المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 2- بناتُ الليلِ وأبناؤه



احمد فارس
27-12-2008, 08:23 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلمــة
هذه مقتبسات متفرقة من كتاب أعبرُ فيه عن خلاصة تصوراتي التي قيض لها أن تنشر في عمل سابق، لكنها اتخذت هنا نزعة الفن والأدب. وفيها أبين جملة من الأفكار وقواعد التغيير عبر الأسلوب الأدبي والتصوير الفني؛ نظرا للحاجة القصوى لأن تصل هذه الأفكار إلى وعي الناس الذين تتوق نفوسهم إلى سماع وتر الخير والجمال وهو يهتز ملتاعا؛ يبحث عن أسماعٍ تسمع، وأرواح تصغي، وإرادات تتحرك، لكن أجهدها الفكر المجرد والمعرفة الباردة، ولها الحق في هذا؛ بعد أن حطمت النزعة الأكاديمية سياقات كثيرة من غائية العلم وهدفه الإنساني؛ بذريعة المنهجية والتخصص، فالناس في شعور من الإحباط وندرة الكلمة الوثابة؛ بعد أن تحول غالب الفن والأدب إلى شيء يصعب التعبير عنه سوى أن يقال: سوقا يعرض فيه خضمٌ من الأفكار والنزعات النفسية والتأزمات الذهنية والنقدية تُفرض على الناس كهنوتا مقدسا.
بت مؤمنا بأن الكلمة روح تسري بين الحنايا والعقول؛ وأن غير الكلمة المتفجرة بالقوة وبالحب وبالجمال عاجزة عن سبر أغوار الحقيقة في زمن يكاد تُطمس في الإنسان معالمُ الإنسان. وإني لدارٍ أن كثيرين سيروق لهم ما أكتب، وآخرين سيجدون فيه ما تعودوا أن يبحثوا عنه، أعني بؤرةً سهلة تنوشها سهامُهم التي لطالما فوقوّها على لاشيء؛ سوى أن يقال أنهم يطلقون السهام. ولكن هيهات أن تكون بؤرة سهلة، لأن من يكتب بدمه يعرف سامعوه أن الدم روح.
وعلى هذا فرسالتي: أن أنزل أفكارا عليا إلى مستويات من التلقي أكثر بساطة وسهولة مع الحفاظ على نوعها وخصوبتها. ولا أدعي أن ما أكتب هو بالضرورة أصاب الصحة، بل أقر بأن ما وافق الصواب فهو منه سبحانه، وما أخطأتُ فيه فهو من عندي، ويرجع إلى قلة حيلتي وضعف بشريتي .
وألفِتُ عناية القارئ الكريم إلى أن هذا العمل ليس أدبا خالصا كما أنه ليس فكرا مَحضا. وعليه فإنه يحتاج إلى نباهة وصبر؛ خصوصا وان هذه مقتبسات خارجة عن سياقها السردي وحبكتها القصصية. لكن ما يرتق هذا الخرق كونها في الأصل ممنهجة بحسب تقسيمات موضوعية، فضلا عن إطارها القصصي الرمزي. هذا الإطار الرمزي هو عنصر من عناصر الجمال والسعة فيحتاج إلى عناية وتأمل من قارئ ذكيٍ مرهف يخرج بالمعاني عن حرفيتها المباشرة. وليس هدف نشرها هنا إلا رغبتي بان أساهم مع الأخوة والأخوات الذين تجردوا هنا للدفاع عن الخير والحقيقة والأمل.
وأخيرا لست انتظر رأي النقاد ولا متخصصي اللغة والفن؛ بقدر ما يهمني نبض القارئ الإنسان الذي هو بذاته هدفي، ورجائي أن تصل قلبه ووعيه كلماتي هذه وأنفاسي.
أرجو أن ينتفع الناس ... كل الناس بما أقدم، وهذا حسبي.

هشام عزاس
27-12-2008, 09:57 PM
الجميل / أحمد فارس

مرحبا بك و بقلمك في الواحة الخضراء

سننتظر ما ستحمله نصوصك المختلفة أخي و الجمال الذي ستودعه ها هنا ...

ننتظرك بشوق ...

أتمنى لك التوفيق و الاستمرارية و التفاعل المثمر

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـــام

الطنطاوي الحسيني
28-12-2008, 08:11 AM
هذا مقال نثري له ما بعده
فتقدم باجمل ما لديك اخي الكريم احمد فارس
سر على بركة الله واتحفنا بكل جديد
اخوك طنطاوي الحسيني شاعر وقاص

د. نجلاء طمان
28-12-2008, 10:15 AM
أهلًا ومرحبًا بكَ في الخضراء أيها الرائع, باقة ورد من إخوتك في أفياء الواحة الوطن.

سعدتُ بهذا العرض الشيق لفقراتك التنويرية, من ثمَّ انتهى عرضكَ بسرد مقالي يعرض قضية اجتماعية تتطلب إعادة الصياغة , فاسمح لنا بنقله إلى مكانه المفترض للتفاعل في ملتقى إعادة الصياغة.

مرحبًا مرة أخرى, وأنتظر عرضكَ الفعال.

يرعاكَ ربي متميزًا

احمد فارس
28-12-2008, 10:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اوشكت على انزال النص على الصفحة. لكنني فوجئت بنقل الموضوع. أرتئي أن يوضع النص في مجال الأدب والنثر لا في مجال الفكر حصرا. هكذا ارشدني احد الاخوة المشرفين. فانا جديد من منتداكم المبارك هذا. ثم هل ينقل موضوعٌ من قبل معرفة محتواه؟ أرجو التوضيح عاجلا. تحياتي لكم وامنياتي

احمد فارس
28-12-2008, 11:14 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


13
بناتُ الليلِ وأبناؤه
وبينما العابر يطوف أطراف المدينة شعر أن أحدا يقتفي خطواته؛ فأطرق فإذا بصوتٍ يناديه بخفوت وانكسار: مهلا .... أيها العابر .... مهلا. هل لك أن تصغي إلينا ؟
إن كلماتك اخترقت أعماقَنا وأنت تتحدث أمام الحشدِ عن العقل وكيف يمكن أن ينحط ويلحقه العار حتى يشبَّ عدوا لمعنى الخير والجمال. ولقد أوشكتْ خناجر القوم في الساحة أن تنشبَ في جسدك؛ لولا أن سارعتَ بالمضي فاختلسنا نحن الطريقَ؛ فأتيناك نسمع إلى ما لم تقله أمام الحشد؛ إذ قد شعرنا بأنك كنت ترمز إلينا أيضا بحديثك " نحن بنات الليل ".
إننا ما شعرنا بعارنا كما شعرنا به في كلماتك؛ لأن كثيرا من مدّعي العفة هم من امتهنوا أجسادنا ... هم من انتهكوا حرُماتنا ونحن نتضور على عتباتهم ذلا ومهانة؛ فهم - كما بالأمس انتهبوا حقوقنا - يتخطفون في المساء نضارة أرواحنا؛ ثمّ يصبون شِواظ ألسنتهم علينا في رابعة النهار، فلمَ لا يسميهم الناس أبناء الليل ؟ أوَ ألم ينجبُ الليلُ سوى بنات !!
أرأيتَ بنتَ ليلٍ تعرض رذيلتها في أروقة الفضيلة ؟ أم أن مَن يستجلب العهر صانعوهُ وسماسرته في كل آن؛ فبات الذئب الذي يدعى رجلا إنسان لا يريد أن يرى العهر المتخفي خلف كواليس الليل؛ حيث تمارِس الرذيلةَ نفوسٌ أثقلها الترفُ أو النزق والعنجهية؛ لكنها تمارسها من وراء أستار، حتى إذا ما استمكنت منها عند الصباح جراحاتُ الضمير - وهي تنزّ قيحا وصديدا - طلبوا ضحيةً يلقون عليها أسمالهم. وها نحن نرتدي تلك الأسمال، " نحن بنات الليل".
كثيرون يشيرون إلينا بأعين التحقير أيها العابر؛ لكنْ كم عدد الذين يومِئون بالبنان إلى مَن ينتهك أجسادنا؛ ليشبع غريزته؟ بينما جُلنا بِعن هذه الأجساد اضطرارا أو عنوة، فلمَ اختص لفظ العهر بنا دون أبنائه؛ نحن " بناتِ الليل " ؟
ها نحن نطلق ألسنتنا لثقتنا بأنك تستمع فينا إلى صوت الإنسان؛ فأصغ إلينا؛ فربما لن يتسنى لنا أن نطلق ألسنتنا مرة أخرى نحن بنات الليل.
هل تولد بنتُ الهوى بذاتها؟ أم هي تتمخض من رحم الرجولة المنحطة ؟ لكن من يجرؤ على أن يستمع إلينا أيها العابرُ سواك؟؟
أوَ ترى كيف ينحط الطهر في مآقينا لتنشِب الشهوةُ المنحطة مخالبها في وجناتنا ؟ فهل ترى ما نعاني من ألمِ الاحتقار ؟ لكن
إن احتقارك يبهجنا لأنه احتقار فاضل نزيه، لكننا لا نطيق احتقار من هم أحط منا في مهاوي الانحطاط.
وهنا أطرق العابر مليا ثم قال:
ها أنا ذا أتصدى لأنكى لحظاتي وأشدِّها فتكا بإرادتي ومشاعري؛ إذ اضطر إلى الحديث مع بناتِ ليل؛ فما لكُنَّ ومالي !! هل أتيتُ لأمسح على رؤوس الأشلاء؛ انتصارا لروح الفضيلة ؟ أم جئتُ أسكبُ دموعا على حطامٍ مزقته أنانيةُ بني الإنسان !! ويل لكُن؛ اغربن عن وجهي؛ لِئلاّ تسمَعن ما يدمي أرواحكن.
وهنا أحنتْ رأسَها ( التي كانت تتكلم ) ثم عادت تتمتم:
- لك الحق فيما تقول أيها العابر، فمثلك لا ينبغي أن يتحدث إلينا؛ لأن في ضميرك من الطهر ما ليس من الإنصاف أن نقف أمامه نتبجح بما نتشكّى؛ فمِن العار أن يقالَ: لم يجدْ العابرُ سوى بناتِ ليل يلقي عليهن أحاديثَه، لكننا جئنا نستمع إليك أيها الإنسان ... نحن أشلاءُ بني الإنسان.
- لستُ ممن يترفـّع عن المثول في قلبِ الحضيض؛ فمعايير الغوغاء ما عادت تنال من عنفواني؛ لأنني بِت اعرف من أكون، ولقد شهدتُ من الفجائعَ وأنا اسبر أغوار الماضي وألج جنون الحاضر ما يروّع كلَّ قلب.
هُوَ ذا قلبي مجهد بجراحٍ مثقلاتٍ بوطأة بني الإنسان؛ هي ذي عاتيات أقوالي سحائبَ مرعداتٍ مزبداتٍ دون إمطار حتى تأزف ساعتي بوابل من الغيث أسكبه على وجنتي الحقيقة؛ وقد أجهد نضارتَها الروحُ المكفهر الثقيل. هو ذا فكري يميد بأعبائه وأنا استعرض ما تكشف من أستار، فما نال كل ذلك من عزمي وإرادتي وأنا اعري سوءات مَن استتر بألقاب الفضيلة غيرُ عابئ بما يصوّبُ إلي من سهام مشبعاتٍ بالضغينة. لكنْ ما جرعني سما زعافا توهّمُ الأدعياء أنني جئت لأكون واعظا؛ أبحث عن أسمال عتيقة أرتّقها لأدفئَ بها نفوسا ترتعد انكسارا وانحطاطا؛ ومشاعر أنانية جبانة غاب عنها عنفوان الجمال ونضارة الحب. لكنني مع كل غضبي لستُ أنسى أنني أخاطبُ فيكن بقايا إنسان. وهنا لا أملك إلا أن أغض طرفيَ داميَ القلب أمام هذا البناء الشامخ وهو قيدُ الانحطاط والوضاعة.
هذا ما قاله العابرُ، ثم سرعان ما عاد بحزم يقول:
الحق ما جئتُ أتحدث إلى أشلاء؛ بل بالحريِّ أتيت أبحث عن أحياء ... وإني لا أملك أن احتقِركن على التعميم؛ لعلمي أن منكنَّ ضحايا أفّاقي مبادئ؛ ومهرجي حقوق.
والحق أيضا لست هنا لأدافع عنكن؛ وما ينبغي لي، لكني أدركتُ - وقد غمرتني اللوعة - كيف ينحط ضمير الإنسان ليحمل كثيرا منكن على هذا الفعل.
منكن من تسقطها الشهوة في براثن العار ... ومنكن من تسقطها الحاجةُ، غير أن أغلبكن يسقطن بفعل ما صنّعوه من أفكار وأوضاعٍ ونظم؛ حتى صارت منافذ الفضيلة لا تمر إلا عبر نفق غالبا لا يسلم من المرور فوق صراطِه إلا القليل من العابرين. ولعلي أشير هنا إلى العهر المتخفي أكثرَ من إشارتي إليكن أيتها الأشلاء.
كثيرون هم الذين قالوا: لطالما تحدث العابر عن النساء؛ لكنه – وا أسفاه - لم يتحدث إليهن مرةً واحدة. والحق أنني لم افعل هذا إلا لأنني قد ضقتُ ذرعا بعنجهية كثيرٍ من النساء؛ وقد وقعن ضحية نزق الأكاذيب تصبُّ مواهبها في جُعبِ الأفاقين من الرجال ومن النساء على حد سواء؛ لهذا تحاشيتُ الحديثَ معهن كي لا أشم رائحة العفن في صراخِهن وقد أتخمت مشاعرهنَّ الشعارات.
ترى أيَّ شيء أقوله لعقول مخدرة لا ترى فيّ إلا عدوا لنزقهن؟ كيف لي أن ادع أذني طُعما لصراخ من يفتعل الارتقاء والتحرر وهو يرسف بأثواب العبودية؛ فيقذف إلى مسامعي كلماتٍ مشبَعاتٍ بالضغينة؛ وكأني أنا من يجرجرهن من شعورهن ليأتيَ بهِنَّ عرائسَ مترنحة أثقلت وجوهَهن الألوان؛ وامتص نظارتهن سُكْر العواطف؛ كي تنتشين برؤية تمثال التحرر الذي ما عاد يرمز إلا إلى صراخ الشهوة وهو يحمل في يمينه باقةَ زهورٍ وفي يساره مشعل الأنوار الملونة.
ولكنْ أنَّى وجدتُ الاستعلاء - وقد خبا لهيبُه وانكفأ سعيره - فإن على لساني أن ينطلق ليقول ما يجيش في خاطري؛ فما أقولُه كلمات من دمٍ وروح. لذا وقد تحطمتْ فيكنَّ روح الاستعلاء فسأتحدثُ إليكن عن النساء:
الآن وقد تحطم قيدُ العنجهية فلا ضيرَ على كلماتي من أن تنطلقَ لتتحدث عن النساءِ أمام نساء؛ مع أنكن - والحقُ أقول - لستنّ إلا حطام لفظته أمعاء نتنة، تلك هي أمعاء مدنيّة هذا الزمن الأخير؛ ولكن بقيَ في أرواحكن شيء يمكن الوصول إليه لغياب صوت العنجهية.
ثم أحنى الشيخ رأسه مغمضا عينيه، يعتصرهما بشدة، وبقي صامتا برهة من الزمن، ثم رفع رأسه قائلا:
ها قد ضقت ذرعا بفلاسفة الزمن الأخير وقد استعاروا آذانهم من فيلة عملاقة أتى عليها الزمن؛ فراحوا يهشّون بها على كل كلمة تتخطّر في أقماع مسامعهم وهم يطأطئون رؤوسهم، وشفاههم تتبسم ابتسامات سمجة.
قد ضقت ذرعا بنخاسي المبادئ وهم يتعاطون السياسة. قد ضقت ذرعا بسماسرة الكلمة والفنون في سوق المشاعر التي ما عدتُ أرى فيها إلا نادرا أنفاس إنسان. لذا فإليكن يا بنات الليل سألقي بكلماتي كي يفهم كلُّ أولئك وهؤلاء أنْ ما أجدر ببنات الليل أن يستمعن إلى نشيج الفلسفة؛ بعد أن غدر بها أبناء الليل؛ وهي تترنح ثملة بخمر جدُّ نتنة، مخبوءة في دِنانٍ موبوءة؛ فضَعْنَ أكفّكن على الأفواه.
بالأمس كانت الحاجةُ تخترعُ الأشياءَ، أما الآن فقد صار الجشعُ والتهالك على الكسب يخترع الحاجات؛ فأضحى الإنسان عبدا لأنْ يملك لا لأنْ يكون. وتحت شعار التخلص من الألم والفراغ والوحشة مُررت على بني الإنسان أحطُ المسوغات.
قد راح طلاب السطوة والمال الآثم يُشعِرون الإنسانَ بضرورةِ أن يملك حتى ما ليس له به من حاجة؛ ليجبروه على أن يلهث محتاجا لما يصنّعون له من حاجات هي ليست - على الحقيقة - بحاجات، لذا صار الشعور بالحرمان حافزَ الإنسان لأن يملك، لكنه– وقد أُجبرَ على أن يملك- ما عاد يستطيع غالبا أن يملك إلا عِبر منافذ الاستحواذ التي يهيمنُ عليها سماسرة الاقتصاد والإعلام والسياسة، وليس - والحال هذا - من طريق أقصر من المغامرة. وطريق المغامرة يتعارض في كل حين مع غالب فضائل بني الإنسان؛ لهذا كان على الملايين أن ينزعوا عن إهابهم ثوب القيم؛ لأنهم مجبرون على أن يحوزوا ويملكوا ... مضطرون لأن يحصلوا على الحاجات؛ تماما كما يضطر مدمِنٌ إلى الحصول على سمومه.
الآن وقد صار غالبُ رأسِ المال بيد الشُذاذ فما على الجموع إلا أن تعمل بكد وتهافت في مؤسساتهم، ولكن مؤسساتهم غالبا لا تعرف عنوانا سوى الربح لذا فقد أصبح غالب الناس يعملون في تصنيع هذا الربح الوفير، فصار تسويق اللذة أقل الأعمال تكلفةً ورأسَ مال؛ والفرق في فائض القيمةِ هائل؛ إذ ليس هناك من قيمة أصلا، فأيُ فائض يأتي فهو صيدٌ سمين. وحيث حُلت مشكلة السوق بتحويل المنتجين ذاتهم إلى مستهلكين فقد صار نصف اقتصاد السوق يعتمد على تسويق اللذة. ولست بحاجة لأن أدللَ بشاهدٍ على أن كثيرا من المِهن التي صار الناس يمتهنونها بحبور وتفاخر هي على الحقيقة صنف من أصناف مؤسسات العهر الجالبةِ للانحطاط والألم والعار. فهل صار عليّ أيضا أن أقتحم بكلماتي المسكوتَ عنه من أصناف العهر فأفتض سترَه في عارية النهار؟
ها أنا ذا اعترف يا بنات الليل بأن منا نحن معْشر الرجال مَن قد استهواه انحطاطكن في مهاوي الرذيلة فحولوكن إلى سلعة وهم يدعونكن إلى ما أسموه تحررا ومساواة. والنتيجة أنهم صنعوا جيشا من البغايا لم يشهد له التاريخ مثيلا؛ فأوقعوكن في براثن الحرمان والخوف وملأوا الأرض أمراضا وأوبئة وحشودا من المحرومات والخائفات يلدن طوفان من كيانات لا تعرف قيمة لأسرة أو انتماءٍ أو حب؛ ثم قالوا لك أيتها المرأة: هو ذا طريق الحرية؛ فتمتعي؛ فصار جسدك سلعة ينتهك على مذبح الحرية. هكذا أصبحتِ أيتها المرأة الأم سلعة ديمقراطية.
حرضوك على التمرد ومنعوا عنك نسائم الفضيلة قائلين لك: هذا وباء فحاذري؛ فقبلتي أنت العرض فانحط فيك الإنسان، وها أنت الآن سلعة من سلع الحرية المعلبة.
ترى أي صلة تشكلت بين العهر والحرية! إنه لأمرٌ جدُّ مخجلٍ أيها الإنسان.
أخبروكِ بأن طريق السعادة أن تتجرّئي على العفة باسم الحرية، علموك الابتذال باسم الفن فانتهكوا جسدك فصار سلعة يتمتع برؤيتِه الذين ألهب غريزتهم وشهوتهم الإعلامُ الآسن؛ لتمتلئ بالذهب جيوبُ تجار الرقيق الأبيض في عصر الأنوار والحرية!!
أو لم يُدخل تجارُ الفن والإعلام ماخورا في كل بيت؛ فأثاروا عواطفك وعواطف الشباب النزق ففتّحوا عليكم جميعا أبواب الإسفاف ليتاجروا بنضارتك أنت أيتها الأم ؟ وكل هذا يجري على مرأى ومسمع من سلاطين السياسة؛ وأبواقهم النكرات.
صرت أتحسس وجوه الناس المتعبة كل صباح فأراها مثقلة بأنين الجسد الذي اعتدوا على فطرته وألهبوه بما يعرضون عليه طوال الليل من بضاعة رخيصة قيل عنها ترفيه، وقيل عنها تسلية، وثقافة قيل، لكنه ترفيه استمد مادته وبضاعته غالبا من جسدك ومشتقات هذا الجسد. لكنك ولفرطِ تهالكك على عتبات الإثارة والإغراء قبِلتي كل ذلك فتحولتي عدوا لمنابع الفضيلة وأنت تعلمين أن ما اضطروك إلى أن تمارسيه لهوَ العهرُ في عارية النهار؛ فلا تتبجحي بقولك: أنك محض ضحية لا إرادةَ لك ولا وقوة، لكن يعذرك أنك نويتي ويفعلون.
فليجرأ من يتغنون بحريتك وحقوقك من ساسة وأقزامِ مفكرين ومهرجي آداب وفنون أن يشيروا إلى من يمتهن حريتك وجسدك ويقولون: ما انتم إلا نفوس متوحشة اتخذت جسد أمّنا الرؤوم طريقا لسلب الناس اراداتهم ووعيهم وأموالهم؛ فكفوا أيديكم من قبل أنْ نحطمَ فيكم التمثال.
ترى هل يجرؤون ؟ إذن على هؤلاء أصب جامّ غضبي ومقتي.
ولن أنسى أن أخبركنْ كيف استقر في أعماقِ كثير من النساء خفةُ العنفوان؛ فهنّ ميالات أبدا إلى كل نغمة طرب تدغدغ صوتَ أنوثتهن التي لا يشبع صراخها إلا أشدُّ تعبيرات الغزل كذبا وخديعة. وبهذا يتمنى مثل هذا الصنف من النساء أنْ لو تحول كلُّ رجال الأرض إلى كذابين؛ فمثل هذا الكذب لديهنَّ هو أسمى فضائل الرجال. فكيف - والحال هذا - تؤتمنُ نساء على تحطيم قيودهن وهن مَن اخترن هذه القيود؟
إن ثمة خيط رفيعٍ في نفس المرأة يربط بين إثبات أنوثتها وبين ميلها إلى خفةِ الروح؛ لذا غالبا ما كانت خفةُ روحِها طريقا إلى تجاوز العقبات في طريق إثبات حضورها. وقليل من النساء من نجحن بالتفريق بين هذا وذاك؛ لذا - ومنذ الأزل - كان ضعف المرأة يكمن في انقطاع هذا الخيط الرهيف.
لقد عرف سماسرة الجسد سرا خطيرا؛ هذا السر يكمن في طبيعة المرأة. هو سر يقول أن المرأة تطلب السعادة عبر منافذ خيالها ومشاعر أنوثتها قبل عقلها - أو هكذا روجوا عنك وأنت بالتكرار صدقتي، وأنت بتكرار تحولت إلى هذا - إذن ففي أعماق كل أنثى نزوع إلى هاجس طالما أجهدها، ذلك الهاجس هو إثبات ذاتها عبر أنوثتها. وهل هناك من طريق أسهل في التنفيس عن هذا الإثبات كالانقياد وراء العاطفة والمشاعر المتأججة تتخذينه سلاحا ترتجين منه الهيمنة.
أفٍّ لكُنْ سأعلن. الآن مضطرا ما لم أكن أريد إعلانه؛ فلتطبق كل واحدة على فمها فقد بتُ أمقت دهشة البلهاء:
ما قلتُ آنفا إلا مجرد وصف من الخارج، أما من الداخل فسر المرأة مرتهن بأملها بإنجاب من يثبت رغبتها بالهيمنة على الرجل؛ لكنها لا واسفا قد غادرت ومنذ زمن مديد عناصر الهيمنة الحقيقية؛ لأنها في اللحظة التي تلقي فيها حملها تتحول إلى أم. وهنا يكون لها هدفا يختلف عن سابق أهدافها، وبذلك تتحول عن هدفها الأول لتبدأ من جديد. وفرق كبير بين المرأة بوصفها امرأة وبوصفها أمّا. ففي اللحظة التي صارت فيها أمّا تنازلت عن نزاعها العتيد مع الرجل. لذلك لا تعرف المرأة أن تنتصر لأنها تغادر أعتى معاركها وهي في أوجِّ احتدامها. اذن ففي الممر الضيق الذي بين المرأة والأم يكمن ضعفها وهنا تتبدى عنجهية أشباه الرجال.
لست أنسى أنني قد أنجبتني بالأمس امرأة؛ ومع كل هذا فلن أتحدث أحاديث الحمقى لأصب حانقات الألفاظ على عنجهية أشباه الرجال وحدهم لتسليطهم سياط العبودية على المرأة؛ فما يغنيني ولا يهمني أن أصفَ وقائع الأحوال لأنها باتت من الوضوح بحيث لا يجهلها عاقل، وإن أنكرتها في العلن الملايين.
نعم وددت لو تحدثت عن عتاق المرأة من قيود المرأة ذاتها؛ وتلك وا أسفاه أقسى القيود. قيود قد ضُربت عليها أقفالُ من العسير أن تجد لها مفاتيحَ؛ وان مفاتحُها من دم وروح.
لا أنكر أن هناك الكثير من النساء والرجال تتوق أنفسهم إلى تنسم أعباق الحرية والعيش بسمو وألفة وحب، على الأقل على صعيد نواياهم. وهؤلاء حتى وهم يضلون الطريق إلا نزاهة نواياهم تشفع لزيغ عقولهم لأن يؤوبوا إلى حظيرة الخير والجمال والفطرة. لكن جامّ غضبي أصبّه على الأفاقين من النساء ومن الرجال.
هل استمعتم يوما إلى صوت الوحش وهو يزمجر في أغوار النفوس المنحطة وقد أشرع أظفاره لافتراس أي جسد يتهيأ له؟ هو ذا صوت الشبقِ الذي يصرخ في نفس من باع بالآجل حريتك أيتها المرأة ليراك كيانا شبقا يُعرض أمام ناظريه كي تطاله أنياب شهوته المتعطشة التي لا تعرف سكونا، لكنه أجبن من أن يعترف بهذا أمامك. لذلك راح يغلف نواياه بألوان من شعارات لا تحصى يدغدغ بها مشاعرك وأمنياتك الوردية. ولكن بدلا من أن تصبي غضبك على الأدعياء من الذين يمتهنون حريتك رحتي تحتقرين كل من لا يرتضي لك مثل هذا من الرجال والنساء، فصنعتي لك عدوا تخرسين به صوت ضميرك.
لكن أشنع ما رأيت - وأنا انزف دماء جراحاتي أيتها المرأة - نساءا يحتقرن في العلن كل امتهان وإسفاف يُصب عليها كالذي ذكرتُ آنفا، لكن لا حبا في الفضيلة بل خوفا من مخالب المجتمع، أو افتعال لفضيلة تحقق من خلاله مآرب شتى. وهذا يعني أن مثل هؤلاء لم يزوّرْنَ روح الفضيلة فحسب؛ بل تجأرنَ على ممارسة أحط ألوان الإسفاف في كل لحظة مأمنٍ سنحت لهن. وإني لأربأ بنفسي أن أعمم ما أقول؛ فما أقوله هنا يعرفه تماما كل من هم هدف لعاتياتِ أقوالي، وقد عصفت بها ريح إرادتي وتجرّدي. واني لدار أنْ ستلوك كلماتي أفواه طوابير الأدعياء وتستل من بين كلماتي عبارات يصوغون منها سهامهم الحانقات يصوبونها إلى نحري؛ فانا في ملتهم واعتقادهم شيطان مريد. وآخرون سيجدون فيها إنسانا مفرطا في إنسانيته. غير أني لستُ عابئا بهؤلاء وأولئك؛ لأني ما عدت أهتم لأراء الكثير من الخلطاءِ فقد صرت أنكر معاييرهم وفضائلهم التي يدّعون؛ لا شكا في الفضائل ذاتها بل شكا في دوافعها ومظهرها المتحول عن أصلِه؛ لذا ففيما وراء الخير والشر رحت أبحثُ عن المعاني طلبا لروح الحقيقة.
وهنا علت الدهشةُ وجوه الفتيات فوضعنَ أكفّهن على الأفواه وقد جحظت أعينهن؛ فأومأت التي كانت تتحدث تطلب من العابر السكوت.
ومرت برهة من الزمن كان العابر فيها قد غرق في صمت طويل، إلى أن انبرت التي كانت تتحدث قائلة:
يبدو انكَ قد نسيتنا أيها العابر فرحت تتكلم عن مطلق النساء بينما نحن مَن كنّ نحاورك.
فاستدار العابر مشيحا بوجهه بانفعالٍ؛ فتناثرت من مقلتيه بضعُ دمعاتٍ؛ هوت على الأرض متتابعات، لكنه استدرك قائلا:
لعلي لم اذهبْ بعيدا عنكن فيما ذكرتُ آنفا. فلقد قلتُ قبلُ: إنَّ في الممر الضيق الذي بين المرأة والأم يكمن سرٌ تبدّت فيه عنجهية الرجال؛ ونزق المرأة. ثم تلاشى مسرعا وقد عَمَّ الوجومُ المكان.

د. نجلاء طمان
28-12-2008, 11:33 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اوشكت على انزال النص على الصفحة. لكنني فوجئت بنقل الموضوع. أرتئي أن يوضع النص في مجال الأدب والنثر لا في مجال الفكر حصرا. هكذا ارشدني احد الاخوة المشرفين. فانا جديد من منتداكم المبارك هذا. ثم هل ينقل موضوعٌ من قبل معرفة محتواه؟ أرجو التوضيح عاجلا. تحياتي لكم وامنياتي
بعد سلام الله والرحمة
عذرًا سيدي, لم أقصد بنقل موضوعكَ الكريم إساءة لا سمح الله, لكن كلمتكَ في البدء هي من وجهتنا لنقله, ثم تصورتُ أنا أن خواطركَ ستدرج في موضوع منفصل وهو المتبع عادة وهو المنهاج السليم, فالخاطرة المنشورة هنا لا ينوه عنها بكلمة في البدء, بل تتركَ يتلقاها المتلقي كل حسب وجهته. لكن قد يعزى هذا طبعا إلى أنك عضو جديد ربما لا تعلم عن فنيات الواحة الكثير. لكنني أرجو أن تعيد النظر في الموضوع فأظنه بعد التسلسل المطروح لا ينتمي للخاطرة .

أرجو أن يتسع صدركَ لنا فنحن نحاول أن نضع النصوص في مكانها الصحيح, سننتظر حتى تنهي النشر وسيذهب موضوعكَ الى مكانه المفروض.

تقبل مروري, يرعاكَ الله

احمد فارس
28-12-2008, 12:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر الاخوة هشام عزاس والطنطاوي الحسيني وكل الاخوة والاخوات المشاركين على حسن لقائهم؛ متمنيا لهم وافر التوفيق والحبور. ولسيدتي الدكتورة د. نجلاء طمان غامر التقدير على جميل عنياتها . واقول: يا سيدتي ما كنت الا مستفسرا منتظرا لتوضيح ليس الا. وما انتويت نشره هنا ليست خواطر وانما مقتبسات من كتاب لي؛ فأحببت ان امهد لها بمقدمة توضيحية لأجل كونها مقتبسات. عامة انتم ادرى بمكانها المناسب. ولكل هذا وذاك سعة صدري ونزولي عن أرائكم وخبراتكم.
اليكم ايها الاحباب جميعا اهدي احر تحياتي وشكري مع امنيات مكللة بروح الاخوة، راجيا ان ينفع الله بي وبكم الناسَ .... كل الناس.

خليل حلاوجي
29-12-2008, 08:15 AM
وأخيراً ...

هاهو الفارس القادم من أرض نينوى .. أرض عداس الرسول محمد .. أرض النبي الصالح الصابر يونس


يضع متون حبره الأنور ... هنا


في واحة الفضلاء .. الأتقياء ... الأنقياء .


مرحباً بك حبيبنا الفارس ... حرفه

الفارس بجرأته على طعن خاصرة التشويش والتشويه للفوضى الخلاقة التي نحيا تفاصيل فجيعتها ..


نعم :


نحتاجك معنا رائداً ... للفكر والشعر

\

وحتماً سأعود لمقارعة النص بالبهجة ..

\

مودتي لقلبك خالصة .

احمد فارس
29-12-2008, 10:53 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ مئاتٍ مِن السنين طِِوااااااااااااااااااااا ااال
وقف احدُ الحكماءِ يناجي الشمسَ قائلا:
ايتها الشمسُ
ايها النجمُ المنفرد
لو لم يكن لشعاعِك مَن يُنير
هل كان لك غبطة !!!!
اذن يا اخــــــــــي
لولا حرارة قلوبكم ورياحين أفهامكم
فلا قيمة لما أكتبُ
فالحروفُ بسامعها وواعيها
وإلا
فهي مجرد
حروف
انتظر تعليقاتك يا اخي وآراءك
هنا وهنالك
فهذه كما تعلم مجرد بواكير
ومن بعدها نشد القوسَ الى أقصاه
فكن معي
رعاك اللهُ أخي خليل واسعد قلبك ورزقك الخير كله

أحبـــــــك

وفاء شوكت خضر
27-01-2009, 04:12 PM
حيرني هذا الموضوع ..
فقد جمعت فيه الموعظة والفكر والفلسفة والسياسة والتحليل النفسي ..
لم يكن نثرا ما قرأته على هذه الصفحة ، إنما فكر لإعادة صياغة الإنسان ،
كي يعود لفطرته التي خلقه الله عليها ، إلى الجمال الطبيعي الخالي من الزيف ..
بعيدا عن كل بهارج الحياة ، وعاريا من كل تجمل لا طائل منه غير التبجح .

سأتابع هذا الموضوع بشغف ..
مرحبا بك في واحة الخير التي أشرقت الأنوار فيها بحلولك بيننا ..

ضحى بوترعة
27-01-2009, 04:21 PM
أهلا وسهلا بك أيها المبدع المتألق

شكرا على هذا الجمال
نص مشحون برؤية فلسفية فكرية واجتماعية فيها الموعضة والنقد
مع سرد رائع ولغة قويّة

مودتي وتقديري

ريمة الخاني
27-01-2009, 05:08 PM
قرات الموضوع استاذي فعلا كان نظيفا في بدايته ونحن نتالم على من دفع دفعا لتلك الترهات والدونيه, ولكن هناك من تربى على ذلك والحديث يطول هنا..فما قولنا بهؤلاء؟
تحيتي وتقديري

أنس إبراهيم
27-01-2009, 07:17 PM
بدايةً أشكرُ أستاذي خليل حلاوجي لإرشادي هنا

جميلٌ هو الإسم " بناتُ الليلِ وأبناؤه "

أضيفُ على ما تكلمتَ عنهُ ، أقصد " إستهلاك المرأة " بعدة أفكار ومسميات " عصرية " وانتهاك عفتها
هو أن هذا الشيء هو جزء صغير من مشروع أسموهُ " العولمة "
سأعمل جاهداً على بيانهِ في الأيام القادمة ، وهو مشروع تقريبا متكامل ولكن بدأ ينهار تدريجيا منذ بداية الربع الأخير من عام 2008 هدفه القضاء على الأفكار الإسلامية في العالم والنظام الإسلامي ولكن بطريقة ممنهجة وثقافية وغير مشعور بها ، وبالنسبة لي مشروعهم الذي بدأ الإنهيار قد نجح تقريبا 75 % !!

شكرا للأخ الفارس على هذا التنوير والذي أتمنى أن أكون رفيقاً لهُ في هذه الرحلة الفكرية الشيقة الخيرة
والشكر موصول أيضاً إلى الأخ خليل حلاوجي .

تحيتي وتقديري لكم

احمد فارس
29-01-2009, 12:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر الإخوة والأخوات: وفاء شوكت، ريمة الخاني، انس إبراهيم، ضحى بو ترعة على تعليقاتهم. وقد أصابت الأخت وفاء إذ قالت: لم يكن نثرا ما قرأته، إنما فكر لإعادة صياغة الإنسان .... .
فعلا النص محاولة الانقضاض من خلال لغة الفن على معاقل الشر. وكان اعتماد الجمال لأجل إنزال أفكار عليا إلى مستويات أدنى كي تصل إلى افهامهم؛ من بعد أن سحقت أو كادت الأكاديمية الباردة - التي استحوذت على مقاصدها السياسة - روحَ التواصل بين العقل وبين العاطفة؛ فغُيبت الحقيقة وراء شعارات لبست لبوس العلم والتحرر؛ بينما صوت الإنسان يخنق تحت الركام. فليس سوى الكذب إلا من رحم الله.
وهذه المقتبسات نصوصٌ رمزية تعالج قضايا متفرقة على شكل فقرات تجمعها حبكة الرواية. لهذا فجوابي على تعليق الأخ الفاضل أنس إبراهيم: أنها ليست متعلقة بالمرأة حصرا؛ بل ذات صلة بكل ما يتعلق بالإنسان بما هو إنسان. وموضوع المرأة مجرد رمز قد لا يعني المرأة على التحقيق؛ وقد يعنيها. فالنص يمكن أخذه على مستويات عدة من القراءة بحسب توجه القارئ وفهمه وذوقه. أما مقاصد النصوص الأصلية فأعترف بأنها ليست لعامة الناس.
أما موضوع المرأة وشرعة استهلاكها وانتهاك حقوقها فلا أؤمن بهذا التصنيف؛ إذ ليست المرأة هي التي عادت في الحضيض بل الرجل أولا وهبوطها مشتق من انسحاقه في دوامة التغييب ومصادرة الروح والشخصية لا الحقوق فقط. ولك أن تقول أن النصوص تستهدف الإنسان بما هو إنسان؛ ثم هو هجوم منظم له استراتيجيات خاصة على معاقل الشر والتزييف، في أي مكان كان وأي لغة تحدَّثَ. ومن هنا فلا بأس بأن تتواصل مقاصدنا. ويبقى لا قيمة لما أكتب الا أن تكون هجرتي فيه الى الله؛ ومنه أرجو التوفيق والثبات.
ثم أن تجربة النص هذا إثبات ودفاع عن حيوية اللغة - وسردها كما ذكرت الفاضلة ضحى بو ترعة - قبالة ما يصب على مرتكزاتها الفنية والأسلوبية من تغييب واتهام وسحق تحت آلة أراء مستجلبة هلامية اتخذت شعار الحداثة طريقا لها من أجل تغييب قدرتها على التغيير، وبالتالي طمس قدرة الأدب على مقاومة آليات فعل الباطل في ارض الواقع. لكم جميعا خالص الشكر وجزاكم الله الخير .... كل الخير

د. نجلاء طمان
29-01-2009, 01:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فعلا النص محاولة الانقضاض من خلال لغة الفن على معاقل الشر. وكان اعتماد الجمال لأجل إنزال أفكار عليا إلى مستويات أدنى كي تصل إلى افهامهم؛ من بعد أن سحقت أو كادت الأكاديمية الباردة - التي استحوذت على مقاصدها السياسة - روحَ التواصل بين العقل وبين العاطفة؛ فغُيبت الحقيقة وراء شعارات لبست لبوس العلم والتحرر؛ بينما صوت الإنسان يخنق تحت الركام. فليس سوى الكذب إلا من رحم الله.
.......................
ثم أن تجربة النص هذا إثبات ودفاع عن حيوية اللغة - وسردها كما ذكرت الفاضلة ضحى بو ترعة - قبالة ما يصب على مرتكزاتها الفنية والأسلوبية من تغييب واتهام وسحق تحت آلة أراء مستجلبة هلامية اتخذت شعار الحداثة طريقا لها من أجل تغييب قدرتها على التغيير، وبالتالي طمس قدرة الأدب على مقاومة آليات فعل الباطل في ارض الواقع. لكم جميعا خالص الشكر وجزاكم الله الخير .... كل الخير

إن الأكاديمية الباردة- وأهمها الإعلام- التي سقطت في أنفاق السياسة فلغت عن قصد هوية الإنسان السامية -ولن أخصص فأقول العربي- فأصبحت الشعوب بكافة طوائفها تستعر بنيران فتنة وعصبية لغت أهم الأسس اللازمة لبناء العقل في ظل صياغة صحيحة منطلقة من تيار محمد الأكرم والصحابة الأكرمين.

نحن بحاجة لإعادة كاملة لصياغة المفاهيم قبل العقل ووقفة إيجابية في فضاء خالي من أي تكنولوجيا يرأسها أصحاب مصالح خاصة -لا يظهرون إلا ليلًا وفي حالك ظلمتنا- , نعود بعدها لهذا المارد التكنولوجي فنتغلب عليه بعقل مسلح التسليح السليم؛ تسليح أدبي وفكري وعقلي شامل يسطع كألف شمس لا تؤثر فيها ظلمة؟
تقبل مروري, رعاكَ ربي

احمد فارس
29-01-2009, 07:37 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحق ما توقعتُ أجد بهذا التفهم السريع والدقيق تفسيرا لمقاصد ما قدمتُ من مقدمات؛ فما ارقني وأجهدني الحاجة المستمرة إلى التمهيد والتنبيه إلى الفصل بين الخطاب الديني والخطاب الإسلامي.
قلتي د. طمان (( إن الأكاديمية الباردة- وأهمها الإعلام- التي سقطت في أنفاق السياسة فلغت عن قصد هوية الإنسان السامية - ولن أخصص فأقول العربي- فأصبحت الشعوب بكافة طوائفها تستعر بنيران فتنة وعصبية .....)) .
نعم ليس العرب أو المسلمون وحدهم واقعين في هذه الأنفاق؛ بل شعوب العالم جميعا. وستتمخض الأيام عن فجائعَ لم تخطر على قلب بشر، إلا ما شاء الله. لهذا فان خطاب العالمية ليس موضوعا تعميميا عارضا. والخطاب الإسلامي لا يعتد بان تكون أدواته إسلامية من حيث التركيب وإنما يعتد بالقيمة؛ لهذا فلك سيدتي أن تقولي هو خطاب إسلامي؛ ولك أن تقولي هو خطاب شامل؛ ولا فرق بعدُ؛ طالما كانت الأهداف تنصب في الدفاعُ عن الحق وعن الإنسان .... أي إنسان، وهذا من صميم فكرة الإسلام العالمية؛ التي أرى أن غالب النزاع والدماء التي تسيل الآن إنما تتأت من تحسس فئة معينة لهذا الخطاب والتي تعده اخطر الخطابات لهذا هي تطمسه وتشوهه بكل السبل؛ رغم ما يعيشه قسم ممن ينتمون إليه أو يدعون ذلك؛ من إرباك وضحالة؛ وانشغال بموقف المدافع المنكسر إلا من رحم الله.
وخلاصة: اطمح أن يتحقق خطاب إسلامي من حيث القيمة وليس خطابا دينيا. ولهذا أسباب ودواعي لا أجد مجالا للتفصيل فيها هنا؛ لاسيما وان السياق عرضُ مقتبسات أدبية لا التوسع في تنظيرات معرفية.
الشكر لك سيدتي على تحسسك المبكر لمقاصد مشاركتي هذه. جوزيت الخير

بهجت عبدالغني
30-01-2009, 08:25 PM
مرحبأ بك أيها الفارس في أفياء الواحة ..

ونحن بانتظار إبداعاتك ..


ولنا عودة بإذن الله تعالى ..


محبتي ومودتي ..

احمد فارس
31-01-2009, 08:16 AM
سرني مرورك وتفاعلك مع ما أكتب يا اخي الكريم استاذ بهجت الرشيد. تحياتي لك وامنياتي. وجزاك الله خير

خليل حلاوجي
02-02-2009, 10:03 AM
أرأيتَ بنتَ ليلٍ تعرض رذيلتها في أروقة الفضيلة ؟


وأقول :

فشل مسلم اليوم بأن يكون ( قاضي نفسه )

يؤكد أ، الفضيلة لم تزل فوق الشفاه لا في القلوب ..

\

ولي عودة

راضي الضميري
09-02-2009, 09:50 PM
الأخ الفاضل أحمد فارس
قرأت نصًا يفيض بالمشاعر الإنسانية ، واستوقفتني دلالته وما يحمل من أفكار وقيم طرحت في غاية الروعة ، صيغت بلغة سلسة وعذبة تصل إلى القلوب والعقول في آن معًا .
كان هدفك أنْ يصل النصّ وبكل قيم الجمال التي تضمنها إلى نبض القارئ ، أجزم أنّه قد وصل ، وأنّ رسالتك قد وصلت ، ولك فيها نصيب وافر من الشكر والدعاء بأنْ يحفظك الله تعالى ويرعاك .
نحتاج إلى القراءة، ونحتاج أيضًا إلى دليل ناصح أمين .
ستكون لنا لقاءات أخرى إنْ شاء الله تعالى .
تقديري واحترامي

احمد فارس
13-02-2009, 07:33 PM
الاستاذ راضي الضميري السلام عليكم
سرتني مداخلتك الجميلة وهي تنم عن عمق فكرك ورهافة حسك يا اخي الحبيب. انتظر تعليقك على موضوع: بعد عشر السنين وهو فاتحة هذا الكتاب. شكرا لك

احمد فارس
28-02-2009, 03:38 PM
ساتابع نشر النص ان شاء الله على شكل عناوين متفرقة انشرها في موضوعات جديد كي تتم الفائدة شكرا لكم اخوتي