تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المَقامَةُ المَحمولِيَّةُ



محمد أبو الفتوح
22-05-2008, 08:08 PM
حَدَّثَ فارِسُ بنَ قَيسٍ قالَ: لَمّا نَزَلتُ القاهِرَة وَأَناخَت بي الرّاحِلة، أَتَيتُ صاحِبَ مَتجَر في حَيِّ الأَزهَر، فَأَلقَيتُ السَّلام وَشَرَعتُ في الكَلام، قُلتُ: أُريدُ شَريحَةَ اتِّصال، قالَ: فَما صِفَتُها؟ ، قُلتُ: قَوِيَّةٌ شَبَكَتُها رَخيصَةٌ دَقيقَتُها واسِعَةٌ تَغطِيَتُها، صافِيَةُ المَسمَع حَسَنَةُ المَنبَع سَهلَةُ المَطلَع، قالَ: أَخصَبتَ الخَيال وَطَلَبتَ المُحال، إِن شِئتَ أَتَيتُكَ بِما يَكفيك فَلن تَجِدَ ما يُرضيك، قُلتُ: أَنتَ وَذاك، فَذَهَبَ يَمشي عَلى هَون وَأَتى بِشَريحَةٍ حَمراءِ اللَون، وَقالَ: هاتِ المَحمول، قُلتُ: لَيسَ مَعي مَحمول، قالَ: وَيحَك، شابَت العُقول وَكَيفَ تَعمَلُ شَّريحَةٌ بِغَيرِ مَحمول!!، فَقُلتُ: أُريدُ مَحمول، قالَ: فَما صِفَتُه؟، قُلتُ: حَسَنُ المَظهَر مُوَّثَقُ المَصدَر، لا صَغيرَ فَيُحقَر وَلا كَبيرَ فَيُنكَر، فقالَ: أَعياني طَلَبُك هي أَمامُكَ فَاختَر ما تَشاء، فَنَظَرتُ فيها فَأَعياني الاختِيار وحارَتِ الأَفكار، فَقُلتُ: اختَر ما تَشاء وَأَحسِن الانتِقاء، فَأَخرَجَ لي مَحمولاً جَميلَ الوَصف حَسَنَ العَزف يَقتَفي الأَثَر وَيَلتَقِطُ الصُّوَر، فَقُلتُ: أَحسَنتَ الاختِيار ، كَم ثَمَنُه؟ قالَ: أَلفان، فَأَصابَني الذُّهول وَلََعَنتُ المَحمول، ثُم أَطرَقتُ مَلِيّا فَبَدَوتُ غَبِيّا، وَقُلتُ: النُّقودُ قَليلَة-فَقَد أَعيَتني الحيلَة- فَأَمهِلني حَتّى الغَد آتيكَ بالنَّقد، فَقالَ: هَوِّن عَلَيك فَإِنّي رَأَيتُكَ حَسَنَ الهِندام مُمَنطَقَ الكَلام أَشبَهَ بِالكِرام بَعيداً عَنِ الحَرام، أَما وَقَد وَعَدتَ فَلا ضَيرَ إِن كانَ مَعي أَو مَعَك فَإِنّي أَحسَبُكَ تَفي بِالعَهد وَتُنجِزُ الوَعد فَإِن شِئتَ خُذهُ بِكَلِمَتِك وَلا تَحرِمنا إِطلالَتَك، فَقُلتُ في نَفسي: وَاللَهِ ما لي مِن مَهرَب فَإِمّا كاذِباً وَمَعي النُّقود وَإِمّا خائِناً لِلعُهود، ثُمَّ قُلتُ: أَصلَحَكَ اللَه، هاكَ ما مَعي مِن نُقود وَغَداً تُستَوفى العُهود ثُم انصَرَفتُ أَقول:

لا تَنطِقَنَّ بِلا تَفَكُرَ يا فَتى = إِنَّ الكَريم بِقَولِهِ يُستَعبَدُ
وَإِذا وَعَدتَ فَلا تُضَيِّع مَوعداً = إِنَّ الكَريم لِعَهدِهِ لا يَنقُدُ

هشام عزاس
22-05-2008, 08:31 PM
الفاضل / محمد

مقامة محمولية رائعة تعيدنا إلى زمن المقامات الجميل .
أسلوب رائع و ممتع لا يخلو من القيمة ... فمن شروط المعاملة القول و الفعل السديدين .
استمتعت كثيرا بالقراءة لك أيها الكريم .

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــــام

حسنية تدركيت
22-05-2008, 08:58 PM
رائعة وربي , كلمات وأحرف مكتوبة بعناية فائقة
وفقك ربي أخي الفاضل وأدام لك هذا الألق وزيادة

راضي الضميري
22-05-2008, 10:49 PM
(إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا))

رائع أنت أيها الأديب القدير ،

تقديري واحترامي

سمو الكعبي
22-05-2008, 11:27 PM
أخي
جميلة مقامتك , رائعة إطلالتك , حرف بهي , ونظمك زكي .
لكن اسمح لي أن مقامتك هذه ما استوفت النهاية أو غرض الكدية الذي يقوم على الطلب بالحيلة , أتمنى أن لوكانت خاتمتها كما كانت نهاينها ,لكن يبدو أنك اعتمدت على غير هذا .
وأهلابك ولا عدمنا إبداعك فحرفك وقلمك له إطلالة جديدة

سهير ابراهيم
24-05-2008, 05:24 PM
اسلوب رائع
اهلا بك معنا في ملتقى الواحة الثقافية
احترامي وتقديري

جوتيار تمر
24-05-2008, 06:27 PM
ابو الفتوح ...

تلك مابلغ اللغة في التكوين الابجدي ، وذاك معالم المعاملة في التقويم السديد الانساني ، وهنا اراك تجكع الاثنين في قالم مقامي بديع ، لاايسعني الا ان اقول لك دمت مبدعا راقيا .

محبتي
جوتيار

أديبه نشاوي
24-05-2008, 07:06 PM
الاخ الكريم
مقامة جميلة ورائعة
استمعت بقراءتها جدا
دمت ودام قلمك المبدع

أنس إبراهيم
24-05-2008, 07:21 PM
للهِ دركٌ بكَ ما كتبتَ

أما هوَ سحرُ البيانِ ولغةُ الحوارِ لسانٌ متقدٌ بالفصحى
أخي
أخشَى أن أكون طفلـاً في اللغةِ ها هنـا
فقد إتشحتْ حرفُكَ بالإتقان ومعدنٍ من الكلام ، مموهُ المصدرِ

لله دركٌ

إعجابي ثم إعجابي ، ثم إعجابي

تحيتي وتقديري لكْ

د. سمير العمري
20-10-2010, 01:56 AM
الله الله الله!

هذا مما طاب للنفس متابعته ، وأسعد العين مطالعته فما وددنا إذ نال ما اشتهى أن عن البوح ما انتهى.

دمت بخير!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير!



تحياتي