تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دعوة التوحيد.. في عصر العولمة/ وليد الهويريني



طارق ملاح
02-08-2008, 11:44 PM
خلق الله آدم عليه السلام موحداً... معترفاً بالعبودية لربه جل وعلا, و على هذا التوحيد الخالص سارت ذرّيته, وبعد عشرة قرون من رحيله عليه الصلاة والسلام انحرفت ذرّيته عن التوحيد، وأشركت مع ربها آلهة أخرى عبر بوابة الغلوّ في الأولياء والصالحين, فبعث الله -عز وجل- للبشر من أنفسهم رسلاً يذكرونهم بالحكمة الكبرى التي لأجلها خلقهم، وهي عبادته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ), وكلّما ضعف وهج دعوة التوحيد, أرسل الله رسله وأصفياءه مبشرين ومنذرين, وقبيل بعثة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم "نظر الله تعالى إلى الناس فمقتهم عربهم و عجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب", وبعد بعثة الأنبياء حمل راية هذا الدين أئمة السلف وأعلام الأمة ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ومن عظيم فقه السلف ابتداء من الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم مع اهتمامهم بالدعوة للتوحيد بشموليته، إلاّ أنهم أوْلَوْا الجانب الأكبر من هذا الجهد لتلك الانحرافات التي شاعت في عصرهم, فعندما ظهرت فتنة الخوارج انبرى لها الصحابة، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه, ثم خرجت بدعة القدرية، فتصدى لها معاصروها من الصحابة كعبد الله بن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم..

ولما قويت شوكة المعتزلة والجهمية في عهد المأمون، وشاع القول بخلق القرآن تصدى لهذه الفتنة إمام أهل السنة وقامع البدعة أحمد بن حنبل رحمه الله..

وفي العصور المتأخرة شاعت المخالفات الشرعية في توحيد العبادة عبر طقوس بدعية على أعتاب الأضرحة والقبور، فانبرى لهذا الخلل علماء أجلاء على رأسهم الإمام محمد بن عبد الوهاب فصنّف الكتب, وبعث الرسائل منافحاً على صفاء العقيدة, ومنقياً لكثير من الممارسات والأفكار من أدران البدعة والشرك. وعندما ابتُليت الأمة في القرن الماضي بمدارس ومذاهب ونظريات منحرفة عن الإسلام كالشيوعية والماركسية والقومية والعلمانية نفر لها ثلة من العلماء مفنّدين شبهات أربابها، وموضّحين مواطن مناقضة هذه النظريات للإسلام بوصفه ديناً ربّانيّاً, وشريعة إلهية جاءت لتحكم وتهيمن على كافة مناحي الحياة؛ لأنها أُنزلت من لدن حكيم عليم.

إن الناظر عبر عدسة التاريخ, والمتأمل في خط سير هذه القافلة المباركة التي اصطفى الله رجالها الأوائل بالوحي وهم (الأنبياء), واستخلف مَن سار على هديهم من بعدهم وهم (العلماء), يدرك مركزية هذا الدور العلمي والفكري الذي ينبغي أن يقفه أتباع الأنبياء من أهل العلم والدعوة مهما اختلفت طرائقهم واجتهاداتهم ومواقفهم العلمية والدعوية والفكرية, ويمكنني أن ألخّص هذا الدور المركزي المأمول في الوقت المعاصر في مسيرة الدعوة والإصلاح عبر وقفتين:



الوقفة الأولى: شمولية دعوة التوحيد للانحرافات المعاصرة



أشرت في بداية المقال إلى تصدي أئمة السلف إلى تلك الانحرافات التي شاعت في عصرهم, وبناء على هذا فالمأمول من أهل العلم والدعوة أن يخصصوا الجزء الأكبر من جهودهم العلمية والفكرية للانحرافات المعاصرة التي طالت عقيدة التوحيد في أبواب الإيمان, والولاء والبراء, وسيادة الشريعة وغيرها.

إن منظومة الغرب الثقافية التي دهمت بيوت المسلمين عبر المنافذ الإعلامية، ويتولى فئام من أبناء الأمة الترويج لها تستلزم إعداد جيل من طلاب العلم الذين يملكون قدراً جيداً من الاطلاع على تاريخ هذه الحضارة المعاصرة, وبيان مواطن انحرافها عن الشريعة, وآثارها الخطيرة على هوية الأمة وثقافتها ومستقبلها, والسعي في بيان شمولية الإسلام، وتغطيته لكافة اللافتات البرّاقة عن الحرية وحقوق الإنسان التي يرفعها سدنة هذه المنظومة؛ لاستغفال أبناء الأمم المهزومة والتابعة, ودعوتهم للانسلاخ من قيم دينهم وحضارتهم الإسلامية. يعجبني حيناً, وأتعجب حيناً آخر أن أجد طالب علم يحيط علماً بكافة المذاهب التي كانت في القرن السابع والتي اندثر بعضها أو كاد, وهو لا يملك أدنى فكرة عن "الليبرالية" أو "الرأسمالية" أو غيرها من الأفكار والمذاهب التي أصبح أربابها على اختلاف بلدانهم وألوانهم يروّجون قيمها وشبهاتها عبر كافة وسائل الإعلام للناس, بل إن الناظر في عالمنا اليوم لا يشك أن هذه المذاهب والنظريات أصبحت تتحكم في النظم والشركات والمؤسسات التي تمسك بمراكز القوة والتأثير في العالم. إن هذه "القطيعة" بين طالب العلم، و "انحرافات عصره" تصبّ ولاشك في خانة أعداء الأمة, بل إنها تفضي في أحايين أخرى إلى اختلال المعايير لدى طالب العلم ذاته، فيُفاجَأ الغيورون من هذا الشخص وأمثاله بمواقف متناغمة مع الاستبداد أو مشروع تغريبي معادٍ للأمة، وهذا ربما لم يكن مردّه بسبب وجود اتفاق أو تبعية، بقدر ما أسميه داء "الغيبوية الفكرية" التي تعمل عملها في تشكيل مواقف هذا الشيخ أو آرائه.

إن الدعوة لمجابهة الانحرافات المعاصرة في التوحيد لا يعني إهمال التصدي لشبهات الخرافيين والمبتدعة, أو اتهام المهتمين ببيان عقيدة أهل السنة في هذه القضايا بالسطحية أو الهامشية، أو الاشتغال فيما يسمونه الخلافات العقائدية التاريخية, فإن هذا خطأ بيّن, ووهم واضح من زاويتين:

الزاوية الأولى: أن هذه الانحرافات لا تزال موجودة في واقع المسلمين, فلا يزال الجمّ الغفير من جُهّال المسلمين يمارسون ألواناً من البدع والضلالات على عتبات الأضرحة والقبور, ولا يزال آخرون من مثقفي الأمة دخلت عليهم شبهات "المرجئة" و "المعتزلة"، وقد كان لهذه الشبهات آثارها العملية على أدائهم ومواقفهم تأييداً للاستبداد, وتطبيعاً لممارسات سدنته, وجلداً فكرياً وعلمياً للمصلحين؛ فالتصدي لهذه الانحرافات يُعدّ منهجاً إصلاحياً معاصراً بكل المقاييس، لا كما يظنه بعض المفكرين عبثاً وردحاً في سراديب التاريخ.

الزاوية الثانية: إذا تقرّر أن هذه الانحرافات موجودة في واقعنا المعاصر, فالداعية والمصلح لا يقيّم مقدار هذه الانحرافات بالنوايا الطيبة لدى الواقعين في مياهها الآسنة، ولا يقيّمها بناء على وجود خصال حسنة لهؤلاء الناس في جوانب أخرى في حياتهم, بل يقيّم هذه الانحرافات وفق معيار علمي شرعي, فإذا كانت هذه الانحرافات تمسّ حق الله الأعظم، وهو إفراده بالعبادة (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)، أو كانت هذه الانحرافات تمسّ كمال شريعته (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً), فإن هذا يُعدّ حافزاً قوياً للسعي الجاد لإصلاح هذه الانحرافات التي جاوز فيها أصحابها الحكمة الكبرى التي لأجلها خلقهم ربهم وبعث أنبياءه ورسله, وإن كان المصلحون في مسيرتهم الدعوية والإصلاحية قد يعتذرون عن هؤلاء بأعذار الجهل والتأويل، بعيداً عن تكفير أو تبديع الأعيان.



الوقفة الثانية: استصحاب القراءة الشرعية في المسيرة الإصلاحية


يتصوّر بعض الفضلاء من المفكرين والدعاة أن استصحاب القراءة الشرعية في واقعنا المعاصر بتعقيداته وانحرافاته يساهم في صياغة نظرة حدية إقصائية للنظم والمؤسسات والطوائف والتيارات في المجتمع، وهذا قد يفضي إلى خيارين أحلاهما مر، إما خيار الانزواء والانكفاء مما يؤدي إلى تحجيم دائرة الدعوة وتخلّفها عن مواكبة حراك المجتمع, وإما خيار الصدام مع الآخرين، مما يؤدي إلى تلف ثمار الدعوة ومنجزاتها، وإضفاء أجواء التوجّس والتشكّك لدى الأطراف الأخرى من مسيرة الدعوة والإصلاح.

والحقيقة أن هذا الرأي في غير محله، وهو عائد لتأثر هؤلاء الفضلاء بتيارات وحركات إسلامية استصحبت النظرة الشرعية في عناوينها الكبرى، دون أن تلتزم بضوابطها، مما أفرز نتائج مدمرة لا تزال الأمة تتجرع مرارتها, ولا أقصر النتائج المدمرة على تيارات العنف، بل الأمر يتعداها إلى تيارات تخلّت عن هذه الضوابط؛ فغدت سيفاً مصلتاً بيد قوى الاستبداد, أو جماعات متناثرة متنافرة تحمل كل جماعة منها القابلية للتشرذم والتشظي؛ فلا تطلع شمس يوم جديد عليها وإلاّ وقد قدمت لمقصلة الإعدام الفكري أحد رموزها ورجالاتها الذين تنكّبوا ما يعتبرونه "منهجاً" يجب ألاّ يُصار إلى غيره.

إن استصحاب النظرة الشرعية فيه النجاة من طوفان التغريب، وخطر الذوبان في ثقافة الآخرين، دون جمود أو جنوح أو انغلاق على الذات, وذلك أن النظرة الشرعية المنبثقة من مصادر الشرع تعتبر "فقه الواقع" أحد ركائزها, فما لم تملك المسيرة الدعوية والإصلاحية فقهاً معمّقاً للواقع، فقد حكمت على مصداقيتها بالسقوط, وعلى مسيرتها الإصلاحية بالفشل, والعالم اليوم بجوانبه كافة أصبح عالماً متشعباً متداخلاً في كافة نظمه, ومؤسساته, واتصالاته, ولم يعد بإمكان طالب العلم أن يكتفي بالنظرة العاجلة في الصحف أو سماع من يثق به من الشباب والطلاب لتصوّره وفهمه فهماً شرعياً صحيحاً .

وفي نفس الوقت فالتخلي عن النظرة الشرعية أو ضعفها لدى الدعاة يؤدي إلى تنازلات تمسّ ثوابت الدعوة, بل تؤدي -مع بالغ الأسف- لإنتاج دعوة إسلامية مشوّهة تتناغم مع انحرافات العصر، وتكتفي بأنشطة دعوية طيبة في نفسها، ولكنها لا تمس مفاصل هذا الانحراف, وليس ثمة إشكال في "مرحلية" هذا الحراك الدعوي أو حتى الاكتفاء به والوقوف على حدوده، ولكن المعضلة تبرز أن ثمة ثمناً غالياً يُدفع إزاء السماح بهذا الحراك، وهو تدشين خطاب دعوي يساهم في "تطبيع" هذه الانحرافات داخل المسيرة الدعوية والإصلاحية .

في نطاق العلاقة مع غير المسلمين على سبيل المثال تساهم القراءة الشرعية في حفظ الهوية الثقافية للأمة، وتمنعها من الذوبان في منظومة "الآخر" الثقافية, وفي طور إرشاد جمهور المسلمين ودعوتهم لا يجد الدعاة حرجاً من بيان تميز الدين الإسلامي، والحكم على كافة عقائد "الآخر" بالبطلان, وبيان أن إيمان المرء ونجاته لا يكون إلاّ بالإيمان بهذه المسلّمة الشرعية (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ), لا سيما وأن طبيعة الخطاب الإعلامي السائد تضرب هذه المسلّمة الشرعية صباح مساء, وفي الوقت نفسه فالقراءة الشرعية ذاتها ترشد المسلمين إلى شرعية الحوار مع غير المسلمين, ومعاملتهم بالحسنى، بل والتعاون مع عقلائهم لتحقيق قيم إنسانية مشتركة، كتحقيق العدل، ورفع الظلم، كما في خبر حلف الفضول, والهدي النبوي العملي في التعامل مع غير المسلمين في مكة والمدينة.

وكذلك الأمر في شأن التعامل مع المبتدعة من أهل القبلة, فالقراءة الشرعية تعطي المجتمع الإسلامي الحصانة من تغلغل الأفكار والمذاهب المنحرفة، والنفوذ إلى داخل المجتمعات الإسلامية التي يستشعر عامتها خطر ممارسات أصحاب هذه المذاهب، لا سيما إن كانت أدبيات وتاريخ هذه المذاهب حافلة بالخيانات الكبرى ضد الأمة والتحالف مع أعدائها, وفي الجهة المقابلة فالقراءة الشرعية تحفظ لهؤلاء حقوقهم التي كفلها لهم الإسلام بمقتضى ظاهر حالهم من الالتزام بشعائر الإسلام الظاهرة, والحفاظ على وحدة الأوطان, ولا يجهد أصحاب القراءة الشرعية الواعية أنفسهم في التنقيب عن صدور الآخرين أو اتهامهم بالنفاق والكيد لمجرد الظن أو بأثر رجعي من التاريخ, بل يسعى أصحابها لصياغة آلية شرعية منضبطة تكفل تحقيق حالة من السلم الأهلي في أي كيان يجمع أهل السنة مع مخالفيهم، وذلك في ظل أحكام الشريعة الإسلامية, ولئن كانت شريعتنا الغرّاء كفلت لكل من يتفيّأ ظلالها من اليهود والنصارى حقوقهم الدينية والدنيوية، فكيف بالطوائف والتيارات المنتسبة لهذه الأمة؟!

خليل حلاوجي
03-08-2008, 03:55 PM
المشكلة الجوهرية أن مجتمعاتنا الإسلامية تدعي متون وتطبق الضد منها ...

تصدح قلوبنا 17 مرة في اليوم ... إياك نعبد

والواقع _ واقعنا المؤلم - يقر أننا نجعلها ... إياك أعبد ...


الفردية ثيمة غربية ... تشهدها مجتمعاتنا التي توصف بالإسلامية ... ثمة شيزوفرينا مهلكة ...


فأين أطباء الحكمة الشرعية ؟


\

تقبل بالغ تقديري .