تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات من الحرب



وداد ابراهيم محمود
30-09-2008, 10:22 AM
مذكرات من زمن الحرب
أوشكت الحرب على الانتهاء وصمتت طبولها، وعاد الجنود يلمون شتات أنفسهم الا ان سعد لم يعد بعد، طرقت ابواب الدوائر التي تعلن عن اسماء المفقودين والضائعين والشهداء والفارين الى دول بعيدة، ومن مزقتهم اسماك الخليج وحملتهم مياهه على الشاطئ، بقايا اجساد تحمل في معصمها الاسم والوحدة والصنف بين كل هذا الموج من الموت والقتلى لم يكن لـ سعد عبد محمد جبارة من وجود..الا ان اليـأس لم يتسسلل الى رأسها الصغير او كانت لاتريد ان تجعل اليأس والقنوط صنو حياتها وهي في الاشهر الاولى من الزواج .بين بيت اهلها وبيت اهل سعد كان الوقت يمزقها لتغادر لك بيت الى الاخر وتقول مع نفسها (الله لايحير عبده) .تلبس ملابسها على عجل
الطفل في احشاءها بدأ يتحرك وتدب فيه الحياة، وشهر واخرواسبوع واخر، وضربات تعلن عن قدومه وانتظارها لسعد يشوبه اليأس والغموض احيانا ،واحيانا يشوبه الامل. أذن اين هو الان؟ هل غطته الرمال بعيداً عن ارض (مجنون) ام اخفته مياه الخليج بين أمواجها المجنونة؟ غفت على هذه الهواجس فرأته في الحلم وهو يقول لها، أنا موجود لاتفكري في الزواج من أخر قد اعود( وهو يضع يده على بطنها يتحسس الطفل)، ففزعت على آلام قوية تنذر بأنها آلام الطلق، أطلقت صرخة قوية رجت أركان البيت واوجاع تقطع أحشائها وما هي الا ساعة حتى انتهى الالم فكان ابنها (جعفر) فاختلطت الدموع بقطرات العرق الذي تصبب من جبينها وامتزجت السعادة بالالم.
كم تنمى سعد ان يكون له ولد ولكن أين هو الان؟ قالت في سرها. .فلفت ابنها بلفائف جهزتها لها والدتها ،وغادرت المستشفى مع شقيقة زوجها وما ان دخلت البيت، كان في أنتظارها ،صباح وعلي وكريم، أشقاء سعد متلهفين لأحتضان وليدها (جعفر) كأنهم يقولون لها ،لاعودة لسعد وها نحن سنحتضنه، كانت آلام الطلق والولادة لازالت تدق جسدها وتحيل عظامها الى قطع تكاد تتطاير فأرتمت في الفراش واستغرقت في نوم عميق وهي تحتضن وليدها، استغرقت في نوم عميق وكأنها في هوة سحيقة لاتدري قرارها .يبتل جسدها من العرق وايادي تزيل عنها ملابسها المبللة لتعود في حمى حارقة .وجوه ترتسم امامها ،شقيقاتها ووالدتها!! اين انا؟في بيتي ام بيت اهلي وما الذي جاء بي الى هنا وما هذه الانامل التي تمسح عن جبيني العرق بقطع القماش البارد؟تساؤلات ازحمت في راسها الصغير، فتذكرت انها جاءت الى بيت اهلها بالامس، وهي في غاية الالم وحمى النفاس تأكل جسدها وتحيله الى قطعة من نار (انها حمى النفاس) انتبهت على كلمات القابلة المأذونة، وقطرات ماء تبلل شفاهها المتيبسة .من اجل جعفر ستزول الحمى لاني لااستطيع ارضاعه فسخونة الحليب قد تفقد عافيته، وحديث دار بينها وبين والدتها، بأن حان الوقت لتعود الى بيت اهل سعد .
عادت الى بيت اهل سعد طرقت الباب مرة واخرى دون ان يفتح احد.

جوتيار تمر
30-09-2008, 01:45 PM
وداد........

اهلا بك في الواحة.........
شدتني كثيرا تلك الصورة الخلفية للحكاية ، والتي يمكن أن تثير حجم الإخفاق الذي نصطدم به حين نكتشف ماهية الانتظار اللامجدي في حقيقة واقعنا ، بل في ازمنة الحرب الصفراء التي لاتخدم الا سماسمرة البشرية ، أتساءل عن رد الفعل الممكن في ايجاد الجثة مثلا ، او ردة فعل الزوجة وهي تدخل البيت لتجد زوجها ،وكأننا وداد ندور في حلقة فارغة ، منذ ان بدء الخليقة للان ، فقد ، هنا ، موت هنا ، وولادة هناك ، او العكس ، كأنها ضريبة الوجود والحتمية التي تقتضي احيانا الدفع المبكر وعدم التأجيل ، قصتك رائعة ، اخذتني الى الاجواء التي عشناها ربما معا اثر حرب تلو حرب ، فمن بداية الثمانينات والى الان نعيشها بكل صورها البشعة .

مرة اخرى اهلا بك في الواحة.

وكل عام وانت بخير

محبتي
جوتيار

ابراهيم خليل
30-09-2008, 04:26 PM
حييك على نصك الجميل الذى جسد ويلات الحروب على البشرية بصفة عامة والإنسان بصفة خاصة
لقد جاءت الخاتمة رائعة مثل روعة تكثيفك الجميل والرائع
تحياتى
و
تقديرى
وكل عام وأنت بخير

وداد ابراهيم محمود
01-10-2008, 03:36 PM
وداد........
اهلا بك في الواحة.........
شدتني كثيرا تلك الصورة الخلفية للحكاية ، والتي يمكن أن تثير حجم الإخفاق الذي نصطدم به حين نكتشف ماهية الانتظار اللامجدي في حقيقة واقعنا ، بل في ازمنة الحرب الصفراء التي لاتخدم الا سماسمرة البشرية ، أتساءل عن رد الفعل الممكن في ايجاد الجثة مثلا ، او ردة فعل الزوجة وهي تدخل البيت لتجد زوجها ،وكأننا وداد ندور في حلقة فارغة ، منذ ان بدء الخليقة للان ، فقد ، هنا ، موت هنا ، وولادة هناك ، او العكس ، كأنها ضريبة الوجود والحتمية التي تقتضي احيانا الدفع المبكر وعدم التأجيل ، قصتك رائعة ، اخذتني الى الاجواء التي عشناها ربما معا اثر حرب تلو حرب ، فمن بداية الثمانينات والى الان نعيشها بكل صورها البشعة .
مرة اخرى اهلا بك في الواحة.
وكل عام وانت بخير
محبتي
جوتيار
شكرا على القراءة التي جاءت بذهينة متقدة وحس عالي للكلمات

وداد ابراهيم محمود
01-10-2008, 03:37 PM
حييك على نصك الجميل الذى جسد ويلات الحروب على البشرية بصفة عامة والإنسان بصفة خاصة
لقد جاءت الخاتمة رائعة مثل روعة تكثيفك الجميل والرائع
تحياتى
و
تقديرى
وكل عام وأنت بخير
الف شكر على الاهتمام وقراءة الموضوع

ربيحة الرفاعي
29-01-2015, 11:56 PM
سرد قصّي موفق تمكنت الكاتبة فيه من خلق ذلك التوتر والارتباك المرغوبين فنيا و دلاليا، لإحداث التأثير المطلوب في وعي ورؤية التلقي تطلعا لترك بصمة على أرض الواقع ..
وقد أسهم العنوان في ذلك بما مهد من تحضير للمضمون وتهيئة لعرض هذه الصفحة من ويلات الحروب

لافت نصك
دمت بخير

تحاياي

ريمة الخاني
30-01-2015, 11:48 AM
نص إنساني جدا ، يحمل معان رقيقة ونسائية واضحة.
وفقك الله ورعاك.

خلود محمد جمعة
01-02-2015, 10:21 AM
بسرد ماتع وأسلوب مشوق جاءت مذكرات الحرب لتعيد لنا ذاكرة مرقعة بالألم
بوركت وكل التقدير