مشاهدة النسخة كاملة : قفزات فلسطينية ... رواية أنتم تصنعونها(دعوة للمشاركة)
أحمد عيسى
25-05-2008, 01:08 PM
البداية
- دعك من هذه الجلسة التي تضيع بها وقتك يا " فارس " في الحياة أمور كثيرة أجدى وأنفع من تأمل النجوم وكتابة الشعر ..
- أتعلم يا "نائل " هذه النجوم تطاردني ، أحس معها بعذابات كل طفل يموت وكل آهة تنطلق على شفاه المحرومين في هذه الدنيا ، أشعر بها تناديني وأحس بلهفتها للقائي ...
نائل وقد تناول كرسياً وجلس بجوار صديقه في الحديقة الصغيرة التي يوسطها منزله المبني من "الاسبست "
- والى متى يا صديقي ستبقى تدور في عوالمك الخيالية حول زمن الفروسية والعروبة وتنتظر القادمين من خلف النجوم لكي ينتشلوك من هذا العالم ...
هناك ابنة خالتك تنتظر أن تخطبها وقد طالت الوعود ، وهناك أم عجوز تستطيع بالكاد أن تلبي طلباتك وأخوتك وتحتاج إلى من يخدمها ، أما والدك فقد أصبح في سن آن له أن يرتاح فيها وأن يترك الزرع والعمل لكي يهنأ باله ويمارس شيخوخته وصلاته في صمت بين جدران بيته وأبنائه ...
"فارس " وقد تراجع في مقعده إلى الخلف وقال مغمضاً عينيه :
- أترى ، تتحدث بذات التكرار الذي يرافقني في كل مكان ، نفس الحديث بنفس المنطق والأسباب دائماًُ ، مكرر أنت ككل شيء في هذه الحياة ، لكني لم ولن أكون عدداً يضاف إلى قوانين الأشياء ، متفرد أنا يا صديقي حتى ولو لم تر ذلك ..
انظر إلى حديقتي الصغيرة التي زرعت كل شيء فيها بنفسي ، لم أزرع من كل شيء اثنين ، زيتونة واحدة ، شجرة برتقال وواحدة ، شجرة خوخ ، شجرة عنب ، نخلة وحيدة ، وشجرة ياسمين تركت لها العنان ، من كل نوع واحدة فقط ، كل نوع تفرد بذاته ، أعطى ما لم يعطه غيره ، قدم لي ما لم يقدمه غيره ، وأنا لن أعيش وأموت هكذا ، في صمت ... لن أكون رقماً يعيش بين الأحياء ثم يسجل في سجلات الأموات ... سأكون شيئاً أو لا أكون ... هكذا أنا حتى ولو لم يعجبك ذلك ..
الأم العجوز الطيبة على باب المنزل وشاشتها البيضاء تلتف حول وجهها :
- تفضوا بالداخل فقد جهز طعام العشاء ..
نائل وهو يلوح بيده :
- لا داعي يا حجة فقد شربت الشاي ولسوف أمضي ..
أم فارس :
- والله الذي لا اله إلا هو لتدخل وتتناول الطعام ، فان كل من بالداخل هم أخوة لك ..
وبدأت كعادتها تمارس الإلحاح المعروف في فلسطينيي الزمن الذي مضى ...
فلم يجد نائل بداً من ترك مقعده وتأبط ذراع فارس إلى حيث مائدة الطعام على " الطبلية "
فارس ضاحكاً :
- أتمارسين انتقاماً من الرجل يا أماه ، هارب هو من صحن الفول في بيت أم نائل .. ليجده هنا ينتظره وقد فاحت رائحة الثوم من ثناياه ... ارأفي بحال المسكين هداك الله ..
الأم وهي تلقي بنظرة عتاب على فارس :
- وهل بعد الفول من طعام ، أنظروا إلى هذه المائدة التي تحتوي أكثر من عشر أصناف لم نكن لنجد نصفها أيام الهجرة ...وكم كنا نتمنى صحناً من الفول فحسب .. ثم أن الجود من الموجود يا ولدي ..
فارس : وأين هي الأصناف العشرة يا أماه
الأم : فلتبدأ العدد إذن ، أولها صحن الفول ، ثم طبق الحمص ، ثم صحن الزيتون ، وصحن الزعتر ، وصحن الفلفل الأحمر ، وصحن الجبنة ، والِمش ، وأخيراً الماء والخبز ..
قهقه نائل ضاحكاً ، بينما بدأ فارس يعيد العد وراءها ... حتى وصل للرقم تسعة ..
فقال ممازحاً :
- لكنها تسعة فأين العاشر إذن ...
الأم في حيرة : أعددتها تسعة ، أنسيت الهواء الذي نتنفسه ويجري في شراييننا ، أليست بنعمة يا ولدي .. تضاف إلى ما سبق ..
فارس وقد أحس أن العجوز الأمية قد غلبته :
- نعم نعم ... أستسلم يا أماه ، ونحمد الله على كل حال ..كلوا في صمت فأمامنا ليلة ليلاء ..
....
**********
في منتصف الليل ...وفي موقع عسكري تغطيه كثافة الأشجار المحيطة ،
كان فارس يمارس حياة تختلف كثيراً عن التأمل والغوص في أسرار النجوم ..
كان جزءاً من مشروع تعمل عليه المقاومة الفسطينية منذ سنين ... الجندي الخارق ..
لهذا كان يخضع لتدريبات مكثفة تبدأ من منتصف الليل ولا تنتهي إلا صباحاً ، كل يوم وبصورة منتظمة منذ سنوات ...
كانت الفكرة هي تشكيل مجموعة خاصة من المقاومة تستطيع تنفيذ عمليات سريعة في قلب تحصينات العدو والعودة بسرعة إلى حيث كانت ، مجموعة تستطيع تحدي العوامل الجوية ، والتعامل مع الدبابات والجيبات وآليات العدو جميعها ، مجموعة تحفظ لغة عدوها وتتحدث بها بنفس لهجتهم وطريقتهم وأسلوبهم ... تستطيع التخفي وتحمل أقسى وأعنف الظروف ...
وكان فارس ..متميزاً ..
فقد أثبت قدرته الفائقة على التعلم واكتساب الخبرات وأبدى شجاعة ليس لها مثيل ، فكان جندياً مثالياً يقتدى به بين جنود الوحدة ...
" أبو ماهر " قائد الوحدة يبدأ في شرح آلية جديدة لتكنيكات الهجوم واقتحام المواقع والتحصينات العسكرية ، وفارس منتبهاً مصغياً ، عندما دوى في أذنيه صوت حفيف للشجر بدأ وانتهى في سرعة ...
وهنا أشار فارس بيده لقائد المجموعة علامة الصمت وبدأ يتسلل في صمت وحذر إلى مكان الحفيف حتى لاح له شبح ينسحب هارباً بسرعة ، وانطلق فارس خلفه كالبرق ، وقد بدأ الموقع يصغر من وراءه حتى استطاع القفز فوق الشبح الذي يتشح بالسواد ، أمسكه من تلابيبه وأجبره على الوقوف ، حاول الشبح المقاومة لكن لكمتين من يد فارس أسكتت صوت مقاومته وأسالت الدماء على جرح في أنفه ...
- من أرسلك يا هذا ..
قالها صارخاً ، فقال الرجل :
- للأسف ... انتهى وقتكم ..
- ماذا تقول ، ما الذي سيحدث ؟ ..
- انتهى وقتكم يا هذا ، أنتم في عداد الأموات الآن ..
لم يكد ينتهي من عبارته حتى هز انفجار ضخم مكان الموقع الذي كانوا يجتمعون فيه ، فاهتز جسد فارس في ألم ، كمن تقطعت أشلاءه ، كأنه لا زال هناك ، اهتز كيانه كله وهو ينظر إلى العميل الماثل أمامه في احتقار ... أي مخلوق أنت .. أي كيان شيطاني مريض أنت ...
وبكل ما يعتمل في صدره من غضب انهال على جسد العميل باللكمات والركلات وهو يصرخ في ألم ...
قال العميل :
- انتهى وقتك أنت أيضاً يا هذا ... فقد أرسلت إشارة بموقعنا ...
لمح فارس جهازاً صغيراً في كف الشاب ، فانهال عليه ضرباً مرة أخرى قائلاً بصوت صارخ :
- لن يقصفوننا الآن وأنت معي ...
قال الشاب في ألم :
- أتمنى هذا .....لكنهم سيفعلون ... فلتنج بحياتك الآن قبل فوات الأوان ..
واتركني لأواجه مصيري هنا ...
كان فارس يعلم هذا جيداً ، يعلم أن هذا العميل قد أدى مهمته وأصبح ورقة محترقة ولن ينفعهم بقاءه بقدر ما يهمهم موته قبل انكشاف أمره ...
دفعه بذراعيه في ازدراء وجرى بكل ما أوتي من قوة وقد أحس بصوت الطائرة وقد بدأ يقترب أكثر وأكثر ..
لكن شيخاً عجوزاً يبرز له من شارع ترابي جانبي ، يشير له بذراعيه أن تعال ، وبسرعة كان داخل منزله بينما توقفت الطائرة فوق المنزل مباشرة وكأنها تعاين الموقع قبل قصفه ..
قال الرجل العجوز وقد تأمل فارس :
- هو أنت إذن يا ولدي ... هو أنت إذن ..
فارس : أنا من يا عماه .. ماذا تقصد ؟
الشيخ : أنت من تكررت صورته في أحلامي ألف مرة ، حتى لقد بت واثقاً أنك يوماً ما ستأتي ..كنت متأكداً من هذا ... أنت الفارس الذي سيصنع شرارة النصر .. أنت الفارس الذي سيقود الثورة ...
فارس وقد علت الحيرة على ملامح وجهه المتعب :
- أي رؤيا يا عماه التي تتحدث عنها ... وكيف عرفتني وعرفت اسمي ...
قال الشيخ وهو يقود فارس إلى غرفة جانبية :
- عرفت صفتك يا ولدي ولم أعرف اسمك ... فان كانا متشابهين فان هذا لدليل على صدق رؤياي ، واقتراب حلمي من التحقق ...
لكن أزيز الطائرة يقترب ويجب أن تهرب يا ولدي ..
فارس وقد بدأ يفكر في طريقة الهروب :
- دعنا نهرب ثم نعود لنتحدث عن رؤياك ... أين بابك الخلفي ..
الشيخ :
- لا يوجد باب خلفي ، لكن يوجد لدي ما هو أكثر ، لا تسألني من أين فلن أخبرك ، ولا تكذبني فلن أعطيك إياه ، ولا تناقشني كثيراً فان وقت هروبك قد حان ..
فارس وقد بدت الحيرة تغزو وجهه كله :
- ما هذا الذي تتحدث عنه يا عماه ..؟
الشيخ :
- ها قد بدأت في الأسئلة التي لن تقود إلى طريق للنجاة ، دعك منها وارتدي هذا الحزام ، ففيه الحل والخلاص ..
ومن مكان ما جاءه بحزام فضي يتلألأ في ضوء الغرفة كالشمس ، وطلب من فارس أن يرتديه ..
كانت الضربة الأولى في ركن المنزل وبدأت جدرانه تتهاوى ...
سارع فارس لارتداء الحزام الذي يحمل لوحة أرقام في منتصفه بينما قال الشيخ بسرعة :
- اضغط على رقم السنة التي تود السفر إليها ، ستعود إلى الخلف مرة واحدة ولن يمكنك بعدها إلا القفز إلى الأمام ... المكان يعتمد على سرعة تفكيرك واختيار عقلك الباطن لمكان بذاته ، لن يكون خارج أرض فلسطين ، والزمان سيكون في الحدود التي تضعها في اللوحة ..
وتذكر يا ولدي ، لن يمكنك أن تزور نفس المكان مرتين ..
هذا هو حزام الزمن وقد أهديتك إياه أيها الفارس فسِر على بركة الله ...
فارس لم يستوعب نصف الذي قيل ، وصوت الصاروخ في الهواء وقد اقترب من الغرفة التي يقفون فيها ، فما كان منه إلا أن ضغط أربعة أرقام ، والصوت يزداد اقتراباً ...
دوى الانفجار بقوة وقد تعالت سحابة الدخان فوق سماء المنطقة ...
لكن فارساً لم يكن هنا ...
فقد أصبح هناك ...
*****
.
.
.
.
أنت عزيزي القارئ .. من ستختار الزمان والمكان ...
أنت ستحدد اتجاه الرواية للخلف هذه المرة ..
قفزات للتاريخ ستكون ..
وانتم من يحدد معالمها ..
.
.
.
.
.
القفزة الأولى بدأت الفعل ولسوف أضعها لكم هنا ثم نبدأ في التفاعل من بعدها باذن الله ..
أبو فارس
أحمد عيسى
25-05-2008, 01:19 PM
ملاحظات على ما سوف يأتي :
أولاً / هذه الرواية تفاعلية مفتوحة لكل كاتب يرشحه الأعضاء أو يرشح نفسه لكتابة أي فصل بعد الفصل الأول ..
ثانياً / الرواية تفاعلية مع الجمهور ، للجمهور حق اختيار الزمان والمكان ، وهذه ستكون سابقة في هذا النوع الجديد من التفاعل بين الكاتب والجمهور .
ثالثاً / في حال اختلاف آراء الأعضاء حول المكان والزمان سيختار الكاتب الزمان والمكان المناسبين لسياق الرواية ..
رابعاً / المكان سيكون دائماً في حدود الوطن ، فلسطين ، والزمان يفضل أن يتماشى مع تواريخ مخلدة في الذاكرة الفلسطينية لنتمكن من تسليط الضوء عليها من خلال أحداث الرواية .
خامساً / العنوان المبدئي للرواية : فرسان الزمن ، أو قفزات فلسطينية ، ولكن أنتم من ستحددون عنوانها بعدما تتضح معالمها ..
سادساً / لمن سيهاجم الفكرة نفسها وهي قضية الحزام والسفر عبر الزمن أتمنى عليه أن يصبر الى انتهاء الرواية ..
تحيتي .
جوتيار تمر
25-05-2008, 03:06 PM
العزيز احمد....
الفكرة تحمل اطارين اراهما في حدود الممكن ، الاولى القبول وهذا يحتاج الى جهد وعمل ومتابعة ووقت ، ولعل مشكلة الوقت هي الاكثر بروزا هنا ، والثاني هو منطق رفض الفكرة لانها قد تؤثث بعض الامور التي تخرج عن السيطرة ، لكون اختلاف وجهات النظر حول المسألة نفسها ، وهذا يتطلب صدرا رحبا .
في الاساس الفكرة لابأس بها من حيث المنطقين.
دم بخير
محبتي
جوتيار
أحمد عيسى
25-05-2008, 06:01 PM
العزيز احمد....
الفكرة تحمل اطارين اراهما في حدود الممكن ، الاولى القبول وهذا يحتاج الى جهد وعمل ومتابعة ووقت ، ولعل مشكلة الوقت هي الاكثر بروزا هنا ، والثاني هو منطق رفض الفكرة لانها قد تؤثث بعض الامور التي تخرج عن السيطرة ، لكون اختلاف وجهات النظر حول المسألة نفسها ، وهذا يتطلب صدرا رحبا .
في الاساس الفكرة لابأس بها من حيث المنطقين.
دم بخير
محبتي
جوتيار
العزيز جو
مرورك يسعدني ويشرفني دائماً أيها الغالي
بالنسبة للأولى .. لهذا فضلت أن أبدأ أنا في أول الفصول التي سأضع حلقاتها حلقة حلقة وبالتالي سيعطي هذا فرصة جيدة لمن تعجبه الفكرة ويقرر المشاركة معي ..
الثانية : ان هذه الفكرة على غرابتها نستطيع التحكم فيها بعد انتهاء القفزات الزمنية بوسائل عدة ..
منها التفسير العلمي / وليس آخرها التخيل والحلم ..
سأبدأ في وضع حلقات القفزة الأولى وأرجو أن أجد متابعين
وأرجو أكثر أن أجد من يقرر المشاركة في وضع أحد الفصول ..
تحيتي
هشام عزاس
26-05-2008, 12:12 AM
الفاضل / أحمد عيسى
فكرة جميلة و جديدة و لكن أظن أن تجسيدها صعب نوعا ما ...
سأحاول أن أتابع الأجزاء القادمة و أتمنى نجاح الفكرة من كل قلبي و أن أرى عملا روائيا ناجحا
و مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ...
متمنياتي بالتوفيق
اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــام
أحمد عيسى
26-05-2008, 05:53 AM
الفاضل / أحمد عيسى
فكرة جميلة و جديدة و لكن أظن أن تجسيدها صعب نوعا ما ...
سأحاول أن أتابع الأجزاء القادمة و أتمنى نجاح الفكرة من كل قلبي و أن أرى عملا روائيا ناجحا
و مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ...
متمنياتي بالتوفيق
اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــام
الأخ الفاضل : هشام
لك خالص شكري على مرورك وتفاعلك ، وقد نفذت هذا المشروع سابقاً أخي هشام في شبكة فلسطين وقد نجحت آنذاك الرواية واكتملت وهي بعنوان " أوراق جافة " صحيح أن اختلاف الكتاب " خمسة كتاب " خلق بعض الاختلافات في اسلوب القص .. لكن في النهاية كان عملاً متقناً متكاملاً وبحاجة الى تجارب أخرى..
سأبدأ اليوم في القفزة الأولى علني أجد من يتشجع ويواصل بعدي ..
أحمد عيسى
26-05-2008, 12:55 PM
القفزة الأولى ( دماء على الأحراش )
.
.
.
.
أحمد عيسى
26-05-2008, 12:56 PM
(1)
فجأة وجد فارس نفسه على فراش دافئ ، في غرفة صغيرة يضيؤها قنديل معلق بزاوية السقف ..
حوله طفل صغير تهللت أساريره فور أن رآه وقد ارتعشت جفونه قبل أن يفتح عينيه ويحاول النهوض فلا يستطيع ...
الطفل يهرول صائحاً :
- أبي ، لقد نهض الرجل .. .
وبسرعة يدخل إلى الغرفة رجل تبدو عليه ملامح القوة والصلابة رغم سنوات عمره التي تجاوزت الخمسين بقليل ..
وضع يده على جبين فارس ، وفحص نبضه من عنقه ، ثم طلب من الطفل أن يحضر قربة الماء لكي يشرب فارس ، ساعده على الاعتدال قليلاً ووضع طرف القربة في فمه حتى استطاع أخيراً أن يشرب القليل من الماء ..
- أخيراً يا ولدي .. حمداً لله على سلامتك ..
فارس :
- أشكرك يا عماه ، ولكن أين أنا ، ومن أنتم ؟
الرجل :
- أنا أبو هيثم ، وهذا هو ولدي الأصغر محمود ، أما أين أنت فهذه نحتاج منك أن توضحها لنا ، ما الذي جاء بك إلى بلدتنا ، وكيف دخلت إلى مصنعهم ، وماذا كنت تفعل هناك ... لقد أنقذناك بمعجزة يا صاحبي ..
فارس :
- اعذر لي بطئ فهمي وأخبرني أين وجدتموني بالضبط ومم أنقذتموني ..فأنا مشتت التفكير ولا أستطيع التركيز جيداً فيما تقول .
أبو الهيثم :
- سنتركك لترتاح وبعدها سيكون لنا معك حوار طويل ...
خذ راحتك الآن واعتبر أنك في بيتك ، ستقوم زوجتي بإحضار طعام الغذاء لك حالاً ، ولسوف أعود لأراك مساءً ..
فارس :
- أشكرك ..
وعاد يتطلع إلى كل ما حوله في حيرة ، أبو الهيثم يلبس الحطة البيضاء والعقال ، لهجته غريبة ، هذا المنزل الطيني ، مفردات المكان حوله تختلف كلية عما ألفه واعتاده ، فأين هو يا ترى ، في أي بقعة من بلاد العالم أصبح ، وفي أي زمان هو الآن .. أسئلة دارت في ذهنه حتى أرهقته ، ولم يقطعها إلا صوت استئذان أم هيثم وهي تهم بالدخول ...
- تفضلي يا أماه ..
قالها بعد أن كانت قد أصبحت داخل الغرفة بالفعل ، سيدة سمراء البشرة تلبس الثوب الفلسطيني المطرز بالخيط الأحمر ، تلتف شاشتها الطويلة لتغطي رأسها ، ويضفي الكحل إلى عينيها صرامة غطتها طيبة واضحة بدت على ملامح وجهها كله ..
جلست بجواره ، وبيدها صينية بها بعض الفطائر التي تثير الشهية ، راحتها ذكية عبقت أنفه ، وتناولت هي إحداها وناولتها له قائلة في حنان :
- حمداً لله على سلامتك يا ولدي ، تناول طعامك يا مسكين فأنت مستغرق في غيبوبتك منذ يومين كاملين ..
ثم نادت فتاة تقف خارج الغرفة وكأنها تنتظر :
- مريم .. أحضري بعض المياه والشاش لنغير على جروح ضيفنا ..
جرت الفتاة لتنفذ طلب والدتها ثم عادت وتنحنحت على باب الغرفة ، فنادتها والدتها أن تعالي ..
وبخطوات متكسرة جاءت مريم ..
رشيقة القوام كانت ، سمراء البشرة ، أنيقة الخطى ، تلتف شاشتها على نصف رأسها ، وعينيها الواسعتين يبدوان أكثر عمقاً وقد ازدانتا بالكحل كما والدتها ..
وأمام والدتها وضعت ما طلبته وانصرفت مسرعة ، وفارس مطرق رأسه وقد شعر أنه من العيب أن يلتفت إليها ولو بنظرة خائنة كالأولى ..
الأم تمسح بالماء جروحه وتعود لتضمدها ، وهي تمط شفاهها في أسى وتقول :
- مسكين يا ولدي فلقد أوسعوك ضرباً ، حتى ظننا أنهم سيقتلونك ..
فارس :
- ومن هؤلاء يا أماه ولماذا ؟
أم هيثم :
- هؤلاء اليهود الملاعين ، وجدوك في مصنع الاسمنت المجاور للقرية ، ربما ظنوك لصاً أو تحاول التخريب فانهالوا عليك ضرباً رغم أنك كنت فاقداً للوعي أمامهم ولا تملك حتى حق الاعتراض .. وقد رآك فتية القرية وهم يقتادونك ولولا أبو هيثم والرجال الذين هرعوا لإنقاذك لكنت الآن إما جثة هامدة أو أسيراً في سجون البوليس ..
كان يود سؤالها عن الزمان لكنه لم يقدر ، سيفهم وحده ، وقد بدأ يفهم ، سيرتاح الآن حتى المساء ، وبعدها سيجد الإجابات عند منقذه وصاحب الدار التي يستريح فيها ..
*******
في المساء كان أبو الهيثم ومعه رجلين يجلسان بجانب فارس ، وقد بدت عليه الصحة الجيدة بعد المعاملة الحسنة التي تلقاها .
أبو الهيثم :
هؤلاء هم أصدقائي وجيراني ، هذا الشيخ إبراهيم ، وهذا أبو علي ..
سلم عليهم فارس متأملاً في ملامحهم محاولاً سبر أغوارها ، كان الشيخ إبراهيم طويلاً نحيفاً ، له صلعة تأكل مقدمة رأسه ، وإحدى عينيه ترتجف باستمرار وكأن بها مشكلة ما ..
أما أبو علي فكان وافر الصحة قوي البنية وقد أحس فارس بالرهبة في وجوده ..
أبو الهيثم :
- أعتقد أن الوقت قد حان لتخبرني عن اسمك وسبب تواجدك هنا ..
فارس :
- اسمي هو فارس ، وقد أتيتكم ضالاً وما وجدت نفسي إلا وقد استرحت في مصنع اليهود ولم أكن أعرف أنه لهم ..
أبو الهيثم :
- ونحن يا ولدي عرب فلسطينيون ولن نتخلى عنك حتى يشتد عودك وتصبح قادراً على الرحيل ، واعتبرنا أسرتك وأنت واحد منا ..
فارس في تأثر :
- وهل أجد أنبل من هكذا أخلاق ، أدعو الله أن يقدرني لرد هذا الجميل ولو بعد حين ..
وهكذا انقضت الساعة القادمة والرجال يتناقشون وفارس مصغي عله يفهم أين هو من دفتر الزمن ، لم يكن لهم حديث إلا عن توسع اليهود وشرائهم للأراضي وعن اشتداد ظلم الانجليز ودعمهم لليهود واستقبالهم لقوافل المهاجرين موفرين لهم سبل الراحة والاستقرار ...
قال الشيخ إبراهيم :
لعل معاهدة ما تستطيع أن تخفف انتشارهم وهجرتهم .. وقد تتوقف اعتداءات الانجليز واليهود ..
قال أبو علي بصوت كالزمجرة :
- أي صلح وأي معاهدة مع هؤلاء الكفار ، لن يفيدنا إلا السلاح ، وقد قالها الشيخ : من "جرب المجرب فهو خائن "، ولقد جربتموهم قبل ذلك وثبت كذبهم وضلالهم ..
أشار لهم أبو الهيثم علامة الصمت ، وقد أحس أن الحوار بدأ يصل لنقاط لا ينبغي أن تطرح أمام ضيفهم ..
نلتقي غداً يا ولدي ..
قالها الرجال وانصرفوا مودعين ..
وفارس يفكر في كل ما حدث ويقلب الأحداث في رأسه تباعاً ، سيعرف أين ومتى ، ولكن هل يستطيع العودة ..
تأمل جسده جيداً وعرف أنه لا يلبس الزي العسكري .. ولا يوجد حول وسطه أي حزام من أي نوع ... إذن فقد بدل أبو الهيثم له ملابسه التي تمزقت من ضربات اليهود .. فأين الحزام ، وهل ظل هناك في مصنع اليهود أم تراه هنا بين يدي أبا الهيثم ..أسئلة كثيرة كانت تحتاج إلى إجابات واضحة ولم يكن من بد إلا الانتظار حتى الصباح ..
.
.
.
.
يتبع ...
أحمد عيسى
26-05-2008, 05:39 PM
......
نواصل غداً
أحمد عيسى
27-05-2008, 10:50 PM
(2)
ومضى الليل طويلاً مثقلاً بالهموم على نفس فارس الذي أضحى في مكان غريب لا يعرف فيه أحداً ..
تقلب على فراشه طويلاً وما كاد الصبح ينبلج حتى نهض مسرعاً ووجد قربة الماء إلى جوار الفراش فتوضأ حتى سمع جلبة في البيت فعرف أن أبا الهيثم قد نهض للصلاة هو الآخر ..
ناداه وطلب أن يرافقه إلى المسجد .. وأخيراً .. ها هو خارج المنزل الذي وجد فيه نفسه مذ غادر مكانه وبلدته وأرضه ، لكنه يشعر أنه ينتمي بشكل أو بآخر إلى هذا المكان .. ويحس أنه قد رآه من قبل ، ولولا الظلام الذي يلف الشوارع الترابية التي شقها السكان بين أشجار النخيل لكان قد دار في كل مكان حتى فهم وعرف وحده كل شيء ..
قال أبو الهيثم وهم في الطريق :
- لم تعد البلدة آمنة بعد الآن ، البوليس يعاقب المواطنين بتجبر وقسوة ، وينفذ أوامر الانجليز حرفياً ، وظلمهم قد بلغ كل مدى ممكن ، لكني أشعر أن هذا ليس الخطر الحقيقي .. كارثة ستحدث قريباً ولا يستطيع أحد توقعها أو تفاديها ، لكن لها علاقة بهجرة اليهود التي ازدادت أضعافاً ، أصبحوا يشترون أراضينا ومصانعنا وبيوتنا ، يتوغلون فينا ويساعدهم الانجليز بما يستطيعون بالمال والقوة والسلطة ... والله الذي لا اله إلا هو لولا أننا نحب شيخنا ونسمع أوامره بالتريث لكانت الثورة التي لن يستطيعوا إخمادها ... لكن لحظة الصفر لم تحن بعد .. سنحافظ على رباطة جأشنا ونستمر بإعداد العدة حتى يأتي اليوم الذي يعرفون فيه معنى العربي الفلسطيني حين يحمل سلاحه وينتفض ..
فارس :
- وهل لديكم التدريب الكافي ، والسلاح اللازم لخوض معركة أنتم الأضعف فيها والأقل عدداً ..
أبو الهيثم :
- الغلبة للمؤمن يا بني ، نحن أصحاب قضية ، هذه أرضنا ولن نتخلى عنها ونتركها تباع وتشترى .. سنموت قبل أن نرى أرضنا تضيع .. لسنا نحن من ننفذ وعود بلفور صاغرين ، ولن يبني اليهود وطنهم على بقايا بلادي ، سنكون لهم بالمرصاد ولسوف نحاربهم ما دام فينا عرق ينبض ..
فارس في ألم :
- الكثير سيضيع يا أبتاه ، لكننا سنتحمل ، ونتعود على الخسارة حتى أنها ستصبح شيئاً عادياً جداً ننسجم معه ونعيش معه بكل أريحية ..
ووصل الرجلان إلى المسجد وقد ارتفعتن مئذنته عالياً ، وكانت الصلاة قد أقيمت فلحقا بها وانسحبا بعدها دون كلام ..
أبو الهيثم :
- سأذهب لأتابع بعض الأمور في حقلي .. فان أحببت أن تأتي معي فمرحباً ..
فارس :
- سأجد من يدلني على مكانك وألحقك يا والدي ، أما الآن فأنا بحاجة إلى الجلوس قليلاً أمام باب البيت قبل أن آخذ جولة في البلدة .. وقبل الظهيرة ستجدني عندك إن شاء الله .
- لك هذا يا ولدي ، اعتنِ بنفسك جيداً
وانصرف تاركاً فارس يتأمل الشروق الذي لم ير مثله في حياته كلها ..
ليست ذات الشمس التي تعود عليها ، أشعتها أكثر حيوية ، وحضورها أكثر بهاءً .. والهواء أجمل وأنقى ... بدأ الناس فيما حوله يستفيقون باكراً ويذهبون إلى أعمالهم ومزارعهم ، وهو ينظر بعين الانبهار إلى هذه الوجوه التي تحمل جمال الفلسطيني ونقاء قلبه ، هذه الملامح التي يراها كلما نظر إلى والدته ، هذه النظرات التي يراها كلما حدق في عيون والدته ... ليس بعيداً هو .. ليس بعيداً أبداً عما يحب وعمن يحب ..
وهنا اعتدل فارس وبدأ جولته في شوارع البلدة ..
البحر يبدو من بعيد شامخاً والموج يأتي كألف فارس يمتطي صهوة البحر ويأتي سراعاً يقبل ثغر الشاطئ الرملي الغض .. رائحة الصباح تختلط بأنسام البحر فيشتم فيها طيبة الأرض والمكان ...
أي مكان هذا .. أي جنة هذه ..
بين أشجار الزيتون يمضي ، والنخيل على جانبي الطريق يرسم حدوداً للمكان ويشمخ مثل حارس يمسك رمحه مهيئاً لك طريقاً آمناً للمرور ..
وكلما اقترب من البحر كانت المنازل تزداد التصاقاً ،وكانت أشجار السرو تزداد ارتفاعاً حتى لتعلو على المباني نفسها ، وفي الشارع الممهد يرى سيارة عتيقة الطراز ، وحماراً يجر عربة فيما يعرف بالحنطور ...
الآن بدأ يعرف ويفهم ، لطالما سمع أسماء هذه الأماكن من أمه وكأنه عايشها وتربى فيها ..
هذا مسجد الاستقلال ، وهذا جبل الكرمل يشمخ من بعيد ، أما هذا الميناء الذي تربض السفن خلفه ... نعم ... ميناء حيفا ..
هو الآن في عروس المتوسط ، في حيفا .. بلدة أمه الأصلية ، والأرض التي حلم فيها وهو يسمع حكايات جدته العجوز عنها ، أخيراً يراها ، ها أنت يا حيفا .. وأنا ذا في أحضانك فعانقيني ...
والى البحر أخذ يعدو وقد أحس أن بينهما اشتياق لن يرويه إلا العناق الطويل ..
*********
أحمد عيسى
30-05-2008, 07:52 AM
--------------------------------------------------------------------------------
(3)
في مصنع "نشر " للاسمنت كان ذلك اليهودي الأصلع يستعد للقاء من نوع خاص ..
جلس على مكتبه وقد بدأت أحلام الثراء تراوده وبين يديه الحزام الذي نزعه عمال المصنع من حول وسط "فارس " قبل أن يسلموه للعرب الذين جاءوا لتخلصيه من أيديهم ..
- سيد(شالوم ) وصل يا سيدي ..
قالها أحد العمال فرد عليه اليهودي بلفة :
- أدخله بسرعة
وما هي الا ثوان وكان شالوم يقف أمام (عزرا ) وجهاً لوجه ..
طويل القامة كان ، نحيف ، أبيض البشرة ، حاد النظرات ..
تأمله عزرا ثم أشار له علامة الجلوس ، فقال شالوم :
- عساه أمر يستحق مشقة سفري يا عزرا ..
- هو كذلك سيد شالوم ..
وأخرج من درجه مسدساً حديثاً يبدو وكأنه لا ينتمي الى هذا العصر ، ووضعه على المكتب أمام ضيفه ...
- بحق السماء ، أي سلاح هذا ..
وأمسك السلاح بين يديه يتأمل فيه بانبهار كامل ، كان خبيراً بالأسلحة بأنواعها ، لكن هذا المسدس بخامته وخزنة طلقاته يختلف كلية عما ألفه أو اعتاده ...مسدس "بريتا" آلي بخزنة من تسع طلقات وانسيابية تامة ..
- من أين لك هذا ؟ ..
قالها شالوم وسط انبهاره ، فقال عزرا :
- لا يعنيك من أين ، هو لك إن أرضيتني ..
- وما الذي يرضيك يا هذا ؟
لمعت نظرات عزرا في جشع وهو يقول :
- بضعة آلاف يا صديقي .. فلنقل ... عشرة ..
وهنا ، وقف شالوم محتداً ، واقترب من عزرا وهو يقول في صرامة :
- يبدو أنك لا تفهم الأمر يا عزيزي ، لا يهمنا المبلغ فسندفع ما تريد ، لكنك الآن وبسرعة ستخبرنا من أين أحضرت السلاح وإلا فلسوف أجعل الدنيا تنقلب أمامك في ثوان ، هذا السلاح خطر يهدد الوطن المنشود ، ولا مجال للعب أو التهاون ..
قال عزرا وقد بدأ موقفه يتراجع أمام صرامة محدثه :
- سأخبرك ، سأخبرك بالقصة كاملة ..
وبدأ يروي حكاية فارس الذي وجدوه ملقى في غرفة المدير المغلقة من الخارج ، والتي لا يستطيع أحد الدخول إليها ، وكل هذا دون كسر الباب أو القفل أو اختراق الشباك ، ملقى فاقد الوعي كان ، فضربوه وكانوا يهمون بقتله لولا تخليص بعض العرب له ..
- فهل عرفت أحداً من هؤلاء العرب ؟
- عرفت فيهم الشيخ إبراهيم ، والبقية كانوا يعرفونه جيداً ..
- إذن ، سنحدد مكان هذا الشاب ، وأعتقد أنه سيبيت الليلة عندنا ..
قالها ، ودار على عقبيه وعزرا يتحسس الحزام الفضي ويتأكد من ألا يراه أحد ..
وكان يعلم أنها ستكون ليلة ليلاء ..
******
مضت الساعات وفارس بين طرقات المدينة وبحرها وهوائها وهو لا يكاد يحس بمرور الوقت ، حتى تذكر وعده لأبي الهيثم بأن يكون عنده في حقله ، فعاد إلى البيت منادياً " علي " ومستنداً إليه كانت طريقه عبر المزارع والحقول الخضراء وصولاً إلى الأرض التي يزرعها أبو الهيثم ..
وهناك رآه وقد شمر عن ساعديه وحمل فأسه وانهمك في عمله وقد غطى العرق بشرته السمراء ..
أشار له أن تعال عندما لمحه من بعيد ، فما كان منه إلا أن شمر هو الآخر وهرول ليحمل الفأس الأخرى ويضرب بها كما يفعل أبو الهيثم ..
قال أبو الهيثم :
- أين ستصلي الظهر ..
فارس :
- حيثما تصلي سأصلي ..
أبو الهيثم :
- سنصلي اليوم في مسجد الاستقلال ، فالخطبة بعد الصلاة للشيخ حفظه الله ، وهناك سنعرفك عليه ، علك تنضم لنا وتفيدنا حيثما أنت ..
قال فارس :
- لا أظن أنني سأفيدكم حيثما أنا ، ولكن مع ذلك سأستمع لخطبة شيخكم ، سيسرني ذلك بكل تأكيد ..
وعند صلاة الظهر كانوا قد غسلوا وجوههم وبدلوا ملابسهم وذهبوا إلى الصلاة في المسجد ، كان أبو الهيثم كمن سيلقى شخصاً مهماً جداً ، ولطالما تساءل فارس عن سر هذه الهيبة والاحترام الكبيرين اللذين يحتفظ بهما رجال هذا الشيخ في قلوبهم ..
وأقيمت الصلاة ، كان الإمام ذا صوت رخيم قوي ، رتل القرآن بجودة واقتدار ، حتى لقد نسي فارس نفسه تماماً حتى ظن أنه تاه بين الآيات ..
وانتهت الصلاة ليستدير الشيخ الإمام مواجهاً المصلين ، مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم مبتدئا خطبته بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، ورآه فارس ..
أين رأى هذه الملامح القوية الوقورة ، هذا الشارب الرفيع واللحية التي ابيض طرفها ، هذه الجلابية البيضاء والعمة التي تتوج رأسه ... أين رأى هذا الرجل ..
الخطبة تشتد حماسة والرجل ينسجم فيها ويشتد صوته ويزداد حدة ،وهو يتحدث عما يحاك ويدبر للعرب في فلسطين ، وعما ينوي الانتداب البريطاني فعله ، وعما يخطط اليهود له منذ اللحظة ، رجل عارف بتفاصيل الأمور هذا ، رجل يعرف ما يقول ، وتزداد الخطبة حماسة .. ويزداد الخطيب اشتعالاً .. حتى يراه المصلين بين ذهولهم وانبهارهم ، وقد أخرج سلاحاً كان مخبأً تحت ثيابه ، بندقية قديمة رفعها عالياً وقال في حماس :
- من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتني مثل هذا ..
الله أكبر ، قالها فارس ولم يتمالك نفسه ، هذا هو الرجل الذي تسمى تنظيمه العسكري على اسمه ، هذا الذي أذاق الانجليز الويلات وأشعل الثورة العربية الأكبر في فلسطين قبل النكبة ، هو عز الدين القسام ذاته ،بشحمه ولحمه ...
لم يستطع فارس الاستمرار في الجلوس ، وقف محدقاً متأملا في ملامح الرجل ، ومثله وقف الكثيرين ، وقد بدأ الهرج والمرج يشتعل في الخارج ..
وظل فارس على دهشته وانبهاره ، حتى وصل البيت وملامح مشعل الثورة لا تكاد تغيب عن ناظريه ، ولم تمض ساعة واحدة حتى جاء أبو الهيثم لفارس بالخبر الكريه :
- اعتقلوا الشيخ القسام ..
قالها وانهار جالساً بجوار فارس وهو لا يقوى على النهوض ..
*********
د. مصطفى عراقي
31-05-2008, 04:37 AM
أديبنا القدير
للتثبيت إعجابا ، وتشجيعا على المشاركة في هذه التجربة الجميلة
أحمد عيسى
31-05-2008, 05:58 PM
أديبنا القدير
للتثبيت إعجابا ، وتشجيعا على المشاركة في هذه التجربة الجميلة
أستاذي القدير : د. مصطفى
لكم أسعدني مرورك أستاذنا وقد كنت حزين لقلة التجاوب ، لن مرورك وتثبيتك الموضوع وحده يكفيني ..
ربما بدت الفكرة غريبة لكني لا زلت أنتظر تجاوباً من الأخوة ..
تحيتي وسأكمل وحدي
أحمد عيسى
31-05-2008, 06:00 PM
(4)
ساعات مرت وأبو الهيثم وفارس كخلية نحل لا يتوقف نشاطها ..
كان خبر اعتقال الشيخ القسام قد مر كصاعقة على رؤوس أهل المدينة البسطاء ، لكنهم بعفوية كانوا ينتظرون شرارة لكي ينفجروا ، وكان فارس ورفيقه هم الشرارة التي أذاعت نبأ اعتقال الشيخ ، ودعت إلى تنظيم مظاهرات حاشدة بدأت رقعتها تتسع تدريجياً حتى عمت مدينة أريحا وضواحيها ، وقد خرج الناس من بيوتهم دفاعاً عن الشيخ ، المأذون ، الإمام ، الخطيب ، والثائر ..
كان القسام يعني الكثير لأهالي حيفا خاصة ولفلسطين عامة ، فالقسام ، المولود في اللاذقية بسوريا سنة 1871 ، كان منذ صغره انساناً ليس عادياً ..
كان يميل للعزلة ، دائم التفكير ، شديد النشاط ، متقد الذكاء .
درس في الأزهر في مصر ، وكان من تلاميذ الشيخ محمد عبده ، وعند عودته لسوريا شارك في الثورة ضد الفرنسيين ، وبعد حكم بالإعدام عليه من الديوان السوري العرفي لجأ القسام الى فلسطين في سنة 1922 ، واستقر في قرية الياجور قرب حيفا، وعرفه سكان حيفا كواعظ ديني وإمام مسجد ورئيس جمعية الشبان المسلمين بالمدينة ، وكان يصل بفكره الى كل بيت من خلال عمله كمأذون شرعي ، لهذا أحبه الناس هناك وعرفوه رجلاً شريفاً حسن السمعة ..
لكن النشاط السري للقسام كان يختلف قطعاً عن التنظير للثورة وحسب ..
كان ينظم عصبة القسام ، ويختار في كل حلقة خمسة أفراد ، ويولي عليهم نقيب يتولى القيادة والتوجيه ، منظماً جداً كان الشيخ ، وكان يعد البلاد كلها للحظة الصفر التي تنطلق فيها الثورة ..
وقد أتت مظاهرات الناس أكلها وخرج القسام من السجن بعدما عم الإضراب العام جميع أنحاء المدينة ..
وبين المهنئين بخروجه سالماً كان فارس والشيخ إبراهيم ، وأبو الهيثم ، بالإضافة إلى طوابير الناس التي تصطف لتصافح الشيخ بعدما خرج من السجن منتصراً بإرادته وإرادتهم ..
وها هو فارس يصافح الشيخ ، ها هو أماه وجهاً لوجه ، فمن كان يتصور هذا ، حلم مستحيل التحقيق كان ، لكنه أضحى حقيقة واقعة أمام عينيه ..
- شيخي العزيز ، والله لم أتمنى أن أقابل أحداً في حياتي مثلما تمنيت أن أراك ..
قالها للشيخ من بين دموعه فابتسم وربت على كتفه في حنان ، بينما مال ابو الهيثم على الشيخ يهمس ببضع كلمات في أذنه .. وكانت إيماءة الشيخ علامة الموافقة على عرض ابو الهيثم ، ورغم أنه كان بعيد ليسمع لكنه فهم أنه طلب من ابو الهيثم بقبول انضمام فارس إلى عصبة القسام ..
ولما حدثه بذلك أبو الهيثم وهم في طريق العودة ، لم يتمالك فارس نفسه من القفز فرحاً وهو يقول بصوت متهدج :
- لقد فعلتها .. وأصبحت عضواً في القسام مرتين ..
*******
في المساء ، كان فارس قد جمع أغراضه وتجهز للانتقال إلى بيت أبو علي ..
كان فارس هو أول من طلب المغادرة وقد أحس أنه أثقل على ابو الهيثم ، ولم يوافق الرجل ولم يترك فارس الا عندما طلب المغادرة الى بيت أبو علي ..
وأبو علي كان أرملاًَ وولديه معتقلين لدى الانجليز ، وكان بيته مفتوحاً للمناضلين ومكاناً لعقد الاجتماعات والندوات والتخطيط والتدبير ..
وكم كانت صعبة ساعة الفراق ..
الحاجة أم الهيثم لم تستطع منع دموعها وهي تقول :
- والله لكأنك أصبحت واحداً منا يا فارس يا ولدي ، فلم تستعجل الرحيل ..
فارس وقد بدا التأثر على ملامح وجهه :
- وأنتِ يا أماه حملت كل طيبة وحنان أمي التي تركتها هناك ، ولكنه ليس فراق الآن .. فقد انتقلت من مكان الى مكان قريب ، والمسافة بينهما ليست بالبعيدة ..
أما مريم ، فقد قاومت دمعة تجاهد للخروج من شِباك عينها ، وهي تقول :
- لا تبخل علينا بزيارتك يا فارس ..
ومحمود الفتى بجواره يمسك بيد فارس ويصمم على مرافقته حتى يصل إلى هناك
- سنلتقي مرة أخرى يا مريم ، حتماً سنلتقي ..
قالها والتقت عيناهما لثانية واحدة حملت الكثير من الكلام :
عينيها : ترحل الآن بعدما التقينا أخيراً ..
عينيه : هو الرحيل الذي كتب علينا قبل أن نلتقي ..
- لكنني بدأت أشعر بالحياة مذ رأيتك ، أنت فارس أحلامي ، أنت الحبيب الذي تمنيته ، أنت الزوج الذي أستطيع ائتمانه على حياتي وروحي وقلبي ..
- طريقنا ليست واحدة يا مريم ، دروبنا ليست واحدة ، أنت في زمن يختلف كلية عن زمني ، لذلك لا أستطيع شق أي طريق اليكِ ، كل الطرق مغلقة ولن تؤدي الى تلاقٍ ما .. ألا نقترب أكثر ، هو الحل الأمثل ..
- وداعاً يا فارس
- الى اللقاء يا مريم ..
وأشاح بوجهه يرافقه محمود إلى بيت أبو علي .. مستقره الجديد ...
كانت في الظلام عينين ترقبانه وقد التمعت نظرة شيطانية فيهما ..
وكان صاحبهما يهودي ..
*****
وبدأ فارس يمارس عمله في صفوف عصبة القسام ، أصبح أميراً للمجموعة وكان معه شبان يشتعلون حماسة ..
ها هم يجلسون في دار أبو علي ويلتفون في حلقة يتدارسون القرآن قبل أن تبدأ نقاشاتهم ..
فارس :
- يسعدني وقد انضم إليكم عضو جديد اليوم أن أعرفكم عليه ، هذا " عبد الله " من الشمال ، وهؤلاء أخوتك .. عماد ، سالم ، نافذ ، وأنا .. فارس ..
تبادلوا عبارات الترحيب بسرعة ، وعاد فارس يقول في صرامة :
- منذ اليوم ، ستتخذ الترتيبات شكلاً جديداً ، سأعلمكم تكتيكات لم تعرفوها من قبل ، سنتعرف على طرق القتال اليدوي ، واستخدام الأسلحة ، وفن التنكر والتخفي ..
ستعرفون تقنيات تسبق عصركم ، ولكن بالمقابل أريد عقولكم وقلوبكم معي ، ستتحملون التدريب مهما كان قاسياً ، ولن تخبروا أمهاتكم بأسرار العمل .. هذه من بديهيات العمل الأمني ولسوف تقسمون عليها قبل أن نبدأ ..
وهكذا ، بدأت جولة جديدة من التدريبات النظرية ، التي تنتهي باجتماع في جبال المدينة ..
هناك ، كان المكان يتحول إلى ساحة تدريب يمارس فيها فارس كل خبرته في القتال والمواجهة ، عله يغير شيئاً في الحدث المر الذي حدث في زمنه وأصبح واقعاً ..
كانت الايام تمضي بوتيرة واحدة
لكن فارس كان يعلم أن شيئاً استثنائياً سيحدث بعد أيام قليلة ..
ولسوف يكون شرارة الثورة ..
وبداية المواجهة ..
ونقطة التحول ..
******
أحمد عيسى
04-06-2008, 05:43 AM
(5)
هكذا بدأ الناس يجتمعون لخطبة شديدة الاستثنائية للشيخ القسام ، إلى مسجد الاستقلال جاءوا سراعاً وقد علموا أن الشرارة ستنطلق من هنا ، وكان فارس في المكان يحاول تأمينه والتأكد ألا عيون للعدو بالداخل ...
في الخطبة كان الشيخ متألقاً كعادته ، شعلة تتوهج بالإيمان ، وقد ظل على ثباته وقوة صوته، وهو يفسر لهم الآية الكريمة من سورة التوبة " ألا تقاتلون قوما نكثوا إيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة . أتخشونهم ؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين "
وهكذا يتهدج صوته ويختلط بأسه وقوته بحزن شديد وألم يرافق كلماته التي تزأر بها حنجرته ..
وهنا قال :
- أيها الناس : لقد علمتكم أمور دينكم، حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد: فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون..
وما أن انتهت كلماته ، حتى علا تكبير فارس ، وأجهش الناس بالبكاء ، وأقبلوا على يديه يقبلونها ، وقد أخذوا يعاهدونه على القتال في سبيل الله ، المئات من الناس كانوا يصبحون مقاتلين في سبيل الله هكذا ، بعهد واحد يقطعوه على أنفسهم أمام الله وبحضور الشيخ وصحبه ...
وهنا انصرف الشيخ مسرعاً إلى بيته ، وخلفه فارس ورفاق مجموعته يحرسونه ، وهناك ودع أهله و وجيرانه وذهب وفي يده بندقيته ، وخلفه عشرات المقاتلين منطلقين إلى الجبال ، وما أن استقر بهم المقام هناك ، حتى جاء الخبر من المدينة بأن الانجليز داهموا بيت الشيخ ومعهم الأوامر بإلقاء القبض عليه ومحاكمته ...
ومن يومها بدأت مرحلة جديدة ..
اشتهرت عصبة القسام وأصبح الشيخ عز الدين القسام علماً من أعلام الجهاد وأصبح اسمه مرادفاً للثورة معروفاً في فلسطين من أقصاها إلى أقصاها ..
أما فارس فقد صارت مجموعته هي الأشد تأثيراً ، وغدا يدرب قادة المجموعات الأخرى ليستفيدوا بخبرته ومعرفته بفنون القتال ، وقد علم فارس أن الحاج أمين الحسيني وبعد اتصال من الشيخ ليعد للثورة في منطقته قد رفض العرض وفضل أن تحل القضية بالطرق السلمية ..
وهكذا تمضي الأيام والتدريبات على أشدها ، وعمليات القسام وجهاده ضد الانجليز أصبحت حدثاً يومياً تنتشر أخباره في كل مكان من فلسطين ويتحدث عنه المواطنون بكل فخر وشرف ..
لكن خبراً كالفاجعة يحل على قلب فارس حين جاءه أحد رجاله صارخاً :
- اليهود اختطفوا محمود ، وأبو الهيثم يكاد يجن ..
وهنا أيقن فارس أن المواجهة قريبة جداً مع عدوه التقليدي ..بني صهيون .
*********
في أحد المخازن القريبة من مقر الشركة اليهودية كان الفتى محمود مقيداً على كرسي خشبي ملقى بإهمال في وسط المخزن ...
وأمامه كان يقف عزرا ، ورجاله يحيطون بالمكان وهم يحملون بنادقهم ..
أما شالوم فكان يجلس في مقعد مقابل للفتى ويحاول استنطاقه للمرة الرابعة على التوالي ..
- إذن فأنت لا تعرف هذا الشاب فارس ولا تعلم من أين أتى ..
- أخبرتك أنني لا أعرف عنه الا أنه صديق والدي ، وقد جاء بيتنا أول مرة وكان مصاباً ملوثاً بالدماء ..
-نعم نعم اعرف ذلك .. على كل حال سننتظر حتى نسمع منه بنفسه ..
كان بغيضاً ككل اليهود ، نظراته تشع كراهية ، وملامحه تنطق بالخسة والوضاعة ، هكذا رآه محمود ، هكذا أحس بكراهية لا حدود لها لهذا الشخص ولكل من يقف في هذا المكان الكئيب .. لم يكره الانجليز يوماً مثلما كره هؤلاء ، وكان يشعر في قرارة نفسه أن الحرب القادمة ستكون معهم ، وأنه يوماً ما سيحمل السلاح ليقتلهم ويقاتلهم ... سيكون هذا هدفه ، ولسوف يعرف كيف يقتص منهم ..
هكذا ورغم سنوات عمره إلا أن عهداً كان يتم بينه وبين نفسه ، عهده ألا ينسى وألا يغفر أو يسامح .. فقد اقتحموا بيته وضربوا أخته مريم ،وسرقوا البيت ، واختطفوه وعذبوه .. لن ينسى لهم اقتحامهم لبيته وسرقتهم لما فيه وتعديهم على شرفه ... عهد يقطعه أمام نفسه .. ولسوف يبقى على العهد .
عزرا :
- أرسلت لهذا الشاب "فارس " أن يلقاك بجوار الميناء ، وكل رجالنا هناك وقد أحاطوا بالمكان ، موعدكم بعد ساعة واحدة ..
شالوم :
- ما يهمني ألا يغيب عن نظر رجالك فور ظهوره ، أريد أن أعرف كل همسة وكل حركة وكل خطوة يخطو بها ، أريد أن أعرف من يقابل ومن يعرف ومع من يتعاون .. هكذا سنعرف مصدر أسلحته السرية ونعرف كيف نحصل عليها أو ندمرها قبل استخدامها ضدنا ..
وهكذا بدأ رجاله في الحركة ، وبعد ساعة واحدة كان شالوم يضع مسدس فارس المحشو بالطلقات داخل جيبه وينطلق الى مكان اللقاء ..
إلى مصيدة يكاد أن يقع فيها فارس في زمن سابق لزمنه بعشرات السنوات ..
*******
أحمد عيسى
06-06-2008, 06:51 PM
(6)
في الميناء كان فارس يقف عاقداً ذراعيه أمام صدره ينتظر قدوم اليهودي شالوم حسبما اتفق هو ورسول عزرا ..
كانت المساء قد تلونت بلونها الذهبي الأخاذ وهي تتوارى في خجل خلف البحر الذي يطل شامخاً متلألئا ، وقوارب الصيد الفلسطينية تنتشر حول الميناء ، وأصحابها يربطون قواربهم ويغادرون الميناء والحركة تخفت تدريجياً مع انحسار أشعة الشمس ..
- هو أنت إذن فارس ..
قالها شالوم وقد وقف أمام فارس وجهاً لوجه وخلفه اثنين من حراسه الشخصيين وقد بدت ملامح الفتوة على أجسامهم الضخمة ..
- ما الذي تريده يا سيد ...؟
- شالوم ... نادني شالوم ..
- ما الذي تريده يا شالوم ..؟
شالوم وهو يميل على فارس :
- ومن قال أنني أريد شيئاً ، فقط أحببت أن أتعرف على وافد جديد على مدينتي ..
- سيد شالوم ، دعنا نتحدث بأوراق مكشوفة ، لديك شخص يهمني وأنت تعرف ذلك ، الآن ما هي مطالبك ؟
شالوم وهو يخرج مسدسه ويلصقه بصدغ فارس :
- هذا المسدس ..
ثم أبعده وهو يلوح به في حركة مسرحية ..
-من أين حصلت عليه ، المعلومات الكاملة ، والى من تنتمي ، جماعة الشيخ القسام لا تمتلك مثل هذه الأسلحة المتطورة ، لحساب من تعمل ؟
بضع أجوبة وتحرر الفتى الذي أصبحت حياته رهن تصرفك ..
فارس :
- أجوبة فقط ..
شالوم :
- وكل الكمية التي تمتلكها من هذا السلاح .. وإلا فلن تبيت ليلة أخرى على قيد الحياة ..
أنت تعلم أين تجد صديقي عزرا لتبلغه الجواب ..
ودار على عقبيه منصرفاً ، فنادى عليه فارس :
- انتظر ..
التفت إليه مبتسماً ، فقال فارس في صرامة :
- كل صفعة يتلقاها محمود ستعني لي رصاصة جديدة في عنقك ، احرص أن تعامله جيداً ..
ولسوف نلتقي قريباً ..
شالوم :
- نعم يا عزيزي ، سنلتقي قريباً ..
وانصرف في حنق ، وفارس يتلفت حوله وقد لمح رجاله المنتشرين في كل مكان ، ودار على عقبيه متجهاً صوب الجبال التي يختبأ فيها القسام ورجاله ...
وكانت العيون الخائنة تراقب كل خطوة يخطوها فارس ولحظة المواجهة تقترب أكثر وأكثر ..
*******
في منزل أبو هيثم كانت الدموع هي سيدة الموقف ...
والنواح والعويل كانا مسيطرين على المنزل الصغير والجيران من النسوة يلتففن حول مريم وأم الهيثم ويبكين لبكائهما ..
أبو الهيثم يصيح في النساء :
- كفاكن صياحاً وعويلاً فلقد اكتفيت ..
وأشار الى أم الهيثم قائلاً في صرامة :
- اصرفي جاراتك وأحضري لي بندقيتي وجلابيتي وعقالي ، فالمعركة مع اليهود تقترب ..
ولا تحزني كثيراً فلسوف يعود محمود ..
أم الهيثم وهي تحاول مسح دموعها بأكمامها :
- طفلي الصغير ذهب ضحية حرب ليس له يد فيها ، فلا تورطوه يا أبا الهيثم .. اعطوهم ما يريدون وأعيدوا لي ولدي ..
أبو الهيثم وهو يتناول جلابيته من مريم التي أحضرتها مسرعة ، ويلبسها وهو يراقب النسوة وقد فررن من المنزل فور دخوله :
- سيعود .. ثقي أنه سيعود فان الله معنا .
وسلم على زوجته مودعاً إياها :
- اعتني بنفسك جيداً فربما تطول الغيبة هذه المرة .
كانت مريم تراقبه ، وقد لبست ثوبها ومنديلها وحملت على ظهرها بندقية أخيها هيثم الأسير ..
كان " هيثم " شاباً يافعاً طائش التصرفات ، حتى جاء الشيخ القسام إلى المدينة وسمع له هيثم خطبة الجمعة فتأثر وبكى ، وجاءه يطلب التوبة فأخبره أن باب التوبة مفتوح وان الله يغفر الذنوب ولو كانت كزبد البحر ..
ثم أنه أهدى له بندقية وأخبره أن يحتفظ بها وأن يتدرب عليها لكي يجاهد في سبيل الله ..
وهكذا فان هيثم آخر قد ولد ، وكان لتغيره عظيم الأثر في جعل والده يسلك ذات الطريق التي سلكها ولده وينضم إلى عصبة القسام .
وهي لن تترك والدها وأخيها الصغير في قلب الخطر دون أن تحرك ساكناً ..
وهكذا خرج أبو الهيثم من الدار ، ومريم تتبعه خطوة بخطوة ، متجهين جميعاً إلى مصير مجهول ..
*******
نادية بوغرارة
06-06-2008, 06:59 PM
فكرة جميلة
لا شك أتعلم هنا... و ربما أشارك معك ...
أحمد عيسى
07-06-2008, 11:50 PM
الأخت نادية ..
في انتظار مشاركتك
فلسوف أنتهي من هذه القفزة لأفسح المجال لمن يشارك
تحيتي
أحمد عيسى
07-06-2008, 11:52 PM
(7)
هكذا يقترب "فارس" من الجبال التي يختبأ فيها القسام وصحبه ..
طريق طويلة كانت ، بين الأشجار التي شمخت في قلب المدينة ، الشمس اختفت وبدأ القمر خجولاً في الصعود إلى السماء الداكنة ..
ذلك القمر الذي شكل مساحة واسعة من قاموس العشاق على مر الزمن ، كان لا يعني لفارس إلا الوحدة والألم اللذين يحس بهما وقد طال اشتياقه لحضن أمه ..
هذه التضاريس التي تظهر واضحة وكأن القمر كان أصفى وأهدأ بالاً حين كانت فلسطين هي فلسطين ولم تكن نكبتها قد بدأت بعد ..
وبطرف عينه كان فارس بخبرته الأمنية يعرف جيداً أن الرجلين اللذين يتبعانه لا زالا يقتفيان أثره محاولين ألا يفقدانه مهما كان الثمن ..
وما أن دنا من المقر حتى أسرع الخطى فجأة حتى تباعدت المسافة بينه وبين الرجلين شيئاً فشيئاً ثم التفت إلى اليسار فجأة مغيراً اتجاهه ، وفوراً كان قد نزعت قميصه وسترته وتبادلها مع عماد الذي كان ينتظره ، ولبس فارس قميص سترة عماد وانطلق في طريق أخرى وهو يقول مشيراً إلى الرجلين اللذين بدأا في الظهور :
- هما لك ..
وانطلق مسرعاً ، أما عماد فقد تعمد التريث قليلاً حتى لمحه رجلي شالوم وانطلقا خلفه ، وبدأ هو في شق طريقه بين الجبال الى أن انحرف فجأة خلف نتوء صغير ، وما أن تبعه الرجلان حتى وجدا مجموعة كاملة في الانتظار ، والشيخ إبراهيم يقول في سخرية :
- أهلاً بالصيد الثمين ..
الدهشة تبدو على وجوه اليهود ، يحاولان التملص من أيدي المقاومين لكن لكمتين تحسمان المعركة بسرعة وسلاسة ..
أما الشيخ إبراهيم فقد نظر إلى حيث اختفى فارس ، وهو يتمتم :
- وفقك الله يا صديقي ، لك الله ..
******
تقترب المعركة من نهايتها ، كان فارس يعلم هذا من سياق الأحداث ، لكن أي نهاية ستنتهي ، وأي روح بريئة ستزهق دون أي ذنب ، وأي حيلة له في هذا الأمر كله ..
هذا ما يؤرقه ..
الآن يعود هو بطريق عكسية تماماً إلى حيث كان في الميناء ، الليل يقترب من الانتصاف ، والسماء تلبدت بالغيوم ، والقمر لم يعد يظهر منه إلا أشعة باهتة تستطيع بالكاد تجاوز السحب المعتمة التي سبحت إليه بخطى وئيدة ..
ولما وصل الى مكان اللقاء قبل ساعات مع شالوم ، كان بانتظاره هناك عضو مجموعته " سالم " وفور أن رآه هرول مسرعاً وهو يقول في لهفة :
- حمداً لله على سلامتك ، الخطة تسير على ما يرام ، تتبعنا شالوم وعرفنا مكان احتجاز محمود ، في مخزن قديم خلف مصنع صديقه عزرا .. والرجال الآن يراقبون المكان ..
فارس :
- حسناً فعلتم يا رجال ..
سالم :
- هيا بنا إذن ..
فارس :
- ليس بعد يا صديقي ، ليس بعد ..
نظر إليه سالم متسائلاً ، فقال :
- هل أحضرت ما طلبته من مشتريات ..
سالم :
- كل ما طلبته هناك في منزل أبو علي ..
فارس :
- فلننطلق على بركة الله ..
لساعة كاملة وقف سالم في بيت أبو علي يراقب فارس مشدوهاً ..
كان قد غاص بين الكبريت ومسحوق البارود وبدأ في إعداد قنابله الخاصة ، بدأ بزجاجات المولوتوف ، مستخدماً الزجاجات الفارغة التي استطاع رفاقه الحصول عليها ، بلل قطعة قماش بالكيروسين ، قام برش مسحوق البارود عليها ، ثم وضعها في زجاجة تحتوي بعض البنزين ..
وهكذا كان فارس يعمل في سرعة وسالم يعاونه ، كان قد صنع خليطاً من عدة قنابل من المولوتوف ، بعضها باستخدام الكروسين ، وبعضها باستخدام البنزين والبارود ، حيث قام بلف البارود في مناديل ورقية صغيرة قطرها 1 بوصة واضعاً الفتيل في هذه الكرة ، ثم انه ملأ ثلث الزجاجة بخليط من الكحول والبنزين ، لم ينس أن يثبت الزجاجة بغطاء محكم مستخدماً الشمع لتثبيت الفتيل بينما كانت كرة البارود تتدلى في الخليط ..
ثم أنه بدأ في صنع القنابل ، وقد كان فارس يتحدث وهو يعمل في سرعة ، يحاول أن يشرح لرفيقه كل شيء أثناء عمله ..
استخدام فارس أنبوباً من الصلب مغطى أحد طرفيه وطوله قدم ، أفرغ بداخله صندوق من الصودا المستخدمة للخبز لتكون في نهاية الأنبوب ، وضع فوقها الكثير من الحصى ، ثم فوق الحصى برطماناً صغيراً من الزجاج الخفيف الممتلئ بالخل ، ولما ظل فراغ في الأنبوب قام بملأ الأنبوب بالمناديل ثم أقفل الأنبوب بغطاء محكم ....
طبعاً كان سالم يعمل رغم نظرات التساؤل التي تعلو وجهه ، فقال فارس شارحاً ما سيحدث :
- فور إلقاء هذه القنبلة فوق شيء صلب تنكسر الزجاجة بما تحتويه من خل فيبدأ التفاعل بين الصودا والخل فتتسرب الغازات إلى أن ينفجر الأنبوب ...
ولم تستغرق العملية أكثر من ساعة واحدة كان فارس ينهض في نهايتها وأمامه العشرات من قنابل المولوتوف وقنابل الأنابيب المصنوعة يدوياً ..
تأكد من أن بندقيته محشوة ، ووضع الذخيرة الكافية في حقيبة حملت ما استطاع من قنابله ..
ثم أن سالم حذا حذوه وانطلق الرجلان إلى هناك ..
حيث يقبع محمود ..
وحيث المواجهة الأعنف ..
*******
أحمد عيسى
09-06-2008, 02:11 PM
(8)
حول المخزن ، انتشر رجال المقاومة وأحاطوا به محافظين على مسافة بينهم وبينه خوفاً من تواجد رجال للمراقبة فوق سطح المبنى ..
كان نافذ يحرص على متابعة تحركات رجال عزرا وشالوم أولاً بأول ..
لاحظ بداية أن العدد يتراوح من ثلاثة عشر إلى خمسة عشر رجلاً يحيطون بالمبنى من الأمام ، والخلف ، وفوق السطح ، بالإضافة إلى المتواجدين بالداخل ..
بنادقهم محشوة ومجهزة وأصابعهم على الزناد متحفزة ، ونظرات الترقب تنعكس واضحة جلية من نظراتهم وطريقة كلامهم ..
وما هي إلا دقائق وكان فارس وسالم قد وصلا ، فالتقى الرجال ، وتم توزيع القنابل والذخائر على الرجال ، وبدأ فارس في شرح خطته لهم وتوزيع الأدوار والمهام ..
كان الرجال يتمتعون ببصيرة متفتحة ، وينفذون الأوامر دون جدال وهو ما يميز الجندي الناجح ..
- الآن ..
قالها فارس وهو يشير لهم علامة الانطلاق ..
وانقلب المكان إلى ساحة معركة في دقائق قليلة ..
سالم ومجموعة يقودها انطلقوا محاصرين الجهة الخلفية للمبنى واشتبكوا فوراً مع الرجال المرابطين حلف المبنى ..
أما نافذ ورجاله فقد قذفوا الزجاجات الحارقة على سطح المبنى ، فاشتعلت ، وانتشرت النيران على مسافة واسعة وبدأ صراخ الحراس في التعالي ..
أما عبد الله ورجاله فقد ألقوا قنبلة على الجدار الجانبي للمبنى ، بينما اندفع فارس وعماد عبر الباب وقد سبقتهم طلقاتهم إلى صدور الحراس المرابطين أمام الباب الأمامي ..
وفي الداخل كان الهرج والمرج قد سيطر على المكان ، وبدا الهلع والرعب يرتسمان على ملامح عزرا وهو يعدو دون وعي منه حتى استطاع إلقاء نفسه من النافذة ناجياً بحياته ..
شالوم أمر رجاله بفك وثاق محمود وما أن اندفع فارس وقد سيطر ورجاله على أغلب أجزاء المكان حتى كان شالوم يحيط بعنق محمود ومديته أمام عنق الفتى الصغير ..
شالوم صارخاً :
- توقفوا وإلا نحرت الفتى .. أوقف رجالك يا هذا ..
فارس وهو يشير للرجال ألا يطلقوا النار عليه :
- أنت تعرف أنك لن تخرج من هنا حياً .. استسلم وسوف أضمن لك حياتك .. في الأسر طبعاً .. أما إن مسست الفتى فلسوف تموت .. هذا وعد مني ..
شالوم :
لقد أرسلت رجالي لمراقبتك وقتلك لو استدعى الأمر ، فكيف أفلت منهم ، وكيف استطعت الوصول إلى مكاني ..
فارس مبتسماً :
- رجالك الآن في خبر كان أيها اليهودي ، وكما حاولت تتبعي فقد تبعك رجالي واستطاعوا الوصول إلى هنا .. خطواتكم مكشوفة وأساليبكم بالية ..
شالوم :
- دعني أخرج وإلا سيموت الفتى ..
فارس :
- لو تركتك الآن ستكون أنت ممن يشاركون في المجازر ضد شعبي ، للأسف أيها اليهودي .. لت أتركك تعيش لتهجرني وتحتل أرضي ..ستموت قبل أن تفعل ..
قالها ورفع بندقيته مصوباً الى شالوم الذي لا زال يردد صارخاً :
- سيموت الفتى قبل أن تضغط أصابعك الزناد ..
فارس :
- يبدو أنك نسيت أنني جندي في كتائب القسام ..
وانطلقت الرصاصة إلى صدغ شالوم ، يسقط كالحجر وعلامات الذهول ترتسم على ملامح وجهه وتختلط بالرمال التي غطتها دماءه وهي تنتشر وتنتشر..
فارس وبندقيته تتراخى إلى جواره ومحمود الصغير يرتمى في حضنه وقد بدأت الدماء تعود لوجهه الشاحب :
- سيكون القسام عنواناً لعذاباتكم منذ الآن وحتى ترحلون عن أرضي وتعودون من حيث أتيتم ..
خذ كل ذخيرتهم يا سالم ، وفجر المكان وارحلوا في سرعة قبل أن تأتي دوريات الانجليز ..
أما أنا .. فأمامي مهمة لا يمكنها الانتظار ..
*****
خلف صخرة قاسية تمدد أبو الهيثم والأمل والألم يتنازعان على ملامحه ..
أي حال ستصبحين فيه يا فلسطين .. وأي مصير مجهول ينتظرك بالأفق ..
دلائل كثيرة تشير إلى عاصفة قادمة ، نكبة ستطيح بالأرض والمكان والهوية ، آه لو كنا نمتلك ألف رجل مثل فارس ..
أي فارس هذا الذي ظهر فجأة برجولة وجلد وفكر متقد ... أي شجاعة تجعله يجند خيرة الرجال ويعد العدة ليهاجم اليهود في عقر دارهم ،فقط ليحرر طفله الصغير من أياديهم الخبيثة ..
من أي البلاد أنت ؟ .. وأي هزيمة تتحدث عنها يا أبا الهيثم وفي فلسطين رجال مثل هؤلاء ..
هكذا كان الرجل يحدث نفسه ، وصورة ولده ترتسم أمامه مشرقة مضيئة فلا تغيب ، ولسانه يلهج بالدعاء أن يوفق فارس وصحبه ..
من بعيد .. بدا شبح يقترب من مكانه .. فاعتدل أبو الهيثم ممسكاً بندقيته صارخاً في ذلك القادم من بعيد ..
لكن الشبح يقترب أكثر وأكثر ، وملامحه تتضح وتتشكل ..والذهول في قلب أبو الهيثم يكبر ..
- ما الذي جاء بك إلى هنا يا مريم ..؟
مريم :
- جئت أزف إليك الخبر السعيد أي والدي .. فقد ورد من الرجال الآن أن محمود بخير وقد حرره رجالنا..
- حمدا لك يا الله ...
قالها والدموع تترقرق في عينيه ، والفرحة الطاغية تبث الروح في جسده الشاحب ..
دقائق جلس وهو يتمالك نفسه ، وجلست بجواره مريم ..
يلمح البندقية التي تتعلق بكتف مريم فيقول :
- ولماذا تحضرين بندقية "هيثم " ؟؟ ..
- لأني لن أفارقك يا والدي فقد اخترت الشهادة في سبيل الله ..
- وهل تظنين هذا اختيارك ؟ .. عودي يا بنيتي إلى حيث والدتك وأخوتك ..
- عذراً يا والدي لكني اخترت طريقاً لن أحيد عنها .. ولسوف أبيت معكم هنا ..
أبو الهيثم :
- ومن قال لك أننا سنبيت الليلة هنا ..
لقد صدر الأمر للرجال بالتحرك ..سننتقل إلى( جنين ) ... إلى ( يعبد ) محطتنا التالية .. وندعو الله ألا تكون الأخيرة ..
*******
فدوى يومة
10-06-2008, 07:14 PM
ملاحظات على ما سوف يأتي :
رابعاً / المكان سيكون دائماً في حدود الوطن ، فلسطين ، والزمان يفضل أن يتماشى مع تواريخ مخلدة في الذاكرة الفلسطينية لنتمكن من تسليط الضوء عليها من خلال أحداث الرواية .
تحيتي .
كنت أود أن أشارك في دعوتك المفتوحة هنا سيد ـ أحمد عيسى ـ غير أن هذه الملاحظة ألجمتني في مكاني ربما لأنني أرى الأحداث من خلال ما اشاهده فحسب وروايتك لن يستطعمها غير من عاش ولو جزءا من أحداثها ليهبها الحياة كما تفعل أنت
سأكتفي بالقراءة خلفك حتى تنتهي من الباقي منها
تحياتي لك وباقة ورد
أحمد عيسى
10-06-2008, 10:21 PM
كنت أود أن أشارك في دعوتك المفتوحة هنا سيد ـ أحمد عيسى ـ غير أن هذه الملاحظة ألجمتني في مكاني ربما لأنني أرى الأحداث من خلال ما اشاهده فحسب وروايتك لن يستطعمها غير من عاش ولو جزءا من أحداثها ليهبها الحياة كما تفعل أنت
سأكتفي بالقراءة خلفك حتى تنتهي من الباقي منها
تحياتي لك وباقة ورد
بصراحة كنت أعتقد أن تغيير المكان من بلد الى بلد سيشتت الى القارئ ، فان كان بذهنك أي تصور برجاء ارساله لي هنا أو على الخاص ..
على فكرة قامت كاتبة مغربية بمشاركتي في رواية تفاعلية بعنوان " أوراق جافة "وكأنها تعيش معنا ، ثم قامت بكتابة بعض الحلقات الشعبية في مسلسل فكاهي سياسي بعنوان " شعبان في رمضان " ولم يستطع أحد أن يصدق أن كاتب هذه الحلقات مغربي الجنسية وهو يكتب بهذا الحس " الفلسطيني " وكأنه يعيش بيننا ..
طالما جمعتنا لغة واحدة فان الهم واحد ..
تحيتي وأنتظر مرورك مرة أخرى
أحمد عيسى
11-06-2008, 11:06 PM
(9)
في غرفته بالمصنع ، وغير بعيد عن دوي الانفجارات التي هدأت مما يدل على حسم المعركة ، كان عزرا يدور في غرفته كالمجنون ..
أفرغ ما استطاع من نقود من خزنته الحديدية ، وأخرج الحزام الفضي من درج سري في مكتبه ، وصار يتأمله محدثاً نفسه :
- أي سر تحمل أيها الحزام اللامع ، وما علاقتك بصاحبك الذي جاءنا وجاءت معه الهزيمة .. من أين جئتما ؟ وكيف ؟ ..
وهنا ارتجف جسد عزرا وفارس يقفز من نافذة الغرفة المفتوحة إلى قلب المكان وبندقيته مصوبة إلى رأس عزرا :
فارس :
- جئتكم من زمن الضياع يا هذا ، حيث تآمر العالم كله معكم ، حيث ضاعت فلسطين وأصبحتم قوة عظمى ...
لكنني من رحم الثورة ولدت ، رضعت حب الشهادة وأنا أسمع حكايات البطولة والجهاد
أنا من تلاميذ يحيى عياش وعز الدين القسام ...
ستقتلون شيخي القسام ، سترقصون على جثته .. لكن بعد سبعين عاماً ، سيبقى الشعب كله يحفظ أسطورته ويتذكر جهاده ضدكم ومن جاء بكم ..
ستقتلون الرجل لكن جنوده سيبقون طالما بقيتم ، ولسوف يخرج من رحم ثورته الآلاف .. ولسوف تصبح حياتكم جحيماً تعرفونه بكتائب القسام ..
واختطف الحزام من يد عزرا المرتجفة ، وداوى نظراته المذهولة بضربة كالزلزال أطاحت به أرضاً دون حراك ..
لبس فارس حزامه ... نظر إلى السماء صافية وقد تلألأت فيها النجوم ..
- يبدو أن فراقك يا حيفا قد حان ..
*****
في شوارع يعبد ، رأى فارس جمال الطبيعة غضاً بريئاً ..كطفل لم يتلوث بعد ..
على مرتفع كانت ، الأشجار تشكل غالبية معالمها ، والهواء نقي تداعب نسماته وجه فارس فيحس بارتياح ليس له مثيل ..
سيترك الآن هذه المرحلة ويمضي للأمام ..
إلى أين ومتى .. ؟ لا يعرف بعد ..
وصار فارس يستعرض الأحداث والأزمنة التي مرت بها قضيته .. أي زمن سيحتاج أن يعرف عنه أكثر ..أي تاريخ غامض يحتاج إلى توضيح ، وأي ذكرى مؤلمة قد يستطيع أن يغير فيها شيئاً ..
سأل أحد المارين عن تاريخ اليوم فأجابه رغم اندهاشه للسؤال ..
انه التاسع عشر من نوفمبر .. فبم يذكره هذا التاريخ ...غداً يوم عشرين من شهر كانون الثاني ، تاريخ كان يحفظه جيداً لكنه نسي .. تاريخ يعني له شيئاً كبيراًُ .. حتماً سيتذكر ..
تحت شجرة جلس وأصابعه تتحسس أزرار حزامه ، متحير أي الأزرار يضغط ، أي اختيار سيكون ..
على بعد خطوات كان ذلك الفتى ..
بنظرات متلهفة كان ينظر إلى فارس ، يتأمل حزامه الفضي ، ويحاول ألا يصدر أدنى صوت حتى لا يلحظه أحد ..
ناداه فارس أن تعال أيها الفتى ، متردداً جاء حتى أصبحا متقابلين ، مد فارس يده ليصافح الفتى ، قائلاً :
- ما اسمك أيها الصغير .
الفتى :
- اسمي رائد .
متردداً سأل :
- لماذا تلبس هذا الحزام الغريب ؟
فارس ضاحكاً :
- ولماذا تراه غريبا يا صديقي ..
رائد :
- لأن به أزراراً وشاشة زرقاء لم أر مثلها في حياتي ..ليتني أمتلك مثله ..
فارس :
- كم عمرك يا فتى
- اثنا عشر عاماً
فارس :
- اذهب الآن يا صديقي ولسوف نلتقي ان قدر لنا الله ...
وما يدريك ، لعلنا نقاتل معاً ، أو أتتلمذ على يديك ذات يوم ..
الفتى والحيرة تبدو على وجهه :
- نقاتل الانجليز ..
فارس :
- ربما يا صديقي .. وربما نقاتل اليهود .. ستحمل لك الأيام نكبات كبرى فتعلم الصبر والجلد منذ الآن .. ونصيحتي .. إياك أن تترك أرضك ، إياك أن تهرب خائفاً وتترك خلفك بيتك وترابك وهويتك...
اذهب يا فتى ، فلسوف تفهم كلامي ذات يوم ..
الفتى يتراجع وينظر للخلف في كل مرة وكأنما يخشى أن ينظر مرة أخرى فيراه قد اختفى ..
أما فارس فقد تأهبت أصابعه لضغط الأزرار عندما فوجئ بالصراخ والتكبير في الأزقة يتعالى والهرج والمرج يسود المكان ..
هب من مكانه مسرعاً وأوقف شاباً كان يعدو ووجهه شاحب كالموتى ..
ما الذي يحدث ؟
الشاب وهو يلهث :
- الشيخ القسام ورجاله محاصرون في أحراش يعبد .
فارس وهو يضرب جبهته بكفه ..
- وكيف أنسى هذا التاريخ ..
لم يحن وقت الرحيل بعد ..
*****
أحمد عيسى
13-06-2008, 11:20 PM
الأخــــــير
أحمد عيسى
13-06-2008, 11:22 PM
(10)
هبت نسائم الخريف الباردة على وجوه الرجال .. في أحراش يعبد وبين أشجارها الكثيفة التي أخذت أوراقها في التساقط كان الشيخ وصحبه قد جلسوا يخططون لعملية أخرى ضد مستعمرة لليهود ..
الشيخ عز الدين ينظر في وجوه رجاله المتحمسين وقد أحس بأنهم حقاً جنود هذه الأمة ودرعها الحامي .. يتأمل من حملوا أرواحهم على أكفهم وباعوا ذهب زوجاتهم وحليهم وتركوا نعيم الدنيا ليحاربوا معه في الجبال القفر والأحراش الموغلة ..
لن يضيعنا الله ... سننتصر وان طال المدى .. وهكذا ما زال الشيخ على جلسته ..
لحيته البيضاء تلتمع تحت ضوء القمر الذي أرسل أشعته قوية ليضئ المكان ، يتسلل بين الأشجار وعبر الحقول والأحراش ومن وراء الجبال ليصل ..
في النهاية يصل ..إلى المتعطشين إليه ، المشتاقين لنوره ..
بجلابيته البيضاء كان ، وبمصحفه الذي لم يفارقه يجلس الشيخ والرجال ..والحديث المتصل المحتشد بالحماس لا ينقطع ، ورجاله يتسابقون لطلب تنفيذ آخر عملية يخطط لها ..
لكن صوتاً متقطعاً يأتي من بعيد .. هذه إشارة متفق عليها ..
هو أحد الأتباع إذن ..
وان هي إلا ثوان وجاء شاب ممن كانوا يرابطون في الخطوط الأمامية ، صائحاً بانفعال شديد :
- يا شيخ .. يا شيخ
- ماذا بك يا ولدي ..
- الانجليز يحاصرون الأحراش وقد عرفوا مكانك ..
الشيخ عز الدين ساهماً شارداً يفكر في المصاب الجلل ..
- فعلها العملاء إذن ..
نادى أبو الهيثم على بقية الرجال فجاءوا مسرعين ..
وسرد لهم الشيخ ما حدث ..
امتقعت الوجوه وقد أحس الرجال باقتراب الأجل ..
حزينا كان ...متجهم الملامح يقف بين رجاله ، لكن نظراته حادة كالسيف والخوف لم يعرف إلى قلبه سبيل ..
بعزيمته التي اعتاد عليها الرجال يصيح الشيخ :
- لقد بعنا أرواحنا لله تعالى ، وانه لشرف لنا أن تسيل دماؤنا على تراب الوطن ..وان روحي لتتوق إلى بارئها .. وإنها لتشتاق إلى الجنة ..
وتحتشد الدموع في العيون ويندفع الرجال لمبايعة القائد على مرافقته حتى النصر أو الشهادة ..
يسأل الرجال عن عدد المحاصرين فيقول أحدهم :
- أعتقد أنهم أكثر من مائة يا سيدي ، ربما عدة مئات بينهم الانجليز والشرطة العرب ... محاصرون نحن من جميع الجهات وأعتقد ألا سبيل للفرار ..
أبو الهيثم :
- وهل تحدث أحدنا عن الفرار .. الشيخ أصدر الأوامر بالمواجهة وليس لنا غيرها ، نموت شهداء أو نرحل منتصرين بإذن الله ..
الشيخ القسام :
- تذكروا قوله تعالى في سورة التوبة " أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين "
ومن أعلى بدأ الرجال يسمعون أزيز طائرة في الجو فقال أبو الهيثم :
- إن هذا لدليل أن هجومهم سيكون كاسحاً لا يبقي ولا يذر ، وليس لنا في هذه المواجهة إلا الله تعالى ، سنقاتل بكل ما أوتينا ..
قال أبو الهيثم :
- البوليس العربي في مقدمة الهجوم .. فكيف سيكون ردنا عليهم .
الشيخ القسام يميل على أبو الهيثم هامساً ببضع كلمات ثم ينسحب ليشرف على تشكيلات الرجال واستعداداتهم للقتال ..
وأبو الهيثم يقول بصوت قاطع :
- لا نريد أي رصاصة في صدر عربي ، هذه أوامر الشيخ الصارمة فالتزموا بها ..
سيبدأ تناوب الحراسة منذ الآن فان هجومهم سيبدأ مع أول خيوط الفجر ..
ومضت الساعات المتبقية من الليل بطيئة ثقيلة ، كأنه لا يريد لظلمته أن تنقشع ..
وما أن نودي للفجر حتى هب الرجال جميعهم إيذانا ببدء يوم جديد فيه القول الفصل ..
واصطف الرجال بعدما توضئوا ، صفاً واحداً وقد تقدمهم الشيخ القسام إماماً ، خاشعاً كأنه لا يطارده أحد ، هادئاً كأنه يملك الوقت كله .. الجنة تتمثل أمام مخيلته ولكأنه يراها ..
واختتم صلاته بالدعاء للمجاهين بالنصر والتمكين ..
وبدأ الرجال في تسلق الجبل واعتلاء الأماكن العالية ليتمكنوا من التصويب والقتال ..
تمركزوا في أماكنهم وفق تشكيلة تدربوا عليها وكل واحد منهم يعرف هدفه جيداً ..
ومن بعيد بدأت أصوات القوات المحاصرة وقد اقتربت كثيراً من المكان ..
وبصوت عال نادى أحد أفراد الشرطة العرب على الشيخ القسام وصحبه طالباً منهم الاستسلام .
فاقترب القسام قليلاً وقال بصوت قوي :
- إننا لن نستسلم، فنحن في موقف الجهاد في سبيل الله ..
والتفت الشيخ إلى الرجال صائحاً :
- موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة ..
وما أن انتهت كلماته حتى بدأ الرصاص يقول كلمته .. بينما عالياً يرتفع صوت رجاله وهم يرددون :
- لن نستسلم .. لن نستسلم ..
دوت أصوات الرصاص في كل مكان وبدأت مجموعات الجيش العربي في التقدم وخلفها قوات الانجليز ، وكان صوت الطائرات يصم الآذان في سماء المعركة ..
صاح أحد المقاومين :
- مواقعنا مكشوفة للطائرات ، فلتحتموا بالأشجار حتى تحجبكم ..
وفي كل مكان انتشر المجاهدين ، وكان الشيخ القسام يقاتل بنفسه ويتقدم بكل ثقة وفي يده مسدسه الشخصي وبندقية على كتفه ..
لكن المعركة كانت تميل لصالح الانجليز فالكثرة تغلب الشجاعة ، بدأت قواتهم تتقدم أكثر ، وحركة المجاهدين محدودة بحكم الطائرات التي تكشف مواقعهم وتحركاتهم ..
لكن المعركة لم تكن نزهة للقائد الانجليزي وهو يشاهد من طائرته جنوده يسقطون واحداً تلو الآخر ..
كان رجال الشيخ يحكمون التصويب ولا يموتون إلا وقد أثخنوا في العدو الجراح ..
وبطرف عينه شاهد أبو الهيثم ابنته مريم وهي تصوب بندقيتها فتردي أحد الانجليز صريعا .. ..
كانت تقاتل كالرجال ، تلتف حطتها حول رأسها وتنطلق بين الأشجار في خفة حتى جاءتها تلك الرصاصة ..
رصاصة غادرة أصابتها في كتفها ، فسقطت أرضاً والدماء تندفع لتلوث ملابسها ..
ابنتي ... صرخ أبو الهيثم وهو يحاول شق الصفوف إليها ، لكن كثافة النيران تحول دون وصوله ، يقف عاجزاً عن التحرك ...
لكن صراخاً يرتفع من خلف مريم ، قنابل المولتوف تنهال على الجنود المحاصِرين ، وفارس يشق طريقه إليها وخلفه مجموعة من الرجال الذين تخلفوا عن اللحاق بالشيخ ..
واندفع الرجال تنفيذاً لخطة فارس ..
انطلق بعضهم ليشغل الجنود المحاصرين بقنابل المولتوف وقنابل الأنابيب التي صنعها فارس محلياً ، وانطلقت المجموعة الأخرى إلى الشيخ القسام ...
وحول الشيخ اصطف الرجال وهم يحاولون اقتياده إلى الثغرة التي فتحوها في قلب الحصار ..
- هيا معنا يا شيخ ..
الشيخ القسام وهو يحتفظ بمسدسه بحزامه ويستل بندقيته ويواصل إطلاق النار دون توقف ..
- اتركوني هنا فلسوف أستشهد بين رفاقي .. هذه فرصة لن أضيعها لألقى الله مقبلاً غير مدبر ..
حاول الرجال معه لكن أي من محاولاتهم لم تفلح ، يندفع فارس مسرعاً الى الشيخ ..
ويرفع بندقيته ليصرع جندياً كان قد اقترب ليغتال الشيخ ..
فارس :
- أرجوك يا شيخي أن ترحل معي .. فلسطين تحتاجك ..
- ارحل يا بني فقد ارتضيت أن أموت شهيداً بإذن الله بين رجالي وإخواني ..
- ستحدث فرقاً لو بقيت يا شيخي .
- ولسوف يحدث الفارق إن استشهدت فقد زرعت البذرة يا ولدي .. استغلوا هذه الشرارة وتابعوا الثورة في كل مكان حتى يرحل المغتصبون عنا ..
ويواصل الشيخ عدوه أمام عيني فارس المذهولتين ...
- وداعاً يا شيخي ..
ويندفع بأقصى سرعته ليساعد مريم على النهوض وينطلقا معاً عبر الثغرة والنيران خلفهم لا تتوقف ...
مريم بين دمائها ودموعها ترى فارس ، تشعر بذراعيه ... أخيراً عدت أيها الفارس .. ..
فارس وهو يسندها حتى تجلس أمام صخرة قريبة :
- لم يحن وقتك بعد.. ستعيشين ...
مريم في جزع :
- والدي يا فارس .. والشيخ .. أنقذ الشيخ ..
وبنظرة منه للأمام عرف فارس أن المعركة قد حسمت تقريباً لصالح الانجليز وقد نفذ مخزون الرجال من القنابل والرصاص ..
ها هو الشيخ القسام يسقط .. رصاصة غادرة تطيح به ، وأخرى وأخرى حتى وقع أرضاً وبندقيته لم تفارق كفيه ..
وداعاً أيها الشيخ المجاهد ... وداعاً أيها البطل ..
ها هم المجرمون يتفقدون قتلاهم .. يلملمون جرحاهم ..
يفتشون جثة الشيخ ليجدوا المصحف الذي كان يلازمه ، حتى في موته ..
والقائد الانجليزي يهرول ليرى نتائج معركته ، يبتسم في شماتة والشيخ ملقى على الأرض ودماءه تنساب على الأرض العطشة بين ذرات التراب وتمضي .. دون توقف ..
يندفع فارس ليفعل شيئاً ، أي شيء ، لكن الجنود يقتربون منه بأقصى سرعة وقد عرفوا مكانه ، وهو بحاجة إلى أن ينقذ مريم ويبعدهم عن مكانها ..
ويطلق فارس عليهم زخة من الرصاص من بندقيته ثم ينطلق بأقصى سرعة بعيداً عن مريم ليبعدهم عنها ... بعيداً عن المكان ...
وأصابعه على لوحة التحكم في حزامه ...
بعيداً عن الزمان ...
وداعاً يا شيخي .. وداعاً يا مريم ..
وداعاً يا رفاق السلاح ...
في دوامة كبيرة يسقط ..
وأمام عيون الجنود المذهولين يختفي فارس من هنا ..
ويظهر هناك ...
******
تمت القفزة الأولى بحمد الله
ربيحة الرفاعي
21-10-2015, 12:54 AM
تجربة رائعة اكتملت أولى حلقاتها
آمل برفعها اليوم أن تحظى بمشاركات تتابع معها الحلقات ليتوالى الإبداع!!
دمت مبدعا أديبنا
تحاياي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir