المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قابيل .. إلى أين ؟



بهجت عبدالغني
14-10-2008, 03:29 PM
كلنا يعرف قصة ابني آدم ، هابيل وقابيل ، وكيف أن الحسد والعجز عن معالجة النفس قاد قابيل إلى أن يصرح بتلك الكلمة الخطيرة ( لأقتلنك ) ، ثم تمعن في الجريمة ( فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله ) ..
ثم أصبح يهيم على وجهه لا يدري كيف يواري سوأة أخيه ، لولا أن الله تعالى علمه طريقة الدفن بواسطة الغراب ، فأعلن حينذاك عن عجزه ( أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ) ، لأنه كان دائما عاجزاً أن يكون ايجابياً في حياته ..
والسؤال المهم هنا :
هل إن هذه الجريمة انتهت بأرضها ، فأصبحت جزءاً من تاريخ ، أم أنها لا تزال تسري في بني آدم كالنار في الهشيم ؟
وهل إن العقل البشري ارتقى وسما بحيث يستبشع اليوم تلك الجريمة ، أم انه لا يزال يمارسها إلى اليوم ؟
أظن أن هذه القابيلية لا تزال حاضرة وبقوة في عالمنا ، في القرن الواحد والعشرين .
لا لن احكي لكم قصص القتل في الحروب ، وقصص الصواريخ والقنابل التي تفتك وتدمر وتخلف وراءها مأساة تكلف البشرية قروناً طويلة من عمرها لتجاوز أثقالها ، ولن أكلمكم عن جرائم المحتلين ..
بل سأحكي لكم قابيلية نمارسها كل يوم .. كل لحظة .. في حياتنا اليومية .. نمارسها ونحن نقرأ كتاب الله تعالى وسنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) .
فالطبيب الذي يترك مكانه فارغاً في المستشفى ، ويجلس في بيته ، ثم تأتيه الاتصال أن المريض الذي في ذمته قد مات .. الله يرحمه !! هذا الطبيب يمشي على خطى قابيل ، انه يرتكب جريمة القتل ، مهما برر وساق من حجج وأدلة نقلية وعقلية ، ويوم القيامة سيسأل عن إهماله هذا ..
ويحضرني قصة حكاها الأستاذ عمرو خالد ، إذ قال : دخل للمستشفى امرأتان احداهما شابة تزوجت منذ سنة أو سنتين ، وقد جاءت إلى المستشفى لتنظيف الرحم ، والمرأة الأخرى عجوز بلغت سن اليأس جاءت لإجراء عملية استئصال الرحم .. فماذا جرى ؟
لقد ( أخطأوا ) !!! فاستأصلوا رحم العروس ، ونظفوا رحم العجوز .. فتأمل !!!؟؟؟
والأستاذ الذي يدرس المرحلة الابتدائية أو الجامعية ، الأستاذ الذي يتكاسل ويغش ويلف ويدور ويضيع الوقت ، يمارس القابيلية في قتل أولادنا ، وذلك بقتل عقولهم ، بإعطائهم المعلومة الخطأ ، وبتقديم المادة الدراسية لهم كشيء ثقيل تنوء العصبة أولو القوة من الرجال من حمله ..
والأب الذي يقتل الإبداع في نفس ابنه ، بإسكاته إذا تكلم ، وتحقير أحلامه إذا حلم ، وتسخيف طموحه إذا طمح ، وقتل مواهبه وامكاناته ، هذا الأب يمشي على خطى قابيل .
وصاحب القلم الذي يقدم للناس الأدب الغث والقصة المبتذلة والشعر الماجن والمقالة التي تدعو إلى الكفر والفسوق والعصيان ، والكتاب الذي يهدم ولا يبني .. وبالتالي فهو يقتل الأفكار والعقول ويسممها .. صاحب القلم هذا يمشي على خطى قابيل .
وعندما نمارس المعصية وننغمس فيها ، ونقتل الوقت بالتفاهات ، ونصنع الكسل والعجز ، نكون حينئذ نسير على خطى قابيل .
والأمثلة لو بسطناها طويلة جداً ..
ولكن ما الذي سيحدث عندما نمارس هذه القابيلية البغيضة ؟
الذي سيحدث هو أننا سنبحث مثل قابيل في الأرض لنواري سوءاتنا ، ونصبح من النادمين ..
فالأب يشتكي من مستوى ابنه الهابط كل يوم إلى أسفل سافلين ..
والمجتمع يشتكي آلاف المتخرجين من الجامعات ، لكونهم لا يفهمون شيئاً مما درسوا ، ومن ثم يشكلون عبئاً ثقيلاً على المجتمع ..
والطب يشتكي الطبيب الذي ضيعه ، وجعل منه تجارة لن تبور ـ حسب ظن الطبيب ـ .
والتعليم الجامعي يشتكي الأستاذ صاحب المعلومة المتواضعة ! والبحث العلمي يشتكي من الأبحاث التي تكرر نفسها وتملأ مساحة في المكتبة ، لكنها لا تملأ من العقول شيئاً ..
وهكذا .. فإننا نبحث في الأرض كل يوم لنواري سوءاتنا ، وربما انتظرنا الغراب لعجزنا وتكاسلنا ليحل مشاكلنا ، الغراب الذي يعتبروه رمز الشؤم ، أصبح الآن ملاذاً وأملاً عند هؤلاء الخاملين والجامدين ..
فما الحل ؟
الحل هو أن ننضم إلى الطرف الآخر ، إلى خير ابني ادم .. هابيل .. فنتلوا آية من كتاب ربنا :
( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) سورة البقرة ، الآية 32 .
فنكون من الذين يحيون .. لا يقتلون .. يبنون .. لا يهدمون ..

معروف محمد آل جلول
14-10-2008, 04:17 PM
المحترم بهجت ..
سياطك قوي ..استمد قوته من الحق ..
أحسنت الزجر والنهي عن المنكر ..وفقك الله ..
مقالك الوعظي هذا جميل اللغة ..كثير الأمثلة و الاستشهادات ..
وهي دواعي الاقناع ..
ــ إن شاء الله ــ نحن من زمرة هابيل ..
أخويا ..

عبدالصمد حسن زيبار
14-10-2008, 07:49 PM
القتل ثقافة الضعيف و المهزوم ضعيف الحجة و البرهان
جبن و خور
استبدلت لغة العقل بلغة العضل كما يقول خالص جلبي
انتقلت القيمة من الفكر و القلب إلى العضلات و الأنياب جهل و طغيان

المبرمج
15-10-2008, 02:43 PM
( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) سورة البقرة ، الآية 32 .
فنكون من الذين يحيون .. لا يقتلون .. يبنون .. لا يهدمون ..

بوركت اخي بهجت على هذه الالتفاتات الرائعة
ولكن رغم كل انواع القتل التي ذكرتها فهي لا تتعدى (الفساد في الارض) المذكور في الايه اعلاه. وهي لا ترتفع الى مستوى (القتل الصريح) الذي نواجهه واقعاً في بلادنا. قتل العالم... قتل الطبيب... قتل استاذ الجامعة ........الخ
ولهذا فقد قدم الله في الآية القتل على الفساد في الارض

خليل حلاوجي
18-10-2008, 09:46 AM
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)

بهجت عبدالغني
12-02-2009, 03:46 PM
أيها المبرمج الصديق ..

سطورك من نور تثري النص ..

ومرورك الكريم تشريف لي ..



تحياتي ..

راضي الضميري
12-02-2009, 04:08 PM
سلطت الضوء على واقع موجود .
واستوقفتني عبارتك التي تقول " الذي سيحدث هو أننا سنبحث مثل قابيل في الأرض لنواري سوءاتنا ، ونصبح من النادمين .." لكن الواقع يقول أنّ أولئك الذين يكتبون الأدب والفكر - تحديدًا – غالبًا لا يصبحوا نادمين ، ولو أصبحوا نادمين لاختلف الحال قليلًا ، قليلًا ..
والشواهد كثيرة ...
تقديري واحترامي أخي بهجت

بهجت عبدالغني
12-02-2009, 07:32 PM
الأستاذ راضي الضميري

صدقت .. فهناك من لا يردعه دين ولا ضمير ولا عقل .. ولكن ..

إن لم يندموا في هذه الأرض .. فإن الندامة سوف تلاحقهم حتماً في اليوم الآخر ..

{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) } سورة يونس .


سعدت بتواجدك هنا ..

مع خالص تقديري وتحياتي ..

هشام عزاس
13-02-2009, 10:13 PM
الحبيب / بهجت الرشيد

من أجل ذلك ....

حقا صدقتَ أيها المفكر الجميل فالقتل له أشكال و ألوان , و لا يشترط فيه إراقة الدماء فقط , بل يتعدى إلى إراقة كل جهد مخلص , أو تعطيل مسيرة نقي ’ أو قتل الجمال في داخل الانسان .
القتل قد يكون بواسطة أداة و قد يكون فكرة و قد يكون لغة و قد يكون استبداد مستبد , فأدواته متنوعة كذلك و مختلفة في حدتها و كذا النتائج المترتبة عليها.

نسأل الله أن يقينا شر القتل و لو من خلال الكلمة .

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــام

بهجت عبدالغني
14-02-2009, 05:39 PM
هشام الواحة .. المبدع أبداً ..

لك مني أجمل باقة من الورد ..

اقطفها من حديقة المحبة ..

وأستودعها في قلبك الرقيق ..


عنواناً للمحبة ..



تحياتي ..

بهجت عبدالغني
15-08-2009, 05:23 PM
المحترم بهجت ..
سياطك قوي ..استمد قوته من الحق ..
أحسنت الزجر والنهي عن المنكر ..وفقك الله ..
مقالك الوعظي هذا جميل اللغة ..كثير الأمثلة و الاستشهادات ..
وهي دواعي الاقناع ..
ــ إن شاء الله ــ نحن من زمرة هابيل ..
أخويا ..



ومعاً نمضي في زمرة هابيل



الأستاذ الحبيب معروف

تقبل خالص تقديري

بهجت عبدالغني
15-08-2009, 05:26 PM
القتل ثقافة الضعيف و المهزوم ضعيف الحجة و البرهان
جبن و خور
استبدلت لغة العقل بلغة العضل كما يقول خالص جلبي
انتقلت القيمة من الفكر و القلب إلى العضلات و الأنياب جهل و طغيان




تلخيص رائع للمقال



الأستاذ عبدالصمد حسن زيبار


تقبل خالص تقديري

بهجت عبدالغني
13-12-2009, 10:56 AM
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)


قل هو من عند أنفسكم

صدق الله العظيم

نحن الداء .. ونحن الدواء



الأديب الحبيب خليل


تحياتي

د. نجلاء طمان
06-01-2010, 01:26 AM
سيظل جناح الغراب يظل بأسوده كل الألوان بدءًا من أبيض الحمام وحتى أخضر الزيتون طالما زُرع في القلوب حب العاجلة.

متى يقول كل منا: "وعجلت إليكَ ربي لترضى "

مؤسفٌ حال الامة!

بهجت عبدالغني
10-02-2010, 07:45 AM
( وعجلت ربي إليك لترضى )

يا ليت هذه الآية تكون شعارنا

لكنا رأينا حالنا تقفز من القعر إلى القمة

ولتخلصنا من جواذب الطين إلى علو السماء



الأستاذة د. نجلاء طمان

شكراً لمرورك من هنا ..


تقبلي خالص تحايتي