المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يموت الراعي ( من يوميات حمل وديع)



محمد نديم
03-05-2008, 12:52 PM
عندما يموت الراعي
( من يوميات حمل غير وديع)
بقلم محمد نديم علي
وديعا كنت وما زلت ،تعشقني المراعي لنزقي وشقاوتي ونعومة فرائي ، فصرت وسط القطيع حملا مطيعا.أنصت لنغمة الناي إذ يطمئن لها قلبي ، فأنساب وسط أفراد القطيع نلتهم الحشائش عن رضا ، ونسير وفق إشارة راعينا عن طيب خاطر. كيف كان يبدو ؟ هل كان طيبا ؟ هل كان ودودا؟ لا ندري. لم يكن مسموحا لنا أن نقترب منه ولم نكن نجرؤ أن نحلم بالنظر إلى وجهه.
********
كانت وسيلة الحوار بيننا هي العصا ، يهش بها علينا، فنلزم القطيع ، وصوته الجهوري يصيح فينا فنسير معا ، نحو العشب في كل أرض قاحلة ، كتلة واحدة ملتصقة بزيت الصمت.
*********
كانت مسؤوليته وحده أن يقرر إلى أين نتجه ، وكانت نظرته هي التي تحدد أين موقع الزاد ، وكان حدسه بوصلة تمكنه من أن يتوقع منابع الماء فيهرع بنا إليها، و مكامن الخطر ،ومرابض الذئاب فينأى بنا عنها . وكنا نلزم الطاعة ، نضع رؤوسنا بين أقدامنا الأمامية وندس أنوفنا في تراب الأرض، نفتش عن طرف عشبة هنا أو رأس نبتة هناك.ونعود أكثر صمتا ، وأثقل حركة كي تكتظ بنا مهاجعنا المسكونة بالرتابة والعطن، دون أن نرفع الرؤوس.
********
(الراعي ما زال يغني)
مرت مواسم التسمين حلوة هنية ، ولم نشعر أننا قادمون على مواسم للذبح المنهجي، دون أن يجرؤ أحد منا على الاعتراض.القطيع يهيم إلى حيث تشير العصا،والحملان تكبر ، وتنتفخ بطون النعاج ، وتتضخم قرون الكباش ، وما زلت بين الحملان التي تركض فرحة ببعض العشب وقليل من الماء. ما زلت غريرا ، لكن بقدوم الربيع شعرت بأنني متميز،وما زلت ، إذ لا أطيق الحدود والخطوط والعلامات على طريقي ، كنت وما زلت عاشقا للريح لا تحدها صيحة، ولا تمنعها عصا راعٍ متسلط.أعشق حياة حمل نزق لم ينضج بعد ، و أرفض وبشدة أن أشب عن الطوق إلى مرحلة الكباش ، خوفا من أن يكون لي قرنان كبيران لا فائدة فيهما.
********
وتمر مواسم للتسمين تتلوها مواسم للذبح.
(والراعي ما زال يغني ...)
ذات العزف على نايه المشروخ، وذات الوعود في أغانيه ، وذات الأماني يخدعنا بها أن يسوقنا نحو مروج لا تذبل حشائشها ، وأرض لا ينقطع مطرها ، وتلال لا ذئاب وراءها
(.لم يصدقه قلبي الصغير، رغم حلمي المشروع بما وعد ليل نهار.)
*****
(ما زالت الكباش تشتبك بقرونها، في صراع مقيت على النعاج ، ولكنها تنحني وتذوب طاعة أمام الراعي.أما النعاج فحدث ولا حرج ، فهن آلات حاسبة مثالية و قوية الذاكرة : حملا ووضعا وإنتاجا للحليب.كم تمنيت شربة لبن من نعجة قالوا أنها أمي ، وتمنيت أمنا بين صوف كبش ذي قرنين هائلين قالوا إنه أبي.كيف له إذن أن يهملني؟!!)
(كيف له أن يتسبب في إنجاب حملان نابهة وطموحة مثلي ، وقد كان مكتنز اللحم ، وكان خصيا؟)
*********
كنت وما زلت ، راسخ الاعتقاد بأنني كنت وما زلت ابنا للشمس والنسيم والمروج، وصديقا للنبع الصافي ، والعشب الطري، والفراشات الملونة، والأرانب البرية.
فلا أنا ابن نعجة ولا أنا سليل الكباش.
*****************
وننتظر المطر القادم من خلف حدود الغيب ، ونحملق في اللحظات .
(والراعي ما زال يغني .)
******
أشيع في مرعانا والمراعي المتاخمة أن راعينا قد .. عقد صفقة سلام غير قائم على العدل مع الذئاب ...كي يتفرغ للعزف على الناي ومطاردة الفراشات ، واصطياد إناث الأرانب خلف التلال.
( ماله والذئاب ؟ !! ماله ووجع الرأس؟)
ليتفرغ للغناء كي يستحث المطر أن يسقط ، والنماء أن يعم ، ومخازن غلاله أن تنتفخ ، ولنا أن نسمن استعدادا لمواسم الذبح.
(يشاع في مرعانا والمراعي المتاخمة أن راعينا كبش خصي مكتنز اللحم)
************
(والراعي ما زال يغني )
حينما درت وراء التل ،علِّي أجد وراءه عشبا نسيت يد القحط أن تخنق ماء الحياة فيه ، أو أصادف نبتا جافا ما زال منتصبا بين حبتي رمل.هناك سمعته يغني ، و رأيته للمرة الأولى رأي العين ، نعم رأيت الراعي ، كبشا ذي قرنين هائلين ، وهو يطارد إناث الخراف وراء التل ، فشممت ريح الذئاب تعم المكان ، وتسمم الهواء برائحة عوائها المقيت.
************
(الراعي ... هل كان يغني؟)
عندما عدت فزعا عند الغروب ،لم يكن أحبائي في القطيع حولي ـ لم أجدهم جميعا ، التمست ريحهم ، فرأيت فراءهم فوق الأرض القاحلة ، مبعثرا ، قاني اللون ممزقا. وعلى البعد تناهى إلىَّ صوت الراعي يتمزق إربا إربا في جوف الذئب.

ريمة الخاني
03-05-2008, 07:56 PM
نص رغم انها قصه الا انني لمحت موسيقا خفيه اخذتني بعيدا جدا
لله در قلمك
مرور وتحيه

وفاء شوكت خضر
03-05-2008, 11:31 PM
إسقاط سياسي بأسلوب لا يتقنه إلا أنت ..
أخي الكريم انديم لحرف ..
هكذا نحن نعاج في حظائر تنتظر مواسم الذبح راضية مستسلمة ..

بارك الله بك وأدام عليك الصحة والعافية ..
رائع كما أنت دوما ..

بديعة بنمراح
05-05-2008, 01:18 AM
فعلا أختي وفاء، نحن نعاج ننتطر الذبح.
شكرا لعمق نصك و هذا الفكر الذي تحمله اخي المبدع
محمد نديم
تحيتي و تقديري

محمد نديم
22-11-2008, 05:32 PM
نص رغم انها قصه الا انني لمحت موسيقا خفيه اخذتني بعيدا جدا
لله در قلمك
مرور وتحيه
الأستاذة ريمة الخاني
امتناني لتواصلك الراقي.
فبه أشرف.
النديم

محمد نديم
22-11-2008, 05:35 PM
إسقاط سياسي بأسلوب لا يتقنه إلا أنت ..
أخي الكريم انديم لحرف ..
هكذا نحن نعاج في حظائر تنتظر مواسم الذبح راضية مستسلمة ..
بارك الله بك وأدام عليك الصحة والعافية ..
رائع كما أنت دوما ..


وفاء دمت بخير
تواصلك العذب يرقي معاني الحروف
ويبث ودا لا يذوب.
لك ألف باقة ورد.
وسلام.

محمد نديم
22-11-2008, 05:37 PM
فعلا أختي وفاء، نحن نعاج ننتطر الذبح.
شكرا لعمق نصك و هذا الفكر الذي تحمله اخي المبدع
محمد نديم
تحيتي و تقديري
أهلا بديعة
تواصل أعتز به ورأي به أفخر
دمت بخير
لك الود أزاهيرا لا تذبل.

سعيدة الهاشمي
25-11-2008, 02:37 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخي المبدع محمد نديم،

تسليط سياسي مميز على واقع أغبر، تجيد التلاعب بالحرف كما قلت لك مسبقا لتجعله خادما تسخره

كيفما تشاء في التعبير عن رأيك وإيصال فكرتك..

زمن القطيع والراعي هذا، نجري وراء راعٍ مطأطئي الرأس نطيعه في خوف زائد وما هو إل واحد منا باع ذمته

للذئاب طامعا في خير وربح أوفر من وراء هذه الاتفاقية الفاسدة، فيموت بإرادته أليس هو من سلم رقبته ورقاب

القطيع للذئاب إذا فهو موت بإرادة، لكن الرياح تأبى إلا أن تذر رماد الموت ليطال القطيع بأكمله قبل أن يطاله

في الأخير، لقد كان سيدا حتى لو "تقيأ" وأمر قطيعه بالتهام ما أخرجه من أحشائه المقززة سيفعلون بدون تردد،

لكنه أعور التفكير أعرج البصيرة، أراد التفرغ للغناء والنعاج وأنثى الأرنب فذاب في كأس النشوة دما.

في قصتك هذه كما في سابقتها "الديك والبيض ودائرة الاشتباه"، رغم مرارة الواقع هناك خيط أمل يتمثل

في ذاك الرافض العاشق للحرية، كأنك ترمي إلى أنه مهما اسودَّ الواقع دوما هناك من يشقون بطنه لتلوح

أشعة الشمس ولو خفيفة ضعيفة لكنها تحدث الفرق.

تحيتي ومودتي.

محمد نديم
25-11-2008, 05:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخي المبدع محمد نديم،

تسليط سياسي مميز على واقع أغبر، تجيد التلاعب بالحرف كما قلت لك مسبقا لتجعله خادما تسخره

كيفما تشاء في التعبير عن رأيك وإيصال فكرتك..

زمن القطيع والراعي هذا، نجري وراء راعٍ مطأطئي الرأس نطيعه في خوف زائد وما هو إل واحد منا باع ذمته

للذئاب طامعا في خير وربح أوفر من وراء هذه الاتفاقية الفاسدة، فيموت بإرادته أليس هو من سلم رقبته ورقاب

القطيع للذئاب إذا فهو موت بإرادة، لكن الرياح تأبى إلا أن تذر رماد الموت ليطال القطيع بأكمله قبل أن يطاله

في الأخير، لقد كان سيدا حتى لو "تقيأ" وأمر قطيعه بالتهام ما أخرجه من أحشائه المقززة سيفعلون بدون تردد،

لكنه أعور التفكير أعرج البصيرة، أراد التفرغ للغناء والنعاج وأنثى الأرنب فذاب في كأس النشوة دما.

في قصتك هذه كما في سابقتها "الديك والبيض ودائرة الاشتباه"، رغم مرارة الواقع هناك خيط أمل يتمثل

في ذاك الرافض العاشق للحرية، كأنك ترمي إلى أنه مهما اسودَّ الواقع دوما هناك من يشقون بطنه لتلوح

أشعة الشمس ولو خفيفة ضعيفة لكنها تحدث الفرق.

تحيتي ومودتي.
الأستاذة الناقدة المتفردة سعيدة الهاشمي
تواصل راق ... ونقد مميز وإثراء لنص ما زال في رأيي في طور التجريب.
أعتز بك قارئة وتاقدة ومتذوقة.
وأهلا بك دوما هنا.
ود لا يذبل.

آمال المصري
25-11-2008, 07:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قصة تبني واقع مرير يحمل إلينا هما يشق على الجبال حمله
أعجبتني القصة ولفت نظري العنوان
فأبيت الا المكوث هنا على حرفك حتى الإرتواء
الأستاذ الأديب / محمد نديم

حالة من الابداع خطها قلمك بتركيز وتكثيف شديدين ،
مع عنوان جذاب آخاذ يشد المتلقي لير هذه الحالة الأبداعية ..
تقبل خالص تحياتي

ريما حاج يحيى
26-11-2008, 01:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خسارة.. كتبت ردا مطولا وتحليليا
لكنه حذف بالخطأ - ساعود لاحقا
ولك ارق تحية اخي الفاضل

محمد نديم
28-11-2008, 07:59 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة تبني واقع مرير يحمل إلينا هما يشق على الجبال حمله
أعجبتني القصة ولفت نظري العنوان
فأبيت الا المكوث هنا على حرفك حتى الإرتواء
الأستاذ الأديب / محمد نديم
حالة من الابداع خطها قلمك بتركيز وتكثيف شديدين ،
مع عنوان جذاب آخاذ يشد المتلقي لير هذه الحالة الأبداعية ..
تقبل خالص تحياتي
رنيم
الشكر لك على كل كلمة سطرها قلمك الراقي هنا.
تحياتي لتواصلك العذب واغتزازي بحرفك هنا أيما اعتزاز.
ود لا يذبل.

محمد نديم
28-11-2008, 08:01 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خسارة.. كتبت ردا مطولا وتحليليا
لكنه حذف بالخطأ - ساعود لاحقا
ولك ارق تحية اخي الفاضل
ريما
السلام عليكم
خيرها في غيرها يكفينا شرف المحاولة.
لك الود شموعا وباقات ياسمين.

نداء غريب صبري
13-08-2013, 09:40 PM
يشهد الواقع أننا نعاج كانت تنتظر الذبح منذ زمن طويل
وقاد جاء العيد أخي
والأرض صارت سيولا من الدم

أحزنتني هذه القصة الجميلة

شكرا لك

بوركت

ربيحة الرفاعي
23-10-2013, 12:56 PM
عندما عدت فزعا عند الغروب ،لم يكن أحبائي في القطيع حولي ـ لم أجدهم جميعا ، التمست ريحهم ، فرأيت فراءهم فوق الأرض القاحلة ، مبعثرا ، قاني اللون ممزقا. وعلى البعد تناهى إلىَّ صوت الراعي يتمزق إربا إربا في جوف الذئب.

هل قرأت هنا ما يذكّر بأكلت يوم أكل الثور الأبيض؟
هل حملتني الدلالات لإسقاط سياسي من العيار الثقيل؟
هل سار بي النص ببراعة على جمر الواقع المر الذي تعيشه الأمة ليقف بي على شرفة قادم من يسلمونها؟

مدهش هذا الطرح بعمقه وتشويقه ودلالاته الحارقة

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
25-10-2013, 02:35 AM
لحرفك ألوان ساطعة حد الانبهار
ولكلماتك طعم الوجع
و أرضك مساحات شاسعة
الجري بين سطورك متعب حد البهجة
دمت نايا يعزف فيطربنا
مودتي واحترامي

ناديه محمد الجابي
14-02-2022, 07:02 PM
بأسلوب فريد ولغة سلسة وشيقة وسرد بدا واقعيا
حملت القصة من الرموز والإسقاط السياسي ما يفتح مساحات تأويلية
تناقش الوعي وتحكم الفكر في أداء قصي شائق ونص جميل
تكتب فكرا عاليا في أطر قصصية ممتعة
فلسفة عميقة بحرف راقي ولغة سامقة
دمت ودام ألق حرفك البارع.
:v1::nj::0014: