تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المزبلة ...



د. عبد الفتاح أفكوح
11-05-2008, 11:21 AM
المزبلة
... فإذا به يقف أمامها مندهشا، كأنه لم يرها من قبل، ثم أرسل زفرة طويلة، لم يتجاوز صوتها أذنيه، وغاص في شرود عميق، لم يستطع مقاومته أو الهرب منه، فخيلت إليه، بوجه شاحب حزين، غائرة التجاعيد، ودامعة العينين، ودامية القدمين، وبدت له وكأنها ترتدي ثيابا رثة ممزقة، قد حيكت من زجاج وحديد، وخيطت بأخشاب وأوراق، وتحمل على ظهرها كيسا ثقيلا تم حشوه بأشياء كثيرة يشق عليه كما يعز عليها عدها أو حصرها، ويعجز كما تعجز هي عن المعرفة التامة بها مجتمعة غير منقوصة ...
أرهف السمع عسى أن يبين له لسان حالها عما ألم بها، لكنها لاذت بالصمت، ولم تفض إليه بأي شكوى، ولم تفصح له عما أبكاها وأدماها، واكتفت بالنظر إليه، فأحس بإشفاقها وحسرتها عليه، وأدرك مدى أسفها لما آل إليه ...
لم يتمم تعليمه الأولي رفقة آخرين ممن هم في سنه، ولم ينعم يوما بطعم الصبا ولا حتى بيوم من أيامه، إذ ذهبت ريح اليتم العاصفة بزهرة البسمة من ثغره، واقتلع طوفان الفقر أحلام يقظته من جذورها، وداهمه سيل القهر الجارف بالكوابيس في منامه...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

جوتيار تمر
11-05-2008, 03:46 PM
دكتور..
بلغة شعرية مرهفة ، ومشاهد صورية ، نابعة من عمث المعاناة الاجتماعية ، اراك تخرج لنا مشهد درامي ، تبيح فيه للمتلقي ان يتحول الى مخرج ، او الى سيناريست ، يضع الفواصل بين الحدث ، ويضيف لمساته على الكثير مما يخفى تحت تلك الصياب الرثة ، وذلك الكيس الممتلئ ، ومقبلهما ما يخلفه اليتم في الانسان وعدم التعلم .

دم بخير
محبتي
جوتيار

د. عبد الفتاح أفكوح
05-06-2012, 10:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله جلَّ جلاله عليك أخي الكريم جوتيار تمر ورحمته عزَّ وجلَّ وبركاته
وبعد ...
لك من أخيك أبي شامة المغربي قمرَ الشكر المنير في جوف الظلماء، وشمسَ التقدير الساطعة في قلب السماء على جميل احتفالكَ بحروفي القصصية، وعسَى أن تفيدَ القراء الكرام والقارئات الكريمات في يسير أو كثير، وعسَى أن تدلَّ على أحد أسباب الخير بإذن الله تعالى، ثمَّ عسَى أن يتمَّ تقبلها بقبول حسن، ويتمَّ إنباتها نباتاً حسناً ...
حياكَ الله
أبو شامة المغربي

محمد النعمة بيروك
05-06-2012, 04:42 PM
جميلة هي فكرة النص، والأجمل اللغة التي تناولتها..
لقد جر الكاتب مخيلتنا نحو تلك القادمة، وصورها لنا بائسة مسكينة، غير أنها لم تكن كذلك إلا في مخيلته هو، وكان هو البائس المسكين الذي كشفت عنه نهاية القصة..
تمنيتُ لو توقف النص عند عبارة "وأدرك مدى أسفها لما آل إليه".. إنها قفلة كانت لتكون أقوى في نظري..

إنها قراءتي الخاصة التي تحتمل الخطأ.. لكنني أحييك وأتمنى لك التوفيق.

د. عبد الفتاح أفكوح
08-06-2012, 06:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله ذي العزة والجلال عليك أخي الكريم
محمد النعمة بيروك
ورحمته تعالى وبركاته
وبعد ...
لك من أخيك أبي شامة المغربي سناءَ الشكر الجزيل، ولك منه بهاءَ التقدير الأصيل على ألق احتفالكَ بحروفي القصصية، وعلى إشراقة حروفك المزهرة، وعسَى أن يرزقنا اللطيف الخبير التوفيق والسداد في كلِّ كلمة نخطها باليمين، ثمَّ عسَى أنْ تدلَّ القراء الكرام، والقارئات الكريمات ولو على سبب من أسباب الخير والمعروف ...
حياكَ الله
أبو شامة المغربي

مصطفى حمزة
14-06-2012, 05:32 AM
المزبلة
... فإذا به يقف أمامها مندهشا، كأنه لم يرها من قبل، ثم أرسل زفرة طويلة، لم يتجاوز صوتها أذنيه، وغاص في شرود عميق، لم يستطع مقاومته أو الهرب منه، فخيلت إليه، بوجه شاحب حزين، غائرة التجاعيد، ودامعة العينين، ودامية القدمين، وبدت له وكأنها ترتدي ثيابا رثة ممزقة، قد حيكت من زجاج وحديد، وخيطت بأخشاب وأوراق، وتحمل على ظهرها كيسا ثقيلا تم حشوه بأشياء كثيرة يشق عليه كما يعز عليها عدها أو حصرها، ويعجز كما تعجز هي عن المعرفة التامة بها مجتمعة غير منقوصة ...
أرهف السمع عسى أن يبين له لسان حالها عما ألم بها، لكنها لاذت بالصمت، ولم تفض إليه بأي شكوى، ولم تفصح له عما أبكاها وأدماها، واكتفت بالنظر إليه، فأحس بإشفاقها وحسرتها عليه، وأدرك مدى أسفها لما آل إليه ...
لم يتمم تعليمه الأولي رفقة آخرين ممن هم في سنه، ولم ينعم يوما بطعم الصبا ولا حتى بيوم من أيامه، إذ ذهبت ريح اليتم العاصفة بزهرة البسمة من ثغره، واقتلع طوفان الفقر أحلام يقظته من جذورها، وداهمه سيل القهر الجارف بالكوابيس في منامه...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

---------------
---------------
ما ميّز هذه القصّة أن الكاتبَ أخذ مقدمتها وجعلها كلها الومضة أو الخاتمة .. ( لم يتمم تعليمه الأولي رفقة آخرين ممن هم في سنه، ولم ينعم يوما بطعم الصبا ولا حتى بيوم من أيامه، إذ ذهبت ريح اليتم العاصفة بزهرة البسمة من ثغره، واقتلع طوفان الفقر أحلام يقظته من جذورها، وداهمه سيل القهر الجارف بالكوابيس في منامه... فإذا به يقف أمامها مندهشا... ) . لكن هذه المقدمة / الخاتمة كان ممكن تكثيفها بشكل كبير ، ففيها استطرادات متعاقبة ، ولو كثفت بجملة قصيرة واحدة لأحدثت أثراً أكبر وأعمق .
لغة بليغة جميلة ، والسرد سلس .. والصور البلاغية حاضرة . أما الفكرة فمطروحة لكن الكاتب عرضها بقلمه وأسلوبه .
تحياتي وتقديري أخي الأكرم الدكتور عبد الفتاح

ربيحة الرفاعي
19-06-2012, 05:32 PM
بحيرة نستقبل هذا الدخول الاستطرادي " فإذا به ..."
ونمضي مع الكاتب في تصوير إبداعي ملفت لتلك المحملة بما لا تعرف من توالف وفضلات يشق عليها حصرها
لنصل إلى المقدمة التي اختتم بها القاص نصه محملا عبرة القصة ورسالتها

يبقى أن العنوان كان جزءا رئيسا في النص وبيان مضمونه لمن يعرف معنى هذه المفردة العامية الاستخدام بهذا المعنى
فالمزبلة لغة هي موضع حفظ الزبل المستخدم في تسميد الأرض وليست مجمع القمامة


أهلا بك أديبنا الكريم في واحتك

تحاياي

سعاد محمود الامين
20-06-2012, 01:59 PM
قصة إبداع عجبتنى لغة وسردا. الأستاذة ربيحة الزبالة هى روث الحيوانات آكلة الحشائش يستخدم كسماد كا ذكرتى وايضا يستخدم فى مناطق فى أفريقيا لطلاء المنازل بعد تخميره. يوضع فى حفرة ويبلل بالماء ويترك حتى تفوح منه روائح نتنة كريهة تنتشر فى المكان. وبعد ان تتخمر تستخدم لطلاء المنازل الطينية من الخارج تساعد فى تماسكها اثناء هطول الامطار. فأى زبالة يقصد الكاتب؟

ماهر يونس
20-06-2012, 04:12 PM
أغرقته الشفقة عليها ونسي أن ينظر إلى مرآة نفسه للحظة قبل أن يعيده إنعكاسه في مرايا عينيها إلى واقعهما المشترك في "المزبلة"!
مبدعنا الدكتور أفكوح،
على قصرها استطعت أن تعكس واقعا مضحكا ومبكي في آن معا..وهذا هو الإبداع حقا
تشرفت بمروري هنا وسأخرج سريعا أيضا
محبتي والورود

د. عبد الفتاح أفكوح
13-07-2012, 11:24 AM
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
سلام الله ذي الجلال والإكرام عليكم أهل الجود والكرم
مصطفى حمزة - ربيحة الرفاعي - سعاد محمود الأمين - ماهر يونس
ورحمته جلَّ وعَلا وبركاتهُ
وبعد ...
لكم من أخيكُم أبي شامة المغربي شذا الشكر وشدو التقدير على جميل احتفالكم بحروفي القصصية في رحاب هذه الواحة العربية الزاهرة، وعسَى أن يتقبلها باقي القراء الكرام والقارئات الكريمات بقبول حسنٍ، وينبتوها نباتاً حسناً ...
حيَّاكم اللهأبو شامَة المغربي

ناصر أبو الحارث
30-03-2013, 12:39 AM
وقف أمامها يبحث في بؤسها عن وصف لبؤسه
قصة جميلة ومثرة

آمال المصري
24-04-2013, 01:19 AM
لقطة تصور البؤس مغروسا في طفولة أكهلها اليتم والفقر
بوركت أديبنا واليراع المبدعة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
12-08-2013, 07:39 AM
قصة حزينة وواقعية أسلوبها جميل مشوق واللغة شاعرية رائعة
شكرا لك أخي أبو شامة المغربي

بوركت

ناديه محمد الجابي
28-01-2021, 06:43 PM
بتقنية وحرفية عالية، ولغة شاعرية، وتصوير رائع
قدمت لنا ومضة إنسانية بإمتياز أجدت رسمها
فرسمت لوحة معبرة لليتم والفقر والبؤس
ومضة جميل بنائها، موجعة في حقيقتها، جادة الفكرة، وذكية المعالجة.
دمت بكل خير.
:003::009::009: