تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التفسير والتأوّيل في فكر الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي "قراءة نقدية"



راضي الضميري
16-11-2008, 11:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا شك فيه أنّ العقول والمفاهيم والإدراك تختلف من شخص لآخر ، وأنّ الإبداع و التجديد إنّما يتوقف على مدى التحصيل العلمي لدى هذا الشخص أو ذاك - من علوم ومعارف وخبرات ثقافية وفكرية - على أنّه لا بد أيضًا أنْ تكون من خلفه رؤية أو مشروع يكون هدفه إمّا أنْ يضيف شيئًا جديدًا على مشاريع سابقة ؛ أو رؤى سابقة أنتجت هذا الفهم ، أو أنْ يأتي بشيء جديد مخالف تمامًا لما سبقه ؛ يحمل في مضمونه تجديدًا واعيًا و يقدم مفهومًا ورؤية جديدة غابت عن أذهان وعلم منْ سبق ؛ أو منْ كان معاصرًا له.
هذا ديدن المفكرين والمجتهدين والمصلحين ؛ أنْ يقولوا كلمتهم وما توصلت إليه عقولهم ومعارفهم ، بغية إصلاح وتنقيح عقول النّاس من الجهل والتخلف ، وطرح البديل الفعّال والواقعي والمرجو لتحسين أحوالهم والنهوض بها إلى أرقى المستويات ، لكن بشرط أنْ يكون – المفكر والمصلح والمجتهد - قد استوفى الشروط اللازمة التي تؤهله للقيام بذلك ، لأنّ العلم أي علم ؛ له شروطه وضوابطه والتي تحكم وتضبط عمله ، وأيَّ إخلال بهذه الشروط المعتبرة لذلك العلم محل الاجتهاد والإصلاح والتفكّر ، فقد تخرج نتائجه مخالفة للواقع محل التجديد والاجتهاد وبعيدة عنه .
ونحن هنا إذ نقرأ فكر الأستاذ الفاضل أبو بكر سليمان الزوي بخصوص التفسير والتأويل وقراءته للقرآن الكريم ، واستشهاده بتلك القراءات التي خرج بها في أثناء تصديه للكتابة عن واقع و مشاكل هذه الأمة وأزماتها التي تعصف بها منذ مدة ليست باليسيرة ؛ ومحاولة معرفة الأسباب التي أدت إلى كل ذلك ، أقول إنّ هذا الأمر ليس بالأمر اليسير ولا الهين على كل فرد يتصدى له ، بل هو أمر جد خطير؛ بل عظيم الخطورة ؛ لأنّ منْ يقوم بذلك إنّما هو في الحقيقة يخرج بنتائج تقول : إنّ الله تعالى ورسوله يقول كذا وكذا في الموضوع محل القراءة وموضع الاجتهاد .
وأنا لا أحاول هنا أنْ أقلل من حسن النية لدى الأستاذ أبو بكر ولا أبخسها حقها في محاولتها تلك ، بل أشد على يديه ؛ لأنّ الهدف كما هو واضح وكما يعبر عنه هو بنفسه ، إنّما هو هدف نبيل ، الغرض منه النهوض بهذه الأمة في كافة المناحي وكل المجالات .
غير أنني وأثناء قراءتي لمعظم النصّوصّ ؛ لاحظت أنّ هناك بعضًا من الأمور التي اجتهد بها ، والتي لا تتفق والسياق العام للنصّوصّ موضع الاجتهاد ، فثمة أمور لها دلالات واضحة لكنها فسرت وتم تأوليها بشكل مغاير لمفهومها الواضح ، أو لنقل إنّها بعيدة كل البعد عما ذهب إليه .
لذلك قمت بهذه القراءة والتي أهدف منْ وراءها توضيح هذه الأمور ، وتبيانها ؛ وذلك من باب الحرص والأمانة والتي لا أشك في أنّه يمتلكهما .
لكن وقبل أنْ أبدأ ؛ فأنني أرى أنّ واجبي توضيح نقطة مهمة وهي أنّ هذا العمل إنّما هو مناقشة لاجتهاد قام به ، ولفكر تبناه ، وهذا الأمر لا صلة له بشخصه ؛إنّما هو حوار حول ما يعتقده ويتبناه ، ولذا كان من الضروري توضيح هذه النقطة المهمة في نظري ؛ حتى لا يخرج القطار عن سكته ، ويفهم من الكلام عكس ما أريده وما نؤمله .
مدخل إلى فكر الأستاذ أبو بكر
كثيرة هي المواضيع التي تكلم بها الأستاذ أبو بكر ، لذلك فأنا لن أتعرض لها كلها ؛ إلا فيما هو محور قراءتنا هذه ، على سبيل المثال لن أتكلم في مسألة الثقافة وتعريفها ، وقضية المفكر وتعريفه ، ولن أتكلم عن الثقافة والحضارة ؛ هل هي إسلامية أم عربية ؟ لأنّ هذا الأمر يحتاج إلى بحث خاص ، فالأستاذ أبو بكر سليمان الزوي ينفي أنْ تكون هناك تسمية تقول بحضارة إسلامية أو ثقافة إسلامية ، وهذا ما نعد بالرجوع إليه في المستقبل القريب إنْ شاء الله تعالى - علمًا أنني لا أشك مطلقًا و لا أرى ما يمنع أنْ نقول بوجود ثقافة إسلامية وحضارة إسلامية - و لعلّ قراءتنا هذه تلقي الضوء حول كثير من الأمور التي تطرق إليها ، وهذا يعود لسبب جوهري ؛ وهو أننا عندما سنناقش قضية التفسير والتأويل في فكره إنّما نحن نخوض من بعيد – ومن قريب في آن معًا – في كل ما سبق ذكره ، لأنّ السبب الرئيسي الذي سنلحظه من خلال هذه القراءة هو التوجه الذي يتبناه وموقفه من مسألة النقل بشكل عام ، وتمسكه في تحرير العقل من تبعية النقل ، وحرية الاجتهاد والفكر ، لذلك فإنّ هذه القراءة برأيي ستلقي الضوء وبكثافة على منهجه بشكل عام .
العقل أولًا :
هذا ما يراه ؛ وهذا ما نقرأه ، فالعقل أولًا ؛ وهو يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية في قراءة كل شيء ، وهو لا يحتاج إلى من يعينه في قراءته تلك ، باستثناء توفر المقدرة اللغوية والفكرية ، أمّا النقل فهو قراءة لسلف مضى وترك تراثًا لا يتناسب وهذا الحاضر الذي نعيشه ، مع أنّه يؤكد أحيانًا أنّه لا يعني كل النقل ، لكنه يقصد النقل الذي يقدس آراء الآخرين ؛ فهو مرفوض إذ يقول "ما قصدته بالنقل المرفوض ، وغير المقبول لدي ، هو كل ما لا يجوز أن ترفضه عقولنا من المنقول من أقوال البشر أمثالنا .. أي تقديس أفكار وآراء السابقين وفهمهم للدين " اهـ(1) فالخلاف ليس على الدين ؛ إنّما هو في فهمنا للدين ، فإذا ما حصل تعارض بين والعقل والنقل حول أمر ما ؛ فإننا سنرجع للدين وهذا الكلام لا غبار عليه من حيث المبدأ " لا شك بأننا سنتّبع ما جاء به الدين ، ولكن أكرر بأن الاختلاف بيننا نحن المسلمين هو في فهم الدين , ولسنا مختلفين على صواب وكمال الدين .. وقصور العقل " اهـ(2) ولكي تتضح الصورة أكثر فإنّه يؤكد .." ولكن أرفض ، ولا أقبل ، بأن تفرض آراؤهم وأفكارهم واستنباطاتهم على أنها جزء أساسي من العقيدة أو الشريعة ، بحيث لا تجوز مناقشتها أو انتقادها أو رفضها أو تغييرها .. كما لو كانت جزءًا من القرآن "اهـ (3) وهذا الكلام ذا قيمة وفائدة كبيرة ، لأنّ من يقدس آراء الآخرين كما لو كانت قرآنًا فهو بلا شك مخطئ ، ويحتاج إلى عملية غسل دماغ ، فالمشرع هو الله تعالى منْ خلال القرآن ؛ وسنّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ما أنتج منْ فهم واستنتاج أو استنباط إنّما يجب أنْ يكون تابعًا لمراد الله وسنة نبيه ، وعلى هذا فنحن هنا نجد أنّ مبررات الرفض منطقية ، في حالة ثبوت أنّ ما جاء من النقل هو مخالف لذلك ، أو في حالة أنّ فهم السلف لعصرهم وظرفهم بات لا يتواءم مع عصرنا وظرفنا ، فلا معنى لأنْ نتمسك فعلًا بما قاله السابقون ونمنع نحن من استخدام عقولنا لفهم واقعنا وظروفنا، وإذا كان هناك ثمّة من يمنع ذلك – أي استخدام العقول في الوقت الحاضر - فإنّما يكون قد خالف سنة الله في هذا الكون ، فما دام هذا الكون يسير وفق مشيئة الله ، وإلى أجل لا يعلمه إلا الله ؛ فإنّ التجديد والتحديث والاجتهاد سيظل مستمرًا ، لذلك نجد أنّه من غير المنطقي أنْ لا نستثمر عقولنا في فهمنا للدين ، وهذا ما نجده هنا إذ يقول أنّ "البعض " قد أوجد قاعدة مفادها أنّ الإسلام يجب أنْ يؤخذ بالنقل ، أي أنْ تكون تابعًا في فهمك لمن سبقك ،وليس بالعقل أي " بمعنى أنه لا يجوز شرعًا - لي و لك أو للشيخ القرضاوي - مثلًا ، أن نبدي رأيًا أو نقول وجهة نظر مغايرة - لتفسير ابن تيمية أو البخاري – مثلًا .. لهذه الآية أو تلك ، أو حول استنباطه لهذا الحكم أو ذاك . أو نتساءل عن مدى صحة هذا الحديث أو ذاك " اهـ(4) وهذا غير مقبول من حيث المبدأ أنْ لا نبدي رأيًا أو وجهة نظر حول أي أمر ، وإنْ كان مخالفًا لغيره من الآراء ،ومنْ ثمّ فإنّ الحديث السالف الذكر لا يتعلق بنصوص فيها حدود صريحة وقطعية لا خلاف عليها ؛ إنّما محوره مسألة الاجتهاد " ولكن تساؤلاتنا فيما هو موضع اجتهاد وحجتهم دائمًا هي أننا مخطئون لأننا نستعمل عقولنا لأجل فهم الدين "اهـ (5) وهذا يعني أنْ لا قدسية لآراء الآخرين ، وهذا صحيح 100% ؛ ولكن هذا التعميم – أي عدم الأخذ برأي الآخرين – لا يصح رفضه إلا في حالة ثبوت أنّه خالف بشكل واضح وصريح الكتاب والسنّة ، أو لم يعد يلبي حاجات ومصالح الأمة في هذه المرحلة ، ولكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هو : إلى أي حدّ نستطيع أنْ نذهب بعقولنا منْ أجل فهم الدين ؟ وما هو الضابط لهذه العقول في حالة خروجها عن مسار ما أراده الدين أو ما فهمه السلف من هذا الدين – إنْ كان فهمهم له صحيحًا -؟ وما هي المرجعية التي سنتّبعها في فهمنا - - التحديثي أو التجديدي أو التطويري –كما يسمونه أتباعه - للدين ؟ هذا هو السؤال المركزي والمطروح أمام الجميع .
إنّ هذا السؤال يبقى مطروحًا ، ولعلّنا لن نجد له إجابة واضحة وصريحة عند المخالفين للفهم القديم ، وعند من استعمل عقله منفردًا مع كتاب الله ؛ وبعيدًا عن المرجعيات الأخرى و التي لا خلاف عليها عند أهل العلم ، وهذه المرجعيات التي هل محل خلاف أيضًا بين أصحاب الفهم الجديد – والتحديث – والتطوير – والمعاصرة - أصحاب النزعة العقلية التي تريد أنْ تحكم على النصّ من خلال العقل منفردًا بلغته وقدراته الفكرية ، أو لنقل ليست من ضمن أولوياتها المصادر الأساسية لهذا الدين أي الكتاب والسنّة ؛ فالبعض يريد أنْ ينفرد بقراءته اعتمادًا على الكتاب الكريم لوحده ؛ وهذا فيه مغالطة واضحة ، فمثلًا نقرأ عند الحديث عن الشروط التي يجب أنْ تتوفر فيمن يفسر القرآن والتي منها العلم بأسباب النزول ، علم الناسخ والمنسوخ ،علم النحو والصرف والبلاغة والمعاني والبديع والقراءات ، وعلم الكلام والفقه وأصوله ، والإلمام بالإسرائيليات ، والسنة النبوية المطهرة والدخيل على علم الحديث والتفسير، والعلم بمصطلح الحديث وعلم الرجال والعلل ، إضافة إلى الجرح والتعديل والأسانيد ،والقائمة ربما تطول ، فإننا نجد أنّ هذه الشروط في نظر الأستاذ أبو بكرهي شروط تعجيزية " أتساءل هنا ! كيف تتفق هذه الشروط التعجيزية التراكمية ، التي ألفها البشر، ولم يأمر بها الله ولا رسوله ، والتي لا يستطيع أحد إثباتها لنفسه ولا نفيها عن سواه ، فهي مطاطة ، وتتعلق بالنوايا والسرائر ، وليست معادلات رياضية حسابية – يسهل فهمها للجميع والتحقق منها " اهـ(6) وهنا قد يبدو الجواب غير معجز ؛ لأنّ كتاب الله ليس كأي نصّ ؛ ولا يجوز اعتباره كذلك ، وفهمه والاجتهاد فيه يحتاج إلى كل ما سبق ذكره ، لأنّ على هذا الفهم يتوقف فهمنا للدين والتشريع لهذه الأمة ، ومنْ هنا نعرف بأنّ ليس كل واحد منا لديه القدرة على سبر أغوار هذا العلم والتبحّر فيه ، فنحن هنا لا نتكلم عن آية أو آيات ؛ إنّما عن الكتاب الكريم ككل ؛ والذي هو كتاب الله تعالى ، وبناءً على ما سبق ؛ فإنّ التصدي لفهم القرآن وتفسيره والاجتهاد فيه يعتبر فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط عن البقية ، فهو ليس كالصلاة أو الصيام .. الخ مفروض على الجميع معرفتها، وإلا فكيف نفهم هذه الآية الكريمة حين يقول الله تعالى " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "( سورة النحل آية 43) ومنْ هم أهل الذكر ؟ إذا كان الواجب يفترض أنْ يتعلم كل النّاس تفسير واستنباط الأحكام من القرآن ؟ كما أنّه ليس هناك ما يمنع أنْ يقوم مفسر القرآن الكريم بتعلم كل ذلك ؟ أليس هذا القرآن هو معجزة ، ألم ينزل بلغة العرب ؟ وقد ذكر فيه أكثر من 12 آية وبصريح العبارة أنّها لغة عربية ، فإذا كنّا حتى الآن لم نفهم الشعر الجاهلي واختلفنا فيه ، بل تصدى لهذه المسالة فطاحل الشعراء واللغويين وكل منهم خرج باستنتاج مغاير للآخر – ولعلّ من أبرزهم طه حسين في كتابه" في الشعر الجاهلي" - فكيف بكتاب الله تعالى ، ثمّ ما الضرر في أنْ ندرس السنة الشريفة ورجالها والضعيف منها والموضوع ، والسيرة النبوية وأسباب النزول ؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم هو المشرع والمعلم والمفسر لكتاب الله ؟ وعلينا أنْ نتّبعه في كل ما جاء به ، وكيف نفهم القرآن بدون أنْ نفهم السنة وأسباب النزول ، فنحن نعلم أنّ القرآن لم ينزل دفعة واحدة ، بل نزل منجمًا ومتفرقًا طبقًا للحوادث التي مرت بها الدعوة الإسلامية قال تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً " (سورة الفرقان الآية 33) ألا يعني هذا أنّ فهمها ضروري ، وكم سننفق من وقت في قراءة كل ذلك ؟ شهر أو خمسة ، أو حتى سنة ، ليكن إذا كان ذلك ضروريًا لفهم كتاب الله ، ونحن هنا لا نقول أننا ضد منْ يقدم تفسيرًا جادًا متأملًا يدل على بُعد نظر ثاقب و تأمل عميق في الآيات القرآنية ؛ وإنْ كان ليس ملمًا بكل ما سبق ذكره ، ولا يشترط حفظه للقرآن الكريم ، ولكن أقول لا بد منْ توفر جملة من الشروط والتي لا غنى للمفسر عنها ، فمنْ سبقنا لم يفسر بعقله وفهمه فقط ، بل قد جمع إلى ذلك فهمه للأحاديث النبوية وأسباب النزول ومعرفة الإسرائيليات والناسخ والمنسوخ ، ولعلّ كل الكتب التي وصلتنا عن السلف ذكر فيها كل ذلك ، فنجد عند الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم ما يدل على ذلك ؛ وهي منْ أمهات الكتب المعتبرة ، وحتى منْ سبقوهم فعلوا ذلك ، غير أننا نلحظ هنا اعتراض الأستاذ أبو بكر على مما سبق ذكره إذ يقول ردًا على ذلك " أنا لا أنفي هنا توفر ضرورة توفر المقدرة اللغوية والفكرية لدى كل من أراد التفسير والإفتاء ولكنني أقصد بأن المحاججة بالدليل والبرهان والمسلمات هو السبيل الصحيح للحوار والاجتهاد " اهـ(7) ومن هنا نفهم أنْ لا ضرورة تستدعي توفر كل ما سبق ذكره باستثناء المقدرة اللغوية والفكرية ، والإفتاء إذا لم يحتاج إلى كل ما سبق ذكره فماذا ستكون النتيجة ؟ فلو كل إنسان امتلك القدرة على حد تعبيره ، ورأى نفسه مؤهلًا للإفتاء والتفسير فمنْ سنتّبع في أمور دنيانا ، ومنْ سيقول لنا مثلًا ما هي أحكام سجود السهو أو الحج أو الزكاة ، وسائر أمور ديننا ؟ كما أنّ المحاججة بالدليل والبرهان والمسلمات هو صحيح تمامًا ، لكن تبقى هنالك إشكالية مطروحة للبحث ؛ ما هي مشروعية تلك المحاججة إذا لم تستوفي شروطها المعتبرة في الموضوع محل النقاش ، أليس للعلم شروطًا ومقومات لا يقوم بدونها ؟ والدين علم له شروطه ؛ وهنا يتساءل عن ماهية تلك الشروط التي يحصرها في تساءل يقول " فكيف بدا الأوائل كتاباتهم واستنباطاتهم وتفسيراتهم ماذا كان متوفرًا بين أيديهم - غير القرآن وعقولهم " اهـ (8) فهل كان القرآن هو المصدر الوحيد ، قطعًا لا ؛ لأنّ الواقع ينفي ذلك ، لكننا نجد تأكيدًا لهذا القول ومدعمًا هذه المرة بأسباب أخرى ومن ضمنها التفسير طبعًا " حيث يمكننا أن نتساءل ما هو النقل الذي قرأه – الأولون – عندما بدءوا بتأليف الكتب المنقولة إلينا !. ألم يعتمدوا على القرآن وحده ، وعلى حصيلتهم اللغوية ومواهبهم الفكرية .. حتى أنهم أفتوا لمن أجتهد وأخطأ بأن له أجرًا " اهـ(9) ولعلّ هذا القول يبدو غريبًا فيما يخص قضية الإفتاء بشكل خاص ، لأنّ هذا الكلام ليس من قول أي إنسان عادي ؛ بل هو حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيه " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجرٌ "اهـ أي على حسن قصده واجتهاده (10) .
لذلك نستغرب حقيقة أنْ يرد مثل هذا القول وأنْ ينسحب على كل البشر دونما تفريق بين العالم والمجتهد وبين منْ لا علم له ولا مقدرة على الاجتهاد قال تعالى " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ " ( سورة الزمر الآية 9) وهذا الأمر أي الحديث سابق الذكر فهو قاعدة يعمل بها عند كل أهل العلم المتّبعين للكتاب والسنة ، فحتى لو أخطأ المجتهد والذي لديه علم شرعي فهذا لا يخرجه من دائرة هذا الحديث ، لأنّه وكما هو معلوم هناك اجتهادات كثيرة ، وخلافات بين الفقهاء في كثير من المسائل الفقهية ، ولكن هذا الاختلاف إذا ما وضعناه في صورته الحقيقية ، فإنّه لا يخرج عن دائرة الاجتهاد وفق ما حصّل كل عالم من العلوم والمعارف وتختلف منْ شخص لآخر، وهذا له أسبابه والتي لا تخفى على كل من لديه علم في أي مجال كان ، فحتى الفلاسفة وعلماء الطب وعلماء الفلك والجغرافيا وسائر العلوم نجد اختلافات كثيرة في نظرياتهم ، وكل يدّعي العلم والمعرفة، فما بالك بعلم شرعي له طرق كثيرة في الاستنباط والفهم والاجتهاد ، وهذه ظاهرة طبيعية ؛ بل صحية ، لكن هذا الأمر - أي موضوع النقل- وما يتعلق به من تفسير القرآن – وحتى النقل بأكمله - نجد أنّه وبقدر ما وصف بالجمود وحتى التخلف – ومنهم من يسميه - بتطور التخلف - قاصدًا بذلك النقل بشكل عام - منْ أناس كثر ، ومنْ بينهم أصحاب ما يسمى بالمشاريع الفكرية أمثال محمد عابد الجابري والطيب تيزيني ومحمد أركون وحامد أبو زيد وغيرهم ، إلا أنّه وفي المقابل نجد أنّ هذا التشدد الذي أتهم به النقل بشكل عام قد قوبل بتشدد مماثل منهم - مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه وربما أكثر – ولكن هؤلاء لديهم مشاريع فكرية - كما يقولون – ومنهجهم الحداثي المستورد واضح في أفكارهم ومنهجهم ، ومع ذلك فالبعض منهم يعترف بصعوبة التصدي إلى مسألة الخوض في القرآن الكريم ، ومنهم الجابري الذي بدأ بهجاء العقل العربي في كتابه - إشكالية الفكر العربي المعاصر - بأدوات الحداثة ورموزها المستوردة ، ثمّ دار دورة كاملة حول نفسه ؛ فإذا به يتوصل فيما بعد إلى اختراع عقلي فريد من نوعه في جنوحه عن جادة الصواب أسماه " مدخل إلى القرآن الكريم " ورغم ذلك فهو يقول " من خلال تعاملي* ‬مع القرآن في* ‬الأعمال السابقة،* ‬أدركت أنّ القرآن هو واحد من الكتب التي* ‬لا* ‬يمكن أن تُقرأ كما يقرأ الإنسان جريدة أو قصة* .. القرآن كتاب تاريخي،* ‬وللتعامل معه،* ‬لابد من فكر تاريخي* ‬متتبع لتطور الثقافة العربية ‬وخصوصا ‬الجانب الكلامي والفقهي.* ‬إنّ آخر فصل من فصول أصول الفقه مثلا هو المتعلق بـ* "‬الفتوى*"‬،* ‬والشروط التي* ‬وضعت لإصدار الفتاوى* ‬وما إلى ذلك" (11) فالرجل هنا يقرر أنّ هناك شروط ، ورغم كل ما صدر عنه ؛ إلا أنّ لكلامه قيمة أدبية عند كل منْ يحاول الخوض في أمور الدين ، حتى وإنْ كان فهمه للدين محدودًا ، ولعلّ هذا القول يلقي الضوء على مسألة مهمة ألا وهي ما يسمونه بالقراءات الجديدة والمعاصرة للقرآن الكريم ، ومحاولتهم تأوّيل القرآن الكريم باستخدام النظريات المعاصرة والتي لا تخرج في مضمونها عن مشروعهم المتمثل في أنسنة وعقلنة نصّوصّ القرآن الكريم ؛ هذه هي المشاريع الكبرى ، وهذا ما يبدو واضحًا من كلامهم ؛ومنهم الجابري الذي يعتبر النصّ القرآني نصّ تاريخي ؛ فيغرق بالتالي في تفكيك محتويات هذا النصّ على اعتبار أنّه ملك للجميع ، ولهم حرية التصرف فيه كما يحلو لهم ، إنّ هذه المحاولات كلها إنّما هي في الحقيقة تهدف إلى أرخنة النصّ القرآن ونزع القداسة عنه . ولو نظرنا إلى هذا الجمع لوجدنا أنّهم يخوضون معارك شرسة فيما بينهم ، فكلهم مختلفين وكلهم متناحرين ، حتى جاء دور جورج طرابيشي ؛ ذلك الماركسي الذي فكك خطاب الجابري ، وجعله أثرًا بعد عين لا يستحق الرؤية – رغم أنّه لم يكن له عين أصلًا - فمن سنتّبع في أمورنا إذا كان هؤلاء وغيرهم كثر قد اختلفوا فيما بينهم ؟ إضافة إلى ذلك ، تجدهم عندما يتكلمون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمهات المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم فإنما يستخدمون مفردات أقل ما يمكن وصفها بأنّها قليلة الأدب ، فيقولون محمد قال كذا ، وعائشة قالت كذا وأبو بكر ....الخ بدون أيّ اعتبار للشخص المذكور ، وكأنّهم يخاطبون إنسانًا عاديًا ، لا وزن ولا قيمة ولا مكان له في هذا العالم ؛ ناسين أو متناسين أنّهم سادتهم ومحل فخر واعتزاز كل مسلم في هذا العالم .
وعودة إلى القراءة التي بين أيدينا ، فنلاحظ أنّه من الغريب أنْ نرى هنا بعض المفاهيم غير المعلّلة ، والتي نلحظها في الخطاب الذي نحن بصدد الكشف عنه ، وأعتقد جازمًا أنّ ما سأورده الآن قد جانب الصواب كثيرًا ، وذلك لسقوطه في فخ التعميم والتنفير والبعيد عن الوسطية التي منْ شأنها جذب الآخر للاستماع والقبول فيما هو مطروح للنقاش ، فالقول في كلمات لما يحتاج إلى مجلدات ، والتركيز على النقد دون طرح البدائل ؛ وسيادة العقل على كل ما سواه ؛ يضيّع المعنى ويفقده التواصل ، فنقرأ " فالمؤمنون بعقيدة النقل ، يتجاهلون بأن المنقول - عدا القرآن – هو نتاج عقل بشري !.. كقواعد اللغة العربية ؛ والأحاديث المنسوبة للرسول التي ثبت اختراقها ، وخضعت لمزاج العقل من حيث الرواية ، والتجميع والتصحيح والتفسير " اهـ(12) ولا ندري حقيقة كيف يمكن القبول بهذا الخطاب فيما يخص السنّة النبوية تحديدًا – رغم ما رافقه منْ غمض متعمد لحقوق الآخرين المندرجين تحت هذا التعميم - لأنّ هذا الإطلاق خطأ محض ؛ و لا يسنده دليل ولا يدعمه برهان يؤكده ، صحيح أنّ هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة منْ قبل شرذمة من الزنادقة والخارجين على الإسلام ، لكن هذا الأمر تصدى له أهل العلم والحديث ، فصنفوا في هذا علمًا هو منْ أعظم العلوم في العالم على الإطلاق ، بل لم يشهد التاريخ علمًا روعيت في شروطه الدقة والأمانة كما هو في علم مصطلح الحديث ، ولهذا وجدت بين أيدينا الكتب التي لا يدخلها الشك في صحتها وثبوتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل صحيح البخاري ومسلم حصرًا ، إضافة إلى بقية المصنفات القديمة والحديثة منها والتي قام أهل العلم بتصحيحها وتنقيحها ، هذا إلى جانب مسألة مهمة أرى أنّها تلقي الضوء على إصرار الأستاذ أبو بكر في رفضه لأفكار الآخرين ؛ وهو وصف كل شيء ما عدا القرآن بأنه نتاج عقل بشري ، وقد دخل في جملتهم الرسول صلى الله عليه وسلم منْ قول أو فعل أو تقرير فهذه هي سنته ، وكان بالإمكان القول – في حالة نفي هذه المسألة وعدم القصد فيما ذهب إليه - أنْ يستثني الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول " ما عدا القرآن وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم" ومن المعلوم من الدين بالضرورة أنّ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وما قرره هو حجّة تلزمنا كما يلزمنا القرآن بحجّته وصدقه وعدالته ، فالسنّة الثابتة الصحيحة عند أهل العلم قاطبة هي صنو القرآن وهي حجّة ووحي لا يجوز الفصل بينهما قال تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ " (سورة المائدة آية 48) وقال تعالى " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " (سورة الحشر آية 7) وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " (سورة النساء آية 59) وقال أيضًا " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " (سورة النساء آية 65) و قال عز وجل " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى " (سورة النجم آية 3-4) وأيضًا قوله تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ") (سورة النحل آية 44) ومنْ هنا يتبين لنا أنّ طاعة الله وطاعة الرسول هما شيء واحد لا يقبل الفصل بينهما ، وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حين بلغه أنّه يكتب عنه كل ما يقوله " أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (13) وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم "ألا إنّي أوتيت القـرآن ومثله معه، ألا يوشك رجـل شبعان على أريكته أنْ يقول حين يأتيه الأمر منْ أمري فيما أمرت به، أو فيما نهيت عنه، فيقول: عندنا كتاب الله حسبنا، ألا وإنّ ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله تعالى " (14) وصحّ عنه أيضًا " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين منْ قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم " (15) . وحتى عند المعتزلة أنفسهم ، وهم من فتح باب العمل بالعقل على حساب النقل،استشهدوا بالسنة في إثبات بعض القضايا التي قرروها ، وكانوا في أحايين أخرى يتملصون منْ بعض الأحاديث بحجج واهية لا تقنع أحدًا ، عندما تتعارض مع أهواءهم فيما ذهبوا إليه ، مع أنّهم من أصحاب العقول الذي يقرر على النصّ ما يريد .
إضافة لما سبق فهناك أمرًا آخر؛ وهو أنّه لا يوجد في القرآن ناسخ ومنسوخ إذ يقرر في معرض رده على عضو حاوره فيصرح بقوله .. " ثم من قال بوجود الناسخ والمنسوخ في كتاب الله ! وهذا مثال جيد على النقل ، والذي هو ليس من قول العقل ! فهل تؤمن أنت بأنه لا يجوز لنا مخالفة هذه القاعدة الموضوعة بواسطة السلف حتى لو أثبتنا بالعقل – بالتدبر في التدبر في نصوص القرآن – أنها ليست صحيحة ! أخي الكريم .. لا غنى عن استعمال العقل ! فالتكليف لا يكون لغير العاقل ! " اهـ (16) إلا أنّه وفي أثناء الرد عليه يتجنب الرد هذه المسألة ، التي يتوقف عليها فهم مسائل كثيرة ،كما إنّ خطورة هذا الطرح والذي لم نجد له إجابة - مثلنا مثل السائل الكريم – تتمثل في أنّ هذا القول ليس بجديد ؛ بل قديم جدًا، وقد طرح من قبل المستشرقون الذين وضعوا الكثير من الشبهات حول القرآن الكريم وعلى رأسهم المستشرق دنكان بلاك ماكدونالد ( 1863-194 م ) إضافة إلى تيودور نولدكه (1836 – 1930) (17) والذي قرر أنْ لا ناسخ ومنسوخ في القرآن ، لذلك كنا نتمنى على الأستاذ أبو بكر وبما أنّه طرح هذه المسألة وسئل عنها أيضًا أنْ يجيب عليها ، لأنّها مسألة جد خطيرة ، فإنْ أثبت هذا الأمر طرحنا رأينا واتّبعنا رأيه ، أمّا القول بدون دليل فهذا ما لا نفهمه؛ ولا نفهم لماذا طرح أصلًا مثل هذا الموضوع وتم التغاضي عنه فيما بعد ، وعليه نقول ؛ نعم يوجد ناسخ ومنسوخ في كتاب الله والذي يعني اصطلاحًا " رفع الحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم بواسطة خطاب متأخر" ، والدليل على ذلك من كتاب الله تعالى ، قال تعالى "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (23البقرة آية 106) ومنها - على سبيل المثال - آيتي المصابرة في سورة الأنفال " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) (الأنفال 65-66 ) وقد ورد في الصحيح عن أسباب نزول آية 285 من سورة البقرة " وإنْ تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " اشتد ذلك على الصحابة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجثوا على الركب ، فقالوا : قد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها ، فقال : أتريدون أنْ تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : "سمعنا وعصينا ؟" بل قولوا " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل : " لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها " إلى آخرها وروى مسلم عن ابن عباس نحوه "(18) كما أنّ هناك نسخ أيضًا في السنة ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم " كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها " (19) وغيره من الأدلة كثير لا مجال للخوض فيه الآن .
1-التفسير والتأويل
القرآن كما هو معروف " بأنّه اللفظ العربي المعجز بسورة منه المنزل وحيًا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ المنقول إلينا متواترًا بلا شبهة المحفوظ في المصاحف المتعبد بتلاوته " وتحليل التعريف يقول " اللفظ العربي فيه إشارة إلى أنّ القرآن هو اللفظ والمعنى , وليس المعنى فقط وعلى ذلك إجماع العلماء ، والمعجز بسورة منه : العجز في اللغة الضعف ؛ وأعجزه وجده عاجزًا ؛ ومنه المعجزة لما تظهر من عجز الآخرين وقصورهم عن الإتيان بمثلها " (20)اهـ .
وأمّا السنّة فهي في الاصطلاح الأصولي " ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم منْ غير القرآن منْ قول أو فعل أو تقرير وأمّا حجيتها فهي " دليل أصلي من أدلة التشريع الإسلامي ، وقد ثبتت بالقرآن والسنة والإجماع والعقل " اهـ(21) ، وهذه هي مصادر التشريع الأساسية ، وهي ما نحتاجه بالأصل عند الخوض في أي أمر يتعلق بالدين ومنْ ضمنها التفسير والتأوّيل .
أمّا التفسير فهو في اللغة " الإيضاح والتبيين ومنه قوله تعالى " ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا " أي بيانًا وتفصيلًا وهو مأخوذ من الفسر وهو الإبانة والكشف " اهـ(22) وفي الاصطلاح ورغم كثرة التعريفات فإنّها كلها تصب في اتجاه واحد ، فهو كما عرّفه أبو حيان في البحر المحيط بأنّه " علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك"، وهناك منْ عرفه فقال (الزركشي ) بأنّه: "علم يُفهم به كتاب الله المُنَزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه". والخلاصة أنّ علم التفسير علم يبحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البَشرية، فهو شامل لكل ما يتوقف عليه فهم المعنى، وبيان المراد ، ومنْ مصادر التفسير التي يعتمد عليها المفسر أنْ يرجع إلى ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ومنْ ثمّ إلى فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، ثمّ منْ قوة الفهم والاستنباط لدى منْ يتصدى لهذا العلم ، وأيضًا إلى ما قاله أهل الكتاب - أمّا شروط المفسر فقد سبق وأنْ ذكرتها في بداية حديثي - أمّا التأويل في اللغة فهو " مأخوذ من الأول وهو الرجوع، قال فى القاموس: "آل إليه أولاً ومآلا: رجع، وعنه: ارتد... ثم قال: وأوَّل الكلام تأويلاً وتأوَّله: دبَّره وقدَّره وفسَّره، والتأويل: عبارة الرؤيا" وعلى هذا فيكون التأويل مأخوذاً من الأول بمعنى الرجوع، إنما هو باعتبار أحد معانيه اللغوية، فكأن المؤوِّل أرجع الكلام إلى ما يحتمله من المعاني " اهـ(23) وأمّا في الاصطلاح فهناك تعريفات كثيرة للتأويل لكنها لا تخرج في مجموعها عن الهدف المراد منه ، فنجد عند المتأخرين من المتفقهة، والمتكلمة، والمحدِّثة والمتصوِّفة التأويل - عند هؤلاء جميعاً - : "هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به، وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه فى أصول الفقه ومسائل الخلاف. فإذا قال أحد منهم: هذا الحديث - أو هذا النصّ - مُؤوَّل أو محمول على كذا. قال الآخر: هذا نوع تأويل والتأويل يحتاج إلى دليل. وعلى هذا فالمتأوِّل مطالَب بأمرين:
الأمر الأول: أنْ يبيِّن احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه وادَّعى أنّه المراد.
الأمر الثاني: أنْ يبيِّن الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجح، وإلا كان تأويلاً فاسداً، أو تلاعباً بالنصوص." اهـ (24)
وعن الفرق بين التفسير والـتأويل ، فقد ذكر أهل العلم أنّ هناك فرق بينهما وذكروا كثيرًا من الأقوال ولعل أبرزها " هو أنّ التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية، وذلك لأنّ التفسير معناه الكشف والبيان. والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا إليه فيما أشْكِل عليهم من معاني القرآن الكريم.
وأمّا التأويل.. فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل. والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويُتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب، واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربية، واستنباط المعاني من كل ذلك" اهـ(25) .
ومن خلال ما تقدم سنراجع بعض الأمور التي تصدى لها الأستاذ أبو بكر في تفسيره وتأوّيله ، ونرى إلى مدى كان مصيبًا فيما ذهب إليه من آراء واستنتاجات خرج بها ، فقد بلغ عدد الآيات القرآنية والتي استشهد بها 46 آية تتوزع على 22 سورة ، منها ما هو بقصد إثبات قضية ما ، وهذا أمر عادي أنْ نستشهد بآية كريمة لتدعيم وجهة نظر نراها محقة وتتوافق مع الموضوع محل الاستشهاد ، ومنها ما خضع للتفسير والأهم منه التأويل المباشر ، وهذا ما أجده وقد خالف الصواب فيه ، وسنستعرضها ضمن نقاط عدة :
1- شهادة المرأة في مسألة الدين
إنّ أول ما سنتعرض له هو تناوله لقضية الدين والشهود في الآية الكريمة في سورة البقرة والتي تقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ –إلى قوله تعالى ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى " (سورة البقرة آية 282) ويضيف في معرض تبريره لتفسير هذه الآية " ونحن نعلم أن الفهم السائد والتطبيق المعتمد بناءاً على هذه الآية يقومان على أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين ..!ولكن إلقاء نظرة واقعية عفوية محايدة - دون تأثيرات اجتماعية ثقافية أو تاريخية محددة – على نص الآية الكريمة سيطرح بعض التساؤلات الجديرة بالوقوف عندها .." اهـ (26) وبعد سرد مطول لمفهومه لهذه الآية فإنّه يخلص إلى نتيجة مفادها أنّ معنى" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " إنما هو ليس ما ذهب إليه المفسرين من للقرآن الكريم بأن المعنى لا يتعلق بالشهادة ؛ بل إن الأمر باستدعاء امرأتين يكون على اعتبار أنه ليس مستساغًا عمومًا وليس مقبولًا اجتماعيا أن تجلس امرأة لوحدها بين الرجال لأن وجودها سيمسها من بعيد أو قريب وهذا ما سيؤدي لحصول شيء من الارتباك والريبة وعلى هذا فالمقصود هو " أن تضل - بمعنى أن تفعل ما يُعاب عليها دون أن تنتبه له .. وفي هذه الحال توجّـب وجود امـرأة أخـرى لتثبيتها وتذكيرهـا - فليس من اللائق أن يُـذكّـر رجلٌ امرأة أخطأت في طريقة جلوسها أو ستر عورتها مثلاً - في مجلس رجالي .. بينما يُرفع الحرج عن التي تضل عندما تذكّـرها أخرى من جنسها " اهـ (27) وبعد ذلك يسوق مبررات أخرى لهذا القول ، ويضيف قائلًا في موضع آخر من النصّ " وأرى أنه من الغريب لغوياً وأدبياً - أن يكون الفهم والتفسير لهذه الجزئية من الآية -( ... أن تضل إحداهما فتذكّـر إحداهما الأخرى .. ) هـو بمعنى أن تنسى إحداهما الشهادة أو تضل في شيء منها - فتذكّـرها الأخرى – عندما تـُطلبـان للإدلاء بالشهادة فهذا المعنى ليس موجوداً على الإطلاق عند قراءة هذه الآية .. بل على العكس تماماً .. فلو لم تتضمن الآية هذا التبرير لوجود المرأتين ( أن تضل إحداهما ) .. ربما كانت شهادة الرجل بشهادة امرأتين – أوضح وأدق وأصح ... إلى أن يصل ... وأما النسيان فلا علاقة له بالأمر هنا ، فهو أمر يرتبط بعامل الزمن وينسحب على الرجل كما المرأة... الخ" اهـ(28) وهذا الأمر أرد عليه من عدة وجوه :
1-لا دليل على ما ورد ذكره لتأويل هذه الآية وهو مخالف أصلًا لمفهوم التأويل عمومًا .
2-إنّ هذا القول مخالف لإجماع أهل العلم والتفسير .
3-إنّ الدفاع عن حقوق المرأة في الإسلام والذي جاء في معرض الرد على أسباب الخوض في تفسير هذه الآية لا يتناسب وهذا المقام بأنْ يؤوّّل و إلى حد مبالغ فيه ومخالف لسياق النصّ معنى "أنْ تضل"، ولو أردنا أنْ نستدل على عدل الإسلام وحقوق المرأة من باب أولى أنْ نذكر الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت عنه أنّه قال " منْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرًا فليتكلم أو ليسكت ، واستوصوا بالنساء خيرًا ، فإن المرأة خلقت منْ ضلع ، وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه ، إنْ ذهبت تقيمه كسرته ، وإنْ تركته لم يزل أعوج ، استوصوا بالنساء خيرًا" (29) .
4-إنّ النسيان هنا له ما يبرره لدى المرأة , ومن المعلوم أنّ أهل العلم قالوا أنّ المرأة معرضة للنسيان أكثر من الرجل وذلك لعدة عوامل من أبرزها الحمل ، وقد أثبت العلم الحديث ذلك ؛ إذ يقول أنّ ذاكرة المرأة تصاب بضعف واضطراب أثناء الحمل وذلك يعود لتناقص عدد خلايا الذاكرة ولأسباب غير معروفة حتى الآن ،وقد عدت هذه الآية الكريمة كإعجاز علمي في القرآن لذكره هذا الضعف قبل نحو 1400 عام ( 30) .
5-وعلى فرض أنّ كل ذلك غير صحيح ، فإن الأسلم والأحوط هو أن نتّبع ما دلّ عليه سياق اللفظ و الآية عمومًا ، وأنْ نرجع للتفاسير المعتبرة والتي تؤكد خلاف هذا التأويل ، وهنا نسأل هذا السؤال : من نتّبع في هذه المسألة إذا كانت كل التفاسير قالت عكس ذلك ؟ ولنراجع تفسير ابن كثير ، الطبري ، القرطبي ، البيضاوي ، البغوي، المنتخب ، زبدة التفاسير ، التفسير الميسر ، الجلالين ، وللعقل نحتكم :هل كل هؤلاء ومن قبلهم الصحابة رضوان الله عليهم لم يفهموا المقصود بهذه الآية الكريمة ؟ . يتبع/ ج 2

راضي الضميري
16-11-2008, 11:31 PM
تابع للجزء الأول/
2- الملائكة وإبليس وخلق آدم :
هذه المسألة نراه وقد تعرض لها مرارًا و في أكثر من موضع في نصوصه ، وقد استخدم فيها بعض المفردات والتي أعتقد أنّها تخالف صراحة ما دل عليه السياق العام للنصّ القرآني ، كما تم تفسير وتأويل هذا السياق وبدون أي دليل عقلي أو نقلي ، وقبل أنْ نبدأ بالتحليل ؛ علينا أنْ نفهم من السياق العام للنصّ القرآني حول هذه المسالة أنّ الملائكة هم عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ، ويطيعونه سبحانه وتعالى في شيء , وقد خلقوا لعبادته وتنفيذ أوامره لا لشيء آخر , وهم ليسوا مكلفين بما كلف به غيرهم من المخلوقات ، لذا سنتعرض لكل النقاط التي وردت في هذا المسألة :
1- من هذه المفردات مثلًا ما يقول عن الملائكة عندما أخبرها الله سبحانه وتعالى عن خلق آدم " ولذلك فقد تساءلوا الملائكة عن جدوى استخلاف الإنسان في الأرض " اهـ(31) ونجد أيضًا أنّه وصف موقفهم بالتساؤل والاستغراب " أخبرنا القـرآن الكريم أن الملائكة قد استغربوا وتساءلوا - عن الجدوى والحكمة - من استخلاف الخالق عـز وجل - للبشر في الأرض - لغرض عبادته ؛ في حين أن الملائكة تعبده كما ينبغي وتسبّـح بحمده وتقـدّس له ..!"اهـ (32) وبعد التساؤل والاستغراب يأتي الاستهجان إذ يقول " فالبشر هي المرحلة التي كان خلالها الإنسان ضعيفاً ومجرداً من العقل والمعرفة .. وهي المرحلة التي تساءلت واستهجنت فيها الملائكة استخلافه في الأرض، لعلمهم بأن كل صفاته قبيحة " اهـ (33) ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي التحفظ " وأخبرنا القـرآن كذلك أن الملائكة - ورغم تحفظهم على سلوك البشر ، ورغم علمهم بأن البشر لن يعبدوا الله حق عبادته .. إلا أنهم سجدوا جميعاً لأبي الإنسانية – آدم عليه السلام - امتثالاً لأمـر الله عز وجل " اهـ(34) وحول هذه المسالة نقول : إنّ الإشارة إلى التساؤل ومن ثم الاستغراب إلى الاستهجان ومنْ ثمّ التحفظ منْ قبل الملائكة – وقد أوضح الأستاذ أبو بكر فيما بعد إنّ التحفظ هنا هو على سلوك البشر لا خلقهم – على سلوك البشر لا يتناسب ومكانة الملائكة وما علمناه عنهم من القرآن والسنة النبوية الشريفة ، فهناك فرق واضح في المفهوم ودلالات اللفظ بين المفردات السابقة الذكر ، فأنْ نقول تساءلت فهذا مقبول لأنّ الله تعالى أخبرهم عن أمر فتساءلوا عنه بإذن الله تعالى ، و أمّا أنْ نقول أنّها استغربت فهذا غير معقول بحقهم ، وأنْ نقول استهجنت فهذا لا يجوز ، فكيف تستهجن الملائكة أمر أصدره الله تعالى , ومن المعلوم ما يدل عليه لفظ استهجان والذي يعني ما معناه أنّ هذا الأمر غير مقبول ومستنكر من طرف من ارتكبه ، وهذا تأويل لآية " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (سورة البقرة آية 30) وقد جاء هذا السؤال من الملائكة على وجه الاستعلام والاستخبار – هذا ما يؤكده القرآن الكريم وصفات الملائكة -لأنّ الأمر ليس من عندهم بخبر خلق آدم عليه السلام ، وحتى لفظ التحفظ وإنْ كان على سلوك البشر فهذا يعني عدم رضا الطرف الآخر والذين هم الملائكة ، وبما أنّ الإخبار عن الخلق جاء قبل أنْ يخلق آدم عليه السلام بدليل قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " (سورة البقرة آية 30) وأيضًا قوله تعالى " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) " (سورة ص الآيات 71-72) فهل الملائكة الكرام سيتغربون ويستهجنون ويتحفظون على أمر الله ؟ إنّ السياق العام لقصة الملائكة هنا لا يقر بهذا التأويل بل يخالفه ، بل إنّ هذا التأويل يشي بأنّ الملائكة الكرام لهم حق إبداء الرأي وحرية القول والتعقيب على أمر الله ، لأنّ من يتحفظ ويستهجن ويستغرب – وهذه المصطلحات كلها تأتي على وجه الإنكار والاعتراض على أمر ما – يعني أنّ له حرية القول وإبداء الرأي ، وهذا التأويل لا مكان له في عالم الملائكة لأنّه يعطي مفهومًا مغايرًا لما هم عليه في الحقيقة وكما أخبرنا الله ورسوله ، قال تعالى عن الملائكة " وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ "( سورة الأنبياء الآيات 19-20 ) وقال أيضًا " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)" (سورة الأنبياء الآيات 26-27-28 ) وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " ( سورة التحريم آية 6 ) وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنّه سلسة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير " (35) والآيات والأحاديث كثيرة في هذا الباب ، فهل منْ يتصف بهذه الصفات يتحفظ ويستغرب ويستهجن ؟ .
3- وبخصوص إبليس نجد تأويل عقلي أجاب وقرر عن مراد الله تعالى إذ نجد "لا شك أن إبليس كان من الجن - كما ورد في القرآن الكريم . وأعتقد أن حضوره أو تواجده ضمن الملائكة - أثناء أمر الله لهم بالسجود -لآدم - إنما كان ذلك لكي تشهد الملائكة عصيانه لأمـر الله ، ولتعلم سر وبداية عدائه للإنسان . " اهـ (36) . ويتابع التحليل العقلي المجرد مجراه لنصل إلى درجة أنّه يقرر حقيقة أخرى مفادها أنّ كل ما حصل كان " وإثباتاً عملياً للملائكة بأن ما يجعل الكون يسير وفق نظام ثابت متزن - دون أدنى خلل - إنما هي وحدانية الله وتفرده بالحكم والملك ، وعدم وجود شريك له في الكون ؛ بدليل أنه حتى المخلوق الضعيف عندما امتلك قراره وحريته - مؤقتاً -(إبليس)- فقد غوى وتكبَّرَ وعَصَى " اهـ(37) إنّ هذا الأمر يحيلنا إلي سؤال مهم : منْ يستطيع أنْ يجزم بأنّ هذا هو مراد الله تعالى منْ وراء حضور إبليس إلى جانب الملائكة ما لم يكن هناك نصّ صريح من الله تعالى أو من السنّة الشريفة ؟ كما إنّ الاعتقاد لا يكفي وهذا تأويل بعيد جدًا عن الواقع ، فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج لشهادة أحد فيما يفعله ويقرره قال تعالى " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " (سورة الأنبياء الآية 23) فلماذا نؤوّل هذا الأمر وكأن الملائكة تحتاج إلى دليل لتعرف كيف عصى إبليس ربه ، وحتى لو لم تحضر الملائكة الأمر وعصى إبليس ؛ فيكفي أنْ يخبرها الله تعالى بأمره وبأنّه كافر وعاصٍ وينتهي الأمر ، وكأنّ الملائكة أيضًا تحتاج إلى دليل عملي لمعرفة كيف يسير هذا الكون وللتأكد منْ وحدانية الله تعالى وتفرده في ملكه ، وقد يبدو للوهلة الأولى لمن يقرأ هذا الأمر وبدون أنْ يعلم حقيقة الملائكة أنّ عصيان إبليس وكأنّه درس لهم حتى لا يعصوه هم أيضًا ؛ هذا ما يوحي إليه هذا التحليل ، كأنْ يعاقب الحاكم مواطنًا خرج عن طريق الصلاح أمام البقية حتى لا تنتشر عدوى الفساد وليكون عبرة لغيره ؛ ولله المثل الأعلى ، وإلا فما معنى أنْ يكون كل ما حصل إثباتًا عمليًا للملائكة ، ومنْ في هذا الكون كله ؛ ما علمناه وما لم نعلمه يعرف الله تعالى وقدرته ووحدانيته أكثر من الملائكة ، إنّ هذا التحليل الذي أورده الأستاذ أبو بكر لا يعدو عن كونه تحليل فلسفي عقلي لا حجة تسنده ولا دليل يثبته ، وهنا لا يكفي الاعتقاد لتقرير أمر هو في علم الله سبحانه وتعالى , فلا يعلم الغيب إلا هو سبحانه وتعالى .قال تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" ( سورة المائدة الآية 116) ، فهل نعلم نحن مراد الله عز وجل وبالعقل الذي هو الرأي في المحصلة النهائية .
4- ويصل التحليل في نهايته إلى القول أنّ كون إبليس قد وصل بإخلاصه في عبادته إلى مرتبة الملائكة هو قول غير مقنع لعصيانه المفاجئ إذ يقول " إبليس كان من الجن وكان حاضراً عندما أمـر اللهُ سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم ، هكذا يُخبرنا القرآن الكريم والتفسير الذي ساد -أو ربما لا يزال سائداً عند البعض - أن إبليس من الجن ولكنه كان يعبد الله بإخلاص حتى وصل مرتبة الملائكة في طاعتهم لله ، الأمر الذي مكّنه من التواجد بين الملائكة أثناء أمر الله لهم بالسجود لآدم هذه وجهة نظر وتفسير البعض لهذا الأمـر .! وأنا لا أعتقد بصحة هذا التفسير ، لسبب بديهي ومنطقي وهو أن الطاعة التي تصل بالعبد إلى مرحلة الملائكة لا يمكن أن تؤهله إلى عصيان مفاجئ بحجم عصيان إبليس .! " اهـ(38) .
إنّ الاعتماد على المنطق والبديهيات في أمور غيبية لا يأتي بفائدة تذكر ، بل قد يضيع الإنسان في متاهات العقل ، وعندما يحكم العقل على النصّ فإنّ الأمور قد تدخل في مجال التأويلات الغيبية والتي تبتعد في رؤاها عن المنطق الذي يقول لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، فإذا كنّا لا نعتقد بصحة التفاسير التي تقول خلاف هذا القول ؟ فما هو الكلام المقنع حول هذا الأمر ؟ و يبدو أنّ البعض يذهب إلى مساواة إبليس بالملائكة في كل شيء ؛ وهذا يخالف النصّ القرآني أصلًا ، وأيضًا لماذا يكون من المستحيل أنْ يعصي الله تعالى من كان مخلصًا في عبادته ؟ فقد يكون المخلوق مطيعًا ثم يعصي ، أليست الأعمال بخواتيمها ؟ وقد ضرب لنا الله مثلًا لمن كان عابدًا مخلصُا ثم أطاع هواه فعصا الله عز وجل ، فقال تعالى " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)" (سورة الأعراف الآيات 175-176) فما وجه العجب في موقف إبليس وهو المخيّر بعكس الملائكة المسيرة بأمر الله تعالى ، وما المانع في تواجده معهم رغم أنّه ليس من جنسهم ؟ وإذا كان هذا الاستنتاج غير صحيح ، فالأمر الآخر يقول باستحالة وصول أي مخلوق لمرتبة الملائكة في كل شيء ، وهذا صحيح ؛ لكن السؤال المطروح ما دلالة وجود إبليس مع الملائكة عند الأمر بالسجود إذا لم يكن قد وصل إلى مرتبة عالية من الإخلاص في الطاعة ، إذا لم يكن كذلك ، ما هي الرؤية البديلة لهذا التواجد ، في الواقع إنّ ما نجده من إجابة هو في الرد السابق – رقم 3 – والذي يقول إنّ إبليس تواجد ليعصي ربه أمام الملائكة ولتشهد هي ذلك الأمر ، وقد سبق القول في هذا الأمر ، وهذا التأويل لا يصح إطلاقًا لخلوه من الدليل أولًا ، وثانيًا لأنّه يخبر عن مراد الله بما هو في علم الغيب ، وهذا محال على البشر – وقد تقدم القول في هذه المسألة - كما إنّه يفتح باب الاعتقاد والتحاليل على مصراعيها وبأنّ هذا الأمر قد دبّر سلفًا ؛ وهذا ما ذهب إليه البعض؛ ومنهم صادق جلال العظم في كتابه " نقد الفكر الديني " وفي أحد فصوله خصص فصلًا أسماه " مأساة إبليس " وغيره كثر ممن سار على هذا الدرب ، وهذا يعني أنّهم حصروا المشيئة الإلهية في حضور إبليس منْ أجل أنْ يهبط سيدنا آدم عليه السلام إلى الأرض وتبدأ الحياة والتكليف للبشر، وهذا هو عين الكفر منهم ، وهذا ما نستبعده عن الأستاذ أبو بكر؛ وأقول إنّما هو تأويل واجتهاد خاطئ منه .
5- والنقطة الأخيرة في هذه المسألة تضعنا أمام سؤال آخر مهم إذ نقرأ " أما عن إبليس (الشيطان) ، فإننا نعلم من خلال ما ورد في شأنه في القـرآن الكريم .. أنه قد بَـاءَ بغضب الله واستحق لعنته .. ولم يكن ذلك بسبب تهاونه في العبادة ، ولا كفـرٍ منه ولا شركٍ بالله ، ولم يكن بسبب قتل النفس التي حـرّم الله قتلها بغير الحق ، ولم يزنِ ، ولم يخن أمانة ، ولم يبع وطناً ، ولم يأكل الربا ولا لحم الخنزير ولم يشرب الخمـر ، ولم يظلم أحـداً ..! ولكن .. كان من إبليس أن تساءل عن أحقية آدم في سجوده له . وكان تساؤله مصحوباً برفضٍ للسجود - متجاهلاً أنه بذلك يكون قد رفض أمـر الله- بغض النظر عن المُـكـرّم بالسجود .. والذي كان- حينها - آدم عليه السلام" اهـ(39) وهذه النقطة بالذات ورغم أنّ الأستاذ أبو بكر قد أوضح مقصده منها فيما بعد ، حيث قال لا شك بأنّ إبليس كافر ، لكن هذا الاستدراك يأتي متأخرًا ، فلو لم يفتح الموضوع حول هذا النصّ وبعد مدة طويلة من إدراجه ؛ لواجهنا السؤال الآتي: كيف يمكن أنْ يفهم إنسان ما قرأ هذه الفقرة عن إبليس وبهذا اللفظ .. لم يكن بسبب كذا وكذا إلى أنْ يصل إلى " .. ولا بكفر منه لا شرك بالله " ؟ إنّ هذا الأمر قد يعيد خلط المفاهيم عند البعض ، بحيث قد يصل إلى وضع إبليس في خانة المجتهد الذي اجتهد برأيه في مسألة رأى أنّه محق فيها ، ولعلّنا لو رجعنا إلى أهل العلم والتفسير لما وجدنا هذا اللفظ إطلاقًا ، ولو أدرجت العبارة السابقة بدون الفقرة التي أشرنا إليها لكانت المسألة في سياقها الصحيح ، وكما هو معلوم فإنّ إبليس كفر بمجرد رفضه للسجود ، ونال بناءً على فعله غضب الله عز وجل وسخطه .
3- خلق آدم
إنّ خلق آدم معلوم للجميع من القرآن والسنة الصحيحة ، وليس لدينا أدنى شك بكل التفاصيل التي رافقت ذلك ، إنّما الخلاف هنا حول أمر نجده غريبًا ، وقد تصدى الأستاذ أبو بكر لهذا المسألة وخرج منها بتفسير وتأويل لا يتفق مع صحيح الكتاب والسنة ، ولا يتفق مع صريح ما هو معلوم ومفروغ منه ، ولقد قرأت نصّه أكثر من مرة ، وحاولت أنْ أجد ما يبرر قراءته تلك ؛ فلم أوفق إلى ذلك ، وفي هذا النصّ نجد تعريفًا للبشر والإنسان وآدم وتقسيمها إلى مراحل مر بها المخلوق الأول الذي خلقه الله تعالى ألا وهو آدم عليه السلام ، فنقرأ في التحليل ... " أشار أحد علمائنا الأفاضل – ذات مرة ولو بإيجاز.. إلى هذه الكلمات – بشرية ، آدمية ، إنسانية - إلى أنها تشير إلى مراحل خلق الإنسان قال تعالى( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) السجدة آية 7 وقد قمت بهذا البحث والتحليل الموجز حول هذا الموضوع فوجدت أن كلمة بشر هي بالأساس وصف دقيق للمرحلة الابتدائية- الأولية – من مراحل خلق الإنسان ...الخ " اهـ(40) وبعد أنْ يورد عدة مدلولات لمعنى كلمة بشر نجده يتوقف عند مسألة مهمة ؛ الغرض منها إثبات صحة ما ذهب إليه إذ يقول " ولو تتبعنا صفة بشر – في القرآن الكريم – لوجدنا أنّها كلما وردت بصورة اعتيادية فإنها تحط وتنقص من قدر الإنسان " اهـ(41) ويستشهد للتدليل على صحة قوله بآية وردت في سورة يوسف برقم 31 والتي تتحدث عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن لما رأوا من جمال سيدنا يوسف عليه السلام ، وبآية أخرى وردت في سورة التغابن رقمها 6 والتي تتحدث عن الرسل ووصف أقوامهم لهم بأنّهم بشر وهذا للاستدلال على أنهم عافوهم واستكثروا عليهم شرف الرسالة لمجرد أنهم بشر ، ثمّ يضع كلمة بشر المجردة تحت مجهر العقل ليستدل على صحة ما يقرره فيصل إلى نتيجة مفادها " ولو وضعنا كلمة بشر المجرّدة - تحت مجهر العقل - ...- إلى أن يصل - ولا نستفيد من البشر إلا عمله وعلمه إذا كان صالحًا – وحينذاك لا يقال عنه بشر ، فالبشر هي المرحلة التي كان خلالها الإنسان ضعيفًا ومجردً من العقل والمعرفة " اهـ(42) ، والكلام هنا كما هو واضح جمع بين التأويل والتفسير؛ وهو خطأ محض وقع فيه الأستاذ أبو بكر ، فلا الآية الكريمة التي استدل بها تفيد هذا الكلام ، ولا كلمة البشر تدل على ما ذهب إليه منْ أنّها كلما وردت بصورة اعتيادية تنتقص وتحط من قدر الإنسان؛ مع أنّه لم يوضح ما هي تلك الصورة الاعتيادية ، وأيضًا فليس صحيحًا أنّ الإنسان إذا كان عمله وعلمه صالحًا لا يقال عنه بشر " قال تعالى عن الرسول صلى الله عليه وسلم " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "(سورة الكهف آية 110) وهذا يناقض تمامًا كل ما قيل سابقًا ، وأيضًا فإنّ كلمة بشر وردت في القرآن الكريم 37 مرة في 23 سورة – على حسب علمي - ولم يرد فيها ما يشير إلى أنّها تحط وتنتقص منْ قدر الإنسان ، والاستشهاد بالآية الكريمة في سورة يوسف لا يدل إطلاقًا على أنّ فيها انتقاص وحط من قيمة الإنسان ، فكما هو واضح من سياق النصّ القرآني أنّهم – أي النسوة – استكثروا جمال سيدنا يوسف عليه السلام أي أعظموا جماله وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة الإسراء والمعراج " فإذا أنا بيوسف عليه الصلاة وإذا هو قد أعطي شطر الحسن" (43) كما إنّ الآية الأخرى لا تدل على ما ذهب إليه هذا التحليل ، ولو تتبّعنا معظم السور التي ذكر فيها كلمة بشر مع الرسل وأقوامهم لوجدنا أنّها لا تنتقص منْ قيمتهم ؛ بدليل أنّ أقوامهم كانوا يقولون لهم إنّكم بشر مثلنا في كل الآيات التي كان الحوار فيها بين الرسل عليهم السلام وبين أقوامهم ، فهل سينتقصون من قيمة الرسل لأنهم بشر مع أنّهم وصفوهم بأنّهم مثلهم ، ولا فضل لهم عليهم أو مزية ، ومثال ذلك قوله تعالى " فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا" (سورة هود الآية 27) وأيضًا " قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا " (سورة إبراهيم الآية 10) وأيضًا " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " (سورة إبراهيم الآية 11) وأيضًا " أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً " (سورة الإسراء الآية 93) و " لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" (سورة الأنبياء الآية 3) وأيضًا " فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ" (سورة المؤمنون الآية 24) و " مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ" (سورة الأنبياء الآية 33) و " فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ "(سورة الأنبياء الآية 47) – هذه الآية الوحيدة التي ذكّر فيها لفظ ِبَشَرَيْنِ والمقصود موسى وهارون عليهما السلام - و" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ" (سورة الأنعام الآية91) و" وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ " (سورة المائدة آية 18) ولو راجعنا باقي الآيات لوجدنا أنّها لا تختلف عن بقيتها منْ حيث المدلول ، ولا دليل أيضًا يثبت أنّ البشر كانوا منْ غير عقل ومعرفة في البداية ، وقد قرر أهل العلم أنّ العقل الصحيح لا يعارض النقل الصريح ، وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله "لا تعارض البتة بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح ، وإذا وجد ما يوهم التعارض ، فلا يخلو الحال من ثلاثة أمور ؛ إمّا أنْ يكون العقل غير صحيح ، وإمّا أنْ يكون النقل غير صحيح ، أو يكون المستدل به قد غلط في استدلاله " اهـ(44) لذا فقد كان من الأفضل والأسلم أنْ يراجع هذه المسألة بدقة ، وأنْ يرجع إلى النصّ القرآني و علم من سبقنا ومنْ عاصرنا أيضًا، ونقارن ونحلل ؛ ومن ثمّ نجتهد ونؤوّل بناء على الحقائق الواضحة التي لا تخالف صريح الكتاب والسنة ، كما أنّه من المفيد التذكير بأنّ هذا الطرح ليس بجديد ، فقد سبق للدكتور عبد الصبور شاهين وأنْ ذكر كل ذلك- ولا أعلم أحدًا ممن يدعى عالم فاضل ويدّعي العلم الشرعي قد سبقه إلي مثل هذا الأمر باستثناء داروين والذي ليس من أهل العلم أصلًا- وما سيأتي لاحقًا بخصوص هذه المسألة في كتابه " أبي آدم " والذي احتوى على مغالطات تكاد تكون بحجم صفحاته وأكثر ، فهو في بداية الكتاب يذكر " ونحن بادئ ذي بدء – نقرر أنّ التناقض بين القرآن وما توصل إليه العلم من حقائق نهائية مستحيل ، وإنّما التناقض من جهة أنّ العلم لم يستقر بعد على بر الحقيقة الكاملة " اهـ(45) ومع ذلك يخوض في تأويل النشأة إذ يقول عن هذه المسألة أي العقل والمعرفة " أنّ البشر كان في المراحل الأولى بلا سمع ولا بصر ولا فؤاد تمامًا كما هي حال المولود حين يخرج من بطن أمه ، لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل لانعدام الحاجة إلى هذه الأدوات في المرحلة الأولى من الوجود "اهـ (46) ويقول أيضًا بالنسبة لكلمة بشر " فكل إنسان بشر ، وليس كل بشر إنسان "اهـ (47) ثمّ يضيف في مكان آخر " ويأتي بعد ذلك الحديث القرآني الثاني عن الإنسان ، فإذا هو لا يذكره بلفظه بل يستخدم لفظ آخر يدل عليه وهو البشر "اهـ (48) ويتابع في تحليلاته إلى أنْ يقول " لقد خلق الله البشر أطفالًا أو كالأطفال بلا أسماع ولا أبصار ولا عقول ، ثم جعل لهم هذه الأدوات في مراحل التسوية المتطاولة " اهـ(49) وهذا الكلام إذا ما استثنينا منه ذكره لكلمة " الأطفال " نجده طبق الأصل عن الصورة التي بين أيدينا ، وقد جاء بلا دليل ومخالف للنصّ القرآني منْ حيث المعنى والمدلول ، فكلمة إنسان وبشر وآدم كلها تدل على لفظ واحد ، قال تعالى مخاطبًا مريم عليها السلام " فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً " (سورة مريم الآية 26) فكيف نوفق حسب هذه التأويلات بين كلمة بشر وإنسي في هذه الآية الكريمة ؟ وما هذه التقسيمات إلا لغو لا فائدة منه ، فهل خلق الله تعالى البشر بلا عقول ولا إفهام ولا معرفة ابتداءً ؟ إذا كان الجواب على ذلك نعم وهذا ما يذهب إليه أهل التحليل العقلي ، فلماذا لم يذكر القرآن ذلك بصريح العبارة ، ولماذا لم يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال " خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعًا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك : نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا وعليك السلام ورحمة الله ح فزادوه ورحمة الله "اهـ (50) قال أهل العلم أي على صورة آدم التي كان عليها منْ مبدأ فطرته إلى موته، قال تعالى " لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " (سورة التين الآية 4) وهذا أيضًا يجعلنا نتساءل عن المدة التي كانت تفصل بين المراحل التي مر بها الإنسان منْ بشر إلى آدمي إلى إنسان ، فالدكتور عبد الصبور يذكرها بملايين السنيين إذ يقول " ثمّ تأتي السورة الثامنة والثلاثون (الأعراف ) للتحدث عن الخلق والتصوير (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) وهما مرحلتان في عمر البشرية ، لعلّهما استغرقتا بضعة ملايين من السنيين ، والتصوير هنا يقابل التسوية في مواضع أخرى ، ومع ملاحظة استعمال الأداة (ثمّ) التي تفيد التراخي بين الأمرين "اهـ (51) ( وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المؤلف عبد الصبور قد اعتمد على الترتيب في نزول القرآن الكريم في كتابه ) ، والنصّ الذي بين أيدينا – عند الأستاذ أبو بكر - لا يذكر شيئًا عن تلك المدة .
ويستمر التحليل في إثبات تلك المراحل بين المسميات الثلاث ، فنجد بعد مرحلة البشر ذلك الآدمي ؛ وهي المرحلة التي تصنف وفق تأويل الأستاذ أبو بكر واجتهاده بأنّها تلك التي علّم الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام الأسماء كلها؛ وتفوق فيها على الملائكة وهي مرحلة الآدمية فيقول " وهنا تأتي مرحلة الآدمية ... وهي المرحلة التي كرم الله سبحانه وتعالى – فيها - آدم بالعقل والمعرفة حيث تفوق على الملائكة – بأنّ أنبأهم بأسمائهم – بإذن الله – وقال حينها الحق لملائكته ألم أقل لكم إنّي أعلم ما لا تعلمون ( يقصد عن البشر هنا) . "اهـ (52) أي إنّ الملائكة وبناءً على ما تقدم سجدت لسيدنا آدم عليه السلام وبعد أنْ تفوق عليهم وأصبح آدمي ؛ لا بشر ؟ وهذا التحليل نجده أيضًا عند الدكتور عبد الصبور مع فارق بسيط بين الاثنين وهو أنّ هذا الأخير يذكر أنّ "الإنسان"الذي سجدت له الملائكة لا " الآدمي" ؛ وأنّ هذا الأمر استغرق مرحلة موغلة في القدم ليستخلص بعدها أنّها – أي تلك المدة – " تسوي ذلك المخلوق وهو جنس (البشر) ثمّ تزوده بنفخة الله الروحية ، ليكون عندئذ ( الإنسان ) الذي تسجد له الملائكة " اهـ(53) وهذا التأوّيل وما عند الأستاذ أبو بكر يخرج عن سكة المنطق والعقل ، و فيه تناقض واضح مع سياق النصّ القرآني ، إذ كيف يمكن أنْ نحكم على مرحلة البشر وبأنّها من غير عقل ومعرفة ونؤكد في الوقت ذاته أنّ تلك المرحلة بعينها التي قصد بها الله تعالى البشر ، فعلى هذا فإنّ التأويل يقول إنّ الله خلق بداية البشر من غير عقل ومعرفة ومن ثمّ تركه هكذا – ولا نعلم كم هي المدة - وبناءً عليه حكمت الملائكة بأنّه غير جدير بالاستخلاف في الأرض ؛ ولذلك تساءلت واستغربت ثمّ استهجنت إلى أنْ تحفظت على سلوكه ، - وقد تقدم ذكر هذه المسألة – فهل منْ دليل على أنّ الله تعالى " يقصد " من وراء كل ذلك ما تم تأويله هنا ، على أنّ التحليل يستمر عند الأستاذ أبو بكر ليصل إلى نتيجة تقول إنّ هذه المرحلة – أي الآدمية – هي تلك المرحلة التي استكبر فيها إبليس ورفض السجود وعصى ربه ، وهي نفس المرحلة التي عصى فيها آدم ربه وأكلا من الشجرة ، أي أنّ آدم عليه السلام أكل من الشجرة في المرحلة الآدمية لا في مرحلة البشر ، وفي هذه المرحلة – أي الآدمية – عصى ربه هو وزوجته فبدت لهما سوءاتهما " أي أنهما عادا إلى مرحلة البشر.. مرحلة الجسد المجرد من حكمة العقل وجماله ، وسمو النفخة الإلهية " اهـ(54) وهذا الأمر لا يحتاج إلى نقاش لأنّه يناقض نفسه بنفسه.
وبعد كل ما سبق تأتي المرحلة الثالثة أي – الإنسان- فيقول " فمرحلة الإنسانية تعني بلوغ ابن آدم مرحلة حمل الأمانة وجدارته بها .. وسعيه باتجاه الكمال والسمو بدافع من المعرفة – النابعة من نفخة الروح الإلهية فيه ..-ليصل إلى -... أن كلمة إنسان وإنسانية تأتي دائمًا مع كل أمر يتعلق بالحرية والعزة والحقوق المعنوية وكل ما يتعلق بالشرف والأخلاق والرفعة الإنسانية .. – وحتى قوله – إنما تستخدم كلما تعلق الأمر بالحقوق المعنوية والتطور والتحضر والتقدم والأخلاق والمثل والقيم النبيلة " اهـ(55) وهنا ينتهي التحليل بالنسبة لمراحل خلق الإنسان ، فماذا يقول عبد الصبور شاهين في هذا الأمر ؟ إنّه يعيد ترسيم الحدود – المراحل – ليصل إلى المرحلة الثالثة ذاتها مع فارق بسيط " ثمّ جاءت المرحلة الثالثة للهندسة الداخلية ، وهي المتمثلة في تزويد المخلوق السوي بالملكات والقدرات العليا ، التي هي جوهرها العقل ، والحياة الاجتماعية ثمرة العقل ، واللغة وسيلة الاتصال بين أفراد المجتمع من العقلاء . وبذلك يكتمل مشروع بناء الإنسان ، فكان آدم هو أول إنسان وطليعة سلالة التكليف بتوحيد الله وعبادته "اهـ(56) والفرق الواضح بين هذه التحاليل جميعها أنّ الأستاذ أبو بكر يحدد المراحل الثلاثة بترتيب ( بشر وآدمي ومن ثمّ إنسان ) أمّا عبد الصبور فيرتب المراحل ( بشر و إنسان ومن ثمّ آدمي ) وهذا كله ليس له نصيب من الصواب لأنّه مخالف لنصّ القرآن وقصة خلق آدم عليه السلام ، إضافة إلى ذلك نجد أنّ الأستاذ أبو بكر يقرر أنّ كلمة بشر تأتي بصورة اعتيادية كلما تعلق الأمر بالحط والتنقيص من قدر الإنسان- مع أنّه لم يخبرنا كيف تكون هذه الصورة - بينما العكس يحصل عندما نرى الاستخدام لكلمة إنسان على حد تعبيره ، ولكن في كتاب الله تعالى نجد أنّ كلمة إنسان تذكر أحيانًا وفيها ذم للإنسان؛ بعكس كلمة بشر التي لم تتعرض له في شيء ، ومثال ذلك نجد في الآيات الآتية " وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (سورة يونس الآية 12) و" وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" (سورة هود الآية 9) " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22)" (سورة المعارج الآيات 19-20-21-22) و " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)" (سورة العصر الآيات 1-2 ) و " وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً " (سورة الإسراء الآية 11) و " وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً " ( سورة الإسراء الآية 67) و " قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً" (سورة الإسراء الآية 100) هذه الآيات وغيرها كثير تتحدث عن الإنسان وتقدح به وبطباعه فهل ورد في كلمة "البشر" ما يدل على هذا الأمر كما تفضل الأستاذ أبو بكر؟ إنّ هذا التأويل حقيقة فيه أشياء غريبة ، ولعلّنا إنْ وقفنا كتلاميذ وطلاب علم أمامه ، فمن حقنا أنْ نتساءل : كيف يمكن أنْ يصل العقل إلى هذا الاستنتاج وكيف يمكن أنْ يُقْنع به الآخرين ؟ ومن الملاحظ هنا أنّه استشهد بــ 9 آيات موزعة على 9 سور ولغة الخطاب والتأوّيل كانت كمن يقرر أمرًا أو اكتشف علمًا كان غائبًا عن أذهان كل النّاس طيلة 1400 عام , وكانت تدعونا للملاحظة والمشاهدة وكأنّها أمر واقع لا شك فيه ، وهذا ما يخالف التفسير التأويل وفي أبسط تعريفاته وشروطه ؛ بل إنّه خرج عنهما وبشكل واضح لا شك فيه ، فالتحليل الذي اعتمد عليه إنّما هو في الحقيقة مجرد إدراج للآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر كلمة بشر وإنسان وآدم ، وهذا لا يعوّل عليه إطلاقًا في الحكم على كيفية خلق البشر أو تسويتهم ؛ لأنّه مجرد افتراض لا يدعمه دليل ولا برهان .
5- طرق إثبات الإيمان
الإيمان وشروطه معروفة للجميع ، وكما جاء في حديث جبريل عليه السلام عن عمر بن الخطاب رضيّ الله عنه وأرضاه " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ن إذ طلع علينا رجل شديد البياض لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) قال : صدقت : فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال ( أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أنْ تعبد الله كأنك تراه ، فإنْ لم تكن تراه فإنه يراك ) إلى آخر الحديث (57) والإيمان الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرتكز على ثلاثة أركان هي : اعتقاد القلب وقول اللسان و عمل الجوارح ، و إذا فقد واحد منهما بطل الإيمان منْ أساسه ، فلا معنى لواحد منها دون اعتبار الآخر ، ولا يأتي كل ذلك منْ فراغ ، فالمؤمن عندما يعرف ربه حقيقة المعرفة ويسلم له في كل شيء ، ويدرك بفطرته وعقله آيات الله في هذا الكون ، وأنّه خالقه ومدبره ، فلا شك بأنّه سيسلم أمره لله وهو على ثقة ويقين بأنه يسير على طريق الحق.
على أنّ البعض يحاول أنْ يعرف أكثر ويستزيد في تقوية إيمانه فيلجأ إلى الاستشهاد بأمور يعتقد أنّها دليلًا مشروعًا على ما يعتقد ، ويقرر أنّها حجة له في ما ذهب إليه ، فالإيمان برأيه لا يعني امتلاك السر ونهاية الشك ؛ فيستشهد بآية كريمة في كتاب الله كما فعل الأستاذ أبو بكر ويعتقد أنّها مثالًا حيًا على مشروعية ما يقول فنجد ما يلي " ليس صحيحاً القول بأنّ الإيمان يعني امتلاك السـر ونهاية الشك، أو إنّ المسلم لا يحق له البحث في المجهول أو طلب المعرفة الصريحة .. بحُجّة أنه لم يؤتَ من العلم إلا قليلا، وأنّ عليه البقاء حيث هو .. منذ أربعة عشر قرناً .!( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 260 .هذه إشارة إلى حق الإنسان في طلب البرهان الذي يطمئن به قلبه – بعد إيمانه !. " اهـ(58) و هذا السؤال في هذه الآية الكريمة قد تم ربطه بموضوع فلسفي لا علاقة له البتة فيما يريد أنْ يثبته وذلك لعدة أمور منها :
1- إنّ هذا التساؤل لا يصح أنْ نستشهد به ؛ لأنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام لم يشك حين طلب ذلك من ربه عز وجل ، ولم يطلب برهانًا يتوقف عليه إيمانه ؛ لأنّه كان مؤمنًا خالص الإيمان قبل أنْ يطلب ذلك ، و كان يعلم علم اليقين أنّ الله سبحانه وتعالى يحي الموتى ، وقد ذكر ذلك في الآية رقم 258 من نفس السورة ، حينما قال لمحاوره – بصرف النظر عن اسمه هل هو النمرود أم غيره - " إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ " وإبراهيم عليه الصلاة والسلام نبي ومبلغ عن ربه ، ومن يبلغ رتبة النبوة لا يشك إطلاقًا في الله وقدرته .
2- سؤال سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان " بكيف تحي الموتى" أي أنّه يعلم علم اليقين أنّ الله تعالى يحي الموتى ، ولكنه أراد أنْ يرى بأم عينه كيف يحي الموتى، و أراد منْ ذلك أنْ يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين وأنْ يرى ذلك مشاهدة .
3- هناك علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين ، فالأولى هي ما في كتاب الله تعالى وما أخبرنا به منْ جنة ونار وحساب ..الخ ويتوقف عليه صحة أو عدم صحة إيمان المرء من الأساس ، وحق اليقين هو ما سنراه فيما بعد منْ هذه الأخبار التي أُخبرنا بها ، فنعلم أنّها حق كما جاء خبرها ، وعين اليقين هي حين ندخل في ما تم إخبارنا به ، فمن صدق بوجود الجنة فهذا علمه يقين ، وحينما يراها في الآخرة فهذا هو حق اليقين الذي أُخبر به ؛ وحينما يدخلها بإذن الله تعالى ويتمتع بها فهذا هو عين اليقين ولنقرا سورة التكاثر فنعلم كل ذلك .
4- ليس ركنًا ولا شرطًا من شروط الإيمان رؤية إحياء الموتى ، فيكفي أنْ نعلم أنّ الله تعالى يحي الموتى وأنْ نتفكر في هذا الكون ومعجزات الله فيه ، فيرتقي إيماننا إلى علم اليقين بوجود كل ذلك
5- قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين " نحن أحق بالشك منْ إبراهيم إذ قال ربّ أرني كيف تحْي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " (59) و أهل العلم والتفسير أجمعوا على أنّ قوله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك من إبراهيم ؛ أي يستحيل الشك بحق إبراهيم عليه السلام ، واعلموا أنّ إبراهيم لم يشك ؛ وإنّما طلب لمزيد اليقين ، ولو كان شك لكنا نحن أولى بالشك منه ، وإنّما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعًا وأدبًا ،وقد قيل وقبل أنْ يعلم صلى الله عليه وسلم أنّه خير ولد آدم ، وحتى لو لم نرجع إلى أهل العلم في هذه المسألة ؛ فهل رسولنا صلى الله عليه وسلم سيشك في ذلك؟ قطعًا لا ، ويستحيل على العقل والمنطق التسليم بمثل هذه الفرضية .
أمّا القول .." إذًا ، هو ذات السؤال الفلسفي المطروح من غير المؤمنين ، نجده مشروعًا عند المؤمنين ومطروحًا منهم جنبًا إلى جنب مع إيمانهم .. أي طلب الإنسان حقه لحقه المنطقي ..الخ " اهـ(60) فهذا أيضًا مخالفًا للعقل والمنطق والصواب للأسباب التالية :
1- لا يمكن أنْ نقارن سؤال فلسفي بطلب سيدنا إبراهيم ، لأنّ سؤال سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا علاقة له بالفلسفة .
2- لو رفض طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام ، لبقيّ على إيمانه الراسخ ، أمّا الآخر الذي هو جنبًا إلى جنب معه - أي صاحب السؤال الفلسفي - فسيبقى على كفره ، فالأول مؤمن خالص الإيمان ، والثاني ليس مؤمنًا ، والأول كان في طلبه مالا يتوقف عليه صحة إيمان الإنسان ، بل زيادة في الإيمان ، والثاني طلب شيئا يعتقد أنّ صحة الإيمان لا تتم إلا به .
3- سبق وأنْ رأى أقوام قبلنا إحياء الموتى فلم تنفعهم تلك الرؤية بل ازدادوا كفرًا ، ولنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع بني إسرائيل عبرة ، وذلك عندما طلب الله منهم أنْ يذبحوا بقرة ، فذبحت البقرة في النهاية ؛ و رأوا بأم أعينهم كيف أحيا الله القتيل ودل على قاتله ، ولم ينفعهم ذلك ، بل زادوا كفرًا وعنادًا وفي ذلك يقول الله تعالى "فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " (سورة البقرة الآية 73) .
4- إنّ طلب زيادة الإيمان - كما هو عند سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام – يكون لمن استوفى الشروط الإيمانية كاملةً، وآمن فعلًا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و بالقدر خيره وشره ، وفي حالة رفض طلبه والذي هو آية على قدرة الله تعالى ، فلا ينقص ذلك منْ إيمانه مثقال حبة خردل ، وهذه الآية المعجزة لا ينبغي لكل سائل أنْ يحتج بها في طلب الإيمان ، لأنّه لم يدخل الإيمان إلى قلبه أصلًا ، ولأنّه يشترط ما لا يمكن إحقاقه إلا بمعجزة ، وقد يحقق الله تعالى المعجزة لمن أراد منْ خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
5- إنّ المقدمة التي ترتبت على هذا " البرهان على حسب تعبير الأستاذ أبو بكر " موضوع النصّ قد بُنيّ عليه نتائج لها علاقة بالفلسفة فالقول " أليس هذا هو هدف وغاية كل من الفلسفة وما يعرف بعلم الكلام ، لماذا تكميم الأفواه وتقييد العقول والحجر المضروب على الفكر .. إذًا .. ولماذا لا تكون الفلسفة والبحث الفكري والعلمي هي السبيل إلى بلوغ ذلك البرهان "اهـ (61) فهذا لا يتناسب مع مضمون الآية محل الاستشهاد ، فالموضوع كان يتعلق بالدين والإيمان ؛ ثمّ اتجه نحو إثباته بالفلسفة ، وهذا فيه تناقض كبير ما بين البرهان وما ترتب عليه من نتائج، كما إنّ الفلسفة لم تكن موضع نقاش وتحليل في القرن الأول والثاني الهجري ، ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد ختمت ، وتركت ناصعة بيضاء لا تشوبها شائبة ، وقد بلّغ الأمانة وأدّى الرسالة ، ولم يكن لا هو صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضوان الله عليهم ولا كل من أسلم وآمن في ذاك الوقت بحاجة إلى الفلسفة وسقراط وأفلاطون أو أرسطو ( المعلم الأول كما يلقبوه أتباعه) ، ولا أعني هنا أنني ضد الفلسفة ، إطلاقًا ، ولكنني أقول أنّ ربط الآية الكريمة بهذا المطلب الذي انبثق عن فهمها الخاطئ لا يصح، وإقحام الفلسفة في الدين والبحث عن الإيمان وبطرق عقليه معرفية مجردة وبدون ضوابط لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولو أغنت لكانت أغنت أصحابها الأوائل ولكانوا أفلحوا ووصلوا إلى معرفة الله تعالى ونجوا بأنفسهم . (62)
6- هذه الآية بالذات قد تم الاستشهاد بها في موضع آخر ، وكان الاستشهاد في غير محله ، فنجد أنّ الأستاذ أبو بكر يقول في معرض رده حول موضوع إبليس والملائكة وسجودهم لآدم عليه السلام وتساؤلهم حول هذا الأمر " ونحن نعلم بأن الإيمان والامتثال لأوامر الله ، هو مجاهدة ومقاومة للنفس ، فهو لا يحقق زوال التساؤل وانتفاء التحفظ على بعض نقاط الغموض فيما حول المؤمن .. وذلك بسبب طبيعة المخلوقات الفاقدة للكمال ولنا في نبي الله إبراهيم المثل الأعلى وذكر الآية الكريمة موضع البحث " (63) وهنا يبدو واضحًا الخلط بين المفاهيم ، إذ أنّ الموضوع هنا يختلف عن موضوع سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام ، فالموضوع الذي دار حوله الحوار هو إخبار الله تعالى للملائكة بخلق آدم عليه السلام ، والطلب من الملائكة السجود لسيدنا آدم عليه السلام فيما بعد ؛ ومنْ جملتهم إبليس اللعين ، وهذا يختلف وبشكل واضح عن طلب سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فهناك أمر يتوقف على رفضه العصيان ومنْ ثمّ العقاب ، وهنا طلب ورجاء لا ينتج عن رفضه ذهاب الإيمان أو المعصية ؛ ومنْ ثمّ لا يترتب عليه العقاب . بل سيبقى الإيمان ثابتًا وراسخًا مهما كانت نتيجة الطلب . يتبع / الجزء 3

راضي الضميري
16-11-2008, 11:36 PM
تابع / الجزء 2
7-العقاب الإلهي وتفسير آية 17 من سورة الإسراء
طرح أحد الأخوة سؤال حول تفسير الآية 17 من سورة الإسراء وما تعنيه ، وقد تفضل الأستاذ بو بكر وأدلى برأيه بخصوص هذه الآية وفي هذا يقول " سأل أحد الزملاء عن تفسير آية قرآنية .. الإسراء 16 فأجبته بما ألهمني الله سبحانه وتعالى ، .. بما يتطابق تمامًا مع النسق العام للقرآن ، ومقتضيات الإيمان – وفق عقيدة الإسلام ، وبما يتطابق مع العقل والمنطق ، واستدللت بآية من القرآن ، ولكني لم أستدل بآراء السابقين ، فأنا لا أؤمن بان الأمر الذي يتعلق بأولويات وبديهيات الإيمان واللغة والعقل والمنطق .. يحتاج في شرحه وفهمه إلى سندِ من النقل " (64) فكيف فسر الآية ؟ يقول .. " إن القرية استحقت غضب الله وعقابه بأفعال أهلها ، ولكن أفعالهم ومعاصيهم غير معلومة – أي ليست منظورة لمن حولهم – فهم يظهرون للناس الإيمان – خلاف ما يعملون حقيقة ، ..وبالتالي فلو أن الله سبحانه وتعالى دمر هذه القرية بسبب أفعال أهلها – المستترة – التي لا يراها ولا يعلمها الآخرون ، فإن في ذلك ما يربك المؤمنون من حولهم ! لأنهم سيتوقعون ذات المصير دون معرفة السبب !.ولذلك فإن الله سبحانه و تعالى ، يُيسّر الطريق للمترفين من أهل تلك القرية ، لتولي السلطة والقرار فيها ، وهم سيفسقون فيها - والفسق هو الخروج عن أمر الله بإظهار المعصية والمجاهرة بها ( كما قال عن إبليس .. ففسق عن أمر ربه ) وحينها ستكون معاصيهم ظاهرة لمن حولهم من المؤمنين ، وسيتوقعون لهم سوء العاقبة ، ولن يتفاجأوا بتدميرها .وسيفرح المؤمنون بإيمانهم ويتمسكون بصالح الأعمال ،.. حيث سيدركون أن ذلك هو ما أنقذهم من مصير تلك القرية !. ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) هود 117 " (65) وهذا التفسير عليه عدة ملاحظات :
1- من المعلوم للجميع أنّ الله سبحانه وتعالى لا يعذب هذه القرية أو تلك إلا بعد أنْ يبعث لهم رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر قال تعالى "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " (سورة الإسراء الآية 15) وهذه الآية الكريمة تسبق الآية محل البحث والتفسير ، وعند التفسير كان يجب أنْ يؤخذ بها لأنّها توضح بشكل جلي مراد الله وغايته من إرسال الرسل ، قال تعالى " وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ " (فاطر آية 24) وقال عز وجل " إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " (الرعد آية 7) وقال تعالى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " (النحل آية 36) والآيات كثيرة ؛ لذلك فإن الله تعالى لا يبعث الرسول عليه السلام إلا بعد أنْ تكون هذه المعاصي قد ظهرت ، وإلا فكيف يمكن تفسير إرساله الرسل إلى تلك القرى إذا كانت أعمالهم ومعاصيهم غير ظاهرة ، ألن يتساءل النّاس عن ذلك ؟ ألن يقولوا للرسول لماذا أرسلك الله تعالى – وهم لا يعلمون كما جاء في تفسير الأستاذ أبو بكر بمعاصي غيرهم – ما دمنا لم نعص ربنا ؟ لذلك فإن الله تعالى لا يبعث الرسول إلا بعد أنْ تظهر تلك المعاصي والمخالفات من البشر ، وهذه هي الحكمة من إرسال الرسل عليهم السلام ، ومن ثمّ إذا رفضوا دعوة الرسل عليهم السلام يستحقون العذاب ، وهنا فأعمال العصاة ستكون ظاهرة قبل وبعد إرسال الرسل ، بل ستزيد بعد إرسال الرسل وستشتد معارضتهم لهم ، وبذلك يقيمون الحجّة على أنفسهم بعصيانهم واستحقاقهم للعذاب ، وهذا الأمر نجده بوضوح في سيرة جميع الرسل بدون استثناء من قوم نوح هود وصالح ويونس ولوط ...الخ ، فكيف نأخذ بهذا التفسير ولم يذكر الرسل في كل ما تفضل به الأستاذ أبو بكر وجزم أنّ أفعالهم مستترة ، وأيضًا فعندما ظهرت – معاصيهم - لم يكن لرسل الله تعالى أي وجود أو دور ؟
2- إنّ تيسير الطريق للمترفين لكي يتبوءوا مراكز صنع القرار إنّما هو أمر مذكور في التفاسير التي بين أيدينا ، ومعظم التفاسير من أمهات الكتب أجمعت على أنّ كلمة " أمرنا " أي أكثرنا عددهم ، وفي النهاية فإنّ فكثرتهم أو قلتهم إنّما تعني في النهاية أنّهم سيفسقون ويجاهرون بالمعصية نتيجة لتكذيبهم ومخالفتهم لأمر الله ورسله .
3- ومما تقدم يتبين لنا أنّ مقدمة التفسير لا يعتدّ بها لكون الآية الكريمة مرتبطة بإرسال الرسل ، وثانيًا وحتى لو فرضنا أنّ تلك القرية بعينها لم يرسل لها رسول بشكل خاص، فإنّ مجرد العصيان لله تعالى والمجاهرة به سيؤدي لوقوع العذاب والعقاب حتى لو كان هناك مؤمنين بينهم ، وكما جاء في الحديث الصحيح عن زينب أم المؤمنين رضي الله عنها؛ عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيه " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث ، وهذا يعني أن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع ، والله أعلم " (66) وأيضًا حديث عن أبو موسى الأشعري رضيّ الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم " إنّ الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثمّ قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (67).
4- الآية التي استشهد بها - والتي قال عنها إنّما استشهد بها ولم يستدل بآراء الآخرين لأنّ العقل والمنطق ..الخ – هي في سورة هود ، وهذه السورة الكريمة لو تابعنا ما قبل هذه الآية لوجدنا إنّما تتحدث عنْ أقوام عصوا الله تعالى وجاهروا بمعصيتهم ، وقد ذكرهم الله تعالى وذكر أنبيائهم ابتداءً بنوح ومنْ بعده هود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام أجمعين ، ثمّ تأتي الآية الكريمة " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ" (هود آية 100) وبعد ذلك ذكر الآية الكريمة التي تقول " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (هود آية 102 ) فهذه الآيات جاءت لتخبرنا عنْ أهل القرى التي عصت وبغت وجاهرت بكل ما يخالف أمر الله تعالى الذي أمر به على لسان أنبيائهم ، وفي هذه السورة أيضًا يخبرنا الله تعالى بعد ذلك – منْ جملة الأخبار التي جاءت في السورة الكريمة - أنّه لم يظلمهم ؛ بل ظلموا أنفسهم بأفعالهم وبمحض إرادتهم ، ثم يخبرنا كذلك عن الطريق المؤدية إلى الفلاح أو الخسران في الدنيا والآخرة ، وعنْ أجر الصابرين وما أعده للمخالفين ، إلى أنْ نصل إلى الآية الكريمة التي استشهد بها الأستاذ أبو بكر " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " (هود آية 117) فهذا إخبار من الله تعالى بأنّ كل القرى التي أرسل لها الرسل ما كان الله ليهلكها لو كان أهلها مصلحون ، فهذا التسلسل كان يستوجب على الأقل أنْ يذكر ولو باختصار؛ ليعرف السائل عنْ تفسير الآية 16 منْ سورة الإسراء أنّ الله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد أنْ يقيم عليه الحجة ، وبعد أنْ يبعث لهم الرسل ليدعوهم إلى الإيمان ، أمّا أنْ تفسر الآية الكريمة بهذا الشكل وبدون ذكر للرسل مطلقًا ؛ ففيه ما يوحي بأنّ هناك شيئًا جديدًا أضيف إلى تفسير هذه الآية ، وكان غائبًا عنْ أذهان النّاس ؛ وهذا يخالف العقل والمنطق والقراءة الصحيحة ، وحتى منْ ليس لديه علم بالتفسير و التأويل ، فبمجرد قراءته لهذه السورة الكريمة قراءة متأنية في تدبّر وفهم سيعرف كل ذلك ، وهنا يصحّ أنْ نستشهد بالآية الكريمة والتي تقول " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " القمر آية 17) ففيها ما يدعو إلى تدبر القرآن وفهم معانيه والاتعاظ بما جاء فيه، كما إنّ كل كتب التفسير الموجودة بين أيدينا قد أوضحت كل ذلك وأكثر .
8- متفرقات
سنتعرض هنا إلى بعض الأمور التي تعرض لها الأستاذ أبو بكر وعرض رأيه بشأنها ومنها :
1- يقول في نصّ " الفكر يزور العقل في سجون النقل " وبعد أنْ يورد حوار طويل بين العقل والنقل يسأل العقل النقل السؤال التالي " هل تعترف بأنّ ما نقلته من أساطير وحتى بعض آيات الكتاب المقدس ، هي مؤثرة في عصر دون غيره ،.. بينما كل العصور خاضعة لي . فيرد النقل : أريد مثالًا يوضح ما ترمي إليه ! – فيضرب له مثالين يقول فيهما : أولًا الآية .. قصة أبرهة الحبشي – التي وردت في القرآن الكريم ، والفيل الذي أراد استعماله لهدم الكعبة ، فطالبت قريش بإبلها ، وتخلت أو عجزت عن الدفاع عن مكة ..ألا يختلف تأثير هذه الآية في تلك الحقبة – عنه اليوم " (68) ويوضح المثال فيما بعد بأنّ الفيلة كانت غريبة عن النّاس في ذلك الوقت وأقوى منها، أمّا اليوم فيستطيع شخص واحد برشاشه أنْ يهزم ألف جندي وألف فيل من فيلة أبرهة ..الخ .
في الواقع عندما قرأت هذا المثال إضافة إلى المثال الآخر- والذي لن نتعرض - تعجبت كيف يمكن للعقل أنْ يورد مثلًا لم تكتمل أركانه وعليه أقول : إنّ هذه القصة لها تأثيرها والى أنْ يرث الله الأرض ومنْ عليها ، ولو أكمل الأستاذ أبو بكر السياق التاريخي لقصة أبرهة لكان ذكر إضافة إلى أنّ قريش لم تستطع أن تدافع عن الكعبة ، - لا أو تخلت - فكما هو معلوم فهناك من العرب منْ تصدى لجيش أبرهة أثناء قدومه لهدم الكعبة فهزمهم بسبب تفوقه العسكري ، وأيضًا لذكر أنّ قريش لم تطالب بإبلها ، بل الذي طالب بإبله هو عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والشاهد هنا أنّ عبد المطلب قال لأبرهة إنّ بعض رجاله ساقوا إبله وهو ربها وهو يريدها ، أمّا – عن الكعبة – فقال : للبيت ربٌ يحميه ، وهذا ما لم يذكره ، وعندما ساق الدليل - الذي يظنّه محرجًا للنقل كما أراد أنْ يوضح من هذه المقارنة – ذكر التطور المادي لساكن تلك المنطقة - أي مكة والكعبة – ولكنه لم يذكر التطور المادي الذي طرأ القوة أيضًا على العدو الذي قد يأتي لهدم الكعبة ، فالتطور حاصل للجميع ، ولو أراد احد ما الآن – بصرف النظر عمن يكون - أنْ يهدم الكعبة أي انّه قصدها بعيّنها – لا أنْ يدمر العرب وكما حصل مع أبرهة الحبشي الذي جاء منْ أجل الكعبة المشرفة - وأراد أنْ يستعمل القوة النووية ، أو لنقل الطائرات الحديثة والتي لا يكتشفها الرادار؛ وبأسلحة عادية قنابل أو صواريخ موجهة ، فماذا سيفعل النّاس أمام هذا الأمر ؟ هل يستطيعون أنْ يمنعوا ذلك ؟ قد يقول قائل هذا المثال لا يصح لأنّ هناك قوانين وأعراف دولية ، والجواب : متى كان هناك أي قيمة أو اعتبار لكل ما سبق ذكره ؟ والشاهد هنا : هذه قوة متطورة أمام قوة أقل تطورًا ، وهنا لو حصل هذا الأمر فلن نستطيع منعه ، وسنقول أنّ للبيت ربٌ يحميه ، والسؤال الذي يطرح نفسه على العقل المنطقي : كيف نستشهد بمثال ناقص الأركان ، فأركان المثال كانت جيش أبرهة + رماح وسيوف + فيلة ؛ أمّا العرب بدون جيش منظم + خيلهم + سيوف ونبال ورماح ، وحتى يكتمل المثال فيجب أنْ نضع في المقابل القوى التي هي موجودة الآن أمام من يريد أنْ يهدم الكعبة ونقارن بين قوته وقوة المدافع ومنْ بعدها نحكم على المثال الذي أغفل منه أهم جزء وهو للبيت ربٌ يحميه ، فأبرهة لم يأتي لاستئصال العرب ، بل أراد هدم الكعبة لكي يصرف العرب عنها إلى كعبته التي بناها في اليمن ؛ فالأمر هو بين الله وبين أبرهة وهذا ما صرح به أبرهة – أي خلوا بيني وبين الكعبة - ولو كان الأمر غير ذلك لعاتب الله سبحانه وتعالى العرب عنْ عدم دفاعهم عنْ بيته الحرام ، ولكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، و بدلًا من ذلك أنزل قرآنًا يتلى إلى يوم الدين ؛ فقال تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم " أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) " سورة الفيل .
2- في محاكمته للنقل في النصّ المذكور سابقًا ، ختمه بآيات كريمة منها الآية التي تقول " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" (البقرة آية 44) (69) وهذه الآية نزلت في يهود المدينة الذين كانوا يقولون لأصهارهم ولقرابتهم و لإخوانهم في الرضاعة أنْ يثبتوا على دينهم ، وأنّ هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو دين الحق ، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة والتي يذكّرهم فيها بأنّ عندهم التوراة وفيها صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فهم يأمرون غيرهم بإتباع الدين وينسون أنفسهم (70) ، وهذه الآية إذا أردنا أنْ نستدل بها ، فإنّها تنطبق على منْ يحمل القرآن ويطالب النّاس بإتباع الدين ولا يتَّبع هو ما ينادي به ، أمّا أنْ نقول عن النقل والسلف هذا القول وبهذا التعميم فهذا لا يجوز ، وأمّا الآية الأخرى فهي " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ " ( سورة الأنفال الآية 22) فهذه الآية عند أهل التفسير والتأويل على ثلاثة معان ؛ منها أنّها نزلت في المشركين ، ومنها في المنافقين ، ومنها في الذين لا يتّبعون الحق ، فإنْ كان هناك من اعتراض على النقل – والاعتراضات موجودة وتستحق النقد فعلًا - فيجب على منْ ينقده أنْ يأتي ببديل ينهض بهذه الأمة ، ويحدد أبرز معالم هذه الأخطاء لا نقول كلها – لأنّ فردًا واحدًا لا يستطيع أنْ يقوم بهذه المهمة لوحده - ويأتي ببديل لها ، ويكون هذا البديل من الكتاب والسنّة مصدر التشريع الأساسي لهذه الأمة ، أمّا الاستشهاد بآيات والنقد المتواصل ومنح أفضلية مطلقة للعقل على حساب النقل ، وكأن المتكلم قد أحكم قبضته على العلم والمعرفة وما يقوله هو الصواب بعينه ؛ فهذا فيه مبالغة كبيرة جدًا ، وكأنّ أصحاب هذا النقل لا يملكون عقلًا ولا فهمًا؛ لذلك شبّهوا بهذا الوصف كما في الآية الكريمة ، وهذا غير منصف فعلًا ، و أيضًا لا يجدي نفعًا ، بل يعقّد المسائل ، ولا يعتبر خطابًا المراد منه إصلاح الأمور، وبكل صراحة أقول ؛ لو كنا نملك فعلًا المقدرة اللغوية والاجتهاد - مع كل الاحترام للجميع – لأنصفنا أهل العلم ؛ كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة والبخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم ، وحتى لو كان البعض قد خالف الصواب في تفسيره واجتهاده ، فهذا لا يعني أننا نحن في هذا العصر قد امتلكنا الحقيقة الكاملة و التي غابت عن أذهانهم ، وحتى لو كنّا مؤهلين للاجتهاد ؛ فهذا لا ينفي أننا سنرجع إلى علمهم وفهمهم ومنْ ثمّ نتابع مسيرتنا سواء اتفقنا معهم أم لم نتفق؛ فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا ، ولنْ نسأل أو يسألوا عمّا كنّا نفعل أو عمّا كانوا يفعلون.
3- جاء أيضًا في معرض كلام الأستاذ أبو بكر عنْ حال الأمة وأنّ البعض يتكلم عنها ويستشف من كلامه أسفه العميق وحزنه عليها .. الخ إلى أنْ يصل إلى " وكأنهم يعتقدون الأمة بمجموعها كانت في يوم من الأيام شعوبًا وحكامًا – ملائكة عربية إسلامية – لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .. الأمر الذي لم يكن يومًا من الأيام معاشًا على الأرض ..حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم . وإنما نحن أمة كغيرنا من الأمم البشرية منا الملتزم ومنا المنحرف ، منا الصادق ومنا الكاذب .. إلى ما شاء الله ، ثمّ يذكر الآية الكريمة " فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " التوبة آية 77 " اهـ (71) هذه الآية الكريمة التي استشهد بها نزلت في فقراء المنافقين الذين قطعوا العهود على أنفسهم بأنْ لو أعطاهم الله من فضله لأنفقوا وتصدقوا ، فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا ولم يتصدقوا وتولوا معرضين عن الإسلام (72) ولو أنّ الأستاذ أبو بكر قرأ الآيات التي سبقتها لوجد ما يلي " وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)" التوبة ( الآيات 75-76-77 ) فهذه الآيات خاصة بكل من كان منافقًا خالص النفاق وسأل الله تعالى ؛ فلما أعطاه الله بخل وأعرض عن الإسلام ، فهل الأمّة كلها كذلك حتى نستشهد بآية كريمة نزلت لتحدد حدثًا معينًا، طبعًا الأمر ليس كذلك ، بل إنّها مخصوصة بالمنافقين خالصي النفاق ، ومن هم على شاكلتهم وما أكثرهم هذه الأيام ، وحالهم لا يختلف عمن سبقهم ، وهم بنفس صفاتهم ، والتعميم هنا لا يصحّ أنْ يذكر بخطاب عام على الأمّة ، كما أنّ النفاق منه ما هو في القلب فهو كفر ، ومنه ما هو في الأعمال فهو معصية ؛ وهذا ما يؤكده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " (73) .
4- وقفة أخير مع آيتين كريمتين وردتا في نصّ للأستاذ أبو بكر في سورة الأعراف وهي الآية الثانية نسخت الآية الأولى وهي آيتي المصابرة كما أسموها " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) (الأنفال 65-66 ) (74) وبما أنّ الأستاذ أبو بكر يقول بعدم وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن ، فإنّ الاستدلال بهاتين الآيتين يدلُّ على أنّه عندما قال بعدم وجود الناسخ والمنسوخ فإنّه يعلم السبب الذي دفعه لقول ذلك ؛ رغم أنّه لم يخبرنا عنه ، ومع ذلك أقول نسأل الله تعالى أنْ تكون الأسباب منطقية ولها ما يبررها ، و أمر آخر يلاحظ هنا ، وهو أنّه أوّل الآية الكريمة على هذا النحو بعد أنْ سرد وحلل مضمون الآية الأولى " في الآية الثانية – أي الأنفال 66 - تغيرت النسبة المطلوبة لنصر – تقاربًا – فأصبحت 2:1 ، والتعليل حسب الآية الكريمة هو ضعف المؤمنين .وعلى الرغم منْ انّ النصر لا يتم إلا بإذن وتوفيق الله ، إلا أنّ الله اشترط على المؤمنين هذه النسبة المتقاربة .. لماذا !. لأنه لو انتصر المؤمنون رغم ضعفهم - الذي قد يكون من ناحية الإيمان أو من ناحية العدة والعتاد أو من الناحية البدنية – لو انتصروا حسب النسبة السابقة (10:1) لتحول الأمر إلى معجزة خارقة للناموس البشري ، ولآمن أو جُنّ على إثرها من في الأرض كلهم جميعًا . وهذا ما لم تأذن به المشيئة الإلهية " ( 75 ) وهذا التأوّيل الذي يقول فيه " لتحول الأمر إلى معجزة خرقة .....إلى أنْ يصل وهذا ما لم تأذن به المشيئة الإلهية " هل هو صحيح ، فهل الله سبحانه وتعالى قال ذلك ؟ وهل هناك منْ نصّ واضح وصريح يفيد بأنّ الله تعالى قد خفف عن المسلمين حتى لا يكون نصرهم حسب النسبة السابقة هو معجزة خارقة ...الخ وما الدليل على ذلك ؟ إنّ الأمر كما هو واضح من النصّ القرآني يقول للمؤمنين بأنْ لا يفر المؤمن الواحد الصابر أمام عدوهم في المعركة وحتى لو كانوا عشرة أضعافهم وعليه أنْ يصبر ، ثمّ خفف الله عز وجل عنهم النسبة المفروضة للصمود ومواجهة العدو ؛ فأصبحت مؤمن صابر أمام اثنين ، فلا ينبغي للمؤمن أنْ يفر من المعركة في حدود هذه النسبة ، وما النصر في كلا الحالتين – أي النسبة الأولى والثانية – إلا من عند الله تعالى ، والكافر يقاتل أصلًا وهو لا يفقه ما أعده الله للمؤمنين من حسن الجزاء والثواب ، بعكس الكافر ، وهنا فالمؤمن لديه من الأسباب التي تدعوه للصمود والصبر أكثر مما لدى الكافر ، فلماذا نؤوّل كلام الله تعالى بما لا نصّ فيه ولا دليل ؟ وأيضًا فقد ذكر الأستاذ أبو بكر في نفس النص ّ المذكور ما يلي " كيف سجل التاريخ – لخالد بن الوليد – انسحابه منْ معركة مؤتة ..!ألم يُسجّله له نصرًا وحنكة عسكرية ...بلى "(76) وهنا نتساءل : كم كان عدد المسلمين يوم مؤتة وكم كان عدد عدوهم ؟ كانوا أضعاف أعداد المسلمين ، والمنطق يقول إنّ عدوهم كان ينبغي أنْ يبيدهم نظرًا لتفوقه العددي ، فلماذا انتصر المسلمين وعادوا أدراجهم ؟ أليس إنسحابهم يعتبر انتصارًا في الوقت الذي كان عدوهم متفوقًا عليهم بالعدد والعدة ؟ أليس بتوفيق الله تعالى ومنْ ثمّ بصمودهم وصبرهم وعدم فرارهم من المعركة ؟ ونحن نعلم أنّ قادة جيش المسلمين الثلاثة في تلك المعركة قد استشهدوا ، ونعلم أيضًا أنّ المعركة كانت قوية جدًا ، وشديدة على المسلمين ورغم ذلك صمد المسلمون ، لأنّهم يطلبون الآخرة والجنّة ، أمّا الآخر فهو لا يفقه ما معنى الآخرة وما هي الجنّة، ويطلب الدنيا ، وكان أنْ جاء خالد بن الوليد رضي الله عنه،و بخبرته وحنكته رأى أنّ الانسحاب أفضل ، فلماذا لم يجنّ أحد ؛ ولم يؤمن كل من في الأرض ؟ والمنطق يقول كيف استطاع المسلمون القتال والصمود رغم تفوق العدو عددًا وعدة ، علمًا أنّ الآية الكريمة التي تم تأوّيلها نزلت قبل غزوة مؤتة بكثير ،والشواهد كثيرة على تفوق أعداد العدو على المسلمون في المعارك التي خاضوها ، مثال ذلك معركة القادسية واليرموك وغيرها .
خاتمة
هذه بعض الملاحظات على تفسير وتأويل الأستاذ أبو بكر، وقد حاولت أن أختصرها قدر الإمكان ، ولم أتعرض لبعض الأمور الأخرى التي استشهد بها ، وذلك لضيق الوقت ، ولكنني تعرضت لأمور أراها جوهرية و تعطي صورة واضحة عن النهج الذي يتّبعه في تفسيره وتأويله للآيات القرآنية ، وأكرر إنّ هذا علم له شروطه وأسسه والتي لا يقوم بدونها ، والتفسير بالعقل وحده لا يكفي للحكم على نصّوص القرآن الكريم ومراد الله تعالى مع الجزم بصحة ما يتوصل إليه، ولا بد من الرجوع إلى السنّة والسيرة النبوية ، وتفسير من سبقونا وهم أعلم منّا بلغة القرآن وأسباب النزول .. الخ ، وهذا لا يعني أنْ نرمي بالعقل وراء ظهورنا ونمتطي صهوة السلف في كل شيء ، فالإسلام دين الفطرة والعقل ، فبالعقل يشرف الإنسان ؛ وبه يكلف ، وبه يميز بين الخير والشر ، والهدي والضلالة ، لكن هذا لا يعني أنْ نجعله حاكمًا على نصّوص الشرع ، و تفسير القرآن بالقرآن لا يقدم حلولًا ناجعة للمسلم ، فهناك أمور كثيرة ذكرها القرآن وبيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم ، واجتهد بناءً عليها أهل العلم ، ومن سبقنا كان له معرفة تامة بأصول هذا الدين ، ومن عاصرنا بنى على ما تقدم وزاد عليه ، وهذا وكما سبق وأنْ قلت فأنا لست ضد من يقدم قراءة معاصرة - إذا صح التعبير - لكن على أنْ تكون قد استوفت شروطها ؛ ولم يكن فيها ما يخالف القراءات السابقة أو حتى الحالية إلا بدليل .
وقد لفت انتباهي أيضًا قول الأستاذ أبو بكر معلّلًا تأوّيله لآية الدين في سورة البقرة رقم 282 إذ يقول " ولكني أعلم أيضًا أنّ المسلم – عربي اللسان – كان يقضي ثلاثة أيام في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ..ثمّ ينطلق داعيًا في سبيل الله .. فهل نحيل نحن اليوم كل سؤال يأتينا عن الدين إلى العلماء .. بسبب ضعف حجّتنا في ضوء تفسير هذه الآية أو تلك !.." (77)ولكنه يذكر في نصّه- الفكر يزور العقل في سجون النقل – وأثناء محاكمته للنقل وذلك عندما يستشهد النقل بقرب السلف إلى عهد النبوة ما يلي " القول بأن السلف أقرب إلى عصر النبوة هو كلامٌ صحيح ، ولكن لا تنسى بأنه يصاحبه قربهم من زمن وعادات وضغوطات الجاهلية والقبلية – أيضًا ! " (78) ثمّ يسرد مبررات هذا القول ، وهنا نرى تناقضًا في القول ، فكيف منْ يقضي ثلاثة أيام مع الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح مؤهلًا للدعوة ويبرر بناءً عليه تأوّيله للآية الكريمة ؟ ومن ثمّ يصف كل المعاصرين لعصر النبوة بأنّهم قريبون منْ عهد و زمن وعادات الجاهلية وضغوطاتها ، ولماذا لا يكون من عاصر النبوة خلال 23 عامًا أولى بأنْ نحكم له بفهمه للدين وللدعوة ؟ وهو منْ عاصر نزول القرآن الكريم وصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وفاته ، ومعظم التفاسير التي بين أيدينا تستشهد بتفسيرهم وتأوّيلهم لآيات الكتاب الكريم ، ومنها الآية التي بين أيدينا ، وهل يصحّ أنْ نقول أنّ قربهم لعصر الجاهلية وضغوطاتها سبب يجعلنا أنْ نستقل برأينا وابتعادنا عن بعض ما فهموه ؟ وهل عصر الجاهلية وضغوطاتها كان لها تأثير على فهمهم ؟ هذا يعني أنّهم كانوا غير أحرار في القول والفعل ، وهذا غير صحيح على الإطلاق ، بل فيه تشكيك بمصداقيتهم على أساس أنّ الجاهلية وضغوطاتها كانت أقرب على أفكارهم وأقوالهم .
هذا ما حضرني في موضوع التفسير والتأوّيل في فكر الأخ الفاضل أبو بكر سليمان الزوي ، وأعيد وأكرر بأنّ هذا العمل إنّما هو مناقشة لفكر يؤمن به ، ولا علاقة ولا ترابط بينه وبين شخص أخونا الذي نحترمه ونقدره ، إنّما هي أفكار يحاول كل واحد منا أن يستخدمها في أثناء محاولته للكشف عن واقع هذه الأمّة المتأزم ، والذي يحتاج إلى حلولًا ناجعة تعيد إليها حيويتها وشبابها ،وأنا أقول ورغم كل التطور الذي طرأ منذ 1400 عام تقريبًا ، إلا أنّ هذا التطور لا يلغي أو يعدم حاجتنا إلى الضوابط التي لا غنى عنها للتصدي لتفسير وتأوّيل القرآن الكريم والتكلم في أمور الدين ، ولا يغني عن الرجوع إلى فهم منْ سبقونا والذي لا يكون مخالفًا لنصّ الكتاب والسنّة ، ووالله الذي لا إله غيره لا تستحق هذه الأمّة إلا الخير ؛ كيف لا وهي أمّة خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي حمل همّها وادخر لها شفاعته صلى الله عليه وسلم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ؛ إلا من أتى الله بقلب سليم ، نسأل الله تعالى العفو والعافية .
والله تعالى أعلم .

راضي الضميري
16-11-2008, 11:39 PM
الهوامش والمراجع
1- أبو بكر سليمان الزوي " المفاهيم تقبل الاختلاط والاختلاف .. ولا تحتمل اخلط والخلاف " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=27677
2- أنس إبراهيم " هل قدر لنا سنفعل خطأ أم صواب ؟وكيف نحاسب عليه " رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=29722
3- مرجع سابق - أبو بكر " المفاهيم تقبل الاختلاط
4- المرجع السابق
5- المرجع السابق
6- أنس إبراهيم "هل قدر لنا "– مرجع سابق –
7- المرجع السابق
8- أبو بكر – المفاهيم تقبل الاختلاط – مرجع سباق
9- أبو بكر سليمان الزوي –"الفكر يزور العقل في سجون النقل ! . مقدمة ومناظرة رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31628
10-حديث متفق عليه وانظر أيضًا - خالد عبد الرحمن العك -صفوة البيان لمعاني القرآن الكريم ص 262 وأيضًا تفسير ابن كثير الجزء الثالث ص 36
11- أنظر الأسبوعية المغربية " الأيام " لقاء مع محمد عابد الجابري تاريخ 17/11/2006
12- أبو بكر الفكر يزور العقل – مرجع سابق
13- صحيح الجامع الصغير رقم الحديث 1196
14- أخرجه أحمد (17174)، والدارمي (606)، وأبو داود (4594)، والترمذي (2664)، وابن ماجة (12)، والمروزي في السنة (244)، والطبراني في مسند الشاميين (1061)، من حديث المقدام بن معد يكرب الكندي. قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. اهـ، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2643)
15- رواه مسلم ، صحيح الجامع الصغير حديث رقم 5810
16- أبو بكر – المفاهيم تقبل الاختلاط – مرجع سابق
17- راجع كتابيه ( أصل وتركيب صور القرآن ) و ( تاريخ القرآن )
18- صفوة البيان لمعاني القرآن ص 49 مرجع سابق
19- حديث صحيح رواه مسلم
20- د. أحمد الحجي الكردي " بحوث في علم أصول الفقه " ص 56
21- المرجع السابق ص 80
22- د. محمد حسين الذهبي " التفسير والمفسرون " ص 7
23- المرجع السابق ص 8
24- المرجع السابق ص 22
25- المرجع السابق ص 22
26- أبو بكر سليمان الزوي " كتابة الدين بحضور رجل وامرأتين " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25152
27- المرجع السابق
28- المرجع السابق
29- رواه مسلم
30- راجع ما نشرته CNN بالعربية حول هذا الأمر http://arabic.cnn.com/2008/scitech/2/5/pregnancy.memory/index.html
وانظر أيضًا هنا http://www.hedayah.net/?browser=view&EgyxpID=54590
31- أبو بكر سليمت الزوي " الإنسان مخلوق جاهل وضعيف .. يحمل أمانة عظيمة " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=26052
32- أبو بكر سليمان الزوي " كن ملاكًا .. قبل أن تنعت الآخرين بالشيطنة " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25956
33- أبو بكر سليمان الزوي " "ابن آدم ! تعهدت أن تكون إنسانًا .. فاحذر أن تعود بشرًا " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31601
34- أبو بكر " كن ملاكًا .. " مرجع سابق
35- رواه البخاري
36- أبو بكر " الإنسان مخلوق جاهل وضعيف .." مرجع سابق
37- المرجع السابق
38- المرجع السابق
39- أبو بكر " كن ملاكًا قبل أن .. " مرجع سابق
40- أبو بكر " ابن آدم تعهدت أن تكون إنسانًا " مرجع سابق
41- المرجع السابق
42- المرجع السابق
43- رواه مسلم
44- ابن تيمية "درء تعارض العقل والنقل " ص 40 وراجع ما بعدها
45- د. عبد الصبور شاهين " أبي آدم " ص 7
46- المرجع السابق ص 91
47-المرجع السابق ص 13
48- المرجع السابق ص 61
49- المرجع السابق ص 91
50- حديث متفق عليه
51- عبد الصبور " أبي آدم " ص 29 مرجع سابق
52- أبو بكر " ابن آدم تعهدت .. " مرجع سابق
53- عبد الصبور " ابي آدم " ص 105 مرجع سابق
54- أبو بكر " ابن آدم تعهدت .." مرجع سابق
55- المرجع السابق
56- عبد الصبور "أبي آدم " ص 105 مرجع سابق
57- رواه مسلم
58- أبو بكر سليمان الزوي " لم يفلح الدين حيث أخفق الفكر " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31376
59- حديث متفق عليه
60- أبو بكر " لم يفلح الدين .. مرجع سابق
61- المرجع السابق
62- حول هذا الموضوع – أي الآية الكريمة من سورة البقرة 260 – أنظر أي تفسير يقع بين يديك ،وأيضًا "أسباب النزول للإمام أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري ص 85 ،وأيضًا هناك موضوع جميل يلقي الضوء على كل ما سبق ذكره وهو بعنوان " ليطمئن قلبي" للدكتور حسام الدين حامد في الشبكة الإسلامية .
63- أبو بكر " كن ملاكًا قبل أن تنعت الآخرين بالشيطنة " مرجع سابق
64- أبو بكر "الفكر يزور العقل .." مرجع سابق
65- المرجع السابق
66- حديث متفق عليه
67- حديث متفق عليه
68- أبو بكر " العقل يزور الفكر .. " مرجع سابق
69- المرجع السابق
70- أنظر " أسباب النزول " للإمام أبو الحسن على بن أحمد النيسابوري ص 8، وأيضًا راجع كتب التفسير ، الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرها .
71- أبو بكر سليمان الزوي " حبذا القسط مع الأعداء ..ولا حبذا الإفراط في نصح الأصدقاء " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25535
72- راجع كتب التفسير ، الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرها .
73- رواه البخاري .
74- أبو بكر سليمان الزوي " فلسطين تاريخ الحاضر ..والعراق تاريخ المستقبل "
ورابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=23925
75- المرجع السابق
76- المرجع السابق
77- أبو بكر " كتابة الدين في حضور رجل وامرأتين " مرجع سابق
78- أبو بكر " الفكر يزور العقل في سجون النقل " مرجع سابق

أبوبكر سليمان الزوي
17-11-2008, 02:34 PM
السلام عليكم ..

أخي الكريم\ راضي الضميري .. تحية أخوية صادقة، ملئها المحبة والصفاء ..

قد قرأتُ ما جاد به قلمك، وأنا إذ أُرحبُ بك كاتباً، وأحترمك ناقداً، وأشكرك قارئاً مُتابعاً فاعلاً متفاعلاً .. فإنني أعلمك بأنني أُقـدّر وأُثمّـن عالياً جهـدك الكبير الذي يتضح من خلال نقدك الموسع لأفكاري ولنهجي في تفسير القرآن الكريم، ورأيي فيما وصلنا عن السابقين.

وإني أعدك - إن شاء الله تعالى- بالإجابة الواضحة الكاملة على كل تساؤلاتك وتحفظاتك وانتقاداتك واعتراضاتك التي هي من حقك ومن حق كل قارئٍ كريم أمين مسئول!

ملاحظة أولى : فهمتُ من كلامك، بأنك ربما تعتقد بأنني قد قرأت كتاباً للدكتور الذي أشرتَ له في معرض قراءتك لموضوع البشر والإنسان وابن آدم ..( الدكتور عبد الصبور شاهين، أو سواه)، وربما تعتقد بأنني قد ارتكزت على كتابات وأفكارٍ سابقة حول هذا الموضوع.. بما يشي بأنني قد تجاهلت مصادر معلوماتي، ونسبت الأفكار لنفسي ..
وأنا هنا أُقسم بالذي لا إله غيره، بأنني لم أقرأ كتاباً للدكتور المذكور، ولا أعلم شيئاً عنه ولا عن كتبه لا من قريب ولا من بعيد .. إلا من خلال من ذكرته أنت هنا.
كما أٌقسم بأنني لم أقرأ حول هذا الموضوع لأي كاتبٍ أو مفكرٍ - مسلم أو غير مسلم.

والعالم الذي أشرتُ له في بداية مقالتي، هو الدكتور أحمد الكبيسي، الذي كنتُ قد شاهدته مصادفةً، حين أشار إلى هذا الموضوع بإيجاز في إحدى حلقاته على فضائية دبي.
ولا أعلم ولا أذكر أني سمعتُ منه إشارة إلى كتابٍ له أو لسواه يتناول هذا الموضوع .. في تلك الحلقة التي شاهدتها!!
وأنا بالمناسبة أحترم وأُقدر الدكتور أحمد الكبيسي لما يحمله من فكر أراه سديداً، كما أحترم وأُجل كل من يحمل فكراً هادفاً، ولكنني في الوقت ذاته لست من متابعي برامجه - بالرغم مما تحويه من فوائد لغوية وفقهية حسب فهمي واعتقادي-، إلا بقدر ما تجود به الصُدف .. وذلك بسبب ضيق الوقت لدي، وتعدد الأنشغالات.

أشكرك مجدداً، وأُرحب بك ناقداً، وبكل من له تحفظاتٍ تجاهي، وأعلمك بأنني لا أُزكي نفسي ولا أدعي امتلاك الحقيقة الكاملة، كما أعاهد الله بأن أمتثل للحق متى رأيتُ نفسي مخطئاً؛ .. وأنتظر منك العهد ذاته!

إلى متابعة قريبة بإذن الله ..

راضي الضميري
19-11-2008, 09:03 PM
السلام عليم ورحمة الله وبركاته
الأخ الكريم أبو بكر سليمان الزوي
تحية طيبة وبعد :
في البداية أحب أن أشكرك على سعة صدرك وتقبلك لكل ما ورد في قراءتي .
أخي الأستاذ أبو بكر:
ينبغي بداية أن أوضح أمرًا مهمًا بخصوص ما أشرت إليه حول موضوع كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين "أبي آدم " بنقاط أجدها مهمة ألا وهي :
1- لا يوجد ما يشير في قراءتي إلى أنني جزمت بأنك اقتبست فقرات أو فكرة الموضوع في كتاب عبد الصبور شاهين.
2- لا يعني قولي الذي ورد في القراءة والذي هو " لا أعلم عالمًا فاضلًا ...الخ " أن أقصد مصادر معلوماتك ، إنما وردت هذه العبارة لتوضيح أمرًا وجدته ضروريًا ، وهو أن هذا العالم أو غيره من العلماء ممن طرح هذا الموضوع وبمثل هذه التفاصيل المزعجة للعقل والفطرة السليمة ؛ لا أعتبره عالمًا فاضلًا ؛ وذلك لورود فقرات عديدة في كتابه تخالف النصّ القرآني جملة وتفصيلًا ، ولم أقصدك في تلك العبارة .
3- إنّ المفكر برأيي يحتاج قبل الخوض في أي موضوع خطير ؛ ويتوقف عليه استنتاجات خطيرة أيضًا ؛ أن يقرأ ويبحث لعلّ أحدًا قد سبقه لهذا الموضوع ، وبالتالي يخضع القراءات السابقة إلى التحليل والتمحيص الدقيقين ، فربما كان هناك من سبقه إليها ، وقد أشبعها بحثًا ، وتغدو قراءته معها غير مجدية ، ولم تقدم ما هو جديد .
4- هناك أفكار كثيرة طرحتها وتبنيتها في معظم نصوصك – علمًا أنني قرأت لك كل نصوصك هنا وفي غير مكان – وقد كانت قراءتي بالأصل تتضمن كل تلك الأفكار ، لكن وبسبب كبر حجم النصّ الذي خرجت به – أو كدت أن أخرج به ، وقد طارت منه بعض الفقرات عندما أدرجت موضوعي هنا مثل مؤلفات الجابري وأهما العقل العربي وصولًا إلى إشكالية الفكر العربي المعاصر وغيرها ولا أعرف إن كنت أستطيع تعديلها - رأيت أن أختصره في قراءة حصرية للتفسير والتأويل ، ومن هنا أحببت أن أقول لك إنّ الأفكار التي تطرحها أخي الفاضل أنما هي في الحقيقة أفكار قد طرحها أناس آخرون ، وناقشوها في كتبهم ، وأُشبعت بحثًًا ودراسة ، وبناء عليه ؛ فلا يعني الاستشهاد بكاتب آخر أنك قمت بالاقتباس منه ، ومعظم من كتب حول هذه المواضيع من الكتّاب والمفكرين ، كانت في الواقع عقب هزيمة الأنظمة العربية المنكرة في حزيران 67 تحديدًا ، والتي كانت بمثابة صدمة كبيرة للشعوب العربية كلها ؛ بل للعالم الإسلامي بأسره ، ومن هنا بدأ الجميع يكتب عن الغفلة ، أو لنقل عن شهر العسل المنتظر في فلسطين كلها بناءً على وعود هذا الحاكم أو ذاك ، ففي الوقت الذي كان يُنظر للكيان الصهيوني على أنه قاب قوسين أو أدنى من الانهيار على اعتبار أنه جسم غريب غير قابل للحياة ، وبناءّ على وعود بعض القيادات العربية بالنصر القريب والشامل ، استيقظت تلك الشعوب على وقع الهزيمة التي أودت بأرواح الأبرياء من الجنود والمكلفين الذي لا حول لهم ولا قوة ، فقتل من قتل واستشهد من استشهد و دفن في الصحراء من دفن - وعلى نياتهم سيبعثون - ، وضاع مع هذه الهزيمة ليس وطنًا فقط ، إنما أوطان وأحلام كل الملايين التي كانت لا تعرف عن الواقع أكثر مما كانت تتلقاه من معلومات مشوهة وكاذبة عن الواقع الفعلي ، وبسبب من ذلك نهضت تلك الأقلام تبحث وتفكر في أسباب تلك الهزيمة ، والأسلوب العقلي الذي كان سائدًا قبلها وأثناءها ؛ نقدًا وتحليلًا ، لذا فلم يكن من داعي لأن تقول أنك لم تطّلع على كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين ، ولا أرى في ذلك أي مانع لو أنك اطّلعت عليه ، وهذا لا ينتقص من قيمة أي كاتب أو مثقف أو مفكر ، ولعلّنا لو طالعنا أي كتاب لأي مفكر لوجدناه قد التهم كل الكتب التي بحثت في موضوعه من قبله ، فبنى عليها وأضاف ؛ سواءً كانت هذه الإضافة من باب النقد أو التحليل ، أو التأييد أو المخالفة فيما ذهب إليه هذا أو ذاك.
5- لم أكتب ما كتبت ليقال عني مفكر – فأنا أيضًا لا أؤمن بتوزيع الهدايا المجانية ومن غير سبب وهذا لقب لا أستحقه ولا أسعى لبلوغه – كما أنني لست أدّعي الثقافة – وهذا منصب لم يكن يومًا من أولوياتي – ولم أكن باحثًا – ولهذا شروط لا تتوفر فيّ – إنما الواقع يتلخص في كلمات وهي أنني رأيت طرحًا لم أجد فيه ما يساعد في تضييق الفجوة بين ما هو ممكن وما هو واقعي ، وبين ما كان وما سيكون ، وقد رأيت فيه دعوة لنزع ذاكرة خالدة تليدة حيّةً كانت وستبقى ، ولم أر في هذا الطرح أو غيره – ومن ضمنهم أصحاب ما يسمى بالمشاريع الفكرية الكبرى - ما يساعد على تنقية وتحضير المناخ والبيئة المناسبة لمعالجة هذا الخلل الكبير الذي أحكم سيطرته على العقل العربي المسلم .
هذه هي الأسباب التي دعتني لقيام بهذه القراءة ، ولطالما نأيت بنفسي عن الخوض في مثل هذه الأمور ، لأنها تتطلب على الأقل – وهو شرط أدبي مهم - حضورًا متواصلًا وفاعلًا على الساحة الفكرية في هذا المنبر الحر ، وأيضًا لأنها يتطلب مجاملات لا أجدها تساهم في زيادة الفاعلية المطلوبة لدفع مسيرة التقدم ، فالمجاملات هي سمة أي حوار يكتب له الولادة ، ويحكم عليه بالموت سلفًا وحتى قبل أن يبدأ ، وأخيرًا وليس آخرًا فانا لا أملك في الوقت الحاضر كل المقومات التي تساعدني على التواجد المستمر ؛ وهذا ما يجعلني أبتعد قدر الإمكان عن مثل هذه الحوارات .
أمّا عن الحق ، فأنا ألتزم به قولًا وفعلًا ومهما كانت نتائجه ، ومهما كانت الرؤية التي ستخرج بها ، فالحق له وجه ولم يكن له يومًا غير تلك الهوية التي عُرف بها ، والحق أحق أن يتّبع .
تقديري واحترامي

معروف محمد آل جلول
19-11-2008, 10:15 PM
إخوايا الكريمان ..
المحترمان..أبو بكر..و..رضا.
.نظرية التلقي الحديثة ..
تجعل/ التناص/
ثاني خاصية لها من بين ..
افق الانتظار..موت المؤلف..
والتناص له انواع ..وأفق ..
منه ما تحاورتما ـ مشكورين ـ حوله ..
أقول:الموضوعية الفكرية ..ومرجعيتها الواحدة .
.تقارب الأفكار..
بل تأتي بها ..هي ..هي..
سأعود بإذن الله..

خليل حلاوجي
22-11-2008, 08:20 AM
قراءة واعية لمفكر جاد ...

سأتنقل بين ثنايا هذه السطور ... وأتأمل

وسأعود ناقداً بحول الله ..

بوركتما ..

معروف محمد آل جلول
23-11-2008, 07:46 AM
أستاذي الكريم راضي الضميري..
كنت سابقا قد اطلعت على نقاش..المفاهيم تقبل الاختلاط والاختلاف..
ولم تستسغ نفسي فصل الثقافة عن العقيدة ..
وحاورت الأستاذ المحترم ..
وقدمت الأدلة العقلية التي طالبني بها..
وهنا أيها الكريم وجدتكم أثلجتم صدري..
وقد فندتم كل الأقاويل بالحجة القرآنية الدامغة ..
جزاكم الله خيرا عن المؤمنين..
لاتسامح في شروط التفسير للقرآن الكريم..
وإن كنت أأيد الأستاذ المحترم خليل حلاوجي..الذي يرى بضرورة التفسير وفق منظور العصر..
سعيد جدا بوجودي بين إخواني..
لاتحرمونا مما وهبكم الله وأجركم محفوظ عنده سبحانه..
ونحن قراء..
خالص تحياتي أيها الحبيب..

عبدالصمد حسن زيبار
23-11-2008, 05:56 PM
متابعون لهذا الحوار المثمر

و النقد البناء

لي عودة

راضي الضميري
23-11-2008, 07:11 PM
إخوايا الكريمان ..
المحترمان..أبو بكر..و..رضا.
.نظرية التلقي الحديثة ..
تجعل/ التناص/
ثاني خاصية لها من بين ..
افق الانتظار..موت المؤلف..
والتناص له انواع ..وأفق ..
منه ما تحاورتما ـ مشكورين ـ حوله ..
أقول:الموضوعية الفكرية ..ومرجعيتها الواحدة .
.تقارب الأفكار..
بل تأتي بها ..هي ..هي..
سأعود بإذن الله..
الأخ معروف محمد آل جلول
في هذه المحاولة الجادة لتحليل خطاب الأستاذ أبو بكر ، آثرت أنْ أبتعد عن المجاملة قدر الإمكان – رغم أنني وقعت فيها أحيانًا - لأنّ المقام لا يسمح بذلك ، ولأنّ هذا الأمر لم يطرح من قبل على الأقل في هذا المنبر الحر ، والذي لطالما سلبت منه الجدية في البحث والتدقيق في مجمل الأفكار التي تطرح ههنا ، إنّ أي حوار يبتعد عن الموضوعية ، سيغرق حتمًا في المجاملة و التي ستكون حاضرة في ذهن المتأمل والناقد ؛ وسيكون لها الكلمة الفصل في التعبير عن كل ما يطرح ، لذا فأنا أشدد على الموضوعية في كل شيء ، فمجمل الأمور التي تطرح لها مدلولات خطيرة ، وانعكاسات مباشرة على القارئ، وفي لحظة ما قد يبدل سين أو صاد رأيه في أمر ما لمجرد ثقته أو عدمها في صاحب الطرح ، أو لمجرد شح معلوماته التي قد تضلله غالبًا فيقع بين براثن الحيرة التي قد توجهه نحو وجهة خاطئة .
أهلًا بك أخي الفاضل وبكل أفكارك .
تقديري واحترامي .

راضي الضميري
23-11-2008, 07:17 PM
قراءة واعية لمفكر جاد ...

سأتنقل بين ثنايا هذه السطور ... وأتأمل

وسأعود ناقداً بحول الله ..

بوركتما ..
الأخ الحبيب خليل حلاوجي
بانتظار ما تجود به علينا من أفكار ، سننتظر وكلنا أمل في قراءة جدية تطرح ما يخالف أو يؤيد أو يساهم في تصويب - بعض أو كل - ما قلته .
والاختلاف في الرأية لا يفسد للود قضية .إلا في حدود ما شرع الله ورسوله .
تقديري واحترامي .

راضي الضميري
23-11-2008, 08:27 PM
أستاذي الكريم راضي الضميري..
كنت سابقا قد اطلعت على نقاش..المفاهيم تقبل الاختلاط والاختلاف..
ولم تستسغ نفسي فصل الثقافة عن العقيدة ..
وحاورت الأستاذ المحترم ..
وقدمت الأدلة العقلية التي طالبني بها..
وهنا أيها الكريم وجدتكم أثلجتم صدري..
وقد فندتم كل الأقاويل بالحجة القرآنية الدامغة ..
جزاكم الله خيرا عن المؤمنين..
لاتسامح في شروط التفسير للقرآن الكريم..
وإن كنت أأيد الأستاذ المحترم خليل حلاوجي..الذي يرى بضرورة التفسير وفق منظور العصر..
سعيد جدا بوجودي بين إخواني..
لاتحرمونا مما وهبكم الله وأجركم محفوظ عنده سبحانه..
ونحن قراء..
خالص تحياتي أيها الحبيب..

الأخ الفاضل معروف محمد آل جلول
لكل إنسان حرية الاعتقاد والرأي ، على أن هذه الحرية يجب أن تكون محكومة بضوابط خصوصًا إذا كانت تمس معتقدات الآخرين ، وإنني إذ أقدر لك قراءتك الواعية لما طرح ههنا ، فإنني في الوقت ذاته أشدد على أهمية وضع ضوابط لتفسير القرآن الكريم من وجهة نظر معاصرة ، فالقرآن ليس نصًا تاريخيًا وبالتالي سيخضع لشروط القراءة التاريخية ، فالتاريخ له قراءته والأدب له قراءته والقرآن أيضًا له قراءته الخاصة والتي تميزه عن غيره ، لذا فإن كان هناك من يريد أن يفسر بظروف معاصرة فعليه أن يعلم بأن القراءة التي سيخرج بها يجب أن لا تخالف مضمون النصّ القرآني ، ولو أننا نظرنا على سبيل المثال إلى القراءات التي قام بها محمد أركون أو الطيب تيزيني أو محمد عابد الجابري أو نصر حامد أبو زيد ؛ لوجدنا أنهم أخضعوا النصّ القرآني لشروط العقل والفهم الإنساني وهو ما يعرف بأنسنة وعقلنة النص القرآني ، وبالتالي أرخنة هذا الكتاب الكريم ونزع القداسة عنه ، ليصبح بالتالي كتابًا تاريخيًا إنسانيًا يفهم من خلال العقل وآلياته ، وهذا ما يسمى بالتجديد والتطوير والتحديث ، وهذا ما يسمى أيضًا بالقراءات الحداثية التي لا تعترف إلا بالعقل وسيادته على النصّ ، وهذا كله نتاج للفلسفة التي استباحت كل ما هو مقدس ، ولو نظرنا إلى الفكر الفلسفي الحالي لوجدنا أنهم أمناء ومخلصين لكتابات قدماء الفلاسفة ، وتابع هذا الوفاء مسيرته والتحم مع فلاسفة أمثال ديكارت ومن بعده إسبينوزا ، ولعل هذا الأخير هو من غاص في عمق تلك التفاصيل التي ساهمت فيما بعد في نزع القداسة عن الكتاب المقدس في وقته – أي قبل خمسة قرون تقريبًا - ، فإذا كان هناك ما دعاه - أو دعاهم - لفعل ذلك ؛ فذلك يعود لظروف عصور الظلام و تجبر وتعنت الكنيسة التي كانت مسيطرة على العقل في ذاك الوقت - ولتلك الفترة ظروفها الموضوعية - لكن هذا الأمر لا يجب أن نسقطه على واقعنا ، ونخضع بالتالي نخضع قراءتنا لقرآننا ومعاملته بنفس تلك الشروط التي كانت سائدة آنذاك ، فلم يكن يومًا لدينا كنيسة أو كهنوت في الإسلام ، ليتحكم بالتالي في السيطرة على كل مقدرات العقل ومنعه من الابتكار أو التجديد أو التحديث .
إنّ كل ما يحصل من ردات فعل - تراها الآن أو من قبل – من قبل العلماء والفقهاء إنما هي لا تخرج في أحسن الأحوال عن رد فعل طبيعي لتلك القراءات التي يقدمها أصحابها - وفيها بالدليل العقلي والنقلي – ما يؤكد خروجها عن مسارها الطبيعي وعن كل ما جاء به الكتاب والسنّة ، ولعلّ ردات الفعل هذه هي ما يسمونها المعارضين بالكهنوت ، ويقولون أيضًا بأن هناك حجر على العقل والفكر وهناك نمو في التخلف وتطور أيضًا ، ولو تابعنا كل ما يكتب هنا أو هناك ، فهل هذا يؤكد كل ما يقولونه ، لو كان كذلك لما سمح لهم بالكتابة أصلًا ، وهذا يناقض كل أقوالهم .
كما إن التجديد والمعاصرة والتحديث ، إن كانت نوايا أصحابها صادقة فيجب أن لا تخرج عن مفهومها للدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، لا أن تعارضها ، وتكون في وضع مضاد لها ، لأن الذي يتعرض لأمور الدين فهو أحد ثلاثة :
1- إمّا أنه يحاول أن يجدد ويفسر ويكون الكتاب والسنّة مصدره الأساسي ؛ وبالتالي يكون ما يخرج به هو غير مخالف لأصول هذا الدين ؛ وهذا ما نريده .
2- وإمّا أن يدّعي أنه إنما يفعل ذلك في محاولة لتجديد هذا الدين ، فيخرج بقراءة مخالفة لكل ما جاء به هذا الدين ، وهنا يكون قد استحدث دينًا جديدًا لم يكن قائمًا من قبل ، وهذا ما نراه في المشاريع الفكرية الكبرى ، كما يسميها أصحابها أو أتباعهم ، وهذا ما نرفضه .
3- وإمّا أنه لا علم له بما يفعل ، ويحسب نفسه أنه إنما يفعل الصواب ؛ وهذا هو الخوض في ما لا يعنيه ولا مقدرة له عليه ، فيغرق نفسه ومن حوله في عبثه ، ويكون عمله ضربًا من التلاعب بالنصوص وعن غير دراية أو علم ، وهذا ما لا نريده .
الدين علم ، ولكل علم شروط ، ولم نسمع بمهندس أو طبيب أو أديب أو فيلسوف أو مفكر ... الخ، خرج هكذا فجأة ليقول لنا أنه كذلك ، إلا بعد أن اجتاز مراحل متقدمة من التحصيل العلمي وتجاوز الشروط المعتبرة التي تؤهله لذلك ، فلماذا عند الدين نتساهل ونسمح بمرور الجميع ، متغاضين عن الشروط الموضوعية التي تسمح له بالخوض في مثل هذه الأمور .
على أنه يجب التنبيه هنا على أمر واقع لا مجال لإنكاره ؛ وهو أن هذه الأمة تمر بظروف صعبة وأزمات متشعبة ، وأن هناك سلبيات كثيرة – تعد ولا تحصى ربما – لكن هذا لا يسوغ أن نتجاهل الشروط العلمية والموضوعية للخوض في أي أمر من شأنه العمل على النهوض بهذه الأمة ، ولا يبرر أيضًا السماح بمرور تلك النظريات أو الفرضيات – إذا كانت تستحق هذا الوصف – من دون وقفة تأمل ومراجعة لكل من يكتب كائنًا من كان . فالعقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح ، والفهم الصحيح لا يعارض النصّ الصريح .
قال صلى الله عليه وسلم " إنّ من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود وصححه الألباني .
تقديري واحترامي

معروف محمد آل جلول
23-11-2008, 09:06 PM
أستاذي الكريم ..راضي..
المجاملة ليست من موضوعية الفكر في شيء..
لاأنكر أنني استفدت ..وسأقرأ مرات كل هذا الكلام..
أقول هذه قضية أمة ..عند الخطأ لاترحموني..
كيفما يكون تفسير الراغب في نيل أجر الاجتهاد..فقد ذكرتم الشروط ..وهي غير كافية ..
الكافي الشافي هو خضوع هذا التفسير لهيئة علمية مشهود لها..مقتنع أن علماء المسلمين المحترمين لن يعبرهم تفسير دون مراجعة ..
الفكر والآداب نتاج ثقافة ..ولاتكون ثقافة إسلامية مالم تنبعث من عقيدة التوحيد..
والعقيدة تشمل كل ماورد في المصدرين ..العبادة ..وتنفيذ التشريعات الربانية تنتهي إلى توحيد الله تعالى ..
الله هو الأول والآخر..
الفكرالإسلامي يجب أن يتطابق مع الأدب الإسلامي..
وهذا ما نسعى إليه.
.بل الأدب سليل الفكر ..
الفكر سليل الثقافة الإسلامية ..
الثقافة سليلة عقيدة ..
العقيدة ما وضحه الكتاب والسنة الشريفة..
كل حديث موضوع ..يغفل عنه ..يُخل بالدين..
وبعد هذا لاأعتقد أنني سأختلف مع إخواني في شيء ..
إلاماورد عني خطأ ..واجبكم تصحيحه..هدفنا الحق..
أنا قارئ بالدرجة الأولى ..

راضي الضميري
23-11-2008, 09:35 PM
متابعون لهذا الحوار المثمر
و النقد البناء
لي عودة
الأخ الفاضل عبد الصمد
ننتظر عودتك بفارغ الصبر
تقديري واحترامي

راضي الضميري
23-11-2008, 09:55 PM
أستاذي الكريم ..راضي..
المجاملة ليست من موضوعية الفكر في شيء..
لاأنكر أنني استفدت ..وسأقرأ مرات كل هذا الكلام..
أقول هذه قضية أمة ..عند الخطأ لاترحموني..
كيفما يكون تفسير الراغب في نيل أجر الاجتهاد..فقد ذكرتم الشروط ..وهي غير كافية ..
الكافي الشافي هو خضوع هذا التفسير لهيئة علمية مشهود لها..مقتنع أن علماء المسلمين المحترمين لن يعبرهم تفسير دون مراجعة ..
الفكر والآداب نتاج ثقافة ..ولاتكون ثقافة إسلامية مالم تنبعث من عقيدة التوحيد..
والعقيدة تشمل كل ماورد في المصدرين ..العبادة ..وتنفيذ التشريعات الربانية تنتهي إلى توحيد الله تعالى ..
الله هو الأول والآخر..
الفكرالإسلامي يجب أن يتطابق مع الأدب الإسلامي..
وهذا ما نسعى إليه.
.بل الأدب سليل الفكر ..
الفكر سليل الثقافة الإسلامية ..
الثقافة سليلة عقيدة ..
العقيدة ما وضحه الكتاب والسنة الشريفة..
كل حديث موضوع ..يغفل عنه ..يُخل بالدين..
وبعد هذا لاأعتقد أنني سأختلف مع إخواني في شيء ..
إلاماورد عني خطأ ..واجبكم تصحيحه..هدفنا الحق..
أنا قارئ بالدرجة الأولى ..


الأخ الفاضل معروف محمد آل جلول
إنّ الشروط المذكورة ليست كتابًا مقدسًا غير قابل للتعديل أو التجديد ، لكنها على وضعها الحالي هي ضابط مستقيم ، يحيل القارئ إلى مرجعية ترشده إلى كيفية الاستفادة منها ، هذا أولًا ، وثانيًا : في ظل الدعوة إلى تحكيم العقل على حساب النصّ تبقى هذه الشروط حاكمة على من يريد أن يتصدى للكتاب أو السنّة ،وثالثًا : لو نظرت إلى هذه الشروط فهل تستطيع أن تقول مثلًا أنك لست بحاجة للسنّة أو السيرة النبوية أو الناسخ والمنسوخ أو أسباب النزول مثلًا لفهم القرآن الكريم ؟
أمّا عن دعوتك لوجود هيئة علمية مشهود لها يخضع لها هذا التفسير أو ذاك ، فلو راجعت معظم ما كتب حول هذا الأمر ، لوجدت أن هناك عددًا من أهل العلم قد تصدوا لمعظم القراءات التي خرج بها أصحابها ، وبما أن هذه الشروط هي المتواجدة حاليًا ، فإن السؤال أو الشرط يجب أن يحال على من تصدى لهذا العلم وعليه أن يضع بدائل عنها ؛ يرى أنها جديرة بالاهتمام والمتابعة على سبيل التقيّد بها .
أمّا عن الأدب والفكر ؛ فنعم هو فكر وأدب ينبغي أن يعكس ثقافة إسلامية واضحة في ميولها وأهدافها ، لكن يبقى أمر أخير وقد أشرت إليه سابقًا ؛ وهو أن هذا الفكر والأدب له آليات لنقده وتمحيصه وإخراج الغث والسمين من بين ثنايا الحروف والمعاني التي يحملها ، وله شروطه النقدية أيضًا ، وهذا يختلف تمامًا عن التفسير والتأويل في كتاب الله تعالى ، فهذا أمر وذاك أمر آخر ، يختلف عنه في التوجه والنتائج ، فلو أخطانا مثلًا في نقد قصة أدبية أو فكر أدبي إسلامي فإن نتائج هذا النقد الخاطئ لها انعكاسات ونتائج لا ترقى إلى حجم الخطأ أو الفهم لكتاب الله تعالى ، وهذا ما أردت أن أوضحه بشكل جلي .
شكرًا لحضورك وتفاعلك .
تقديري واحترامي

سالم العلوي
24-11-2008, 09:02 AM
في إطلالتي الأولى على منبر الفكر والحوار المعرفي
أبعث خالص الحب والشكر والتقدير للأستاذ / راضي الضميري حفظه الله ورعاه
على وقفاته الغيورة، وقلمه الناصع، وفهمه المستنير مما فتح الله له، وأجراه على لسانه وقلمه، ثبته الله وسدده ووفقه ...
وهمسة حب أبعثها للأستاذ الزوي ثم للأحبة جميعا من بعده .. أن الإخلاص في النصح للأمة والقوم وحده لا يكفي، فأنا أعتقد أن الغيرة والإخلاص على حال الأمة في أن تستيقظ من الغفلة والخمول الذي أصاب تفكيرها وجعلها حبيسة واقع مرير لا مخرج منه إلا بعون من الله عظيم.. أعتقد أن هذه الغيرة ظاهرة في كل صاحب قلم حر وكريم من كتاب الواحة الكرام وأدبائها ..وهي مما يقدر ويرفع به الرأس عاليا .. لكن ذلك وحده - حتما - لا يكفي، وقد صدق من قال:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
على أي حال، الحوار خير كله بإذن الله، وما أحسب أن حوارا جادا وأصيلا ومعتمدا على ثوابتنا وأسسنا إلا سيقودنا إلى خير وصواب بإذن الله ..
وأنا أهيب بالأستاذ / راضي وبقية الأخوة أن يكرمونا بما تجود به أقلامهم لإثراء الحوار - كمبدأ وفكرة ولا أقصد به موضوع هذه النافذة بالذات - حتى يأخذنا إلى بر الحقيقة وشاطئ الأمان ..
تقبلوا خالص التحية
ودمتم بخير وعافية

أبوبكر سليمان الزوي
14-12-2008, 04:30 PM
السلام عليكم جميعاً .. وعذراً لعدم المتابعة في الأيام الماضية ..
أكرر ترحيبي الخاص بأخي \ راضي الضميري، كاتب هذه القراءة النقدية، التي لا شك أنه قد تعب في إنجازها ..
والتي قد تأسفتُ كثيراً عندما وجدته قد قتلها في مهدها ببعض مفردات عنوانها، وجُـلِّ ما قاله فيها، وما قاله عن نفسه في أولى مشاركاته حولها.
فقد اختار الأخ \ راضي الضميري، لقراءته النقدية، العنوان التالي:-
التفسير والتأوّيل في فكر الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي "قراءة نقدية".
وقد استوقفتني في عنوانه لفظة " التأوّيل " بشدّتها على الواو التي لم أجد لها دلالة لغويةً، ولا نافذة فقهية أو فكرية.
وعلى كل حال فإن هذه اللفظة" التأوّيل " سواء شُـدّدت أو أُطلق سراحها، فإن استعماله لها- قرين لفظة تفسير في العنوان- ، وتكراره لاستعمالها في معرض قراءته، دلل بشكل كبير على عدم درايته بمدلولها.
وهذا من وجهة نظري يدل على أن ( أخي راضي – سامحه الله)، قد تصدى لأمورٍ عقلية فكرية، بينما هو من الواضح أنه لا يُعمل العقل عند استقائه لمعلوماته من مصادرها البشرية، وإنما يأخذها كما لو كان مصدرها كتاباً مُنزّلا وناقلها ملاكاً مُرسلا، ويرفض ما خالفها كما لو كان كاتبها عدواً جاهلا.
فعدم إعمال الإنسان لعقله في أمور اللغة والفكر يجعل منه عبداً للثقافة السائدة لا مشاركاً في تصحيحها.
ومن كان هذا حاله، فهو لا يعدو أن يكون ناقلاً أميناً لآراء وتخمينات غيره. وذلك لا يؤهله لنقد الآخرين أو محاورتهم.
فالفكر والتحليل والتفسير والفقه ...، لا تنسب إلى العلم إلا مجازاً . فالعلم ما أنتج الحقيقة العملية الثابتة الدالة على ذاتها، والتي لا يختلف عاقلان حولها.
وليس العلم آراءً تختلف من إنسان لإنسان ومن زمان إلى زمان .
فالكتب السماوية تحتاج في تحليلها إلى عفوية العقول البريئة الكريمة الطليقة التي لم تتسمم بنظريات تهميش الإنسان بحُجة عدم التفقّـه والتخصص والتبحّـر في آراء البشر- التي تُسمّى – مغالطةً – بعلـوم الأديان!
فالرسالات السماوية هي إشارات وجُمل لغوية تخاطب كل العقول بفطرتها، من أجل إرشادها لا من أجل تعجيزها أو إثبات جهلها.
فلمْ تأتِ الأديان لطمس إنسان لصالح آخـر. وليس من مهمتها تقسيم الناس إلى خاصة وعامة.
وليست رسالتها إقرار الجاهل على جهله وتشكيك العاقل بعقله. وليست وظيفتها تشريع التبعية والطبقية الفكرية وابتداع التابع والمتبوع.
فالحكمة مطلب الجميع، وهي هبة الله يؤتيها من يشاء من عباده ومتى يشاء، ولم يضع لهبته شرطاً واحداً .. مقابل ذلك الكم الهائل من الشروط المركبة المثيرة للتساؤل بمصادرها ومقاصدها ونتائجها، والتي وضعها فقهاء المسلمين أمام كل مسلمٍ أراد الاجتهاد واستنباط الأحكام من القرآن مباشرة دون المرور بمحطاتهم التي اعتمدوها ركناً من أركان الدين.
فالبحث عن الحقيقة مسئولية الكل وغايتهم؛ ولا ينوب أحد عن أحد .. في تفكيره وتكليفه وحسابه.
والحكيم مَـنْ شـهد الواقع بحكمته لا مَـنْ تنافست الألسن والأقلام في مدحه.
والعلم واقعٌ تتحدث به نتائجه، وليس العلم حفظاً لآراء وخواطر وتخمينات الآخرين.
وليس العلم أحلاماً تـُنسج في الخيال ويرفضها واقع الحال.
وليس هو عالم عصره ولا درة زمانه مَـن أتقن لغته واستعمل فصاحتها وبلاغتها في مخاطبة وتعجيز وإبهار من لا حول لهم ولا طول .. من الفقراء والضعفاء ومن حرمتهم قسوة الحياة نور المعرفة.
فالعقلُ شاهدٌ للإنسانِ وشاهدٌ عليه في آن! والفكر هو استجابة العقل للتساؤلات.
وكل من أدرك أنه عاقل فقد أقرّ بأنه قادرٌ على التفكير.
وسلوك الإنسان وممارساته هي محصلة تفكيره، فهو محاسبٌ لعقلٍ يحمله لا بفقيه يسأله!
إلا إذا كان الأخ\ راضي، يتكلم بمنطق السلطة والفوقية والكهنوتية والوصاية الدينية وادعاء امتلاك الحقيقة الكاملة دون برهان، فهو بذلك يضع نفسه في زمرة من يدعون الناس إلى تغييب العقل من أجل الإيمان؛ وكأن العقل ليس هو المخاطب بالقرآن وليس هو مناط التكليف . وكأن العقل نقيض الإيمان .
فإذا قـرّر الأخ راضي الضميري، أن يُسقط عن نفسه الحق في التفكير، وإعلان عدم أهليته له .. فذلك شأنه، ولكن ليعلم أنه ليس من حقه تعميم اعتقاده وإسقاط قناعاته على الآخرين .
وإذا كان لا يمتلك مقومات الحوار، ولا تتوفر فيه شروط الباحث، ويشترط المجاملة في الحوار ..
فإنني أظن أن أخي \ راضي، قد أخطأ العنوان.. فليس في حوار الفكر مجالاً للمجاملة والقصور، وقد يجد ضالته في مجالات العاطفة.
فهو الذي قال عن نفسه :
لم أكتب ما كتبت ليقال عني مفكر – فأنا أيضًا لا أؤمن بتوزيع الهدايا المجانية ومن غير سبب وهذا لقب لا أستحقه ولا أسعى لبلوغه – كما أنني لست أدّعي الثقافة – وهذا منصب لم يكن يومًا من أولوياتي – ولم أكن باحثًا – ولهذا شروط لا تتوفر فيّ ...،
و...، وأيضًا لأنها يتطلب مجاملات لا أجدها تساهم في زيادة الفاعلية المطلوبة لدفع مسيرة التقدم ، فالمجاملات هي سمة أي حوار يكتب له الولادة ، ويحكم عليه بالموت سلفًا وحتى قبل أن يبدأ ، وأخيرًا وليس آخرًا فانا لا أملك في الوقت الحاضر كل المقومات التي تساعدني على التواجد المستمر ؛ وهذا ما يجعلني أبتعد قدر الإمكان عن مثل هذه الحوارات .
وسأتوقف في هذه المشاركة عند لفظة " تأويل "، والتي هي ضربٌ من علم الغيب .. الذي لا ينبغي لغير الله، أو من مـنَّ الله عليه بشيء من هذا العلم .. من رُسله الكرام.
فلفظة " تأويل " هي من أوضح الألفاظ دلالة في القرآن الكريم؛ ومع ذلك فهي من أبعد الكلمات عن موضعها وموضوعها استعمالاً في الثقافة العربية السائدة؛ حيث يتم تداولها على الساحة الرسمية والدينية كمرادف للفظة تفسير - تقريباً. ويتم تداولها على الساحة الشعبية والإعلامية – غالباً- كمرادف لكلمة تحريف أو تحوير .. والخطأ في الحالتين كبير.
ولا أَدّعي هنا بأنني لستُ مسبوقاً بالبحث والإشارة إلى المعنى الصحيح لهذه الكلمة. ولكنني أعتمد القرآن الكريم مباشرة كمرجع لغوي ومصدر فكري دون غيره، في موضوع دلالات الألفاظ.
ونحن هنا بصدد لفظة تأويل .. ( أوّل يُـؤّل تأويلاً .. تشير إلى مآل الأمر وحقيقته بعد الإشارة له ).
تجـدر الإشارة إلى أن تفسير بعض الإشارات القرآنية قد تأثر سلباً بسبب الخلط في فهم دلالة هذه اللفظة.
فلفظة " تأويل " حيثما وردت في القرآن الكريم نجدها تشير إلى أمورٍ أساسية ثلاثة، هي :
1- أن التأويل معناه علم من علوم الغيب، لا ينبغي لغير الله.
2- أن التأويل هو إحدى معجزات الله وآياته التي يؤيد بها رُسله.
3- أن التأويل هو التنبؤ بحقيقة الأمر مستقبلاً، استناداً إلى إشاراتٍ نظرية تتعلق به - تحصل في الحاضر.
وأنسب المواضع والمواضيع لاستعمال لفظة " تأويل " في شئون الناس هو استعمالها عند الحديث عن التنجيم والأحـلام، وما يُسمّى بقراءة الكف والفنجان.
فالأحلام تـُؤوّل ولا تُفسّـر. ومن الخطأ الشائع قول البعض " تفسير الأحلام "، والصحيح " تأويل الأحلام " .
وهذه دلالات لفظة " تأويل " مشروحة ومفصلة بالنصوص القرآنية الصريحة :
1- التأويل هو نتيجة عمليّة مستقبليّة لأمرٍ نظري حاضر أو ماضٍ .
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53 .
2- التأويل هو تحقق الأمر عملياً بعد التنبيه له نظرياً .
{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ }يونس39 .
3- التأويل هو التنبؤ بدلالة أمرٍ نظري، ومعرفة ما سيترتب عليه عملياً . وهو معجزة، لا تنبغي إلا لمن اجتباه الله من الرُسل .
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6 .
{...، وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21 .
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف36 .
{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }يوسف37 .
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }يوسف45 .
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }يوسف101
{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف78 .
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف82 .
التأويل في الآيتين الكريمتين من سورة الكهف، إشارة إلى ما كان يدور في نفس موسى- عليه السلام، حيث كان يرى أحداثاً تجري أمامه ففسرها في حينها ولم يستطع تأويلها، أي لم يستطع التنبؤ بنتيجة إيجابية لها في المستقبل!
4- التأويل هو قراءة لدلالة الأحلام ..
{قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }يوسف44 .
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100 .
.................................................. .................................

فإذا كانت مصادر أخي راضي، ومراجعه اللغوية، لا تستند إلى القرآن في فهم دلالات الألفاظ؛ والقرآن هو أصدق وأنقى وأصح وأبلغ وأفصح مراجع اللغة العربية، وطالما أنه لا يرى في نفسه مثقفاً ولا مفكراً .. فهو إذن لا يحاور بأفكاره هو، ولا يطلع على ما يدور من حوله ولا يتفاعل مع العالم ولا يواكب تطور فكر الإنسان، بل هو يُحاور بقناعات وأفكار ثابتة استقاها من غيره في زمن سابق، ولن يستطيع ولا يحق له التراجع عنها حتى لو ثبت له بطلانها وذلك لأنها ليست ملكه. ويبدو أنه يعتمد مبدأ الثقة العمياء ولا يعتمد العقل والفكر في التعامل مع مصادره مما ترتب عليه فهمه الخاطئ لدلالة لفظة التأويل؛ فاعتقد بأن التأويل ممكنٌ لكل من شاء حسب مصادره، فكيف له أن يُحاججنا في كتاب الله بما لم يقل به الله.!
إلا إذا كان - كما أسلفت- يتكلم بمنطق الوصاية على الدين والإنسان، وذلك منطق السياسة لا منطق الفكر. فنحن هنا في ساحة الفكر ليُعبّر كل منا عن ذاته وقدراته ويُحاور بما يراه صواباً انطلاقاً من قناعاته وبحجته النابعة من بنات أفكاره، والتي يستطيع تغييرها متى ثبت له عدم صوابها. أما مصادر الفقه القديمة فهي متاحة بضربة زر لكل من آثر راحة العقل، ورأى أن يكون تابعاً دون تفكير، وكلٌ مسئول عن نفسه ومحاسب بمفرده.
تحياتي للجميع، وأرجو أن تسمح لي الظروف بمواصلة الحوار..

راضي الضميري
14-12-2008, 11:43 PM
في إطلالتي الأولى على منبر الفكر والحوار المعرفي
أبعث خالص الحب والشكر والتقدير للأستاذ / راضي الضميري حفظه الله ورعاه
على وقفاته الغيورة، وقلمه الناصع، وفهمه المستنير مما فتح الله له، وأجراه على لسانه وقلمه، ثبته الله وسدده ووفقه ...
وهمسة حب أبعثها للأستاذ الزوي ثم للأحبة جميعا من بعده .. أن الإخلاص في النصح للأمة والقوم وحده لا يكفي، فأنا أعتقد أن الغيرة والإخلاص على حال الأمة في أن تستيقظ من الغفلة والخمول الذي أصاب تفكيرها وجعلها حبيسة واقع مرير لا مخرج منه إلا بعون من الله عظيم.. أعتقد أن هذه الغيرة ظاهرة في كل صاحب قلم حر وكريم من كتاب الواحة الكرام وأدبائها ..وهي مما يقدر ويرفع به الرأس عاليا .. لكن ذلك وحده - حتما - لا يكفي، وقد صدق من قال:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
على أي حال، الحوار خير كله بإذن الله، وما أحسب أن حوارا جادا وأصيلا ومعتمدا على ثوابتنا وأسسنا إلا سيقودنا إلى خير وصواب بإذن الله ..
وأنا أهيب بالأستاذ / راضي وبقية الأخوة أن يكرمونا بما تجود به أقلامهم لإثراء الحوار - كمبدأ وفكرة ولا أقصد به موضوع هذه النافذة بالذات - حتى يأخذنا إلى بر الحقيقة وشاطئ الأمان ..
تقبلوا خالص التحية
ودمتم بخير وعافية

الأخ الفاضل سالم العلوي
أرحب بك في منبر الفكر والحوار المعرفي ، وكلنا هنا أخي الحبيب في خدمة أمتنا وقضاياها المصيرية ، ونحن إذ نختلف في أفكارنا ؛ فإننا نختلف من أجل الرقي بهذه الأمّة والذود هن حماها ، ولا نبغي من وراء ذلك إلا وجه الله تعالى .
أشكرك على مداخلتك القيمة ، وبارك الله فيك .
تقديري واحترامي

راضي الضميري
15-12-2008, 12:07 AM
الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي
بعض الملاحظات السريعة لأنّ الوقت ضيق ولا يسمح بالمجاملات كما أنني لا أحمل دفتر ملاحظاتي والتي دونت فيها كل ملاحظاتي حول كل كتاباتك .
وقبل أنْ أبدأ أحب أنْ أوضح أمرًا مهمًا ؛ ألا وهو أنّك كتبت حول أمور لا علاقة لها بالقراءة التي قمت بها ، بل ابتعدت كثيرًا لدرجة أنك حوّلت الموضوع من قراءة نقدية إلى أمور شخصية ، ولم تتعرض لأي نقطة وردت في القراءة ، وبما أنّك (مفكّر )ويطيب لك أنْ تعرّف نفسك أمام الآخرين بأنّك كذلك ؛ ويطيب لك أنْ تنادى بهذا اللقب والذي بات يمنح الآن لكل من هبّ ودبّ، فأرجو أنْ تقرأ بعناية ما كتبته سابقًا وما سأكتبه الآن .
1- حول موضوع كلمة تأويل والتي كتبت بالشدة فوق حرف الواو ، فلو أنّك قرأت فعلًا ما كتبته لوجدت أنّ هذه الكلمة وردت وفي أحيان كثيرة وبدون الشدة التي لفتت انتباهك – ومع الأسف – ولم تجد غيرها لتعلق عليه .ولتعلم أنّ من يكتب موضوعًا بهذا الحجم ، فكثيرًا ما يقع في الأخطاء الإملائية ؛ ولا ينجو من هذا الأخطاء إلا من رحم ربي . كما أنّ وقتي لا يسمح أحيانًا بمراجعة كل الأخطاء الإملائية ، نظرًا لكوني لا أمتلك جهاز كمبيوتر ، وأيضًا لأنني أكتب من مقهى إنترنت ، وهذا مكلف كما تعلم .
2- بخصوص تعليقك على أنني ذكرت بأنّي لم أكتب ليقال عني بأنني مثقف أو مفكّر ، فمع الأسف فهذا يؤكد ضعف حجّتك في عدم الرد على الموضوع ، بل إنّك لم تجد ما ترد به أصلًا ، ولعلّك تعتقد أنّ هناك من يكتب ليقال عنه كاتب أو مثقف أو مفكّر ، وكأنّه بذلك يزكي نفسه أمام النّاس ، فأحببت أنْ أقول لك أنني لا أكتب منْ أجل الثناء أو المديح ، وأضعف النّاس حجّة من يصنف نفسه ، ويصفها بأوصاف قد لا تنطبق عليه . أمّا تعليقك حول عدم أهليتي للتفكير ؛ فهذا قد رددت عليه أنت بنفسك حين عجزت عن الرد على أي فكرة من أفكارك ، وهذا واضح بشكل جلي في ردك والذي لا يتناسب مع مداخلتك رقم ( 5 ) والتي قررت فيها أنّك سترد على كل ما جاء في هذه القراءة إذْ قلت " وإني أعدك - إن شاء الله تعالى- بالإجابة الواضحة الكاملة على كل تساؤلاتك وتحفظاتك وانتقاداتك واعتراضاتك التي هي من حقك ومن حق كل قارئٍ كريم أمين مسئول "وواضح أنّك بعد هذه الغيبة الطويلة قد عدت بخفي حنين ، فلا أنت رددت بما يتناسب وهذه القراءة ، ولا أنت التزمت بما وعدت به من الإجابة على كل ما طرح .
3- لو أنّك قرأت أي كتاب لأي مفكّر أو باحث ؛ لوجدت أنّه قد اعتمد على كتابات الآخرين حول الموضوع الذي تعرض له ، ولوجدته قد استدل بها إمّا لتأييد فكرته ، وإمّا لنسف فكرة الآخر ، وبما أنّك (مفكّر ) فقد كنت أتوقع منك أن تنقد كل ما كتب وبالحجّة والبرهان وأن تدافع عن أفكارك بالحجّة والدليل .
4- إنّ عدم درايتي لمدلول لفظة التأويل وكما تفضلت وذكرت ذلك ، ولو صحّ ذلك ؛ لكان هذا قد سهّل لك الأمور في الرد بشكل واضح على كل ما ذكر في القراءة ، ولكن لم ترد على أي شيء مما ذكر .
5- ينبغي عند من يدّعي وينادي بإعمال العقل في أي أمر أنْ تكون النتائج التي يخرج بها موافقة للعقل والفطرة السليمة ، ولو أنّك راجعت ما كتبته أنت ، وما كتبته أنا لعلمت أنّك لم تستخدم العقل في مجمل أفكارك ، بل كل ما كتبته أنت كان عبارة عن تخيلات وتلاعب بالنصوص ، حتى أنّ العقل أُتهم ظلمًا بأنّه موجود في تلك الأفكار ، والتي سأعيد طرحها في نقاط لنرى مدى عبقرية أفكارك وهي باختصار شديد :
1- لم ترد على قضية الاجتهاد و الحديث الذي يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، وإذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر " وسبق وأن ذكرت لك أنّ هذا الحديث هو للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أدرجته أنت وبشيء من التهكم عند من يقولون به ويعملون به ، ولعلّك لم تعلم أصلًا أنّه حديث شريف ، لذلك لم تعرف كيف ترد عليه .
2- لم ترد على مقولتك والتي ذكرت فيها أنّ المؤمنون بعقيد النقل يتجاهلون أنّ كل ما هو منقول ما عدا القرآن هو نتاج عقل بشري ، ولم تعرْ أي اهتمام لكل ما صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، ويبدو أنّك مصرّ على رأيك ، وقد سبق القول مني أنّ هذا خطأ محض قد أوقعت نفسك فيه ، لأنّ هذا الأمر – أي ما صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم – لا ينتهي بتقادم الزمن أو تغييره ولا تنتهي صلاحيته، وواضح أنّك لا تعرف شيئًا حول هذا الأمر ، لدرجة أنّك لم ترد على الأحاديث التي نهت عن تجاوز كل ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أنكّ لم ترد على الآيات التي تطالب بإتباعه .
3- لم ترد على قضية مسألة الدين ، وتفسيرك وتأويلك للآية الكريمة التي وردت في سورة البقرة ورقمها 282 ، حتى أنّك لم تحاول الدفاع عن وجهة نظرك ، والتي لا محل لها ولا قيمة لها في عالم التفسير أو التأويل ، بل جاءت مخالفة للنصّ القرآني ؛ والذي عبر عن مدلولها بشكل يستطيع فهمه كل من يقرأ القرآن ، وحتى لو لم يكن من أهل العلم .
4- لم ترد على قضية خلق سيدنا آدم عليه السلام والمراحل التي ذكرتها وصنّفتها بشكل مخالف للكتاب والسنّة وبدون دليل أو برهان ، بل قد تهربت من هذا الموضوع ، علمًا أنّ ما ذكرته أنت في تحليلك لهذه المسألة كان ليس تلاعبًا بالنصوص فقط ، وإنما نزع القدسية عنها ، بل اعتبرتها كأي نصّ عادي يجوز لأي إنسان استيقظ فجأة وفكر لثواني معدودة فيما يجب عليه أن يفعله لكي يبهر به بعض القراء الذين يطيب لهم أن يجاملوه بكلمة مفكر ومثقف ؛ فكانت النتيجة مقال لا حجّة تسنده ولا دليل يدعمه .
5- لم ترد على مسألة طرحتها – أنت – ورددت عليها – أنا – ألا وهي : متى كلما ذكر الله تعالى كلمة بشر بصورة اعتيادية – على حدّ تعبيرك – فإنها تحط من قدر الإنسان ، مع أنّّك ذكرت آيتين في سورة يوسف آية 31 وفي سورة التغابن آية رقم 6 ، وكان هذا استدلالًا خاطئًا منك ، فالآيات لا تفيد ما ذكرته أنت ، ومن أنّها تحط من قدر البشر .
6- لم ترد على قضية الملائكة الكرام وأدراجك لكلمات تقول أنّها صدرت عنهم ومنها أنّها استغربت – أي الملائكة - واستهجنت وتحفظت حول خلق سيدنا لآدم .
7- لم ترد على قضية سيدنا إبراهيم عليه السلام وسؤاله لله تعالى بكيف تحي الموتى ، وربطك لهذا السؤال بموضوع فلسفي لا علاقة له البتة في قضية البحث عن الإيمان وزيادة أو عدم زيادته .
8- لم ترد على قضية إبليس وتواجده مع الملائكة ، علمًا أنّّك طرحت أفكارًا حول هذا الموضوع أقل ما يمكن أنْ يقال عنها أنّها قد شككت بعدالة الله سبحانه وتعالى ، وتشكيك في المشيئة الإلهية حول هذا التواجد ، ومحاولة لفت الأنظار إلى حصر هذه المشيئة بهبوط آدم إلى الأرض .
9- لم ترد على مسألة الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، ونفيك له ، مع أنّك ذكرت ذلك وبصريح العبارة ، ثمّ تغاضيت عن الرد عليه هنا وفي مكان آخر .
10- لم ترد على تعليقي حول تفسيرك للآية رقم 16 في سورة الإسراء ، مع أنّك ذكرت أنّ الله تعالى قد ألهمك الجواب ، ولا نعلم فيما إذا كان الوحي قد عاد من جديد ، ولا يحق لأحد التعقيب على وحيك ، فتغاضيت عن الرد .
11- لم ترد على مسألة أبرهة ومثالك الذي ذكرت فيه تطور القوة المادية لساكن مكة المكرمة – المدافع عن الكعبة - مع إغفالك للتطور الحاصل – تلقائيًا - للعدو القادم لهدم الكعبة ، فبدا مثالك مثل حفنة تراب هجم عليها الريح في ليلة شديدة الظلام ، فجعله أثرًا بعد عين ، مع أنّه لم يكن له أي أثر أصلًا .
12- لم ترد على إدراجك لآيات كريمة وصفت فيها أمّة كاملة بالكفر والنفاق والتخلف والجهل ، وكأنك تملك عكس كل ذلك .
13- لم ترد على قضية قتال المسلمين لعدوهم وتفوقهم عليه ، رغم تفوق العدو عليهم بالعدد والعدة ، ولم يجنّ أحد في الأرض كما زعمت أنت ، وواضح أنّك لم تقرا التاريخ ؛ ولم تسمع بمعارك المسلمين التي خاضوها مع أعدائهم . وواضح أنّّك سمعت بذلك فقط ولا أدري ما هي مصادرك .
14- لم ترد على قضية التناقض الذي بدا واضحًا في كلامك فيما يخص الصحابي الذي قضى ثلاثة أيام في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم انطلق داعيًا في سبيل الله تعالى وقد منحته- أنت - فتوى تجيز له ذلك ، في حين أنّك نفيت تلك المسألة – الفتوى - عمّن قضى حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فحكمت عليه بأنّه حديث عهد بالإسلام وضغوط الجاهلية لها كان دور في اتخاذه لقراراته مما يجعل القبول بها محل تشكيك . فكانت الفتوى الأولى مبررًا مشروعًا لقيامك بالتحليل والتفسير والتأويل في كل الأمور وبخاصة الآية في سورة البقرة والمتعلقة بمسألة الدين ، في حين كانت الفتوى الثانية غير مكتملة الشروط فيما يخص الصحابة الذين قضوا حياتهم في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم و التي تؤهلهم للدعوى إلى الله .
15- بكلمة واحدة أنت لم ترد على شيء ، بل إنّك تجاهلت كل ما كتب ، فكان كلامك بعيدًا عن منطق الحوار الذي اشتكيت منه في احد الأيام وذلك لعدم وجود المحاورين إذ تقول في إحدى ردودك على أحد الأعضاء ( " أما الكلمة فهي .. أني لاحظت أمرين لم يروقا لي ، وسأبذل جهدي في واحتنا الغراء ..لأنبه لهما وأستنير بآراء الأدباء والمفكرين أمثالك .. وهما :
1- عدم وجود المحاورين في منتدى الفكر .. المحاورون الذين يكملون مشوار تبادل الأفكار إلى نهاية المشوار للخروج برؤية موجدة حول الأفكار المطروحة .
2- الندرة القاتلة في وجود من يدافع عن فكرته بأسلوبه وبنسجه الخاص . حيث انه يغلب على الفكر بيننا طابع النقل عن الآخرين وكأن لدينا عجز في المفكرين الذين يتبنون الفكرة ويعملون على برهنتها ، ومن ثم يقبلون براهين الآخرين أو يدحضونها بالحجة .( ورد هذا في موضوع أبو يكر سليمان الزوي والمعنون بـ " يحتفظ الفقراء بالأسباب .. وينعم الأغنياء بالنتائج " بتاريخ 11/9/2007 مشاركة رقم 7 رابط الموضوع https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25409 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25409) ) وهنا يحق لنا أنْ نتساءل حول ما ذكرته وما اشتكيت منه ، وكيف أنّ أفعالك جاءت مخالف لكلامك ؟؟
16- يبدو أنّك نسيت ما تردده دوما منْ كونك تتقبل آراء الآخرين انتقاداتهم ، إذ ذكرت حرفيًا وفي أكثر من مكان أنّك مستعد لقبول الرأي والرأي الآخر ، لكنك - مع الأسف لم تطبق ذلك إذ تقول في ردك على أحد الأعضاء " وأرجو أن لا تترددي في النقد وإبداء رأيك بكل صراحة ...فأنا على استعداد لسماع كل وجهات النظر ... وأتخذ من النقد وآراء الآخرين منطلقات للكتابة والفكر ..ولا أجد في نفسي شيئًا تجاه من ينتقدني " ( جاء هذا في نصّ لأبو بكر سليمان الزوي والمعنون بــــ حذار من شبهة التشاؤم (2) بتاريخ 9/7/2007 مشاركة رقم 3 ورابط الموضوع هنا https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=24222 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=24222) ، وأيضًا ذكرت في مكان آخر أنّك تتقبل النقد و ... و .. الخ إذ تقول " أرجو أن أكون عند حسن ظنك ..أقبل النقد – ولا أجد في نفسي حرجًا .. " جاء هذا الكلام في نصّ بعنوان " جنون السؤال ... أخشى أن يباغتني ما أبحث عنه ... ! " بتاريخ 23/9/2007 مشاركة رقم 9 ورابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25714 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25714) ، ومن يقرأ هذا الكلام الجميل – وبدون أنْ يعرف أنّ صلاحيته قد انتهت – سيعتقد فورًا أنّ الحوار مشروع ومطروح ، ما دامت هناك قابلية واستعداد نفسي عند الطرف الآخر الذي يتكلم في هموم ومشاكل الأمّة للحوار ، وبدون أنْ يمر طبعًا على هذه العبارة الجميلة والتي ذكرها ( مفكرنا ) في مكان آخر و في إحدى ردوده على أحد الأعضاء والتي جاءت في معرض تبريره لرده على هذا العضو " ولكني أنا الآخر لي أحاسيسي ومشاعري ..وأدرك تمامًا أصول الأدب والفكر – ومعايير الحوار والكتابة والردود .. وقد كان عنوان المقالة واضحًا ( قل أنا أقول ... ولا تقل أن يقال " بتاريخ 10/7/2007 مشاركة رقم 19 ورابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=24005 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=24005) ولا أدري حقيقة ما علاقة المشاعر والأحاسيس بالكتابة الفكرية وهموم الأمّة ؛ ما دام هذا ( المفكّر أو ذاك ) يتكلم في قضايا خطيرة ومهمة . وكيف يمكن أنْ نوفق بين القبول والاستعداد للنقد والحوار مع وجود مثل هذه العبارة والتي ثبت أنّها هيّ من يقود الحوار لا الفكر والحجّة والدليل والبرهان .
إنّ ردك الذي أدرجته على قراءتي لا علاقة له بتلك القراءة ، بل إنّك بدوت كالموتور الذي يحاول أنْ يثأر لنفسه من خلال كلمات ناقضت كل ما تنادي به ، وكل ما تدعو إليه مع الأسف الشديد ، ولو أنّك قمت بالرد على الأفكار التي قمت أنا بنقضها لكان ذلك أفضل من الوقوع في حمم التناقضات التي تدينك ، ولكني أعذرك تمامًا ، وأحمد الله تعالى أنني لم أناقش كل أفكارك وأطرحها ههنا وقد كنت على وشك فعل ذلك ، رغم أنني أوضحت في قراءتي أنّ من يطّلع على هذه القراءة فكأنما قرأ كل " أفكارك " . وقد كنت أنتظر ردك لأكمل قراءاتي حول مواضيعك ، لكن يبدو أنّ غيابك لم يأتي بجديد يذكر ، وكل ما فعلته أنّك كنت غاضبًا ، ومتشددًا لكل أفكارك ولك تقبل المساس بها ، وهذا التشدد هو ما تنكره أنت في كل كتاباتك ، ولكنك وقعت فيه مع الأسف الشديد .ومن يطالع كل مواضيعك سيجد أنّك تتجاهل الرد حول بعض الأمور التي لا تملك لها جوابًا .
شكرًا على نقدك لقراءتي بهذا الأسلوب العلمي الراقي والمفيد ؛ والذي أثرى الحوار فعلًا .
تقديري واحترامي .

أبوبكر سليمان الزوي
15-12-2008, 07:19 PM
السلام عليكم جميعاً ..

كانت مشاركتي الأخيرة موجهة بالأساس إلى الإخوة المتابعين والمشاركين، حيث إنني لم أجد بين المشاركات -كلها تقريباً- من اختص نقطة بعينها بالتحليل - تأييداً لهذا الطرف أو ذاك - من النقاط العديدة التي أشار لها أخي \ راضي، في قراءته النقدية.
ولأن المشاركة كانت موجهة للجميع، فقد اتسمت بتعميم الخطاب تمشياً مع لغة المشاركات.

وقد خصصت جزءاً كبيراً من تلك المشاركة لمدلول مفردات العنوان .. فكما يُقال .. المكتوب يُقرأ من عنوانه.
حيث إنني لو أغفلتُ العنوان، لكان ذلك دليلاً على أنني أدّعي القدرة على التأويل، أو أنني أجهل معنى كلمة تأويل .. فلا أُفـرّق بين التأويل التفسير.

وقد لاحظتُ أن أخي\ راضي الضميري- سامحه الله، في رده الأخير، يتهمني بالقصور، وبالتراجع عن تعهداتي السابقة.
وهو بذلك يعتقد أو يتوهّم بأن ما كتبته في تلك المشاركة هو كل ما أملك، وهو (خفي حنين ) اللذين عدتُ بهما بعد غيبتي الطويلة كما قال.

وأنا الآن هنا لأقول وأتساءل:

أولاً يجب مراعاة الأمانة العلمية عند نقل النصوص المستدل بها.. حيث إن إخراج جزء من النص خارج سياقه بقصد نقده والاستدلال به ضد كاتبه ... هو أمرٌ معيبٌ ولا يليق بنا، وربما يشي بنية مبيتة لا بالبحث عن الحقيقة. وذلك كما فعلت ..أخي راضي، في مشاركتك الأخيرة، فأتيت بأجزاء من كتاباتي - خارج سياقها -، وكان الأجدر بك أن تحاورني عنها وتنتقدها حيث هي في سياقها وموضوعها الكامل، أو أن تأتي بكل ما يتعلق بها من أجزاء النص لتكتمل الصورة لدى القارئ. وأنا على يقين من أنك تدرك هذه الحقيقة جيداً..

فلاحظ أخي راضي، أنني عندما قلتُ بأن الأخ راضي، ينفي عن نفسه القدرة على التفكير، كما ينفي عن نفسه أن يكون باحثاً أو مثقفاً. حينها نقلتُ نصك كاملاً، ولم أجتزئ منه ما يخدم أهدافي كما تفعل أنت مع بالغ الأسف.
فأنت يا أخي راضي، قد قلت عن نفسك( وهذا لقب لا أستحقه ولا أسعى لبلوغه – كما أنني لست أدّعي الثقافة – وهذا منصب لم يكن يومًا من أولوياتي – ولم أكن باحثًا – ولهذا شروط لا تتوفر فيّ – ...) .. فقد كان بإمكاني نقل هذه الجزئية فقط، لو أنني لا أمتثل للمنطق والحق والأمانة العلمية .

فأنت لم تقل فقط ما اجتزأته وأدرجته في مشاركتك الأخيرة وكأن هذا ما انتقدتك فيه.. من أنك لا تكتب ليقال عنك مفكراً. فهذا إخفاء للحقيقة واستغفال للقارئ ومدحٌ للذات وتنزيه وتبرئة لها ( وأنت كما تقول لا تقبل مثل هذا الأسلوب، كما أنني لا أقبله لك)، وهو كذلك استدرارٌ لتعاطف القارئ، ودخول من الأبواب الخلفية لقلوب القراء .. كما تعلم .

فليعلن الإنسان عن نفسه صراحة، من يكون وماذا يمتلك من قدرات .. وما يكتبه سيشهد له أو عليه. فالقراء والأعضاء وإدارة الموقع ليسوا سُذجاً ليمنحوا لقب المفكر أو الكاتب أو المثقف لكل من هب ودب كما تـزعم وتعتقد وتتهم.. فهم عقلاء ويقرءون ويُقارنون ويتابعون ويسألون ..

ثم من هو العاقل من وجهة نظرك، الذي يقول عن نفسه أنا مفكر أو مثقف. ومن هم البُلهاء الذين سيُصدقونه أو يُجاملونه لمجرد رغبته أو جنونه أو بلاهته.

وفي المقابل، فإن من يُعلن بأنه لا يستحق لقب المفكر، وأنه ليس باحثاً ولا مثقفاً- وأن الشروط الواجب توافرها في هذه الألقاب تنقصه - في زمن أضحت فيه الثقافة والمعلومات في متناول الجميع .. فذلك أمرٌ يدعو للتساؤل والتردد في محاورته.
فالحوار جهدٌ ووقتٌ كما تعلم، ولسنا هنا للتسلية وإضاعة الوقت مع من يضع مثل هذه العراقيل في طريق الحوار، ويُسفه الأمر قبل انطلاقته.

فهل أنت يا أخي راضي الضميري\ مستعدٌ للحوار بأفكارك وقناعاتك الذاتية الآنية - بغض النظر عن مصادرك الأساسية!
وهل أنت جادٌ فيه وقادرٌ عليه وراغبٌ فيه.. بحثاً عن حقيقة مبرهنة يقبلها العقل الذي هو مناط التكليف!
وهل أنت جاهز للمتابعة( لا أقصد متابعة يومية فلكل منا ظروفه والتزاماته الأخرى) !

أم أنك ممن يؤمنون بأن الإيمان يكون من وراء العقل ودون موافقته. ويعتقدون بأنهم يمتلكون الحقيقة وكفى، وأنه على الآخرين الامتثال لآرائهم والسير وفق قناعاتهم.
فهم ينظرون لأنفسهم بأنهم مهتدون راشدون لا غبار على صحة إيمانهم. وينظرون إلى غيرهم كضالين يجب نصحهم أو ردعهم.

أسألك بالله، أن تجيبني بأمانة، أو أن تقول لا إجابة!
من أي الفريقين أنت!

هل أنت من الفريق الذي يُعـوّل على الفكر، ويؤمن بأن الحقيقة الكاملة المبرهنة لا يمتلكها أحد من البشر. فيُجدي معك الحوار الفكري وتُقيم للعقل وزناً، حيث يمكن محاورتك بالعقل وبنصوص القرآن مباشرة! وتقبل نتائج الحوار إذا تعارضت مع مسلماتك السابقة !

أم أنت من الفريق الذي يضع النتائج مسبقاً وقبل انطلاق الحوار، حيث لا جدوى من محاورته، فهو يرى في نفسه مؤمناً راشداً، ويعتقد جازماً بأنه على صواب، وأن رسالته هي هداية المخالفين له في الرأي .. وكفى!

وللتذكير أقول إن بعض النقاط التي أثرتها في قراءتك هي أكبر من أن تعالج في مشاركة كغيرها من النقاط الصغيرة، فربما احتاجت منا بعض النقاط لموضوعٍ منفصل لتأخذ حقها من الكتابة والقراءة الدقيقة... كموضوع الناسخ والمنسوخ .. مثلاً ...

أما موضوع غيابي مؤخراً، فلا علاقة له بموضوعك، وقد كتبتُ عنه في ( سجل الحضور والغياب).. والله شاهد ويعلم الصادقين من عباده ويعلم المفترين!

أخيراً .. أنتظر منك جواباً إيجابياً وواضحاً لا لبس فيه، على تساؤلاتي أعلاه، لنبدأ بعدها الحوار حول نقاطك واحدة واحدة- كما وعدتك ووعدت الأخوة المشاركين والقراء.!
وأنا أدعو باسمي وباسمك بقية الزملاء إلى المتابعة والتقييم.
وقد أدعو إدارة الملتقى والرابطة لمتابعة هذا الحوار، وتقييم النتائج والحكم على الأفكار، وتوثيق الموضوع !!!

تقبل تحياتي، واعتذاري الصادق، إذ يبدو أن مشاركتي السابقة قد أثارت حفيظتك، مع أنها موجهة للآخرين بالأساس. حيث إنني لم أجد منهم من تساءل حول العنوان والفرق بين التفسير والتأويل؛ كما لم أجد في مشاركاتهم الدقة والتفصيل المتوقعين!

أشكرك، وتحياتي للجميع ..

معروف محمد آل جلول
15-12-2008, 07:48 PM
أخي المحترم ..الأستاذ أبو بكر..
أخي القدير ..الأستاذ راضي الضميري..
سلام الله عليكما ورحمته تعالى وبركاته..
قرأت النص..ونقده.. ورده..
أولا:ذكر الأستاذ المحترم أبوبكر..في موضوعي // مسؤوليتنا الحضارية //
أن هناك من لايفرق بين الثقافة والفكر..ولابين العالم والفقيه..
هنا لأأكد ..
ذكرت في نفس النص المنقود..علاقة الثقافة بالعقيدة..
الثقافة ثمرة عقيدة..
ما خرج عن العقيدة ..فهو بدع وليس ثقافة ..
الأستاذ أبوبكر يفهم البدع ثقافة بحجة أمور واقعة في الميدان..متداولة ..
فهل أباح لنا الإسلام ..جعل الخطأ ـ غير المنسجم مع المنهج الرباني ـ ثقافة بحجة التواجد والتداول؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تداخل بين الثقافة والفكر..والعقدة المعقودة بينها ..
المنهج الرباني..
الثقافة هي ما يحيط بالإنسان ..كل المحيط..
الفكر مشتق ببساطة من الفكرة ..
ولكنه أداتها ..مناط صياغتها ..وهنا ارتبط بالعقل..
والفكر والثقافة في تنافذ وتماهٍ..وتكامل..
تأثر وتأثير متبادل..
كل مختص عالم ..في مجال تخصصه ..
وبالمعادلة المنطقية التي يفهمها الأستاذ أبوبكر..
الفقيه ..عالم ..في تخصصه الفقهي ..
ونستنتج أيضا :
الفقيه عالم ..هو أيضا..
العلم درجات كما العلماء درجات في نفس التخصص..
ـ أعود إلى النص المنقود..هنا ..
نلاحظ استناد الأخ المحتر راضي ..الذي يرفض حتى مجرد المجاملة ..على أدلة شرعية ..ليبطل المفاهيم ..بالحجة العقلية ..بعد الشرعية ..
وننتظر من المحترم أبي بكر..دحض هذا الكلام إن كان مجرد ادّعاء..
ونرفض الدخول في الجدل..
ومؤشراته حضرت ..
الانتقال من النص إلى المؤلف..
نعمل هنا بالنقد الغربي الحداثي الذي يقول ..موت المؤلف ..
أنتما أمام نص وليس شخص..
والرسالة تدعوكما إلى تجنب الجدل..
نهايته خصومة وعداء..
خالص تحياتي ..
لأخويَّ الاثنين معا..

راضي الضميري
16-12-2008, 12:11 AM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
لنضع النقاط على الحروف ؛ ولنكن واقعيين في التعامل مع أنفسنا و مع الآخرين .
ملاحظات للسيد أبو بكر ولجميع القراء والمتابعين المحترمين :
1- لقد قمت بقراءتي هذه بعد أن اطّلعت – وكما قلت في مداخلتي رقم 6- على كل كتابات أبو بكر هنا وفي مدونته وفي كل مكان استطعت الوصول إليه ، وقرأت معظم مشاركاته أيضًا ، وردوده على مواضيع الآخرين ، ومن ضمن هذه الردود فهمت أنّه يتقبل النقد بصدر رحب ، وقد بيّنت هذا في مشاركتي رقم 20 ، ولو لا ذلك لما قمت بهذه القراءة أصلًا ؛ لأنني لا أملك الوقت الكافي للخوض في مثل هذه الأمور رغم خطورتها وأهميتها ، ولا وقت لدي للخوض في جدال عقيم لا فائدة منه ، ولن نعيد تاريخ السفسطة والديماغوجية التي أكل الدهر عليها وشرب وباتت واضحة للجميع ، وقد بيّنت أيضًا الأسباب التي تمنعني من ذلك .
2- لقد كنت واضحًا في قراءتي ، وأنني إنمّا أناقش فكر ، ولا علاقة للفكر بشخص الإنسان الذي يحمله ، فإن كان هناك من يحمل فكرًا نقيًا وهادفًا وذو فائدة للمجتمع أيًا كان صاحب هذا الفكر ؛ فنحن معه نؤيده ونستقبله بصدر رحب ، ونأخذ منه ما يتوافق مع عقيدتنا وقناعتنا الدينية ، وقد أشرت في قراءتي لبعض الأسماء التي تدّعي أنّها صاحبة فكر هادف وواعي ، لكنّها ارتكبت مخالفات جسيمة في حق الدين وأتباعه ، ولم ينجو منها لا نبي ولا صحابي ولا فقيه ولا أي أحد ، وكنت بصدد طرح بعض الأفكار التي ينشرها ويعتنقها هؤلاء الأشخاص والتعريف بأصحابها ، وقد فرقت في قراءتي ما بين هؤلاء الأشخاص والسيد أبو بكر ، ولم أضعهم في خانة واحدة ، وقلت إنما اجتهد أبو بكر وأخطأ في بعض الأمور ، ونحن سنناقش هذه الأمور وفق حوار منهجي وملتزم لا يخرج عن أصول الحوار وآدابه .
3- لقد كان ردّ السيد أبو بكر في مشاركته رقم – 5- مشجّعًا على التواصل ومتابعة الحوار ، فإذا به وبعد غياب لا تهمني كثيرًا أسبابه – ونسأل الله تعالى أن تكون خيرًا – يقوم بنقد خطأ إملائي في مشاركته رقم - 18 - ويعلق عليه بشيء من السخرية والتهكم ، ثم يستشهد بمقولتي التي أوردها والتي لا علاقة لها بالقراءة أصلًا ، إنّما قلتها بناءً على قناعتي التي خرجت بها بعد قراءتي لأفكار معظم الكتّاب الذين يطلقون على أنفسهم كلمة مفكرين ، ويبدو أنّ السيد أبو بكر تشبث بهذه المقولة ليوحي للجميع بأنّ هذا الذي نقد أفكاري ينفي عن نفسه الفكر والثقافة ، حتى أنّه يصف نفسه بأنّه ليس بباحث ، فكيف نقبل منه ما كتب ؛ وكأننا في نادي ويشترط في عضويته الحصول على لقب حتى ننخرط في صفوفه ونمارس حريتنا في الكتابة .
4- المشاركة رقم – 18- للسيد أبو بكر لا علاقة لها بكل ما كتب ههنا ، بل إنّه تعمد أنْ يطعن فيّ من خلال قوله أنني لا أملك المؤهلات التي تمكنني من الحوار ، وأنني لا أعمل العقل في كتابتي لهذه القراءة ، ووصفني بأنني أتكلم بمنطق السلطة الفوقية والكهنوتية ... الخ - في إشارة واضحة لمن تكلم باسم الإسلام سابقًا وحاليًا ووصفوا بالكهنوت أي رجال الكنيسة التي أعمت العقل وحاربته - وهذه الأوصاف لا تليق بمن ينادي بالعقل ليل نهار ويطالب بإتباعه ، وأنا لم أنزعج حقيقة من هذه الأوصاف التي أطلقها بشكل عشوائي وغير مدروس ، فكل إنسان يعرف نفسه وقدراته ، وما تفضل به لا علاقة له بكل ما جرى . بل إنّه أيضًا يحاول أنْ يبيّن من خلال تعريفه لكلمة تأويل – وقد قمت بإدراج عدة تعريفات لها في قراءتي – ومن خلال الآيات القرآنية التي أدرجها أنْ يجد العذر لنفسه في كل ما كتب ، وهذا خطأ واضح وقع فيه ، لأن التعريفات الكثيرة والتي لا تخرج في مجموعها عن الهدف الذي ترمي إليه كلمة تأويل ؛ إنما تصب في خانة واحدة ، مفادها أنّ من يقّحم نفسه في قضايا التأويل فهو مطالب شرعًا أنْ يبيّن الأسباب التي دعته إلى صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجح ، وبغير ذلك يصنف كل ما قام به هو إنما تأويلًا فاسدًا وتلاعبًا بالنصوص موضع التأويل ، وهذا ما قمنا بتوضيحه ، وما قامت القراءة على أساسه ، ولكن السيد أبو بكر لم يفعل شيئًا بخصوص هذا الأمر ، بل تعمد أنْ يحوّل الموضوع عن هدفه المعلن ، من أجل صرف أنظار المتابعين عن القراءة التي قمنا بها ، إلى أمور لا علاقة لها بها ، وليبدو الأمر وكأنّه نزاع شخصي ، وهذا ما نبهنا إليه في بداية قراءتنا ، إذ قلت أنني أخشى أنْ يتحول الأمر إلى غير ما أريد له .
5- لا يشترط أبدًا أن يكون الناقد أعلم من المنقود ولا بمنزلته ، فقد يكون أعلم منه ، وقد يكون أقل علمًا منه ، وفي النهاية فإن الحكم على ما يكتب وينشر يكون من خلال القيمة الأدبية أو الفكرية أو التاريخية للموضوع محل النقد والدراسة .
6- إنّ المصادر اللغوية والتي يقول أنّها لا تستند إلى القرآن في فهم دلالات الألفاظ و التي تكلم عنها السيد أبو بكر والتي زعم أنني لا أمتلكها في محاولة لوضع الكرة في ملعبي لعلّها تكون في مصلحته إنّما هي محاولة لم يكتب لها النجاح ، لأنّ كلامه لو كان صحيحًا لما وجد أي عناء في الرد علي قراءتي ، فإذا كنت على حدّ زعمه لا أفهم في الأمور الفكرية والثقافية والبحث و .. و.. ولست مؤهلًا للحوار والنقد ، فإنني أتساءل كيف لو كنت مؤهلًا كما تحب وتريد ؛ كيف ستكون النتيجة وكيف سيكون ردك ؟
7- لقد سبق وأنْ قلت أنني قمت بقراءة كل مواضيعك التي استطعت العثور عليها ، وقلت لك أنّك تتكلم في أمور ليست جديدة ، وقد تعرض لها معظم المفكّرين والكتّاب ، وأنّك لم تأتي بجديد ، سوى نقدك المتواصل لهذه الأمّة ، ووصفها بالجهل والتخلف إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا تليق بها ، لدرجة أنّك توصلت في إحدى مواضيعك لتقدير عدد المؤمنين من المسلمين والذين - على حدّ تعبيرك - لا يتجاوزون المليون ، من بين مليار وربع بل أكثر قليلًا ، ولا أدري حقيقة هل سمعت بأعداد المسلمين في كل موسم حج ، والذين يتجاوز عددهم 3 ملايين - هذا إنْ تغاضينا عن أعداد المسلمين الذين يؤمون الحرم في شهر رمضان - فهل كنت تعلم بأنهم غير مقبولين عند الله تعالى وغير مغفور لهم ، ومن يستطيع أنْ يجزم بذلك ؟ ناهيك عن جملة من الأوصاف والتقديرات التي لا تتناسب ومكانة أي كاتب يدّعي أنّ مهمته هي النهوض بهذه الأمّة ، إذ حين يصف أمّة بالتخلف والجهل والأمّية ونفوق العقل ، وغياب الوعي والفهم عند معظم من كتب تراثنا ، وكأن المتكلم يملك الحقيقة المطلقة والإيمان الخالص والعقل الكامل ، وقد كنت بصدد الكتابة عن كل الأفكار التي طرحتها في مواضيعك ، ولكن بعد غياب طال لأكثر من ثلاثة أسابيع إذا بك تعود وفي جعبتك كلام لا يتناسب وما تعهدت به ، ويخالف كل ما ناديت به ، وزعمت أنّك تؤمن به .
8- أمّا عن مشاركتك رقم – 21 – فيسعدني أنْ أقول لك ما يلي :
1- إنّ قولك أنّ مشاركتك رقم – 18 – أنّها كانت موجهة للجميع فيه مغالطة كبيرة ، لأنّ مشاركتك كانت موجهة لي بالأصل ، وإنْ كنت تتكلم بلهجة فيها كثير من النداء للجميع لصرف النظر عن فحوى ما جاء في قراءتي ، والدليل أنّك قلت في آخر مداخلتك " وأرجو أنْ تسمح لي الظروف بمواصلة الحوار " وهذا يدلّ على أنّك قمت بالرد على قراءتي والذي وعدت أنّك ستقوم به في مداخلتك رقم – 5- علمًا أنّك لم تتعرض لها في شيء وهذا يعني أنّك بدأت الحوار فعلًا ، وهذا مخالف للواقع وللحقيقة التي هي أمانة في عنق الجميع .
2- إنّ عدم تخصيص نقطة بعينها – من قبل المشاركين – لا يعفيك من الرد على قراءتي ، فليس المطلوب من الجميع أنْ يتدخل – وهذا حقٌ لهم وهم فيه أحرار – باستثناء طبعًا الأخ الفاضل خليل حلاوجي والذي وصفك بالمفكر الجاد ، ووعد بعودة نقدية لما كتب ، وبناء عليه فالمطلوب منك أنت أنْ ترد لا الآخرين ، والذين هم موضع تقديري واحترامي في كل ما قالوه وما سيقولونه لاحقًا ، وهبْ أنني قمت بهذا الحوار بيني وبينك فقط ، فما علاقة الآخرين في هذا الموضوع ، وهل سننتظر منهم أن يقولوا كلمتهم ثمّ نسمع كلامك ؟
3- بخصوص مراعاة الأمانة العلمية عند نقل النصوص فهذا هو أساس عملي ، ولعلّك لاحظت أنني فور أنْ دخلت الواحة الغراء ووجدت ردك ، قمت بالرد فورًا ، واقتبست بعض الفقرات التي كتبتها أنت ، ولم أحتاج إلى كثير عناء في ردي ، ومعرفة مواقع تلك الفقرات التي استشهدت بها ، لأنني وكما سبق وأنْ ذكرت قرأت لك كل ما كتبت ، لكن متابعة الأخطاء الإملائية في الكتابة هو ما أخّرني عن إدراج مشاركتي ، فهذه هي الأمانة العلمية في نقل النصوص ، وما يهمنا هو أنّك أبديت استعدادًا لتقبل النقد ، بصرف النظر عن الموضوع الذي هو محل النقد ، والذي لا علاقة له بالأحاسيس والمشاعر ، لأنّ على كل كاتب مهما كان وصفه أو تسميته التي يحب أن تطلق عليه أنْ يتوقع أنّ أفكاره ليست قرآنًا ووحيًا منزلًا ، وأنّها عرضة للتدقيق والتمحيص لتبيان صوابها من خطأها ، فكلنا بشر ومعرضين للخطأ والصواب ، وما تكتبه أنت ، ليس ملكك لوحدك ، فالقرآن الكريم وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الأمّة ليست حكرًا على شخص بعينه ليتكلم باسمها من دون حسيب أو رقيب ، ومن حق إي إنسان أنْ يتكلم وأنْ يتقبل النقد أيضًا ، ولكن بأسلوب علمي وراقي ، لا يخرج عن آداب الحوار وأصوله ، وأمّا قولك بأنني أتيت بأجزاء من كتاباتك وخارج سياقها فهذا الأمر لا صحة له ، لأنّ النقد هو نقد سواء جاء من أنثى أو من ذكر ، وعلى الكاتب أنْ يتقبله ومهما كان منشأ هذا النقد ومدى صوابه من عدمه ، ولم أسمع في حياتي أنّ شخصًا ما كتب عن محاذير لا يجب التعرض لها عند نقده ، إلا إذا كانت تحث على الالتزام بآداب الحوار وأصوله ، فهذا حق لا يختلف عليه أحد ، ولو كنت قد حرفت أجزاء من كتاباتك التي نقلتها – كما تزعم وتحاول أن توهم القراء - لما وضعت رابط نصّك وتاريخه ورقم مشاركتك أيضًا ، لكي أوفر على القارئ الجهد في معرفة النصوص التي اقتبست منها ما ذكرته ، ولو تركنا الأمر لكل إنسان ليكتب ما يحلو له عن القرآن والإسلام ككل ، لعمت الفوضى ، ولأصبح ديننا الذي نعتز ونفتخر أننا من أتباعه عرضة للتخريب والهجوم والشك المبرمج .لمجرد أنّ زيد أو عبيد رأى رأيًا يعتقد أنّه هو الصواب بعينه ، أو أنّه دفع لقول هذا الكلام من أجل الطعن في هذا الدين .
4- يبدو أنّك إلى الآن لم تفرق بين أنْ يمدح الإنسان نفسه ويصفها بأوصاف تحمل مدلولات كبيرة ، وبين أنْ يتواضع ليقول للآخرين أنني لا أدّعي العلم والمعرفة كما يفعل الآخرين ، ولو كل كاتب وصف نفسه بالمفكّر والمثقف والأديب والروائي ، لما بقيّ على وجه الأرض أحد جاهل ، فلو سألنا معظم النّاس هذا السؤال من العاقل ، لأجاب الأغلبية بـــ أنا العاقل ، فكل يدّعي الفهم وإعمال العقل ، ويبقى الحكم في النهاية على ما ينتجه هذا أو ذاك من فكر وأدب . ويبدو أنّك فهمت من الكلام الذي تقول أنّك نقلته بأمانة والذي يقول بأنني لست مفكر ولا باحث ولا مثقف ، بأنني غير مؤهل للحوار ، فلماذا أنت منزعج من هذا الكلام ، وبماذا يضيرك قولي هذا ، ويا ليتك اهتممت بالقراءة بدلًا من تمسكك بهذه المقولة ، وقمت بالرد عليها ، فهذا أفضل ، إذ كيف يمكن أنْ يكتب كل ما رأيته من ليس بمفكر أو مثقف أو باحث عن موضوع ما ؛ ومن ثمّ لا يرد عليه صاحب هذا الموضوع .
5- أمّا قولك فليعلن الإنسان نفسه وماذا يكون بصراحة وماذا يمتلك من قدرات ، فهذا من أعجب ما سمعت ، وربما هذا يؤكد ما قلته سابقًا وبأنّك إمّا لم تقرأ ما كتبته وإمّا أنّك تتجاهل ما جاء فيها ، وفي كلتا الحالتين فليس هذا هو موضوعنا ، هناك قراءة نشرت وتم فيها نقد أفكار خاطئة وبالجملة ، وعلى صاحب الفكر أنْ يدافع عن فكره وما يقوله . أمّا قولك بأنّ من يعلن أنّه ليس بمفكر أو باحث أو مثقف ، فأعتقد جازمًا أنّك لم تنتبه لما سبق وأنْ كتبته في مداخلتك رقم – 5 – والتي أشدت فيها بتلك القراءة ، كما وعدت بأن ترد عليها ، وأراك هنا تصعّب الأمور على نفسك بهذا القول الذي تتمسك به ، فما علاقة اللقب الفكري والثقافي والبحثي في كل ما ذكر ، ومن هذا الكريم الذي يمنح هذا اللقب ومن أين يشترونه ؛ ورحم الله القائل :
ليست الألقاب هي التي تكسب المجد *** بل النّاس من يكسبون الألقاب مجدا
6- أمّا عن دعوتك للحوار بأفكاري وقناعاتي الذاتية ؛ فهذه دعوة لم تنتبه إلى أنني أنا من تبناها ، وما قراءتي التي أدرجتها إلا جزء من هذه الأفكار ، ولو انتظرت قليلًا قبل مشاركتك رقم – 18- لرأيت تكملة لهذه الأفكار ، وإنني إذ أستغرب كيف تدعو وتطالب بأمر مفروغ منه ، وهل تعتقد أنّ هناك أفكار تأتي من كوكب آخر ، فإذا تكلمت في الدين – كما فعلت في معظم كتاباتك – فهل تتوقع مني أنْ أخترع حديثًا نبويًا لأرد به عليك ، ثمّ ما هي أفكار الإنسان إنْ لم تكن قناعاته بكل ما قرأه وحصّله من معارف فكرية وأدبية ، أم أنّك – وهنا تكمن مشكلتك – تنادي بأمر لا وجود له ، وهو أنْ يعمد كل إنسان لتبني قناعاته بمعزل عن الفكر و الدين و التراث الإنساني بكل ما يحويه ، وبما يتناسب وقناعاته .فمن أين إذن سيستمد مصادره ، أم أنّك تكتب وتفكر بمعزل عن أفكار الآخرين ، وبدون قراءتها وتمحيصها وتدقيقها ، فإذا كان هذا الأمر صحيحًا فهذا يعني أنّك أتيت بشيء جديد ومبتكر ، وهذا غير صحيح إطلاقًا ، لأنّ أفكارك وكما سبق وقلت لك إنّما هي مطروحة للبيع في الأكشاك وأسماء المؤلفين بادية عليها ، وليس كتاب " أبي آدم " والذي يطابق ما كتبته أنت باختصار مع بعض التعديلات إلا نموذج حيّ لما أقوله ، مع العلم أنني لا ألمح إلى أنّك تجاهلت مصادرك في هذا الأمر ، بل أحاول أنْ أوضح لك أنّ ما تكبته قد كتبه كثير من النّاس ، فمن هنا تتشكل الثقافة والمعرفة بشكل عام .
7- أمّا عن قولك فيما إذا كنت جاهزًا للمتابعة ، فمع الأسف يبدو أنّك لم تقرأ ما كتبته في قراءتي الأصلية وفي ردي عليك - مشاركة رقم 6 - والذي اقتبست منه تلك الفقرات التي تحاول تسويقها للتدليل على عدم أهليتي للفكر والحوار والتي ذكرت لك فيها أنني على استعداد لقبول أي قراءة تخرج بها مهما كانت نتيجتها ؛ ويبدو أنني كنت متفائلًا أكثر من اللزوم ، لأنني انتظرت طويلًا ولم أرَ شيئًا يذكر ، فإنْ لم أكن جاهزًا ، فلماذا كتبت ما كتبته أصلًا .
8- أمّا عن سؤالك من أي الفريقين أنا ، فأنا أدعوك لقراءة ما كتبته في هذا المنبر مرّة أخرى – على اعتبار أنّك قرأته قبل الآن وهذا ما أشك فيه - ونقدي لكتاباتك ، وأعتقد أنني أستحق منك أنْ تقرأ ما كتبته حولك ؛ وبعد أنْ قرأت أنا كل ما كتبته أنت ، أو على الأقل كل ما وقعت عليه عيني ، مع مسامحتي لنفسي عن أكثر من 50 ساعة إنترنت أنفقتها في ظروف صعبة وقاسية .
9- وعن العقل أقول لك صادقًا : أرجو أنْ لا تعوّل كثيرًا على ظنك بجهل الآخرين وعدم امتلاكهم لأية مقومات ثقافية أو فكرية ؛ فهذا الأمر قد يضر بمحاولاتك للدفاع عن أفكارك .
10- ومن هذا المنبر الحر أقول كلمتي الأخيرة حول مشاركتك رقم 5 و 18 و 21 لك ولجميع المتابعين لنا ما يلي : أيها السيد الفاضل ، أيها السادة المحترمين : لقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان " رواه مسلم ، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه " من رأى فيّ اعوجاجًا فليقومه " وما ذكرت هذا الكلام لخير البشر ومن بعده الفاروق الحبيب إلا لأقول أين نحن من كل ما يقال ، وأين أقوالنا من أفعالنا ؛ ولأقول أنّ للحق وجه واحد يعرف به ، ولم يكن له يومًا وجهان ، والحق أحق أنْ يتّبع ، ومن رأى أي خطأ فليتفضل وليكتب وينقدني وأنا له من الشاكرين ، وإذا ما ورد مني أي خطأ في ردي هذا والذي سبقه على مداخلة السيد أبو بكر ، فليعلم بأنّ لكل مقام مقال ، والضرورات تبيح المحظورات ، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه .
تقديري واحترامي للجميع

أبوبكر سليمان الزوي
16-12-2008, 12:15 AM
السلام عليكم جميعاً ...

تحية أخي الكريم المحترم \ معروف .. وكل الزملاء ..

أولاً : لا جدال ولا خصومة ولا عداء إن شاء الله ..

ثانياً، أخي معروف، كنت أتوقع منك تعليقاً على موضوع ( التأويل ) فهو عنوان النقد وسببه كما تعلم. وقد أوضحت الخلط الكبير في هذا المفهوم بالأدلة الصريحة من القرآن الكريم.
ولم أنتظر منك أن تتجاهل ما كتبته حوله بهذه البساطة، وكأنني لم أكتب شيئاً، لتقول بأنك تنتظر مني دحض هذا الكلام إذا كان مجرد ادعاء. فخلط المفاهيم والادعاء بدأ من العنوان! ولا تنسى بأنك متابع ومشارك وشاهد وحكم .

ثالثاً أنا بانتظار رد من أخي الكريم راضي الضميري، على تساؤلاتي في مشاركتي الأخيرة، وأظنك قرأتها وأظنها واضحة . لنبدأ الحوار عن بينة.
وإذا كان لك أو لأخي راضي، رأي آخر، فإنني سأبدأ بالرد على النقاط الصغيرة على شكل مشاركات في ذات المكان. وسأخصص موضوعات مستقلة للنقاط الكبيرة أو التي تطرقت لها ولم أكتب فيها سابقاً .. كموضوع الناسخ والمنسوخ .. مثلاً .
فأنت تعلم، بأنني تطرقت لهذا الأمر في عجالة ضمن موضوع آخر، وقلت أنه اعتقاد غير صحيح ولا أزال عند رأيي، وأنا مُدرك لما أقول. وتعلم بأن أخي راضي يؤمن بصحة هذا الاعتقاد .. ولكنه لم يقل حجته أو دليله هو الآخر .
وعلى ما أذكر من قراءتي للموضوع - إن لم تخني الذاكرة، فإن كل ما قاله الأخ راضي، حول موضوع الناسخ والمنسوخ هو أنه طالبني بالدليل والحجة فقط، ولم يكتب حوله شيئاً.

رابعاً، بخصوص الثقافة، وعلاقتها بالعقيدة ..
فإنه عندما يتم الحديث عن الثقافة، فإن المقصود هي الثقافة السائدة التي تحدد سلوك الأفراد وتنعكس على ممارساتهم اليومية في واقع الحال.
ولا يصح الحديث عن ثقافة مفترضة، أو ما يجب أن يكون ! فذلك يمكن تسميته بثقافة الأمل أو أمل الثقافة!
أما إذا كان القصد هو إمكانية أو ضرورة العمل من أجل إيجاد ثقافة منسجمة ومتماهية مع العقيدة .. فذلك أمرٌ جميل وهدف نبيل، ولكن ينبغي أن نقول بأنه غير موجود، ولا يصح أن نتعامل ونتحاور على أساس مفهوم غير موجود على أرض الواقع.

فالثقافة الموجودة والسائدة اليوم عند العرب، هي ثقافة عربية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها، وهي تختلف من بلدٍ عربي مسلم إلى آخر، وهي التي تطغى على علاقات الناس وينقادون لها في سلوكياتهم وفض نزاعاتهم وخلافاتهم، فهم يحتكمون لها أكثر مما تحكمهم القوانين والشرائع الدينية.
فنجد في حال الطلاق مثلاً، أن الحكم الشرعي في المطلقة هو أن تقضي عدة الطلاق في بيت زوجها، بينما الواقع - كما أعلمه - أنها تقضي عدة الطلاق في بيت أهلها.

فنحن يا أخي معروف ، نتحدث عن واقع الحال لا عن ما يتمناه المرء وما يجول في الخيال !

أطيب الأمنيات ..

راضي الضميري
16-12-2008, 12:30 AM
وإذا كان لك أو لأخي راضي، رأي آخر، فإنني سأبدأ بالرد على النقاط الصغيرة على شكل مشاركات في ذات المكان. وسأخصص موضوعات مستقلة للنقاط الكبيرة أو التي تطرقت لها ولم أكتب فيها سابقاً .. كموضوع الناسخ والمنسوخ .. مثلاً .
فأنت تعلم، بأنني تطرقت لهذا الأمر في عجالة ضمن موضوع آخر، وقلت أنه اعتقاد غير صحيح ولا أزال عند رأيي، وأنا مُدرك لما أقول. وتعلم بأن أخي راضي يؤمن بصحة هذا الاعتقاد .. ولكنه لم يقل حجته أو دليله هو الآخر .
وعلى ما أذكر من قراءتي للموضوع - إن لم تخني الذاكرة، فإن كل ما قاله الأخ راضي، حول موضوع الناسخ والمنسوخ هو أنه طالبني بالدليل والحجة فقط، ولم يكتب حوله شيئاً.
..
رد سريع حول هذه النقطة بالذات لأن محل الإنترنت سيقفل ولا وقت لديّ ، وهذا الرد هو من القراءة التي قمت بها بدون زيادة أو نقصان حول موضوع الناسخ والمنسوخ .
"إضافة لما سبق فهناك أمرًا آخر؛ وهو أنّه لا يوجد في القرآن ناسخ ومنسوخ إذ يقرر في معرض رده على عضو حاوره فيصرح بقوله .. " ثم من قال بوجود الناسخ والمنسوخ في كتاب الله ! وهذا مثال جيد على النقل ، والذي هو ليس من قول العقل ! فهل تؤمن أنت بأنه لا يجوز لنا مخالفة هذه القاعدة الموضوعة بواسطة السلف حتى لو أثبتنا بالعقل – بالتدبر في التدبر في نصوص القرآن – أنها ليست صحيحة ! أخي الكريم .. لا غنى عن استعمال العقل ! فالتكليف لا يكون لغير العاقل ! " اهـ (16) إلا أنّه وفي أثناء الرد عليه يتجنب الرد هذه المسألة ، التي يتوقف عليها فهم مسائل كثيرة ،كما إنّ خطورة هذا الطرح والذي لم نجد له إجابة - مثلنا مثل السائل الكريم – تتمثل في أنّ هذا القول ليس بجديد ؛ بل قديم جدًا، وقد طرح من قبل المستشرقون الذين وضعوا الكثير من الشبهات حول القرآن الكريم وعلى رأسهم المستشرق دنكان بلاك ماكدونالد ( 1863-194 م ) إضافة إلى تيودور نولدكه (1836 – 1930) (17) والذي قرر أنْ لا ناسخ ومنسوخ في القرآن ، لذلك كنا نتمنى على الأستاذ أبو بكر وبما أنّه طرح هذه المسألة وسئل عنها أيضًا أنْ يجيب عليها ، لأنّها مسألة جد خطيرة ، فإنْ أثبت هذا الأمر طرحنا رأينا واتّبعنا رأيه ، أمّا القول بدون دليل فهذا ما لا نفهمه؛ ولا نفهم لماذا طرح أصلًا مثل هذا الموضوع وتم التغاضي عنه فيما بعد ، وعليه نقول ؛ نعم يوجد ناسخ ومنسوخ في كتاب الله والذي يعني اصطلاحًا " رفع الحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم بواسطة خطاب متأخر" ، والدليل على ذلك من كتاب الله تعالى ، قال تعالى "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (23البقرة آية 106) ومنها - على سبيل المثال - آيتي المصابرة في سورة الأنفال " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) (الأنفال 65-66 ) وقد ورد في الصحيح عن أسباب نزول آية 285 من سورة البقرة " وإنْ تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " اشتد ذلك على الصحابة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجثوا على الركب ، فقالوا : قد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها ، فقال : أتريدون أنْ تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : "سمعنا وعصينا ؟" بل قولوا " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل : " لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها " إلى آخرها وروى مسلم عن ابن عباس نحوه "(18) كما أنّ هناك نسخ أيضًا في السنة ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم " كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها " (19) وغيره من الأدلة كثير لا مجال للخوض فيه الآن ."
نرجو أن نكون أمناء في القول والفعل
تقديري واحترامي

أبوبكر سليمان الزوي
16-12-2008, 02:20 PM
الســلام عليكم جميعاً ..

أود بداية أن أعتــذر أمام الجميع ، لأخي الكريم وزميلي العزيز \ راضي الضميري، عن الإساءة التي سببتها مشاركتي رقم 18 ، والتي يبدو أنني لم أكن موفقاً في بعض مفرداتها، حيث إنها قد أدت إلى نتيجة لم تكن المرجوة ولا المتوقعة ولم تعكس القصد . رغم أن المشاركة إجمالاً لم تخرج عن الموضوع.

ولكن وكما قال الأخ العزيز معروف، فإنه ربما كان ينبغي عليّ الدخول مباشرة في الموضوع،اجتناباً لما قد يُفهم منه شخصنة للأمور .. رغم أن هذا لم يكن قصدي من تلك المشاركة؛ ولكن وجب الاعتذار والتراجع عما سبب الإساءة، وما يمكن اعتباره خطأ أتحمل مسئوليته .. طالما أنه سيخرج الموضوع عن مساره .

على أن أدرج موضوع التأويل ضمن ردودي اللاحقة، فهو موضوع مهم وأساسي، وهو عنوان القراءة .

أقول هذا لأنني شعرت من خلال ردود أخي راضي الضميري، بأنه مُستاء مني ، وبأنه بات يعتقد بأنني مستاء من نقده لي، أو أنه ليس لدي ما أرد به. وأن هذا لم يكن ما يتوقعه مني. علماً أن هذا الظن وإن كان مبرراً من وجهة نظره، إلا أنني أؤكد له وللجميع بأنه في غير محله.

ولذلك، وإثباتاً لحسن النية والقصد، وإنصافاً لأخي العزيز\ راضي الضميري، فإنني لا أُمانع من حذف تلك المشاركة. فإن وافق أخي راضي، فليقم الأخ \ معروف بحذفها بناءً على طلبي .
أو أن يؤذن لي بتعديلها، لتتناسب مع السياق العام الذي يُرضي الجميع. ولنعد لنبدأ من حيث كنا قبلها .

وأتمنى أن أقرأ تعليقاً من أخي راضي الضميري، يؤكد فيه قبوله للاعتذار .. إن شاء .

وسأبدأ حالاً بوضع الردود تباعاً .. على كل تساؤلاته التي وردت في قراءته النقدية التي أكرر شكري له عليها، وأكرر قبولي للنقد وامتثالي للحق.

ملاحظة : 1- خلال الردود، وبما أن الموضوع يتعلق أساساً وفي جله، بالقرآن والإسلام ورسوله الكريم . وبما أن الساحة وصلب الموضوع هي فكرية بالأساس، فإنني أود التنبيه منذ الآن، بأنه لا معصوم من البشر في اعتقادي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن كل من عداه ممن بعده لا حصانة لهم، فهم بشر يُخطئون ويُصيبون وقد نتطرق لبعضهم بالتساؤل حول آرائهم وإرثهم الفكري والفقهي الذي أبقوه لنا. وأن مرجعي الأساس هو القرآن الكريم المحفوظ من لدن من أنزله. وأنه لا كتاب غير القرآن مُنزه عن النقص والخطأ.

2- أرجو من أخي راضي الضميري، أن يُتابع الردود، وأن يُعطي فرصة للمتابعين لقراءتها متتالية، كما قرأوا نقاطه متتالية، وأن يُجمل تحفظاته ويطرحها للحوار بعد أن تكتمل ردودي .. والتي ستكون سريعة وتباعاً .. رغم رداءة الاتصالات، إلا أن ذلك لن يقف عائقاً في سبيل إيصال الردود إلى مكانها بأسرع وقت، ولن يكون عائقاً في سبيل التواصل مع إخوة لا أرجو أن أخسرهم .. بحول الله .

3- أرجو من أخي راضي، أن يحتفظ لنفسه بالمصادر الفكرية التي يقرأها ويُشير لها من وقتٍ لآخر، والتي تشابه أو تطابق ما أطرحه أنا من أفكار كما يقول، وأن يُحسن الظن بي إن شاء، أو أن يلتزم بقواعد الحوار الفكري التي من أسسها مناقشة الطرف الآخر بما يطرحه وما يتبناه من أفكار بالحجة والبرهان مباشرة بعيداً عن الهمز واللمز .. وله أن يظن بي في نفسه ما يشاء، فلله الأمر من قبل ومن بعد، فهو وحده المطلع على النوايا وخفايا الصدور وأسرار خلقه..
وذلك بأن يكف عن تشبيه ما أطرحه من أفكار بما يقرأه هو للمستشرقين أو الفلاسفة ومفكري الغرب والشرق .

فأنا أكتب ما أراه وما أفهمه وما أعتقده صحيحاً، ولا يعني ذلك بأنني لا أقرأ لغيري، ولكن لكل إنسان مصادره المتاحة والمختارة فيما يقرأ .
فأنا لا أعلم ولم أقرأ شيئاً عن ما يتحدث عنه وما يقرأه هو مما قاله المستشرقون وغيرهم من المفكرين حول الناسخ والمنسوخ، وحول البشر والإنسان.

وأقول له، إنه إذا كان ما أطرحه قد قرأه وفهمه وانتقده ، وأنني لم أت بجديد كما يقول، فإن ذلك من حسن حظه وفي صالحه، حيث ستكون إجاباته جاهزة ولن يبذل جهداً في محاورتي ودحض أفكاري ..

وعلى المسلم أن يحاور المسلم بما يصدر عنه وينسبه لنفسه، لا أن ينسب له ما يقوله آخرون من مستشرقين أو ملحدين أو سواهم ..

أتوقع رداً أو تعليقاً من أخي\ راضي الضميري ، وربما تعليقاً من أخي معروف .. قبل أن أبدأ في وضع الردود تباعاً ..

علماً أنني قد تغاضيت عن فكرة الموضوعات المستقلة، وسأطرح كل ما لدي هنا، رغم حجم بعض الردود والذي أظنه سيكون كبيراً .. وذلك درءاً للظنون، وتطييباً لخاطر أخي راضي الضميري، وإنصافاً لجهده في قراءته النقدية.

أطيب الأمنيات للجميع ..

راضي الضميري
16-12-2008, 08:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بخصوص ما قاله الأستاذ أبو بكر في مشاركته رقم -26- أقول ما يلي :
1- بداية أودّ أنْ أعرب عن شكري وتقديري لكل منْ ساهم في المشاركة بهذه القراءة ، ولأقول للأستاذ أبو سالم الزوي بأنني لست مستاءً منه وممّا بدر منه في مشاركته رقم 18 رغم كل ما جاء فيها ، كل ما في الأمر أنني أردت أنْ أوجّه الأنظار إلى موضوع القراءة الأصلية وما جاء فيها ، على اعتبار أنّ الرد رقم – 18- لا علاقة له بكل ما جاء في تلك القراءة وقد فاجئنا برد لم يتناسب مع ما وعد به في مشاركته رقم – 5- .أمّا بالنسبة لموضوع حذف أو عدم حذف تلك المشاركة فأنا أعتقد بأنّه لا داعي لذلك ، لأنّ هذا الأمر سيتطلب حكمًا أنْ تحذف المشاركات التي جاءت بعدها .
2- أمّا بخصوص الاعتذار فأنا أقبله بكل صدر رحب ، ومن حق الأستاذ أبو بكر أنْ يدافع عن أفكاره بأريحية تامة ، وليأخذ وقته كاملًا .
3- بخصوص ردود الأستاذ أبو بكر والتي سيدرجها تباعًا – وكما تفضل – فأنني سأمتنع عن الرد عليها حتى يأذن هو بذلك .
4- أمّا عن حسن الظن بما كتبه الأستاذ أبو بكر فإنني قد أوضحت وجهة نظري في بداية قراءتي الأصلية – ويستطيع الجميع مراجعة ما كتبته – وقلت بالحرف الواحد أنني أناقش فكره ونحن نحترمه ونقدره كأخ عزيز ، لكن وبما أنّ هذه الأفكار قد طرحت فقد أصبحت ملك القراء ، وعليه أنْ يتقبل كل ما يصدر عنهم من ردود أفعال سواء أكانت مؤيدة أو معارضة لما نشره.
5- أمّا عن قولي بأنّ ما يطرحه ليس فيه أي جديد يذكر ، وبأنّ هذا الأمر سيسهل مهمتي في الرد عليه ، فهذا أمر أعلمه ولا شك عندي فيه ، وهذا لا يعني أنني أنتقص من قدره ؛ أو أحاول أنْ أثبط من عزيمته ، ولكن لأحثّه على أخذ وقته كاملًا وبما يليق به ككاتب لديه وجهة نظر – رغم اختلافنا معه حولها – من حقه الدفاع عنها ، ولكي لا يغفل أي أمر قد طرحته في قراءتي .
وأخيرًا أقول : نحن في رحلة لا نعلم متى يأذن الخالق سبحانه وتعالى بنهايتها ، وعابري سبيل نحمل أمانة كبيرة في أعناقنا ، أمانة لا تخصنا كأفراد ؛ بل الأمّة بأكملها ، لذلك فنحن مطالبين بأن نكون على مستوى هذه الأمانة رغم التقصير الكبير من جميع أفراد هذه الأمّة في حق دينهم والدفاع عنه وعن رسولهم صلى الله عليه وسلم ؛ وأنا أولهم ، وأي خلاف نشأ فنحن نتجاوز عنه ، ونعتبره أمرًا منتهيًا ، وفي النهاية فإنّ الحكم لله وحده ، ولا نزكي على الله أحد .
تقديري واحترامي للجميع

أبوبكر سليمان الزوي
17-12-2008, 01:29 AM
بسـم الله الرحمن الرحيم

هذه هي الورقة الأولى من ردودي – التي ستكون متتالية بإذن الله -على القراءة النقدية التي تفضّل بها مشكوراً، الأخ والزميل المحترم \ الأستاذ : راضي الضميري ، والتي طرحها تحت عنوان :
(التفسير والتأوّيل في فكر الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي "قراءة نقدية" ) .

وأنا هنا إذ أؤكد للأخ الكريم\ راضي، بأنني قد قرأتُ كل ما تفضّل، ومنذ اللحظات الأولى التي انتبهت فيها لظهور الموضوع على ساحة ملتقى الواحة.
والقول بقراءتي للموضوع كاملاً، ليس منّة ولا فضلاً مني. ولكنه تأكيد لواجبي تجاهه وحقه علي بذلك؛ وكذلك لأن كل ما تناولته القراءة، هو حول موضوعات طرحتها أنا، أو حاورت فيها سابقاً، ولعل هذا ما سهّل علي المهمة، وجعل قراءتي لها وإلمامي بمضمونها لم يستغرق مني جهداً ولا وقتاً كثيراً.. رغم طول وتشعب القراءة، وتعدد الموضوعات التي تطرق لها بالدراسة والنقد.

وبالإشارة إلى ما سبق، فإنني أستأذن أخي\ راضي الضميري، في أن أتخذ من مداخلته ( رقم 20 )، والتي أوجزَ فيها مشكوراً النقاط محل النقد .. أن أتخذ من هذه النقاط الموجزة- بشيء من التصرف - منطلقاً وترقيماً لردودي، وأن يُنبّهني الأخ \ راضي، لاحقاً إذا أغفلت نقطة من نقاطه ..
وبخصوص الردود، فإنني كنت قد اشترطتُ أن تُترك تباعاً حتى تكتمل دون محاورة حولها، لكي يتمكن المتابعون من قراءتها، والإلمام بمضمونها إجمالاً!
وقد وافق أخي\ راضي مشكوراً على ذلك، ولكنني أعود لأعتبره اقتراحاً وليس شرطاً، وذلك إذا كان لأخي\ راضي، رأي آخر، وأنا من حيث المبدأ لا أمانع من تعليق بسيط يُنبّه إلى نقطة أغفلتها، وكذلك سيكون بمثابة تأكيد للمتابعة لكي استمر في سرد الردود تباعاً كما وعدت!

يقول الأخ راضي، في النقطتين الأولى والثانية ما يلي :
1- مطلوب الرد على قضية الاجتهاد و الحديث الذي يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، وإذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر " وسبق وأن ذكرت لك أنّ هذا الحديث هو للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أدرجته أنت عند من يقولون به ويعملون به ، ولعلّك لم تعلم أصلًا أنّه حديث شريف.
2- مطلوب الرد على مقولتك والتي ذكرت فيها أنّ المؤمنين بعقيد النقل يتجاهلون أنّ كل ما هو منقول ما عدا القرآن هو نتاج عقل بشري ، ولم تعرْ أي اهتمام لكل ما صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، ويبدو أنّك مصرّ على رأيك ، وقد سبق القول مني أنّ هذا خطأ محض قد أوقعت نفسك فيه ، لأنّ هذا الأمر – أي ما صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم – لا ينتهي بتقادم الزمن أو تغييره ولا تنتهي صلاحيته.

أردُّ على أخي الحبيب، با
لآتي :

بخصوص حديث الاجتهاد، ... إذا اجتهد الحاكم وأخطأ فله أجر ... ، فأنا لم أقل يوماً عن نفسي بأنني دارسٌ للأحاديث المنسوبة للرسول، أو متخصصاً فيها.
ولذلك فإنني لا أجد حرجاً في أن أقول بأنني لم أكن أعلم بأن هذا حديث منسوب للرسول، ولم أكن على دراية بالمنطوق الذي قال به الأخ راضي لهذا الحديث.
وحيث إن الأمر كذلك، فإنني أقول، إذا كان الأخ \ راضي، أو غيره من المسلمين، يؤمنون بصواب هذا الحديث مثلاً، وبصحة نسبته إلى رسول الله، فإن ذلك شأنهم، ولهم أجرهم أو عليهم وزرهم.
ولا يُلزم هذا الحديث أو سواه إلا من صدّق بصحة نسبته إلى الرسول.
وبالمقابل فإن من لم يؤمنوا بصحة هذا الحديث أو سواه فإن لهم أجرهم أو عليهم وزرهم.
والله يفصل بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون!

وأُضيف بأنني أُبـرّئ الرسول الكريم من مثل هذا الحديث. ولا أستطيع أن أصدّق أو أفهم بأن يقول الرسول مثل هذا الحديث .. إلا أن يكون الحديث مسلوخاً عن سياقه، وهو بذلك لا يؤدي غرضه ولا يجب تداوله، أو أن يكون قد قاله الرسول في مناسبة خاصة بهذا الحديث ولا يصح الحكم به في سواها، فهو إذن ليس مطلقاً كما قرأته وفهمته من نصه الذي أورده الأخ\ راضي.
وفي جميع الأحوال، فإن كل الأحاديث قد وصلتنا عن طريق البشر، وينبغي أن تنسب أولاً لمن وصلتنا منه، ولا يجوز نسبتها مباشرة إلى الرسول، لأنها ليست محفوظة كما هو القرآن.
وحينها سنقول قالوا ولا نقول قال الرسول !
والذي يقول .. قال الرسول مباشرة، فإن عليه أن يعلم أنه ربما يُقـوّل الرسول ما لم يقله! لأن ما يقوله القائل اليوم لم يسمعه من الرسول، وإنما سمعه من بشرٍ لا عصمة لهم! فما يقوله ليس قرآناً محفوظاً حتى يجزم بصحته ونسبته للرسول!

إن الجزم بصحة الأحاديث المنسوبة إلى الرسول في صحيح البخاري مثلاً - مع احترامي للبخاري كإنسان مسلم بذل جهداً لعله في خدمة الدين وفي ميزان حسناته -، إلا أن الجزم بصحة كل ما ورد في كتابه هو بمثابة تنزيه وادعاء منا بالعصمة لشخص البخاري، وهذا من وجهة نظري لا يجوز شرعاً وعقلاً !!
ولا يوجد سببٌ آخر غير الإيمان بنزاهة البخاري وعصمته، يجعلنا نقدّس كتابه ولا نُخضعه للعقل!
مع العلم أنه توجد أكثر من نسخة من صحيح البخاري تختلف عن بعضها، ولا توجد نسخة أصلية من الكتاب تحمل إمضاء شخص البخاري!
وإنما الموجود هي نسخ منسوبة إلى صحيح البخاري، قام بجمعها وتصحيحها متأخرون عنه!
فعدم الأخذ بالحديث هو طعنٌ في صحة نسبته إلى الرسول، وليس اعتراضاً على ما قاله الرسول!!

ولو أخذنا بصحة حديث اجتهاد الحاكم( إذا كان صحيحاً)، وبهذه الصورة المطلقة، فذلك يعني بأن الحاكم الذي يجتهد في مسألة ويترتب على اجتهاده خطأ، كقتل برئ ويُتم أطفاله، أو نسبة مولود لغير أبيه، أو ضياع حق مظلوم، أو تملّك إنسان لما هو ليس حقه، أو انتشار فتنة، أو ... أو الخ.
فإن عقاب هذا الحاكم على أيٍّ من هذه الكوارث الإنسانية التي قد تقع بسبب خطئه .. عقابه فقط هو أن له أجر واحد بسبب خطئه، بدل أجرين في حال صوابه.! ... فهل يقول بهذا عاقل.!
ثم أين هي شروط الحاكم أو شروط الاجتهاد وفق نص هذا الحديث!
فالحاكم ( سواء كان المقصود به رئيساً أو قاضياً أو مسئولاً كبيراً، المهم أنه إنسان مسلم مسئول عن الفصل في قضايا تخص آخرين) .. وفق هذا الحديث، فإن الحاكم ليس مُلزماً بشروط الاجتهاد وهي التي لم يُحددها الرسول في هذا الحديث ولا في سواه! بل هي شروطٌ وضعها بشرٌ عاديون بعد وفاة الرسول بقرون من الزمن.
في حين أن نص الحديث لم يُحدد شروطاً يجب توافرها في الحاكم ليكون حاكماً، ولم يُحدد شروطاً للاجتهاد !!!
فإذا صح هذا الحديث، فإن الباب مفتوح على مصراعيه أمام كل حاكم!
وهذا يعني أن كل حكام العرب والمسلمين اليوم وقبل اليوم، هم مأجورون على أخطائهم الفادحة، وما آلت إليه أوضاع بلدانهم، وعلى ما يفعله المقـرّبون منهم بأقوات ومصائر الفقراء والضعفاء.
ومأجورون على سجن وإعدام أبناء شعوبهم بسبب معارضتهم وعدم مبايعتهم لهم، ... على اعتبار أنهم اجتهدوا فأخطأوا.

أنا أقول، إن عدم الأخذ بأي حديث، لا يجب ولا يصح ولا يجوز تفسيره على هوى المخالفين لمن لم يأخذ أو لم يُصدّق بذلك الحديث!
فعدم الأخذ بالحديث - كما أسلفنا- هو طعنٌ في صحة نسبته إلى الرسول، وليس اعتراضاً على ما قاله الرسول!!
فالقرآن قد جاءنا عن طريق الرسول ! فلماذا لا نجد بين المسلمين من يعترض على كلمة أو معنى أو حكم فيه.! لو أن المقصود بالاعتراض هو الرسول ذاته أو ما قاله أو ما جاء به.

إن الأحاديث قد تمّ تجميعها بعد وفاة الرسول بزمنٍ طويل، وقد منع الرسول كتابتها في أيامه، وقد تبعه الصحابة ومنعوا كتابتها كذلك، ولم تكتب في عصر الدولة الأموية القريبة من عهدهم.

ونحن نعلم بأن كتاب صحيح البخاري مثلاً، هو أصح كتب الحديث عند أهل السنة، في حين لا يعترف الشيعة بصحته ولا يمتثلون لما به من أحاديث، وهم مسلمون لا نملك إخراجهم من ملة الإسلام.
وللشيعة أحاديثهم المنسوبة للرسول أيضاً والتي تخالف ما لدينا. والتي لا نمتثل نحن أهل السنة لأحكامها .
ولا أدري كيف لمسلمٍ عاقل أن يرفض أحاديث منسوبة للرسول لأن راويها أو جامعها فلان. وفي المقابل يجزم بصحة أحاديث أخرى لأن راويها وكاتبها فلان آخر.
في حين أنه لا يعرف ولم ير فلان الأول ولا الثاني، وهما كلاهما بشرٌ عادي ليس معصوماً، وكلاهما مسلم قد اجتهد ! ..
إلا أن يكون أحدهما معصوم !

فالنقاش كما قلتُ سابقاً هو حول صحة نسبة هذا الحديث أو ذاك إلى الرسول، ومدى اكتمال نصه وصواب مفرداته ودلالاتها، وحول تفسيره ومناسبته- أكانت خاصة أم عامة ...، وليس النقاش حول ما قاله الرسول، لو اتفقنا على أنه قد قاله!

وفيما عدا القرآن، فليحذر من يقول، قال الرسول مباشرة، لأنه بذلك سيمنع عقل المستمع من التفكير إلا من محاولة فهم واستيعاب ما يقول وكيفية الامتثال!
في حين أنه كان على المتحدث باسم الرسول أن يقول مثلاً، قال البخاري، عن فلان، عن فلان عن ....الخ، أنه نسب إلى الرسول أنه قال!
وأن يذكر المتحدث للمستمع من هو البخاري، وعلى ذمة المتحدث .. دون تنزيه وتمجيد وتعظيم لشخص البخاري، حيث إن المتحدث ذاته لا يعرف شيئاً عن البخاري إلا ما نقله له بشر آخرون ليسوا معصومين!! فليس له أن يجزم بامتلاك شخص البخاري أو سواه لكل تلك الصفات الحميدة، والتي تقترب من صفات الرُسل، والتي لا مجال معها للسامع سوى السمع والطاعة!!

إنني أعتبره استغفالاً للناس وتعطيلاً لعقولهم، وحشراً لهم في زاوية وطريقاً معيناً - صوابه ليس مؤكداً ..، ذلك أن يُقال لهم قال الرسول مباشرة، وكأن القائل قد سمع ما يقوله من الرسول مباشرة!!
فلأي إنسان الحق في أن يسمع ويقرأ ما يقوله وما يكتبه وينشره الآخرون، وله أن يُصدق من البشر من يشاء، وله أن يطلب البرهان، فهو المحاسب عن قناعاته وممارساته وسلوكه.
ولكن ليس لإنسان عاديٍ أن يُلزم إنساناً مثله بتصديق إنسان ثالث مثلهم ليس رسولاً!!! ثم يـدّعي أن من لم يُصدّق ذلك الإنسان فقد خالف الرسول !!

والمسلم العاقل المتأمل يلاحظ ببساطة أن المسلمين بكل طوائفهم لم يختلفوا حول القرآن إلا من حيث تفسير بعض نصوصه .. وذلك حتى داخل الطائفة الواحدة، ولم يختلفوا حول سنن الرسول العملية التي وصلتنا دون انقطاع ... مثل كيفية الصلاة وعدد ركعاتها ..!
ولكن كل الاختلاف كان بسبب كتابة ما نهى الرسول والصحابة عن كتابته!


وأخلص إلى القول، إن من رأى بأن هذا الحديث أو ذاك، هو حديث صحيح، ورأى ضرورة تطبيقه والحياة وفق ما يدعو له الحديث ... فإن له أن يفعل ذلك وسيتحمل مسئوليته أمام الله أجراً أو إثماً.
وفي هذه الحالة، فإن ذلك الإنسان المسلم، سيُطبق ذلك الحديث على نفسه وعلى رعيته الذين اختاروه حاكماً لهم، أو رعيته المغلوبين على أمرهم والذين لا يملكون سوى الامتثال لأوامره ...
أما على الساحة الفكرية، فإن الأمور تختلف، حيث النقاش يدور حول فكرة، فيتبادل المتحاورون الأفكار والأدلة والبراهين، دون أن يكون لأحدهم الحق في فرض رؤيته على الآخر إلا بالحجة التي يستطيع تمريرها من خلال العقل !

تحياتي للجميع ... وقريباً صفحة جديدة ونقطة جديدة من نقاط أخي العزيز\ راضي الضميري!!

أبوبكر سليمان الزوي
17-12-2008, 10:24 AM
هذه هي الصفحة الثانية من ردودي المتتالية على نقاط الأستاذ \ راضي الضميري .
هذه الصفحة حول النقاط 3، 4 ، 5 ..


يقول الأخ راضي في هذه النقاط :

3- مطلوب الرد على قضية مسألة الدين ، وتفسيرك وتأويلك للآية الكريمة التي وردت في سورة البقرة ورقمها 282 ...

4- مطلوب الرد على قضية خلق سيدنا آدم عليه السلام والمراحل التي ذكرتها وصنّفتها بشكل مخالف للكتاب والسنّة وبدون دليل أو برهان ...

5- مطلوب الرد على مسألة طرحتها – أنت – ورددت عليها – أنا – ألا وهي : متى كلما ذكر الله تعالى كلمة بشر بصورة اعتيادية – على حدّ تعبيرك – فإنها تحط من قدر الإنسان ، مع أنّّك ذكرت آيتين في سورة يوسف آية 31 وفي سورة التغابن آية رقم 6 ، وكان هذا استدلالًا خاطئًا منك ، فالآيات لا تفيد ما ذكرته أنت ، ومن أنّها تحط من قدر البشر .

أردُّ فأقـول ...

أما بخصوص مسألة الدين، وشهادة المرأة. فلم أجد في قراءة الأخ\ راضي، ما يستوجب رداً. سوى أنه يُساوي بين النسيان والضلال، مع أنه لا شك يعلم بأن النسيان أمرٌ متوقع من كل إنسان، والإنسان معذور في حال النسيان، وكم من رجلٍ نسي أمراً، فذكّرته زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته أو زميلته في العمل .. ألا يحصل هذا!!

والنسيان مرفوعٌ به القلم عن المسلم في كل الأمور تقريباً. وهو أمرٌ لا يعيب الإنسان لأنه قاسم مشترك بين بني البشر رجالاً ونساءً.

ولا يصح إطلاقاً مساواة النسيان بالضلال، أخذاً بدلالة الألفاظ وورودها في القرآن، وحتى بسريانها على اللسان .
فالضلال هو أمرٌ معيب، ويُحاسب عليه الإنسان- ليس كالنسيان الذي يُعذر فيه الإنسان.

وقد ورد في عديد النصوص القرآنية ذكر الضلال بأنه مسبّة للإنسان، وأنه أمرٌ مستمر وسلوك مشين يلاحظه من هو خارج دائرة الضلال ... يُلاحظه ظاهراً على المتصف به في سلوكه أو ممارساته أو معتقداته.

فالضلال يُلاحظ على الإنسان، بينما لا يُمكن ملاحظة النسيان على الإنسان لتذكيره !!

وقد تساءل الأخ راضي في نهاية قراءته حول هذه النقطة، قائلاً ... وعلى فرض أنّ كل ذلك غير صحيح ، فإن الأسلم والأحوط هو أن نتّبع ما دلّ عليه سياق اللفظ و الآية عمومًا ، وأنْ نرجع للتفاسير المعتبرة والتي تؤكد خلاف هذا التأويل ، وهنا نسأل هذا السؤال : من نتّبع في هذه المسألة إذا كانت كل التفاسير قالت عكس ذلك ؟

وهنا أقول، إن عليه أن يُعمل عقله، وله أن يتّبع ما يراه هو صحيحاً. فكل إنسان مسئول عما اختاره لنفسه- يوم يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا.

وأذكّـره بأن النقاش الفكري يتمحور دائماً حول الفكرة والحُجّـة، وليس حول القرار! فأنا لستُ قاضياً ولستُ حاكماً، وإنما أنا إنسان لي وجهة نظر.

وأتمنى على الأخ راضي – إذا قَبِل واستطاع إلى ذلك سبيلاً- أن ينقل موضوع الدين وشهادة المرأة كاملاً( المقال الرئيسي والرد هنا) ويناقشه مع عددٍ ممن يثق بهم ومن له بهم اتصال من الفقهاء.. ليرى وجهة نظرهم !
.................................................. ..........................

النقطة التالية ، خلقُ آدم، ومراحل خلق الإنسان ... بشر آدمي إنسان .

خلقُ آدم عليه السلام، أنا لا أذكر أنني تطرقت له بما يُخالف الكتاب! فخلق آدم لم يعرضه الله على الملائكة، وإنما أمرهم بالسجود له حال خلقه. وهذا ما حصل !

فالملائكة سجدت لآدم امتثالاً لأمر الله حيث كان المقام مقام أمر.

ولكنهم لم يتقبلوا فكرة استخلافه في الأرض عندما عرضت عليهم في مقام حرية إبداء الرأي وليس في مقام الأمر.

وقد كان حُكمهم على الأمر بظاهره، ثم إنهم أدركوا قصورهم وأن ما يعلمونه ليس هو كل شيء، فتراجعوا عن وجهة نظرهم مقتنعين بقصورهم، وانتهى الأمر!

وهنا يتضح لمن أراد أن يتأمّل، أن الله قد أجاب الملائكة وأقنهعم بالحجة للعدول عن فكرتهم، وهو القادر على أمرهم ... وذلك لأنهم تساءلوا حيث كان مسموح بالتساؤل . ولم يتساءلوا في مقام الأمر، حين لم يكن مسموحاً بالتساؤل !

وذلك على العكس من إبليس الذي تساءل في مقام الأمر، حين لم يكن مسموحاً بالتساؤل، فباء بغضب الله !

ولعل في حياة الإنسان شيء أو شبه من ذلك، حيث إن بها مقامات اختيارية، ومقامات إجبارية عقوباتها فورية دنيوية !

ومن هنا يمكن استنباط أن ظاهر الإنسان - بشرته - لا توحي بأسراره، ولاتُعبّر عن حقيقته والتي هي إنسانيته الكامنة بمعرفتها وقيمها وحبها للخير ... فيما أرى!

وإذا كان مأخذ الأخ\ راضي، .. في موضوع آخر مشابه، هي المفردات التي استعملتها في وصفي لردود أفعال الملائكة حول خلافة الإنسان في الأرض، فإن له أن يعترض، فهو ليس مُلزماً بقبول ما أقول.

وبالمقابل فإنه ليست له وصاية علي. فلستُ أنا مُسلماً من الدرجة الثانية، ولا هو مسلماً من الدرجة الأولى. ولستُ طالباً عنده حتى يُعلمني ما أقول. ولم أعطه البيعة حتى أكون ملزماً بطاعته.

فأنا إنسان مسلم بالغ عاقل أُدرك ما أقول، وأُدرك بأنني قد ألاقي الله في أية لحظة!

والكلام أعلاه عام حول كل مسلم عاقل ومسلم آخر مثله، ولا أقصد أنا وأخي راضي تحديداً.

وقد قلتُ ما أراه ووصفت الحدث بما فهمته. وهو قول الملائكة لرب العزة .. أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك. فماذا يقرأ أخي راضي في هذا القول! ولماذا ترهب الناس يا أخي راضي، وتُخيفهم من ذكر ما أورده الله في كتابه ليُتلى ...،

فأنا اعتبرتُ أن هذا تحفظاً واستهجاناً واستغراباً من قبل الملائكة لخلافة الإنسان الذي سيُفسد في الأرض ويسفك الدماء! حين كان المقام مقام إبداء رأي، والملائكة حكمت بظاهر الأمر .. حيث إنها لا تعلم الغيب !

ولا أرى فيما قلته ما هو بعيد عن الأدب إلى الحد الذي أغضب الأخ\ راضي، وجعله ينتقده بشدة.

فالتحفظ والاستهجان والاستغراب حيال أمرٍ ما .. هي مفردات تدل على رؤيةٍ مفادها أن ذلك الأمر ليس صواباً من وجهة نظر المتحدث، وأن المتحدث كان مسموحاً له أن يُبدي رأيه .

ولعل هذا الأمر يُعيدنا إلى مفهوم التأويل. فالملائكة فسّرت الأمر بظاهره، فهي ليست مؤهلة لتأويله .. أي ليست قادرة على علم الغيب والتنبؤ بنتائج الأمر العملية مستقبلاً.

وظاهر الأمر المتمثل في سلوك البشر وممارساته الظاهرية والتي كانت معلومة لدى الملائكة بصورة من الصور، قد دلل في نظر الملائكة بأن هذا المخلوق لا يستحق الخلافة في الأرض .

ولعل ذلك يُذكرنا بقصة رسول الله موسى مع الرجل الذي علّمه الله من لدنه علما ( أي مكّنه من التأويل)، حيث رافقه موسى ليتعلم منه، حيث كان موسى يُفسّر الأمور بظاهرها وزمانها الحاضر، فكان يستهجن ويتحفظ ويستغرب ما يفعله ذلك الرجل.

ثم إن الرجل أنبأ موسى بتأويل ما لم يستطع عليه صبراً. وكان التأويل بمعنى مآل الأمر ونتائجه مستقبلاً .. وهي بغير ما يظهر منه في الحاضر بالتفسير وفق المعطيات المعلومة.
.................................................. ............

أما بالنسبة لموضوع مراحل خلق الإنسان ... فقد تطرق الأخ راضي في هذه النقطة إلى كتابات وأفكار وفلسفات لا علاقة لي بها ... فذكر داروين، وذكر الدكتور عبد الصبور، وذكر آراءهم وتحليلاتهم لهذا الأمر.

وقد أشرت إلى عدم رضاي عن هذا الأسلوب في أولى مشاركتي، فأنا أقبل النقد فيما أكتبه وأطرحه أنا، ولا يجب أن يُقارن ما أطرحه بأفكار آخرين يقرأ لهم الأخ راضي، ولا شأن لي أنا بهم . فعليه أن يُحاور من كتب فيما كتب، فكلٌّ مسئولٌ عما كسب!

أو على الأقل كان عليه أن يضع ذلك تحت عنوان المقارنة لا تحت عنوان النقد. لأن النقد بالمقارنة وبهذه الطريقة، يعني الاتهام بالاقتباس أو بالتبعية الفكرية، أو بالتقليد أو بسرقة إنتاج الآخرين .. وهو يعلم ذلك جيداً ..

فهذا اتهام واتهام ويشي بما هو أكبر، وليس مجرد نقد. لاسيما عند مقارنة كاتب مبتدئ مثلي، بفلاسفة ومفكرين كبار وقدماء، وربما منهم الملحد ومنهم من غير ذلك!

والله وحده مطلع على حقائقي وعلى نوايا الأخ راضي في هذه النقطة بالذات!! وأنا حقيقة لم أسامحه إذا كان الأمر اتهاماً- إلا إذا اعترف بذلك ! أما إذا كان نقداً فله ذلك. ولكن دون مقارنة باسم النقد في المستقبل رجاءاً !

وحقيقة أنا لم أقف على الأسباب التي جعلت الأخ \ راضي، ينتقد وجهة نظري في هذا الشأن. فهي كانت واضحة في ذلك المقال، وقد كان لي حوار حول الأفكار المطروحة في هذا الموضوع، مع الأخت الأستاذة\ نورية العبيدي، بالإضافة إلى مشاركات جميلة من بعض الزملاء. ويمكن لمن شاء العودة لها. المقال ( ابن آدم تعهدت أن تكون إنساناً فاحذر أن تعود بشراً)\ أكاديمية الواحة للتنمية البشرية.

وأما قولي بأن كلمة بشر كلما وردت في القرآن بصورة اعتيادية فإننا نجدها تحط من قدر الإنسان. فهذا ما أراه بالفعل. وصورة اعتيادية أقصد بها صورة مباشرة واضحة مع سياقها.

وخير مثال على اللبس الذي قد يحصل لدى البعض، عندما لا تأتي كلمة بشر في بصورة اعتيادية، أي في سياق يحتاج إلى شيء من التدقيق والتأمّل؛ .. خير مثال هو ما وقع فيه الأخ\راضي، عندما أورد النص القرآني التالي، وتساءل حوله(قال تعالى مخاطبًا مريم عليها السلام " فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً " (سورة مريم الآية 26) فكيف نوفق حسب هذه التأويلات بين كلمة بشر وإنسي في هذه الآية الكريمة ؟ وما هذه التقسيمات إلا لغو لا فائدة منه. )


فهنا نجد الأخ\ راضي، يتساءل، ولم يسأل نفسه، لماذا قال الله إنسياً، ولم يقل إنساناً !
وعليه أن يبحث ليعرف الفرق بينهما، ومتى تستعمل إحداهما ولا تستعمل الأخرى!!

وأما النصوص القرآنية التي أوردها الأخ\ راضي في هذا الصدد بقصد نقد الفكرة؛ فهي تدعم وجهة نظري تماماً ولا تدحضها كما يتصور الأخ\ راضي.

وأنا عندما استشهدتُ بنصوص معدودة حول كلمة بشر، لم أكن أتوقع بأن قارئاً عاقلاً سيظن بأنني أخفي بقية النصوص لأنها لا تؤيد وجهة نظري. لأن تلك سذاجة يتهمني بها الأخ\ راضي. فالكشف عن كلمة في القرآن هو من أيسر الأمور اليوم ... وببساطة فقد كان السبب هو مراعاة حجم المقالة.

وهذه النصوص القرآنية التي أوردها الأخ\ راضي، مستشهداً بها ضد الفكرة، في حين هي تؤكد الفكـرة :
" فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا" (سورة هود الآية 27) وأيضًا " قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا " (سورة إبراهيم الآية 10) وأيضًا " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " (سورة إبراهيم الآية 11) وأيضًا " أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً " (سورة الإسراء الآية 93) و " لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" (سورة الأنبياء الآية 3) وأيضًا " فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ" (سورة المؤمنون الآية 24) و " مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ" (سورة الأنبياء الآية 33) و " فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ "(سورة الأنبياء الآية 47) – هذه الآية الوحيدة التي ذكّر فيها لفظ ِبَشَرَيْنِ والمقصود موسى وهارون عليهما السلام - و" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ" (سورة الأنعام الآية91) و" وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ " (سورة المائدة آية 18)
..................................................
وأقول هنا، لنلاحظ في 1 و 2 ، (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا )، و ( إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا ) .. فما الذي يلاحظه الأخ\ راضي، هنا، هل يلاحظ إعلاءً من قدر المخاطب، أم حطّاً منه.
فهل يقبل الأخ\ راضي، أن يقول المسلمون اليوم، عن الرسول .. ما هو إلا بشرٌ مثلنا .. ، أو لا نراه إلا بشراً مثلنا .!
فأنت ربما لا تقبل أن يُقال ذلك في حق الصحابة، وليس فقط في حق الرسول .. أليس كذلك يا أخي راضي !! فماذا تسمي هذا الخطاب إذن !
ولنلاحظ هنا (3) : " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " (سورة إبراهيم الآية 11) ".

بماذا يمنُّ الله على الرُسل، هل تكون المنة بالمال أو بالأولاد أو بالجسد أو بأي شيء ظاهر للعيان كما هي صفات البشر! أم أن المنّة هي بالرفعة المعنوية بالحكمة والعلم والأخلاق وسمو النفس الإنسانية ...!
ولماذا لم يقل الرسل، نحن بشر مثلكم فقط .

... وهكذا مع بقية الأمثلة ...

وفي ختام هذه الصفحة، أُحب أن أقول لأخي\ راضي .. وأتمنى عليه أن يتمعن فيما سأقوله جيداً ..

أقول:

أنا يا أخي راضي\ أُحاول التفسير، وأنت تحاول التأويل(كما أفهمه أنا) .

فأنا أطرح هنا أفكاراً مباشرة آنية صريحة بلغة الواقع، لا أدعو فيها إلى فعل شيء وترك شيء.
ولا أتحدث عن المستقبل .. لأنه علم غيب. ويحتاج إلى معجزة التأويل لمعرفته !

أما أنت فإنك تقرر وتؤكد بأن نتائج هذه الأفكار ستكون غير محمودة.

وهذا أراه ادعاء بالتأويل منك، فكأنك تعلم نتائج الأمور مسبقاً. فتحاربها لأنك تجزم بأن ذلك مستقبله خير للناس!

وأنت كأنما تقول بأن غيرك معرضين للفتنة، وليسوا محصنين ضدها، وأنك محصنٌ ضدها، وعليك حمايتهم والدفاع عنهم.

وكأنك تعرف من الأفكار ما ينبغي أن يُطرح على الناس، وما لا ينبغي أن يُطرح!

فأنت تقسّم الناس إلى محصّن وغير محصّن، وتعلم مآلات الأمور.
وتأخذ عليّ قولي بأن الإنسان مراحل ومستويات ..

فما يُدريك بأن نتائج مثل هذا البحث وهذه الأفكار حول مراحل خلق الإنسان ستكون سلبية ... أليس هذا تأويلاً . فهل يعلم الإنسان ما هو خير له وما هو شر له.

ألم يقل الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216 .

ألا ينبغي لك التريث، قبل أن تدعو غيرك للتوقف!
لأن القول بأن هذا الطرح أو ذاك هو مخالف لكتاب الله، هو قول خطأ، ولا يملك أحد الحق في قوله، في الأمور الفكرية!

ويمكنك أن تقول بأن هذا القول مثلاً، هو مُخالفك لفهمك أنت راضي الضميري، لكتاب الله.
لأن الحديث لا يدور حول أمور متفق على تفسيرها، ونصوص صريحة !


تحياتي للجميع ... والصفحة الثالثة من الردود قريباً إن شاء الله !

راضي الضميري
17-12-2008, 08:54 PM
الأستاذ الفاضل أبو بكر سليمان الزوي
سأنتظر كل ردودك ، وأمامك القراءة كلها وفيها كل النقاط ، و ردي رقم -20- كان واضحًا و ذكرت فيه بعض النقاط باختصار شديد ، لذلك فأمامك الوقت الكافي لقول ما تريد ومراجعة كل النقاط ، وسأقوم إن شاء الله تعالى بإدراج ردي كاملًا ودفعة واحدة على كل ردودك ، وبانتظار أن تكتمل تلك الردود فإنني أتمنى لك التوفيق .
تقديري واحترامي

أبوبكر سليمان الزوي
18-12-2008, 01:21 AM
هذه هي الصفحة الثالثة من ردودي على ما ورد في القراءة النقدية للأخ الأستاذ \ راضي الضميري.

ردود حول النقاط : 6 ، 7 ، 8 .

والنقاط هي :

6- مطلوب رد على قضية الملائكة الكرام وأدراجك لكلمات تقول أنّها صدرت عنهم ومنها أنّها استغربت – أي الملائكة - واستهجنت وتحفظت حول خلق سيدنا لآدم .

7- مطلوب رد على قضية سيدنا إبراهيم عليه السلام وسؤاله لله تعالى بكيف تحي الموتى ، وربطك لهذا السؤال بموضوع فلسفي لا علاقة له البتة في قضية البحث عن الإيمان وزيادة أو عدم زيادته .

8- مطلوب رد على قضية إبليس وتواجده مع الملائكة ، علمًا أنّّك طرحت أفكارًا حول هذا الموضوع أقل ما يمكن أنْ يقال عنها أنّها قد شككت بعدالة الله سبحانه وتعالى ، وتشكيك في المشيئة الإلهية حول هذا التواجد ، ومحاولة لفت الأنظار إلى حصر هذه المشيئة بهبوط آدم إلى الأرض .

أرد بالقـول :

فيما يخص النقطة (6)، فقد تطرقت لها في الصفحة السابقة، وأعيد وأضيف :

بالنسبة لتحفظ الملائكة واستهجانهم حول خلق آدم ..

فهذا كلام قاله وكرره أخي\راضي، وعليه أن يجيب عنه بنفسه، ولا يُقـوّلني ما لم أقل. وعليه أن يقرأ ما هو مطروح جيداً قبل أن يُبادر إلى نقده، لأن تغيير مفردة واحدة قد يقلب المعنى رأساً على عقب !

فقد تكرر كلامه حول خلق آدم. ولا أدري لماذا الخلط بين الخلق والخلافة في الأرض .
فأنا لم أقل بأن الملائكة قد تحفّظت على خلق آدم، ولا ينبغي لي ذلك!
بل كان كلامي حول خلافة البشر في الأرض، ولم يكن حول خلق آدم !

فخلقُ آدم من طين، كان قد أخبر الله به الملائكة، وأمرهم بالسجود له حال نفخ الروح فيه، وسجدوا إلا إبليس... وهذه نقطة واضحة لا تحتاج تفكيراً ولا نقاشاً لفهمها.

أما مأخذ الأخ\ راضي، .. حول دلالة المفردات التي استعملتها في وصفي لرد فعل الملائكة حول خلافة البشر في الأرض .

وقد كان كلامي حول قول الملائكة لرب العزة .. أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك.
فقد اعتبرتُ أن هذا تحفظاً واستهجاناً واستغراباً من قبل الملائكة لخلافة البشر في الأرض بحجة أنه سيُفسدها ويسفك الدماء!

وأنا أفهم أن الملائكة قد قالوا ما قالوا لأن المقام كان مقام حرية إبداء الرأي، والملائكة حكمت بظاهر الأمر .. حيث إنها لا تعلم الغيب !

فتحفظ الملائكة واستهجانهم واستغرابهم، كان حول خلافة البشر في الأرض .. أي أن مخلوقاً يُشكك في أحقية وقدرة مخلوق، حيث كانت الأمر مطروحاً عليهم ليُبدو رأيهم، ثم ليعلموا بعد ذلك صغر حجم علمهم قياساً لعلم الله.

ولو كان الطرح بصيغة الأمر كما كان في شأن خلق آدم والسجود له، لما كان للملائكة أن تبدي رأياً !

ولا أرى فيما قلته ما هو بعيد عن الأدب إلى الحد الذي ذهب له الأخ\ راضي، وجعله نقطة رئيسية للنقد.

فالتحفظ والاستهجان والاستغراب حيال أمرٍ ما .. هي مفردات تدل على رؤيةٍ مفادها أن ذلك الأمر ليس صواباً من وجهة نظر طرفٍ أُعطي الحق في إبداء الرأي.

وظاهر الأمر المتمثل في سلوك البشر العدواني وممارساته الظاهرية والتي كانت معلومة لدى الملائكة بصورة من الصور، قد دلل في نظر الملائكة على أن هذا المخلوق لا يستحق الخلافة في الأرض .
وحيث إن تحفّـظ الأخ راضي، لم يكن حول الفكرة، وإنما كان حول وجوب انتقاء مفردات أكثر أدباً عند الحديث عن الملائكة. فإنني أشكره على نصحه مستدركاً، وأقول له رحم الله امرئً أهدى إلي عيوبي .

.................................................. ...

بخصوص النقطة : 7
والتي تتعلق بسؤال سيدنا إبراهيم، لربه ليريه كيف يُحيي الموتى .

فربما كان لدى الأخ راضي، فهم خاص لمعنى ( أولم تؤمن، قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي) .

ولكن لستُ أنا من ربط سؤال إبراهيم بالإيمان، بل هذا ما ورد بصريح العبارة في القرآن !

أما تعليل إبراهيم لسؤاله فقد كان طلباً لاطمئنان القلب.. وهذا بصريح النص أيضاً .

أما علاقة هذا الموضوع بالفلسفة. فتلك وجهة نظر أبديتها، وأُدافع عنها .

وربما كان انتقاد الأخ راضي، لهذه العلاقة، نابعاً من حساسية لديه مع لفظة " فلسفة "، ولعله يربطها بغير المسلمين وغير المؤمنين، أو أنه يرى في الفلسفة نقيضاً للدين .. فإذا كان الأمر كذلك فإنني أراه مخطئاً.

فتعريف لفظة فلسفة كما أعلمه .. هو البحث عن الحكمة والسبيل إلى تطبيقها وتعميمها !!

فإذا كان لدى الأخ راضي فهمٌ خاص به لمعنى فلسفة، فكان من الأولى أن يسأل أو يبحث عن التعريف الإنساني العام لكلمة فلسفة، بدل الحكم على الأمور العامة من خلال مفاهيمه ومعاييره الخاصة !!

فللفلسفة كلياتها في الجامعات العربية والإسلامية، وليست نقيضاً للدين !

والعلاقة بين الأمرين واضحة. فإبراهيم كان مؤمناً، ومع ذلك بحث عما يطمئن به قلبه. ولأنه كان رسولاً فقد طلب ذلك وحصل عليه مباشرة من ربه.

أما نحن، فمؤمنون إن شاء الله، ولكننا لسنا رُسلاً لنحصل على اطمئنان القلب .. مباشرة من مصدره القدوس العزيز !

والأخ راضي، مُطلع على التراث، ولا شك أنه سمع بمحاولات مفكرين مسلمين سابقين طلباً لاطمئنان القلب واستقرار الإيمان.

ولا شك أنه قرأ ما ورد عن بعض الصحابة - ما معناه، أنهم أتوا الرسول مترددين في طرح ما يجدونه في أنفسهم. فقالوا إنا نجد في صدورنا ما لا نقوى على البوح به، وإنه لأهون علينا أن تنطبق السماء على الأرض من البوح به !!

فإذا كان لدى الأخ راضي، اطمئنان يفوق ما لدى الصحابة .. فليحمد الله على فضله، وليطرح نفسه مُجيباً لمن لديه تساؤلات بقصد بلوغ اطمئنان القلب لصحة الإيمان.

و أظنه سيجد متسائلين كُثر، ولكن عليه أن يُجيبهم، لا أن يُحـرّم عليهم أو يُجـرّم طرح السؤال!

حيث إن الله سبحانه وتعالى قد قبل ذات السؤال من نبيه، ولم يمنعه من طرحه، ولم يعاقبه عليه، ولم يذكر أن هذا السؤال لا يحق لغير إبراهيم !
.................................................. ....................

النقطة ( 8 ) ..
وهي بخصوص ما أوردته حول رؤيتي لتواجد إبليس مع الملائكة.

فإنه إذا كان الأخ راضي، يرى بصواب التحليل أو التفسير السائد، والذي مفاده أن إبليس قد أخلص الطاعة والعبادة لله حتى استحق مرتبة الملائكة، ثم عصى أمر الله فجأة ...، ولم يحتج ولم يطلب الأخ راضي، دليلاً ولا برهاناً ممن يقولون بهذا التحليل العقلي.

فإنه ومن باب الإنصاف، لا أعتقد أن من حقه أن يُطالبني بدليل، فكلها استقراءات وتحليلات بقصد طلب حصول اطمئنان القلب.

ولو كان لدى أصحاب التفسير السابق سنداً صريحاً، لما كان لي أن أفكر أو أن أبحث في هذا الأمر.

أما بخصوص عدم حاجة الله للشهود فيما يقضي من أمر. فذلك صحيح لا جدال فيه بين المؤمنين من حيث الإيمان بقدرة الله!

ولكنّ طرح الأمر وفهمه بهذه الصورة وبهذه الشمولية، قد يطرح تساؤلات أكبر وأعقد .. من قبيل ما الحاجة إلى الرسل، وما الحاجة إلى وجود البشر أصلاً، ولماذا خيّرهم ومكّنهم الله من الكفر ... وتساؤلات عديدة لسنا هنا بصددها!

ويبدو لي أنه لدى الأخ راضي، خلط بين مدلول القدرة ومدلول المشيئة الإلهية !!

ولعل استدلاله بهذا النص القرآني يدل على عدم الدقة لديه في التفريق بين القدرة والمشيئة، ... قال تعالى " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ".
وبخصوص شهادة الخلق على بعضهم، فإنني أحيله إلى قوله تعالى:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ... }البقرة143 .

فهل يحتاج الله لشهادة المسلمين على الناس، أو لشهادة الرسول على المسلمين، ... أم ليقضي الله أمراً كان مفعولا .


أما قوله بأن ما ذهبتُ له في طرحي وتحليلي، قد يفتح الباب لتفسير الأمر وكأنه دُبِـر سلفاً، فإنني أُطالبه بإعادة قراءة ما أوردته أعلاه والبحث عن مدلول المشيئة ! كما أدعوه لقراءة النصوص القرآنية التالية والتدبّر فيها ... لعله يُدرك مقصدي ..

قال تعالى: { إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال42 .
وقال أيضا : {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ }الأنفال44 .

فماذا يقرأ الأخ راضي عند تدبّره في هذه النصوص، كإنسان مسلم متمكن من اللغة العربية. وبكل تأكيد فأنا لا أقصد تدبير الأمر سلفاً. ولعل الاختلاف بين الناس في فهم مدلول مشيئة الله هو ما يجعل البعض يرون في تداول هذه الأمور أمراً محظوراً .

والنقطة الأخيرة التي تطرق لها الأخ راضي، بالتحليل والنقد، في شأن موضوع إبليس، هي ما ورد في أحد مقالاتي كالتالي :

أما عن إبليس (الشيطان)، فإننا نعلم من خلال ما ورد في شأنه في القـرآن الكريم .. أنه قد بَـاءَ بغضب الله واستحق لعنته .. ولم يكن ذلك بسبب تهاونه في العبادة، ولا كفـرٍ منه ولا شركٍ بالله، ولم يكن بسبب قتل النفس التي حـرّم الله قتلها بغير الحق، ولم يزنِ، ولم يخن أمانة، ولم يبع وطناً، ولم يأكل الربا ولا لحم الخنزير ولم يشرب الخمـر، ولم يظلم أحـداً ..! ولكن .. كان من إبليس أن تساءل عن أحقية آدم في سجوده له . وكان تساؤله مصحوباً برفضٍ للسجود - متجاهلاً أنه بذلك يكون قد رفض أمـر الله- بغض النظر عن المُـكـرّم بالسجود .. والذي كان- حينها - آدم عليه السلام" .

ومأخذ الأخ راضي، في هذا النص، هو حول قولي بأن السبب الذي استحق به إبليس غضب الله ولعنته لم يكن كفراً ولا شركاً .

وأنا هنا أُعيد ذات الكلام بشيء من التفصيل والإيضاح .. وأحيل الأخ راضي إلى التفسيرات التي يعتقد بصوابها ..

فإبليس كان مؤمناً موحداً مطيعاً مخلصاً حتى وصل إلى درجة الملائكة ... هذا تحليل قديم وسائد ويعتقد بصحته الأخ راضي الضميري.

وعلى هذا الأساس فإن اللعنة التي حلت بإبليس كانت مفاجئة، كما يعتقد الأخ راضي الضميري، ولم يجد ضيراً في ذلك .

فأين الخلل في أن أقول بأن الكفر لم يسبق اللعنة، أو لم تحل بإبليس اللعنة لأنه كافر.

فالكفر ليس أمراً لحظياً، بل هو سلوك وممارسة مستمرة، وإبليس أصبح كافراً بعد إصراره على فسقه، واستمراره فيه.

وفي حال الإنسان، فقد يكفر الإنسان طيلة مرحلة من الزمن، ثم يهتدي ويتوب، ولو أن الكفر موجبٌ للعنة لما آمن مع الرسل من كان كافراً قبلهم، ولما جَبَّ عنه إيمانه ما كان قبله من كفر.

فاللعنة قد حلت بإبليس فجأة وتلازماً مع رفضه للسجود لآدم ... وبذلك أصبح من الكافرين!

فكفره كان نتيجة لرفضه لأمر الله .. وليس سبباً له!

وكذلك موضوع الشرك، فإبليس لم يبؤ بغضب الله لأنه ادعى وجود شريكٍ لله في العبادة والملك .

فوفقاً لما يعتقد به الأخ راضي الضميري، فإن إبليس كان مخلصاً لله حتى لحظة رفضه السجود لآدم .

فهل يفهم أو يُفسّـر الأخ راضي، رفض الأمر المفاجئ بمعنى الشرك !

وكان القصد من الموضوع الذي طرحتُ فيه هذا الأمر، هو إيصال فكرة مفادها أن أحدنا قد يعتمد على عموم الإيمان بالله، ولا يلتفت إلى دقائق الأمور والعبادات، وقد لا ينتبه إلى أنه غوى حتى يجد نفسه في المحظور وسوء الخاتمة، والعياذ بالله..

ولا شك أن الأخ راضي يحفظ هذه النصوص ويُدرك معناها جيداً.. حيث تشير إلى أن إبليس لم يُشرك بالله، ولم يُنكر ربوبية الله، ويُقر بعزته وعذابه الشديد.. ومع ذلك غوى وفسق عن أمر الله ..

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }الحجر39 .
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }ص82 .
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال48 .
{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }الحشر16 .

تحياتي للجميع ... والورقة الرابعة قريباً ..

أبوبكر سليمان الزوي
19-12-2008, 01:15 AM
الناســـخ والمنســـوخ ..



هذه هي الصفحة الرابعة من سلسلة الردود التي التزمتُ بها، للرد على النقاط الواردة في القراءة النقدية للأخ الأستاذ\ راضي الضميري. حول بعض ما طرحته من أفكار في مقالات مختلفة، وفي مواقع مختلفة ..


النقطة رقم 9



لقد خصصتُ هذه الصفحة كاملة للحديث حول ما يُسـمّـى اصطلاحاً بالناسخ والمنسوخ.

حيث إنه ورغم جزمي بعدم صحته، وإلمامي بما يكفيني من الأدلة، إلا أنه لم يسبق الكتابة في هذا الموضوع إلا من قبيل الإشارة له بعدم اعتقادي بصوابه كأصل من أصول الفقه الإسلامي المُلزمة أحكامها لكل المسلمين.

وحيث إن فكرة الموضوع على درجة كبيرة من الخطورة كما وصفها الأخ راضي الضميري، في إحدى مشاركاته.
وحيث إن الخطاب هنا موجهٌ لإخوة يعتقدون بصواب هذا الفقـه، وقد التزمتُ لهم بإيضاح الأمر من وجهة نظري.
لذا فقد تطلب إعداد الموضوع تركيزاً خاصاً من حيث الأدلة واللغة، لإظهاره بما يليق بخطورته، وبما يليق بمقام المخاطبين، ولإيصال الفكرة كاملة واضحة منقاة من كل لبس، .. والله ولي التوفيق .
وعليه فإنني أُهيب بأخي راضي، أن يُعطي قراءة هذه الصفحة تركيزاً خاصاً، ووقتها الكافي، إنصافاً وطلباً للحقيقة كما أشار، ... وإني والله لأحسبه كذلك ..

أقـول : إن الإنسان يتقوّل الباطل على الله، عندما يعتقد بأن الله قد كلّفه بما لا يستطيع فهمه. وهو الذي أمر عباده المؤمنين والناس كافة بالتدبر والتفكر.

فإذا كان فهم القرآن والإسلام مشروطاً بقواعد لم تتيسر إلا لقلة قليلة من المسلمين ..، فهل يكون الإسلام والقرآن حجة الله على العالمين!

و أقول إن المؤمن ليظلم نفسه بنفسه عندما يعتقد بأنه أقل من أن يفهم مقاصد شرع الله من مصدره المقدس المحفوظ المُيسّـر للذكر.

وإنه ليظلم نفسه وغيره، إذا اعتقد بأن كلام الله في كتابه العزيز ..، هو ألغاز وتعجيز للإنسان ..، بمعنى أنه لا يمكن لجل المسلمين فهمه إلا بإتباع ما يقوله آخرون بذلوا جهدهم وقالوا قولتهم بما رأوه صواباً في عصورهم وحسب إمكاناتهم .. ولا ينبغي تحميل الأتقياء منهم وزر ما قد يكونوا أخطأوا فيه عن غير قصد.
فهُـم في بداية المطاف ونهايته بشرٌ لم يـدّعوا العصمة، ولم يحملوا بين أيديهم آية ليعرف منها الناس أنهم ملزمون أو مهتدون بإتباعهم، وليس لمن اتبعهم فيما أخطأوا فيه ما يُبرر له إتباعه لهم أمام الله.

ولقد ألزم أخي وزميلي\ الأستاذ راضي الضميري، نفسه بعهدٍ أمامكم وأمام الله، حين قال حول موضوع الناسخ والمنسوخ (لأنّها مسألة جد خطيرة ، فإنْ أثبت هذا الأمر طرحنا رأينا واتّبعنا رأيه ، أمّا القول بدون دليل فهذا ما لا نفهمه؛ ولا نفهم لماذا طرح أصلًا مثل هذا الموضوع وتم التغاضي عنه فيما بعد..

وإني لأرجو أن يتمكن الأخ راضي، من الإيفاء بعهده عندما أُثبت له ما أقول بالبرهان والحجة من كتاب الله ..، وأقلّـه أن يراعي الله فيكون منصفاً في قراءته وحكمه المُعلن .. وهو إن شاء الله أهلٌ لذلك !

وعليه أقول مستعيناً بالله ...
إن مصطلح الناسخ والمنسوخ، بمعنى وجود نص قرآني لا يُحتكم له، أو وجود حكم شرعي لا نص له في القرآن ... أي:
أن نصاً قرآنياً قد نُسِخ – بمعنى أنه تم حـذفه تلاوة وبقي حكماً.
أو أن نصاً قرآنياً أُنسي للرسول – نسيه الرسول بأمر الله – وبقي حكمه.
أو أن نصاً قرآنياً يُتلى وحكمه منسوخ، بحكم نصٍ آخرٍ يُتلى -أعقبه في النزول.
أو أن يكون نسخُ أحكامِ القرآن بأحاديث منسوبة للرسول، أو بإجماع أو بقياس.
وأن يتم اعتبار هذا المفهوم كباب واسع وأصل من أصول الفقه الإسلامي المُلزمة أحكامها لكل المسلمين).

أقول إن الناسخ والمنسوخ، بهذه الصورة وما تقتضيه من اعتقاد، فإنني أصنّـفه بدعة باطلة، وتقـوّل واعتداء على شرع الله وعلى حقوق وعقول عباد الله.
وهي بدعة ابتدعها من ابتدعها عن قصد أو عن جهل، وتبعه فيها من تبعه ... وعليهم وزرهم.

وأقول إن الأمر يختلف، فيما لو كان الاعتقاد بالناسخ والمنسوخ ليس ملزماً لكل المسلمين، وإنما يقتصر على اعتقادِ فقيهٍ بذاته وفي مسألة بعينها - محددة بشخوصها وزمانها ومكانها، .. حيث يكون الحكم حينها محدداً ووقفاً، وملزماً فقط لمن يعتقد بصواب تلك الفتوى في حينها، وليست ملزمة لعموم المسلمين.
لأن في هذه الحالة، يكون ضررها أقل، ويكون مصدرها معلوم، ويُمكن لمن أراد محاورته حولها.




صُلبُ المـوضــوع

إن من أبرز النصوص القرآنية التي يستدل بها ويستند عليها من يؤمنون بعقيدة أو فقه الناسخ والمنسوخ، هو ما استدل به الأخ راضي، في إحدى مشاركاته، وهي قوله تعالى :

{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106 .

أقول .. أولاً، إن الذين استندوا إلى هذا النص القرآني في استدلالهم على وجود الناسخ والمنسوخ في نصوص وأحكام القرآن، فهم إنما انطلقوا من أساسٍ وفهمٍ خاطئين، حيث إنهم اعتبروا أن مدلول لفظة ( آية)، يُشير إلى نص قرآني. .. فهم مخطئون منطلقاً واستنتاجاً واعتقاداً .. كما سأوضح لاحقاً .. بحول الله ..

ولكن أقول أولاً ، وعلى افتراض صحة أساسهم واستنتاجهم.. وهو ما لا اعتقد به.
على هذا الأساس وهذا الفهم، فإن النص صريح، وهو أن كل ما تم نسخه قد تم الإتيان بمثله أو بخير منه.
وهو الأمر الذي لا وجود له في حال آية الرجـم! كما يعلم أخي\ راضي، ويعلم المتابعون.

إلا إذا كان هناك من المسلمين من يعتقد بأن الأحاديث المنقولة بالروايات عن طريق البشر، والمنسوبة إلى النبي، هي خير من آيات الله، أو مثلها ..،
وهذا كلام لا يقول به مسلمٌ إلا بقلبٍ غافل، حيث يضع القرآن المحفوظ من عند الله، بمنزلة مساوية أو تقل عن الأحاديث التي ثبت دخول التحريف والتزوير ساحتها، والتي قام بتصحيحها وحِفظها بشرٌ مثلنا لا عصمة لهم من الخطأ والنسيان والزلل!
وهي التي كان الرسول قد نهى عن كتابتها تبرئة لذمته في صون كتاب الله وأحكامه، وإبلاغاً للرسالة والأمانة كما وصلته من ربه .. دون زيادة أو نقصان.

ثانياً: إن مدلول لفظة آية لا يُشير من قريب ولا من بعيد إلى نصوص القرآن وألفاظه.
وإنما " آية " في اللغة تعني الأمارة والعلامة والعبرة.. ( المعجم الوجيز).

والآية من واقع القرآن تعني أيضاً العلامة والعبرة والأمارة، وتعني كذلك- وهو في ذات السياق- معجزات الله الحسيّـة، ورسالاته السماوية على أيدي رُسله، وهي التي ينسخ آخرها سابقها. كما نسخت آيات(معجزات) عيسى ما قبلها وهي آيات موسى، وكما نسخت رسالة الإسلام ما قبلها .

وأُجيز لنفسي في هذا المقام، أن أقول إنه لو كان مدلول لفظة آية هو بعضاً من القرآن، لكان الله سبحانه وتعالى قد تحدى كفار قريش بأن يأتوا بآية من مثله، أو أنهم هم من كان سيتطرق إلى هذا المعنى. حيث كان قد تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله وليس بآية.
فهل بإمكان أحدٍ القول بأنهم كانوا عاجزين فقط عن الإتيان بسورة ولم يكونوا عاجزين عن الإتيان بآية، ولذلك تحداهم بسورة وليس بآية .! أستغفر الله العظيم ..
بل إن ذلك دليلٌ واضح على أن الآية ليست نصاً أو لفظاً قرآنياً، حيث إن كفار قريش هم الذين تحدوا الرسول أن يأتيهم بآيةٍ ..

{ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ }الأنبياء 5 .

والآية التي يطلبونها واضح معناها، وهي المعجزة الحسيّة الخارقة لناموس الحياة وما اعتاده البشر، والتي تدل على أن من أتى بها ليس بشراً مثلهم، بل هو إنسان مؤيد بمعجزة من الخالق.!

ويُدرك أخي راضي، بأن لفظة آية، ليس لها سندٌ يُثبت أن مدلولها هو جزء من القرآن .. إلا اصطلاحاً .

ولا شك أنه سمع أو قرأ حول ما اصطلح على تسميتها بآيات، بأنها ليست دائماً محل إجماع من حيث العدد.. بينما يتوفر الإجماع حول عدد السور.
فسورة الفاتحة مثلاً، يوجد من المسلمين من يعدها سبع آيات ومنهم من يعدها ثمان، وقيل تسع .

وكذلك العدد الكلي لما اصطلح على تسميته بآيات القرآن، لم يكن موحداً بين أهل البصرة والكوفة والمدينة - في زمن من الأزمنة.

ولا شك أن أخي راضي، يُدرك بأن تحديد الآيات في كل سورة، إنما جاء عن طريق الروايات، ولم يُسمّها ولم يُحددها الرسول الأمين على رسالته.
حيث إنه وبعد وفاة الرسول – والتاريخ ليس محدداً فيما أعلم -، فقد تساءل المسلمون – في عصر الصحابة - حول مواضع الوقوف عند قراءة القرآن، فقال بعضهم إنه سمع الرسول يقف عند هذه الكلمة من كلمات القرآن أو تلك، فاجتهدوا للاتفاق حول تجزئة السور إلى نصوص يسهل قراءتها، واتفقوا على مواضع للوقوف عندها ..، ثم إنه وفيما بعد اتفق اللاحقون على تسمية أجزاء السور تلك بالآيات. ولا أظنه يُعرف تحديداً متى كان تاريخ هذه التسمية .

أما المدلول الحقيقي للفظة آية، فإن الله سبحانه وتعالى لم يتركه للروايات، كما لم يتحدَ بآياته أحداً من خلقه، لأن الآية هي معجزة إلهية حسيّة تُبهر وتعجز الإنسان، ولا يمكن لغير الله الإتيان بها إلا بإذنه، ولمدة زمنية معينة.. وقد حدد مدلول الآية بكل وضوح في كتابه العزيز ...

يقول تعالى :
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }البقرة248 .

{قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ }آل عمران41 .

{وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران49 .

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }المائدة114 .

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الأعراف73 .

{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }يونس92 .

{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }يوسف105 .

{يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }النحل11 .

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }الإسراء12 .

{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى }طه22 .

{بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ }الأنبياء5 .

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }سبأ15 .

{وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ }يس33 .

.................................................. ............................

ولا شك أن المعنى أو المفهوم قد اختلط على البعض، وذلك بسبب ما ترسّخ في أذهان المسلمين من أن مدلول لفظة آية، هو أنها نصٌّ من القرآن.

ولذلك فإنه ليس من السهل على الكثيرين منا اليوم، التفريق بين المدلول الحقيقي والاصطلاحي للفظة آية، لاسيما عندما يقترب المعنى الحقيقي حسب سياقها في القرآن من المعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه فقهاء مسلمون قديماً، وانتشر بين المسلمين وانطبع في أذهانهم.

وكمثال، لتوضيح الالتباس الحاصل بسبب صعوبة التفريق بين المدلول الحقيقي والاصطلاحي للفظة آية في موضع من القرآن، وسهولته في مكان آخر ..

فلنلاحظ .. قوله تعالى : {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }البقرة73 .
المدلول الحقيقي واضح هنا، وهو آية حسية مباشرة مبينة ومعجزة للبشر .

ولنلاحظ في قوله تعالى : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }البقرة129 .
هنا سيذهب الذهن بالبعض مباشرة ودون تفكير إلى المعنى الاصطلاحي نظراً لترسّخه في أذهانهم، ونظراً لقرب السياق من المدلول الاصطلاحي، وبسبب عدم تركيزهم وعدم اصطحابهم للمدلول الحقيقي للفظة آية عند تدبرهم للنص ...
ولكن، مع شيء من التأمّـل، وباستحضار المدلول الحقيقي للفظة آية، والذي نجده واضحاً في كل أو في جل مواضع ورود اللفظة في القرآن ..،
فإننا سنلاحظ، أن مدلول المفهوم الاصطلاحي للفظة "آياتك" مشمول بمدلول لفظة الكتاب في هذا النص.
وأن آيات بالمدلول الحقيقي هو الذي تشير له كلمة آيات في النص، فهو ليس مشمولاً بمدلول لفظة الكتاب، ...
ونلاحظ أنه قال يتلو عليهم آياتك، ولم يقل يُعلمهم آياتك، بينما قال يُعلمهم الكتاب والحكمة، ولم يقل يتلو عليهم الكتاب والحكمة.
ومعلوم أن التعليم يكون لما يستطيع الإنسان تعلمه، وهو هنا بمعنى القراءة والحفظ والاستيعاب وفهم كيفية العبادات والشرائع والأحكام المختلفة وما فيها من حكمة ومصلحة للناس ... الخ.
بينما" يتلو " هي بمعنى يذكر واحدة تلو الأخرى .. حيث إن آيات الله كثيرة في كونه، ولكنها تحتاج إلى من يتأمّل ليبصرها ..

قال تعالى:
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }سبأ9 .
.........................
وتجدر الإشارة هنا، إلى أنني لا أقول بأن هذا الاصطلاح هو خطأ ويجب تغييره. فذلك ليس من شأني – الآن على الأقل- بل هو من شأن من وضعوه ومن يقولون به، وينشرونه دون إيضاح أو دون دراية.
ولكنني أقول إنه يجب الانتباه، إلى أن استعمال هذه اللفظة أو سواها، دون دراية ودون تنبيه لمدلولها الحقيقي الذي يطمئن له القلب ويستقر به بمجرد سماعه ،
.. قد يضر بالمعنى في موضع اللفظة، أو يؤدي إلى خلط المفاهيم في مواضع أخرى.
.................................................. ...............
وهنا أُحب أن ألفت انتباه أخي \ راضي الضميري، والإخوة المتابعين، إلى ملاحظة هامة للباحثين، قد لا ينتبه لها الكثيرون ..
ألا وهي أن الآية الأبرز في موضوع الناسخ والمنسوخ ..
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106 .
لاحظ معي أخي راضي، أن الله سبحانه وتعالى، قد اختتم النص بقوله "على كل شيء قدير"
فإذا عرفنا من القرآن أنه حيثما كان اختتام النص القرآني بـ( على كل شيء قدير )، كان النص يذكر أو يصف مخلوقات مادية عظيمة أو ظواهر طبيعية أو معجزات حسيّة خارقة، أو أفعال عظيمة قياساً لما يتحمله الإنسان أو يألفه.
فإن ذلك سيُرسل إشارة تستوجب التوقّف عندها !!
فعدد النصوص القرآنية التي تنتهي بـ( على كل شيء قدير )، هي 35 نص أو يزيد.. وجميعها لا تتحدث عن كلام الله أو كلام البشر، وإنما تتحدث عن عظائم الأمور والمخلوقات المادية المجسمة المحسوسة التي لا مناص للبشر من التسليم بعظمتها والوقوف عندها .
فلا أعتقد بأن يمر على اللبيب دون أن يقرأ فيه دليلاً بالغاً على أن الآية المذكورة في النص ( ما ننسخ من آية)، والذي اختتمه الله بقوله، على كل شيء قدير/ إنما هي آية حسية بمعنى معجزة أو خلق مادي عظيم، وليست آية بمعنى نص قرآني ... فالنص القرآني عظيم معجز بكلمته وحكمته، ولكنه معجزة لا يراها إلا أولوا الألباب ومن هدى الله.
بينما الآيات هي معجزات خارقة يخر أمامها من آمن البشر ومن كفر.

ولنقارن بعض النصوص القرآنية، ولنلاحظ اختتامها بـ( على كل شيء قدير) ..

{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106 .

{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }النور45 .

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20 .

{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الروم50 .

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1 .

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فصلت39 .

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأحقاف33 .
.................................................. ..................................

أما أغرب ما قرأت وما سمعت، حول تبرير الناسخ والمنسوخ، هو قول البعض وتساؤلهم، .. كيف يمكن تفسير الآيات المتعارضة ظاهرياً من حيث الحكم، بدون قاعدة الناسخ والمنسوخ.
ولعل هذا كان أحد أهم الأسباب وراء ظهور مصطلح أو فقه الناسخ والمنسوخ!
وأنا في هذا الصدد أتساءل: هل عجزُ المسلم عن التوفيق بين حكم آيتين يُبرر له نسخ إحداهما، أو يُجيز له ابتداع آلية يُبطل بها حكماً ويفرض بها حكماًُ.
هل بعد ذلك تقـوّل على الله بغير العلم، وتطاول على كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!
أليس الفهم القريب والتفسير الموضوعي للآيات المتعارضة في ظاهرها هو أنه (لكل مقام حُكْمُهُ ).
كأن يكون- مثلاً - تفسير آيتي القتال اللتين ذكرهما الأخ راضي، ( 65 ، 66 .. الأنفال).
هو أن الأمر يرجع لتقدير ولي الأمر والقائد الميداني للمعركة اللذين ينبغي فيهما الكفاءة والأمانة لتنفيذ أمر الله، بعد أن أعطانا الله الحدين الأعلى والأدنى لمقدرة المؤمنين على قتال الكفار، وذلك حسب إيمانهم واستعداداتهم العسكرية.


آمل أن أكون قد وُفقت في الإجابة عن تساؤل أخي راضي، وكل الإخوة المتابعين والمهتمين .. حول موضوع الناسخ والمنسوخ !


تحياتي للجميع .. والورقة الخامسة قريباً .. بحول الله ..

أبوبكر سليمان الزوي
20-12-2008, 03:08 AM
هذه هي الورقة الخامسة والأخيرة من سلسلة ردودي على الدراسة النقدية لبعض ما أطرحه من أفكار، والتي تفضّل بها الأخ الأستاذ\ راضي الضميري .


النقاط : 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 .



10- مطلوب رد على تعليقي حول تفسيرك للآية رقم 16 في سورة الإسراء .

11- مطلوب رد على مسألة أبرهة ومثالك الذي ذكرت فيه تطور القوة المادية لساكن مكة المكرمة – المدافع عن الكعبة - مع إغفالك للتطور الحاصل – تلقائيًا - للعدو القادم لهدم الكعبة.

12- مطلوب الرد على إدراجك لآيات كريمة وصفت فيها أمّة كاملة بالكفر والنفاق والتخلف والجهل.

13- مطلوب الرد على قضية قتال المسلمين لعدوهم وتفوقهم عليه ، رغم تفوق العدو عليهم بالعدد والعدة.

14- مطلوب الرد فيما يخص الصحابي الذي قضى ثلاثة أيام في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم انطلق داعيًا في سبيل الله تعالى . في حين أنّك نفيت تلك المسألة – الفتوى - عمّن قضى حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فحكمت عليه بأنّه حديث عهد بالإسلام وضغوط الجاهلية لها كان دور في اتخاذه لقراراته مما يجعل القبول بها محل تشكيك .

أردُّ بالقـول :

10 – في هذه النقطة أعتقد بأن انتقاد أخي\ راضي، غير مُبرر مطلقاً، وأرجو أن يُراجع نفسه، ويستغفر به.
لأنه بانتقاده هذا يكون كمن يبحث عما ينتقد به غيره لغرض النقد ليس إلا. وهو بذلك يدخل قائمة أولئك الذين لديهم نيّة مبيتة مسبقاً للنيل من سمعة إنسان ما. إما بداعِ الحسد، أو بداع بغض لا يعلم عنه ذلك الإنسان المنتقد المطعون في نيته شيئاً. وإني لأرجو ألا يكون منهم !!

وإلا فما أسباب وما بواعث الانتقاد !! وهو يعلم بأن الإجابة كانت على قدر السؤال !
فالسائل كان سؤاله محدداً، حول تفسير إرادة الله بهلاك تلك القرية!

وإذا كان الأخ\ راضي يطعن في مقدرتي أو في نواياي أو في اطلاعي فذلك شأنه وحسابه على الله.
ولكن عليه من أن يُحسن الظن بطارح السؤال! فهو لا بد وأنه قرأ الآية التي تسبق الآية موضع السؤال! والتي تذكر الرسول. ومع ذلك بقي سؤال الأخ الكريم قائماً ! إذن لم يكن السؤال حول الرسول، وليس الرسول جواباً له!
وحيث إنني قلتُ عن أهل القرية إنهم كانوا يُظهرون الإيمان، وفي هذا ما يوجب وصول رسالة الله لهم عن طريق رسول.. وإلا فكيف عرفوا الإيمان الذي يتظاهرون به.

فهل نتحدث عن أناسٍ يُظهرون الإيمان ولم يأتهم رسول. وهل نفيت أنا أن يكون قد جاء لأهل تلك القرية رسول! أم أنني أثبته حكماً بإظهارهم للإيمان.
فأنا لا أعلم عن قومٍ آمنوا أو أظهروا الإيمان دون أن يكون قد جاءهم رسول.

وأعتقد أنه من باب الإنصاف والأمانة العلمية والموضوعية والمصداقية .. فإنه كان على الأخ راضي الضميري، أن يذكر ما تفضل به آخر المشاركين، والذي أكد موافقته التامة على إجابتي وبشكل صريح من وجهة نظره. كما أنه أيدها بما أورده من تفسير لأحد الفقهاء السابقين، يطابق ما ذهبت له تماماً !!

11- بالنسبة لمثال أبرهة، فإن آية الله هي الطير الأبابيل وحجارة السجيل، وهما آيتان ليستا معروفتين لنا إلا تخميناً، ولا أثر لهما اليوم. فقد كانتا آيتين لمن عاصر الواقعة. وأن لم أتعرض لآيات الله تلك.
ولم تكن آية الله هي الأفيال التي أخافت قريش، وهي التي تحدثتُ أنا عنها. بدليل أن الله قد ذكر الأفيال بأصحابها، ولم يُعظمها لذاتها. فكان سبب ذكره للأفيال واضحاً، وهو إشارة أو كناية عن جيش أبرهة..،
أما عن قولك بتطور القوة، وتعاظم قوة العدو اليوم وفي كل عصر، فليس هذا محل ذكره.

بل إن محله في قوله تعالى:

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60 .

فإعداد القوة لمواجهة الخصم هي وظيفة الإنسان، حيث إن الأخذ بأسباب القوة متاح لكل من أراد الأخذ به. فليست الهزيمة مبررة بقوة الأعداء، وليس النصر معقوداًُ بالإيمان والإسلام دون استعداد!!

12- أما القول بأنني وصفتُ المسلمين كافة بالكفر والنفاق والجهل والتخلف، فهذا ما لم يكن مني، ولا يحل لي، ولا أرضى لنفسي بأن أقول ذلك.

والغريب أن الأخ راضي، قد أورد جزءاً مما قلته وكان كلامي واضحاً، وهو أننا أمة كغيرنا من الأمم، منا الملتزم وفينا المنحرف، ومنا الصادق ومنا الكاذب.

والأخ راضي يعلم بأن فينا المؤمن الصادق، ومنا المنافق، وذلك حتى في عصر النبوة وعصر الصحابة ... فما بالك بنا اليوم والمشاهد تغني عن الكلام.

وكانت رسالتي في ذلك المقام، هي أن الإسلام أو الإيمان الاسمي لا يُغني عن الحقيقة شيئاً، وأنه ما لم يكن الإيمان صادقاً، والإسلام مطبقاً بصورة تُرضي الله وتطمئن لها وبها قلوب عامة المسلمين .. فإن الاعتماد على النصر لكوننا مسلمين بالاسم هو حلمٌ لا طائل من ورائه. فنحن أمة كبقية الأمم لنا ما كسبنا وعلينا ما اكتسبنا .

قال تعالى مخاطباً أمتنا .. يا أخي راضي .. وليس الخطاب هنا موجهاً لفقراء الأمة وضعفائها، ولا هو موجه لبني إسرائيل ..

{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38 .

فالناس سواسية أمام الله، فكلهم خلقه وكلهم عبيده، ولا خصوصية لأحد إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح والجاد.

ونحن نعيب على بني إسرائيل قولهم عن أنفسهم بأنهم شعب الله المختار..، رغم أن الله كان قد فضلهم على العالمين في عصورٍ خلت !!
فهل ننهى عن خلقٍ ونأتي بمثله !!

13- أما موضوع قتال المسلمين لأعدائهم، وانتصارهم رغم تفوق العدو في العدد والعدة.
فهذا فيه من المبالغة ما جعل المسلمين اليوم ينتظرون النصر دون أن يكونوا أهلاً له .. إيماناُ واستعداداً عسكرياً .

وموقف خالد ابن الوليد وانسحابه بالجيش بسبب تفوق العدو بالعدد والعدة واضح لمن أراد الموضوعية والواقعية..، أما من أرادوا العيش في وهم النصر الذي لا بيئة ولا أرضية ولا دعائم له .. فإنني أسأل الله لهم الشفاء بأن يفيقوا من أوهاهم !!

وانتصار الكفار على المسلمين والرسول معهم، في معركة أحد ثابت.
فهل تشك يا أخي\ راضي، في إيمان وإسلام من كانوا مع رسول الله يوم ذاك!

أم أنك تتجاهل بأن عدم الانضباطية في ميدان المعركة كان هو السبب في هزيمة المسلمين، الذين كانوا كلهم صحابة، وكان الرسول بينهم!

أم أنك لا تقرأ في ذلك رسالة من الله، ودرساً مبينا !!

أم تراك تتجاهل أن حنكة ودهاء وشجاعة خالد بن الوليد، التي نتغنى بها بعد أن أصبح قائداً لجيوش المسلمين.!! هي ذاتها الحنكة والدهاء والشجاعة التي هزم بها المسلمين يوم أحد !!

فالإيمان والإسلام وحدهما ليسا كافيين للنصر على أرض المعركة، لأن سنة الله اقتضت المنطق والموضوعية!
وأما المعجزات وخوارق الناموس فتلك آيات الله يُظهرها متى شاء، ولم يجعلها سلاحاً بيد أحدٍ من خلقه !!

14- فيما يخص ما قلته حول الصحابي الذي انطلق داعياً لله، بعد ثلاثة أو خمسة أيام قضاها صحبة الرسول.
فالحديث كان عن إنسان تطوع للدعوة بفطرته السليمة بعد أن تمكن من الحجة وعرف الأصول والأركان الأساسية للإيمان.
وهو بذلك حجة بينة على من دعاهم ولم يؤمنوا. لأن دعوته لهم ستكون بالحجة، وقبولهم ورفضهم سيكون طوعياً وباختيارهم.

وفرقٌ بين من يتحدث بصفته الشخصية، داعياً لله بما لديه من حجة .
وبين أولئك الذين يتكلمون بصفة رسمية، حيث يُصدرون- وبناءاً على اجتهاداتهم - الفتاوى الملزمة لمن عقلها قلبه واطمأن لها، ولمن لم يعقلها ولم يطمئن لها.
حيث إن جُل الاجتهادات تأتي عادة مقرونة بفتاوى تكفير وتجريم لمن يُخالفها ومن لا يعتقد بصوابها؛ كما أنها تأتي مقرونة بسلطة الحكومات لتنفيذها.. تلك الحكومات المطعون في شرعيتها !!
وهذا ما لا أراه صواباً في حق المسلم الذي يستحق من أولي الأمر وأولي الفقه والفكر .. أن يوضحوا له ما التبس عليه من أمر بما يطمئن به قلبه لصحة إيمانه، ولكي يطمئنوا هم على صحة إسلام وإيمان المجتمع!
بدل مساواة الإنسان بالممتلكات، حيث تخرج الفتاوى الفقهية فتصدر وفقها الأوامر الحكومية، فيجد المسلم نفسه يُطيع ويتبع ما لا يفقه ممن لا يعرف... بقناعة أو بدونها، ولا أجد ذلك في صالح الإسلام.


والســـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــلام ...


في نهاية هذه السلسلة من الردود على تحفظات وانتقادات وتساؤلات أخي العزيز، الأستاذ\ راضي الضميري، فإنني أرجو أن أكون قد أديت واجبي تجاه قراءته، وأرجو أن أكون قد أجبت عن كل أو جل ما يدور في خاطره من تساؤلات حيال ما أطرحه من أفكار في هذا الموقع أو في سواه.

أقول في ختام هذا الموضوع، إن هذه القراءة النقدية، بما تحويه من تساؤلات هامة دلت على متابعة لصيقة من قبل أخي راضي، لكل ما أكتبه.. أرجو أن تكون النية خلفها سليمة، وأن يكون الباعث عليها خيراً، وبحثاً عن الحقيقة لا بحثاً عن ذرائع لتبرير نية مبيتة ..
أقول إن هذه القراءة قد أرهقت أخي راضي، فأخذت من وقته وجهده وماله ( 50 ساعة انترنت ) ..
أقول إن هذه القراءة قد تم طرحها علانية وعلى ساحة عامة، ولم يكن الأمر خاصاً أو سراً بيني وبينه.
ولذلك فإنني أرى أهمية كبيرة لآراء المتابعين، واستنتاجاتهم التي خرجوا بها. وإني بذلك لأرجو أن نقرأ وجهات نظرهم بما يُثبت متابعتهم، لكي تعم الفائدة ويوصل كل صاحب رسالة رسالته.

كما أقول، إنه إذا كان لا يزال لدى أخي راضي، بعض التحفظات أو بعض الغموض حيال بعض النقاط، فإنني أرجوه مناقشتها مع سياقها وفي مواقعها ( مقالاتها).
حيث إن مناقشة ومتابعة موضوعات مختلفة بمراجع متعددة في صفحة واحدة .. أجد في ذلك ما يُشتت الفكر، وهو يتطلب وقتاً لا أملكه.
وذلك فيما عدا موضوع الناسخ والمنسوخ، الذي لا مكان له في غير هذه الصفحة!

أشكر أخي راضي، وأعتذر له ولكل من وجد في نفسه شيئاً مما كتبت هنا، فقد تهفو الكلمات، فيزل القلم بصاحبه عن المقاصد.. وجل من لا يخطئ .

وأشكر كل من تابع وكل من شارك في هذه الصفحات بكلماته كتابة أو بوقته قراءة .. وأراد من ذلك وجه الله، وطلب المعرفة، وإحقاق الحق.

تحياتي للجميع ... أبو بكـــــر سليمان الزوي .

راضي الضميري
26-01-2009, 09:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمّا وقد أنهى الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي ردوده ، فيطيب لي أنْ أدرج ردودي على كل ما تفضل به ، وأحب أنْ أنوه بداية إلى أنّني كنت قد قلت في مشاركتي رقم – 30 – بأنّني كنت واضحًا في ردي رقم -20- وأنّني ذكرت بعض النقاط باختصار شديد من أجل التذكير بفحوى قراءتي، وقد قال الأستاذ أبو بكر بأنّه سيعتمد على ما جاء في تلك النقاط ، فرددت عليه في مشاركتي رقم – 30- بأنّ لديه الوقت الكافي لمراجعة كل النقاط ، وبناءً على ما تفضل به ؛ سأرد على النقاط التي ذكرها ، و سأكون واضحًا في ردودي وبشكل لا يعيد الحوار إلى المربع الأول الذي انطلق منه ، حتى لا نكرر كلامنا مرّة أخرى ؛ فنبدو كمن يدور في حلقة مفرغة .
حديث الاجتهاد والموقف من السنّة بشكل عام
1-بخصوص قضية الاجتهاد وما هو منقول - عدا القرآن - من أنّه نتاج عقل بشري ؛ فقد كنت قد أشرت في قراءتي إلى أنّ الأستاذ أبو بكر لا علم له بعلوم الحديث ، حتى أنّه لا يستشهد بها في أفكاره والسبب قد ذكره هو بنفسه ، وهو هنا يؤكد ما قلناه سابقًا ، إذْ يقول في مشاركته رقم – 28- ما يلي " بخصوص حديث الاجتهاد ، .. إذا اجتهد الحاكم وأخطأ فله أجر ...، فأنا لم أقل يومًا عن نفسي بأنني دارس للأحاديث المنسوبة للرسول ، أو متخصصًا فيها . لذلك لا أجد حرجًا في أن أقول بأنني لم أكن أعلم بأن هذا الحديث منسوب للرسول ، ولم أكن على دراية بالمنطوق الذي قال به الأخ راضي لهذا الحديث " اهـ ، وها هو يؤكد ذلك مرّة أخرى ؛ بل ويزيد ويعلّل حجّته بأنّ كل إنسان حرّ فيما يصدقه أو لا يصدقه ، ومن يعمل به أو لا يعمل وكل سيحاسب على عمله وهذا صحيح فيما يخص العمل ، وغير صحيح فيما يتعلق بأحد المصادر التشريعية الأساسية لهذه الأمة والصحيحة والثابتة ، من حيث العمل بها أو عدم العمل والقبول وعدم القبول ، وقد ذكر الأستاذ أبو بكر – وهذا ما يزيد الطين بله – " وأضيف بأنني أُبرئ الرسول الكريم من مثل هذا الحديث ، ولا أستطيع أنْ أصدق أو أفهم بأن يقول الرسول مثل هذا الحديث .. إلا أن يكون مسلوخًا عن سياقه وهو بذلك لا يؤدي غرضه ولا يجب تداوله ..الخ " اهـ ، وهذا الأمر هو من أخطر ما سمعناه ، فالحديث هو عند البخاري ومسلم وغيرهم ويقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجرٌ " وهنا السؤال : كيف يمكن أن ْ ترفض حديثًا ثبت أنّه للرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ستقول أنّ من نقله بشر ، ولكن كيف يمكن أنْ تحكم على صحة هذا الحديث أو ذاك إنْ لم تكن من أهل العلم ، و لا تعرف شيئًا عن علوم الحديث ورجاله وطرق ضبط الحديث وعلم مختلف الحديث ؟ وكيف سيتم إقناعك بهذا الحديث أو سواه إذا كنت لا تفرق بين هذا الحديث وغيره ؟ وأيضًا فقد ذكرت في ردك رقم -28- " والمسلم العاقل المتأمل يلاحظ ببساطة أن المسلمين بكل طوائفهم لم يختلفوا حول القرآن إلا من حيث تفسير بعض نصوصه .. وذلك داخل الطائفة الواحدة ، ولم يختلفوا حول سنن الرسول العملية والتي وصلتنا دون انقطاع ... مثل كيفية الصلاة وعدد ركعاتها ..! ولكن الاختلاف كان بسبب كتابة ما نهى الرسول والصحابة عن كتابته !" اهـ ، وقبل أنْ نعلق على هذا الكلام سأتطرق أولًا وباختصار شديد جدًا لموضوع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لكتابة السنّة ، فأقول : إنّ هذا الأمر يعرفه كل من درس الدين أو اطّلع عليه ، فكتابة السنّة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لها ظرف خاص بها ، وهو الخشية من اختلاط القرآن الذي ما زال يُنزّل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أنّ وجود الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة كان له أكبر الأثر في استغناء النّاس عن الكتابة أيضًا ، لأنّ كل ما يحتاجونه وكل ما يعرض لهم من أمور طارئة كانوا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام عنها ، كما أنّ قوة الحفظ والذاكرة كانت متوفرة لدى معظم النّاس في ذاك الوقت ، وأيضًا فإنّ بعض الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يخشون من هذا الاختلاط ، لأنّ السنّة القولية هي من الفصاحة والبلاغة ما يجعل البعض يخلط بينها وبين القرآن ، لذا فقد كان يُخش أنْ تختلط بالقرآن الكريم ، ولا ننس أيضًا أنّ هناك من كان لا يجيد الكتابة ، فلو كتبت السنّة لكان اختلط عليه كل ذلك ، لكن بعض الذين كانوا يجيدون الكتابة فقد أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتابة ومثال ذلك الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حين بلغه أنّه يكتب عنه كل ما يقوله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم " أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق "( صحيح الجامع الصغير رقم الحديث1196 ) وأمّا النهي الذي يتكلم عنه الأستاذ أبو بكر ، فإنّ من العجب العجاب أنْ راويه هو مسلم وغيره ، وهذا ممن لم يحتجّ بهم الأستاذ أبو بكر في اعتماده للأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو عندما يقول أنّ اعتراضه على صحّة ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا على ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنّ من حقنا أن نتساءل : كيف ستميّز أستاذ أبو بكر بين هذا الحديث وذاك وأنت لا دراية لك بعلوم هذا الحديث ؟ وعلى أي شيء استندت في قولك أنّ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قد كتبت حسب مزاج وأهواء من نقلوها ، وعلى كل حال فحديث النهي يقول " لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآن فمن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحوه "( رواه مسلم وأحمد )، وكما ترى أستاذ أبو بكر ؛ فأنت تحتجّ بما سمعته وبدون توثيق عن النهي وغيره ، ونحن نثبت ما سمعته وبدليل ، لكنك تقبل ما تراه مناسبًا لك وترفض ما سواه ، وخير دليل على ذلك الحديث الذي أنكرته وهو في صحيح البخاري ومسلم وغيره من الكتب ، أمّا فيما يخص الصلاة وكيف وصلتنا ..الخ فلو كان صاحبه يعرف قيمة هذا السؤال ؛ لسأل نفسه: عدد ركعات الصلاة معروفة في كل وقت ، فمن أين إذًا عرفنا كل الأمور الأخرى المتعلقة بها ، من أحكامها وضوابطها ، وسجود السهو فيها ، وأذكارها ..الخ ، وبما أنّك لا تعرف شيئًا عن علوم الحديث فسأخبرك بعض الأمور منها : إنّ كل الكتب جاء فيها أبواب تتعلق بالإيمان والوضوء والغسل والجنابة والحيض والتيمم والصلاة والتهجد والسهو والجنائز والزكاة والجهاد والسّير والتفسير و والأحكام والتوحيد والديات .. ماذا أقول لك أيضًا ؟ إلى آخر ما يهم المسلم في كل شئون حياته ، ولو أخذنا بمقولتك لما بقيّ هناك علم اسمه علم أصول الفقه ، وبكلمة واحدة لما بقيّ شيء اسمه دين ، فالقرآن الكريم إضافة إلى السنّة هي مصدر التشريع لهذه الأمّة ، وفي القرآن لن تجد صفة الصلاة وعدد ركعاتها ، والجنابة وكيفيتها ، والسرقة وما الحد الذي تقطع فيه يد السارق ، والزكاة ونصابها ، ولن تجد القضاء والحدود والمظالم وتفصيلاته ، لذلك كانت السنّة هي صنو القرآن وشارحة لما جاء فيه ، ومصدرًا رئيسيًّا للتشريع لهذه الأمّة ، وسنتوقف عند الصلاة التي ذكرتها أنت ، فهل في كتاب الله تعالى ما يخبر عنها بكل تفاصيلها ؟ طبعًا لن تجد ، ولكنك ستجد أمرًا في مشروعيتها ، وبناءً على ما تقدم ، فأنت هنا تحاول أنْ تقول بأنّك لست ضدّ ما قال الرسول ، ولكن في صحة ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا يعني بأنّك ستأخذ من البخاري ومسلم والكتب الصحيحة ما يوافق رأيك وعقلك وهواك ؛ وتدع ما سواه ، فمثلًا لو كان هناك حديث عن سجود السهو وقد أورده البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم فستعمل به ، لأنّ هذا الأمر ليس له علاقة بالفكر أليس كذلك ؟ طيب ؛ لو كان الحديث هذا الذي ذكرته واعترضت عليه وقلت أنّ عقلك لا يصدقه وكان راوي هذا الحديث هو نفسه الذي روى حديث سجود السهو فماذا ستقول عندها ؟ هل تقول أقبل هذا وأرفض ذاك ؟ مع أنّ الاثنين هم أنفسهم من رووا الحديثين - وسبق وأن تحدثنا وسنكرر حديثنا حول هذا الموضوع كلما سنحت الفرصة المناسبة - وينبغي أنْ تنتبه إلى ما تقول ، فأنّ تحيل الأمر إلى مزاج القارئ ليأخذ ما يريد ويترك ما يريد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم اقتناعك بما قرأته هو أمر جد خطير ، وأنا لا أفرضه عليك فأنت حرّ فيما تعتقد ، ولكنّني هنا أقوم بواجبي تجاه من ينفي صحة العمل بالأحاديث الثابتة والصحيحة ، لمجرد أنّ عقله لا يقبل به ، وأنا لست وصيًا عليك ، فلك أنْ تعتقد ما تشاء ، ولكن ما أجمعت عليه الأمّة كلها فهو ملزم لكل من يقول أنا مسلم ، والأمر ليس فيه خيار ، أقبل هذا وأرفض ذاك ما دام المنبع واحد ، وهذا معلوم من الدين بالضرورة.
وبما أنّ الأمر كذلك – أي لا علم لك ولا دراية بعلوم الحديث - فكيف تقول إذّا في نصّك " الفكر يزور العقل في سجون النقل " وهذا رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31628
" فالمؤمنون بعقيدة النقل ، يتجاهلون بأنّ المنقول – عدا القرآن – هو نتاج عقل بشري !.. كقواعد اللغة العربية ؛ والأحاديث المنسوبة لرسول التي ثبت اختراقها ، وخضعت لمزاج العقل من حيث الرواية ، والتجميع والتصحيح والتفسير " ؟اهـ ، والسؤال مشروع هنا : كيف حكمت على ما قلت بدون علم أو دليل ؛ فالأمر هنا هو تعميم على كل الأحاديث ، وسبق وأنْ قلت لك بأنّه كان من الأفضل لك لو ذكرت ما عدا القرآن وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنّك قد استدركت الأمر الآن ؛ لكنك وضعت عيه علامات استفهام واضحة تجعل التشكيك بكل كتب الحديث وبدون تمييز بين الصحيح وغيره في كفة واحدة .
أمّا بخصوص حديث الاجتهاد وما تفضلت وعلقت عليه فأحب أنْ ألفت انتباهك إلى أنّ هذا الأمر الذي ذهبت إليه هو بعيد كل البعد عمّا جاء في هذا الحديث ، لأنّ ما استدللت به على القتل والدمار وتشريد الأطفال نتيجة العمل بهذا الحديث هو بعيد كل البعد عن المراد منه ، إنّه باختصار يقول للذي عنده علم وطلب منه القضاء والفصل بين النّاس لو اجتهد بأمر من أمور الدين أنّه مأجور إذا ما أصاب وإذا ما أخطأ – عن غير عمد ولم يقصد ذلك – ؛ أي أنّه مأجور على حسن قصده الذي بذل فيه كل ما في وسعه ، لذلك فقد يجتهد الإنسان وقد يخطئ في اجتهاده ، وهذا الأمر قد يقوم به الحاكم أي حاكم يحكم بين اثنين أو أكثر ، علمًا أنّك هنا قد ساويت ما بين الحاكم الظالم - تحديدًا حكام هذه الأيام – وما بين الحاكم العادل والذي قد يكون أي إنسان لديه علم فحكم على أمر ما بعلمه ، وهذا يؤكد بأنّك فهمت الأمر بشكل مخالف لهذا الحديث ، ويؤكد بُعدك عن هذا العلم ، فهل يعقل أنْ يقول أحد ما أنّ الحاكم في هذه الأيام هو فقيه عادل ويحكم بما أنزل الله وبالتالي فإذا ما أخطأ فهو مجتهد ؟ والدليل أيضًا على ما يحكم به الإنسان الذي لديه علم و الكيفية التي يتم بها هذا الأمر وما قد يترتب عليه من خطأ غير مقصود هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول " إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أنْ يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " رواه البخاري ومسلم ، فها أنت ترى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم ويقضي بما يسمع وبما تتوافر لديه من أدلة ، وعليه فالقاضي عندما يحكم فإنّما يحكم بما توافر لديه من أدلة تثبت الحق ، وليس بهواه ورأيه وهذا ما ذهبت إليه في وتهويلك للأمور ، وأيضًا دليل آخر في حديث يبيّن الكيفية التي يعتمدها القاضي عندما يحكم بين اثنين عند الخصام وهو في صحيح مسلم عن الأشعث بن قيس رضيّ الله عنه قال " كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال شاهداك أو يمينه " ، وكما نشاهد هنا فإنْ لم يكن لصاحب الحق شهود وحلف الآخر يمينه - وقد يكون كاذبًا - فقد يضيع حق من ليس معه شهود ، وهذا يحيلنا إلى الحديث السابق الذي ذكرته ؛ ألا وهو إنّ القاضي إنّما هو بشر يحكم بما تتوافر لديه من أدلة ، ودليل آخر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم " لو يعطى النّاس بدعواهم ، لادّعى رجال أموال قوم ودمائهم ، لكن البيّنة على من المدّعي واليمين على من أنكر " رواه البيهقي ، وفي حالة ما إذا حكم الحاكم أو القاضي في أمر وأصدر حكمه كما بيّنا في الأحاديث السابقة الذكر - وهو مؤهل لذلك أي لديه علم - وحصل خطأ ما بناءً على دليل كاذب أو شهادة زور فإنّ الأمر والحكم في النهاية لله ، وهو يحكم بينهم يوم القيامة ويحصّل الحقوق لأصحابها يوم لا ينفع مال ولا بنون ، أمّا أنْ تحوّل الأمر إلى كارثة وبهذا الحجم لمجرد أنّك لا تعتقد بصحته ، أو بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاله فهذا فيه نظر كبير ، وهذا الحديث موجود عند البخاري ومسلم ، وطرقه صحيحة ، وكل الأمّة أجمعت على صحة كتابيي البخاري ومسلم حصرًا ، والكتب الأخرى الصحيحة ، فكيف تقول برأيك في مسألة أجمعت عليها الأمّة كلها ، وهات دليلًا عقليًا واحدًا يفيد بأنّ الأمّة رفضت هذه الكتب ولم تستقبلها بالقبول والرضا ، وفي المقابل أعطني حجّة واحدة تجعلك تقبل حديثًا وترفض آخر في هذه الكتب وراويهما هو شخص واحد . وأيضًا هات حديثًا تعتقد بصحة نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وتؤمن بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قاله ، وتلزم نفسك بمتابعته ، لكي أعطيك مئات الأحاديث لنفس الراوي والمحدّث الذي ستعتمده مصدرًا لك.
إنّ الأمر في اعتقادي الجازم – وهذا ما يتضح من كل مواضيعك – أنّك لا تعتمد الأحاديث بشكل عام ، بل لا تعتبر السنّة النبوية مصدرًا من مصادر التشريع لهذه الأمّة ؛ والدليل – ما ذكرناه سابقًا - و ما قلته في أحدى مواضيعك والمعنون بـ ( قل أنا أقول ولا تقل يقال أن . رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=24005 إذْ تقول " فلو جاز لنا أن نقول حضارة إسلامية وثقافة إسلامية .. فمعنى ذلك أن الإسلام هو المصدر الفكري لتلك الثقافة ، وعامل الاستقرار الذي أسَّسَ تلك الحضارة .. ومن هنا تبرز إحدى الإشكاليات الأدبية والفكرية .. فعلمنا وإيماننا بأن الإسلام دين سماوي ، وبأن القرآن هو مصدر تشريعاته وتعاليمه .. وأن هذا القرآن ثابت محفوظ لم يطله تغيير .. الخ " فأنت تعتمد القرآن كمصدر وحيد وكل كتاباتك تفيد بذلك ، ولطالما قلت بأنّ السلف لم يكن بين أيديهم غير القرآن وعقولهم في كتابة هذا التراث بكل ما حواه ، ولو أردت أنْ أستشهد بتلك المقولات لطال الحديث حولها ، وسأبرز دليلًا آخر على ما أقول و من أنّك لا تعتمد الأحاديث والتي أجمعت عليها كل الأمّة ، إذْ تقول أنت في نص بعنوان " دافعوا عن لغتكم أمام المنطق وهذا رابط النص لمن يريد الرجوع إليه https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31505
تقول فيه وبعد أن ذكرت بعض أفكارك حوّل اللغة العربية وطرق التفكير ما يلي " ومن شروط صحة العروبة والإسلام ، .. كالإيمان بالقضاء والقدر – خيره وشره ، والإيمان بعدم قدرة الإنسان على صنع أفعاله ..الخ فرغم أنها قواعد فكرية من صنع البشر – ليس بها نصّ قرآني - ، والإيمان بها ، وترديدها على اللسان .. يحدُّ من نشاط العقل وقدرته ورغبته في التفكير ، وينسف مبررات العلم والعمل .. إلا أنها واقع يفرض نفسه !. إذا قلنا بهذا ، فقد لا يروق قولنا للكثيرين ، وقد يرون فيه جهلاً لدى قائله ، أو تحاملاً مشبوهًا على العروبة والإسلام !. "اهـ . وهذا الكلام أستاذ أبو بكر فيه مغالطة واضحة وخطيرة ومعلومة من الدين بالضرورة ، فأول مغالطة ربطك – لمفهوم القضاء والقدر – بالعروبة وهو لا علاقة له بها ، فالدين الإسلامي لم ينزل للعرب بشكل حصري ، والمغالطة الأخرى وهي فادحة بنظري قولك أنّها – أي ما سبق وأن ذكرته أنت – قواعد فكرية من صنع البشر ، لأنّ الحديث عن الإيمان بالقضاء والقدر وخيره وشره هو حديث للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أوردته في قراءتي الأصلية وهو حديث صحيح رواه مسلم والبخاري عن عمر بن الخطاب وجاء فيه " " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد البياض لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) قال : صدقت : فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال ( أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال : صدقت .إلى آخر الحديث " والحديث الآخر الذي قال صلى الله عليه وسلم " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر خيره وشره " رواه مسلم ، وفي النصّ السابق فأنت تنفي هذه المسألة – أي القدر خيره وشره – وتقول إنّها من صنع أفكار البشر ، ولم تعطي أي اهتمام لهذه الأحاديث الصريحة والصريحة والتي اتفقت عليها كل الأمّة ، وكما سبق وأشرت في أكثر من مكان ، فالخلاف ليس على فتوى أو مشورة فقهية ، إنّه أعمق من ذلك بكثير ، إنّه يتعلق بما قال الله وقال الرسول ، وعندما تفصل بين ما قال الله تعالى ، وتشكك في صحة ما نسب إلى الرسول بدون إبداء أسباب وجيهة ، وبدون إبداء طرق بديلة لمعرفة الصحيح من غيره مما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأنت إنّما تقول في الحقيقة ، لا يوجد غير القرآن مصدرًا صحيحًا للتشريع ، وأنت بذلك تخالف ما تقوله من أنّك تتّبع ما قال الله وما قال الرسول ، لأنّك تحكّم الرأي في ما قاله الرسول ولا تملك في المقابل دلائل تنفي أو تؤكد كيف يمكن الحكم على صحة ذلك ، رغم وجود إشارات خجولة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة عن ما قاله الرسول صلى الله عليه ، ومنها حديث ذكرته أنت - على سبيل المثال – وقلت بأنّك لا تعرف مدى صحته ونسبته للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك ذكرته وهو عن سلمان الفارسي رضيّ الله عنه حيث ذكرت مقولة تفيد بأنّه من آل البيت ، وهذا جاء في معرض ذكرك لغزوة الخندق في موضوعك " من منا يرضى الهوان لنفسه " ، ثمّ ذكرت حديثًا آخر إذْ تقول " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : كل المسلم على المسلم حرام .. دمه وماله وعرضه " أبو بكر سليمان الزوي ونصّه " الثقافة تقبل الاختلاط والاختلاف .. ولا تقبل الخلط والخلاف " رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=27677
فهل تعلم من هو راوي هذا الحديث ؟ ولماذا قبلت به ولم تقبل بغيره مثال الحديث الذي ذكرناه ، ولماذا أدرجت الحديث وبدون أنْ تذكر راويه ؟ أليس هذا يخالف ما تدعو إليه في كتاباتك ؟ سأقول لك ؛ هذا الحديث هو صحيح وقد رواه ثمانية من أصحاب السنن ، وبروايات مختلفة عن أشخاص مختلفين ولكن تصل في نهايتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسأذكر لك لفظه في صحيح مسلم فعن أبي هريرة رضيّ الله عنه قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ههنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، ، كل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعرضه " فماذا تقول في هذا الأمر وأنت قد تبنيته بدون أنْ تشير إلى سنده ومتنه ورواته ؟ وأنا أعتقد جازمًا أنّك تعرف هذا الأمر ، فلا يعقل أنْ تكتب ما كتبته بدون محاولة البحث عن صحة هذا الحديث أو ذاك ، وذكرت أيضًا حديث " لا فضل لعربي على أعمي إلا بالتقوى " وقولك أنّك لا تعلم مدى صحته ، فلماذا ذكرته طالما أنّك لا تعرف ؟ ولذلك فسوف أعرفك بهذا الحديث أيضًا ؛ قال صلى الله عليه وسلم " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، أبلغت ؟ قالوا نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد وصححه الألباني ، قال تعالى في سورة الحجرات الآية 13 " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " فهل ستقول بعدها أنّك ستفرق بين حديث وآخر ، مع العلم أنّ الحديث السابق قد ذكرته في موضوعك " من منا يرضى الهوان لنفسه " وهذا رابط الموضوع https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=23799
فكيف تقبل ببعض الأحاديث ؛ ثمّ لا تقبل وتشكك بالأحاديث الأخرى التي رواها نفس الأشخاص ؟ مع أنّك ذكرتها بدون توثيق لها . علمًا أنّ هناك مواضيع كثيرة مشابهة لما ذكرته ولكن الوقت لا يسمح بنشرها .
وحتى نضع النقاط على الحروف ، فأنت تقول بأنّك تعتمد ما قال الله وقال الرسول إذْ تقول في أحد نصوصك " وبالنتيجة فإن : ما يأتي بعد " قال الله وقال الرسول " هو من المعتقدات التي لا تقبل الجدال وليست في حاجة إلى نقاش لدى الإنسان الذي يؤمن بالله وبذاك الرسول ... شريطة الاتفاق والإجماع على فهم المقاصد لما قال الله ، وثبوت صحة ما يرد عن الرسول " ويكون الاستدلال بها من أجل تأكيد صحة الأمر وسلامته الضرورية " ( قل أنا أقول ولا تقل يقال أن ) ثمّ ذكرت في موضع آخر ( نص بعنوان فلسطين تاريخ الحاضر . . والعراق تاريخ المستقبل (1) ) رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=23925 إذْ تقول " أحب التذكير دائمًا – بأني أنطلق من قناعاتي وأبحاثي الخاصة . . لذلك تراني لا أستشهد إلا بـ ( قال الله وقال الرسول ) ولا أتطرق إلا كُتب المفكرين والمفسرين إلا ما ندر " اهـ ، ورغم أنّك في هذا الموضوع وحتى غيره لم أرَ أنّك تستشهد بقال الرسول عليه الصلاة والسلام ، إلا بما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة – كما سبق وأنْ بيّنت ذلك – حتى أنك ذكرت أنّك لست متأكدًا من صحتها – وحقيقة لا أعرف لماذا لم تحاول أنْ تعرف مدى صحتها مع أنّ المجال متاحًا لذلك - ، ومع ذلك فأنت هنا وبما ذكرته نسفت تلك المقولة والتي قبلت بها وأبديت عكس ما تقوله ، فكيف يمكن أنْ نقنعك بصحة ما قال الرسول وأنت لا علم ولا دراية لك بأصول علم الحديث ورجاله ، ولا تعرف عنه شيئًا كما ذكرت في مقدمة ردك ، وكيف تستطيع أنْ تجزم بثبوت ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم - وأنت هنا تحذر من هذا الأمر – وما تقبله وما لا تقبله ، إذ تقول في مشاركتك رقم – 28 – " وفيما عدا القرآن ، فليحذر من يقول قال الرسول مباشرة ، لأنه بذلك سيمنع عقل المستمع من التفكير إلا من محاولة فهم واستيعاب ما يقول وكيفية الامتثال في حين أنه كان على المتحدث باسم الرسول أنْ يقول مثلاً ، قال البخاري عن فلان عن فلان عن الرسول .. الخ ، أنه نسب إلى الرسول أنه قال ! - ثمّ يستمر في حديثه إلى أن يصل فيقول – إنني اعتبره استغفالاً للناس وتعطيلاً لعقولهم ، وحشرًا لهم في زاوية وطريقاً معينًا – صوابه ليس مؤكدًا ذلك أن يقال لهم قال الرسول مباشرة ، وكأن القائل قد سمع ما يقوله الرسول مباشرة !! "اهـ ، وانظر معي كيف أنّ التناقض هنا واضحًا ( تقول على المتحدث باسم الرسول والذي وثّق حديثه أنّه يجب عليه أنْ يقول أنه نسب إلى الرسول كذا وكذا .. في حين أنّك تقول في مكان آخر جازمًا ".. و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام .. دمه وماله وعرضه .." وبدون أنْ توثق الحديث ؛ فكيف يمكن أن تبرر قيامك بهذا الأمر ؟ فهنا أنت تجزم فقلت ويقول الرسول كذا وكذا ) ، ثمّ يقول أنّ لكل إنسان الحق في الاستماع والقبول وعدم إلزامه بما يسمعه ويقوله ، إنّ ردنا على هذا القول هو كالتالي : أستاذ أبو بكر أنت تقول بأنّك تتّبع ما قال الله وقال الرسول ، ولكنك في المقابل ترفض الكتب التي تقول بذلك ، وتدّعي بأنّ كتبتها من البشر – وهذا صحيح – ولكنك تنفي أنْ يكون هناك من البشر من هو صادق ومؤتمن في نقله وكتابته للأحاديث وتشكك في ذلك – مع عدم وجود دليل تستند إليه - ، وبأنّك تخضع الأمر في نهاية المطاف إلى العقل وأهواءه ليحكم على النصّ الديني ، وأنت هنا تتهم النّاس الذين يعملون بهذه الأحاديث بأنّهم مغفلين وسذّج ، وبأنّ هذه الأحاديث تعطّل عقول النّاس عن التفكير – وبما أنّ همّك هو النهوض بهذه الأمّة – فهذا يعني أنّ هذه الأحاديث هي التي تقف حجر عثرة في طريق نهوضها لأنّ من يعمل بها لا يُعْملْ عقله فيها ، فالعقل هنا غائب كليًا على حدّ تعبيرك ، كما أنّك تشترط الاتفاق والإجماع على فهم المقاصد لما قال الله وصحة ما نسب إلى الرسول وأنت تقول بأنك لا علم لك بهذا العلم الذي يخبرنا بما قال الرسول ، فكيف تشترط شرطًا لا تملك العلم الكافي للرد عليه إلا بالرأي الذي يناسبك ؟ فتأخذ ما يناسب هواك وفكرك ، وتترك ما دون ذلك لأنّك لم تقتنع به .
وهنا فنحن لا نتحدث عن فتوى أو وجهة نظركما قلت سابقًا ، إنّما نتحدث عن أحد مصادر التشريع الأساسية لهذه الأمّة ، وأنت هنا تطعن في مصداقية من كتب الأحاديث وهذه المصادر ، وأيضًا وبما أنّك لم تعطينا طريقة أو أسلوب فعّال لمعرفة كيف نتّبع ما قال الرسول ، ولم تخبرنا كيف نتصرف حيال هذا الأمر ؛ فقولك لا يقبله العقل ولا المنطق ولا الفطرة السليمة ، ولك – كما سبق وأنْ ذكرت – أنْ تعتقد ما تشاء ، ولكن أنْ تدعو لإعمال الرأي في النصّ منفردًا وبدون أنْ تبيّن كيف تجزم بصحة هذا الرأي إلا من خلال الرأي نفسه ؛ وكأنّه منزل وتنادي بهذا الأمر في كل كتاباتك فلا تتوقع أنْ نقف متفرجين وصامتين ، فهذا غير مقبول ، ولو طرح ما تقوله وتنادي به في استفتاء عام في هذه الواحة أو غيرها وعلى مستوى كل الأمّة كلها لما وجدت من يؤيدك في هذا القول إلا قلة قليلة جدًا بل وأقل من جدًا . وأمّا قولك في ردك رقم – 28- والذي مفاده " أما على الساحة الفكرية ، فإن الأمور تختلف ، حيث النقاش يدور حول فكرة ، فيتبادل المتحاورون الأفكار والأدلة والبراهين ، دون أن يكون لأحدهم الحق في فرض رؤيته على الآخر إلا بالحجة التي يستطيع تمريرها من خلال العقل " اهـ ، فهذا يعني أنّك تحكّم العقل على النصّ الصحيح ، وأنّ الرأي سيكون هو الحكم ، وهو حرّ بتجاوز النصّ متى شاء ، وبأنّ النقاش الفكري يختلف عن النقاش الديني ، فما دور العقل إذًا بما أنّه هو مناط التكليف ؟ و هذه دعوة لك أنْ تعتقد بها ، ولسنا مجبرين أو مخولين بدفعك لفعل عكس ذلك ، ولكن من حقنا عليك وبما أنّك ذكرت أنّ الحجّة العقلية هي شرط القبول من عدمه أنْ تبيّن بالدليل العقلي ما ذهبت إليه وتبنيّته ، فأنت هنا تدين نفسك لأنّك لم تلتزم بهذا الأمر الذي تدعو إليه ، ولم تذكر أية حجّة ؛ لا عقلية ولا غيرها تبرّر بها كل ما تقوله وتنادي به ، وغاية ما في الأمر – وكما ذكرت في أكثر من مكان وكما سيأتي لاحقًا ؛ وكما هو واضح من كل كلامك – أنّنا لا نقبل الفصل بين القرآن والسنّة ، ولا نقبل أنْ ترفض السنّة بدون دليل من القرآن ، أو من السنّة نفسها متى ثبت صحّة نسبتها للرسول صلى الله عليه وسلم ، وبما أنّنا أوردنا الدلائل التي تفيد عكس ما تقوله ؛ وقد ساعدتنا على ذلك مشكورًا حين نفيت عن نفسك العلم بالأحاديث ، فهذا يعني بأنّنا مبرؤون من تهمة عدم إعمال العقل وإبراز الدلائل ؛ في حين أنّك مطالب بإبراز دلائلك ومع الأسف فأنت لا تملكها .
تأويل آية الدين في سورة البقرة
2- بخصوص مسألة الدين والآية الكريمة في سورة البقرة ورقمها – 282 – والتي تقول " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى " ، وقد قلت حول هذا الأمر بأنّ الضلال هنا هو النسيان ، وهذا فيه إجماع عند كل أهل العلم ، ولم يخالف بهذا الفهم سوى الأستاذ أبو بكر – حسب علمي – وقد ذكرت الأسباب التي دفعتني لقول ذلك ، وسأذكر هنا أقوال أهل اللغة في ذلك ، . جاء في لسان العرب لابن منظور وبعد أنْ أورد عدة معاني لكلمة ضال وضلال وضلَ قوله : والضَّلال : النسيان . وفي التنزيل العزيز : ممن ترضون من الشهداء أن تضلَّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ؛ أي تَغيب عن حفظها أو يغيب حفظها عنها ، وقرئ : إنْ تضلّ بالكسر فمن كسرَ إنْ قال كلام على لفظ الجزاء ومعناه ؛ قال الزجاج : المعنى في إنْ تضلّ إنْ تنْسَ إحداهما تُذكرها الأخرى الذاكرة ، قال وتُذْكر وتُذَكِّّر رفْع مع كسر إنْ ، وقال ؛ ذكر الخليل وسيبويه أن المعنى استشهدوا امرأتين لأن تُذكِّر إحداهما الأخرى ومن أجل أن تُذَكِّرها ؛ قال سيبويه : فإن قال إنسان : فلمَ جاز أنْ تضلَّ وإنما أُعد هذا للإذكار ؟ فالجواب عنه أنّ الإذكار لما كان سببه الإضلال جاز أن تضلَّ لأن الإضلال هو السبب الذي وَجَب الإذكار ، قال ومثله : أعْدَدْتُ هذا أن يميل الحائطُ فأدْعَمه ، وإنما أعْددْته للدَّعم لا للميل ولكن الميل ذُكِرَ لأنه سبب الدّعْم كما ذُكِرَ الإضلال لأنه سبب الإذكار . – إلى أن يصل – وضلّ الناسي إذا غابَ عنه حفظه " اهـ وجاء في المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة ما يلي " ضلا وضلالا وضلالة : خفي وغاب ، ويقال ضل الشيء في الشيء ضاع وهلك وتلف وبطل وذهب ، ويقال ضل سعيه ؛ عمل عملاً لم يعد عليه نفعه أو ذهب هباء ، ويقال ضل الميت في الأرض غاب وتوارى وزل عن الشيء ولم يهتد إليه , والناسي غاب عنه حفظه والشيء عنه وفيه نسيه أو أنسيه وفقده ولم يهتد إليه ..الخ " اهـ، وقد جاء عند الأستاذ أبو بكر حول تأويله لهذه الآية تقول " أن تضل بمعنى أن تفعل ما يعاب عليها دون أن تنتبه له .. وفي هذه الحال توجّب وجود امرأة أخرى لتثبيتها وتذكيرها – فليس من اللائق أن يُذكر رجل امرأة أخطأت في طريقة جلوسها أو ستر عورتها – مثلاً – في مجلس رجالي .. بينما يرفع الحرج عن التي تضل عندما تذكر أخرى من جنسها " اهـ ، وهنا نرى كيف أنّ الأستاذ أبو بكر أوّل كلمة " أنْ تضل " فهل السياق العام للآية الكريمة يفيد بذلك ؟ كلا ، إنّ كلمة - تضلّ و تذكّر – التي وردت ههنا لا تفيد ما ذهب إليه الأستاذ أبو بكر ، لأننا هنا نتحدث عن حقوق النّاس ، والحقوق تتطلب أن تحفظ وتصان ، ووجود امرأتين كما جاء في الآية الكريمة إنّما هو لحفظ تلك الحقوق من الضياع ، ولكون المرأة معرضة للنسيان أكثر من الرجل لوجود أسباب معتبرة منها الحمل والرضاع والنفاس..الخ وقد ذكرنا في قراءتنا دليل علمي يفيد بذلك وأزيد بأنّ تلك الأمور التي ذكرتها يضاف إليها أنّ المرأة أكثر استجابة للسلوك الانفعالي والمزاج و التقلبات التي تتعرض لها نتيجة للعوامل المذكرة آنفا ، وهذا لا يعني أنّ هناك فرق بين عدل الرجل والمرأة أو بين ذكاءها وذكاء الرجل . ولو قارنا ما قاله الأستاذ أبو بكر مع ما ورد في اعتراضنا على ما ذكره ، لوجدنا الفرق شاسعًا ، فهو قد قال رأيًا لا يستند إلى دليل ، ونحن أوردنا أدلة عقلية وعلمية ، و الموضوع الذي بين أيدينا ونظرًا لخطورته المتعلقة بحقوق النّاس وهي المال الذي يعادل الروح عند البعض ، فقد جاءت شهادتها هنا مكتملة بشهادة امرأة ثانية معها ضمانًا لهذه الحقوق وكما سبق وأنْ ذكرنا ، وهذا ما دل ّ عليه سياق الآية ، بتذكير إحداهما أنّْ ضلت – أي نسيت – إنْ تذكرها الأخرى ، والدليل أيضًا على أهمية هذه الشهادة أنّ الله تعالى قال في نفس الآية الكريمة " وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا " وهنا أي دعوة الشهداء المطلوبة قد وثقت بحضور رجل وامرأتين ، والسؤال الذي يفرض نفسه ههنا : أنّ المرأة ستأتي للشهادة وهي تعرف ذلك مسبقًا وهي مهيأة لهذا الأمر ، فكيف تؤوّل كلمة "تضل وتذكّر " بكيفية جلوس المرأة أو فعل ما يعيب عليها وبدون دليل . كما أنّ كلمة ضلال قد وردت عدّة مرات وبمعان مختلفة ، وهذا ما أشار إليه الأستاذ أبو بكر ، ولكنه لم يشر إلى معانيها المختلفة والتي كل واحدة منها يفهم منها بخلاف المعنى الآخر ، وحسب سياق النصّ القرآني الذي وردت فيه وسأورد هنا بعض المعاني لتلك الكلمات لعلنا نصل إلى نتيجة حول هذا الموضوع ومنها :
أ- جاءت بمعنى التنزيه وعدم الضياع أو الضلال قال تعالى " "قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى" (سورة طه آية 52 ) ، وهنا فرب العالمين منزه عن الضلال والضياع والنسيان ، وقد قال ابن عباس: ومنها أنّ رب العالمين لا يخطئ ولا يضل ، وابن عباس رضي الله عنهما قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " رواه البخاري ومسلم ، ومن المفيد هنا التذكير بما قاله صلى الله عليه وسلم " خذوا القرآن من أربعة ، من ابن أم عبد – أي عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة " رواه مسلم ، لذلك فعند التفسير والتأويل وحين لا نجد ما يستدعي أن نحوّل اللفظ من معناه الراجح إلى معناه المرجح أنْ نقبل برأي من سبقونا ، وذلك لعدم وجود دليل راجح يعتدّ به .
ب- جاءت بمعنى عدم الإحباط للأعمال أو الضياع قال تعالى " " فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ "( سورة محمد الآية 4) ، وجاء أيضًا بمعنى إهلاك وضياع العمل قال تعالى في سورة محمد الآية -8- "" وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ " والمعنى هنا واضح تمامًا .
ج- وقد تأتي بمعنى الغواية والخروج عن طريق الحق : قال تعالى في سورة الكهف الآية (17) " مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً " أي من اختار الضلال وحاد عن سبيل الرشاد . وقد تأتي بمعنى الغواية والإهلاك قال تعالى في سورة طه الآية 79 " وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى " .
د- وقد تأتي بمعنى إبطال الأعمال وضياعها وما يستوجب ذلك من الهلاك قال تعالى " أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ " ( سورة الفيل الآية 2 ) .
هـ- وقد تأتي بمعنى آخر وهو الخطأ والبعد عن الصواب وعن حسن التدبير ، قال تعالى في سورة يوسف الآية (8) " إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " ماذا يمكن أنْ نفهم من مدلول هذه الآية إنْ لم يكن غير البعد عن الصواب أو الخطأ في الحكم أو حسن التدبير ؛ وجاء نفس المعنى في نفس السورة آية (94و 95) وبعد أنْ أخذ يوسف أخاه من إخوته وعادوا إلى أبيهم وأخبروه الخبر وكانوا قد أغلظوا له الأيمان بأنْ يعيدوه معهم ، ونظرًا لشدة الموقف على سيدنا يعقوب عليه السلام بكى وتذكّر سيدنا يوسف عليه السلام ، قال تعالى " وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) " فهل نفهم هنا أنّهم أي أبناء سيدنا يعقوب وصفوه بالضال الذي هو الهلاك أو البُعد عن الحق والدين أو ما شابه ذلك ؟.
و- وقد تأتي بمعنى النسيان كما في الآية التي بين أيدينا ، ومّما تتقدم فإنّ الإنسان إذا ما تدبر في قراءته للقران الكريم فإنّه لا يجد كثير عناء في فهم مدلولات الألفاظ إذا ما وضعها في سياقها الصحيح ، وقد يُشكل عليه بعض الألفاظ والمعاني ، فيستعين عندئذ بالمفسرين وأهل التأويل وأهل العلم ، ومن ثمّ لا يوقع نفسه في أخطاء يستنتجها بمعزل عن الآخرين ، وإذا كان كل شخص حرّ في رأيه وما يراه مناسبًا وهذا صحيح نعم ؛ كل إنسان حر ، ولكن هذه الحرية حين تصطدم مع كتاب الله تعالى ، فإنّ من واجبنا التنبيه والاعتراض أيضًا ، ومن يريد أن يفسر ويؤّول فعليه أنْ يكون حذرًا في التعامل مع مدلولات الألفاظ وأنْ لا يخرجها عن السياق العام المراد منها ، أو على الأقل أنْ لا يأتي بشيء فيه مفاهيم بعيدة كل البُعد عمّا توحي إليه تلك الآية .
ومّما تقدم نجد أنّ المعنى يجب أنْ نأخذه من سياق اللفظ وما يدل عليه ، و هذا يكفي برأيي لحسم هذا الموضوع ، ومن يقول غير ذلك فنحن نستمع ، فإذا جاء بدليل آخر عقلي لا يخالف ما ذهبت إليه الآية الكريمة سنقبل به فورًا ، أمّا بغير دليل فهذا ما لا نقبله . وأمّا بخصوص دعوة الأستاذ أبو بكر إلى عرض المقال الرئيسي والمتعلق بالدين وشهادة المرأة ، ومناقشته مع عدد من الفقهاء الذين أثق بهم فهذا الأمر قد بحثته جيدًا ، ولم أترك مرجعًا استطعت الوصول إليه ووجدت فيه ما يخالف قولي، وكما سبق وأنْ قلت فهذا الأمر مفهوم بالنسبة لي وكما فهمه غيري ، ولم أجد من خالف هذا القول من سياق الآية الكريمة بأنّه يتعلق بتذكير المرأة للأخرى في حالة نسيان إحداهما ، إلا الأستاذ أبو بكر ، ولو فرضنا وعرضنا الأمر كما يقول الأستاذ أبو بكر على الفقهاء فهل سيقبل بحكمهم ؛ وهو مخالف لوجهة نظره كما أعلم ؟
مراحل خلق سيدنا آدم عليه السلام وموقف الملائكة الكرام
3- بخصوص خلق آدم يقول الأستاذ أبو بكر في رده رقم – 29 – ما يلي " خلق آدم عليه السلام ، أنا لا أذكر أنني تطرقت بما يخالف الكتاب – أتساءل هنا لمَ لم يقول والسنّة - فخلق آدم لم يعرضه الله على الملائكة ، وإنما أمرهم بالسجود له حال خلقه . وهذا ما حصل " اهـ ، وقد تكرر نفس المعنى في ردك رقم -30- إذْ تقول " فخلق آدم من طين ، كان قد أخبر الله به الملائكة ، وأمرهم بالسجود له حال نفخ الروح فيه ، وسجدوا إلا إبليس ... وهذه نقطة واضحة لا تحتاج تفكيرًا ولا نقاشًا لفهمها " اهـ ، سأتوقف عند هذه الجزئية لأقول : هذا الأمر ليس دقيقًا ، فما ذكره الأستاذ أبو بكر مخالف للنصّ القرآني ، لأنّ الله تعالى أخبر الملائكة بأنّه سيجعل في الأرض خليفة ، أي أنّ الملائكة علمت مسبقًا بأمر الله تعالى ، وقبل أنْ يخلق سيدنا آدم عليه السلام ، والدليل قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (سورة البقرة آية 30) هنا يقول الله سبحانه وتعالى بأنّه سيجعل في الأرض خليفة ، ودليل آخر قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) " سورة الحجر الآيات 28-29 ) فهذا دليل على أنّ الله تعالى أخبر الملائكة قبل أنْ يخلق آدم عليه السلام وطلب منهم أنْ يسجدوا له – سجود تحية لا سجود عبادة - بعد أنْ يسوّيه أي يكتمل خلقه له ؛ وهل يفهم أحد غير ما تفيد به هذه الآيات الكريمة عندما يقول لهم سبحانه وتعالى إذا سوّي هذا المخلوق فاسجدوا له ، أليس النصّ واضحًا للجميع ؟ وهذا يخالف ما ذهب إليه الأستاذ أبو بكر جملة وتفصيلا . فليس من المعقول أنْ تبدي الملائكة رأيًا حال تنفيذ الأمر وبأنْ يقول الله تعالى لهم : اسجدوا لأدم ، فيردوا عليه – سبحانه وتعالى – بالتساؤل والاعتراض والتحفظ وسيدنا آدم موجود أمامهم . أمّا بخصوص استهجان واستغراب وتحفظ الملائكة على خلق سيدنا آدم عليه السلام ، فقد ذكر الأستاذ أبو بكر في رده رقم – 29 – وبعد أنْ يذكر أنّ الله تعالى "أقنعهم " مع التحفظ الشديد على هذا اللفظ – أي الملائكة بحكمته وقصور علمهم ما يلي " فالتحفظ والاستهجان والاستغراب حيال أمر ما .. هي مفردات تدل على رؤية مفادها أن ذلك ليس صوابًا من وجهة نظر المتحدث ، وأن المتحدث كان مسموحًا له أن يبدي رأيه " اهـ ، وهذا ليس صحيحًا أيضًا ، لأنّ الاستهجان ليس معناه أنّ هذا الفعل ليس صوابًا فقط ، بل إنّ من يقول به يعترض على قائله وبلهجة غير مقبولة لتصرفه بخصوص موضع الاعتراض ، ولعلّنا نفهم هذا الأمر جيدًا من كثرة الاستهجان الذي سمعناه على مدار القرن المنصرم من أبطال النوم على الفراش والخلود إلى الدنيا ، أصحاب الفخامة والسمو والذين يستنكرون ويستهجنون يوميًا أعمال" إسرائيل " في فلسطين ومن بعدها أمريكا – وعلى خجل – في لبنان والعراق غيرها ، لذلك أنْ نقول أنّ الاستهجان هنا مجرد عدم صواب الرأي هو لفظ لا يدل على حقيقة كلمة استهجان ، والتحفظ أيضًا يفيد بأنّ قائله لديه مبررات لهذا التحفظ فهو لا يقبله لأنّه غير صواب نعم ، ولأنّه أيضًا بهذا التحفظ يكون قد أبدى اعتراضًا على حقيقة الموقف ، والاستغراب هو الدهشة من عدم صواب الأمر محل النقاش ، إذ يفيد بوجود خطأ واضح وجلي جنبًا إلى جنب مع المفردات الأخرى ، لذلك أنْ نقول أنّ هذا الأمر غير صواب وفي مقام جلل أمر به الله تعالى ؛ فهذا يعني – وكما ذكرت في قراءتي – أنّ من يملك الحق بقول ذلك إنّما هو لديه الحرية في القول والفعل ، والملائكة الكرام ومن خلال صفاتهم – والتي ذكرتها بشكل واضح في قراءتي – أبعد ما يكونوا عن هذا الأمر ، كما أنّ النصّ القرآني لا يشي بذلك . ولو فرضنا جدلًا بأنّ هذا الأمر صحيح 100% أي أنّ الملائكة قالت بأنّ هذا الأمر هو غير صواب فمن يصدق ذلك مع ما عُرفَ عنهم ؛ من يصدق أنّ الملائكة الكرام قالت لرب العزة أنّ هذا الأمر غير صواب على حدّ تعبير الأستاذ أبو بكر ، . أليس في ذلك تقليل من حكمة الله حين يقول له المخلوق بأنّ تصرفك هو غير صائب ؟ ، وهنا أحب أنْ أقول ما يلي : لقد أوّلت أنت قول الملائكة بالاستغراب والاستهجان والتحفظ من خلال كلمة " قالوا أتجعل فيها " وهنا فقد أعطيت للفظ الظاهر بُعدًا آخر ، وصرفته عن لفظه الظاهر والذي يقول أنّها سألت على وجه الاستعلام والاستخبار لا على وجه الاعتراض والتحفظ والاستهجان والاستغراب ، و كان يجب أنْ نعلم أولًا عن حقيقة الملائكة وما هي بالضبط صفاتها ومن ثمّ نحلل المسألة ، كما أوّلت سابقًا لفظ " أنْ تضل " بمعنى لا وجود له في عالم التفسير والتأويل ولم يقل به أحد إطلاقًا .
4- وبخصوص مراحل خلق سيدنا آدم عليه السلام ، فيقول الأستاذ أبو بكر أنّه يعترض على الأسلوب الذي ذكرت به هذا الموضوع ، في إشارة إلى داروين والدكتور عبد الصبور صاحب كتاب " أبي آدم " وهنا أحب أنْ أقول ما يلي : إنّ أي موضوع يتعلق بالبحث أو النقد أو أي شيء آخر لا يضر كاتبه أو صاحب الموضوع محل النقد أو البحث في ذكر مواضيع أخرى متشابهة لتعزيز الفكرة أو لدحضها ، وقد ذكرت سابقًا وفي ردي رقم -6- بأنّ على المفكّر أو الباحث أو كاتب أي موضوع أنْ يحاول قدر استطاعته البحث عن مواضيع أخرى قد تكون مشابهة ، حتى لا يكون موضوعه مكررًا وقد لا يأتي بجديد يذكر ، والموضوع الذي بين أيدينا كان خطيرًا جدًا ، لأنّه يتحدث عن مراحل خلق الإنسان ، ولم يكن يدعمه أي دليل ، لذلك لو علم الأستاذ أبو بكر بأنّ كتاب " أبي آدم " موجود في الأسواق وقد طرح منذ مدّة طويلة أكاد أجزم بأنّه لم يكن ليتطرق لهذا الموضوع – وقد ذكر سابقًا عدم علمه به وأنا أصدقه تمامًا – لذلك لا أرَ أي ضير في كل ما ذكرته ، وما ذكره عن التبعية الفكرية أو التقليد وسرقة أفكار الآخرين – علمًا أنّ الأستاذ أبو بكر يصف معظم المخالفين لرأيه بأنّهم من أصحاب الاعتماد المطلق على النقل فهم تابعين لغيرهم بينما يرفض أنْ يشير أي أحد إلى أي وجه من أوجه التشابه بين كتاباته وكتابات الآخرين - فهذا لا أساس له ، ولم يكن في بالي حين كتبت حول هذا الموضوع . علمًا أنّ تشابه الأفكار في أية مواضيع تطرح لا تعني التبعية الفكرية أو السرقة أو التقليد ما دام هذا الموضوع يختلف في أفكاره وتعاطيه مع الفكرة عن المواضيع الأخرى . وأمّا عن ذكره لكلمة بشر ومنْ أنّها تحطّ من قدر الإنسان كلما ذكرت بصورة عادية في القرآن وتمسكه برأيه واستدلاله بالآية التي ذكرتها في سورة مريم ورقمها -26- فقد ذكرت سابقًا بأنّني لا أفرق بين كلمة بشر وآدمي وإنسان في القرآن ، وبأنّها كلها تدل على معنى واحد ، وأنت هنا تحيل السؤال عليّ ، وكان المطلوب منك وبما أنّك فرقت بين هذه الكلمات أنْ تذكر الفرق بينها لا أنا ؛ لأنّني لم أفرق بينها ، وأمّا قولك بأنّ ما أوردته من آيات قرآنية كدليل على أنّ البشر لم يتعرض لهم القرآن الكريم بلفظ يحطّ من قدرهم إذْ تقول في ردك رقم -29 – " وأمّا النصوص القرآنية التي أوردها الأخ / راضي في هذا الصدد بقصد نقد الفكرة ؛ فهي تدعم وجهة نظري تمامًا ولا تدحضها كما يتصور الأخ / راضي وأنا عندما استشهدت بنصوص معدودة حول كلمة بشر لم أكن أتوقع بأن قارئًا عاقلاً سيظن باني أخفي بقية النصوص لأنها تؤيد لا تؤيد وجهة نظري ، لأن تلك سذاجة يتهمني بها الأخ / راضي .. الخ - ليصل إلى القول – وهذه النصوص القرآنية التي أوردها الأخ / راضي ، مستشهدًا بها ضد الفكرة ، في حين هي تؤيد الفكرة " اهـ ، وهذا الأمر أرد عليه فأقول : أنا لم أقل ما تفضلت به من أنّك أخفيت نصوصًا لم تستشهد بها إطلاقًا ، بل قلت بأنّ ما استشهدت به لا يطابق ما تحاول إثباته من أنّ كلمة بشر تحطّ من قدر الإنسان ، وأدرجتها كدليل على ما أقول؛ لذا سأعيد إدراج الآيات التي استشهدت بها ، وأحيل القارئ الكريم إمّا إلى قراءتي أو إلى الآيات التي أدرجتها أنت في ردك رقم – 29- فهي مطابقة تمامًا باستثناء عدم ذكره للآية رقم -110 – في سورة الكهف والتي رددت عليك فيها حين قلت بالحرف " " ولو وضعنا كلمة بشر المجرّدة - تحت مجهر العقل - ...- إلى أن يصل - ولا نستفيد من البشر إلا عمله وعلمه إذا كان صالحًا – وحينذاك لا يقال عنه بشر ، فالبشر هي المرحلة التي كان خلالها الإنسان ضعيفًا ومجردً من العقل والمعرفة " اهـ ، وذكرت أنا أنّ هذا القول غير صحيح إطلاقًا ، واستشهدت بتلك الآية التي تقول " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "(سورة الكهف آية 110) فكيف يقول أنّ من كان عمله صالحًا لا يقال عنه بشر ؟ وهذا دليل واضح وصريح ينسف الفكرة التي ينادي بها من أساسها ؛ رغم أنّه يعلم بذلك ولم يذكرها ، أمّا الآيات التي استشهد بها في محاولته لإثبات فكرته فهي : الآية الأولى في سورة يوسف رقمها 31 تقول " فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ " فهل في هذه الآية الكريمة ما يفيد بأنّ كلمة بشر تحطّ من قدر سيدنا يوسف عليه السلام ؟ بل إنّها مدح له ، على اعتبار أنّ جماله هو فوق مستوى جمال البشر الذي يعرفونه ، وهذا لا يعني أنّ في ذلك قدح وحطّ من قيمته ؛ لأنّهم هم أيضًا بشر ، أمّا الآية الأخرى فهي في سورة التغابن ورقمها -6- وتقول " ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ " هل في هذه الآية ما يفيد بالحطّ من قدر الإنسان ؟، فالذين قالوا أبشر يهدوننا هم أيضًا بشر ، فلو حطّوا من قدر الرسل لكانوا يحطّون من قدرهم هم أيضًا ، بل هم جعلوهم سواء فيما بينهم ، على أساس أنّهم مثل بعضهم البعض بشر لا يختلفون عنهم في شيء ، وهذا ما استشهد به الأستاذ أبو بكر كدليل على الحطّ من قدر البشر .

يتبع /

راضي الضميري
26-01-2009, 09:23 PM
أمّا الآيات التي أوردتها في قراءتي وذكر الأستاذ أبو بكر بأنّها تؤيد فكرته ؛ فهي واضحة تمامًا ومن أنّها لا تحطّ من قدر البشر ، وقد سألني هذا السؤال في رده رقم - 29- إذْ يقول " وأقول هنا ، لنلاحظ في 1و 2 (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا) و (قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا) .. فما الذي يلاحظه الأخ / راضي هنا ، هل يلاحظ إعلاء من قدر المخاطب ، أم حطّاً منه . " اهـ ، وعليه أقول نعم ألاحظ أنّها لا تحطّ من قدر البشر نهائيًا ، لماذا ؟ لأنّ المخاطب ههنا هم الرسل وهم بشر ، وأقوامهم تقول لهم أنّكم مثلنا بشر ، فهل سمعت بشخص يصف غيره بوصف ينطبق عليه مع أنّ هذا الوصف - كما تقول - يحطّ من قدره ؟ وهل يعقل أنْ يقول إنسان ما لرسول أنت بشر مثلي وهو يقصد بذلك الحطّ منه مع أنّه هو الآخر بشر ؟ أمّا قولك في نفس الرد رقم -29- " فهل يقبل الأخ / راضي ، أنْ يقول المسلمون اليوم عن الرسول .. ما هو إلا بشر مثلنا .. أو لا نراه إلا بشر مثلنا !. " اهـ ، وعليه أرد : نعم الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا ، ولكن هذا لا ينتقص من رتبة نبوته صلى الله عليه وسلم ولا لمكانته ، ألم تقرأ الآية في سورة الكهف والتي يقول فيها إنّما أنا بشر مثلكم ؟ أمّا قولك أو " لا نراه إلا بشر مثلنا " فهذا فيه تساؤل في الآية الكريمة من الكفار عن تلك المزية التي أعطاه إياها الله عنهم مع أنّه بشر مثلهم ، فهم ساووا بينهم وبينه من حيث الخلق لا من حيث رتبة النبوة التي أنكروها ، لذلك فمثالك لا يصحّ هنا إطلاقًا ، لأنّنا حين نقول عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لا نراه إلا بشرًا مثلنا ، فنحن نقولها حين يحاول أحد ما أنْ يعظم من شأن الرسول ويصفه بصفات غير البشر ، نقول ما هو إلا بشر ممن خلق الله تعالى ، ولكن رتبة النبوة تجعله بصفاته وأخلاقه مثلنا الأعلى ، وأنا أقول ذلك لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قالها قبلي وأنا أعمل بها – وقد سبق وأنْ ذكرت ذلك بدليل آية الكهف رقم 110 – وأزيد بدلائل أخرى" قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل يقولون يلقحون النخل ، فقال: ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنفضت أو فنقصت قال: فذكروا ذلك له، فقال : إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ؛ وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر " رواه مسلم والبخاري ، ودليل آخر " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص قال إبراهيم والوهم مني فقيل يا رسول الله أزيد في الصلاة شيء ؟ فقال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس، ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدتين " رواه مسلم ومن هنا نأخذ أحكام سجود السهو في الصلاة إذا ما نسينا فزدنا أو أنقصنا في عدد ركعات الصلاة ، وتأييدًا لذلك سأقول لك حديث آخر " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا فقلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا قال إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو " رواه مسلم ، لذلك فأنا أقول إنّما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر مع عدم التقليل من قيمته كنبي ومبلغ عن ربه ، ولاحظ هنا أنّك تحاول أنْ تحرّف القطار عن سكته ، من خلال ضرب أمثلة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فالمقام هناك في الآيات التي ذكرتها كان بين منكر للنبوة مع مساواة نفسه بصاحب النبوة من حيث أنّهم بشر مثل بعض ، أمّا نحن فلسنا منكرين للنبوة ، لذلك نقول أنّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو بشر وهذا ما دلت عليه الآيات والأحاديث ، ولكننا نحترمه ونقدره كخاتم للنبيين ، وقد بلغ رسالة ربه على أكمل وجه ، وأدى الأمانة ونصح الأمّة ؛ فكان هاديًا ومبشرًا ونذيرًا ، و أمّا قولك في ردك رقم -29- " فأنت ربما لا تقبل أن يقال ذلك في حق الصحابة ، وليس في حق الرسول .. أليس كذلك أخي راضي !! فماذا تسمي الخطاب إذن ! " اهـ ، فأرد عليك بالقول : إنّ في هذا الكلام غمز ولمز واضح تحاول فيه أنْ تبيّن أنّني أقدّس الصحابة رضوان الله عليهم ، وبأنّني من أصحاب الاعتماد المطلق على النقل ، ولا أعمل العقل في أمور الدين والفكر والثقافة ، وهذا اللمز والغمز واضح في كلامك وأردّ عليه بالقول : إنّك إلى الآن لم تستطع أنْ تفرق بين أنْ نحترم الصحابة رضوان الله عليهم ، وتقديرهم وإنصافهم وبيان فضلهم ، وبين أنْ نتكلم عنهم وكأنهم مجرد رجال عاديين ، يحق لنا في أي وقت أنْ نطعن في أعمالهم ونسفّه أفكارهم ونتّهمهم بعدم الفهم كما يفعل البعض وبغير دليل ؛ إذا كان هناك ما يستوجب الذكر من أفعالهم وقد خالفت المنهج الرباني بشكل واضح ، وعليه أقول ؛ كلنا بشر خلقنا الله تعالى من تراب وإليه نعود ، وكل إنسان سيحاسب عن نفسه وأعماله ، وما الرسل الكرام عليهم صلوات الله وسلامه وما الصحابة رضوان الله عليهم وغيرهم إلا بشر ممن خلق ، وكما ترى لا نفرق أحد عن آخر ، ولكن نحتفظ لكل شخص بفضله وعلمه . أمّا قولك لماذا لم يقولوا " إنما نحن بشر مثلكم فقط ؟ " فهذا لأنهم مبعوثون من قِبل الله تعالى لتبليغ رسالته ، وهذه الرسالة التي تميّز مقام الإنسان عن الآخر ، لأنّها رتبة النبوة ، فهم لم ينفوا عن أنفسهم أنّهم بشر ، بل قالوا إنّ الفضل لله يؤتيه من يشاء ويمنّ به على من يشاء ، لذلك فمجرد إقرارهم بأنّهم بشر – وهذا حاصل من الطرفين النبي والمبعوث إليه وأقروا كلهم بذلك – ينفي أنْ تكون هناك منقصة لأحد منهم ، أو حطّ من قيمته ، كما فعلت أنت بفكرتك . أمّا قولك أنّك تحاول التفسير وأنا أحاول التأويل فهذا الأمر قد أوضحته في أكثر من مكان ، وأعيد وأقول بأنّ تصرفك بالآيات وفي آية الدين – البقرة 282- تحديدًا؛ ومراحل خلق آدم واستهجان وتحفظ واستغراب الملائكة وما سيأتي ذكره لاحقًا إنّما هو تأويل للألفاظ وصرفها عن معناه الواضح إلى معنى لا وجود له ولم يقل به أحد وهو تلاعب واضح بالنصوص لا شك فيه . أمّا ما لم تذكره حول هذا الموضوع فهو ما يلي : أنت قلت في موضوعك المعنون بـ " "ابن آدم ! تعهدت أن تكون إنسانًا .. فاحذر أن تعود بشرًا " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31601 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31601)
ما يلي " " فمرحلة الإنسانية تعني بلوغ ابن آدم مرحلة حمل الأمانة وجدارته بها .. وسعيه باتجاه الكمال والسمو بدافع من المعرفة – النابعة من نفخة الروح الإلهية فيه ..-ليصل إلى -... أن كلمة إنسان وإنسانية تأتي دائمًا مع كل أمر يتعلق بالحرية والعزة والحقوق المعنوية وكل ما يتعلق بالشرف والأخلاق والرفعة الإنسانية .. – وحتى قوله – إنما تستخدم كلما تعلق الأمر بالحقوق المعنوية والتطور والتحضر والتقدم والأخلاق والمثل والقيم النبيلة " اهـ ، وأنا رددت عليك وأدرجت آيات كريمة تفيد عكس ما ذهبت إليه وهي كما يلي : " وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (سورة يونس الآية 12) و" وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" (سورة هود الآية 9) " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22)" (سورة المعارج الآيات 19-20-21-22) و " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)" (سورة العصر الآيات 1-2 ) و " وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً " (سورة الإسراء الآية 11) و " وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً " ( سورة الإسراء الآية 67) و " قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً" (سورة الإسراء الآية 100) فأين ما ذكرته أنت في تحليلك وبين ما هو مذكور في هذه الآيات التي تقدح بطباع الإنسان ، بعكس كلمة بشر والتي لم تتعرض له في شيء ؟ وكما أرى هنا فأنت لم تتعرض لهذا الموضوع في شيء ، فإذا ما ضممناه للموضوع الآخر والمتعلق بلفظة بشر وأنّها لا تقال لمن كان عمله صالحًا – وقد أوردنا الدليل – فموضوعك ينسف تمامًا ، والفكرة لا يبقى لها أي مبرّر ، ولم ترد عليها بأية حجّة عقليه أو غيرها .كما أنّك لم ترد على قضية ترتيبك للمراحل من حيث أنّها – بشر ثمّ آدمي ثمّ إنسان – وكيف توصلت لهذه التقسيمات ؟ ولم تذكر دليلك العقلي عليها ؛ سوى ترتيبك للآيات التي ورد فيها ذكر بشر وإنسان وآدمي ، ولم تخبرنا عن الفترة الزمنية التي كانت بين كل مرحلة وأخرى ، ولم تخبرنا كيف عاد سيدنا آدم وزوجه إلى مرحلة البشر بعد أنْ أكلا من الشجرة وهم كانوا في مرحلة الآدمية – حسب ما ذكرت أنت - ، أليس هذا تأويل ؟ ستقول لي تفسير ؛ ليكن ، كيف توصلت لهذا الأمر ؟ هذا هو السؤال المطروح ، وكيف بعد أنْ عادا إلى مرحلة البشر انتقلوا فجأة إلى مرحلة الإنسان ؟ هذا وحسب الترتيب الذي ذكرته بعني أنّهم قد تجاوزوا مرحلة كان يجب أنْ يعودوا لها ومن ثمّ ينتقلوا إلى المرحلة التي تليها – حسب تقسيمك للمراحل بشر + آدمي + إنسان – فلماذا قفزوا عن تلك المرحلة أي الآدمية ، وأصبحوا في مرحلة الإنسانية فجأة - وكما ذكرت سابقًا – فأدلتنا تنسف الفكرة من أساسها ، وهنا فعلى العقل الذي تنادي به وننادي به أيضًا - مع فارق أنّك تعتمد الرأي الحرّ والغير مقيّد بقواعد شرعية أو عقلية منطقية ، بينما نحن نعتمد على الدليل العقلي والشرعي ونساوي بينهما – أنْ يثبت وبالدليل كيف توصلت لهذا الأمر ؛ وهذا ما لم تفعله أنت .
طرق إثبات الإيمان وعلاقتها بالفلسفة
5- أمّا بخصوص سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فأنت تقول في ردك رقم -30- ما يلي " أما علاقة هذا الموضوع بالفلسفة . فتلك وجهة نظر أبديتها ، وأدافع عنها . وربما كان انتقاد الأخ راضي ، لهذه العلاقة ، نابعًا من حساسية لديه مع لفظة " فلسفة " ، ولعله يربطها بغير المسلمين وغير المؤمنين ، أو أنه يرى في الفلسفة نقيضًا للدين .. فإذا كان الأمر كذلك فإنني أراه مخطئًا . " اهـ ، وهنا سأتوقف لأبدي ملاحظاتي وهي : أنا لم أقل أنّني ضد الفلسفة ، بل قلت في قراءتي وبالحرف " ولا أعني هنا أنني ضد الفلسفة ، إطلاقًا ، ولكنني أقول أنّ ربط الآية الكريمة بهذا المطلب الذي انبثق عن فهمها الخاطئ لا يصح، وإقحام الفلسفة في الدين والبحث عن الإيمان وبطرق عقليه معرفية مجردة وبدون ضوابط لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولو أغنت لكانت أغنت أصحابها الأوائل ولكانوا أفلحوا ووصلوا إلى معرفة الله تعالى ونجوا بأنفسهم "اهـ ( راجع ردي بدقّة ) وأنت هنا تقول بأنّني ضد الفلسفة أو لديّ حساسية من هذا اللفظ ، وهذا غير صحيح إطلاقًا ، وأيضًا فأنا لم أربط بين لفظ الفلسفة بغيرهم من غير المسلمين وغير المؤمنين ؛ بل أنت من فعل ذلك ، ولنقرأ ما كتبته أنت وما ذكرته في قراءتي إذْ تقول .." إذًا ، هو ذات السؤال الفلسفي المطروح من غير المؤمنين ، نجده مشروعًا عند المؤمنين ومطروحًا منهم جنبًا إلى جنب مع إيمانهم .. أي طلب الإنسان حقه لحقه المنطقي ..الخ " اهـ ( أنظر - أبو بكر سليمان الزوي " لم يفلح الدين حيث أخفق الفكر " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31376 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31376) ) – أو ما كتبته في البند الخامس من قراءتي تحت عنوان " طرق إثبات الإيمان " ووجه الاعتراض هنا ؛ أنّك ساويت بين سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام – المؤمن والنبي - وما بين غير المؤمن – أي الكافر – في طلب البرهان الذي يطمئن به القلب ، وقلت لك أنّ هذا خطأ واضح ، لماذا ؟ لأنّ طلب سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لو رفض – وهو رؤية إحياء الموتى – فسيبقى على إيمانه ؛ أمّا الآخر غير المؤمن – أي الكافر – فسيبقى على كفره ، لأنّه بالأصل ليس مؤمنًا بعكس حالة سيدنا إبراهيم ، وأنّ المؤمن لم يشترط رؤية إحياء الموتى إلا لزيادة الإيمان ؛ والآخر – أي غير المؤمن – فقد اشترط ذلك الطلب من أجل الدخول في الإيمان ؛ أي أنّه لم يطلب زيادة الإيمان ، بل كان طلب الإيمان من عدمه مشروطًا ، وهذا ما قررته أنت حين ربطت بين الآية الكريمة وطلب سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وبين غير المؤمنين والمسلمين والذين يشترطون البرهان المعجز من أجل الدخول في الإيمان ، وقد أوضحت كل ذلك في قراءتي ، فكيف تقول بأنّني أنا من ربط بينها وبين غير المسلمين وغير المؤمنين ؟ ثمّ ذهبت بعيدًا في تبنيك لما عنته تلك الآية من حيث أنّك ربطتها بالفلسفة كمعين للوصل إلى الإيمان إذْ تقول " أليس هذا هو هدف وغاية كل من الفلسفة وما يعرف بعلم الكلام ، لماذا تكميم الأفواه وتقييد العقول والحجر المضروب على الفكر ..إذًا .. ولماذا لا تكون الفلسفة والبحث الفكري والعلمي هي السبيل إلى بلوغ ذلك البرهان " اهـ - أبو بكر .. لم يفلح الدين حيث أخفق الفكر – ولاحظ أيضًا العنوان الجميل الذي اخترته أنت – لم يفلح الدين حيث أخفق الفكر – وهذا الأمر كنت سأتطرق إليه في قراءة أخرى ، ولكن لا بأس من كلمة حول هذا الموضوع ؛ فأنت هنا اخترت عنوانًا أقل ما يمكن القول عنه أنّه مرفوض – لأنّ عكس الفلاح الخسران والدين لا يوصف بذلك ولا يرتبط بالفلسفة ليكون فكرًا يقود للإيمان - لأنّك نفيت الفكر عن الدين وهذا من أسباب فشله ، على حدّ تعبيرك ؛ وهذا الاتهام بنيت عليه أمور كثيرة ، ليس أولها أنّك تملك العقل والفكر، وليس آخرها أنّك نفيت كل ما وصفت به نفسك عن الدين وأتباعه ، وبنيت مقالتك حول آية لا علاقة لها بالفلسفة ، ثمّ تبنيت الفلسفة كطريق وحيد للوصول إلى الإيمان والبرهنة عليه ، وطلبك هذا يعارض الكتاب والسنّة ، فهل سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي بالفلسفة كطريق لمعرفة الإيمان ، وهل يحتاج الإنسان إلى الفلسفة ليثبت صحة إيمانه ؟ وأمّا قولك " أما نحن ، فمؤمنون إن شاء الله ، ولكن لسنا رسلاً لنحصل على اطمئنان القلب .. مباشرة من مصدره القدوس العزيز !" اهـ ، و هذا فيه شيء من الخلط بين المفاهيم التي تنادي بها ، فإذا لم تجد دلائل لاطمئنان القلب وزيادة الإيمان في القرآن والسنّة فأين ستجده ؟ هل تعلم ما تقول ؟ كما أنّك ربطت - وكما سبق وأنْ قلت - بين هذا السؤال الذي سأله مؤمن وبين غير المؤمن ، وبما أنّك مؤمن – ونحن لم نشكك في هذا الأمر – فقد كان من الواجب عليك توضيح هذه النقطة ، كأن تقول مثلًا " إذًا هو ذات السؤال – وبغير كلمة فلسفي والتي لا علاقة بها في زيادة الإيمان في هذه الآية – مطروح من المؤمنين – يعني أنت – نجده مشروعًا عند الأنبياء ومطروحًا منهم جنبًا إلى جنب " لا أنْ تقول مطروحًا من غير المؤمنين جنبًا إلى جنب مع المؤمنين ، هذا أولًا ، وثانيًا : فحتى هذا السؤال ولو طرح بتلك الطريقة التي ذكرتها فهو غير جائز ، لأنّ الطلب هنا كان لمؤمن خالص الإيمان وأراد أن يعاين رؤية الموتى بأمّ عينيه ، فسيدنا إبراهيم كان لديه علم اليقين بأنّ الله سبحانه وتعالى موجود ويحيي الموتى ، فطلب ذلك مباشرة - أنْ يرى بعين اليقين - من خالقه عن طريق معجزة إلهية ، فما علاقة طلب سيدنا إبراهيم بالفلسفة وبغير المؤمن ؛ وحتى المؤمن في هذا السؤال ؟ أمّا ما ذكرته عن الصحابة رضوان الله عليهم ومن ومجيئهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا سؤال جيد ؛ أردُ به عليك فأقول : ترى ما دور الشيطان في هذا الكون غير إفساد بني آدم وحرفهم عن جادة الصواب ؟ ومع ذلك لم يطلب الصحابة معجزة إضافية للإيمان ، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم موجود بينهم ، ومعجزاته واضحة للجميع ؛ لكن الشيطان لنا عدو ، وهو يحاول بين الفينة والأخرى أنْ يفسد قلب ابن آدم عليه وعلى الآخرين أيضًا وتشكيكه بربه وبدينه وبنبيه ، فهل لديك أنت أو أنا أو أي أحد يسمعنا أي شك بمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ، لن تجد مسلمًا عاقلًا يقول نعم لديّ شك ، بل ستجد الكافر والمنافق يقول بذلك ، وهنا نستنتج بمثالك - والذي نشكرك عليه – أنّ حتى رؤية المعجزات أحيانًا لا تعفي الإنسان ولا تمنحه حصانة مطلقة من وسوسة الشيطان ووسوسة النفس الأمارة بالسوء وأحاديث النفس بشكل عام ، فما الفرق بين أنْ نرى معجزة إحياء الموتى على سبيل المثال وبين أنْ نسمع عن معجزة انشقاق القمر ؟ لا فرق ؛ فانشقاق القمر هو من إحدى معجزات الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما أنّنا نؤمن به وبنبوته فسنصدق تلك المعجزة ، وفي القرآن الكريم سورة كاملة اسمها " سورة القمر " وأيضًا ضربت لك مثلًا عن بني إسرائيل ورؤيتهم لإحياء الموتى في سورة البقرة فلم ينفعهم ذلك بل قست قلوبهم ولم يتّعظوا ممّا رأوه ، ونخلص إلى نتيجة تقول : ليس شرطًا رؤية المعجزات لزيادة الإيمان كما في مثالك ، ولو كان هذا صحيحًا لآمن كل أقوام الأنبياء . ولعلّنا نقف هنا عند الحديث الذي ذكرته عن الصحابة رضوان الله عليهم ومجيئهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فأنت ذكرت ذلك بدون توثيق ، وذكرت الموضوع وقلت - بما معناه أنّهم جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم – ألا ترى أنّه كان ينبغي عليك توثيق تلك المعلومة ؟ وعلى كل حال سأذكر لك مصدر هذه المعلومة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " جاء ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه : إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أنْ يتكلم به ، قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا نعم ، قال : ذاك صريح الإيمان " رواه مسلم ، وكما نلاحظ هنا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم ابحثوا في الفلسفة عن طرق أخرى لتثبيت إيمانكم ، بل دلّ هذا الحديث على وساوس النفس ، ودليل آخر " سئل رسول الله عن الوسوسة ، فقال : تلك محض الإيمان " رواه مسلم ، وبما أنّك كنت في ردك حول موضوع حديث الاجتهاد – وقد سبق ذكره – قد شككت في هذا الحديث وقد رواه مسلم ، فهذا الحديث الذي استشهدت به أنت فقد رواه مسلم أيضًا وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، فلماذا تقبل بهذا وترفض وتشكك بذاك ، وبقائله ؟ وأمّا قولك " فإذا كان لدى الأخ راضي ، اطمئنان ما يفوق ما لدى الصحابة .. فليحمد الله على فضله ، وليطرح نفسه مجيبًا لمن لديه تساؤلات بقصد بلوغ اطمئنان القلب لصحة الإيمان . وأظنه سيجد متسائلين كثر ، ولكن عليه أنْ يجيبهم ، لا أنْ يُحرّم أو يُجرّم طرح السؤال ! حيث أن الله سبحانه وتعالى قد ذات السؤال من نبيه ، ولم يمنعه من طرحه ، ولم يعاقب عليه ، ولم يذكر أن هذا السؤال لا يحق لغير إبراهيم " اهـ ، وهنا عدّة نقاط أطرحها :
1-أمّا عن قضية اطمئنان قلبي ، فلا أخفيك أنّ الوساوس والشيطان ومعها العفاريت ، هذه الأيام يدوران من حولي ، فنسأل الله تعالى أنْ يثبتنا على الإيمان جميعًا ، وحتى لا نشبّه أنفسنا لأولئك الصحابة رضوان الله عليهم فنقول ذلك صريح إيماننا – حين تأتينا تلك الوساوس ومن خلفها الشياطين - كما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم . فإنّنا نترك أمورنا وأحوالنا إلى الله ونسأله اللطف والعفو والعافية ، ولا نزكي لا أنفسنا ولا أحد على الله تعالى .
2-أمّا عن الصحابة فأنا أشهد بأنّهم مؤمنون صالحون ، وقد رضيّ الله عنهم في كتابه العزيز ، ومدحهم فيه وهذه شهادة نعتز ونفتخر بها ، كما نعتز ونفتخر بأنّك ذكرتها للتدليل على قوة إيمان الصحابة رضوان الله عليهم ، ومن كان صالحًا مثلهم، فإنّ في علمهم وفهمهم لدينهم وقربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباعهم له؛ مثلًا يحتذى به ، قال تعالى " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً " (سورة الفتح الآية 19 ) أي الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ، وقال تعالى " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " ( سورة التوبة الآية 100) وقال تعالى " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " (سورة التوبة الآية 117 ) والمقصود غزوة تبوك وفيها كان معظم الصحابة رضوان الله عليهم ، وقال الله تعالى " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ " ( سورة الحشر الآية 8 ) لأجل هذا نحبهم ونحترمهم ونقدر تضحياتهم التي بذلوها في سبيل هذا الدين وإعلاء كلمته .
3-أمّا عن التساؤلات فقد أجبتك عليها ، من كتاب الله والسنّة الصحيحة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبالعقل والمنطق والحجّة الدامغة . وأمّا عن اطمئنان القلب ؛ فهذه مشكلة تخصّ كل من لم يجد في كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة والثابتة غايته من الأدلة لاطمئنان ذلك القلب . ولا أعتقد أنّ هناك عاقلًا بحث في الكتاب والسنّة ولم يجد فيها الإيمان واطمئنان القلب .
4- أمّا عن السؤال وتحريمه وتجريم قائله ، فنحن هنا لم نحرّم ولم نجرّم ، كل ما في الأمر أنّ الاستدلال بهذه الآية كان في غير مكانه ، وربطها بالكافر والمؤمن على حدّ سواء كشرط من شروط الإيمان أو زيادته لم يكن صوابًا ، كما سبق وأوضحنا بأنّه ليس شرطًا من شروط الإيمان أو الدخول فيه أو زيادته رؤية معجزة إلهية – وقد رآها غيرنا وفي كل المراحل والأزمنة التي بعث فيها الرسل فلم تنفعهم تلك الرؤية – بل زادتهم كفرًا وفسقًا .
5-أمّا عن سؤال سيدنا إبراهيم ، فهو ليس حجّة لمن لم يؤمن ولمن يريد أنْ يزيد من إيمانه ، وليس وسيلة فلسفية لطلب زيادة الإيمان ، وأتساءل هنا بما أنّ معنى الفلسفة هي البحث عن الحكمة والسبيل إلى تطبيقها وتعميهما ؛ فما علاقتها بسؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام ؟ فقد طلب أمرًا لا يتوقف عليه الإيمان من الأصل ، كل ما هنالك أنْ سأل الله تعالى سؤال فيه رجاء المحب لمن يحب ، وانتظر الرد فكان الرد إيجابي ؛ ورأي كيف يحيي الله تعالى الموتى ، أليس كذلك ؟ واطمأن قلبه ورأى بعين اليقين كيف يحيي الله الموتى ، ولعلّ الباحث في هذا الأمر يكون منطقيًا فيجيب على هذا السؤال : لماذا لا يكون من وراء طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام هو ما حصل معه حين حاور ذلك الكافر الذي قال له أنا أحيي وأميت ، فأحب سيدنا إبراهيم وهو يعرف مسبقًا أنّ الله تعالى يحيي ويميت أنْ يرَ ذلك بأم عينه وأنْ يعاين ذلك، فيترقى من علم اليقين إلى عين اليقين حول هذا الأمر على سبيل ، ولنا أنْ نحمد الله تعالى إذا ما وصلنا إلى مرحلة علم اليقين بأنّ الله تعالى يحيي الموتى ؛ وعلم اليقين هنا موجود في العقيدة الإسلامية ؛ في الكتاب والسنّة ، والتي بناءً عليها آمن وأسلم من كان في بداية الدعوة الإسلامية وإلى الآن . فهذا هو علم اليقين الذي إنْ آمنا به كنّا من الناجيين ، وأسأل الله تعالى أنْ ينجينا جميعًا .
يتبع /

راضي الضميري
26-01-2009, 09:33 PM
بخصوص إبليس وتواجده مع الملائكة

6- أمّا بخصوص ما ذكره الأستاذ أبو بكر حول تواجد إبليس وتواجده مع الملائكة فهنا سنرد عليه بنقاط

محدّدة وهي :
1- أمّا قولك في ردك رقم -31- إذْ تقول بخصوص ذهابك في تحليلك إلى غير ما ذهب إليه المفسرون " فإنه ومن باب الإنصاف ، لا أعتقد أن من حقه أن يطالبني بدليل ، فكلها استقراءات وتحليلات بقصد طلب حصول اطمئنان القلب . ولو كان لدى أصحاب التفسير السابق سندًا صريحًا ، لما كان لي أن أفكر أو أن أبحث في هذا الأمر " اهـ ، فهذا القول أستاذ أبو بكر قد رددت عليه بنفسك حين قلت أنْ لا سند ولا إثبات لما ذهب إليه المفسرون الآخرون ، لأنّك هنا تفترض أنّ لديك سندًا صريحًا لما تقول ، ولا تنسَ هنا أنّ من فسر قديمًا كان لديه علم بالكتاب والسنّة ، واستشهد بهما و بأقوال أهل العلم والتأويل ، وهذا ما لم تفعله أنت ، حيث أنّك لم تذكر السنّة مطلقًا في حديثك ، وحيث أنّك تقول لا علم لك بالسنّة وأحاديثها فكيف يمكن أنْ يفسر القرآن بمعزل عن ذلك ، وأيضًا فأنت تقول في موضوعك – راجع قراءتي المشاركة رقم 2 – الملاحظة رقم 3 وما بعدها – أنّ وجود إبليس مع الملائكة كان لكي تشهد الملائكة عصيانه ، وأيضًا فهذا – على حد تعبيرك – كان درسًا وإثباتًا عمليًا للملائكة بأنّ ما يجعل الكون يسير وفق نظام ثابت ومتزن ، فهنا أنت تجزم بأمور لا تملك دليلًا عليها ، وأنت تتكلم بالقرآن الكريم ، وهذا ما اعتبرته تأويلًا منك ، وقلت لك بأنّ الملائكة – ردًا على ما ذكرته - لا تحتاج لإثبات لكي تعرف كيف يسير نظام الكون وأنّ من يسيّره هو الله تعالى وبهذا القدر من الاتزان والدقة .
2- لو كل شخص جاء بفكرة معينة حول أي أمر ورد في القرآن الكريم وبدون دليل فماذا ستكون النتيجة ؟
3- لقد ذكرت بأنّ عصيان إبليس المفاجئ ليس مقنعًا ، وقلت بأنّ التفاسير السابقة قالت بذلك ، وأنت لا تعتقد بصحة هذه التفاسير ، بسبب أنّ الطاعة التي تصل بالعبد إلى مرحلة الملائكة لا يمكن أنْ تؤهله إلى عصيان مفاجئ بحجم عصيان إبليس ، وهذا ما رددنا عليه بالحجّة وذكرت لك آية كريمة حول هذا الأمر كمثال حيّ فلم تقتنع وترد عليها ، وقلنا لك أنّ العبد مهما ارتفعت درجته وطاعته فلن يصل إلى مرحلة الملائكة ، لأنّ ذاك العبد مخير ومسيّر في أمور معينة ، والملائكة الكرام مسيّرة ولا تعصي الله تعالى في شيء . في حين أنّك لم تذكر دليلًُا يؤكد صحة ما تذهب إليه من عدمه ، كل ما في الأمر أنّك لم تقتنع بما قاله الآخرون ، وجئت بآراء تخالف النصّ القرآني والسنّة النبوية .
4- أمّا ما أوردته من آيات فهي لا علاقة لها بموضوع إبليس ، فنحن هنا نتحدث عن مغزى تواجد إبليس – والغير مقنع من وجهة نظرك – مع الملائكة ، والآيات تتحدث عن أمر لا ينطبق عليه الحال الذي نحن بصدده .
5- بخصوص عصيان إبليس المفاجئ والذي ذكرته أكثر من مرّة ، فأحيلك إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، عن أنس قال ؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أنْ يتركه ، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو ، فلما رآه أجوف عرف أنّه خلق خلقًا لا يتمالك " رواه مسلم وابن حبان ومستدرك الحاكم ، وهذا يؤكد ما سبق وأنْ ذكرته بأنّ الله تعالى أخبر الملائكة عن خلق سيدنا آدم قبل أنْ يخلقه وقبل أنْ ينفخ فيه من روحه ، ولم يأمرهم بالسجود – سجود تحية - لحظة خلقه ونفخ الروح فيه ، كما قلت أنت في ردك رقم – 29- وأرجو أنْ تراجعه جيدًا ، كما أثبتّ لك بدليل من القرآن أنّ الأمر لم يكن كذلك ، وهنا أوردت لك دليل آخر من السنّة ، رغم عدم اقتناعك بكل ما يقال عن السنّة وصحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكما قلت عن البخاري رحمه الله تعالى ، وينسحب الأمر على غيره من أصحاب السنن ، ورغم أنّك تستشهد بهذه السنّة من حين لآخر ومن دون تأكيد على صحتها من أجل إثبات فكرة معينة تخدم وجهة نظرك ، ولمن يريد أنْ يتأكد فليراجع ردك رقم - 28 – .
أمّا قولك عن إبليس وبأنّه لم يبؤ بغضب الله تعالى بسبب كفر منه ولا شرك إذْ تقول وبعد أنْ تذكر صفاته قبل اللعنة في ردك رقم – 31- " ... وعلى هذا الأساس فإنّ اللعنة التي حلّت بإبليس كانت مفاجئة ، كما يعتقد الأخ راضي الضميري ولم يجد ضيرًا في ذلك . فأين الخلل في أن أقول بأن الكفر لم يسبق اللعنة ، أو لم تحل بإبليس اللعنة لأنه كافر ..الخ " وهنا أقول لك ما يلي : إنّ الأمر لم يكن فجأة كما تقول على لساني ، لأنّ إبليس يعلم بوجود سيدنا آدم عليه السلام وقبل نفخ الروح فيه ، وثبت ذلك من الآيات التي سبق وأنْ ذكرتها لك ، ومن خلال الحديث ، وقلت لك بأنّ الله تعالى قال " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (سورة البقرة آية 30) هنا يقول الله سبحانه وتعالى بأنّه سيجعل في الأرض خليفة ، ودليل آخر قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) " سورة الحجر الآيات 28-29) لذلك كان أمامه الوقت الكافي ليراجع نفسه ، ويُطيع أمر الله تعالى ، وأنت هنا تحاول أنْ تصوّر الأمر كما يلي " الله سبحانه وتعالى خلق آدم ونفخ فيه من روحه ، ثم أخبر الملائكة ومن جملتهم إبليس وقال لهم اسجدوا له ؛ فعصى إبليس ربّه ورفض تنفيذ الأمر ، وهنا كان الرفض مفاجئًا لنا كما تقول ، لكنّه ليس مفاجئًا لمن يعُمل العقل والفكر كما تتبنى أنت هذه المقولة وتعمل بعكسها " وهذا يخالف ما أثبتناه من بالأدلة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وهذا ما خالفت أنت فيه ، حين قلت أنّ الملائكة ومن جملتهم إبليس أمروا بالسجود حال خلق سيدنا آدم عليه السلام ونفخ الروح فيه ؛ فعصى إبليس ربه .و قد سبق وأنْ قلت لك في موضوعك المعنون بـ " كن ملاكًا قبل أن تنعت الآخرين بالشيطنة " مشاركة رقم – 15 – ورابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25956&page=2 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25956&page=2)
وبالحرف ما يلي " إنّ كفر إبليس نتج – بالدرجة الأولى – عن اتهام ونسبة الجور والتصرف الذي ليس بمرضي لله سبحانه وتعالى ، ظهر ذلك من فحوى قوله " قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " ( سورة الأعراف الآية 12 ) أي أنّه ألزم نفسه بأمر رأى فيه جور وظلم وتصرف رديء وهذا وجه كفره ، وهذا الأمر إضافة لما صدر منه مسبقًا من حسد وغيرة واستكبار " هذا ما ذكرته لك حول رؤيتي لورود هذه الكلمة " ولا كفر منه ولا شرك بالله " فهل بعد الكفر ذنب ؟ وأيضًا فقد قال الله تعالى عن إبليس عندما رفض أمر السجود بأنّه كافر ؛ ألم تقرأ قوله تعالى في سورة البقرة الآية رقم – 34- " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ " وهذا يخالف ما تقوله أنت إذْ تقول " ، " فأين الخلل في أن أقول بأن الكفر لم يسبق اللعنة ، أو لم تحل بإبليس اللعنة لأنه كافر ..الخ" ألا ترى معي أنّ هناك خللًا ما في قولك ؟
كما أنّ هناك معلومة فيها مغالطة كبيرة ذكرتها أنت ، إذْ تقول في مشاركتك رقم -31- وبخصوص إبليس ما يلي " فوفقًا لما يعتقد به الأخ راضي الضميري ، فإن إبليس كان مخلصًا لله حتى لحظة رفضه السجود آدم " اهـ ، وقد جاء في قراءتي وتحت البند رقم – 2- والمعنون بـ الملائكة وإبليس وخلق آدم ، وفي النقطة " الملاحظة "رقم – 5 - وبعد أنْ ذكرت وجه الخطأ في كل ما تعلق بهذا الأمر قلت بالحرف ما يلي " وكما هو معلوم فإنّ إبليس كفر بمجرد رفضه للسجود ، ونال بناءً على فعله غضب الله عز وجل وسخطه " اهـ ، وبما أنّني كنت قد نوهت في ردي للأستاذ أبو بكر بأنْ يأخذ وقته كاملًا في الرد ، وقراءة ما كتبته ، ورغم التوضيح الذي أدرجته في مشاركتي رقم -23- وقد قلت فيه أنّني أشك أنّ الأستاذ أبو بكر قد قرأ كل ما جاء في قراءتي ، وطلبت منه أنْ يقرأ كل ما كتبته حوله ، لذلك فإنني إذْ أستغرب منّه أنْ يصرح بذلك مع وجود الدلائل التي تشير إلى أنّني قد ذكرته ، وكان عليه أنْ يضع نصب عينيه مسألة مهمة ؛ ألا وهي أنني سأقوم بمتابعة كل حرف سيكتبه ، لأنّ الأمانة تفرض علينا أنْ نذكر الحقائق كاملة ، سواء أكانت نتائجها لنا أم علينا ، وهذا الأمر أيضًا قد لفتُّ الانتباه إليه في مشاركتي رقم – 25 – وكنت واضحًا في ردي ، حيث ذكرت أنّ الأستاذ أبو بكر ذكر عني أنّني لم أدرج أدلتي بخصوص الناسخ والمنسوخ كما فعل هو ، فساوى بهذا الأمر بين إغفاله لذكر هذه المسألة وبيني ، ومن يطّلع على هذا الرد رقم -25 – سيجد بأنّني ذكرت أدلتي ، وهذا يخالف تمامً ما ذكره .
أمّا بخصوص الآيات التي ذكرتها في نهاية ردك رقم – 31- والتي تشير إلى أنّ إبليس لم يشرك بربه ؛ فاسمح لي بأنْ أقول لك بأنّ هذا الاستدلال خاطئ جملةً وتفصيلا ، إذْ تقول " فهل يفهم أو يُفسّر الأخ راضي / رفض الأمر المفاجئ بمعنى الشرك ..- إلى أنْ يصل - ولا شك أن الأخ راضي يحفظ هذه النصوص ويدرك معناها جديًا .. حيث تشير إلى أن إبليس لم يشرك بالله ولم ينكر ربوبية الله ، ويقر بعزته وعذابه الشديد .. ومع ذلك غوى وفسق عن أمر ربه " اهـ ، ثمّ يذكر آيات قرآنية تشير إلى عدم إشراك إبليس وهي في سورة الحجر آية 39 وفي سورة ص آية 82 وفي سورة الأنفال آية 48 وفي سورة الحشر آية 16 ، وعلى هذا أردُّ فأقول : أستاذ أبو بكر أنت تطالب دائمًا بأنْ تكون مصادر الإنسان اللغوية مستندة إلى فهم دلالات الألفاظ ، وتقول بأنّ القرآن هو أصدق وأنقى وأصح وأبلغ وأفصح مراجع اللغة العربية – وأتفق معك فيما تقوله - وقد ورد هذا القول في مشاركتك رقم - 18- فإذا بك تخالف كل ما تقوله ، ولا تفرق بين كلمة كفر وشرك ، ولا تعرف الفرق بينهما ، وأنّهما قد يأتيا بمعنىً واحد ؛ إذْ تقول بأنّ إبليس لم يشرك ولم ينكر ربوبيته ، بل غوى وفسق عن أمر ربه وفيما بعد كفر ، ولكن الله تعالى يقول في سورة التوبة الآيات 30 – 31 " وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) " فهنا شرك ارتكبه أهل الكتاب ووصفهم الله تعالى بذلك ، وقال تعالى أيضًا عن أهل الكتاب في سورة البينة الآية -1- " لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ " وهنا كفر من أهل الكتاب ، ولاحظ بأنّ الله تعالى لم يفرق بين من وصفهم في تلك الآية وهذه الآية من ناحية الكفر والشرك ، وهم نفس الأشخاص – أي أهل الكتاب – فلماذا لا تستخدم هذه الألفاظ بدقّة أثناء استخدامك لها والاستدلال بها ، وأيضًا قال صلى الله عليه وسلم " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " صحيح مسلم ، فما رأيك ؟ وأيضًا فإنّ الكفر قد يأتي بمعنى الشرك وهو أيضًا كلفظ أعم من الشرك ، فقد يكفر العبد بالله تعالى مطلقًا ولا يعترف بالله سبحانه وتعالى ، وقد يعترف بوجود الله تعالى لكنّه يشرك في عبادته ، فيتخذ صنمًا أو حجرًا أو معبودًا من البشر ..الخ وهو كافر أيضًا ، فهل إبليس عندما تقول عنه لم يشرك ، مع إقراره بربوبية الله لا يجعله كافرًا ، وهل تحفّظنا على قولك " .. ولا بكفر منه ولا شرك بالله " إلا من باب أنّني لم أفرق بين كلمة كافر ومشرك ، فحتى المشرك – وهو كافر - وكما أسلفنا فإنّه قد يعبد الله تعالى ويشرك معه أحدًا آخر ، فهل إبليس يعبد الله تعالى ولكنه يشرك معه إلهًا آخر ؟ حتى نقول أنّه لم يشرك بالله ، إنّ كل الصفات التي وصفها الله تعالى للكفار والمشركين كانت تنسب إلى إبليس أي الشيطان قال تعالى في سورة النساء الآية – 76- الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً " وهل يقاتل المؤمن غير الكافر والمشرك ؟

الناسخ والمنسوخ

7- بخصوص ما ذكرته حول الناسخ والمنسوخ ، فسأتحدث عن هذا الموضوع باختصار شديد لأنّني لست من أهل العلم المختصين في هذا المجال ، وإنْ كنت أعرف عنه ما أشدُّ به أزري وأعتبره دليلي للقول به ، وهو أيضًا ليس مجال تخصصي لأعبث به وأخوض في مواضيع الفقه وأصوله ، وعلوم القرآن بالرأي فقط ، ففي القرآن هناك المحكم والمتشابه وهنا الخاص والعام والمقيد .. الخ وهذا الأمر ليس بإمكان كل واحد أنْ يفتي ويقول فيه برأيه ، وأنا أؤمن بالاختصاص ؛ ولكن هذا لا يعفيني من إعمال العقل في كل ما يدور من حولي ، ولديّ دليلي الذي اقتنعت فيه بوجود الناسخ والمنسوخ ، مع الإشارة إلى أنّ هناك كثير من النّاس قد تساهلوا كثيرًا في هذا الأمر ، ونسبوا له ما ليس فيه ولا من ضمنه ، وأنا أقف في الوسط معتدلًا لا مع الإسراف وضد الإنكار ، والدليل في النهاية هو الحكم العدل ، فمن جاء بدليل يقنع فيه العقل سنقبل به ، أمّا الإنكار مطلقًا أو التساهل بشدة في هذا الأمر فهو مرفوض ، ولقد اطّلعت على بعض الآيات التي قال بعض العلماء أنّها منسوخة فلم أقتنع بها ، وقد أورد البعض دلائل عقلية تفيد بذلك ، وعليه أقول أنّ هذا الأمر ليس بالهين على كل فرد يتصدى له ، ولا يعني مجرد القول بأنّ هناك نسخ وقع فعلًا أن نطلق العنان لأفكارنا فنقول بدون علم ، ولست أفتي ولا أقول ههنا إلا بما أنا مقتنع به ، ودليلي هو من القرآن الكريم ، وما توافر من أحاديث تفيد بذلك ، وما ثبت بالعقل أنّ فيه نسخ فعلًا ، ومثاله آيتي المصابرة في سورة الأنفال ، أمّا ما لم نقتنع به ؛ فنتركه لأهل العلم فهم أولى به وبمن قاله ، ولا يعني الإنكار أيضًا أنْ يمنح المنكر نفسه علمًا فوق علم الآخرين ، ليطعن وبقسوة فيمن قال بوجود الناسخ ، ويسفّه عقله ورأيه ودليله ، وهو لا يعلم شيئًا عن علوم السنّة الشريفة ، علمًا أنّك لم تتعرض لموضوع الناسخ والمنسوخ في السنّة أيضًا ، بل تجاهلت الخوض في هذا الأمر لأنّك تعلم كما نعلم جميعًا - وكما أخبرتنا أنت بذلك – أنّك لا تملك العلم الكافي الذي يؤهلك للخوض في مثل هذه الأمور، حتى انّك لم تتعرض لتلك الآيات والأحاديث التي تحض وتأمر بإتباع سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعود لأقول أنّ النسخ لم تختلف حوله الأمّم ، ولا أنكرته أية ملة من الملل ، ومن خالف فيه هم اليهود فقط ، فأنكروا جواز وقوعه عقلًا ، وبناء عليه أنكروا وجحدوا النبوات التي جاءت بعد سيدنا موسى عليه السلام ، - ولن نخوض في تفاصيل هذا الأمر الآن - وبداية أود التعريف بالناسخ والمنسوخ ، وقد جاءت له تعريفات عدّة ، ومنها : رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه .اهـ ، ودليله من القرآن الكريم قوله تعالى في سورة البقرة آية 106 " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" . والحكمة منه هو التدرج في التشريع لهذه الأمّة ومراعاة مصالح العباد ، وامتحان يُعرف به من يقبل ومن لا يقبل بما شرع الله تعالى ، وهو يقع في نطاق الأوامر والنواهي فقط ، ولا ينسخ لا بقياس ولا بإجماع إلى آخر الشروط التي وضعت لهذا العلم . ومجموع ما اتفق على أنّه منسوخ من الآيات عدده قليل جدًا ، رغم أنّ البعض قد أسرف في هذا الأمر وبالغ فيه .
وهو على ثلاثة أنواع في القرآن الكريم مجال حديثنا وهي :
1- النوع الأول : ما نسخ حكمه و لفظه ، ودليله : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم ‏ ‏نسخن ‏ ‏بخمس معلومات فتوفي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو فيما يقرأ من القرآن " رواه مسلم ومالك والترمذي وابن ماجه والنسائي . وهذا الأمر نادر الحدوث في القرآن الكريم .
2- ما نسخ حكمه وبقيّ لفظه وهنا يقع معظم النسخ على وجه الخصوص وهو محل خلاف القائلين بالتساهل والمتشددين في ضبطه ودليله : قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) " ( سورة الأنفال الآيات 65-66 ) .
3- ما نسخ لفظه وبقيّ حكمه كآية الرجم ، ودليله : ودليله : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إنّ الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب . فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ، ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ، وقد قرأتها " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم " رواه البخاري ومسلم . وهذا نادر الحدوث في القرآن الكريم .
هذا هو دليلنا على وجود الناسخ والمنسوخ ، نقول به بعد أنْ قرأنا لأهل العلم واقتنعنا بما قرأناه .
أمّا بخصوص ما كتبه الأستاذ أبو بكر حول هذا الموضوع ؛ فإننا نجد أنّه قد تطرق لعدّة نقاط حملت في مضمونها رؤيته للدين بشكل عام وكيفية التعامل معه ، وهذه النقاط هي :
1- إنّ فهم مقاصد شرع الله محصور في كتاب الله فقط ، وهو متاح لجلّ المسلمين .
2- التأكيد على عدم صحة نسبة الأحاديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب التحريف والتزوير الذي نزل بساحتها بعكس كتاب الله تعالى .
3- اعتماده على اللغة في تعريف مدلول لفظ " آية " ومن ثمّ على قوله تعالى " على كل شيء قدير " و التي وردت في سورة البقرة آية رقم – 106 - في كل ما ذكره واعتباره حجّة ودليلًا عقليًا .
وردّي على كل ما سبق ذكره هو الآتي :
1- بخصوص النقطة الأولى : أي أنّ كتاب الله تعالى هو المصدر الوحيد للتشريع هو مخالف تمامًا للعقيدة الإسلامية ، - وقد سبق وأنْ ذكرت ذلك مرارًا – فبدون السنّة لا يبقى دين إسلامي ولا تشريع ، وكتاب الله تعالى نجد فيه كل ما يخص هذا الدين وفي كل المجالات التشريعية ، ولكن توضيح ماهية هذه التشريعات وحدودها وتفصيلاتها لا نجدها إلا في السنّة النبوية الصحيحة والثابتة ، وهذا الكلام عليه إجماع الأمّة كلها ، ولا أعلم أحدًا أنكر هذا الأمر إلا أولئك الذين يسمون أنفسهم بالقرآنيين أو العقلانيين وهم قلّة ، وهم إنّما يعتمدون على تفضيل العقل على النصّ الديني وإعمال الرأي فيه . وهذا ما يسمونه بالفكر – وأصحابه بالمفكّرين - ، وبغياب السنّة وتغييبها فإن العقل هو سيد الموقف ، وكأنّ من كان قبلنا لا يملك عقلًا ولا فهمًا ، وخلاصة هذا الأمر كما أراه ؛ هو أنّ هناك حزمة من التشريعات موجودة في السنّة لا يقبل بها كل من ينادي بذلك . وقد بيّنت في قراءتي وبدليل من القرآن الكريم أنّ إتباع السنّة هو واجب على كل مسلم ، وبأنّ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو تشريع وملزم لكل المسلمين ، وهذه الأدلة لم يرد عليها الأستاذ أبو بكر ، ولم يتعرض لها لا من قريب ولا من بعيد .
2- بخصوص الأحاديث النبوية والقول بأنّ التزوير والتحريف قد طالها ، فهذا الأمر قد أجبت عليه وفي أكثر من مكان ، وأعيد وأكرر بأنّ هذا الأمر ليس صحيحًا أنْ نعمّمه على كل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو ليس حجّة لكي نستدل بها ونغض الطرف عنها حيث نتحدث عن أي موضوع – بما فيه الناسخ والمنسوخ – لأنّ القائل به لا يملك لا علمًا ولا دليلًا بالسنّة النبوية الشريفة وباعترافه هو بنفسه ، ولاحظ أنّك تفقد السيطرة على نفسك أحيانًا فتطلق أحكامًا لا تتناسب ودعوتك للحوار الفكري ، فأنت تقول بما لا تعلم ، لأنّك تنفي وجود السنّة الصحيحة والثابتة وتجعلها محل تشكيك مطلق ولا تنادي بالعمل بها مع عدم دراستك لها ، وهذا واضح في كل ردودك حين يتعلق الأمر بوجوب العمل بالسنّة ، حتى أنّك لم تتطرق إلى الآيات القرآنية التي تطالب بوجوب العمل بالسنّة حين ذكرت وجوب العمل بها في قراءتي السابقة ، وهذا يعود لكونك تعتبر أنّ من جمع السنّة هم بشر؛ وقد قمت بالتشكيك بنزاهتهم واتهمتهم بأنّهم تعاملوا مع جمع السنة طبقًا لأهوائهم وأمزجتهم ، ومجرد تصريحك بهذا الأمر وحتى لو كنت محقًا في مسألة ما – وهذا ما لم نلمسه في كل ما رددت به – فإن طرحك هذا قد لا يعفيك من مسئوليتك تجاه نفسك والآخرين حين تقول هذا القول ، لأنّك تتحدث عن سنّة نبينا التي أجمع عليها كل أهل العلم – أي على الصحيح الثابت منها- .
3- أمّا ما جاء في ردك واعتمادك على لفظ " آية " فقد جاء في المعجم الوسيط ما يلي : الآية : العلامة والأمارة والعبرة ، قال تعالى " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " والمعجزة قال تعالى " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " ومن القرآن جملة أو جمل أثر الوقف في نهايتها غالبًا ، وفي التنزيل العزيز " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر " وفي لسان العرب لابن منظور جاء فيها" والآية : العلامة ، والآية العبرة ، ومنها الآية في التنزيل ومن آيات القرآن العزيز ؛ قال أبو بكر : سميت الآية آية لأنها علامة لانقطاع كلام من كلام . ويقال سميت الآية آية لأنها جماعة من حروف القرآن . وآيات الله عجائبه . وقال ابن حمزة : الآية من القرآن كأنها العلامة التي يُفْضَى منها إلى غيرها كأعلام الطريق المنصوبة للهداية كما قال : إذا مضى علمٌ منها بدا عَلَم ." وهكذا إلى آخره " اهـ ، والمقصود هنا أنّ الآية قد تكون علامة أو عبرة أو أمارة ، أو أية آية في كتاب الله ولو لم يكن فيها معجزة حسيّة وخارقة واضحة للعيان ، ومن هنا أقول " آية " عندما أريد أن أعبر عن كلام الله تعالى ، والدليل : قال تعالى " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ( سورة البقرة آية 106) وعليه فعندي الآية هي كل ما في كتاب الله تعالى من القرآن ، ومنها قد يكون مخصوصًا بعلامة أو بعبرة أو بأمارة ، أو غير ذلك ، وعندما نقرأ كتاب الله تعالى فإنّنا نجد ذكر كل ما تفضل به الأستاذ أبو بكر من العلامات والأمارات والعبر ، وأيضًا نجد غير ذلك ، قال تعالى " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ "سورة آل عمران آية 7) وهذه الآيات المحكمات والمتشابهات والتي قد يؤوّلها الإنسان أليست كلام الله تعالى ، أليست هناك آيات واضحة الدلالة نفهمها بمجرد قراءتها ؛ بينما هناك آيات أخرى نحتاج لذوي العلم والاختصاص لمعرفة المقصود ، أليس الله تعالى هو وحده أعلم بالمراد منها ويعلم تأويلها ، وقال تعالى أيضًا " وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (سورة آل عمران آية 101) ، وقال تعالى " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ "( سورة الأنفال آية 2 ) ، وقال تعالى " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ " ( سورة الأنفال آية 31 ) فهنا آيات القرآن الكريم يقول عنها الكافرين أننا سمعنا بهذا من قبل ولو نشاء لقلنا مثل ذلك ، بينما لم يقولوا عن المعجزات الحسيّة الخارقة لو شئنا لجئنا بمثل ذلك ، وقال تعالى " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " ( سورة لقمان آية 7 ) فآيات القرآن تتلى على هذا الكافر لكنه يولي مستكبرًا رافضًا الإصغاء ، كأنّه لم يسمع شيئًا ، كأنّ في أذنيه صممًا . وقال تعالى " لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) " ( سورة آل عمران الآيات 113-114 ) ، وهنا من أسلم من أهل الكتاب فهم يقرؤون القرآن الكريم ويتلونه قائمين بالليل ، ومنها أيضًا قوله تعالى " وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ " ( سورة النحل آية 101) ؛ والآيات في هذا الباب كثيرة جدًا ، وما أريد أن أقوله هو أنّ لفظ آية لا يعني فقط الأمارة والعلامة والعبرة فقط ، لذلك فإنّ اعتمادك على اللغة فقط لا يقنعني في شيء ، لأنّ آية النسخ في سورة البقرة رقم 106 واضحة وتقول " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ، وأما قولك عن ورود قوله تعالى " على كل شيء قدير" من أنّها تأتي ليصف مخلوقات مادية خارقة إذْ تقول في ردك رقم – 32- " فإذا عرفنا من القرآن أنه حيثما كان اختتام النص القرآني بـ ( على كل شيء قدير ) كان النصّ يذكر أو يصف مخلوقات مادية عظيمة أو ظواهر طبيعية أو معجزات حسيّة خارقة أو أفعال عظيمة قياسًا لما يتحمله الإنسان أو بألفه فإن ذلك سيرسل إشارة تستوجب التوقف عندها !! " اهـ ..الخ فهنا خلط واضح لم تنتبه إليه ، فالله تعالى على كل شيء قدير وهذه صفة أزليه له سبحانه وتعالى ، وهذه الصفة ليست مربوطة بمعجزة حسيّة أو غيرها ، لأنّها وردت في القرآن الكريم لتدل على قدرته سبحانه وتعالى في كل الأمور ، قال تعالى " وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( سورة الحشر آية 6 ) وهذا يثبت الخلط الذي وقعت فيه ؛ فالله تعالى على كل شيء قدير وفي كافة الأمور دونما تفريق او حصر لأمر بعينه دون غيره ، وسأدرج لك آيات قرآنية أخرى تؤكد ما أقوله ، قال تعالى " وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) "( سورة الفتح الآيات 20-21 ) وقال تعالى " وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) "( سورة الأحزاب الآيات 26-27) وقال تعالى " وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) "( سورة هود الآيات 3-4 ) وهذا وصف عام لقدرته عز وجل ، وهو يؤكد ما قلناه من أنّ قدرته ليست محصورة في آية معينة ولا في وصف معين ، وقال تعالى " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "( سورة الأنفال آية 41) ، وقال تعالى " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ( سورة آل عمران آية 165 ) ، ولا أعرف حقيقة من أين جاءتك تلك الفكرة التي تدور حول " على كل شيء قدير " لتربطها بآية النسخ وتعمّمها على كل الآيات ، ومن ثمّ تنبهنا إلى مثل هذا الربط وكأنّنا لم نعرفه من قبل ، وأحب هنا أنْ ألفت انتباهك إلى أمر – قد يزعجك- وهو أنّك أستاذ أبو بكر تقول عنّا بأنّنا نتبع النقل وآراء الآخرين ، وقد غضبت لأنّني عقدت مقارنة بينك وبين الدكتور عبد الصبور في موضوع مراحل خلق سيدنا آدم عليه السلام ، مع أنّ هذا الأمر عادي جدًا ، لذلك أتساءل هنا : لماذا تبيح لنفسك ربط أفكار الآخرين بغيرهم وتقول عنهم بأنّهم تابعين وليس لديهم ما يقولونه إلا من خلال غيرهم ؛ وترفض حتى مجرد عقد مقارنة بين أفكارك وبين أفكار من كتب حول نفس الموضوع ؟ لماذا تقول عن أفكارنا بأنّها تابعة ومقلدة للنقل ومن أنّنا لا نُعمل العقل في أمورنا الدينية والفكرية وغيرها ، في حين أنّنا عندما نحاول أنْ نعقد مقارنة بين ما تقوله وما قاله الآخرين من قبلك تعتبره اتهام لك بسرقة أفكار الآخرين أو تقليدهم إلى غير ذلك من الأمور ، وبناءً على ما تقدم فإنّني أقول لك أستاذ أبو بكر إنّ هذا الموضوع المتعلق بالناسخ والمنسوخ قد تكلم فيه أنّاس كثر ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور محمد عابد الجابري ، ولن أحيلك لا أنت ولا الأخوة والأخوات المتابعين لنا إلى كل كتبه ؛ بل سأضع هنا عناوين لأربع مقالات كتبها في جريدة الإتحاد الإماراتية وهي تدور حول موضوع الناسخ والمنسوخ ، وقد ذكر فيها كل ما ذكرته أنت ، وذكر أيضًا دليله على عدم النسخ حين ربطها بأنها ختمت بـ " على كل شيء قدير " لكنه لم يتوسع في ذكر آيات أخرى ورد فيها " على كل شيء قدير " للتدليل على رأيه كما فعلت أنت لأنّ هذا الأمر لا يساعد على إثبات تلك القضية محور النقاش ، والمقالات هي :
1- المقال الأول " موضوع النسخ ... فضاء للخلاف بامتياز " بتاريخ 29/5/2007 ، وقد تلكم فيه عن النسخ وبدأا بإبراز أدلته فيها .
2- المقال الثاني " وقوع النسخ ... انعدام الدليل القرآني " بتاريخ 12/6/2007 . وفي هذا المقال يتساءل عن كلمة آية ومن أين جاء بها من يقول بوجودها في القرآن ، فيقول أنّ الآية " اختلف اللغويون في تحديد معنى الأصل اللغوي لكلمة آية : هل هي على وزن فعْلَة ، أم أيَيَة على وزن فَعَلَة ، أم أوَبَة ، أم إن أصلها على وزن فاعلة ، وهم جميعًا متفقون على أن معناها : العلامة والعبرة والمعجزة . هذا عن المعنى اللغوي ... الخ " اهـ . ويذكر في هذا المقال أيضًا بأنّ الله تعالى لم يذكر لفظ آية بمعنى آية كما نفهما أو فهمتها أنا ، لكنه أشار بوضوح إلى وجود لفظ " السورة " وضرب مثلًا على ذلك إذ يقول " وليس في القرآن قط ذكر لما اصطلح على تسميته "آية " بمعنى " قطعة من القرآن " وذلك على خلاف لفظ " السورة " الذي ورد في القرآن مفردًا، " قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ" ( يونس 38 ) وجمعًا " قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ " (هود 13 ) أما لفظ آ" آية" الذي تكرر فيه كثيرًا بمعنى العلامة والحجة والمعجزة ... الخ ، فلم يرد قط بالمعنى الاصطلاحي "آية من القرآن " لا مفردًا ولا جمعًا ." اهـ .
3- المقال الثالث " آية النسخ ... قراءة في المنطوق والسياق " بتاريخ 26/6/2007 . وفي هذا المقال ذكر ما يلي " لعل أهم حجة يستند إليها القائلون بوجود النسخ في القرآن هي الآية التالية ، وهي الثالثة من الآيات الأربع التي بدأنا في شرحها في المقال السابق ، يقول تعالى .. الخ " اهـ ، ثمّ يذكر آية البقرة رقم 106، و أمّا عن موضوع القدرة و" على كل شيء قدير " إذْ يقول " ونعود إلى تتمة آية " ما ننسخ " – المقصود آية البقرة رقم 106 – وهو قوله تعالى : " أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ " ( البقرة 106-107 ) لتشير إلى ربط عملية النسخ بقدرة الله تعالى .. الخ " اهـ .
4- المقال الرابع " أحكام القرآن وقضايا الحياة ... الثابت والمتغير " بتاريخ 3/7/2007 .
وكما ترى أستاذ أبو بكر ، فنحن لا نتهمك في شيء ؛ ولكن نقول أنّ الأفكار موجودة دائمًا ، قد لا نعلم بها أحيانًا ، لكن هذا لا ينفي وجودها ، وعدم علمنا بالشيء لا ينفي وجوده ، هذا ما أردت أنْ أقوله لك من خلال هذا المثال الذي أوردته عن الحاج المفتي " محمد عابد الجابري " .
أمّا بخصوص ما قلته حول الآيات 65 و 66 إذْ تقول في مشاركتك رقم – 32- " أن الأمر يرجع لتقدير ولي الأمر والقائد الميداني للمعركة اللذين ينبغي فيهما الكفاءة والأمانة لتنفيذ أمر الله ، بعد أن أعطانا الله الحدين الأعلى والأدنى لمقدرة المؤمنين على قتال الكفار ، وذلك حسب إيمانهم واستعداداتهم العسكرية " اهـ ، وعليه أردُ فأقول : هذا يعني أستاذ أبو بكر أنّ القائد أو وليّ الأمر لو قرر الصمود في المعركة وانتصر ، فهذا سيخالف المشيئة الإلهية أليس هذا ما قررته أنت في معرض حديثك عن تأويل هذه الآيات ؟ وأيضًا فمحور حديثنا هنا يدور حول النسب ، ففي الأولى كانت 10:1 وفي الثانية كانت 2:1 ، وهذا يعني أنّ المسلم لو فر من المعركة حسب النسبة الأولى فهو معذور شرعًا ، وغير محاسب ؛ أي أسقط عنه الحكم في حالة الفرار ، وأمّا في النسبة الثانية فهو مطالب بالصمود ولا ينبغي له أنْ يفر من أرض المعركة ، وهذا نسخ واضح لحكم النسبة الأولى .

راضي الضميري
26-01-2009, 09:48 PM
تفسير الآية 16 في سورة الإسراء
1- أمّا بخصوص ما ذكرته حول تفسير الآية رقم – 16- في سورة الإسراء إذ تقول في ردك رقم - 33- أنّه لم يكن هناك من موجب لانتقادك إضافة لأمور أخرى تتعلق بالحسد أو البغض والذي لا علاقة له به فيما نقوله ، وتقول أيضًا " وحيث أنني قلت عن أهل القرية إنهم يظهرون الإيمان ، وفي هذا ما يوجب وصول رسالة الله لهم عن طريق الرسول .. وإلا فكيف عرفوا الإيمان الذي يتظاهرون به . فهل نتحدث عن أناس يظهرون الإيمان ولم يأتهم رسول . وهل نفيت أنا أن يكون قد جاء لأهل تلك القرية رسول ! أم أنني أثبته حكمًا بإظهارهم للإيمان . " اهـ ، ، وحول هذا الموضوع أقول ما يلي : أنت في تفسيرك ذكرت ما يلي " سأل أحد الزملاء عن تفسير آية قرآنية .. الإسراء 16 فأجبته بما ألهمني الله سبحانه وتعالى ، .. بما يتطابق تمامًا مع النسق العام للقرآن ، ومقتضيات الإيمان – وفق عقيدة الإسلام ، وبما يتطابق مع العقل والمنطق ، واستدللت بآية من القرآن ، ولكني لم أستدل بآراء السابقين ، فأنا لا أؤمن بان الأمر الذي يتعلق بأولويات وبديهيات الإيمان واللغة والعقل والمنطق .. يحتاج في شرحه وفهمه إلى سندِ من النقل " من موضوع أبو بكر (الفكر يزور العقل في سجون النقل أبو بكر ( فكيف فسر الآية ؟ يقول .. " إن القرية استحقت غضب الله وعقابه بأفعال أهلها ، ولكن أفعالهم ومعاصيهم غير معلومة – أي ليست منظورة لمن حولهم – فهم يظهرون للناس الإيمان – خلاف ما يعملون حقيقة ، ..وبالتالي فلو أن الله سبحانه وتعالى دمر هذه القرية بسبب أفعال أهلها – المستترة – التي لا يراها ولا يعلمها الآخرون ، فإن في ذلك ما يربك المؤمنون من حولهم ! لأنهم سيتوقعون ذات المصير دون معرفة السبب !.ولذلك فإن الله سبحانه و تعالى ، يُيسّر الطريق للمترفين من أهل تلك القرية ، لتولي السلطة والقرار فيها ، وهم سيفسقون فيها - والفسق هو الخروج عن أمر الله بإظهار المعصية والمجاهرة بها ( كما قال عن إبليس .. ففسق عن أمر ربه ) وحينها ستكون معاصيهم ظاهرة لمن حولهم من المؤمنين ، وسيتوقعون لهم سوء العاقبة ، ولن يتفاجأوا بتدميرها .وسيفرح المؤمنون بإيمانهم ويتمسكون بصالح الأعمال ،.. حيث سيدركون أن ذلك هو ما أنقذهم من مصير تلك القرية !. ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) هود 117" من موضوع أنس إبراهيم " هل قدر لنا سنفعل خطأ أم صواب وكيف سنحاسب عليه " رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=29722&page=3 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=29722&page=3) مشاركة رقم – 30 - ، ووجه اعتراضي على هذا التفسير كان يدور حول استشهادك بالآية الكريمة في سورة هود – 117 – وقلت بأنّ هذه السورة لو قرأت ما قبلها لوجدتها تتحدث عن الأنبياء عليهم السلام والأقوام التي بعثوا إليها ، وما جرى معهم ، وقلت بأنّ الله سبحانه وتعالى قد دمر تلك القرى بسبب عصيانهم وكفرهم ومعارضتهم لشرع الله تعالى وعدم إتباع أنبيائهم ، فأهلك الله سبحانه وتعالى تلك القرى ، ولم يكن فيها أي مؤمن ، بل إنّ المؤمنين التحقوا بأنبيائهم قبل موعد الهلاك مباشرة ، وفي تفسيرك ذكرت تلك الآية فقلت لك لماذا لم تذكر الأنبياء ؟ والسبب الذي دعاني لقول ذلك هو أنّك استشهدت بتلك الآية ولم ترجع لأقوال الآخرين وتفسيراتهم ، وفيها ما يخالف تفسيرك جملة وتفصلا ، لماذا ؟ لأنّك في تفسيرك زعمت بأنّ هناك عصاة يتظاهرون بالإيمان ، فلو أهلكهم الله تعالى لتسبّب ذلك في إرباك ً المؤمنين من حولهم ، ثمّ قلت بأنّ الله تعالى يُيسر الطريق للمترفين ...الخ لتصل إلى القول .. ثمّ يهلك الفاسقين والمترفين ، ويتمسك المؤمنين بصالح الأعمال ، والسؤال الذي يطرح نفسه: بما أنّه لم يكن هناك نبي في تلك القرية ، فكيف تجزم بأنّ الله تعالى سيهلك فقط الكافرين وينجّي المؤمنين في تلك القرية ؟ هل القرية ستقع على رؤوس الكافرين دون المؤمنين ؟ فلو كان هناك نبي في القرية لقلنا بأنّ المؤمن سيلتحق بنبيه كما حصل في سورة هود ومع تلك القرى ، لكن عدم وجود النبي يستدعي عند كثرة الخبث و انتشار الفساد أنْ تهلك القرية بمن فيها بإرادة الله تعالى ، ودليلي على ذلك الحديث الذي ذكرته لك والذي يقول " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث ، وهذا يعني أن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع ، والله أعلم " (حديث متفق عليه ، وأيضًا حديث عن أبو موسى الأشعري رضيّ الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم " إنّ الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثمّ قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "( حديث متفق عليه ) . وكما نلاحظ في تفسيرك فأنت أهلكت الكافر و أنجيت المؤمن وبأسلوب عجيب فعلًا ، وهذا ما اعترضنا عليه حين استشهدت بتلك الآية وبكل ما جاء في تفسيرك . والجدير بالذكر أنّ السائل – من طرح السؤال - ردّ عليك في نفس الموضوع فقال في مشاركته رقم – 37 - " أستاذي القدير أبو بكر ما قلته يطابق الفكر والعقل نعم ولكن ما قلته ليس له دليل من القرآن أو السنة ، نستطيع أن نصفه بالافتراض " اهـ ، أمّا الأخ الذي ردّ عليك وأعجبه هذا التفسير ، فأنا أحترم وجهة نظره ، وأقدرها ، لكن ما لم يُشر إليه الأخ الكريم - جلال صقر - هو أنّك فرقت في تفسيرك في هلاك القرية بين المؤمنين والعاصين ، فأهلكت العاصين و أنجيت المؤمنين ، ، ورد الأخ جلال صقر والذي أعجبه تفسيرك – مع تقديرنا له – يؤكد ما أقوله حين ذكر ما قاله سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن ، في حين أنّك لم تذكر لا وجود نبي ولا غيره ، بل ارتبط هلاك القرية بالمعاصي والذنوب ، فكان الهلاك لأصحاب المعاصي والذنوب ، في حين نجا المؤمنون من الهلاك .
أبرهة وهدم الكعبة وسورة الفيل

2- أمّا بخصوص أبرهة الحبشي فأنت تقول في ردك رقم – 33- بعد أنْ ذكرت موضوع الأفيال والحجارة والطير الأبابيل ..الخ ما يلي " أمّا عن قولك بتطور القوة ، وتعاظم قوة العدو اليوم وفي كل عصر ، فليس هذا محله " اهـ ، فإذا لم يكن هذا محله على حدّ تعبيرك ، فلماذا ذكرت مثالك ؛ وهنا أحب أنْ أذكرك بمثالك مرة أخرى ، لأقول لك أنّك ابتعدت في مثالك عن الصواب إذْ تقول للنقل بشكل عام – وكلمة النقل هنا لا تحتاج إلى تفسير - حين اتهمته بالتخلف والجهل ما يلي " سأضرب لك مثالين ..أولاً الآية .. قصة أبرهة الحبشي – التي وردت في القرآن الكريم ، والفيل الذي أراد استعماله لهدم الكعبة فطالبت قريش بإبلها ، وتخلت أو عجزت عن الدفاع عن مكة .. ألا يختلف تأثير هذه الآية في تلك الحقبة – عنه اليوم ! حيث إن الناس في ذلك العصر كانوا حديثي عهد بقصة أبرهة ، ويذكرونها جيدًا . والأهم من ذلك أن الفيلة كانت مخيفة وغريبة في ذلك العصر ، ولم تعد كذلك اليوم . إذ يستطيع اليوم أبو طالب – سعودي واحد ، أن يدافع عن الكعبة ، ويهزم ألف جندي مع ألفٍ من فيلة أبرهة – برشاشه العصري ، دون أن يتخلى عن آبار نفطه ! " اهـ ( من موضوع أبو بكر " الفكر يزور العقل في سجون النقل " رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31628 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=31628)
هذا ما قلته حرفيًا . وهذا ما اعترضت عليه ، وقلت أنّه مثال لا يصحّ الاستشهاد به ، لأنّك أولًا : لم تذكر السياق التاريخي الصحيح لهذه القصة ، وثانيًا : اعتبرت بأنّ الآية التي هي سورة الفيل لها خصوصية في زمن معين ، وثالثًا : منحت التطور المادي – أي السلاح لساكن مكة – المدافع عنها ، وأبقيت المهاجم على حاله – بدون أي تطور – وهنا وجه الخطأ في مثالك ، وخلاصة ما قلته سأنقله لك حرفيًا كما ورد في قراءتي إذْ قلت " : إنّ هذه القصة لها تأثيرها والى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها ، ولو أكمل الأستاذ أبو بكر السياق التاريخي لقصة أبرهة لكان ذكر إضافة إلى أنّ قريش لم تستطع أن تدافع عن الكعبة ، - لا أو تخلت - فكما هو معلوم فهناك من العرب من تصدى لجيش أبرهة أثناء قدومه لهدم الكعبة فهزمهم بسبب تفوقه العسكري ، وأيضًا لذكر أنّ قريش لم تطالب بإبلها ، بل الذي طالب بإبله هو عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والشاهد هنا أنّ عبد المطلب قال لأبرهة إنّ بعض رجاله ساقوا إبله وهو ربها وهو يريدها ، أمّا – عن الكعبة – فقال : للبيت ربٌ يحميه ، وهذا ما لم يذكره ، وعندما ساق الدليل - الذي يظنّه محرجًا للنقل كما أراد أنْ يوضح من هذه المقارنة – ذكر التطور المادي لساكن تلك المنطقة - أي مكة والكعبة – ولكنه لم يذكر التطور المادي الذي طرأ أيضًا على قوة العدو الذي قد يأتي لهدم الكعبة ، فالتطور حاصل للجميع ، ولو أراد احد ما الآن – بصرف النظر عمن يكون - أنْ يهدم الكعبة أي أنّه قصدها بعيّنها – لا أنْ يدمر العرب كما حصل مع أبرهة الحبشي - وأراد أنْ يستعمل القوة النووية ، أو لنقل الطائرات الحديثة والتي لا يكتشفها الرادار؛ وبأسلحة عادية قنابل أو صواريخ موجهة ، فماذا سيفعل النّاس أمام هذا الأمر ؟ هل يستطيعون أنْ يمنعوا ذلك ؟ قد يقول قائل هذا المثال لا يصح لأنّ هناك قوانين وأعراف دولية ، والجواب : متى كان هناك أي قيمة أو اعتبار لكل ما سبق ذكره ؟ والشاهد هنا : هذه قوة متطورة أمام قوة أقل تطورًا ، وهنا لو حصل هذا الأمر فلن نستطيع منعه وسنقول أنّ للبيت ربٌ يحميه ، والسؤال الذي يطرح نفسه على العقل المنطقي : كيف نستشهد بمثال ناقص الأركان ، فأركان المثال كانت جيش أبرهة + رماح وسيوف + فيلة ؛ أمّا العرب بدون جيش منظم + خيلهم + سيوف ونبال ورماح ، وحتى يكتمل المثال فيجب أنْ نضع في المقابل القوى التي هي موجودة الآن أمام من يريد أنْ يهدم الكعبة- وذكر القوة التي طرأت عليه أيضًا - ونقارن بين قوته وقوة المدافع ومنْ بعدها نحكم على المثال الذي أغفل منه أهم جزء وهو للبيت ربٌ يحميه ، فأبرهة لم يأتي لاستئصال العرب ، بل أراد هدم الكعبة لكي يصرف العرب عنها إلى كعبته التي بناها في اليمن ؛ فالأمر هو بين الله وبين أبرهة وهذا ما صرح به أبرهة – أي خلوا بيني وبين الكعبة - ولو كان الأمر غير ذلك لعاتب الله سبحانه وتعالى العرب عنْ عدم دفاعهم عنْ بيته الحرام ، ولكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، و بدلًا من ذلك أنزل قرآنًا يتلى إلى يوم الدين ؛ فقال تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم " أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) " سورة الفيل .

بخصوص وصف الأمّة الإسلامية بالنفاق والجهل والكفر

8- أمّا بخصوص ما ذكرته عن عدم وصفك لأمّة بأكملها بالنفاق وبالكفر والجهل ، فسوف أعيد ما قلته أنت ونترك الحكم للقارئ الكريم ، ففي نصّك " الفكر يزور العقل في سجون النقل " كان هذا النصّ يتحدث عن الفكر الذي زار العقل في سجون النقل – ومن يقول بذلك فهذا يعني حكمًا أنّه قد أحكم قبضته على كل ما يحيط بهذا النقل مع العلم أنّه ينفي دراسته وعلمه بالسنّة والتي هي أهم ما في النقل - ، وكان يتحدث عن النقل بشكل عام ، وفيه وصفت النقل بالتخلف والجهل إذْ قلت من ضمن ما ورد فيه و عندما حاول النقل أن يستند إلى المنطق قلت له " عفوًا ، ليس من حقك الاستناد إلى المنطق ! فلو كنت تعترف بالمنطق لما اختلفنا ! وأنت تعلم بأن المنطق هو أخ العقل ، وبذلك فأنا أولى به ! " اهـ ؛ هذا بالإضافة إلى أمور أخرى سفّهت فيها النقل بشكل عام ، ثمّ ختمت مقالك بآيتين سأذكرها لك مع تعليقي عليها كما ورد في قراءتي وهو كما يلي " - في محاكمته للنقل في النصّ المذكور سابقًا ، ختمه بآيات كريمة منها الآية التي تقول " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" (البقرة آية 44) وهذه الآية ربما نسيّ – أو لا يعلم - الأستاذ أبو بكر أنّها نزلت في يهود المدينة الذين كانوا يقولون لأصهارهم ولقرابتهم و لإخوانهم في الرضاعة أنْ يثبتوا على دينهم ، وأنّ هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو دين الحق ، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة والتي يذكّرهم فيها بأنّ عندهم التوراة وفيها صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فهم يأمرون غيرهم بإتباع الدين وينسون أنفسهم ، وهذه الآية إذا أردنا أنْ نستدل بها ، فإنّها تنطبق على منْ يحمل القرآن ويطالب النّاس بإتباع الدين ولا يتَّبع هو ما ينادي به ، أمّا أنْ نقول عن النقل والسلف هذا القول وبهذا التعميم فهذا لا يجوز ، وأمّا الآية الأخرى فهي " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ " ( سورة الأنفال الآية 22) فهذه الآية عند أهل التفسير والتأويل على ثلاثة معان ؛ منها أنّها نزلت في المشركين ، ومنها في المنافقين ، ومنها في الذين لا يتّبعون الحق ، فإنْ كان هناك من اعتراض على النقل – والاعتراضات موجودة وتستحق النقد فعلًا - فيجب على منْ ينقده أنْ يأتي ببديل ينهض بهذه الأمة ، ويحدد أبرز معالم هذه الأخطاء لا نقول كلها – لأنّ فردًا واحدًا لا يستطيع أنْ يقوم بهذه المهمة لوحده - ويأتي ببديل لها ، ويكون هذا البديل من الكتاب والسنّة ؛ مصدر التشريع الأساسي لهذه الأمة ، أمّا الاستشهاد بآيات والنقد المتواصل ومنح أفضلية مطلقة للعقل على حساب النقل ، وكأن المتكلم قد أحكم قبضته على العلم والمعرفة وما يقوله هو الصواب بعينه ؛ فهذا فيه مبالغة كبيرة جدًا ، وكأنّ أصحاب هذا النقل لا يملكون عقلًا ولا فهمًا؛ لذلك شبّهوا بهذا الوصف كما في الآية الكريمة ، وهذا غير منصف فعلًا ، و أيضًا لا يجدي نفعًا" اهـ ، ثمّ ذكرت آية أخرى وصفتهم فيها بالنفاق والكفر على ما تحتمله تلك الآية من معاني إذ قلت معلقًا على قولك في قراءتي وبالحرف ما يلي " - جاء أيضًا في معرض كلام الأستاذ أبو بكر عنْ حال الأمة وأنّ البعض يتكلم عنها ويستشف من كلامه أسفه العميق وحزنه عليها .. الخ إلى أنْ يصل إلى " وكأنهم يعتقدون الأمة بمجموعها كانت في يوم من الأيام شعوبًا وحكامًا – ملائكة عربية إسلامية – لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .. الأمر الذي لم يكن يومًا من الأيام معاشًا على الأرض ..حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم . وإنما نحن أمة كغيرنا من الأمم البشرية منا الملتزم ومنا المنحرف ، منا الصادق ومنا الكاذب .. إلى ما شاء الله ، ثمّ يذكر الآية الكريمة " فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " التوبة آية 77 " اهـ - أبو بكر سليمان الزوي " حبذا القسط مع الأعداء ..ولا حبذا الإفراط في نصح الأصدقاء " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25535 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25535)
هذه الآية الكريمة التي استشهد بها نزلت في فقراء المنافقين الذين قطعوا العهود على أنفسهم بأنْ لو أعطاهم الله من فضله لأنفقوا وتصدقوا ، فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا ولم يتصدقوا وتولوا معرضين عن الإسلام ، ولو أنّ الأستاذ أبو بكر قرأ الآيات التي سبقتها لوجد ما يلي " وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)" التوبة ( الآيات 75-76-77 ) فهذه الآيات خاصة بكل من كان منافقًا خالص النفاق وسأل الله تعالى ؛ فلما أعطاه الله بخل وأعرض عن الإسلام ، فهل الأمّة كلها كذلك حتى نستشهد بآية كريمة نزلت لتحدد حدثًا معينًا، طبعًا الأمر ليس كذلك ، بل إنّها مخصوصة بالمنافقين خالصي النفاق ، ومن هم على شاكلتهم وما أكثرهم هذه الأيام ، وحالهم لا يختلف عمن سبقهم ، وهم بنفس صفاتهم ، والتعميم هنا لا يصحّ أنْ يذكّر بخطاب عام على الأمّة ، كما أنّ النفاق منه ما هو في القلب فهو كفر ، ومنه ما هو في الأعمال فهو معصية ؛ وهذا ما يؤكده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " (رواه البخاري وغيره ) وكما ترى فأنا لم أأتي بشيء من عندي ، بل هو ما قلته أنت وبالحرف ، ووجه اعتراضنا هنا أنه لا يجوز لأحد وصف أمّة بأكملها بهذا الشكل ، وبهذا التعميم .
بخصوص آيتي المصابرة في سورة الأنفال 65-66

9- أمّا ردك حول موضوع قتال المسلمين لأعدائهم وما ذكرته من تبريرات فيبدو أنّك لم تقرأ ما كتبته بدقّة ، ولم تنتبه إلى سبب اعتراضي على هذا الموضوع ، فأنت ذكرت بالحرف ما يلي " في الآية الثانية – أي الأنفال 66 - تغيرت النسبة المطلوبة لنصر – تقاربًا – فأصبحت 2:1 ، والتعليل حسب الآية الكريمة هو ضعف المؤمنين .وعلى الرغم منْ انّ النصر لا يتم إلا بإذن وتوفيق الله ، إلا أنّ الله اشترط على المؤمنين هذه النسبة المتقاربة .. لماذا !. لأنه لو انتصر المؤمنون رغم ضعفهم - الذي قد يكون من ناحية الإيمان أو من ناحية العدة والعتاد أو من الناحية البدنية – لو انتصروا حسب النسبة السابقة (10:1) لتحول الأمر إلى معجزة خارقة للناموس البشري ، ولآمن أو جُنّ على إثرها من في الأرض كلهم جميعًا . وهذا ما لم تأذن به المشيئة الإلهية " - أبو بكر سليمان الزوي " فلسطين تاريخ الحاضر ..والعراق تاريخ المستقبل ورابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=23925 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=23925) ووجه الاعتراض هنا هو أنّك قد جزمت بأمر لا يعلمه إلا الله ، وبدا ذلك جليًا في فحوى قولك عن النصر في حالة حصوله حسب النسبة السابقة أي 10:1 إذْ تقول " – لو انتصروا حسب النسبة السابقة (10:1) لتحول الأمر إلى معجزة خارقة للناموس البشري ، ولآمن أو جُنّ على إثرها من في الأرض كلهم جميعًا . وهذا ما لم تأذن به المشيئة الإلهية " وأنت بهذا القول تكون قد تأوّلت أمرًا هو في علم الغيب ويتعلق بالمشيئة الإلهية ، فما أدراك ومن أعلمك بأنّ المشيئة الإلهية لم تأذن بذلك ، وأنّ تلك الآيات في سورة الأنفال - 65 و 66 - هي دليل على ما قلته أنت ، وقد يأذن الله تعالى بما يريد ، وقد استشهدت أنت بما حصل مع خالد بن الوليد رضي الله عنه في غزوة مؤتة ، وقلت لك بأنّ هذه الغزوة جاءت بعد نزول هذه الآيات بزمن طويل ، وقلت بأنّ المعارك التي خاضها المسلمون فيما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان النصر فيها حليفهم ، رغم أنّ أعداءهم كانوا يفوقونهم بالعدد والعدّة ، وضربت لك مثالًا عن معركة القادسية واليرموك ، فلماذا لم يجنّ أحد على كوكب الأرض كما قلت أنت ، وأيضًا فإنّ النصر من عند الله تعالى ، سواء أكانت النسبة 10:1 أو 2:1 أو غير ذلك ، ولم أعمل مقارنة بين الماضي والحاضر لأبين أنّ هذه النسب هي موضع الخلاف اليوم - وما جاء في تعليقك حول هذه النسب اليوم ؛ فقد كنت أود أن أخوض فيه لكن ليس هذا مجاله الآن - ، بل قلت إنّ جزمك بأنّ النصر في حالة تفوق العدو بالعدد والعدّة لا علاقة له بجنون من في الأرض أو غيرها ، وذلك ردًا على ما قلته أنت .
حول الاجتهاد والصحابة
10- أمّا ما رددت به بخصوص الصحابي الذي قضى ثلاثة أيم مع الرسول ثمّ انطلق داعيًا في سبيل ..الخ فأنت لم تجيب عن هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد ، فقد كان وجه الاعتراض هو قولك في معرض تبريرك لما ورد في قراءتك عن الآية التي في سورة البقرة – رقمها 282- وكان هذا ردًا منك على الأستاذ الفاضل محمد مختار زادني إذْ قال لك بالحرف " يبدو لي أن دراسة هذا النصّ تقتضي منا فهمه على ضوء العلوم اللغوية من جهة – وأقصد علم البلاغة والبيان والبديع – لأن الأسلوب القرآني ليس كأي نصّ عادي بل هو تنزيه منزه عن الزلل والقصور البشري . ثمّ إن المفسرين لا بد وأن يكونوا قد أخذوا في هذا الموضوع وأعطوا على مدى القرون الماضية ... وإن نحن نظرنا لمناسبة حضور المرأتين بدل رجل فلا يحق لنا أن نأول بما نراه بل بما جاء فيه من حكمة شرعية ( كأن يراد منه أن المرأة معرضة إلى الانشغال بالحمل والنفاس أو ما في حكمهما أو يمكن أن تسافر برفقة زوجها فتنسى " تضل " مساق الحديث عما تستشهد عليه فتذكرها الأخرى ... والله أعلم بالمراد ! "اهـ فبماذا رددت عليه ؟ لقد قلت له " الأخ العزيز زادني ، وجهة نظرك محل احترام ولا شك لدى كل من يعرفك .. - إلى أن تصل إلى القول – وصدقني لقد نأيت بنفسي عن الخوض في تفسير هذه الآية وسواها ، وأنا كما أنت والجميع .. نعلم أن علماءنا الأفاضل هم الأجدر والأقدر على ركوب مثل هذه الأمواج .. ، وأدرك أن هذا ليس مجالاً للمزايدات !.. " ولكني أعلم أيضًا أنّ المسلم – عربي اللسان – كان يقضي ثلاثة أيام في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ..ثمّ ينطلق داعيًا في سبيل الله .. فهل نحيل نحن اليوم كل سؤال يأتينا عن الدين إلى العلماء .. بسبب ضعف حجّتنا في ضوء تفسير هذه الآية أو تلك !.." اهـ أبو بكر سليمان الزوي " كتابة الدين بحضور رجل وامرأتين " رابط النصّ
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25152 (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25152) وهنا كان اعتراضنا على ما ذكرته ، لأن قولك هذا أعطاك الحجّة لقيامك بالتأويل ، اعتمادًا على ذلك الصحابي الذي قضى ثلاثة أيام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بينما في مكان آخر ، لم تعطي تلك الحجّة لمن قضى حياته مع رسول الله تعالى ، على اعتبار أنّه قريب من عهد الجاهلية ، وما زال يخضع لتأثيرات تلك المرحلة وضغوطاتها ؛ إذْ تقول في موضوعك " الفكر يزور العقل في سجون النقل ما يلي " " القول بأن السلف أقرب إلى عصر النبوة هو كلامٌ صحيح ، ولكن لا تنسى بأنه يصاحبه قربهم من زمن وعادات وضغوطات الجاهلية والقبلية – أيضًا !" اهـ ، وهذا التناقض بين القولين عليه تحفظات كثيرة ، ليس أولها أنّك تجيز لنفسك ما تراه يتناسب ورأيك ويخدم قضيتك ، في حين تغض الطرف وتتعسف في حق الآخر ؛ والذي يملك من المشروعية ما يجعله جديرًا بالقبول بناءً على قاعدة رأيتها أنت جديرة بالأخذ بها ؛ ثمّ رفضتها فيما بعد . والكلام الذي ذكرته حول هذه النقطة في ردك رقم – 33- وإنْ كان في بعضه ما يحتاج إلى وقفات طويلة بخصوص الفتاوى والمفتون وما دار حولها ، والذي تكرر في مواضيع أخرى لك – ليس هنا محل نقاشها – إلا أنّ هذا الرد لم يجيب على هذا التناقض الذي سبق وأنْ ذكرته .
ختامًا ، أعتقد بأنّني كنت واضحًا في ردودي ، رغم أنّ هناك أمور أخرى لم أتعرض لها و كانت جديرة بالوقوف عندها وتحليلها ومناقشتها، مثل آيات القرآن الكريم وترتيبها وكتابة الأحاديث وتدوينها ، وهذا قد نعود إليه من خلال نافذة أخرى نلقي فيها الضوء على كل ما سبق ذكره ، وعليه أود أنْ أقول بأنّ هذا الموضوع الذي بين أيدينا ليس القصد منه سوى الحوار ، ولا ألزم به أحدًا ، وكل إنسان مسئول عن نفسه أمام ربه ، وكل ما نرجوه هو أنّ يكون المتحدث باسم الدين عادلًا في حكمه ، وبعيدًا عن التشدد في آراءه ، وأنْ يبتعد عن وصف المخالفين له بالتخلف والتبعية والتقليد الذي يراد به تسفّيه أفكارهم ، وعليه أنْ ينصف السلف في قوله ، وعليه أولًا وقبل كل شيء أنْ يكون دارسًا للقرآن وللسنّة وملمًا بكل ما جاء فيهما ؛ لا أنْ يفصل بينهما وبدون علم أو دراية ، وليس كل من وافقت وجهة نظره السلف هو مقلد وتابع ولا يُعمل العقل ، وليس الخلف اليوم بأعلم من السلف في أمور الدين كلها ، ولكل زمان دولة ورجال نعم ، لكن العلم يبقى علمًا ، وعلى من يريد أنْ ينهض بهذه الأمّة أنْ يكون منصفًا بحق السلف ، وإذا ما خالفهم في شيء فعليه أنْ يثبت بالدليل العقلي والذي لا يخالف الشرع بأنّ ما يقوله هو الصواب بعينه ، وبغير دليل نرفض القبول ، وكل من يُكتب في مثل هذه الأمور فعليه أنْ يتوقع أنّ كلامه خاضع و قابل للمناقشة والرفض والنقد ، لا كبير ولا صغير يستثنى من هذا القول . وكلنا نملك عقولًا ولا ننتقص من قدر أحد .وبدلًا من النقد المتواصل ولغة الاستعلاء على الآخرين نتمنى على من يتصدى لمثل هذه الأمور أنْ يدرج الاقتراحات والأفكار البناءة ، والتي يعتقد أنّ فيها الحلول الناجعة والمفيدة لهذه الأمّة .
وعلى من يريد أنْ يدلي بوجهة نظره في هذا الموضوع- وقد فتح الأستاذ أبو بكر باب المناقشة - فإنّني أرحب به وبرأيه ، مهما كانت النتيجة التي سيخرج بها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
راضي الضميري

عبدالصمد حسن زيبار
28-01-2009, 08:50 PM
متابعون لهذا النقاش الحر المفتوح

تحياتي

سيف الدين
31-01-2009, 08:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم راضي

تابعت باهتمام هذا النقد وردود الأخ الكريم أبو بكر , وأنا أميل إلى رأيكم وما ذهبتم إليه , وكنت عزمت أن أشارككم داعما لرأيكم متوسعا لبعض ما عرضتم بمزيد من الأدلة الداعمة لصحة رأيكم , ولكن كان في جهدكم الكبير وتحري الدقة ما يستغني به الباحث عن المزيد
فقد عرضتم بارك الله بكم رأيكم بأدلة عقلية وشرعية تفي بالغَرَض , وتجلي حقيقة الفَرَض
فبارك الله وبكم وأسأل الله تعالى أن يشرح قلب أخينا أبا بكر للحق

أعزكم الله جميعا وبارك بكم

أبوبكر سليمان الزوي
01-02-2009, 09:17 PM
السـلام عليكم جميعاً ..

الأخ الكريم\ راضي الضميري، أشكرك على متابعتك للموضوع، وعلى مجهودك الكبير..
وأقول -وكما قلت في ردي الأخير - إنه إذا كان لنا أن نستمر في الحوار، فليكن كل أمرٍ في موضوعه المنفصل؛ أي أن يُوضع التساؤل ويُناقش في مقاله الذي كُتِبَ فيه، ليسهل علينا حصر الموضوعات ومتابعتها بدقة .. كل في سياقه!
لأن مناقشة أفكار متعددة في موضوعات مختلفة في مكان واحد، يُشتت الأذهان، ويُخلّ بالتركيز، كما أنه يتطلب وقتاً وجهداً لا أمتلكهما !

الأخ الكريم\عبد الصمد حسن زيبار، أشكر لك متابعتك التي أُقـدّرها كثيراً وأُثمّنها عالياً، وأحترم وجهة نظرك سواء اتفقنا أو اختلفنا!

الأخ الكريم\ سيف الدين، أشكر لك متابعتك، وأحترم وجهة نظرك.
وأُحب أن أُلفت انتباهك إلى الأمانة الفكرية، وضرورة تحـرّي الوضوح والتركيز والتدقيق فيما تكتب ..،
وذلك باجتناب الرسائل المغرضة، والإشارات المغلوطة، التي تستغفل القارئ فتذهب بذهنه إلى نتيجة لا وجود لها، .. خاصة عندما يكون كلامك موجهاً لآخرين محددين بأسمائهم مباشرة.! .. فرب قارئ لم يقرأ من الموضوع سوى مشاركتك !
حيث إن قولك ( أسأل الله تعالى أن يشرح قلب أخينا أبا بكر للحق ) هذا يعني أنه ثبت أن أخيك أبا بكر على باطل، وأنك وأخيك راضي على حق !
وهذا ما ليس له وجود سوى في مخيلتك.
فإذا كان لك أن تتخيل وتعتقد في نفسك ما تشاء، فإنه لا ينبغي لك الجزم بصحة تصوراتك تجاه الآخرين، وإشهارها على الملأ وكأنها أضحت مسلمات !
أخي الكريم \ سيف، كان عليك أن تسأل الله أن يشرح قلوبنا جميعاً للحق. فأنا لا أعتقد بأنك وأخينا راضي، في غنى عن مثل هذا الدعاء، ولا أعتقد بأك تقصد ذلك.
ولكن تخصيص الدعاء بالإسم له مدلول مُضلل كما تعلم، أو كما ينبغي أن تعلم!
فليس من الحكمة ولا من الإيمان ولا العقل ولا الأمانة ولا الإنصاف أن يجزم المؤمن بأنه على الحق وأن مؤمن آخر على باطل !
فالجزم بأنك على الحق وأن غيرك على الباطل يحتاج إلى علمٍ من الكتاب، وذلك ما لا تملكه .. فيما أعتقد!

تحياتي للجميع ...

سيف الدين
02-02-2009, 07:37 PM
الأخ الكريم\ سيف الدين، أشكر لك متابعتك، وأحترم وجهة نظرك.
وأُحب أن أُلفت انتباهك إلى الأمانة الفكرية، وضرورة تحـرّي الوضوح والتركيز والتدقيق فيما تكتب ..،
وذلك باجتناب الرسائل المغرضة، والإشارات المغلوطة، التي تستغفل القارئ فتذهب بذهنه إلى نتيجة لا وجود لها، .. خاصة عندما يكون كلامك موجهاً لآخرين محددين بأسمائهم مباشرة.! .. فرب قارئ لم يقرأ من الموضوع سوى مشاركتك !
حيث إن قولك ( أسأل الله تعالى أن يشرح قلب أخينا أبا بكر للحق ) هذا يعني أنه ثبت أن أخيك أبا بكر على باطل، وأنك وأخيك راضي على حق !
وهذا ما ليس له وجود سوى في مخيلتك.
فإذا كان لك أن تتخيل وتعتقد في نفسك ما تشاء، فإنه لا ينبغي لك الجزم بصحة تصوراتك تجاه الآخرين، وإشهارها على الملأ وكأنها أضحت مسلمات !
أخي الكريم \ سيف، كان عليك أن تسأل الله أن يشرح قلوبنا جميعاً للحق. فأنا لا أعتقد بأنك وأخينا راضي، في غنى عن مثل هذا الدعاء، ولا أعتقد بأك تقصد ذلك.
ولكن تخصيص الدعاء بالإسم له مدلول مُضلل كما تعلم، أو كما ينبغي أن تعلم!
فليس من الحكمة ولا من الإيمان ولا العقل ولا الأمانة ولا الإنصاف أن يجزم المؤمن بأنه على الحق وأن مؤمن آخر على باطل !
فالجزم بأنك على الحق وأن غيرك على الباطل يحتاج إلى علمٍ من الكتاب، وذلك ما لا تملكه .. فيما أعتقد!

تحياتي للجميع ...



على رسلك يا أبا بكر وهدئ من روعك , ألم تقل هنا



ولذلك فإنني أرى أهمية كبيرة لآراء المتابعين، واستنتاجاتهم التي خرجوا بها


أولا : لا يوجد بيني وبينك علاقة شخصية , كما لا يوجد بيني وبين الأخ راضي علاقة شخصية , ولا يوجد هنا ما يجعلني أنتصف لأحد دون الآخر كل منكم عرض أدلته وطلبتم المتابعة والحكم, وأنا أقتنعت بأدلة الأخ راضي , وأيدته فيما ذهب إليه , وهذا رايي الذي أتبناه وأعمل به

ثانيا أما قولكم
وأُحب أن أُلفت انتباهك إلى الأمانة الفكرية، وضرورة تحـرّي الوضوح والتركيز والتدقيق فيما تكتب ..،
وذلك باجتناب الرسائل المغرضة، والإشارات المغلوطة، التي تستغفل القارئ فتذهب بذهنه إلى نتيجة لا وجود لها، ..

يبدو أنك أنت من لا يدقق فيما يقرأ وتستنج من كلام واضح بأنني أرسل رسائل مغرضة
أي رسائل مغرضة هذه , هل بيني وبينك شيئ ؟ أو عداء ولي غرض من إرسال رسائل ضدك , أنا حقيقة أستغرب هذا الفهم وأستهجنه
وأنت في أكثر من موضع تتهم مخالفك باستغفال القارئ , وهذا من أغرب ما تردده , من قال لك بأن القارئ مغفل ؟ أو أنه غبي لا يفرق بين رأي ورأي , وأي قارئ قرأ ما كتبتم لا بد أن يصل إلى نتيجة من قراءته , وهو ليس بحاجة من قارئ مثلي مثله أن يرسل رسائل مغرضة أو يسحب عقله لنتائج لا وجود لها كما تزعم

أما قولك


فإذا كان لك أن تتخيل وتعتقد في نفسك ما تشاء، فإنه لا ينبغي لك الجزم بصحة تصوراتك تجاه الآخرين، وإشهارها على الملأ وكأنها أضحت مسلمات !
إذا كنت لا تريد أن أشهر رأيي الذي خرجت به من حواركم , فلماذا طلبت آراء القراء ؟؟ كان الأولى أن تقول هذا نقاش بيني وبين راضي فلا نريد أحدا أن يكتب رأيه , وهذا رأيي على أية حال وليس لك أن تحجر عليه
أما قصة الجزم بصحة التصورات وما إلى ذلك
أقول لو أنك دققت فيما كتبت لما قلت ذلك
أنا قلت

تابعت باهتمام هذا النقد وردود الأخ الكريم أبو بكر , وأنا أميل إلى رأيكم وما ذهبتم إليه

قلت أنا أميل لرأيكم أي رأي الأخ راضي , وهناك فرق لو دققت النظر بين الميل والجزم
ومعنى ذلك , أنه غلب على ظني صحة رأي الأخ راضي بناء على قوة الأدلة التي ساقها ووجه الدلالة منها
أما قولك



حيث إن قولك ( أسأل الله تعالى أن يشرح قلب أخينا أبا بكر للحق ) هذا يعني أنه ثبت أن أخيك أبا بكر على باطل، وأنك وأخيك راضي على حق !
وهذا ما ليس له وجود سوى في مخيلتك.


هذه المقولة قالها من هو خير مني لمن هو خير منك
قالها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما وسأل الله أن يشرح صدر عمر لرأيه
فإن كنت ترى بهذه المقولة رسالة مغرضة , هذا شأنك لا شأني وهو في مخيلتك أنت فقط وربما تنكرها لأنك لا تؤمن بالنقل ولا تأخذ به , وهذا في مخيلتك أنت فقط
أما ما ثبت لي بالأدلة العقلية والنقلية بأن رأي الأخ راضي هو الصواب والحق ورأيك بما توهمت أنها أدلة خطأ وباطل
ثم شيئ أخر قبل أن لا أعود إلى هذه المهاترات مرة أخرى
ليتك تنزل من برجك العاجي وتنظر إلى خلق الله وإعطائهم نوع من احترام عقولهم
ولا تظن نفسك أنك المفكر وصاحب العقل الوحيد وباقي الناس مغفلين


فالجزم بأنك على الحق وأن غيرك على الباطل يحتاج إلى علمٍ من الكتاب، وذلك ما لا تملكه .. فيما أعتقد!

فلماذا إذن تجزم أنت بصحة رأيك وباقي آراء خلق الله التي تخالفك باطلة مع أنك لا تملك أيضا علما من الكتاب
ورغم أنني لم أذكر هنا الجزم بل ذكرت الميل وغلبة الظن مع ملاحظة أن بعض المسائل الاعتقادية التي ذكرت في هذا الحوار لا يصح فيها غلبة الظن بل الجزم لأنها من العقائد
ومن لم يكن أهلا للخوض في مسائل الاعتقاد يخشى عليه الكفر أو الانحراف والضلال

وأخيرا
لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عظيم

راضي الضميري
04-02-2009, 09:24 PM
متابعون لهذا النقاش الحر المفتوح
تحياتي
الأخ عبد الصمد حسن زيبار
شكرًا لك أخي على متابعتك .
بارك الله فيك
تقديري واحترامي

راضي الضميري
04-02-2009, 09:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم راضي

تابعت باهتمام هذا النقد وردود الأخ الكريم أبو بكر , وأنا أميل إلى رأيكم وما ذهبتم إليه , وكنت عزمت أن أشارككم داعما لرأيكم متوسعا لبعض ما عرضتم بمزيد من الأدلة الداعمة لصحة رأيكم , ولكن كان في جهدكم الكبير وتحري الدقة ما يستغني به الباحث عن المزيد
فقد عرضتم بارك الله بكم رأيكم بأدلة عقلية وشرعية تفي بالغَرَض , وتجلي حقيقة الفَرَض
فبارك الله وبكم وأسأل الله تعالى أن يشرح قلب أخينا أبا بكر للحق

أعزكم الله جميعا وبارك بكم
الأخ الفاضل سيف الدين

شكرًا لحس المتابعة ، ولكل ما تفضلت به أخي الفاضل . ونحن في هذه القراءة التي قمنا بها كان القصد منها واضحًا ؛ الحوار ثمّ الحوار ، وفي مثل هذه الحالة فإنّ رأي الأخوة والأخوات المتابعين لنا هو محل اعتزازنا وتقديرنا واحترامنا أيًا كان هذا الرأي ، ما دام يندرج تحت قاعدة أنّ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، وما ابتعد عن قضايا واضحة المعالم و معلومة من الدين بالضرورة .
تقديري واحترامي

راضي الضميري
04-02-2009, 11:31 PM
الأخ الكريم أبو بكر سليمان الزوي
أرحب بك مرّة أخرى وبتعليقاتك حول قراءتنا هذه ، وأرجو أنْ أوفق في وضع النقاط على الحروف بخصوص مشاركتك رقم – 40 - و التي نحدد بصددها الآن ، فأقول لك :
1- تقول في ردك رقم – 40 – بأنّك تفضل أنْ نتابع الحوار في المقالات التي كتبتها أنت ، وهذا يعني أنّنا سنخوض الحوار في أكثر من 13 مقال ، وهذا يعني أنّنا سنردّد معظم الأقوال وفي كل موضوع ، وأنا من حيث المبدأ لا أمانع في ذلك ، لأنّني و بكل بساطة سأطرح نفس النقاط ؛ ربما سأجزئها نعم ، ولكن في النهاية ستكون كما هي ، لذلك أرَ أنّ هذه الدعوة لا مبرّر لها ، لأنّ حصر الأفكار الكثيرة وضمن موضوع واحد أفضل بكثير من تشتيت تلك الأفكار و نثرها في مواضيع عدّة .
2- إنّ حصر المواضيع في نافذة واحدة سيختصر الوقت عليك وعليّ ، أمّا نثرها في أماكن نشرها فهذا ما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا .
3- بخصوص الكلام الذي وجهته للأخ الفاضل سيف الدين – وأنا هنا لا أدافع عنه فهو أقدر مني على ذلك – ولكن لفت انتباهي قولك " ... وأنك وأخيك راضي على حق ! وهذا ما ليس له وجود سوى في مخيلتك " وفي الحقيقة فأنت بذلك تقول وتعني بأنّ عكس الحق الباطل ، وأنّني والأخ سيف على باطل ، وهنا أحب أن ألفت انتباهك إلى قضية مهمة ألا وهي أنّ ردّك لا يتناسب ودعوتك لسماع رأي الآخرين ، هذا أولًا ، وثانيًا فإنّ الحوار من أساسه قام على رؤية واحدة مفادها أنْ نتحاور ونناقش أفكارنا ، وليس الهدف منه هو تسجيل نقاط أو محاولة إحراز طرف لنصر على حساب طرف آخر ، فإنْ كنت تعتقد بذلك فأنا لا أتفق معك ، لماذا .؟ لأنّ هذا الحوار يتعلق بما قال الله تعالى وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنْ كانت الغاية منه شخصية – وهذا ليس بوارد إطلاقًَا من طرفي – تُرِك الإنسان وعمله إلى نفسه ، ولن يكون لله أو رسوله علاقة بهما ولا أجر أو ثواب ، أمّا إنْ كان الحوار حول ما سبق ذكره في سبيل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنّ الأجر والثواب سيكون للطرفين معًا ، لأنّ الاجتهاد في أمور الدين قد لا يصاحبها الصواب دومًا ، ولأنّ الدال على الخير كفاعله ، وهنا لا فرق بين المتحاورون ، فكلهم يسعى لاستجلاء الأمور وتوضيحها ، ومن يزعم أنّه معصوم من الوقوع في الخطأ فإنّه يكون بمرتبة الأنبياء ، وهذا ما لا وجود له قطعًا ، لذلك فقولك للأخ الفاضل سيف الدين ما سبق وأنْ ذكرته يجعلك أنت في خانة الحق ونحن في خانة الباطل ، فإذا كنت تعتقد ذلك فعلًا – وهذا ما يدلّ عليه كلامك – فإنّك بذلك إنّما تؤكد حقيقة تؤمن بها وترفض التخلي عنها مفادها " أنّ ليس شرطًا الاستدلال بما قال الله وقال الرسول لإثبات صحة معتقداتنا " وكنت أتمنى عليك أنْ تستشهد في كل ردودك بقال الله تعالى وقال الرسول ولكنك لم تفعل لا من قريب ولا من بعيد ، حتى استدلالك بقال الله تعالى ردّدنا عليه بقال الله تعالى أيضًا ؛ و هذا ما يؤكد أنّك أخضعت الأمر كله للفكر وبمعزل عن الدين ، وأخضعت النصّ للعقل وجعلته حاكمًا ومقرّرًا عليه ، ولو أنّك استشهدت بما سبق ذكره لقلنا أنّك تملك دليلًا من الشرع بشقيه الكتاب والسنّة ، وكل إنسان لديه دليله ، ولكنك مع الأسف تؤكد وكما أثبتُ في قراءتي وردودي بأنّك لا تعتمد إلا الكتاب الكريم كمصدر وحيد للتشريع ، وقد أكدت ذلك وفي أكثر من مكان وأزيد لمن يريد بمراجعة ردك رقم – 26 - وبما ذكرته أنا في كل ما كتبته ، لذا فأنا أردّ على قولك هذا بما قاله من هم خير منّا من السلف " كل يؤخذ ويترك من كلامه إلا صاحب هذا القبر" أي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعيد وأكرّر بأنّ النصّ الديني ليس كأي نصّ يجوز لنا الخوض فيه والتعامل معه وكأنّه قطعة من نثر أو شعر فنغرق في تفكيكه والتقوّل عليه بغير دليل . لذلك وجب التنبيه على ما ذكرته ، حتى لا تختلط الأمور على القارئ والمتابع لحوارنا – رغم أنّه قد ابتعد عن الحوار وفي أكثر من مرّة ، ومن طرفك أستاذ أبو بكر – وبعد أنْ وضعت شروطًا لاستئناف الحوار - لا أراها مجدية أو عملية ولا علاقة للحوار أو بمتابعته أصلًا - وكما ذكرت في مقدمة ردك رقم – 40 - . .
4- ما أثبتناه في قراءتنا لم نختم عليه بختم الحقيقة المطلقة - وإنْ كنت أؤمن بما كتبت ولا شك عندي فيما أثبتّه - و قلنا بأنّ هذه قراءتنا وهذه أدلتنا مطروحة أمام الجميع، ومن يطرح رأيًا مدعّمًا بدليل آخر فنحن معه ، نترك ما قلناه ونتّبع قائله ، وسأذكر لك مثالًا حول ذلك وكيف تجري الأمور أحيانًا في قضايا الاجتهاد ، وهذا المثال عن ابن عباس رضيّ الله عنهما و فيما يخصّ قضية الحمل والفطام تحديدًا " أنّه جاءت امرأة بولد حملته لستة أشهر فهمّ عثمان بن عفان رضيّ الله عنه برجمها فقال ابن عباس رضيّ الله عنهما – وقد سبق لي وأنْ ذكرت لك من هو ابن عباس – أما لو أنّه خاصمتكما بكتاب الله لخاصمتكم قال تعالى ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وقال سبحانه ( وفصاله في عامين ) " وهذا يدلّ أستاذ أبو بكر بأنّ أقل الحمل ستة أشهر ، وبما أنّ الفطام في عامين يكون الحمل صحيحًا وأنّ المرأة لم تزني ولا تستحق الرجم ، وفي هذا المثال أحببت أنْ أقول لك بأنّ الدين لا يؤخذ بالرأي وإنّما بالدليل الراجح ، وبأنْ لا أحد معصوم عن الوقوع في الخطأ عندما يجتهد ، ولو كان الدين بالرأي لكانت الرخصة في المسح على الخفين - وهذا مثال آخر - من أسفل الخفّ لا من أعلاه ، فمن باب أولى أنْ يكون المسح من أسفله لكونه هو من يدوس على القاذورات والأوساخ ، ولكن جاءت السنّة لتؤكد عكس ذلك ، وهذا ما أكّده على بن أبي طالب رضيّ الله عنه حين قال " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه " ، ونعود من حيث ابتدأ الحديث ، فأقول بأنّك لا تملك المشروعية فيما قلته ، وبأنّ اتهمامك لنا بالباطل ، وإثبات الحق لنفسك ، ليس دقيقًا ، مع أنّك لم تردّ على ما جاء في القراءة بدلائل من الكتاب والسنّة أو العقل الذي نحترمه ونقدّره ، ومع أنّك قلت في نهاية ردّك رقم – 40 – بأنّه ليس من الحكمة والأنصاف و و والخ أن يجزم أحد بأنّ فلان على حق والآخر على الباطل ، ولكنك جزمت بذلك حين قلت ما قلته .
5- لقد فتحت أنتَ باب الحوار والنقاش وطلبت مني بأنْ أعطي فرصة للمتابعين لنا بقراءة الردود التي ستنشرها وبأنْ لا أعلق عليها ، لكي يتمكنوا من قراءتها وهذا واضح في ردك رقم – 26 – وقلت بأنّك تهتم لآراء الآخرين وما يخرجوا به من استنتاجات ، لذلك فإنّني حقيقة أستغرب منك هذا التصرف ، إذ تتهمنا بالباطل ، وتتهم غيرنا به أيضًا ، ولم أكن أتوقع منك أنْ تقول ذلك ، فكل إنسان حرّ في رأيه كما أنت وأنا والجميع ، ويلزمنا قولنا بأنْ نحترم وجهات نظر الآخرين و مهما كانت نتيجتها ، وهذا ما تعهدنا به في كل مشاركاتنا وما تعهدت به أنت أيضًا ، وفي النهاية فإنّ ما كتبناه سيكون إمّا حجّة لنا أو علينا أمام الله تعالى ، وفي حالة الاختلاف في الرأي في أمور الدين والعقيدة فيكفينا أنْ نسجل تحفظنا واعتراضنا على ما نراه مخالف لكل ذلك ، ولن يستطيع أحد أنْ يغيّر من قناعات الآخر ، والأمر لله من قبل ومن بعد .
6- بخصوص النقطة الأخيرة التي وردت في ردك رقم – 40 – فأقول لك ما يلي - وهذا الكلام على العموم لا على وجه التخصيص - : إنّ الجزم بأنّ فلان على حق وأنّ الآخر على باطل يحتاج إلى علم من الكتاب نعم ، ولكن هذا العلم وحتى نضع النقاط على الحروف موجود في الكتاب والسنّة ، ويكفي لمن يريد أنْ يحكم على زيد أو عبيد أنْ يعرض ما يقوله على الكتاب والسنّة ، ونخرج بعدها بالحكم ، وفي حالتنا – أي قراءتنا هذه – فنحن عرضنا أدلّة من الكتاب والسنّة ، و كنا ننتظر منك أنْ تعرض أدلّتك من نفس المصدر ، وفي حالة أنْ تم ذلك نقول بأنّ لكل واحد منا دليله الذي يعتد به ، ويشد به أزره ، لأنّه سيسأل عنه يوم القيامة ، وبأنّ هذا اجتهاده الذي أوصله إلى اعتناق حقيقة ما يؤمن به ، وبخلاف ذلك لا نكفر أحدًا ولا نتهم أحدًا ، ونقول نسأل الله تعالى أنْ يشرح صدورنا للحق .
7- لا ألزمك بالعودة إلى هذه القراءة ، أو الرد عليها ، فأنت حرّ في أمرك وشأنك وفيما تعتقد ، ونحن كقراء ومتابعين لكل ما يكتب وبنثر في هذه الواحة أو غيرها نملك نفس الحق بالكتابة و النقد أو الثناء ، - وطبعًا بحدود أدب الحوار الذي نلزم أنفسنا به - لأنّ ما ينشر وفي أية وسيلة إعلام كانت وبمجرد نشره يصبح ملكًا للجميع ، ولهم كافة الحقوق محفوظة ومصانة ، وهم أحرار في كيفية التصرف بها .
تقديري واحترامي للجميع

راضي الضميري
15-02-2009, 03:55 PM
على رسلك يا أبا بكر وهدئ من روعك , ألم تقل هنا


أولا : لا يوجد بيني وبينك علاقة شخصية , كما لا يوجد بيني وبين الأخ راضي علاقة شخصية , ولا يوجد هنا ما يجعلني أنتصف لأحد دون الآخر كل منكم عرض أدلته وطلبتم المتابعة والحكم, وأنا أقتنعت بأدلة الأخ راضي , وأيدته فيما ذهب إليه , وهذا رايي الذي أتبناه وأعمل به
ثانيا أما قولكم
يبدو أنك أنت من لا يدقق فيما يقرأ وتستنج من كلام واضح بأنني أرسل رسائل مغرضة
أي رسائل مغرضة هذه , هل بيني وبينك شيئ ؟ أو عداء ولي غرض من إرسال رسائل ضدك , أنا حقيقة أستغرب هذا الفهم وأستهجنه
وأنت في أكثر من موضع تتهم مخالفك باستغفال القارئ , وهذا من أغرب ما تردده , من قال لك بأن القارئ مغفل ؟ أو أنه غبي لا يفرق بين رأي ورأي , وأي قارئ قرأ ما كتبتم لا بد أن يصل إلى نتيجة من قراءته , وهو ليس بحاجة من قارئ مثلي مثله أن يرسل رسائل مغرضة أو يسحب عقله لنتائج لا وجود لها كما تزعم
أما قولك
!
إذا كنت لا تريد أن أشهر رأيي الذي خرجت به من حواركم , فلماذا طلبت آراء القراء ؟؟ كان الأولى أن تقول هذا نقاش بيني وبين راضي فلا نريد أحدا أن يكتب رأيه , وهذا رأيي على أية حال وليس لك أن تحجر عليه
أما قصة الجزم بصحة التصورات وما إلى ذلك
أقول لو أنك دققت فيما كتبت لما قلت ذلك
أنا قلت


قلت أنا أميل لرأيكم أي رأي الأخ راضي , وهناك فرق لو دققت النظر بين الميل والجزم
ومعنى ذلك , أنه غلب على ظني صحة رأي الأخ راضي بناء على قوة الأدلة التي ساقها ووجه الدلالة منها
أما قولك


هذه المقولة قالها من هو خير مني لمن هو خير منك
قالها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما وسأل الله أن يشرح صدر عمر لرأيه
فإن كنت ترى بهذه المقولة رسالة مغرضة , هذا شأنك لا شأني وهو في مخيلتك أنت فقط وربما تنكرها لأنك لا تؤمن بالنقل ولا تأخذ به , وهذا في مخيلتك أنت فقط
أما ما ثبت لي بالأدلة العقلية والنقلية بأن رأي الأخ راضي هو الصواب والحق ورأيك بما توهمت أنها أدلة خطأ وباطل
ثم شيئ أخر قبل أن لا أعود إلى هذه المهاترات مرة أخرى
ليتك تنزل من برجك العاجي وتنظر إلى خلق الله وإعطائهم نوع من احترام عقولهم
ولا تظن نفسك أنك المفكر وصاحب العقل الوحيد وباقي الناس مغفلين
فلماذا إذن تجزم أنت بصحة رأيك وباقي آراء خلق الله التي تخالفك باطلة مع أنك لا تملك أيضا علما من الكتاب
ورغم أنني لم أذكر هنا الجزم بل ذكرت الميل وغلبة الظن مع ملاحظة أن بعض المسائل الاعتقادية التي ذكرت في هذا الحوار لا يصح فيها غلبة الظن بل الجزم لأنها من العقائد
ومن لم يكن أهلا للخوض في مسائل الاعتقاد يخشى عليه الكفر أو الانحراف والضلال
وأخيرا
لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عظيم

الأخ العزيز سيف الدين
في الواقع لقد كنت آمل أنْ تكون الحجّة والبرهان هو الحكم العدل و الفيصل في كل المسائل التي تطرح ، ولكن تبين لي بعد أن قرأت ما نشره السيد أبو بكر في هذا الرابط https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=33320 أننا كنّا نامل بالمستحيل ، وهذا ما يعّزز قناعتنا بكل ما كتبناه ، وبأنّ هذا البرج العاجي الذي بناه كان على حساب ما جاء في الكتاب والسنّة ومخالف لمضمونهما .
ورغم ذلك ما زلنا نقول ونأمل بأنْ يشرح الله صدورنا للحقّ .
تقديري واحترامي أخي الكريم

سيف الدين
15-02-2009, 07:15 PM
الأخ العزيز سيف الدين
في الواقع لقد كنت آمل أنْ تكون الحجّة والبرهان هو الحكم العدل و الفيصل في كل المسائل التي تطرح ، ولكن تبين لي بعد أن قرأت ما نشره السيد أبو بكر في هذا الرابط https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=33320 أننا كنّا نامل بالمستحيل ، وهذا ما يعّزز قناعتنا بكل ما كتبناه ، وبأنّ هذا البرج العاجي الذي بناه كان على حساب ما جاء في الكتاب والسنّة ومخالف لمضمونهما .
ورغم ذلك ما زلنا نقول ونأمل بأنْ يشرح الله صدورنا للحقّ .
تقديري واحترامي أخي الكريم


أخي الكريم راضي

لنضع الأمور في نصابها , في كل ما تفضلتم به في هذا الموضوع هناك أمر واحد يجعل الإلتقاء مستحيلا
فأبو بكر يُنْكِرُ النقل ويُقدس العقل
والمقصود عنده بالنقل هو كل ما نقل إلينا من العلماء حتى الأحاديث التي أسندت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقلوها

أي بمعنى آخر هو ينكر السُّنَّة
لأن السنة هي كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير , لأن فعل النبي أو قوله أو تقريره هو وحي من الله ( طبعا فيما يتعلق بالتشريع )

أي أنه ينكر ثلاثة أرباع الإسلام التي نُقلت إلينا بروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنها جهد رجال ليسوا معصومين عن الخطأ , ونسي أن الله تكفل بحفظ هذا الدين , ومن تمام حفظ الله له , أن هيأ له رجالا عدولا حفظة , كانوا يواصلون الليل بالنهار ليس لهم غاية إلا إرضاء الله عز وجل , كما هيأ له جنودا يدافعون عنه لنصرته , وهم محتاجون إلى الله , والله في غنى عنهم .

لا أجد أمام هذه الحقائق إلا قول الله عز وجل :

" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)

ولا حول ولا قوة إلا بالله

أبوبكر سليمان الزوي
15-02-2009, 07:46 PM
الأخ الكريم \ سيف الدين ..السلام عليكم ..

أنا مثلك وأكثر، قد ندمت أشد الندم على دخولي في هذه الحوارات، أو المهاترات - كما أسميتها أنت، التي آن الأوان لإيقافها، إذ يبدو لي بأننا لسنا أهلاً أو لسنا متناغمين لحوار من هذا القبيل، أو أننا لا نتكلم لغة واحدة ..

ملاحظة: أخي الكريم، .. في ردي السابق عليك، أظنك فهمت قصدي جيداً. فأنا لم أنتقد ولم آتِ على ذكر ميولك الفكرية، أو قناعتك برأي الأخ \ راضي. فرأي المتابعين والمشاركين يهمنا وهو ما ننتظره ونعوّل عليه!
ولكنني انتقدتُ بوضوح قولك:( اسأل الله أن يشرح قلب أخينا "أبو بكر" للحق ) ، فنحن بصدد حوار حول نقاط فكرية وفقهية ، ولم نصل إلى نتيجة بعد ..،
وأوضحتُ لك ماذا يعني ذلك للقارئ الذي قد يكتفي بقراءة مشاركتك.
هذه هي النقطة الأساسية، بل الوحيدة التي انتقدك فيها، وهي النقطة الوحيدة التي تجاهلتها في ردك متعمداً.. فيما أعتقد.
ولاحظ أنه حتى المثال الذي أتيتَ به، فأنت لم تقتدِ به، فهو لا يقول ما قلته أنت.
فأبو بكر الصديق - وحسب نقلك أنت-، لم يجزم بأن رأيه الحق! حيث سأل الله أن يشرح قلب عمر لرأيه، ولم يقل للحق. لأنه مؤمن مُدرك لما يقول، فلم يجعل رأيه البشري مساوياً للحق الذي لا يعلمه قطعاً إلا الله.
فـدقّـق في كلماتك ولا تكابر يا أخي، وكن أميناً في ردودك، ولا تتجاهل بيت القصيد، وتذهب إلى ما لا خلاف عليه.
ولا تظن بأن ميلك أو حتى تأييدك العلني والقاطع لرأي الأخ \ راضي، يُغيظني.! فذلك رأيك، وعلي احترامه، وقد احترمته.
ولكن ما لم أقبله منك هو جزمك بأنكما على حق، وبأنني على باطل! لأن ذلك أمرٌ خطير، وتجاهلك لذلك أو جهلك به أمر أخطر !
ولا حظ ماذا قال الأخ \ راضي، في ختام رده عليك، حيث قال:( نأمل أن يشرح الله صدورنا للحق).
وكما قلتُ لك سابقاً، فإن تخصيص الدعاء يعني ثبوت الضلال على المدعو له، أعاذنا الله وإياكم من الضلال، وهدانا جميعاً إلى طريق الحق والرشاد.
وثق تماماً أنني لن أدخل معك في حوار مجدداً، احتراماً لك واحتراماً لنفسي !
تحياتي للجميع ..

نادية بوغرارة
15-02-2009, 08:37 PM
ربما يستدعي هذا الحوار الثنائي -غالبا -،
شكلا حديثا و متفردا في الردود ،
بحجم الأفكار الغريبة التي أتى بها صاحبها ،
لأن ردود الاخ راضي الضميري، رغم وجاهتها ،
يبدو أنها لم تلق السبيل ليذعن لها فكر الاخ أبو بكر ،
فلم يقتنع بها ، أو لا يريد .
****
و حسبنا مما جاد به فكر السيد أبو بكر ،
أنه استفاد من فسحة الإجتهاد و الإبداع،
التي أتاحتها له شريعتنا الإسلامية ،
و التي يوجد في سماحتها متسع لكل ما يخطر على عقل المفكر المسلم .
فإما تجد لها مكانا ، و إلا تسقط و تذروها الرياح .
تقبلوا مروري .

إدريس الشعشوعي
29-03-2009, 07:00 PM
تحية طيبة لهذا الحوار الكبير

و أشدّ على يد الاستاذ الفاضل أخينا راضي الضميري الذي وقف وقفة غيور على هذا الدين .

و أتعجّبُ عجبا شديدا من بعض ما نُسِبَ الى الدكتور الزوي من شذوذ غريب في فهم الدين عن إجماع الأمّة .

....................


و صلّى الله على سيدنا محمد و على اله و صحبه و سلّم كثيرا .

راضي الضميري
13-05-2009, 09:05 PM
ربما يستدعي هذا الحوار الثنائي -غالبا -،
شكلا حديثا و متفردا في الردود ،
بحجم الأفكار الغريبة التي أتى بها صاحبها ،
لأن ردود الاخ راضي الضميري، رغم وجاهتها ،
يبدو أنها لم تلق السبيل ليذعن لها فكر الاخ أبو بكر ،
فلم يقتنع بها ، أو لا يريد .
****
و حسبنا مما جاد به فكر السيد أبو بكر ،
أنه استفاد من فسحة الإجتهاد و الإبداع،
التي أتاحتها له شريعتنا الإسلامية ،
و التي يوجد في سماحتها متسع لكل ما يخطر على عقل المفكر المسلم .
فإما تجد لها مكانا ، و إلا تسقط و تذروها الرياح .
تقبلوا مروري .

الأخت العزيزة نادية بوغرارة

أشكرك جدًا ونسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا للحق وأن يهدينا سواء السبيل.

كوني بخير أختي العزيزة .

تقديري واحترامي