تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لقاءٌ في عتمةِ نفق ....



هبة الأغا
18-05-2008, 07:27 PM
رأيتكم ذات حلم، ورأيت الباحثين عن الأثر، فوقفت هنيهة ... لأروي لكم :


" لقاءٌ في عتمةِ نفق " ...
http://www.yonitheblogger.com/tunnel%20from%20gaza.jpg
..
صقيع لا يشبه كل الأعوام، وأطرافٌ ترتجف من البرد، ترتجي لحظة دفيء في زمنٍ أصبح فيه الدفء أشبه بحكايات التراث القديمة، وقصص جدتي التي أرهقتنا بها _ حينما كانوا يجتمعون على كانون النّار .. هناك في فلسطين " . "

ترى كيف يمضي أحمد وقته الآن؟
هل يأكل جيداً ؟ هل ينام جيدا ؟
_ سلمى ، تعالي افتحي الباب
_ حاضر أمي
قطعت أمي صمتيّ العذري، فاتجهتُ لطارق الباب، فإذا بها جارتنا " نوّارة " رفيقة جدتي _ رحمها الله _ أشعر أن " نوّارة " هذه، تشبه السنديانة العتيقة، وتراتيل العذراء، وتقترب بعطائها للآلهة " عنات " ، فكثيراً ما كانت ترسل لنا صينية " البسبوسة "، خاصة حينما تقدم لخطبتي أحمد، فكانت تقول لي : اطعمي خطيبك حتى يشبع .

أحمد ..
كم تفصل بيننا المسافات يا عزيزي، ما الذي حملك على السفر بدوني، وأي إرادة تحملها تُصبّرك على الفراق، لقد ذاب قلبي وجداً عليك، فما أتعس اللحظة التي أحتاج فيها إليك ولا أجدك ..
يااااه ..
كيف كنّا وكيف صرنا ..

" تحركت سلمى بهدوء نحو النافذة، تراقب ما تبقى من نهار، وتستذكر يوم أن كان أحمد يلوح لها بيده حينما يعود من عمله، ثم يصعد لبيتهم باحثاً عن طعامٍ شهي تصنعه أمها ، أو يبحث عن عينين دافئتين، أحبهما بصدق، وتمنى أن يكمل حياته معهما "
كان أحمد لايزال في السنة الأخيرة من الجامعة حينما جاء وأهله ليسكنوا بجوارنا، ومنذ أن جاء هؤلاء السكان الجدد، وأنا أشعر أنني أحبهم كثيراً، ثم لم تلبث مشاعري أن اتجهت صوب أحمد ..
كنتُ أحبه بصمت، وأحتاجه بصمت، وألعن الخجل .. أيضاً بصمت، ولكن ثمة احساس راودني أن أحمد يميل لي ..

كنّا في زيارتهم ذات مرة، رأيته ينظر إليّ بدفء، ارتعشت كثيراً، لم أصدق نفسي، عدتُ لمنزلنا، خفت أن يرى أحداً تلك الفرحة في عيوني، فأخفيت سعادتي تحت لحافي، وثمة أرقٌ لذيذ يراودني ..
وجاء اليوم الذي لم أصدق فيه قلبي، فقد زارتنا خالتي " أم أحمد " ومعها " دينا " ابنتها الكبرى، ليطلباني زوجة لأحمد، ..

ماذا يمكن أن نسمي اللحظة المستحيلة في حياتنا، حينما تتحول واقعاً ملموساً ..!!
وكيف ندرك ونعي أن ما يدور حولنا، حقيقة نلمسها .. !!
أخيراً، أصبح أحمد في حضرة قلبي، شرعت له الأبواب والنوافذ، وكتبت له الرسائل وأرسلت له الورود، واستمرت خطبتنا قرابة الخمسة أشهر، على أن نتزوج في صيف يوليو ...

ولكننا نعيش بحكم القدر، فقد مرض والد أحمد _ الذي يعيش في غزة، ويعمل في الجيش هناك_ فسافر أحمد وعائلته لوالده، على أن يعود بعد فترة لإتمام زواجنا .
سافر أحمد إلى غزة، وسافر معه قلبي المسافر دوماً، وسافرت معه كل جوارحي، ونبضي وعمري .. ،
مضى شهران على غيابه، كانت صحة والده تتحسن باستمرار، ويوم أن قرر العودة، كانت الطرق قد أقفلت، والمعابر أغلقت، وباعد الظلم بين قلبين مسافات ومسافات ..

كنا كل يوم نسمع أخباراً بالانفراج، وننتظر أن تفتح المعابر من جديد، ولكن الأمر كان يزيد تعقيداً يوماً بعد يوم، والحصار في غزة يزيد، وقلبي هناك يرنو للقاء ..
اتصل بي أحمد في ليلة عرسنا الموعودة، أخذ يهدئ من خاطري، ويحملني على جناح الرفق والعطف، ويمنيني بمستقبل سيكون أجمل من ذي قبل، كان يقول لي ذلك، وأصوات القصف لا تتوقف على غزة ..

لقد كان أشد قهراً مني، فكم أخبرني أنه يحبني أكثر مني، وكم أخبرني عن لهفته للقائي، فكنت أستذكره في كل لحظة تمر عليّ شوقاً وانتظاراً .

_ هل لكِ أن تغامري؟
_ أغامر بماذا يا أحمد ؟
_ سنلتقي يا سلمى، ولكن بطريقة أخرى..
_ ألن تأتي إلىّ ؟
_ أنتِ من ستأتين إليّ ..
_ كيف ؟
_ سأخبركِ الآن ..

وأخبرني أحمد بقصة النفق الذي يحاول المحرومون الدخول منه، والوصول إلى الطرف الآخر، ورغم ما يمكن أن نجده من معاناة إلا أنني صممت على المضي..
وكان اليوم الموعود، فجهزت نفسي، حيث رافقني والدي، وهو يتألم على مصيري المجهول، فالنفق الذي سأمر منه، لا يتسع لمرور قطة، فكيف بفتاة في مثل سني ..
ولكنني لم أجد أملاً إلا هذا الطريق .

وصلنا إلى حيث نقطة الانطلاق، وقد اتفق أحمد مع بعض معارفه أن يستقبلني هناك، ويوجهني للطريق الصحيح، وهو ينتظرني على الطرف الآخر ..
لقد راعني ما شاهدت،
كان حول النفق الكثير من البشر الذين ينتظرون أحبتهم وأهلهم من الطرف الآخر، وأخر ينادي بـ" 500 دولار للشخص الواحد " ، وبينما أتأمل هذه المشاهد، إذ بسيدة تخرج من طرف النفق، وكأنها امرأة مَوات، شاحبة الوجه واللون، مغبرة الجسد، فالتقت بولدها ، والتحم الجزء بالكل، شوقاً واصطباراً .
قررت الدخول إلى النفق..

ودعني والدي وهو يتقطع ألماً ..
_ حينما تصلي للطرف الآخر هاتفيني ...
دخل الشاب قبلي، وأخبرني أن أتبعه في كل حركة يفعلها، وباسم الله دخلنا هذا الممر المظلم، أتبع الشاب في كل حركاته، حتى شعرت للحظة أنني غير قادرة على الاستمرار، ولم أستطع التنفس بشكل طبيعي.
حاول الشاب أن يساعدني، ولكنني لم أستجب له، فقد نال منّي الإعياء ما نال، وأظلمت الدنيا أمام عينيّ.

كان الشاب في حالة من الارتعاب وهو يراني بهذه الحالة، فإذ به ينادي بصوته :
- أختي سلمى، أحمد بانتظارك، هاهو ينادي، لقد سمعت صوته الآن ..
بلا وعي، كان جسدي يتحرك بخفة، وكأنني أركض خلف فراشات الزهور، وما هي إلا دقائق حتى كانت يدٌ دافئة تمسك بي وتقول لي :


_ حمد الله عالسلامة يا سلمى .




. .





.
اعذروا تقصيري :001:

جوتيار تمر
18-05-2008, 08:38 PM
العزيزة هبة...

للعنوان هنا دلالات تبدو من الوهلة الاولى غريبة ، لكنها ما تلبث ان تستعيد بعض وضوحها ، عندما يغوص المتلقي في ماهيات النص ، واغراضه الذي اعد من اجله ، ولقد لعبت اللغة في النص دورها الفعال في شد انتباه المتلقي من بداية النص لاخره ، بحيث شده الحدث السردي واصبح ينتظر بشغف الختمة ليرسو على بر ، وهذا تلاعب محترف من ساردة تملك ادوات القص ، والمضمون وجدته ايضا في تماهي مع الواقع وفي خط سير افقي ، حيث تمازج فيه الوجحداني بالواقعي بالخيالي ، فنتج صورة حية ومباشرة تبث من اعماق ترى الاشياء برؤاها ووعيها وخيالها .

دمت بخير
محبتي
جوتيار

هشام عزاس
18-05-2008, 09:05 PM
المبدعة / هبــــة

قص سردي ممتاز من أول الصورة التي رسمت في ذهن المتلقي و رغبته في معرفة ماهية النفق إلى التمهيد للولوج في أغوار القصة و بعدها التشويق الذي لم يغادر المتتبع إلى آخر لحظة .
أسلوب جميل مشوق لا يخلو من رسالة واضحة يدركها كل قارئ .
استمتعت و سعدت بالقراءة لك سيدتي .
دمت مميزة

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــــام

سحر الليالي
19-05-2008, 11:15 PM
المبدعة [ هبة الأغا]
"
قصة جميلة سعدت بقراءتها
بإنتظار جديدك دوما
:
لك ودي وتراتيل ورد

دكتور محمد فؤاد
03-06-2008, 12:49 AM
عزيزتي هبة
كثيرة هي حكايا الحصار والمحاصرين ،لكنك تملكين مفاتيح الحكي جميعاً فاحتبست أنفاسنا ونحن نتتبع سلمى في كل خطوة لها داخل النفق ،وكما اجتازت هي محنة الحصار داخل النفق سيجتاز أيضاً أهلها محنة الحصار في غزة ..فطالما بقي الأمل حياً في الصدور فثمة لحظة للخلاص آتية ولاريب ..نص جميل بلغة قوية وسرد مشوق ..تقبلي تحياتي.
د. محمد فؤاد منصور
الأسكندرية

هبة الأغا
15-07-2008, 02:03 AM
العزيزة هبة...
للعنوان هنا دلالات تبدو من الوهلة الاولى غريبة ، لكنها ما تلبث ان تستعيد بعض وضوحها ، عندما يغوص المتلقي في ماهيات النص ، واغراضه الذي اعد من اجله ، ولقد لعبت اللغة في النص دورها الفعال في شد انتباه المتلقي من بداية النص لاخره ، بحيث شده الحدث السردي واصبح ينتظر بشغف الختمة ليرسو على بر ، وهذا تلاعب محترف من ساردة تملك ادوات القص ، والمضمون وجدته ايضا في تماهي مع الواقع وفي خط سير افقي ، حيث تمازج فيه الوجحداني بالواقعي بالخيالي ، فنتج صورة حية ومباشرة تبث من اعماق ترى الاشياء برؤاها ووعيها وخيالها .
دمت بخير
محبتي
جوتيار



دمتِ نوّارة يا جوتيار ...
كوني بخير:001:




حصار الجسد .. تقهره إرادة اللقاء



بقلم: هبة محمد الأغا



الحب يسكن خواطرهم، ورغبة اللقاء تعلو أنفسهم، ولهفة الرؤية تتأجج في قلوبهم يوماً بعد يوم، وهم يعرفون أن اللقاء أشبه بالمستحيل، وأن الطرق والحواجز والمعابر، لعنةٌُ في هذا الزمن العليل.



ولكنهم رغم ذلك ينامون على الأمل، ويستيقظون عليه، ويبحرون في أحلامهم، ويحلقون في ملكوت حياتهم وفاءً بالعهد، واحتراماً للرابطة المقدسة التي تربط بين قلوبهم الصغيرة، التي لم تكبر إلا على الحب وعلى الأحلام الوردية.



ولكن الطريق المعبد بالأشواك، والمعابر التي تضج بالموت والاحتراق، كانت حائلاً دون التحاق الأطراف ببعضها البعض، فمنهم من طار من أي ثغرة للنور ذات حلم، ومنهم من لا يزال يزور العبور كل يوم، علّ القدر يهديه هدية العمر التي يبتغي.



أما هي، فقد نزلت إلى الجانب الآخر من المعبر، وهي تحلم بلقاء حار، بعد تلك الغربة الطويلة، والانقطاع الذي دام أشهراً وأشهراً، ولكنها تجد نفسها كغيرها من البشر، تموت قهراً على رصيف الانتظار.



كان من المفترض أن يكون حفل زواجها هذا الصيف، ولكنها لا تعلم أي صيف يمكن أن يحتفل بهم على هذا الحال، كلُ ما كانت تفعله، أن تراه بقلبها على الجانب الآخر.



عرائس وعرسان فلسطين، أزواج على قوائم الانتظار، وكل يوم يزداد العدد، والقلوب على جمر الغضى والترقب، ومساحات من الوجد والشوق تعتريهم، ولا سامع ولا مجيب، إلا من همهمة في السحر تخترق السماء، وتقول بحرقة : يا الله..



فيهيءُ لهم من ابتلائهم صبراً وعزيمة، ومن صبرهم أملاً باللقاء، وبهذه الإرادة المشتعلة في القلوب، والعزائم المتقدة بإذن الله سيلتقون، كما التقى نائل بإسراء ودعاء برامي، ومنى بعبد الله ..

آمال المصري
14-05-2013, 07:35 PM
لقاء في عتمة نفق ...
رسالة وصلت باقتدار أيتها الرائعة مع نص جميل يحمل الأمل رغم قتامة الواقع
كتمت أنفاسي طول الطريق وأنا أقرأك هنا وخرجت وأنتشي أملا
بوركت واليراع الجميلة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ربيحة الرفاعي
15-08-2013, 06:59 PM
في نزوع النص الأدبي للواقعية رغم مساحة الخيال التي يلعب فيها الكاتب جمالية تزينه، ومتى جاء في سرديّة طيبة اللغة والأداء بات للقارئ آسرا وعليه أوقع وأكثر تاثيرا
وقد تجلّى هذا في نصّك القصي الماتع

دمت بخير فاضلتي

تحاياي

لانا عبد الستار
01-08-2014, 01:33 AM
بين المحاصرة في النفق والمحاصرين لا يملكون متنفسا غير الأنفاق عشت قصتك وهذا السرد الجميل
أنت قاصة رائعة

أشكرك

ناديه محمد الجابي
01-08-2014, 07:53 AM
هى معاناة شعب قدر عليه ان يعيشها على كل شكل
قصة رائعة ـ النص السردي ينهل معينه من واقع إنساني مؤلم
أبدعت في الوصف ، فعشنا معك كل المشاعر
قاصة باهرة انت ، وتمتلكين القدرة على شد إنتباه المتلقي
نصك جاذب بلغة قوية شيقة وواقعية
بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.

نداء غريب صبري
19-08-2014, 02:34 AM
قصة من قصص شعب أصبحت الأنفاق طريقه للحياة وسلاحه في الحرب وورقته في التفاوض
قصة جميلة ومؤثرة أدخلتنا النفق معها نعيش المعاناة خطوة بخطوة

شكرا لك أختي

بوركت

خلود محمد جمعة
21-08-2014, 05:59 PM
ما بين حصار القلب وحصار الحدود وحصار النفق سردت بإتقان ، بأسلوب مشوق
في عتمة النفق بزغت شمس الحب رغم كل الظلم والظلمة
قصة مائزة
دمت بخير
تقديري