تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ثلاث قصص فكاهية ( يوميات بدر )



د.مصطفى عطية جمعة
10-09-2008, 10:51 PM
يوميات بدر ( قصص فكاهية ) :
1 )
وجوه متراقصة
د. مصطفى عطية جمعة
عيون الطلاب في الصف تطالعه من طرف خفي ، تتراقص الابتسامة خجلى على الوجوه ، تتابع العيون الأستاذ الذي انهمك في الكتابة على السبورة، تتسع الابتسامة ، يكتم البعض ضحكه ، الكل منشغل بوجه زميلهم "بدر" الذي مطّ شفتيه ، ولوى أنفه ، ورفع حاجبيه ، وتكشّرت ملامحه فبدا كالذئب المتوحش.
التفت الأستاذ - من كتابته السبورية - لطلابه فطالع انبساط الوجوه ، وانفراج الشفاه ، وكتم القهقهات .
- لماذا تضحكون يا أغبياء ؟!
قالها الأستاذ وهو ينظر في عيونهم الطافرة ضحكا ، فأجابوا بأصوات متداخلة ، تشي بالاحترام الواجب :
- لاشيء يا أستاذ.
وعادت شفاههم محافظة على انطباقها ، يظن الأستاذ أن هيئته سبب ، يفتش في ثيابه ؛ لاشيء ، ينظر فيما كتبه على السبورة ؛ لا شيء ، يعود لاستكمال كتابته ، فيما يزيد " بدر " من تمدد شفتيه ، ويخرج لسانه للصف ، طويلا ، متراقصا ، ثم يعيد إدخاله ، محافظا على لوحة التكشيرة في وجهه . ينفجر الطلاب ضاحكين ، وتعلو ضحكاتهم ، فيمسك الأستاذ عصاه ، وبعشوائية ينهال ضربا عليهم ، وحينما يصل لبدر ، يكون الجد مزينا وجهه ، يقف بدر ، ممتنعا عن الضرب ، صائحا :
- أستاذ ، لم أفعل شيئا ، لماذا تضربني ؟
- أنت تضحك معهم .
- والله ما ضحكت ، أقسم بالله ، واسألهم يا أستاذ .
تندفع أصوات رفاق بدر ، تنفي واقعة الضحك ، مقسمة بالأغلظ أيمانا ، فيما لا يزال الأستاذ يسب الملامح المتراقصة ، ويضرب الأيدي الممتدة قسرا ، وتطفر عينا بدر ببراءة وحزم ، والملامح تكتم ضحكها ، والأستاذ يجاهد لاستعادة زمام الحصة ، وجذب انتباه الوجوه ، وهيهات ، هيهات .
*******************
2 )
( الدوائر الحمراء )
يجلس بدر في مؤخرة الصف ، مرتكنا جانب النافذة . طرقات هادئة على باب الفصل ، انتفض الأستاذ من جلسته وإغفاءته ، ووقف مبعدا الكرسي ، ورفع عقيرته متظاهرا بالشرح ، فيما اشرأبت العيون إلى القادمينِ ، كان السيد مدير المدرسة ، في مصاحبة الموجه الفني .
الأستاذ مضطرب بين شرحه والتقليب في دفتره ، فيما احتل المدير والموجه كرسيين بجوار بدر . يعلم بدر أن معلمه لا يجيد إلا منحهم درجات كثيرة ، تُفرِح الطالب ، وتُسكِت ولي الأمر .
النظرات متبادلة بين المدير والموجه ، فالمعلم يسهب شرحا بما يخالف عنوان الدرس المدون على السبورة . يطلب الموجه دفاتر المادة فيسأل بدرا الذي يجاوره :
- أعطني دفترك يا بني .
بكلمات متدفقة ، وثقة زائدة :
- أستاذ ، لماذا أحضر دفترا ؟
- حتى تكتب شرح الأستاذ ، وتحل الواجبات .
- الكتاب موجود ، ونحن نفهم جيدا من أستاذنا .
وجها المدير والموجه يتزينان بالابتسامة :
- وأين ستحل الواجب ؟
- الواجب للطالب الغبي ، الذي لا يفهم الشرح ، وأنا فاهم جيدا .
همس الموجه :
- وما الدليل على فهمك الجيد ؟
يخرج بدر شهادته المزدانة بالدوائر الحمراء ، ويقول :
- هذه هي المادة الوحيدة التي أنجح فيها ، انظرا .
********************
3 )
( الأسد في يوم ماطر )
أشار الموجه للمعلم ، فارتكن المعلم جانبا موسعا ، وتقدم الموجه فوقف أمام السبورة ، وقال :
- أبنائي الطلاب ، دعونا نتحاور قليلا ، سأروي لكم حكاية ، وأريد منكم أن تفهموها وتذكرون ما تعلمتم منها .
انتبهت الأعين ، فيما شحب وجه المعلم ، واستولى الوجوم على ملامح المدير الذي قبع في آخر الصف ، منتظرا ما سيسفر عنه الموقف .
بصوت جهوري ، عميق النبرات ، مراعيا الفصحى والضبط اللغوي ، قال الموجه :
" اشتدت الأمطار ، وملأت الغابة ، ووجد الأسد أولاده يئنون جوعا ، فالمطر متتابع يمنعهم من الخروج ، فقالت زوجة الأسد ، لزوجها : هل سنظل جوعى؟ ألا تسعى لإحضار طعاما لأولادنا مثل كل يوم . فقال الأسد : المطر شديد . فأجابته الزوجة : والجوع أشد . فقال الأسد : حسنا ، سأذهب الآن ، وخرج بالفعل ، فاصطاد أرنبا ، وعاد ليطعم أولاده "
- والآن ، ما رأيكم يا أبنائي ، هل أعجبتكم القصة ؟
أومأت الرؤوس بالموافقة ، فقال الموجه :
- إذن ، من يشرح لي المستفاد من هذه القصة .
ظلت الأيدي قابعة على الطاولة ، والعيون جامدة ، توحي بالبلاهة . نظر الموجه للمعلم ، والمدير والطلاب ، وقال :
- القصة سهلة ، وسؤالي أسهل ، ماذا تعلمت من موقف الأسد مع أولاده ؟
ظلت الكلمات طائرة في فضاء الصف . نظر الموجه لبدر ، وقال :
- بدر ، أنت تفهم من أستاذك جيدا ، كما تقول ، أجب عن سؤالي .
تعلقت العيون جميعها ببدر ، الذي وقف بجسده القصير في آخر الصف ، وراحت عيناه تلمع ، والموجه يستحثه ، هتف بدر :
- القصة خطأ يا أستاذ .
علامة تعجب كبيرة حملتها الوجوه ، وعتاب من المدير والمعلم .
قال الموجه بغضب :
- القصة صحيحة ، ونطقي سليم ، يبدو أنك لم تفهمها .
أجاب بدر :
- هناك خطأ كبير يا أستاذ .
- وما هو ؟
- الأسد لا يحضر الطعام لأولاده ...
- نعم !
- اللبؤة زوجة الأسد هي التي تخرج وتحضر الفرائس والطعام ، والأسد يظل في عرينه لا يتحرك .
بهت الموجه ، فيما توقفت العيون ، وسرعان ما ابتسم المدير ، وقال :
- صحيح كلامك يا بني ، وهو مقرر في منهج العلوم .
* * *
صافح المدير بدرا ، فيما احتضنه المعلم ، وزعق الطلاب عاليا ، وعادوا يضحكون ، وهم يرون بدرا مكشرا عن أنيابه متلاعبا بلسانه .

ماجدة ماجد صبّاح
11-09-2008, 06:41 AM
صباح الخير ..
أضحك الله سنك يا دكتورنا الغالي المفضال...
واللهِ في قصصك هذه الكثير الكثير..
أنا عن نفسي مقتنعة بأن الذكي ليس من كان الأول على صفه...
وأن الغبي، ليس من كان الأخير ترتيبه..
بل الكل يظهرون في المواقف...
ذكرتني قصصك هذه بطرائف كثيرة لي، تفعلها بنات صفي الآن مع المدرسات الجُدد..
لكن، ليس إلى هذا الحد من الذكاء..

أنا من النوع الذي يحب تفقيع المعلمين، لكن..بالطريقة التي ذكرت إضافة إلى البلادة، طبعاً في حدود..
جميل جداً جداً ما تفضلتَ حضرتُكَ به.
أسعدك ربّي
وكلّ عام وأنت إلى الله وإلينا أقرب...
ابنتك/ماجدة

د.مصطفى عطية جمعة
13-09-2008, 04:58 AM
صباح الخير ..
أضحك الله سنك يا دكتورنا الغالي المفضال...
واللهِ في قصصك هذه الكثير الكثير..
أنا عن نفسي مقتنعة بأن الذكي ليس من كان الأول على صفه...
وأن الغبي، ليس من كان الأخير ترتيبه..
بل الكل يظهرون في المواقف...
ذكرتني قصصك هذه بطرائف كثيرة لي، تفعلها بنات صفي الآن مع المدرسات الجُدد..
لكن، ليس إلى هذا الحد من الذكاء..
أنا من النوع الذي يحب تفقيع المعلمين، لكن..بالطريقة التي ذكرت إضافة إلى البلادة، طبعاً في حدود..
جميل جداً جداً ما تفضلتَ حضرتُكَ به.
أسعدك ربّي
وكلّ عام وأنت إلى الله وإلينا أقرب...
ابنتك/ماجدة

الأخت العزيزة / ماجدة
أشكرك على هذه القراءة الجميلة ، لقد ابتسمت معكِ كثيرا ، فتعقيبك فيه إغناء للقصة ، وحافز لي على المزيد من هذا اللون .
تحياتي

ماجدة ماجد صبّاح
13-09-2008, 07:01 PM
الأخت العزيزة / ماجدة
أشكرك على هذه القراءة الجميلة ، لقد ابتسمت معكِ كثيرا ، فتعقيبك فيه إغناء للقصة ، وحافز لي على المزيد من هذا اللون .
تحياتي


وأنا بكلّ تأكيد...سأكون -إن شاء الله- من أوائل المتابعين لكتاباتك اللطيفة، وياحبذا لو تكون مثل يوميات بدر، سواءً (بدر باب الحارة، أبو بدر المدرسة....)لا يهم..المهم أن نستمتع معكَ

مودتي وتقديري

ابراهيم السكوري
14-09-2008, 02:33 PM
أخي العزيز رمضان كريم..
ما أندر الابتسامة في أيامنا هاته.
شكرا لأنك استعطت أن ترسم ابتسامة على محياي.
ما اجمل عالم الدراسة ..
ألا ليت الشباب يعود يوما .....
أخوك : ابراهيم

د.مصطفى عطية جمعة
15-09-2008, 10:10 PM
أخي العزيز رمضان كريم..
ما أندر الابتسامة في أيامنا هاته.
شكرا لأنك استعطت أن ترسم ابتسامة على محياي.
ما اجمل عالم الدراسة ..
ألا ليت الشباب يعود يوما .....
أخوك : ابراهيم

الأخ العزيز / إبراهيم السكوري
تحياتي وتقديري
شكرا لك على قراءتك
وشكرا لأنني استطعت أن أضع ابتسامة في محياك
ليتنا نبتسم دائما

عطا سليمان الطل
03-10-2008, 01:33 PM
الأخ الدكتور الفاضل
قصة رائعة تصور سلوكيات الطلاب التي تصبح ذكريات جميلة بعد تخرجهم..!!
وهي ظاهرة نلمسها بشكل يومي خصوصا ونحن نعمل في سلك التربية والتعليم
وأشكر الأخت ماجدة على مداعبتها المهذبة(أحب تفقيع المعلمين)
على ما يبدو أنَ المعلم قليل الخبرة لأنَ الطالب البارع في خلق المبررات غالبا ما
يكون السبب الرئيس في صنع الأحداث.....
كل الإحترام .

د.مصطفى عطية جمعة
03-10-2008, 10:55 PM
الأخ الدكتور الفاضل
قصة رائعة تصور سلوكيات الطلاب التي تصبح ذكريات جميلة بعد تخرجهم..!!
وهي ظاهرة نلمسها بشكل يومي خصوصا ونحن نعمل في سلك التربية والتعليم
وأشكر الأخت ماجدة على مداعبتها المهذبة(أحب تفقيع المعلمين)
على ما يبدو أنَ المعلم قليل الخبرة لأنَ الطالب البارع في خلق المبررات غالبا ما
يكون السبب الرئيس في صنع الأحداث.....
كل الإحترام .

الأخ العزيز / عطا
تحياتي وتقديري
وكل عام وأنت بخير
شكرا لك هذه القراءة الواعية ، وهذا التعليق الواعي الدقيق .
دمت بخير

ناديه محمد الجابي
08-12-2018, 07:52 PM
بارك الله فيك على ما أهديتنا من ابتسامات في نوادر بدر هذا
وكثيرة هى المواقف المضحكة والمتباينة التي تتخلل العلاقة بين المعلم والتلميذ
والحديث عن المواقف الطريفة والمضحكة حديث لا ينتهي
وكل منا يختزن في ذاكرته بعضا من هذه المواقف الطريفة التي لا يمكن أن
تدخل غياهب النسيان مع طول الأيام
وما أجمل أن يكون هناك نوع من المرح بين الأستاذ والطلاب.
دمت بكل خير.
D::0014:D:

أسيل أحمد
26-01-2020, 07:45 PM
من نوادر الطلبة والمدرسين كانت هذه القصص الظريفة
التي رسمت البسمة على شفاهنا.
دمت بكل خير.

عبدالحكم مندور
29-07-2020, 12:47 AM
أن القصص الطريفة والحاملة للمعني تجذب الانتباه وتنقل المعنى والذي تثبته البسمة ,خالص الشكر