تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أوبة!.



مبارك الهاجري
24-11-2008, 04:01 PM
أعلمُ، أعلمُ أنَّكِ وإياي دنيا ما عادتْ تكشِفُ لمفتونٍ بها سِناً، وما جادت على ليلها بثمينٍ من السكون الذي أغرى الأدباء أن يتكلموا، وأعلمُ بأننا ما زلنا نَرِثُ رِكازَ السالفين مِنَ البشر، والذين شاركتْ ظواهرهم بواطنهم في تأججها بنار التوصل إلى الحقائق، وغليانها في أن تبلغ الحدَّ الأدنى من الوقوف على كيفية تفاعل ذلكم الخليط الروحي في حيز المعاملات الإنسانية، وإنْ ظننا قبلاً بأننا أتينا على ما لم يأتِ به أحد، أو أنَّنا بزعمنا طرقنا ما هَجَرَهُ الأولون، وإن كانتِ الأخرى أقربُ إلى الاستئناس؛ وذلك لأنَّ الحياة ما انقبضت غرابةً عنَّا، ولا تَبَسَّطت حَميميَّةً لنا، وإنَّما هي تألفنا كوننا ما استجدَّينا على من كان قبلنا، لا في مادةٍ، ولا في معنويٍّ من الأفعال؛ عدا ذلك فلا ندري أهي تهشُّ لِمَن تصنَّع لها فَهْماً من الفئتين، أم تكافئه بأن تجعل قفاها له وجهاً!.
لا شكَ أني على علمٍ بهجري لكِ وشقاقي، وإن رمتُ في ذلك هوى هويتِه لي، فهوى بي وبكِ إلى موضعٍ ما عُدتُ أراكِ فيه إلا عالماً زاهداً زهدتُ في علمهِ وقتي ذاك، وأرجأتُ اغترافي من بحره إلى أن يَتَقَيَّأ الذَّنْبَ طُهري!.
وأنا إن أقحمتُكِ فيما كان لي عبثاً، فإنَّما هو إقحام الكُلِّ بالبعض، ولتعلمي يا غالية بأنَّكِ انقسمتِ في أمري هذا إلى ثلاث: مؤبنة، ومتغافلة، وراضية!.
فأمَّا الأولى فهي بلاغةٌ عهدتُها فيكِ، ورحيقٌ خَلصْتُ به إلى سُلافٍ منكِ أغواني في أن أفاخر بكِ الأكابر، وأكابرَ فيكِ المفاخر، بل ما كانت هذه القالة إلا لهذه الأولى التي أتقرَّبُ فيها إلى عقلي!.
وأمَّا الثانية، فهي بين بين، فتارةً أراها طرفَ حكيمٍ يغضه، وكبير همِّه على ما سأخرجُ به من هذه التجربة، وأخرى أراها اطِّراداً للرضا، وميلاً إلى اللهو؛ ولكن بأسلوبٍ لا يبينُ إلا لصاحبه، فهو مسلكُ الأضداد، حينما تقفُ فيه ردة الفعل في موقعٍ متشابهٍ من نفسك، فإن أنتَ عزوتَه إلى الصواب، فبدافع القيمة المُناطة به، وإن كان لصبغةِ السخرية فيه موقعاً أثبتَ للصحة في نظرك، وإن أنتَ أخذتَ منه مأخذ التغافل، والتعامي؛ فلأنَّ الصمت في فِقَرٍ مِنْ حواشيه رضا سَبَق معياره المُذَهَّب!. على أنَّ هاتِه الوسط، كانت وسطاً من عدمِ اهتمامي وانشغالي بها، فما آثرتها على غيرها إلا في الوسط من الأوقات التي كانت تَلِجُ فيه إليَّ!.
أمَّا الثالثة، فهي أكثركم لي صحبة في ذلك العهد، وأوصلكم بي رحماً، وأفتنكم لفتنةٍ لي، وإنَّها لأقدمُ من أن أقدم عليها أحداً منكم في تَيهي ذاك، فهي ربيبُ الطفولة، وريعانُ الشيب، وغُرة النِّعم، وأوَّل المشاعر، عدا أنَّها صاحبٌ أعمى البصيرة، واسع الحيلة، يهنأ بما تسابق من لذةٍ، وما تدارك من لهو، وما تعزز من سعادة، فَصَحِبْتُها ناذراً على عودةٍ أرى فيها مَن ثَكلني وقد أوثقَ الطيشَ بنعيهِ، وأحزم النَّزَقَ بشديد تقريعه ولومه، وإن تلَبَّستُ في مرادي لمعنى ذلك اللوم علي، بأن يكونَ في غاية من الرِّقة، وأبدٍ من اللُّطف، ونهايةٍ من العطف، حتى لا أعود منها بمسمعٍ، ولا صلة، وما آن لي أواني ذاك بأن أترجَّل من ذلك المركب حتىَّ تركتِني لمبضع الزمن، وكانت له معي جراحٌ استطببتُ بها، فعدتُ منها إليكِ سالماً، وأتمنى أن أكون من الغانمين!.
ولتعلمي بأنَّني إن أحجمتُ عن أن أبرُزَ إليكِ فيما مضى، فهو إحجام من حمل لكِ جلالةً في قلبه، وقدراً وكُلفة في نفسه، وليس الهروبُ إلا لجوءاً إلى شقٍّ منكِ يأمرُ بالسوء تملَّصتُ منه أخيراً إلى وخزٍ يَحْسُنُ في نفسي!.
ثم إنِّي لا أذكرُ آخراً إلا قول عبد الله بن رواحة قبل أن تذهب نفسه، وبعد بيعٍ رابحٍ: " يا نفسُ إلا تُقتلي تموتي!."
ولا تنسي بأنَّه ما خيَّرها ساعة أن أقدم، إذ قال:
أقسمتُ يا نفسُ لتركبنَّه & طائعةٌ أو لتُكرهنّه
وهو أقد أركبها خيراً؛ بلا شك!.

وفاء شوكت خضر
24-11-2008, 04:42 PM
مرحبا بك أخي الكريم ..

نص نثري يحتاج القراءة مرات ومرات ، حتى تكتمل لذة القاراءة حسا ولغة وتعبيرا وإبداعا ..
لغة عميقة جميلة ، فيها الحكمة ، وفيها التأديب للنفس ، والتأمل في الذات ..

قد منحك الله أخي نعمة الفصاحة وروعة البيان وحسن التعبير ..
بحق نص يستحق التثبيت ..

فاسمح لي ...
بتثبيته

هشام عزاس
24-11-2008, 09:26 PM
الجميل / الهاجــري

أوبـــة / نص متألق متدفق بسلاسة لفظه و حسن صوره و طريقة عرضه و تناوله ... يحاور النفس بهدوء العقل و وعيه من خلال صفاتها ليبرز للعيان أي الثلاثة أجدى و أنفع مسلكا ... من خلال رصد حركات و مشاهدات حسية و حركية لا تتخطى المفاهيم المتعارف عليها .

نص ثري لفظا و حسا و معنى ...

دمت بهذا الرقي سيدي ...

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــام

سعيدة الهاشمي
25-11-2008, 03:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

نص ثري لغة وعميق دلالة، اجتياح متقن لعوالم الذات.

لا أجد ما أعلق به على هذا الزخم الباذخ من المعاني، سوى شكرا وسلمت يمناك .

تحيتي ومودتي.

يسرى علي آل فنه
25-11-2008, 04:04 PM
قد أفلح من زكاها

أخي الكريم مبارك الهاجري

ماأجملها من أوبة ؛ شعورٌ راقٍ ونصٌ أدبي متميز فكرةً ولغة
لكن استوقفني سؤال في قولك (وهو أقد أركبها خيراً؛)
هل هي قد أم أقد ؟ إن تكن الثانية أتمنى أن أعرف معناها
احترامي لك

سحر الليالي
25-11-2008, 04:09 PM
:

نص أقل ما يستحقه التثبيت ..!!
ما أبدع الحرف هنا فلله درك ..!

سلمت وداك حبرك الفاخر.

تقبل خالص تقديري وتراتيل ورد

مبارك الهاجري
26-11-2008, 11:44 PM
مرحبا بك أخي الكريم ..

نص نثري يحتاج القراءة مرات ومرات ، حتى تكتمل لذة القاراءة حسا ولغة وتعبيرا وإبداعا ..
لغة عميقة جميلة ، فيها الحكمة ، وفيها التأديب للنفس ، والتأمل في الذات ..

قد منحك الله أخي نعمة الفصاحة وروعة البيان وحسن التعبير ..
بحق نص يستحق التثبيت ..

فاسمح لي ...
بتثبيته
شكراً من موطئي هذا إلى مكة، وكفى!.

عبدالصمد حسن زيبار
27-11-2008, 05:49 PM
أوبة!.
نص حواري شفاف
بلغة متينة
و معان مضيئة
و بعد طهراني متعالي غير مغرق في الخيال

تحياتي

مبارك الهاجري
28-11-2008, 01:21 AM
الجميل / الهاجــري

أوبـــة / نص متألق متدفق بسلاسة لفظه و حسن صوره و طريقة عرضه و تناوله ... يحاور النفس بهدوء العقل و وعيه من خلال صفاتها ليبرز للعيان أي الثلاثة أجدى و أنفع مسلكا ... من خلال رصد حركات و مشاهدات حسية و حركية لا تتخطى المفاهيم المتعارف عليها .

نص ثري لفظا و حسا و معنى ...

دمت بهذا الرقي سيدي ...

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــام

لا أملك أمام هذا الزخم من العطاء، والثناء، إلا أن أشكركَ عاجزاً يا هشام!.
شكراً من القلب!.

مبارك الهاجري
29-11-2008, 01:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

نص ثري لغة وعميق دلالة، اجتياح متقن لعوالم الذات.

لا أجد ما أعلق به على هذا الزخم الباذخ من المعاني، سوى شكرا وسلمت يمناك .

تحيتي ومودتي.

وعليكم سلام من الله ورحمة وبركة
أعجز أن أرد جميل ما أتيتِ به سعيدة!.
فلله أنتِ!.

مبارك الهاجري
29-11-2008, 01:03 PM
قد أفلح من زكاها

أخي الكريم مبارك الهاجري

ماأجملها من أوبة ؛ شعورٌ راقٍ ونصٌ أدبي متميز فكرةً ولغة
لكن استوقفني سؤال في قولك (وهو أقد أركبها خيراً؛)
هل هي قد أم أقد ؟ إن تكن الثانية أتمنى أن أعرف معناها
احترامي لك

هي ( قد ) بلا شك أيها ألحبيب؛ وللكيبورد زللٌ في ذلك!.
دمتَ لنا!.

مبارك الهاجري
01-12-2008, 01:38 PM
نص أقل ما يستحقه التثبيت ..!!
ما أبدع الحرف هنا فلله درك ..!

سلمت وداك حبرك الفاخر.

تقبل خالص تقديري وتراتيل ورد

حضورك يا سحر محل اعتزازٍ لدينا، فلله أنتِ!.

مبارك الهاجري
01-12-2008, 01:40 PM
أوبة!.
نص حواري شفاف
بلغة متينة
و معان مضيئة
و بعد طهراني متعالي غير مغرق في الخيال

تحياتي
وكأنَّك طببتني بهذا التشخيص يا عبد المحسن!.
مودتي!.

د. سمير العمري
11-04-2011, 06:57 PM
شاعر وأي شاعر!

ناثر وأي ناثر!

أديب وأي أديب شامل مبهر!

هكذا النص النثري وإلا فلا لا!

لا فض فوك ولا حرمنا ألقك المبهر!

ودمت بخير وألق!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

ربيحة الرفاعي
26-02-2013, 04:49 PM
أتخيل الحروف حين يكتب الأديب تصطف متناحرة تطالب بحقها في مرافئ لها على شواطئ الجمال تتشابك فيها في نصوص ثرّة اللغة جميلة النسج تتدفق معانيها ببهاء وعذوبة وتنثال تعابيرها جمالا وألقا
هذا ما يدركة القارئ لنصك قبل أن يخوض في سمو موضوعه

دمت بألق

تحاياي

نداء غريب صبري
25-06-2013, 10:47 PM
لا تكفي لنص بهذا الجمال قراءة واثنتان
ولا يكفي للرد عليه كلام الشكر والتحية

أنت كاتب مبدع أخي

شكرا لك

بوركت

مبارك الهاجري
28-06-2013, 02:29 PM
حديثك هذا يا د. سمير مما أعتزُّ وأسعدُ به الله، فشكراً شكرا!

مبارك الهاجري
28-06-2013, 02:31 PM
أتخيل الحروف حين يكتب الأديب تصطف متناحرة تطالب بحقها في مرافئ لها على شواطئ الجمال تتشابك فيها في نصوص ثرّة اللغة جميلة النسج تتدفق معانيها ببهاء وعذوبة وتنثال تعابيرها جمالا وألقا
هذا ما يدركة القارئ لنصك قبل أن يخوض في سمو موضوعه

دمت بألق

تحاياي

ولا شك أنَّ ما تفوَّهتِ به أستاذة ربيحة على هذه الأحرف كان خيرَ حديثٍ لها وعنها.
احترامي.

مبارك الهاجري
28-06-2013, 02:33 PM
لا تكفي لنص بهذا الجمال قراءة واثنتان
ولا يكفي للرد عليه كلام الشكر والتحية

أنت كاتب مبدع أخي

شكرا لك

بوركت
وبك بارك الله.
كلام ٌ يحلق بي عالياً، فلله أنتِ مثنى وثلاث ورباع!

لانا عبد الستار
20-07-2013, 11:06 PM
أنت كاتب رائع
لغتك، أسلوبك، صورك كلها تشهد لك

نثر مميز وممتع
أشكرك

مبارك الهاجري
21-07-2013, 03:36 AM
يسعدني ويسرني ما قلتِ أيتها الفاضلة.
شكراً جماً!

فاتن دراوشة
31-07-2013, 09:51 AM
نصّ متقن الصّنعة قويّ السّبك ثريّ بمعانيه ومفرداته

ما أسعدني وأنا أقطف هذه الثّمار اليانعة عن شجر الأدب

لقلمك المبدع صفو تقديري واحترامي

مودّتي