المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحروف العربية وعيوب النطق



أبو حسن
04-11-2003, 11:44 AM
مقدمة لابد منها :

أن الطفل يبدأ نطقه بالصراخ ـ وطالما أنه قد أخذ قسطه من الغذاء والنظافة والراحة ففي بكائه تقوية لرئتيه وتنمية لجهازه التنفسي وتمرين لعضلات جهازه الصوتي .

وأن أول كلمة يستطيع النطق بها هي الباء والميم من بابا وماما والصفات المعروفة ثم الضمائر ثم الحروف وهكذا تنمو لغته .

ويستطيع الطفل أن يميز بين نغمة التدليل ونعمة الزجر ـ ويتأثر بلهجة المحيطين به ، ويميل إلى محاكاة الكلمات ـ وأن عوامل التقليد الكلامي ترجع إلى سلامة حاسة السمع ـ فهو يجب أن يسمع النطق الصحيح وأن كان لا يستطيع أن يقوله بلسانه ـ فإذا قالت له أمه ( تلب ) أي ( كلب ) رفض قبول هذا النطق وحاول تصحيحه ، بينما يظل هو يقول ( تلب ) حتى تكمل عضلات نطقه .

أما الأطفال الذين يتأخر نطقهم فلا قلق عليهم من عدم القدرة على الكلام ـ ويجب ترك الطفل حراً في لعبه والاختلاط بالزائرين واللعب مع أقرانه وأن نهيئ له جواً من الحديث المتصل ملؤه المسرة وأن نشجعه على إعادة ما قرأه وما سمعه ـ فالطفل في مرحلة الاستقرار اللغوي في طفولته ترسخ لديه العادات الكلامية ويستقر نطقه بصعوبة ، مما يعجل تعلمه اللغة أجنبية عملاً شقاً ـ لذلك أرجأت معظم الأمم تعلم اللغات إلى مرحلة الاستقرار بعد طفولته .

وقد ترجع العلة في عيوب النطق وأمراض الكلام إلى عامل أو أكثر من ا لعوامل الآتية :

( عوامل عضوية ـ وظيفية ـ عصبية ـ فطرية ـ نفسية ـ اجتماعية ـ لغوية .. ) وليس هذا مجال التشخيص أو العلاج ( 1 ) .

أما أهم المصطلحات المعبرة عن العجز في الأداء النطقي عند الجاحظ في كتابه ( البيان ) فهي الحبسة والحكلة واللثغة ، وكلها بوزن فعله بضم الفاء .

ويقول الجاحظ ( ويقال في لسانه حبسة إذا كان يثقل عليه ولم يبلغ جد الفأفأة والتمتام ـ وإذا قالوا في لسانه حكلة فإنما يذهبون إلى نقصان آله النطق ) .

فمعنى الحبسة عند الجاحظ عدم السلاسة في النطق ، ومعنى الحكلة عدم قدرة الجهاز الصوتي عن النطق الواضح المبين .

فالحبسة والحكلة عيبان من عيوب النطق على المستوى الفردي ، ويضاف إليها اللثغة وينبغي أن نذكر أنها مرتبطة بالظروف الخاصة بصاحب هذا العيب ـ ويخرج البحث فيها عن نطق البحث في اللغة ( كنظام ) إلى البحث في اللغة ( كظاهرة نفسية ) ( 2 ) مما يمكن أن نسميه مرضاً كلامياً أو عيباً عضوياً أو مرضاً نفسياً .


وكما ذكرت كل الكلام السابق مقدمة لموضوع أدبي ثقافي شيق ..

فانتظروني ،،،،
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ

الحاشية السفلية :

( 1 ) يذكر هذا الموضوع للثقافة العامة ولارتباطه بموضوع الحروف ، راجع كتاب علاج الكلام لـ حسين خضر طبعة القاهرة 1942م .

( 2 ) يصح أن يكون هذا موضوعاً لبحث جيد .

أبو حسن
04-11-2003, 11:46 AM
ويطلق الجاحظ اسم اللكنة على ظاهرة عدم قدرة الأجانب على النطق بالأصوات العربية .

يقول الجاحظ : ( ويقال في لسانه لكنة ( بضم اللام ) إذا أدخل بعض حروف العجم في حروب العرب ـ جذبت لسانه العادة الأولى إلى المخرج الأول ) .

فاللكنة محددة بهذا النوع من الخطأ ـ أي أن كل الأصوات العربية التي ليست في اللغات الأخرى تشكل نوعاً من الصعوبة وتنطق بلكنة .

أما اللثغة فيقول إنها تقع في أربعة حروف ( ق س ل ر ) ولكل من هذه الحروف ضرب من اللثغ .

وهذه العيوب اللسانية ( الحبس والحكلة واللثغة ) تعرض لكثير من الناس من يوم خلق الله الدنيا إلى يومنا هذا ، وعلى ذلك يكاد المصابون بها يتفقون على الراض بها مع طول العهد .

وفي هذا السياق يذكر بن العماد الحنبلي في شذرات الذهب أنه دفعت إلى واصل بن عطاء رقعة مضمونها : ( أمر أمير المؤمنين أن تحفر بئر في الطريق يشرب منها الشادر والوارد ) وكل كلماتها تتضمن حرف الراء ، وكان مصاباً باللثغة وخاف إن نطق بما ورد بالكتاب أن يضحك منه الحاضر فقال على سجيته ولم يتلعثم :

( حكم خليفة المسلمين أن ينبش قليب في الفلاة يستقي منها الغادي والبادي ) .

ولواصل هذا خطبة لها شهرة تاريخية يعرفها الأدباء ، وقد كانت بالعراق بين سنتي 126هـ ـ 129هـ في حفل جامع حشد له أقدر الخطباء .

إذ اجتمع عليه القوم والناس ليشهدوا هذا الحفل عند والي العراق عبدالله بن عمر بن عبدالعزيز ، وقد خطب في هذا الحفل خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة والفضل بن عيسى ، وتناوبوا القول على المنبر فانتزعوا إعجاب القوم انتزاعا ، لأنهم كانوا سادة الخطباء في ذلك الزمان ، وكانوا قد أعدوا خطبهم من قبل ونمقوها تنميقاً ـ وما أن فرغ الثلاثة حتى نهض واصل بن عطاء وبداهته تغلى ، فخطب خطبة أرتجالاً حرص فيها كل الحرص على أن ينزع منها حرف الراء ، ففاق إعجاب الناس والوالي به إعجابهم بالثلاثة قبله ، فضاعف الوالي العطاء لواصل تقديراً لعبقريته الخطابية النادرة ، وأكتفي بنقل جزء من هذه الخطبة :

( الحمد الله القديم بلا غاية والباقي بلا نهاية ـ الذي علا في دنوه ودنا في علوه ، فلا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ـ ولا يئوده حفظ ما خلق ولم يخلقه على مثال سبق ، بل أنشأه ابتداعاً وعدله اصطناعاً فأحسن كل شئ خلقه ـ وتمم مشيئته ، وأوضع حكمته ، فدل على ألوهيته ـ فسبحانه لا معقب لحكمه ولا دافع لقضائه ـ تواضع كل شئ لعظمته وذلك كل شئ لسلطانه ووسع كل شئ فضله ـ لا يعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له ، إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاوه ـ علا عن صفات كل مخلوق وتنزه عن شبه كل مصنوع ..... الخ ) .

ـ لمن أراد الخطبة كاملة فليراجع كتاب ( من نوادر المخطوطات ) خطبة واصل تحقيق عبدالسلام هارون ـ .

نتابع موضوعنا بعد فاصل إعلاني قصير ،،،،،،،

الصمصام
07-11-2003, 11:24 PM
مرحبا بك يا أبا الحسن

وقد طال الفاصل الإعلاني وما زلنا ننتظر

لك تحياتي

أبو حسن
08-11-2003, 08:44 AM
الأخ العزيز ( الصمصام ) ..

عذراً على هذا الإعلان الطويل ، ولكنه إعلاااااااااااااااااان ( MBC ) !!!!!!!.

ولذا نكمل ما ابتدأناه .


وعلى ذلك تكون الأحرف التي سمع بها العرب لثغتها في النطق هي أربعة أحرف فقط ، ولم يسمع غيرها ، وهي حروف ( س ق ل ر ) .

1- أما السين فسمع من يقلبها ثاءاً وشيناً .
فمن الأول قولهم : ( باثم الله ) ويريد بها ( بسم الله ) وقولهم ( عثراً ) ويريدون بها ( عسراً ) .
ومن الثاني قولهم : ( باشم الله ) ويعني به ( باسم الله ) ، و ( يشافر ) أي ( يسافر ) .

2- أما القاف فتقلب دالاً وطاءاً .
فمن الأول قولهم : ( أدول لك ) أي ( أقول لك ) ، ومن الثاني قولهم ( أطول لك ) أي ( أقول لك ) .

3- وأما لثغة اللام فمنهم من يجعلها ياءاً ، وهو كثير ، ومنهم من يجعلها كافاً وهو قليل ، فمن الأول : ( موياي ) أي ( مولاي ) ، وفي ( لا إله إلا الله ) يقولون ( يا إياه إيا أياه ) ، ومن الثاني قولهم لي كلمة ( علة ذلك ) ( عكة ذلك ) .

4- وأما الراء قلبها لأربعة أحرف : ( الياء والغين والذال والظاء ) .

فقالوا في عمرو ( عمر وعمغ وعمذ وغمظ ) ، وقلبها ياء أقبحهن وأوضعهن لذي المرؤة ، وقلب الراء غيناً مليح ، وقد اشتهر من فصحاء العرب واصل بن عطا ، فكان يتمكن من تجنبها في خطبه كما أوردنا سابقاً .

ويمكن أن نلاحظ عيوباً أخرى في نطق حروف ( ك ـ ش ـ ح ) ، فمنهم من يقلب الكاف تاءاً ، فيقول يريد ( يا كافي ) ـ يا تافي ـ و ( نعم الوكيل ) ـ نعم الوتيل ـ .

ومنهم من يقلب الشين سيناً ، فيقول ( ما سعرت بها ) يريد بها ( ما شعرت بهذا ) .

ومنهم من يقلب الحاء هاءاً فيقول ( همار وهشي ) ويريد بها ( حمار وحشي ) .

ومما يعتري اللسان في النطق عيوباً أخرى نفسيه صرفة ، وهي التأتأة والفأفأة والثأثأة واللكلأة ، وقد تعم جميع حروف الصبيان قبل أ، يشبوا وتتعدل ألسنتهم ـ وهو خلاف ما يعتري الشيخ الهرم المسترخي الحنك المرتفع اللثة الذي فض فوه من الأسنان ، فإن له دراسة خاصة تدخل في نطاق أمراض الشيخوخة .

ومن الجميل ما أنشده أبو نواس بلسان جارية لثغاء بالغين قوله :


أما وبياض الثغر ممن أحبه = ونقطة خال الخد في عطفة الصدغ
لقد فتنتني لثغة موصلية = رمتني في تيار بحر هوى اللثغ
تقول وقد قبلت واضح ثغرها = وكان الذي أهوى ونقلت الذي أبغي
تغفق فشغب الخمغ من كغم غيقتي = يزيدك عند الشغب سكغاً على سكغ


وهو يقصد قولها :

ترفق فشرب الخمر من كرم ريقتي = يزيدك عند الشرب سكراً على سكر

وقال شاعر أخر :

في فمه درياق لدغ إذا = أحرق قلبي شدة اللدغ
إن قلت في شمي له أين هو = تفديك روحي قال لا أدرغي


ويريد بها ( لا أدري ) ، ولكن الصيغة هي صيغة التشبيب بالمذكر .

إن عدوى هذه العيوب سريعة الانتشار بين الصغار الذين هم في مرحلة الطفولة ، أي مرحلة التنشئة والتعليم ، وإذا تجاوزنا فقلنا إن هذه العيوب ما هي إلا أمراض في نطق اللغة العربية فإننا لا نكون قد ذهبنا بعيداً ـ صحيح إن اللغة العربية بعيدة عن كلمة مرض وعلاج ودواء وشفاء إلى أخر ذلك ، ولكن ما يصيب جهاز نطق العربية لا يمكن أن نسميه عيب إذا انتشر بالعدوى بين الناطقين بها ، وهذه العدوى تأتي عن طريق المحاكاة والمشاركة الوجدانية والتقليد .

أنشد أبو نواس يخاطب الثغا بالسين :


وسادن قلت له ما أسمكا = فقال لي باللثغ عباث
بات يعاطيني ثخامية = وقال لي هل هجع الناث
فعدت من لثغته الثغا = فقلت أين الطاث والكاث


ومن هنا وجب على المتعلم لهذه اللغة أن يجد من يعلمه صحيح اللفظة ـ سليم الأداء التعبيري محافظاً على إخراج كل حرف من مخرجه ـ معطياً كل صفات الحروف حقها ، حتى يتم التعليم مبرئاً من كل عيب .
تمت وبالخير عمت





،،،،،




،،،،




،،،




،،



،

اميمة الشافعي
12-11-2003, 02:32 AM
أبو حسن

مشاء الله عليك

مشرق دائما بنور العلم

أبو حسن
12-11-2003, 06:48 AM
مشرفتنا الغالية ..

يسعدني طلتك الدائم علي ..

وكل ما ترينه من بعض ما عندك ..

تحياتي الخالصة لك وللجميع ..

اسكندرية
10-12-2003, 11:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


أبو حسن....
لم أكن أرغب أن أضع اسمى بعدك ....حتى يظل اسمك يطل علينا دائما...
و لكن الموضوع جذبنى ...و لم استطع أن أغلق فمى ,,,,
و وددت فقط أن اقول لك ...
كم أنت رائع يااباحسن ..كم انت رائع...

لا أطال الله غيابك..
و لا حرمنا من علمك و عطاءك,,,


أيها الأخ ...الكريم

أطل علينا مرة أخرى بنور علمك

الف تحية
من قلب أخلص دعاءه لعودتك

:0014:

اميمة الشافعي
11-12-2003, 02:22 AM
أبوحسن

مازلنا نتظر طلتك الجميلة

من آن لأخر

تحياتى

ياسمين
12-12-2003, 09:55 PM
وأنا أيضا سأظل بجانبك أميمة

ننتظر أبو حسن ولدينا الأمل بعودته لنا

فى انتظارك أبو حسن

لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين

د. محمد صنديد
09-02-2004, 02:12 AM
أسفي على موضوع هام جداً أدركته متأخراً.

حقيقة لقد أفدتُ كثيراً من هذا الموضوع. و إن كنت أظن مكانه في دوحة العلوم أنسب :010:

تحية لأبو حسن رغم علمي بغيابه و لكن على أمل عودته. :0014: