المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تخفيف الهمزة بالنقل ، قراءةً وشعرا



سعيد بنعياد
08-11-2008, 01:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من القواعد التي تتميّزُ بها روايةُ ورش للقرآن الكريم : قاعدة (تخفيف الهمزة بالنَّقْل) أو (نَقْل حركةِ الهمزةِ إلى الساكنِ المنفصل قبْلَها) .

توضيح القاعدة (بإيجاز)
إذا وقعت الهمزةُ بعد ساكن منفصل (أي : من كلمة أخرى) غير حروف المدّ ، ينقُل ورشٌ حركة الهمزةِ إلى الساكن المذكور (أي : يُحرِّكه بحركتها) ، ويحذف الهمزةَ لَفْظاً .
فمثلاً : (قَدْ أَفْلَحَ) (قُلْ أُوحِيَ) (مِنْ إِمْلاقٍ) ؛ يقرؤها : (قَدَفْلَحَ) (قُلُوحِيَ) (مِنِمْلاقٍ) .
ويصدُقُ هذا على (التنوين) أيضا : لأنه نون ساكنة . فمثلاً : (عَذَابٌ أَلِيمٌ) ؛ يقرؤها : (عَذَابُنَلِيمٌ) .
كما يصدقُ على لام (ألْ) ؛ لأنها كلمة مستقلّة المعنى . فمثلاً : (إِنَّ الْإِنْسَانَ) ؛ يقرؤها : (إِنَّ لِنْسَانَ) .

ملحوظة
هذا يذكّرنا بطريقة نطق عبارة (Il a) بالفرنسية ، أو (I am) بالإنجليزية ، على سبيل المثال .
فنحن لا نقول : (إِلْ آ) أو (آيْ أَمْ) ؛ بل نُطبّق قاعدة (النقل) ، فنقول : (إِيلاَ) و(آيَمْ) .

(النقل) في الشعر العربي
إذا كانت قاعدة (النقل) هذه مِن أهمّ ما ينبغي تدريسُه للراغبين في تعلُّم رواية ورش ، فإنها مفيدة جدّا للشعراء أيضا . فقد يحتاجون إليها لإقامة أوزان بعض أبياتهم .

وهذه أبيات متفرقة ، لجأ فيها بعض الشعراء القدامى إلى ظاهرة (النقل) . وقد جمعتُها من هُنا وهناك ، ولم أتَوَخَّ فيها ترتيبا معيّنا .

(ملحوظة : عند كتابة حرف الألف ، الذي هو صورةٌ للهمزة المخففة بالنقل ، لا ينبغي وضع علامة الهمزة عليه )

يقول كعب بن زهير (من البسيط) :
أكْرِمْ بها خلّةً لَوْ أنّها صدَقَتْ *** موعودَها أو لَوَ انَّ النُّصحَ مقبولُتُلفَظ : (لَوَنَّ) .

ويقول النابغة الذبياني (من الكامل) :
أمِنَ الِ مَيّةَ رائِحٌ أو مُغْتَدِ *** عَجْلانَ ، ذا زادٍ وغيْرَ مُزَوَّدِتُلفَظ : (أَمِنَالِ) .

ويقول مجنون ليلى (من الطويل) :
أُحِبُّ من الأسماءِ ما وافَقَ اسْمَها *** أوَ اشْبَهَهُ أوْ كان مِنهُ مُدانِيَاتُلفَظ : (أَوَشْبَهَهُ) .

ويقول مجنون ليلى أيضا (من الطويل) :
ودِدتُ – على طِيبِ الحياةِ – لَوَ انَّهُ *** يُزادُ لِلَيْلى عُمْرُها مِن حياتِيَاتلفظ : (لَوَنَّهُ) .

ويقول عنترة (من الكامل) :
ولقد خَشِيتُ بأنْ أمُوتَ ، ولمْ تَدُرْ *** للحربِ دائرةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ
الشّاتِمَيْ عِرْضي ، ولمْ أشتِمْهُما *** والنّاذِرَيْنِ – إذا لَمَ الْقَهُما – دَمِيتلفظ : (لَمَلْقَهُما) .

ويقول المتنبي (من الكامل) :
لَوْ بانَ بالكَرَمِ الجَنينُ بَيَانَهُ *** لَدَرَتْ به - ذكَرٌ أمُ انْثَى - الحامِلُتلفظ : (أَمُنْثَى) .

ويقول المتنبي أيضا (من المتقارب) :
بها نَبَطِيٌّ مِنَ اهْلِ السَّوادِ *** يُدرِّسُ أنسابَ أهْلِ الفَلاتلفظ : (مِنَهْلِ) .

وتقول سُعدى بنت الشمردل الجهنيّة (من الكامل) :
ولقد عَلِمتُ – لَوَ انَّ عِلماً نافِعُ- *** أنْ كُلُّ حَيٍّ ذاهِبٌ فمُوَدّعُتلفظ : (لَوَنَّ) .

ويقول جميل بثينة (من الطويل) :
وإنّي لأرْضَى مِن بُثَيْنَةَ بالذي *** لَوَ ابْصَرَهُ الواشي لَقَرَّتْ بَلابِلُهْتلفظ : (لَوَبْصَرَهُ) .

ويقول جميل بثينة أيضا (من الطويل) :
إذا فكَّرتْ قالت : قَدَ ادْرَكْتُ وُدَّهُ *** وما ضَرَّني بُخلي ، فكيف أجُودُ ؟تلفظ : (قَدَدْرَكْتُ) .

ويقول النمار بن أوس العدوي ، يخاطب معاوية (من البسيط) :
إنّي وإنْ كانَتَ اثوابي مُلفَّقةً *** ليستْ بِخَزٍّ ولا مِن نَسِْج كتّانِ
فإنّ في المجْدِ همّاتي ، وفي لُغَتي *** فصاحةٌ ، ولساني غيْرُ لَحّانِتلفظ : (كانَتَثْوابي) .

ويقول قيس بن ذريح (من الطويل) :
أتَصْبِرُ لِلبَيْنِ المُشِتِّ مع الجَوَى *** أَمَ انْتَ امْرُؤٌ ناسي الحياةِ فجازِعُتلفظ : (أَمَنْتَ) .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سعيد بنعياد
11-11-2008, 12:45 AM
أخي الشاعر المبدع الأستاذ جلال صقر

أشكرك جزيل الشكر على مرورك الكريم ، وتعقيبك الطيّب .

وسؤالك وجيه جدّا . ولستُ من أهل الاختصاص في هذا المجال ، حتى أجيب عنه جوابا شافيا ، ولكني سأُدلي في الموضوع بما يُخيّل أنه الصواب الذي يحتمل الخطأ .

فالرأي عندي : أن الإفراط والتفريط مذمومان في كلّ الأمور .

فإذا كانت الضرورة تعني : (ما وقع في الشعر ، ممّا لا يجوز وقوعه في النثر) ، فلستُ مع الإفراط ولا مع التفريط .

لستُ مع الذين يبالغون في الأخذ بهذه الرخصة ، إلى درجة إجازة تسكين المحرّك ، وتحريك المسكّن ، وتغيير الحركات ، وبتر حروف المدّ ، وإقحامها في غير مواضعها .

ولستُ أيضا مع الذين يبالغون في التنفير منها ، إلى درجة استنكار ظواهر صوتية وصرفية أجازها النحويون أنفسهم في كتبهم .

كما أن لي رأيا شخصيّا ، قد يخالفني فيه الكثيرون ، وهو وجوب التمييز بين (ما لا وجه له إلاّ مراعاة الضرورة) و(ما يمكن إدراجه في إطار إحدى لغات العرب المشهورة) .

فأنا أرى مثلا أن (صِلَة ميم الجمع بواو مدّيّة) ، كقولنا : (عَلَيْهِمُو) ، ليست من الضرورات ، بل هي لغة ثابتة عن العرب ، واردة في بعض القراءات القرآنية ، وخصوصا في قراءة عبد الله بن كثير .

وكذلك : لو فرضنا أن شاعرا استعمل كلمة (تَنَزَّلُ) بتاء واحدة ، بدلا من (تَتَنَزَّلُ) بتاءين ، متأثرا بقوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) [القدر : 4]. فلا يُقال : إنه ارتكب ضرورة ، بل هو اتَّبَع وجها لغويّا مشهورا عند العرب ، ثابتا في القرآن الكريم .

ومثلُ هذا يُقال في (تخفيف الهمزة بالنقل ، أو بغيره من طرق التخفيف المأثورة عن العرب) ، فهي لغة ثابتة ، خصوصا عند الحجازيين ، وقد عقد لها النحويون فصولاً كاملة في كتبهم ، وصحّت بها قراءة القرآن الكريم .

وكوننا تخلّينا اليوم ، في كلامنا العاديّ بالفصحى ، عن مثل هذه الظواهر الصوتية والصرفية ، إنما هو تقصير منا ، فلا ينبغي أن نحاكم الناس انطلاقا من تقصيرنا .

هذا – كما أسلفتُ – مجرد رأي شخصي ، لا يلزم أحدا قبوله . وعسى أن يُدلي غيري برأيه ، فنستفيد من جميع الآراء .

وفقكم الله ، وسدّد خطاكم .

محمد البياسي
14-03-2011, 11:45 PM
الله يا اخ سعيد

رائعة و قيمة جدا

و نعم ..

هو تقصير منا ..

اذ إن هناك لهجات عربية ثابتة يظنها الكثير من الضرورات
وهذه من الامور التي لا يعرفها كثير من الشعراء

بوركت و بورك قلمك الثر

ربيحة الرفاعي
31-05-2011, 01:52 AM
أفدت وأوضحت بشرح مبسط كريم نافع
وبينت خطأ يقع فيه كثيرون منا باعتبار بعض ما يرجع للغة بعض قبلائل العرب ضرورة وهو من أصيل اللغة

جزام الله خيرا

ودمت بألق