النقد هو مرآة الأدب بل ربما هو قلبه النابض ؛ متى ارتقى النقد وتجرد وأنصف ارتقى الأدب شعراً ونثراً ، ومتى تواضع تواضعا.

أسعدني ما قرأت هنا مما فاتني وأنتظر ما بعده وأعد بأن أكون في أول المتابعين.

وسأقوم بنقل هذا الموضوع إلى منتدى النقد وسأقوم بتثبيته تقديراً وتعميماً للفائدة.

للتثبيت


دمت نبراس خير وهدى ورشاد.


تحياتي
:os::tree::os:

إسلام شمس الدين
07-09-2005, 04:57 PM
أين اليقية أستاذنا الجليل
فما عرفناك إلا وفياً بعهودك، كريماً سخياً لا تبخل بعلمك وقلمك
أحسنت أيها القدير
وأحسن الدكتور سمير بالتثبيت؛ أحسن الله إليكما؛
فما أحوجنا إلى القراءة والتمعن والتدبر في كل حرف كتبته هنا
وربما يكون لي عودة قريبة إن شاء الله للنقاش حول بعض النقاط

نفتقدك كثيراً أيها الحبيب
ونسأل الله لك الاستقرار والسعادة
دمت كبيراً
ولك محبتي وتقديري :0014:
إسلام شمس الدين

محمد الدسوقي
07-09-2005, 06:28 PM
د. سلطان

جميل ذلك الطرح وعميق .

ولكن عندي سؤال :

هل يوجد الأن على تلك الشبكة العنكبوتية النقد الصحيح البناء الذي

وقوم العمل الأدبي ؛الجامع بكل مقومات العمل من جميع النواحي الأيجابية منها أو السلبية ؛ والخالي من المجاملات الممقوتة . أشك في ذلك !

وفي النقد الحديث المعاصر تتشعب الأتجاهات من حيث الرؤى والأختلافات في التوجه ؛ فمنهم من يرى أن العمل الأدبي هو وحدة متكاملة لا تنفصل عن الشخصية الأعتبارية ؛ ومنهم من يرى العكس .

أركان القصيدة:‏

اللفظ والمعنى؛ ركنان أساسيان في بناء القصيدة..‏

والارتباط العضوي للقصيدة لا ينفصلان عن بعضهما البعض ؛ ‏
لأن المضمون يرسخ الشكل في البناء.‏

ولأن اللفظ والمعنى قد أثار جدلا واسعا عند النقاد القدامى؛ فمنهم يرى ضرورة ‏
ارتباط اللفظ بالمعنى ؛ ومنهم يرى الاهتمام بالمعنى أهم من اللفظ ؛ ومنهم من يرى ‏الاهتمام بالاثنين معا ..‏
وهناك فئة تركذ على المعنى ؛ ولا تهتم فى المقابل باللفظ وحده .‏
وعن هذه الفئة أنشعب ( الجاحظ ) وهو من أبرزهم . ‏

فيقول : حكم المعاني حكم الألفاظ ؛ لأن المعنى مبسوط إلى غير غاية ؛ وممتد إلى ‏غير نهاية ؛ وأسماء المعاني مقصورة ممدودة ؛ومحصلة معدودة .‏
وعلى هذا الاساس ؛ بنى نظريته المعروفة ( المعاني مطروحة فى الطريق يعرفها ‏العجمي والعربي ؛ والبدوي والقروي ؛ والمدني .. أنما الشأن فى إقامة الوزن فإن ‏الشعر صناعة؛ أو صياغة؛ وضرب من النسيج وجنس من التصوير ) ‏

كما أن هناك فئة تقول لابد من ترابط اللفظ بالمعنى؛ ‏

وتتضح مما سبق الاختلاف الواضح بين النقاد فإن مسألة الترابط بين الفريقين ‏

مسألتنا تتباين بين السلب والإيجاب.. ‏

وكما قال : الآمدي ‏

‏( ينبغي أن نعلم أن سوء التأليف ورداءة اللفظ ؛ يذهب بطلاوة المعنى الدقيق ‏ويفسده )‏

وذهب أبو تمام فى معظم شعره ..‏

ولما كان النظم عند عبد القاهر يقوم على عنصر اللفظ والمعنى وربط بينهما ربطا ‏محكما ؛ وله فى الألفاظ مذهب مهم حيث يقول ( أنه مهما أوتيت الألفاظ مفردة من ‏الأوصاف فليست مقصودة بذاتها أنما فى السياق ؛ حتى إذا كان ذلك ..‏

فإن الأمر لا يعدو شكل من أشكال التأليف؛ واللفظة مع قرينتها فى التراكيب ؛ فإن ‏رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعرا ؛ أو يستجيد نثرا ؛ ثم يجعل الثناء ‏عليه ؛ من حيث اللفظ .... ‏
حلو رشيق؛ وحسن أنيق؛ فأعلم أنه ليس ينبئك عن أجراس الحروف؛ بل إلى ظاهر ‏الوضع اللغوي. ‏

وثمة جانب مهم من جوانب الوضع اللغوي؛ أهتم به النقاد اهتمام كبير حيث ‏ترصدوا الكثير من أغلاط الشعراء اللغوية ..‏
ووجهوا لهم انتقادات على ذلك الوقوع فى مغاوير النحو ؛ ‏

ومن مأخذهم على المتنبي واستعمال مفردات ليست جائزة نحويا .‏

فى قوله:‏

‏ فِدىَّ من على الغبراء أولهم أنا ** لهذا الأبيََّ الماجد (الجائد ) القرْمِ .‏
وقالوا لم يحكى عن العرب (( الجائد )) بل المحكى رجل جواد ؛ وفرس جواد ‏

وكما أخذوا على النابغة فى لفظة (( ناقعُ )) ‏
فى قوله :‏

فبتًُّ كأني ساورتني ضئيلة ** من الرقش في أنيابها السم ( الناقع) ‏

وكما ذكروا الصواب أن يقول (( ناقعاً ) لأنها تقع حالاً ..

سعدت بمروري
تقبل أجمل المنى تحياتي حتى تكتمل

د. سلطان الحريري
08-09-2005, 12:00 AM
الحبيب محمد الزمزمي:
أشكرك شكرا جزيلا على ردك الأنيق ، ,اعدك بتكملة هذا الموضوع عند استقراري وعودتي إلى الكويت قريبا من إجازتي التي شارفت على الانتهاء..
لك خالص المحبة والتقدير

د. سلطان الحريري
08-09-2005, 12:03 AM
الحبيب السامق الدكتور سمير:
دائما تغمرني أمواج حبك ، فشكرا لكلمات من قلب كبير، وشكرا لتثبيت الموضوع، وأعدك أن أكمله بما يتناسب وحجم هذه القضية الشائكة..
دمت أيها الكبير

د. سلطان الحريري
08-09-2005, 12:15 AM
الحبيب إسلام:
لله درك من متابع حريص على كل مفيد ، ولله درك حين تصنع من الحرف ديوانا من قصائد عشق للعربية ولأدبها ..
فشكرا لعيون قرأت بتمعن، وشكرا لفكر راق عرفته فيك.. أعدك أن أعود بعد أن يستقر بي المقام..
أحبك يا إسلام
ولك خالص محبتي وتقديري

د. سلطان الحريري
08-09-2005, 12:30 AM
الحبيب محمد الدسوقي :
نحن نعيش نقدا ينوس بين واقع مأزوم وعالم مثالي..
وقد صدق الشاعر حين قال:
قريض يملأ الأسماع وقرا ............ ونقد يعشق الأشعار هذرا
وفن أهوج للغرب ينمي ............ يكاد يميتنا حسا وفكرا
فيا من ينقد الأشعار جهلا ............ ويهوى دون لب القول قشرا
رويدك ما عملت كتاب نقد ............ ولكن للقريض حفرت قبرا
جمعت مصادرا وحرمت ذوقا ............ سهرت لياليا وأضعت عمرا
وكنت بحاجة لشراء ذوق ............ لو أن الذوق في الأسواق يشرى
لقد اختصر هذا الشاعر مأساة النقد الذي لايبنى على الذائقة المقعدة ، وقد قرأت ردك مرات عدة حيث جمعت المناهج النقدية التي أضاعت القارئ..
سعيد بقراءتك المتأنية .. وسيكون لي معك نقاش طويل حول النقاط التي أثرتها في ردك عند تكملة الموضوع الذي سأحرص فيه على الأخذ بما ذهبت إليه في معرض ردك..
لك خالص الود والتقدير

معاذ الديري
08-09-2005, 03:02 AM
شكرا لكم
موضوع هام جدا جدا..
لفت نظري تاريخ نشره .. وتاريخ تجديد الردود.. البون كبير.

ولكنها خطوة رائدة اتمنى ان تستمر ..

تحيات منتظر.

عطية العمري
29-09-2005, 08:35 AM
السيد سلطان
لقد أثبتَّ بحق أنك سلطان ، ولكن ليس كسلاطيننا وحكامنا
إنه موضوع : مهم ـ مفيد ـ متعمق ـ جذاب في عرضه ـ ......... إلخ
ولكن للأسف فإنه لم يجد الاهتمام اللائق به ـ اللهم إلا من بعض الزملاء الشموع في هذه الواحة
دمت نبراساً نستنير به
المحب عطية العمري

علي المعشي
06-10-2005, 12:52 AM
أستاذي القدير : د. سلطان الحريري
لك مني تحية إجلال وإكبار على هذا الموضوع الحساس ، وهذا الطرح الرائع..
في انتظار البقية .. وياليت ـ من دون أمر ـ نموذجأ أو نموذجين للنقد الجيد إذا أمكن، ولو لمقطوعة قصيرة حتى تتم الفائدة ..
تحياتي وودي.

د. سلطان الحريري
06-10-2005, 02:14 AM
أخي الحبيب علي:
أشكرك على مرورك في هذا الموضوع، وسيكون لك ما طلبت إن شاء الله قريبا..
دمت نقيا كما أنت..

د. سلطان الحريري
06-10-2005, 02:16 AM
الحبيب معاذ :
هذا هو ديدن الواحة ، ولكن الخير في القادمات إن شاء الله ..
أسعدني مرورك الكريم..

د. سلطان الحريري
06-10-2005, 02:19 AM
الحبيب عطية العمري:
المهم أن يقرأ الناس ، فإذا ردوا فهو خير على خير..
أسعدني مرورك أيها الحبيب ، وأرجو أن نلتقي دائما على ضفاف الحرف النقي..
كل عام وأنت بخير

سعيد أبو نعسة
21-01-2006, 10:23 AM
الأخ الحبيب د سلطان الحريري
تندرت يوما و أطلقت على مفكري و مثقفي أمتنا العربية لقب ( المشخصاتية )
ذاك أن الواحد منهم يحور و يدور و يشخص العلل و الظواهر ولكنه يعجز عن وصف العلاج ولكنك هنا أثلجت صدري و أنت تقدم الدواء لكل داء .
الأدب في الغرب هو مرآة الوجود و المذاهب النقدية من المجتمع و همومه تشق طريقها إلى الوجود وإلى المجتمع بكل تجلياته و معضلاته تعود حاملة بلسم الشفاء
فالواقعية و الرمزية و السوريالية و البنيوية و التفكيكية والأسلوبية كلها مدارس سايرت حركة تطور المجتمع الغربي و أسهمت في قيادته و تصويب مساره و تغلغلت إلى مناهج الدراسة تشذيبا و تصويبا و قد أتاحت لها حرية الرأي و الديمقراطية جوا منعشا ارتقى بها و أوصلها و أوصل المجتمع إلى قمم التطور السامقة .
فأين مجتمعاتنا العربية من هذا كله ؟
إننا نستورد المذاهب النقدية والأدبية من جملة ما نستورد من الغرب و نحاول تطبيقها على ثقافتنا و أدبنا دون أن نكون قد هضمنا التجربة السابقة و التي هي جزء لا يتجزأ من حركة التطور الطبيعية للمجتمع فإذا بنا نختزل المراحل و نقفز في المجهول مرتقين درجات السلم مثنى و ثلاث و رباع دون وعي أو إدراك فقط من أجل اللحاق بالتطور السابق لنا على الدوام و تكون النتيجة لهاث في لهاث و أدب مسخ لا إلى الأرض العربية الصلبة ينتمي و لا إلى الغرب يمت بصلة .
أجل نحن بحاجة إلى وقفة تأمل جادة و إلى عقد المؤتمرات الفاعلة للتأسيس لنقد عربي منطلق من أرضنا و مجتمعنا و تراثنا الغني و عندها يمكننا الحديث عن بدء المسيرة .
خطوة قد تستغرق وقتا و لكن أن تبدأ متأخرا خير من ألا تبدأ أبدا .
أشكرك على مقالتك المؤسسة لوعي نقدي بنّاء و دمت في خير و عطاء .

سيد سليم
28-01-2006, 05:43 PM
أستاذي الحبيب
سلاسل ذهبية من فكر عالٍ لمفكر مبدع
بارك الله لنا فيك ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ابراهيم خطاب
01-04-2006, 07:56 PM
د/ سلطان الحريرى
تحية خالصة لك على هذا الموضوع الشائك (شروط النقد الموضوعى )
بداية أرجو أن يتسع لى صدرك الناقد والمتفهم لما سأقول , وأن تسامحنى _ أحيانا _ فى شطحاتى , أنا لا أتخيل يا عمنا سلطان , أن هناك شروط ومعايير لكل ما يتعلق باالفن عموما , من بداية الخلقة , وحتى الآن , ولكننا يمكن لنا أن نتفق , أننا نرسم خطا وهميا , فى عصر ما , ولحقبة ما , عن تصور وهمى أيضا , بما يسمى بشروط الفن , أو النقد , أو نسمها كما نشاء , وبإنتهاء هذا العصر , وهذه الحقبة , تزول بزوالها خيوطنا الوهمية جميعها , ليبدأ غيرنا , فى صنع خيوط وتصورات وهمية , تناسب عصره ووقته وثقافتة وحقبتة , بما يرونه هم ملائما لهذا الوقت , وباالتالى , أرى أن عملية النقد , عملية متغيرة دائما وأبدا , فى كل زمان ومكان , نأتى إلى الشق الثانى من البحث , وهو شروط النقد الموضوعى , لا تسطيع أنت , ولا أنا , ولاأى كائن ما , أن يفصل الناقد , عن ثقافتة , ومعتقداته , وثوابتة , وأوهامه أيضا , وتصوراته التى يراها صحيحة مائة فى المائة , ربما يراها الآخر خلاف ذلك تماما , ومن هنا علينا أن نتعلم أولا ما يسمى , بفقه الخلاف والإختلاف , ولا نتصارع تصارع الديوك , كما يحدث للأسف بمختلف الندوات والمؤتمرات , لإثبات وجهات نظرنا , دون الإستماع إلى رأى الأخر , ولا أتصور أمة من الأمم , من مهدها حتى الآن , أرباب أقلام , ولخلافاتهم الكثيرة , لم ينجزوا _ بعد _ نظرية عربية نقدية , وأصبح لجوئنا الدائم , إلى بنيوية فرويد وتحليلته, وإلى غيره من النظريات المستوردة , وذلك ليس لفقرنا الثقافى , إنما لفقرنا إلى فقه الإختلاف معا , أليس من المضحكات المبكيات , أن يتلهف كتاب الرواية العرب كافة , منذ عشر سنوات وأكثر , إلى الواقعية السحرية عند ماركيز , والتى إستقاها من أصول ألف ليلة وليلة العربية الأصل والمنشأ , أليس من العيب أن نقرأ _ الآن_ بكل أسف جزء كبير , من تاريخنا العربى , من خلال المخطوطات التى إستجمعها هيكل , من لندن وباريس وروما , نحن لم نقرأ يا سيدى للنفرى والسهروردى والحلاج والجيلى , إلا من خلال المستشرقين , وليس من خلال ممتلكاتنا لهذا التراث , لكم أحبك أيها السلطان الجميل , ولكننا فعليا بحاجة ماسة , لأن نطرح قضية كيف يكون المواطن العربى إنسانا أولا, ثم يكن ما يكون بعد ذلك , أعلم أن كلامى هذا ربما يغضب بعض النرجسيين , ولكننا باالفعل بحاجة ماسة , إلى صدمة إفاقة كبيرة , وكل خشيتى أن تأتى هذه الصدمة لنا , بعد فوات الأوان , النقد لا يختلف بحال من الأحوال _ بكل أسف _ عن المواطن العربى , من المحيط إلى الخليج , نرتدى لهذا المؤتمر قناع الكلاسيكية , ولهذه الندوة , قناع البنيوية , ولتلك قناع الدادية , وللأخريات قناع الرمزية , حتى إذا بحثنا عن أصولنا داخل هذه الأقنعة , إكتشفنا أننا قد غبنا تماما , وغابت عنا هوياتنا , أرجو ألا أكون قد أثقلت عليك , هذا تكملة لحوار لم يكتمل يا خال سلطان , قد تم بينى وبينك منذ شهور , وهانذا قد وفيت بوعدى لك , مع محبتى

معاذ الديري
02-04-2006, 12:39 AM
الاستاذ ابراهيم خطاب ..
كلامك درر والله .. درر و دولار
تحيات كبيرة

خليل حلاوجي
02-04-2006, 03:14 AM
كيف غفلت عن هذه الدرر ... لاأدري
\
المهم
في كلام أخي خطاب جل الانصاف

ولربما أضيف أن آلية الحذف والاضافة هي اليوم من أنجع الاليات لاكمال المسير الى الابداع
وهي طريقة من طرق نقد الذات لانقاذه وتحرره من بؤس التقهقر

لدينا ثلاث معيقات
اننا منصاعون تماما" لموروث مجتمعي راكد
ومتعشقون بكم من المتون التي غاب زمانها أيما تعشيق

واخيرا"
الحوار عندنا هو جدل لابد من منتصر في نهاية مطافه

والاصح
ان نقتل ماتعشعش في جماجمنا من تراكمات هذه المعيقات الثلاثة


وللحديث بقيه
بانتظار رائعنا وسلطاننا صاحب الحرير في الحرف وفي النقاء

نسيبة بنت كعب
01-05-2006, 02:43 PM
السلام عليكم

د. سلطان الحريرى

شكرا جزيلا لك على ما قدمت من علم نافع والحث على تأصيل منهجية فاعلة

واشكر اخى العزيز سعيد ابو نعسة على ما تفضل به من توضيح لنتيجة تدخل الأهواء فى النقد ، والجهل عن المقتبس ، والتقليد الأعمى دون غربلة - وللتوضيح اقتبس :


إننا نستورد المذاهب النقدية والأدبية من جملة ما نستورد من الغرب و نحاول تطبيقها على ثقافتنا و أدبنا دون أن نكون قد هضمنا التجربة السابقة و التي هي جزء لا يتجزأ من حركة التطور الطبيعية للمجتمع فإذا بنا نختزل المراحل و نقفز في المجهول مرتقين درجات السلم مثنى و ثلاث و رباع دون وعي أو إدراك فقط من أجل اللحاق بالتطور السابق لنا على الدوام و تكون النتيجة لهاث في لهاث و أدب مسخ لا إلى الأرض العربية الصلبة ينتمي و لا إلى الغرب يمت بصلة

نعم هذا موضوع يستحق الرفع والتذكير

واحث الجميع على متابعته وما يطرح فيه من جديد ( ننتظر البقية وسأضع رابط لتسجيل الأمسية السابقة ليحدث الربط )

فوالله منه نتعلم ونرتقى :v1:

واقترح ان يرفع للتذكير قبل كل امسية للأفادة القصوى

دمت ذواقاً راقيا د. سلطان الحريرى

يبدو انى يجب ان ابدأ فى تقفى أثر مواضيعك الرائعة والنافعة !

و لا تنس ادراج بقية الموضوع او البحث


لك فائق احترامى لقلمك الجاد والموضوع الراائع

يرجى متابعة امسية النقد - هنا
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=143021#post143021



http://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/hb.gifhttp://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/hb.gifhttp://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/hb.gif

قيصر الغرام
06-05-2006, 01:48 AM
شكر كبير

وباقة من الياسمين اضعها بيد اديبنا الكبير الحريري


على جهوده النيرة في اعمار وامداد هذه الرابطة التي تربطنا حباتنا

بحبل التواصل فيما بيننا
والحريري هو احد خيوط التواصل

بوركت ايها الاخ الفاضل


والى الامام ونحن معك

وفاء شوكت خضر
09-02-2007, 01:28 AM
الأستاذ الأديب / د. سلطان الحريري ...

وجدت هنا من العلم والمعرفه ما يمثل كنزا ..
شروط النقد الموضوعي ..
شكرا لك د.سلطان على ما قدمت من فكر ، و فائدة ، أتمنى أن يستفيد منها الجميع أعتقد أنه موضوع جيدر بأن نوليه جل اهتمامنا .

لك التحية والتقدير أستاذي
ولك الشكر العميق .

كل الود .