المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تراتيل العاصفة ..



بهجت عبدالغني
10-11-2008, 05:43 PM
قبل كل شيء اريد ان اثبت هنا شكري للاخ الحبيب الاديب خليل حلاوجي لصبره ورحابة صدره ..
*************************************************

أغلق جهاز ( الراديو ) وتركه إلى جانبه ..
ـ اللعنة عليهم .. هذه الأخبار لا تبشر بخير ..
استلقى على السرير ، واسلم نفسه إلى الأوهام والخيالات .. واللاجدوى تكاد تسيطر عليه ، والأشباح التي تسكن رأسه المرهق الذي أرهقته الهموم ، إذ هي تكلمه بألف لغة ولغة ، وتوحي له بألف حكاية وأسطورة ..
ـ يا ترى أية حرب ستكون ؟
لكن صفعة من مجهول جعلته يتخطى تلك اللحظة زمانه ومكانه ، فيذهب تارة إلى أعماق ماضيه يستحضر أيامه وساعاته التي نفذت منه كأسهم منطلقة بقوة من قوسها ، وتارة يسحبه الصمت المرير إلى مشاهد الغد التي لم ترسم ملامحه بعد ..
لكن ذهنه لا يبرح يرسم له صور الدمار والخراب .. الجوع والخوف .. اليأس والترقب .. فتستحوذ عليه تلك الصور ، فيتراءى أمامه مشهد الحرب الذي ربما ألفه منذ صباه .. لكنه لا يزال يخافه ..
ـ هل ستكون هذه أيضاً كسابقتها .. ربما .. ربما سيقصفون أهدافاً معينة ، ثم تتوقف هذه الحرب اللعينة .. ربما ..
لكن أخيلته التي أتعبته لا تدعه في يقظة التفاؤل هذه ، إذ سرعان ما تفتح أمامه مشاهد الحرب ، أصوات الصواريخ الممزوجة بآذان الفجر الخارق .. فجر يستيقظ على صرخات الأطفال المرعوبين ، والنيران التي تأكل الأجساد البريئة .. وحسرات الثكالى .. والقلوب التي ما انفك الدمع يفارق أنينها .. إذ البيوت تنهار على رؤوس ساكنيها ..
ـ لا ..
قالها وهو يسحب نفسه بقوة من تلك المشاهد البشعة ..
ـ إنها تخيلات فقط .. أوهام .. ولكن ( يقولها مستدركاً ) من يستطيع أن يستشرف ببصره أو عقله ما يسمى المجهول ؟
حاول أن يسترد تفاؤله المسلوب ، متذكراً صورة ذلك الشيخ الكبير ، الذي جلس إلى جانبه في السيارة وهو يقول : الله كريم .. فلربما هذه المقولة تحمل التفاؤل الذي يبحث عنه في إنفاق المجهول المعتمة ..
أخذ نفساً عميقاً سحبه وأفكاره وأوهامه إلى أعماق المجهول ..
حاول أن يغلق عينيه عن تلك المشاهد .. لعله ينفصل من عالمه الثقيل الذي أرهقه ، فيلتقي هناك بعيداً ، في عوالم الروح الرحبة ، خلف الجدار المنظور ، يلتقي بما يصبوا إليه من أمنيات وأحلام ، ولعل حورية تتلقاه من وسط هذه الأمواج العاتية التي تحاول إغراقه ، فتسافر به إلى أعماق الكوكب الأزرق ، فتريه مملكة الحوريات ، فيستطيع حينها أن يتنفس وهو يغرق في الأوهام ، ولكن ليست أوهام الحرب هذه المرة ، بل أوهام الحب ..
لقد عاد إلى الدائرة المغلقة التي طالما أراد أن يخرج منها .. الحرب والحب ..
الحرب بكل دمارها وضجيجها وصخبها ..
الحب بكل سكونه وهدوئه ورقته وشاعريته ..
وها هما الآن يزاحمان بعضهما البعض في رأسه الثقيل ..
لكن بحثه عن التفاؤل أو محاولته للهرب من الواقع جعله يتعلق بالحب بأظفاره ، ليسلم نفسه أخيراً إلى أمواجه العذبة ، والى أضواء قمره التي تضيء ليلة العشاق ..
لكن أصوات انفجارات مدوية أفزعته من أحلامه الجميلة تلك ، ليضعه في مشهد الواقع المرير .
نظر في الساعة الجدارية ، فرآها تشير إلى ساعة الصفر ..
وبحركات غير موزونة فتح ( الراديو ) ، واخذ يقلب بين المحطات الإذاعية ..
لقد قصفوا موقعاً يشتبه أن يكون فيه من يبحثون عنه .. قصفوه بأربعين صاروخاً ..
فأدرك حينها .. أن تراتيل العاصفة قد تليت ..

سعيدة الهاشمي
11-11-2008, 03:07 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

تراتيل عاصفة تتخذ من الجثت سميدا للأرض، ومن الدم بحرا للألم ومن الدمع نهرا للحزن

أصبحنا نصم آذاننا ونعمي أعيننا لكي لا نسمع ولا نرى، قتلتنا الحسرة، نود أن نفعل شيئا لكن لا نعرف

ماذا وكيف؟ أطفأنا الراديو وبدلنا القنوات مخافة الاصطدام بمشاهد مؤلمة. لكن إلى متى؟

وبحركات غير موزونة فتح ( الراديو ) ، واخذ يقلب بين المحطات الإذاعية ..
لقد قصفوا موقعاً يشتبه أن يكون فيه من يبحثون عنه .. قصفوه بأربعين صاروخاً ..
فأدرك حينها .. أن تراتيل العاصفة قد تليت ..

فقط مجرد اشتباه احتاج أربعين صروخا لو كانوا متأكدين تماما كم سيكون عدد الصواريخ؟

تحيتي لك أخي، دمت بود.

بهجت عبدالغني
11-11-2008, 05:01 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

تراتيل عاصفة تتخذ من الجثت سميدا للأرض، ومن الدم بحرا للألم ومن الدمع نهرا للحزن

أصبحنا نصم آذاننا ونعمي أعيننا لكي لا نسمع ولا نرى، قتلتنا الحسرة، نود أن نفعل شيئا لكن لا نعرف

ماذا وكيف؟ أطفأنا الراديو وبدلنا القنوات مخافة الاصطدام بمشاهد مؤلمة. لكن إلى متى؟

وبحركات غير موزونة فتح ( الراديو ) ، واخذ يقلب بين المحطات الإذاعية ..
لقد قصفوا موقعاً يشتبه أن يكون فيه من يبحثون عنه .. قصفوه بأربعين صاروخاً ..
فأدرك حينها .. أن تراتيل العاصفة قد تليت ..

فقط مجرد اشتباه احتاج أربعين صروخا لو كانوا متأكدين تماما كم سيكون عدد الصواريخ؟

تحيتي لك أخي، دمت بود.

الاستاذة سعيدة شكري

تعليقك ثراء للقصة ..

دمت بخير ..

عبدالله طه
11-11-2008, 05:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تراتيل العاصفه .....
.... اسم رائع لكاتب متمكن من أدواته ....... استطاع بمنتهى السلاسه الدخول لأعماق الخوف والرهبة من المجهول ... بموقف يحدث كثيراً بيننا ..

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بهجت عبدالغني
18-11-2008, 06:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تراتيل العاصفه .....
.... اسم رائع لكاتب متمكن من أدواته ....... استطاع بمنتهى السلاسه الدخول لأعماق الخوف والرهبة من المجهول ... بموقف يحدث كثيراً بيننا ..
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الاخ عبدالله طه

شكرا على مرورك ..

ولك مني خالص التقدير ..

خليل حلاوجي
22-11-2008, 09:16 AM
ترتيل عاصفتنا التي تبغي اقتلاعنا من جذور وجودنا ... وهيهات

لكن

المرارة أن يرقص لهذه التراتيل إخوان لنا ...

\

لا عدمناك .

معروف محمد آل جلول
13-02-2009, 12:45 PM
أخي المحترم..
بهجت..
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
وعلى أخي الحبيب خليل..
وعلى جميع إخواننا ..
وأخواتنا..
بادئا ..أعتذر ـ والله ـ لو اطلعت عليها سابقا لقلت كلمتي..
هنيئا لكم بهذه القصة التي اكتملت فيها جميع المقومات..
في سرديتها المتناسقة ..المنسجمة..رغم ما تحمله من تناقضات../هاجس الحرب اللعين ..وما يحماه من شحنة حيرة في المصير ..المجهول ..
والحال بعد الهدنة..
والحب الذي يبحث فيه البطل عن الأمان..
ووصف دقيق شافٍ.. وافٍ ..كافٍ..
للمواقف النفسية داخل نسيج التفكر ..ومحاولة الهروب من واقع الحرب المأساوى..
إلى حوار داخلي بناء ..يترجم الحالة اللئيمة ..الأليمة..
تصوير أنيق ..عميق يكشف حال البطل ..وهو يتقلّب بين متناقضي الحرب ..والحب..
ويعري نفسية الهلع ..والجزع..
وما يعتريها من اضطراب..
أما الحُبْكة الفنية ..فـ التمهيد فيها ؛يُقْلِعُ معه اطفاء الراديو..
والانغماس مباشرة في خبر القصف الهمجي ..العشواء..
الذي لايسلم منه ..لاحجر..لاشجر..
لاحشرة ..لاحيوا ..لاإنسان..لاعُمران..
طبيعة كاملة تُجْتث..
فقط لأجل اغتيال إنسان ..نعم اغتيال..
وتستمر هكذا الحوادث مترددة بين اليأس والخوف..والأمل..الذي لامستقر له خارج الأحلام..
وتتعقد أموره ..بلامخرج..
لينتهي إلى فتح الراديو..ويستأنف متابعة الأخبار..
والمقصدية هنا ..جليلة ..
ذات مقام شريف في ميزان القيم..
انشغال الإنسان بالحرب..
ومراوحته بين الأمل في حياة سعيدة ..
وثقل الواقع الحربي الأليم..
وفي هذا الانشغال..ألــــــــــــــ ـــــــم..بشع..
أخي بهجت ..
أرجو أن أكون قد قدمت شيئامن الواجب..
بالغ تقديري..
خالص تحياتي ..لكل الشعب العراقي الحبيب ..
الذي تألمنا طيلة حياتنا لألمه..
وشغلنا معه كما شغل البطل في القصة الجميلة بأسوبها وبنائها ..وصياغتها..
حتى بدا لنا الأمر عاديا في القصة ..
مما يدل على جودة المنتوج الفكري..
والعبق القصصي الواقعي الصادق..
ساقرأ لأخي الكريم ..ما قدرني عليه الله..
أنتم إخواني ..وأخواتي..

بهجت عبدالغني
13-02-2009, 05:47 PM
الأستاذ الكبير معروف محمد آل جلول

شكراً على إجابتك السريعة ..

وكم أنا سعيد لبصمتك المبدعة على هذه الصفحة ..
ولهذا التواصل الأخوي البنّاء ..

جزاك الله خير الجزاء ..


مع خالص تقديري وتحياتي ..

ربيحة الرفاعي
28-04-2014, 02:54 PM
نص وفق مفكرنا بعرض قضيته عبره في سرد تناغم ومضمونها الأليم يندب حال الأهل في تراتيل العاصفة تحكي هواجس الحرب والحب وعذاب الخوف من القادم،
وحقق الحوار الداخلي والتفصيل الحدثي للنص زخما انفعاليا وتشويقا سرديا ملفتين

دمت بخير أيها الرائع

تحاياي

بهجت عبدالغني
29-04-2014, 06:49 PM
شكراً أستاذتي العزيزة ربيحة
لحضورك البهيّ وقراءة المبدعة

دمت بخير



وخالص التحايا

براءة الجودي
29-04-2014, 09:52 PM
قصة تحمل هما يخص المسلمين ويفطر فؤاد كل إنسان كان رغم زهاء الحروف وبهاء الألفاظ شديد الإيلام في القلوب
لله در قطرات مدادك النازفة عطرها يفوح ويستنشقه كل اديب وقارئ متذوق
ابدعت استاذي الفاضل
تقديري واحترامي

بهجت عبدالغني
01-05-2014, 08:06 PM
تحياتي الخالصة لمرورك المشرق أديبتنا العزيزة براءة الجودي
وقراءتك ..

بارك الله فيك ورعاك



خالص دعواتي وتقديري

خلود محمد جمعة
04-05-2014, 11:55 PM
تلوت التراتيل بمرارة الحرب ورقة الحب
بسرد على إيقاع الوجع
لنستيقظ من حلاوة الحرف نبكي على نغم تراتيلك
دمت بخير
مودتي وتقديري

بهجت عبدالغني
13-05-2014, 07:05 PM
شكراً جزيلاً أديبتنا العزيزة خلود
لحضورك المشرق ومداخلتك المبدعة

بارك الله فيك ورعاك


خالص الدعوات والتحايا

نداء غريب صبري
11-07-2014, 06:30 PM
عاصفة تكاد تقتلع الأمل والخير وتضيعنا بكلنا وكليلنا
أسلوبك جميل ومؤثر أخي

شكرا لك

بوركت

بهجت عبدالغني
30-07-2014, 09:58 AM
عاصفة تكاد تقتلع الأمل والخير وتضيعنا بكلنا وكليلنا
أسلوبك جميل ومؤثر أخي

شكرا لك

بوركت


شكراً لمرورك المبدع وقراءتك
أستاذتنا نداء
حفظك المولى ورعاك
وكل عام وأنت بخير



وتحاياي

ناديه محمد الجابي
27-11-2021, 07:30 PM
وتبقى العراق دائما هى ذروة الوجع ـ هى البلاد التي شهدت
الكثير من النكبات والمآسي المبكية
العراق الممزق والمتشظي بحروب مستمرة أهلكته.
تراتيل العاصفة ـــ قصة معبرة عن واقع مؤلم تعيشه العراق وأهلها
فتنثال الحروف متوهجة يزيدها الحرف الصادق جمالا وروعة
حرف راقي عبر عن مشاعر كاتبها بلغة سلسة بليغة وسردية محكمة ، وفكر نير.
دام إبداعك.
:sb::sb: