المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عَبرَ بَوّابَةِ الزَّمَن ..



نور الجندلي
26-04-2008, 07:51 PM
عَبرَ بَوّابَةِ الزَّمَن ..


نور الجندلي



في لحظاتٍ مرّت من زمانٍ مضى .. كنتَ هنا تقلّب وجهكَ في فراغ، تفتشُ عن شيء مجهول كي تجده، تبحثُ عن أمرٍ لا تعرف كنهه، لكنك بشدة تريده ..
كنت وقتها كمن يتجول في شوارع لمدينة غريبة عنه، أو بالأحرى هو غريب عنها..
مدينة مبنية من طراز غريب، سكانها مجهولون، بملامح غريبة، أرصفتها متناسقة، ولكن بشكلٍ عجيب، لا إشارات حمراء فيها ولا خضراء، فالكل يمتلك حريّة التوقف أو العبور ..
مؤسسها لم يكن ديموقراطياً كثيراً حتى يسمح بهذا الكم من الحرية، لكنه كان متأكداً أن من سيزور المدينة لن يتمكن من التوقف أبداً عن التجوال فيها ..
في تلك المدينة، وكما في كل المدن، أناسٌ فضلاء تتوسم الخير في ملامحهم، وغيرهم سفهاء تنفر منهم حد البغض، وهناك سفهاء يرتدون زي الصالحين، وبؤساء ضاعوا في زقاق السفهاء، ستجد أمكنة تبدو أجمل من أن تكون مصحّات عقلية، وأرقى من أن يسكنها مجانين، وأمكنة أخرى مهجورة، كانت يوماً مشروع دار لطلب العلم، أو مدرسة لتعليم الأخلاق، لكن الشركاء فيها اختلفوا فيما بينهم، وتقاتلوا من أجل السيادة فقرروا تهديم أسوارها، وستجدُ جنّات خضراء بأيدٍ زرعتها، وصحارى جرداء تأسف على سكانها، وجبالاً شاهقة وعرة تُحجم عن فكرة تسلقها ..
في المدن الحقيقية ترى الملامح، وتسمع الأصوات، وتتبع حدسك، وفي المدينة هذه لا ترى إلا أسماء حقيقية وأخرى وهمية، وجانباً من أفكار أهل الدار ..
ولأن السفر في هذه المُدن سهلٌ ميسر، يشبه إلى حد كبير بوابة الزمن، التي قرأت عنها كثيراً في الكتب الخيالية، وشاهدت بعضاً منها في أفلام ضحكوا عليك لتشاهدها فقالوا أنها أفلام خيال علمي، كتلك البوابة تعبرُ من زمن لآخر في لحظات، وتتنقل من مكان لآخر مع مرور بسيط لعقرب الثواني .. لتجد نفسك في عالم مختلف ..
ولأنك أدمنت التجوال، وصارت تلك المُدن المخفيّة جزءً من حياتك، وصار سكانها رغم اختلافهم وغموضهم مثل أفراد أسرتك، فكثيراً ما قرأت ما كتبه سكارى الحب فأسفت لحالهم، ولعلك مررت ببعض نواديهم فخرجت نادماً مستغفراً عما اقترفت أيديهم، وما اقترفته أنت بالصمت على جهلهم ..
وكم ولجت أمكنةً أشعرتك بأنها كما المساجد طهراً ونقاء، أو جُبت ساحات مدارس توقفت فيها لساعات، إذ أن كلام مدرسيها قد أعجبك، ونادى جزءً من كيانكَ فتوحد بك ..
وكم وكم أنصت لحديث أخوي أخذ بمجامع قلبك، من شخص لم تشعر للحظة أنك لا تعرفه، ولم تحدثك نفسك بأنك لم تألفه ..
كم من أناسٍ سكنوا قلبك عبر حروفهم، وأنت لم تعرفهم، ولم تلتقِ بهم يوماً ..
وكم من حروف صنعت منك شخصاً آخر لا يشبه شخصك القديم، لأنه أنضج، وأكثر جمالاً ..
فحروفهم علمتك تذوق الجمال، وطرقاتهم قادتك على مكمن كل جمال ..
كم مرّة بكيت وأنت تقرأ مقالاً لأحدهم لامس قلبك ؟!
وكم مرة تبسم قلبك، أو قهقهت فرحاً كالمجنون وحدك ؟!
كم عدد الأيدي التي رسمت خليط فكرك؟
وكم نسبة الطاهرة المتوضئة منها؟
من أنت أيها الغريب؟ وإلى أين تسلك ؟ وما هي غايتك؟
أنت خارجٌ عن قانون المعقول، تتجولُ في مدنٍ مجهولة، تراقب بصمت خفي، تتشبه بالأشباح، وتمضي وقتما تريد فلا تبرز هويتك، ولا تعلن عن نفسك ..
أنت عالقٌ في الشبكة العنكبوتية منذ زمن، أنت تائه لم تحدد بعد هويتك ..
فضلاً منك عرّف عن نفسك، أبرز بطاقتك التي نقشت عليها أهدافك، حدد غاياتك، ثم اختر مدينة تناسبك، ولا تنس أن تعود إلى واقعك لتأخذ منه التجارب وإليه، وتذكر دائماً بأنك خلقت لتكون مواطناً صالحاً في أية مدينة سكنت، وبأن قلبك مدينة أخرى أكبر من كل مكانٍ عرفته، مدينة تستحق أن تتخذها وطناً تشحذ من أجل بنائه قوتك، وتجعل منه عاصمة لدولتك، فمهما جبت في مدائن الأرض، فإلى نقائه تعود ليسيرك .



------------

تحية عذبة للواحة وسكانها ..
أسأل الله أن تكونوا بكل الخير ..

ريمة الخاني
26-04-2008, 07:54 PM
نعم هو تامل في النفس ومن حولنا وكلام نعرفه لكنك اجدت التعبير عنه بحذق
مرور وتقدير

أنس إبراهيم
26-04-2008, 08:00 PM
أختي نور

كلماتُكَ رائعة
بوابةُ الزمن تجتاح النص وتعبره


تحيتي وتقديري لكِ

سحر الليالي
26-04-2008, 08:10 PM
نور ( بنت حلال والله ) كنت قبل قليل أقرأ نص قديم لك .!
:
أهلا بك يا غالية وأهلا بحرفك بعد غياب (سعيدة والله بـ إشراقتك من جديد )

لغة نثرية تجعلنا نتأمل ونغرق بكل حرف..!
رائعة وكفى يا نور..!

سلمت ودمت بــ جمال يشبه حرفك.

لك ودي وتراتيل ورد

جوتيار تمر
26-04-2008, 10:43 PM
نور...
اهلا بعودتك....

نص ثري بالفعل ، فيه توظيف جميل لمدركات العقل ، ضمن سياق واقعي ، محمل برؤية ثابتة ،وتصوير مشهدي جميل منك ، فحركة الكاميرة هنا تؤثث لنمطية الرؤية ، وتعمل على ابراز الاماكن المراد تسليط الضور عليها سواء على المستوى الوجداني ام الخارجي.

دمت بخير
محبتي
جوتيار

بابيه أمال
26-04-2008, 11:51 PM
نور الجندلي.. سلام الله عليك
عبر بوابة الزمن سكنت بين أفكار سطورك هنا.. وتجولت عبر معانيها المشكلة من حروف فريدة أضفت على النص رونقا لا يمكن تجاهل ما ينطق به من ارتسامات لواقع نعيشه بين زمنين أحدهما واقعي يعيش فينا ونتجاهل واقعيته، والآخر افتراضي نعيش فيه ونفترض له حقيقة قد تتلاشى بين لحظة وأخرى..

قد أتى الزمن بتكنولوجيا قربت البعيد وأبعدت القريب.. والشاطر فينا من يعرف الجمع بين الاثنين في حقيقة يربطها بحبل متين اسمه الصدق مع النفس لترقى به هذه الأخيرة عن كل ما من شأنه إبعاده عن المسار الصحيح والمكلف به من قبل بداية تكوينه..

لكِ "شكرٌ" بحجم أبعاد حروفك يا أديبة قرأت لها اليوم وسكنتني معاني حروفها..
مودتي لكِ ولمداد قلمك..

أسماء حرمة الله
27-04-2008, 08:55 PM
السلام عليك ورحمة اللـه وبركاته

تحيـة تنثر ورداً



اللهمّ ارحم أختَنـا حنَان وارحمنـا إذا صِرْنا إلى ماصَارَتْ إليـه ..! (http://saaid.net/flash/kfa.swf)



نُـور،

كأنكِ جُبتِ ألف عمر، واختزلتِ ألفَ سنةٍ من البحث والتنقيب عن الذات ومفاتيحها، فانهملتِ وحرفكِ كما الرذاذ، تُنعشينَ القلبَ وتكفكفينَ عنـهُ غبار الغفلـة، وتُعيدينـه إلى وجهَتـه التي فطره اللـهُ عليها، وجهة الخير، وجهـة الندم على مافات وما كان من ذنوب وسيئات، وجهة القادم الأجمـل الذي لن يتفتّحَ إلاّ حين تجعل الرّوحُ من الإيمان صحبتَها الصّالحة، ومن التوكل على اللـه سفينَتها، ومن الرحمن تعالى وليَّها ووكيلَـها ..

أبهجني حرفكِ كما العادة، أنتِ لنا و للواحـة عطر ..
حماكِ وحرفكِ ربّي، وباركَ لكِ وفيكِ وبكِ أيتها الطّيبـة .


خالص محبّتي :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

د. سمير العمري
01-08-2012, 07:36 PM
نص أرفعه تقديرا لرقي مستواه وتقديرا لرقي صاحبته المبدعة!

لا أوحش الله منك يا نور الجندلي ، ولا حرمنا من ألق هذا الحرف المبهر الجميل!

دمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

عبد الرحيم صادقي
02-08-2012, 02:35 AM
والحق أنه يستحق الرفع أيها العمري.
الفكرة جميلة واللغة لا تقل جمالا.

ربيحة الرفاعي
27-06-2015, 01:32 AM
نص جميل شائق بلغة راقية وفكر شائق وأداء تعبير مكين

ماتعة كانت جولتي بين الحروف

تحاياي

ناديه محمد الجابي
22-10-2018, 11:40 AM
حالة غريبة وصلت إليها المجتمعات بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الكثيف،
ورغم ذلك بات الجميع يشعر بالوحدة أكثر من السابق ويشكو هذا دائمًا،
وتزداد حالات الاكتئاب وتتضاعف مشاكل الأزواج في البيوت ..

لا فرق كبيرا بين العالمين الأفتراضي أو الحقيقي عندي لو كان الشخص متوازنا قوي الشخصية , رغم أنه يبقى دوما للعالم المادي ألوية بما انه الباب الرئيسي للعالم الافتراضي

نص فريد بجماله وقوته ـ لغتك قوية وأداؤك النثري إطارا بهيا
يزين الفكر الرائع.
دام ألقك.
:0014::hat::0014: