المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجلٌ معتلٌ به



عبدالإله الأنصاري
08-06-2008, 12:55 AM
في ذلك البيت الكبير لا تسمع سوى قرع نعالهم، ودمدمة صديقي المزعجة في أحايين كثيرة.
لم يكن مقرفا بهذا الشكل الممجوج
يخايل إليك أن المنكفئ أمامك توأمه العبيط ، النسخة الجسدية المكررة منه
بذات النحول وعيناه في ذبولهما تنضحان بالذهول
لم يتعلم كيف يرتق قميص صبره ، كتب على نفسه الصوم واستبسل في إنهاك جسده. لِحِممه اللاهبة أسلم عصاه وتوكأ على جمرة عابثة، يردد ..
كن أنت .. أنت
كن أنت .. أنت
كن أنت .. أنت
صداها كصداع ناشز في وقت ظهيرة حارقة، خلفها كانت يده الريح وأنفاسه الصمت الطويل يشق المدى كسيجارة مغتربة
أقسَم - لي - أنه كان هو .. هو، فأضحى الخرقة البالية التي تمسح غبار جداره الطري.
صدّق بالوهم ، فأردته الحقيقة الباغية
آمن بالإنسان ؛ فأسكنه جدارين وبصقة وفحيح الحناجر المتصدعة.
الشك سيده الأمين ، وأنثاه الحلم المنسي الذي لن يعبر فرسخاً ليصب أمامه ، مهما استوى الطريق.
ينادي الكأس المترع بالخيبة ألا يصحو،
والدخان المتطاير ألا يغيب طويلا ؛
يمكر به الأول عند آخر انعطافة خدر، ويربكه غياب الآخر قبيل منتصف الشرود.
يصيح ..
الأرض باردة ، فاتّسعي يا أنّاتي ، تكسَّرِ - الآن - يا عودُ. الضيق هناك ، ليس بأكثر رحابة من هذا الخُرج الذي تضطجع فيه، والوحشة هذه ليست بأمتع من تلك التي سيتعفن فيها وريدك.!
ساح جمود وجهه واكتسى بسرور مفاجئ و أرسل ابتسامة بلهاء و غرّد بصوته الضعيف المبحوح ..
أنا الذي عبّد الطرقات و جمع الشتيتين،
أنا من ذاع صيته لحظة كسّرتُ أقفالَ الخزائن بِكَفِّ السيل،
أنا الذي دكّ عنق القهر وأطعم الجوع،
أنا من نشر رداء فكره ونبذ الجهل أسفل سبع.
قفز كملدوغٍ، وجحظت عيناه وأخذ يصرخ ..
أنا .. أنا .. أنا هذه الزوايا، أخد يدور في مكانه الواقف فيه ويشير بيده المريضة حتى بان الألم على صفحة وجهه ، أنا هذا الجدار الذي سينقض عليكم ذات يوم أيها الخونة ،أنا السقف المنير، سأقبركم تحتي جميعاً..!
ترنح وسقط على وجهه و أخذ دمه يسيل حتى أوقفَتْ قدماي جريانه. تحامل على نفسه وأسند ظهره للجدار وحاول أن يبتسم ، بعد أن مسح أنفه بظاهر كفه ، ونام طويلا.
جلست بجواره أتأمل طفل ملامحه لبرهة ، و إذا بصوت يتردد في المكان ..
نم أيها الشيء النحيل ، كأسك يتحرق للثم روحك ، وأربابك شاخصون ، كثيرٌ أنتَ وحدك ، ضئيلٌ ما هم ، أنثاك تسبّح بحمدك وتذكرك كثيرا ، و أبناؤك يتمسحون بذرات جسدك الطاهر ، والناس جميعاً يهتفون بك. أيها الشيء المنسي .. مازلت مذكورا

حسام القاضي
08-06-2008, 01:11 PM
أخي الفاضل الأديب / عبد الإله الأنصاري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص عميق..
يعيش البعض مسجوناً داخل جدران نفسه
وربما يتخيل انه سر الوجود ،أو الوجود ذاته
عمل يستحق اكثر من قراءة ..
تقبل تقديري واحترامي.

جوتيار تمر
08-06-2008, 09:26 PM
الانصاري الرائع..
جميل هذا الاسلوب وهذا التداعي في المعاني ، التي تولد ذاتية تعيش بين الأنا والانا الاخرى ، تمكن فيه في اللغة وقاموسها، ويظهر ذلك من خلال الجمل الموظفة والتي عبرت عن الفكرة بكل دقة فاصبح النص واللغة لحمة و سدى ،نص يبين لنا اننا امام كاتب يمتلك ادواته ، وواع بآلياته السردية،متمكن من خطوطه القصصية، بارع في وصفه ، ومدرك لماهية النص .

محبتي
جوتيار

وفاء شوكت خضر
08-06-2008, 10:57 PM
تأملت هذا النص ، الذي يحمل بعدا إنسانيا عميقا ..
هو ذاك الذي يعيش الوهم ، يظن نفسه أنه المنعم المتفضل ، والذي صنع المجد ، وهو لم يفعل أكثر من الوهم ، يظن كل أصبع يشير إليه ..
لا يملك إلا الوهم وبه يعيش ، وحين يصفعه الواقع ..
يظن أنها مؤامرة أحيكت ضده ..

أسلوب قصيي متين ولغة قوية وسرد ممتع ..
اعذر تأخري بالوصول إلى ضفاف حرفك ..


شكرا على لحظات تأمل في نص كلله الإبداع .
تحيتي ..

عدنان القماش
09-06-2008, 11:04 AM
بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الكريم الأنصاري،،،
قصتك جميلة، ولغتك أجمل، وفكرتك أجمل وأجمل.
دام لنا إبداعك.

وصلي اللهم على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم

عبدالإله الأنصاري
12-06-2008, 06:38 AM
أخي الفاضل الأديب / عبد الإله الأنصاري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص عميق..
يعيش البعض مسجوناً داخل جدران نفسه
وربما يتخيل انه سر الوجود ،أو الوجود ذاته
عمل يستحق اكثر من قراءة ..
تقبل تقديري واحترامي.
وعليكم السلامة ورحمة الله وبركاته

هو ذاك البعض المسكون بوهمه المرتحل أقصى ما يعيل شططه
موجِعة نهاية الغيبوبة على وتدٍ لا يلين

سعيدٌ بقراءتك وبهذا الحضور الثمين جدا
شكراً لقلبك

عبدالإله الأنصاري
12-06-2008, 06:40 AM
الانصاري الرائع..
جميل هذا الاسلوب وهذا التداعي في المعاني ، التي تولد ذاتية تعيش بين الأنا والانا الاخرى ، تمكن فيه في اللغة وقاموسها، ويظهر ذلك من خلال الجمل الموظفة والتي عبرت عن الفكرة بكل دقة فاصبح النص واللغة لحمة و سدى ،نص يبين لنا اننا امام كاتب يمتلك ادواته ، وواع بآلياته السردية،متمكن من خطوطه القصصية، بارع في وصفه ، ومدرك لماهية النص .
محبتي
جوتيار

الأجمل هو ذاك الحرف الذي يورِق له النص
ممتن لك جوتيار
كل الشكر

عبدالإله الأنصاري
09-07-2008, 05:27 PM
تأملت هذا النص ، الذي يحمل بعدا إنسانيا عميقا ..
هو ذاك الذي يعيش الوهم ، يظن نفسه أنه المنعم المتفضل ، والذي صنع المجد ، وهو لم يفعل أكثر من الوهم ، يظن كل أصبع يشير إليه ..
لا يملك إلا الوهم وبه يعيش ، وحين يصفعه الواقع ..
يظن أنها مؤامرة أحيكت ضده ..
أسلوب قصيي متين ولغة قوية وسرد ممتع ..
اعذر تأخري بالوصول إلى ضفاف حرفك ..
شكرا على لحظات تأمل في نص كلله الإبداع .
تحيتي ..

قرأتِه - وفاء - كما توهّمتُه
فكان أجمل
شكرا لكِ على ما أسبغتِ و أضفتِ
مودتي ،،

عبدالإله الأنصاري
09-07-2008, 05:28 PM
بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الكريم الأنصاري،،،
قصتك جميلة، ولغتك أجمل، وفكرتك أجمل وأجمل.
دام لنا إبداعك.
وصلي اللهم على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجميل هو حضورك أيها الكريم
شكرا لك
ودمت ،،

ربيحة الرفاعي
11-05-2014, 12:00 AM
أقسَم - لي - أنه كان هو .. هو، فأضحى الخرقة البالية التي تمسح غبار جداره الطري.
صدّق بالوهم ، فأردته الحقيقة الباغية
آمن بالإنسان ؛ فأسكنه جدارين وبصقة وفحيح الحناجر المتصدعة.
الشك سيده الأمين ، وأنثاه الحلم المنسي الذي لن يعبر فرسخاً ليصب أمامه ، مهما استوى الطريق.
ينادي الكأس المترع بالخيبة ألا يصحو، والدخان المتطاير ألا يغيب طويلا؛ يمكر به الأول عند آخر انعطافة خدر، ويربكه غياب الآخر قبيل منتصف الشرود.
يصيح ..
الأرض باردة ، فاتّسعي يا أنّاتي ، تكسَّرِ - الآن - يا عودُ. الضيق هناك ، ليس بأكثر رحابة من هذا الخُرج الذي تضطجع فيه، والوحشة هذه ليست بأمتع من تلك التي سيتعفن فيها وريدك.!

قصة عميقة بمعالجة لمعنى نفسي عميق وفكرة مائزة، وأسلوب قصّي يشهد بتمكن القاص وقدرته على توظيف المشهد والحوار والمفردة بأجمل ما يكون البناء صناعة للحدث وتداعياته

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
13-05-2014, 12:47 PM
تمكن من رصف الحروف في مكانها واختيار المعنى الذي يليق بحضورها
اسجل اعجابي
دمت بخير
مودتي وكل التقدير

نداء غريب صبري
12-07-2014, 04:01 PM
أسلوب مشوق وقدرة في كتبة القصة عالية ووصف لحالة جنون العظمة

رائعة اخي


بوركت

لانا عبد الستار
16-08-2014, 12:46 AM
قصة جميلة وتتناول جانبا موجودا في بعض الناس من ظنهم بأنهم مركز الكون ومحوره ... إنه جنون العظمة للأسف
ربما كان الأسلوب بحاجة لبعض معالجة فنية أفضل

أشكرك

رويدة القحطاني
06-06-2015, 06:55 PM
نجحت في عرض الصراع النفسي الذي يعيشه أصحاب الشخصية المضطربة بأسلوب قصصي جميل
وأعجبتني لغتك القوية أكثر