المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : /// علماء الإسلام في مواجهة تحديـات العصر ///



هشام عزاس
08-01-2009, 09:08 PM
علماء الإسلام في مواجهة تحديـات العصر

لا خلاف بين أصحاب الرأي والنظر في أن الفضل الأعظم في بناء حضارات الأمم المتحضرة ، وصناعة أمجاد الشعوب المجيدة ، ينسب إلى علماء الأمة ورجال الفكر وصناع الرأي فيها ، قبل أن ينسب إلى رجال السياسة والاقتصاد ، فضلاً عن العامة والرعاع .
فالعلماء من أمتهم كمثل الرأس من الجسد, هم العقل المفكر، والدماغ المحرك.
تنظر العامة إليهم وتقتدي بهم ، ويفزع إليهم الملأ في الخطوب ، ويصدرون عن رأيهم إذا رأوا ، ويطيعون أمرهم إذا أمروا .
و كم ضحى العامة بأنفسهم وأوردوها موارد الموت، من أجل كلمة سمعوها من عالم
وكم قدموا أرواحهم وأولادهم في سبيل فكرة أوحى بها العلماء إليهم .
فعلماء الأمة هم المهندسون المخططون، وعامتها هم البناءون المشيدون.
وما من حركة سياسية، ولا ثورة شعبية، ولا انقلاب عسكري، ولا نهضة اقتصادية، ولا صحوة اجتماعية، إلا ومن ورائها مفكر درس وخطط، ثم تكلم ووجه، فكانت الأمم تنفذ أفكاره، وتحول أقواله إلى أفعال. أن ينسب إلى رجال السياسة والاقتصاد ، فضلاً عنه .
وما كانت الجيوش والشعوب والحكومات في كل عصر إلا أدوات تنفذ أفكار المفكرين ، ظهر ذلك للعيان أم بقي مستتراً وراء الكواليس .
وهذه قاعدة تستوي فيها أمم الإيمان والكفر ، وتستوي فيها مذاهب الحق والباطل .
و كل مطّلع يعلم أن لينين، الذي غير وجه العالم بثورته، وأسس أكبر دولة على وجه الأرض، ما كان إلا أداة منفذة لما رسمته نظرية ماركس.
والثورة الفرنسية التي غيرت مسار التاريخ الأوروبي ، وقضت على الملكية ، وأقامت الجمهورية ، ما كانت إلا إيقاداً لأفكار فولتير .
والصهيونية السياسية ما كانت إلا أفكاراً دونت في البروتوكولات .
وابحث بنفسك عن جذور كل حركة تغيير سياسي ، أو نهضة اجتماعية ، أو ثورة عسكرية قامت بها أمة من الأمم ، أو فئة من فئات الشعوب ، تجد أن البناة الحقيقيين لأمجاد الأمم هم علماؤها ومفكروها .
لا عجب إذاً أن نرى شعوب الأرض تحفظ لأولئك الخاصة مكانتهم، وتخلد ذكرهم، وتنسب أمجادها إليهم.
ولا عجب في أن يضع الإسلام هؤلاء الرجال في المقام الأرفع ، وأن بخصهم بخصائص لا يشاركهم فيها - بل ولا يدانيهم - غيرهم من أفراد الناس ، ولا يطمح بالوصول إلى مقامهم أحد ، حتى يسلك سلكهم ، وينتظم في عقدهم ، ليحوز الشرف الذي حازوا ، وينال الفضل الذي نالوا .
نزل كلام الله بفضلهم فجاء فيه : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
وبيَّن أنهم في عامة المؤمنين خواص فقال سبحانه : ( يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وجعل مهمة بيان الأمثال الإلهية مهمتهم ، لأنهم وحدهم من يفهمها ، فقال عز من قائل :( وتلك الأمثالُ نضربها للناس وما يعقِلُها إلا العالِمون ).
و أظهر النبي شرفهم، فبين أنه مستمد من شرف الأنبياء، فقال: " وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ".
وبين أن مهمة إرشاد الأمة ، وبيان الحقائق ، وتنقيح العلم ، وتنقية الدين مما يمكن أن يدخل عليه مما ليس منه ، مسؤوليتهم ورسالتهم فقال : " يرث هذا العلمَ من كل خلف عدولُه ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، وانتحال المبطلين " .
لذا فقد حفظ المسلمون في تاريخهم مآثر علمائهم وخلدوها كما لم يحفظوا ذكر ملوكهم وأمرائهم.
فمن من المسلمين لا يعلم أخبار أبي حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد، ومن منهم لم يسمع عن ابن كثير ، وابن القيم ، والبخاري ، ومسلم .
و لكن في مقابل ما أعطي العلماء من المقام الكريم والتشريف العظيم، فإنهم يتحملون التكليف الجسيم.
و كما ينسب إليهم معظم الفضل في رفعة الأمة أيام رفعتها، فإنهم يتحملون معظم اللوم في تقهقر الأمة واضمحلال حالها.
فقعود حال أمة من الأمم، يدل على قعود علمائها عن واجبهم، وتقصيرهم في أداء مهمتهم.
ولقد باتت أصابع الاتهام توجه إلى هؤلاء القوم الكرام من هنا وهناك.
وحاول المخلصون الدفاع عن العلماء وتبرئة ساحتهم من كل ما ينسب إليهم ويقال عنهم ، ولكن الأحوال الملموسة كانت أقوى من حججهم ، والوقائع المحسوسة كانت أصدق من تأويلاتهم ، فلم يستطيعوا أن يأتوا بدفاع مقنع يبرئ العلماء مما يوجه إليهم من تهم ، فغدا أصحاب النظر في الأمة ، ممن أدركوا تقصير العلماء في مسؤولياتهم ، ولم يستطيعوا له إنكاراً ، ولم يجدوا له اعتذاراً ، فريقين اثنين .
فمنهم من زهد في العلماء واعتزلهم، وهجرهم ورغب عنهم، وما عاد يوجه إليهم نقداً أو عتاباً، وكأنه يقول لنفسه: أناس مفقود منهم الأمل، فلنبحث عن الحل عند غيرهم، ولنسعَ في التغيير بمعزل عنهم.
وآخرون علموا أن صلاح الأمة - إن كتب لها صلاح - لن يكون إلا عن طريق هؤلاء الرجال الذين هم أركانها وأساطينها ، وبهم - لا بغيرهم - ينار طريق عزتها وسؤددها ، وخلفهم - لا خلف إمام سواهم - تمشي الأمة نحو مجدها ورفعتها ، فعتبوا وانتقدوا ، وربما أفرطوا - بدافع من غيرة تملأ قلوبهم - في نقدهم ، فجرحوا ولذعوا .فأين العلماء من ذلك كله ؟؟
العلماء في هذه اللجة المضطربة ، والمحنة العصيبة - والحكم للغالب ولا عبرة بالخواص - معرضون عن سماع ما يقال لهم ، وما يقال فيهم .
لم يرضخوا لحقيقة أنهم يتحملون النصيب الأكبر من المسؤولية عن أحوال الأمة المزرية ، ولم يسلموا بوجود مشكلة تستوجب منهم العمل على حلها .
وبما أنهم أبواق الأمة وخطباؤها ، فإن صوتهم هو المسموع ، فهم أصحاب المنابر والأقلام ، يعظون ويخطبون ، ويصنفون ويكتبون ، فتراهم في ذلك كله يبعدون التهمة عن أنفسهم ، وينحون باللائمة تارة على الساسة ، وأخرى على رجال الإعلام ، وثالثة على المجتمع بأسره ، ليبقوا هم في أبراج عاجية لا تطالها تهمة ، ولا ترقى إليها إدانة .
يحاكمون الإنسانية جمعاء ، ويحملونها أكواماً من التهم ، ويحكمون بهلاكها جملة ، ليكونوا وحدهم الناجين الفائزين .
و لعل في هذا الكلام ما فيه من القسوة، ولكن ما أجمل النقد الذاتي البناء عندما يكون وسيلة للإصلاح.
وما أعقل المرء عندما يقبل الحقيقة ولو ثقلت، ويسلم بالواقع مهما كان مريراً، و يعترف بالتقصير في سبيل تداركه .
وما أحكم المرء الذي يحاكم واقعه ليصلح مستقبله، ويدين أخطاء ذاته ليصل بها إلى الصواب المنشود ، ويمتلك الشجاعة التي تحمله على إعلان تغيير مسار سار فيه مدة من الزمن وسار الناس خلفه ، ثم تبين له خطأ اتجاهه .
ولا ينبغي للعلماء - وهم من هم في وفور العقل وسداد الرأي - أن يصيروا كالذي يضع يده على الجرح فيتجاهل وجوده، ليهرب من مشقة علاجه وقسوة جراحته.
و حتى نزداد يقيناً في وجود مشكلة ما، لا بد من عرض مظاهر هذه المشكلة وأعراضها أولاً، فإذا عرفت الأعراض سهل وضع حلول ناجعة تخرجنا من هذا الحال، عسى نستنقذ الأمة، بإصلاح الأئمة.

منقول

معروف محمد آل جلول
08-01-2009, 10:13 PM
أخي الحبيب هشام ..
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
غزة منتصرة ـ بإذن الله تعالى ـ
بارك الله فيكم على هكذا مقال..
نعم أخي الحبيب..
العلماء هم مهندسو حياة الأمم ..
لافي الدين ..
ولا في الدنيا ..
سواء بسواء..
// أفضل جهاد كلمة حق عند سلطان جائر//
بالغ تقديري..

عبدالله المحمدي
08-01-2009, 11:57 PM
وقد كثر علماء السلطان...... والعلماء الذين يخشون على انفسهم من الطاغوت

والامة شرارتها العلماء ووقودها الشعوب


تحياتي

هشام عزاس
10-01-2009, 09:09 PM
أخي الحبيب هشام ..
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
غزة منتصرة ـ بإذن الله تعالى ـ
بارك الله فيكم على هكذا مقال..
نعم أخي الحبيب..
العلماء هم مهندسو حياة الأمم ..
لافي الدين ..
ولا في الدنيا ..
سواء بسواء..
// أفضل جهاد كلمة حق عند سلطان جائر//
بالغ تقديري..


الأخ الكريم الأستاذ معروف أشكرك على مرورك الكريم
و عسى أن يكون في المقال ما يفيدنا و يفتح الآفاق أمام عيوننا
ما زلتُ أعتقد يقينا أن صلاح حال الأمة سيكون بعلمائها و مفكريها لا بساستها و حكامها .

تقديري و احترامي

سعيدة الهاشمي
11-01-2009, 04:46 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هم القدوة أخي هشام، ووالله لو توحدت كلمتهم لأثروا في القادة ولتبعتهم الشعوب كاملة

لكن المشكل فيهم وفينا، هم انشغلوا عن الأمة حتى انقسم أبناء الأمة بين مؤيد لهم وبين

ناقد ولا مبال ونحن تهنا وسط الانقسان نؤيد من نريد وننقد من نريد دون معرفة لم نحن مع هذا أوضد ذاك؟

عليهم أن يقفوا وقفة ذاتية مع أنفسهم ويوحدوا الكلمة لتتمكن هذا الأمة من السير على النهج الصحيح مجددا.

هم عماد البيت ويجب أن يكون هذا العماد متينا لكي لا ينهار البيت.

يا ذا الجلال والعزة انصر إخواننا في غزة.

تحيتي ومودتي.

ناصر البنا
11-01-2009, 05:04 PM
عزيزي هشام
رغم مايقال أن الحوادث توحد الصفوف ومع ما وحدت بالفعل إلا أن دور العلماء لم يكن بالشكل المطلوب
وانقساماتهم باتت تشكل محور انشغالاتهم بالشكل الأولي .

ومنهم علماء السلاطين القابعون على موائدهم والمكممة أفواهم عن قول كلمة حق عند سلاطينهم .
لذا ربما يحتاج البعض منهم إلى تحرير أنفسهم أولا ً لتحرر بهم بلاد المسلمين .

خالص تحيتي

ريما حاج يحيى
11-01-2009, 06:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال مميز ومنقول قوي ومقنع
اخي العزيز هشام
يحوي معلومات قيمة وشاملة، وايضا حقيقية
خاصة ما يتعلق بالعلماء المسلمين من منطلق
ديننا الاسلامي الحنيف فله اكبر الأثر في
القلوب والنفوس، فالدين لا يعلى عليه
ولا يناقش فيه وبما جاء به تقريباً كلياً..
فتخيل لو افتى علماء المسلمين ان الجهاد
فرض عين وواجب مقدس لنصر الاخوة
المسلمين والاسلام، وان تعاون ومشاندة
اهلنا في غزة بكل الاشكال هي فريضة
على كل مسلم مقتدر وهي كذلك في محكم
القرآن الكريم، سيتغير الوضع كثيرا للافضل.
وتأكيدا على كلامي نداءات ائمة المساجد
والشيوخ والمفتين لدينا بأي حدث ومناسبة
تجد صدا كبيرا وقويا وتفاعلاً قويا ومؤثراً.
فكيف بعلماء الأمة من فضلهم الله بعلمه؟!
وبارك الله فيك وجزاك خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
والله اكبر والله اكبر
على كل من طغى وتجبر

هشام عزاس
12-01-2009, 10:35 PM
ثمة تساؤلات كثيرة يثيرها الواقع ، ونبحث عن إجابات شافية لها ، فنعجز وتعيينا الحيلة ، واسمحوا لي أن أستعرض بعض هذه التساؤلات التي أرقت كثيراً من المخلصين ممن يهمهم أمر المسلمين ، وأقضت مضاجعهم .
- لماذا فقد معظم الناس ثقتهم في العلماء ؟ ولم يعد للعلماء في نفوسهم تلك الجلالة التي كانت ؟
- لماذا فقد العلماء قدرتهم على شحذ الهمم وتحريك العواطف ؟
- لماذا انقطعت الصلات الحقيقية بين المجتمع والعلماء ، وهجر الناس المساجد إلا في الجمع والأعياد ، وصار العلماء في واد والناس في واد آخر ؟
- لماذا تحول حضور خطبة الجمعة إلى مجرد فعل تعبدي لا يظهر أثره ؟
- لماذا يسعى كثير من العلماء والوعاظ والخطباء - بقصد أو بغير قصد - إلى فصل الناس عن واقعهم ، والمضي بهم إلى عالم يخترعونه لهم أو ينسخونه من صفحات الكتب لا يمت بصلة إلى العالم الذي يعيشون فيه ؟
- لماذا يعمل بعض الخطباء على تعميق الهزيمة النفسية في قلوب الناس عوضاً عن إرشادهم إلى طريق النهضة ، ويكتفون بنعي الأمة على الملأ بدلاً من تلمس سبيل إحيائها وبث الروح فيها ؟
- لماذا خلت المساجد من حلق العلم بعد أن كانت تغص بها ، وأمست المساجد في غير أوقات الصلاة خاوية بعد أن كانت تغص بطلاب العلم في كل وقت ؟
- لماذا صار العلم الشرعي تخصصاً حكراً على فئة ، وسادت الأمية الدينية بين الفئة الكبرى من المسلمين ؟
- لماذا تحول العلم إلى مجموعة من الشهادات والألقاب ، بعد أن كان سلسلة من الإنجازات التي خلدها الزمان ؟
- لماذا قل المسلمون بالانتماء ، في حين كثر المسلمون بالانتساب ؟
- لماذا يضخم العلماء أعداد المسلمين الجدد في عيون الناس ، ويتغافلون عن أضعاف أعدادهم يتركون الإسلام إلى دين غيره أو إلى لا دين ؟
- كيف تحولت الدعوة الإسلامية من الهجوم الناجح إلى الدفاع المتعثر ؟ ولماذا صرنا لا نأمن على إيمان أبنائنا في بيوتنا ، بعد أن كنا نهدي الأحمر والأصفر في أقاصي الأرض ؟
- لماذا هجر الشباب المسلم المساجد واتجهوا إلى الملاهي والمقاهي ؟ وما الذي حولهم عن المصاحف إلى شاشات التلفاز ومقاهي الإنترنت ؟
- هل الشباب المسلم بخير ؟ وهل حالهم على ما يرام ؟ أم إن بذور الإلحاد والانحراف الفكري تترعرع بينهم ؟
- هل يتحمل الشباب وحدهم وزر إعراضهم عن دين الله وانحرافهم عن جادته ، أم إن العلماء يتحملون نصيباً من هذا الوزر ؟
- إلى متى سنبقى مضطرين لسماع المهاترات المقيتة والمجادلات العقيمة بين أصحاب التيارات الفكرية والمذاهب الفقهية ؟
- لماذا صار المسلمون على وجه العموم ، والعلماء خاصة ، مضرب المثل في التفرق والتمزق ، والتحاسد والتدابر ؟
- لماذا لم يتمكن العلماء إلى الآن من إيجاد آلية للحوار البناء الذي يوصل الأمة إلى وحدة الكلمة ؟
- لماذا لم يجد أعداء للأمة المسلمة وللإنسانية حاقدون متربصون ، ذوو صفوف منظمة وخطط محكمة من العلماء من يواجه خططهم بمثلها ليحبط ما يصنعون ؟
- لماذا لم يتصد علماء الإسلام لفضح هؤلاء على الأقل إن لم يستطيعوا كبح جماحهم ، وإيقاف زحفهم ؟
- هل تعرَّف العلماء - قبل أن يعلموا غيرهم - تعرفاً عميقاً موجهاً على منظمات تعمل من أجل الباطل أكثر مما يعملون هم من أجل الحق ؟
أسئلة أرى أنها مظاهر صارخة لمشكلة عميقة .
وراءها حقائق يراها من يراها ، ويتغافل عنها من يسوؤه كشفها .
أسئلة أرى أن كتباً تؤلف فيها ، وجهوداً مخلصة تبذل في سبيلها ، أجدى وأولى من البحث في عقد اليدين أيكون تحت السرة أم فوقها ، وفي تحريك السبابة في التحيات أسنة هو أم ليس بسنة ، وفي المصافحة بعد الصلاة أهي سنة حسنة أم بدعة سيئة ، وفي الحَجاج أمرحوم هو أم ملعون ؟ إلى آخر هذه المسائل الصغيرة ، التي كبرتها عقول صغيرة ، فأشغلت بها الأمة ، وأهملت في مقابلها أسئلة مصيرية يتوقف عليها مستقبل الأمة ووجودها .

بقلم فضيلة المفكّر و المربّي
باسل بن عبد الرحمان الجاسر
رحمه الله

هشام عزاس
13-01-2009, 08:46 PM
ولنبدأ بالإجابة عن التساؤل الأول ، ولعله الأقسى وقعاً ، والأشد وطأة .
ألا يزال العلماء يحتلون في قلوب الناس المكانة ذاتها التي كان أسلافهم يحتلونها ، من التبجيل والتعظيم ؟؟
ألا تزال لهم تلك القداسة والسمو في أنظار عامة المسلمين ؟؟
وهل هم في نظر العامة - سوى تلامذتهم ومريديهم - كما كانوا أصحاب الحصانة والصيانة ، الذين يقاربون مقامات الأنبياء ؟
وهل الناس اليوم - كما كانوا في سالف العصور - يلجؤون إليهم في كل ملمة ، ويطلبون مشورتهم في كل مشكلة عارضة في دينهم ودنياهم ؟ ويثقون بأشخاصهم وآرائهم على حد سواء ؟
لعل الواقع ليس بهذا الإشراق والنصاعة .
لقد فقد معظم الناس ثقتهم في العلماء ، بل فقد بعضهم احترامهم أيضاً ، حتى صار العلماء عند شريحة واسعة من المجتمع المسلم مضرب المثل في العديد من السلبيات ، وحتى صار فريق من المسلمين يستحيي من إظهار التزامه أمام بعض الناس خشية أن يحسب عليهم .
وإن كان البعض يرى في هذا الكلام مبالغة ما فلأنه لم ير ما رأيت ، فلست إلا واصفاً لواقع رأيته وعايشته ، يعيشه قطاع واسع من المجتمع المسلم .
هذه الصورة السالبة التي تكونت في أنظار هؤلاء للمشايخ أبعدتهم عنهم ، ونفرتهم منهم ، حتى إن كثيراً من المسلمين يولد ويموت ولم يلتق بشيخ في لقاء شخصي قط !!
في عهد أجدادنا في أبعد تقدير ، كان المجتمع كله يتربى على أيدي العلماء ، فمنهم الذي يكون له شيخ يلقاه في ليله ونهاره ، ويصحبه في حله وترحاله ، فلا يصدر إلا عن رأيه ، ولا يقدم على أمر إلا بعد مشورته . ومنهم المواظب على حضور مجالس العلماء دون اختصاص بواحد منهم . وأقلهم حظاً من العلاقة بالعلماء ذاك الذي تربى على يد شيخ في طفولته ، ثم انطلق في مجالات الحياة .
وهذا - لا ريب – كان يحفظ لشيخه خاصة ، ولجنس المشايخ عامة حرمة في قلبه ، فينظر إليه بعين التبجيل والتعظيم ، فيبقى شيخه كبيراً وهو صغيراً مهما كبر ، ويبقى الشيخ هو المعلم وهو التلميذ مهما تعلم .
المجتمع كله كان يثق بالشيخ ويجله ، ويحفظ له حرمة ، ويعرف له قدراً .
أما اليوم فإن النظرة العامة إلى المشايخ قد اختلفت ، والرأي العام فيهم قد تحول ، فرغب الناس عنهم بعد رغبتهم فيهم ، وزهدوا فيهم بعد إقبالهم عليهم ، حتى إن كثيرين لا يجتمعون في حياتهم كلها بشيخ واحد ، بل إن بعضهم إذا اجتمع مصادفة بشيخ في مجلس تحرج من مجلسه ذلك ، حتى يفارقه أو يفارقه الشيخ فيشعر بالراحة والانبساط .
العلماء في نظر هؤلاء يمثلون الجانب الآخر من المجتمع ، ذلك الجانب الذي يسمعون عنه ولا يريدون أن يروه .
حتى الذين يرتادون المساجد ، ويسمعون المواعظ والخطب ، صار الكثيرون منهم لا ينظرون بعين التبجيل والتعظيم إلى من يسمعونهم ، ويأخذون عنهم ، وربما جلس في خطبة الشيخ ، ثم خرج فتكلم عنه بالسوء ، وربما أضمر السوء في نفسه حذر الوقوع في الغيبة !!!
فما السر ؟؟!!!
هل فسد الناس كلهم هكذا وخبثوا دونما سبب معلوم ؟ وهل تحولوا فجأة إلى شياطين بعد أن كانوا ملائكة ؟ وهل انقلبوا على العلماء دون جريرة اقترفوها ؟
هل من المجدي أن يحمّل العلماء المجتمع مسؤولية واقع ساهموا في إيجاده ؟
إن المجتمع معذور - إلى حد ما - في غياب الثقة السالفة في علمائهم ، لأنهم يعيشون في واقع يؤثر فيهم فيتأثرون ، فأحوالهم ليست إلا نتائج أوجدتها مقدمات ليست من قِبَلهم . ولا بد من الشفافية في بحثها .
تياران ظاهران يمثلان النسبة الكبرى من شيوخ هذا العصر ، إلا من رحم ربي ، بهما فقد الناس ثقتهم في جنس العلماء عامة .
أما الأول فهو فريق علماء الدنيا ، الذين اتخذوا العلم الشريف وسيلة لأغراض دنيئة ، فكانت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ، علم الدين عندهم سلعة ثمنها بخس دراهم معدودة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، يستكثرون من الدنيا حلالها وحرامها ، يأخذون ولا يعطون ، يطرد الفقير والمسكين عن بابهم وأموال الناس في أيديهم ، همهم في الدنيا مسابقة أهلها ، أهمتهم القصور الشامخة والمراكب الفارهة ، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، داهنوا السلطان طمعاً فيما عنده ، فحرفوا الدين ، وزيفوا الحق ، وقلبوا الحقيقة ، فهم في نظر الناس كالذئب الذي يمثل دور الحمل ، انصرفت قلوب الناس عنهم ، فكانوا شراً ووبالاً على الإسلام وأهله ، والعلم وذويه .
وأما الآخرون فهم علماء صالحون مخلصون ، معرضون عن الدنيا وزينتها ، زاهدون في المناصب وفتنتها ، لا يرقى إلى استقامتهم شك ، ولا يتهمون في دينهم ولا مروءتهم ، غير أنهم بسطاء قي تفكيرهم ، لا يشعرون بما يتطلب العصر الحديث منهم ، أو لا يقوون عليه ، اشتغلوا في علم نافع ، ولكنهم عن انصرفوا عن العلم الضروري ، يحسنون الكلام في أمور الدين ، ولكن كأنهم لا يعيشون في هذه الدنيا ، فالسياسة والاقتصاد ، وعلم النفس والجغرافية ، فضلاً عن الحاسوب وتقنياته والإنترنت ومجالاتها ، علوم أجنبية عنهم ، لا يعرفونها ولا تعرفهم ، بل ربما كانت في نظرهم محرمة تبعد عن الله وتصد عن سبيله ، اعتزلوا المجتمع فعزلهم ، وانفصلوا عن حركة الزمان فأسكنهم الزمان وجمدهم ، فالناس يرونهم بركة الزمان ، ولكنهم من غير هذا الزمان جاؤوا ، ولغيره خلقوا ، فهم يعيشون في العصر الحديث بعقلية القرون الوسطى .
فإن كان الناس قد فقدوا ثقتهم في أشخاص الفريق الأول ، فإنهم قد فقدوا ثقتهم في آراء الفريق الثاني وإن كانوا محترمين كأشخاص .
وبين الفريقين ضاع الدين .
فلا الأول أهل لاحترام الناس ، ولا الآخر قادر على مجاراة تطلعاتهم ومسايرة تقدمهم .
هذه هي المقدمات فما النتيجة ؟
لما فقد الناس ثقتهم في العلماء - أشخاصاً وآراءً - فقد العلماء قدرتهم على التأثير ، فكلامهم يذهب في الهواء ، ومواعظهم لا تلقى آذاناً تصغي ولا قلوباً تتأثر ولا جوارح تستجيب ، وصار العلماء عاجزين عن تغيير أصغر سلوك فردي وأصغر ظاهرة اجتماعية ، فضلاً عن إحداث تغيير في حال الأمة ، لأن الناس صاروا يسمعون بآذان رؤوسهم ، بعد أن كانوا يستمعون بقلوبهم وعقولهم وكل جوارحهم .
ولم يتوقف الأمر عند انعدام الأثر ، إذاً لهان الخطب ، ولكن الناس لما فقدوا ثقتهم في علمائهم هجروا مساجدهم ، وأعرضوا عن دينهم ، وانصرفوا عن صراط الهدى إلى سبل الضلال ، لأن غالب الناس عوام في تفكيرهم ، والعامي لا يميز بين المبادئ والرجال ، فيعتنق المبدأ إذا أحب صاحبه ، ويكفر بالمبدأ إذا استاء من حامله .
عندها خلت المساجد إلا في الجمع والأعياد ، وصار الذين يأتونها يأتون بدافع الواجب التعبدي المحض ، بعد أن كان الحب هو يدفعهم ، والشوق يجذبهم .
فهل نبالغ إن قلنا : إن المسؤول الأكبر عن بعد الناس عن الدين ، وهجرهم للمساجد هو العلماء ، وإن عامة الناس ضحايا لا مجرمون ، لأنهم كانوا أصحاب ردود أفعال ، والأفعال بدأت من العلماء .

هشام عزاس
15-01-2009, 09:47 PM
وأما التساؤل التالي فهو يتصل بخطبة الجمعة على وجه الخصوص ، ثم قس عليها كل مناسبة وعظ أو تذكير .

لماذا فقدت خطبة الجمعة في معظم بلدان العالم الإسلامي تأثيرها البناء ، وقدرتها على شحذ الهمم وشحن العواطف وتغيير المسار ؟
لماذا صارت فعلاً تعبدياً محضاً بعد أن كانت مؤتمراً اجتماعياً عاماً يمارس الدور الريادي في البناء والتحريض ؟
ولماذا أمسى الناس يأتونها - إن أتوها - بقصد إسقاط الفرض وتجنب الوزر ؟

نقرأ في السنن ثواب الذي يأتي صلاة الجمعة في الساعات الأولى من النهار ، ثم ننظر فنرى معظم المصلين لا يأتونها إلا بعد صعود الخطيب المنبر ، ومنهم من يحرص على إدراك الصلاة لا غير .
ولقد رأيت في أكثر من بلد من بلدان العالم الإسلامي شباباً يقضون وقت الخطبة وهم يتحادثون في فناء المسجد واقفين أو ماشين ، حتى إذا أقيمت الصلاة انتظموا في الصفوف .
فمن وراء هذا ؟ أهم الناس قد فسدت عناصرهم وتغيرت فطرتهم ، أم هم الخطباء ما عاد لهم ذلك الحضور وتلك الجاذبية ؟!
أظن الجواب واضحاً لذي بصيرة .
لقد رأيت في أوساط الشباب المسلم كثيرين من أصحاب الطيش ممن وصلت ردود أفعالهم إلى حد ترك الفرائض ، فقال لي بعضهم : إني من سنوات لم أسمع في خطبة الجمعة موضوعاً واحداً يلامس حياتي ، ويعالج مشكلاتي ، إنما هي القصص المعادة التي سمعناها حتى حفظناها ، والأسلوب الإنشائي الذي يشبه ما كنا نقرؤه في كتب الإنشاء المدرسي ، ورفع الصوت وخفضه دون طائل وراء ذلك ، ومضمون أجوف إذا وضع على ميزان هذا العصر ومشكلاته ، والشباب وهمومه ، لما وزن مثقال ذرة . لذلك ترك ذلك الشاب الجاهل صلاة الجمعة ، وهو بذلك - لا ريب - آثم ، ولكن يشاركه في الإثم من حمله على ذلك .
لقد اقتصرت خطبة الجمعة في الغالب على موضوعات مكررة حفظها الصغير والكبير، حتى مل الناس سماع مواعظ الأوراق المهترئة من كثرة ما أعيدت وطرقت ، وسئموا من الركون إلى شيوخ لا يحترمون عقولهم ، ويخاطبونهم ذاك الخطاب القديم الذي لا يتجدد ، وكأن معين الدين قد جف ، وكأن الإسلام لم يأت بعلم لا ينفد ، وفكر لا ينضب .
بعض الخطباء يرتجلون خطبهم ، وليس لهم قدرة على الارتجال وليسوا من أهله ، فيأتي كلامهم مفكك الأوصال لا ترابط بين أجزائه ، سطحي الطرح لا عمق في مضامينه .
وبعضهم يحضر خطبته ويتعب في إعدادها ، ولكن من أين يستمد مادتها ، ويأتي بأفكارها ؟؟ إنه يستمدها من بطون الكتب التي علا عليها الغبار ! فيأتي بكلام لا يمت إلى واقع الناس بصلة .
وكان أولى به أن يستمدها من الواقع الذي بين يديه ، ليعالج مشكلات تتفاقم وتزداد يوماً بعد يوم ، فالناس إلى الكلام عن أحوالهم أحوج منهم إلى غيره ، وقصص الماضي وحكايات التراث ليس لها جدوى ما لم ترتبط بإسقاطات على الحاضر المعيش .
وربما اعتذر بعض الخطباء في بعض بلدان العالم الإسلامي فقال : إن أوضاع السياسة في بلادنا تضرب حولنا سوراً لا نستطيع تجاوزه ، تحدد لنا نطاقاً ضيقاً من حرية الكلام تمنعنا من الخروج عنه ، فعندنا الكلام عن الجهاد محرم ، وفضح قوى البغي والإفساد يوجب التبعة ، أفليس لنا في هذه القيود عذر ؟!
فأقول لهم : نعم إن لكم عذراً ، ولكنه أوهن من نسج العنكبوت ، وليس هذا العذر إلا جرياً على أسلوبنا المعتاد في التبرؤ من المسؤوليات ، وتحميل أوزارنا كاملة للغير .
فالعاقل لا يعدم الوسيلة ليصل إلى ما يريد ، وإن منعتك السياسة من دخول باب ، فإن دونك أبواباً كثيرة لا تزال مفتحة ، وما أكثر مشكلات المسلمين التي تستوجب الحل السريع ، مما ليس للسياسة فيه مدخل ، وما على الخائض فيه جناح !!
ولكننا نتقن فن تبرئة الذات ، من خلال تحميل كل أوزارنا وتبعاتنا للطرف الآخر كائناً من كان .
إن زهد الناس في سماع المواعظ والخطب ساهم فيه عاملان اثنان : زهده في المتكلم وزهده في كلامه .
فهو أحياناً غير مقتنع بشخص الخطيب ، فكيف يتأثر بكلامه ؟! وفي الأحيان الأخرى إن كان لا يعرف شخص الخطيب ولا يعرف عنه سوءاً ، فإنه لا يسمع منه ما يهمه سماعه ، ويشعر بأهميته في واقعه .
لا يخفى على أحد أن معارف الناس قد تطورت ، بل تضاعفت في هذا العصر الذي يسمى " عصر المعلومات " ، ولم يجار هذا التطور المعرفي تطوير ذاتي من قبل العلماء ، حتى صار كثير من المسلمين إذا حضروا خطبة الجمعة ، يشعرون بفراغ الخطبة وفراغ الخطيب ، ولعل الواحد منهم عنده أضعاف ما عند الخطيب من المعارف التي يعرضها عليهم مباهياً بعلمه ، مفتخراً ببلاغته ، وكأنه اخترع قنبلة ذرية ، فترى هؤلاء المثقفين الحاضرين لشعورهم بفراغه يكثرون النظر في الساعة مستكثرين الوقت الذي يمضي وإن قل ، ولذلك تراهم يعدون أخطاء الخطيب لانعدام الثقة وعدم حصول الفائدة .
وعند فئة من الخطباء ، لم يتوقف الأمر عند انعدام التأثير ، بل لقد ساهموا في تعميق الأزمة النفسية التي يعيشها معظم المسلمين ، زادوا حلكة الليل فوق ما هو حالك ، وعمقوا قنوط الناس فوق ما هم قانطون ، صلوا بالناس صلاة الجنازة على أمتهم ، فخرج المخلصون من المسجد وقد سدت الأبواب في وجوههم ، وقد سدها من كان عليه فتحها وبيان سبلها .
تراهم يقصون على الناس أخبار أعداء الإسلام ، وكيف أن الإنسانية كلها احتشدت للقضاء على الإسلام وإبادة المسلمين ، فيرغي ويزبد ، ويبرق ويرعد ، فتتحول الخطبة إلى مجرد نشرة أخبار محبطة ، حتى إذا وصل السامع إلى السؤال الجوهري : ما الحل ؟؟ ما العمل ؟؟ ما المخرج ؟؟ قال الشيخ : أقول قولي هذا وأستغفر الله ، ونزل إلى صلاته تاركاً هؤلاء المساكين في إحباطهم وتخبطهم .
وما ذاك إلا لأن الخطيب نفسه غائم الرؤية مضطرب الفكر حائر الجنان ، يجهل الحل ، فيعلن جهله على الملأ ، بأسلوب محبط يئد كل أمل ، فهلا إذا جهل أمسك ، وعمل بالحديث الشريف : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " .
ولا نبالغ إذا قلنا إن الهزيمة النفسية التي تفتك بجماهير الأمة ، قد ساهم علماؤهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون في تكريسها وتعميقها ، بينما كان المنتظر منهم أن يخرجوا بهم من أزمتهم ، ويبينوا لهم نهاية النفق ، ويدلوهم على طريقها ، لا أن يغلقوا كل باب مفتوح ، ويقتلوا كل أمل حي .

أحمد عيسى
16-01-2009, 12:33 AM
ألم يصبح التظاهر ... حرام ...
أغزة محاصرة حقاً ؟؟؟

هشام عزاس
22-01-2009, 08:09 PM
وأما التساؤل التالي الذي أتمنى أن أجد الجواب عليه فهو :

أين العلماء من مسؤولية نشر العلم بين العامة ؟
إن الأمية الدينية مستفحلة اليوم في أرجاء المجتمع المسلم ، لا يستثنى من ذلك المثقفون ولا أصحاب الشهادات الجامعية العالية ، فأين العلماء من واجبهم الأول ، نشر العلم الضروري ، ومحاربة الأمية الدينية ؟!

كان المجتمع المسلم قبل قرون ، بل قبل عقود عدة ، أعلم بدينه منه في هذه الأيام ، أيام الجامعات والألقاب العلمية الرنانة .
كانت مجالس العلم تملأ المساجد في أرجاء البلاد الإسلامية مشرقها ومغربها ، في المسجد الأقصى - مثلاً - كانت مئة حلقة علمية تعقد على مصاطب الحرم القدسي المئة في وقت واحد ، وفي الجامع الأموي الكبير في حلب ، سمعنا ممن عاصروا ذلك العهد أن المسجد كان لا تخلو زاوية من زواياه من حلقة علم ، وهكذا في أقطار الإسلام كافة ، وكانت مجالس المساجد متاحة لأفراد الناس وعامتهم ، لا تحتاج إلى التفرغ ، ولا تقتضي من طالب العلم أن يترك المجالات الأخرى التي يدرس فيها أو يعمل .
كان عامة الناس يطلبون العلم الشرعي في المسجد من نعومة أظفارهم ، حتى إذا أتقن فرض عينه مما لا يسعه جهله ، اختار لنفسه طريقاً ، فإما أن يتخصص في هذا العلم الشرعي ، وإما أن يتخصص في غيره من علوم الدنيا ، أو يخوض في مجال العمل التجاري أو غيره ، ولا يخفى أن المرء إذا أتقن فرض العين من علم الدين ، كان تخصصه فيه وتخصصه في غيره من العلوم الدنيوية النافعة سواءً في الحكم ، ألا وهو فرض الكفاية .
أما اليوم ، فإن العلم الشرعي قد بات تخصصاً مقصوراً على فئة قليلة من المسلمين ، إذ لا مجال لتحصيل العلم إلا من خلال الانتظام في مدرسة شرعية ، وليس كل الناس يرغبون في التخصص في علوم الدين ، والشرع لا يفرض ذلك عليهم ، بل إن الشرع يفرض أن يكون في المسلمين الطبيب الماهر ، والكيميائي الخبير ، والمتخصصون في سائر العلوم النافعة .
فإذا كان هذا هو الحال ، فإن هؤلاء سوف يحرمون من حقهم وواجبهم : العلم الشرعي الضروري ، الذي لا تصح العقيدة ولا العبادة إلا به .
حتى بات معظم المسلمين جاهلين بما لا يسعهم جهله من فروض العقائد والأعمال ، وصار كثير من أصحاب الشهادات العالية لا يحسنون تلاوة القرآن فضلاً عن فهمه ، وقد لا يعرفون عدد أركان الصلاة فضلاً عن تفصيل سننها وآدابها ، ومعظمهم يجهل مسائل أصول العقيدة فضلاً عن فروعها وأدلتها ، وقد لا يعلمون أبجديات السيرة النبوية ناهيك عن تفاصيلها .
على من تقع المسؤولية في جهل هؤلاء ؟
لا ريب في أنهم مقصرون غير معذورين ، ولكن أشد منهم تقصيراً من كان بأيديهم العلم فمنعوه أهله المحتاجين إليه ، ورأوا الناس يتخبطون في الجهالة فلم يمدوا إليهم يد العون ، ولم يعرفوهم بما يجب عليهم فعله وما يحسن بهم اتباعه .
إن الفئة الكبرى منهم لا يعرفون أن طلب قدر من العلم الشرعي مفروض عليهم وإن لم يكونوا شيوخاً ، بل إنهم يظنون - ولبعض المشايخ في خلق هذا الظن يد - أن المرء لا يطالب بمعرفة مسائل الفقه ، وإحسان تلاوة القرآن ، إلا إذا أراد أن ( يشتغل ) شيخاً ، فتحول العلم الشرعي في نظرهم إلى اختصاص يتعلمه من أراد أن يمتهنه ، ويزهد فيه من حصل مهنة أخرى يعيش منها ، فإذا لم يبين العلماء حقيقة الأمر ، ويحضوا الجمهور على طلب العلم ، ويهيئوا لهم أسبابه ، فإني أرى من الجور أن نحمل عامة الناس المسؤولية كاملة .
وعلى فرض أن الشاب علم وجوب طلب العلم الشرعي على كل المسلمين ، في أي اختصاص كانوا ، فسعى إلى طلب العلم ، فأين يطلبه ؟
المساجد اليوم خالية من مجالس العلم إلا قليلاً ، وكم من طالب سعى إلى العلم الشرعي فلم يجد إليه سبيلاً ، تراه يبحث - وهو في بلاد المسلمين ومهد العلماء - عن درس في الفقه أو التفسير أو العقيدة ، فلا يوفق إليه ، وقد يعييه البحث فيمسك عنه ، وكم طلب شباب من بعض العلماء أن يتكرموا عليهم بتعليمهم ، وأن يتواضعوا لهم فيؤدوا واجبهم تجاههم ، فاعتذر هؤلاء بضيق الوقت وكثرة الشواغل ! وأي شاغل يصرف العالم عن المسؤولية التي حمله الله إياها ، والتي يحاسب عليها قبل غيرها ، وهي الرسالة التي شرفه الله بها .
أما قال النبي : " إن إخوانكم يأتونكم من أقطار الأرض يطلبون العلم ، فاستوصوا بهم خيراً "
إن المسؤولية جسيمة ، والتقصير فيها خيانة للأمانة ، ونقض للميثاق الذي أخذه الله تعالى على العلماء : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم
بعد أن كان المسجد مثل خلية النحل ، مجالس العلم فيه لا تنقطع ، وأفواج الطلبة تتناوب في إعماره ، أمسى لإقامة شعائر الصلاة لا غير ، وفي سوى أوقاتها خاوياً مغلق الأبواب !
وكان العلماء يقفون أنفسهم على طلاب العلم ، فيأتيه واحدهم فيقول : إنني أعمل أو أدرس في الجامعة ، وأكون مشغولاً طوال النهار ، ومع ذلك أنا أرغب في تعلم أمورِ ديني ، فيلبي العالم طلبه دون تأخر ، ويعطيه من وقت راحته في أول النهار أو آخر الليل ، مسروراً بذلك لا يتبع صدقته بالمن والأذى ، ولا يرى أنه يفعل أكثر من واجبه ، فأمسوا اليوم في شغل غير الذي افترضه الله عليهم .
كثرت الجامعات والمدارس الشرعية ، وهي تخرج كل عام ألوفاً من طلاب العلم ، فماذا قدم هؤلاء للجانب الآخر من المجتمع ؟!
زيادة أعداد الخريجين لم تنعكس إيجابياً على المجتمع ، ولم تسهم في تعميم العلم وتعريف العامة أحكام دينهم الضرورية ، بل إنها أسهمت في تعميق الهوة بين الجانب الديني والجانب الدنيوي في المجتمع المسلم ، حتى صار علماء الدين في نظر الكثيرين أشبه برجال الدين عند النصارى ، وصار الناس ما بين ديني لا يعيش مع أهل الدنيا ، ودنيوي لا يفقه شيئاً في الدين .

هشام عزاس
01-02-2009, 09:28 PM
وإلى التساؤل التالي :
هل الدعوة الإسلامية تسير على ما يرام ؟
وهل المسلمون عامة ، وعلماؤهم على وجه الخصوص ، يقومون بدورهم الأهم ، ويؤدون مسؤوليتهم الأولى التي حملها رسول الله ، وورثها أصحابه الكرام من بعده ، ومن بعدهم التابعون وتابعوهم ؟
هداية البشرية ، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور !
إن أعداد المسلمين اليوم عظيمة ، ونسبتهم في العالم كبيرة ، ولكن تزايد الأعداد وزيادة النسبة لا يدلان بالضرورة على انتشار كبير للإسلام في المجتمعات غير المسلمة عن طريق الدعوة .
إن ازدياد أعداد المسلمين ونسبتهم في التعداد السكاني العالمي ناتج عن عاملين لا عامل واحد .
أما أحدهما فهو المسلمون الجدد الذين كفروا بالطاغوت وآمنوا بالله الواحد ، واختاروا الإسلام اختياراً واعياً واعتنقوه بعد أن درجوا وشبوا في رحاب دين غيره ، وأما الآخر فهو التكاثر السريع للمسلمين أنفسهم ، لحرصهم على الإنجاب وحبهم لكثرة الأولاد ، وتلك سنة مأثورة في الأحاديث الصحيحة . ولعلنا لا نجانب الحقيقة إن قلنا إن العامل الثاني - التكاثر السريع للمسلمين - له الحصة الكبرى في زيادة النسبة العددية للمسلمين في عدد سكان العالم ، وأما العامل الأول - المسلمين الجدد - فإن نسبته ضئيلة خجولة متواضعة .
بهذا يظهر لنا أن كثيرين ممن يصفون الدعوة الإسلامية في العالم ، وخاصة في الغرب ، يخلطون الأوراق - من حيث لا يعلمون في الغالب - عندما يتكلمون عن انتشار هائل للإسلام ، وكيف يدخل الناس فيه جماعات ، ثم يستشهدون بأرقام تظهر النسبة المتزايدة للمسلمين في العالم ، فإن هذه الأرقام وإن كانت مدعاة للسرور والبشر من ناحية ، فإنها من ناحية أخرى لا تمثل شاهداً على النجاح الدعوي بقدر ما تصلح شاهداً لموضوع آخر .
أعداد المسلمين الجدد تتضاءل خجلاً وتواضعاً إذا قورنت بالأنهار البشرية الغزيرة التي كانت تصب في بحر الأمة الإسلامية في العصور السالفة ، حيث كان المسلمون عامة ، والعلماء خاصة ، يتحملون مسؤولياتهم في تبليغ دين الله على أكمل وجه ، ويحققون فريضة الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويؤدون رسالتهم الخالدة ، فيرشدون كل ضال ، ويهدون كل حائر ، ويخرجون الناس من عبادة الطواغيت إلى عبادة الواحد الأحد .
في عصر النبوة ابتدأ الإسلام برجل واحد ، صلوات الله وسلامه عليه ، عمل في البداية وحيداً ، ثم ناصره قلة من الرجال المخلصين ، وما زال الإسلام يمتد وينتشر ، ويفتح القلوب وينير العقول ، حتى بلغت أعداد المسلمين رقماً قياسياً مقارنة بمدة الدعوة ، فلم يقبض النبي ، حتى كانت أعداد المسلمين تزيد على مئة ألف وعشرين ألفاً .
كانت القبيلة تدخل الإسلام جملة واحدة ، وكان الإسلام ينتشر بسرعة تسر الصديق وتفزع العدو ، كان كل مسلم داعية ، واستشعر الناس عموم المسؤولية ، فقام بها عامتهم فضلاً عن الخاصة ، حتى أسلم على يد أبي ذر الغفاري وحده قبيلتا غفار وأسلم بأسرهما .
وانقضى عصر النبوة ، وبدأ عصر الفتوح الإسلامية المظفرة ، ولا يقل قائل إنما كان انتشار الدعوة في عهد النبوة راجعاً إلى معجزة إلهية خص بها نبيه ، فها هي ذي المسيرة تستمر بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى ، وهاهو ذا الزحف الإسلامي يمضي قدماً دون توقف ، وهاهي ذي شعوب الأرض تفتح قلوبها وحصونها بكل حب للفاتحين ، كما لم تفعل لغاز أو فاتح ، وهاهي ذي أمم بأسرها تتحول إلى الإسلام في ظرف سنوات معدودة ، حتى غدت الشام ومصر والعراق بلاداً يسودها الإسلام بعد أن كان كل أهلها نصارى أو مجوساً أو عباد أصنام .
وكم أعجب كلما قرأت تلك النادرة التاريخية الفذة التي دونتها كتب التاريخ ،والتي جرت في عهد الخليفة العادل ، خامس الراشدين ، عمر بن عبد العزيز ، فاقرؤوا واسمعوا ، ثم اعجبوا إن شئتم .
أرسل والي مصر إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رسالة فحواها : إن أهل مصر قد كثر دخولهم في الإسلام جماعات جماعات ، وإن الرجل من أهل الذمة إذا دخل في الإسلام سقطت عنه الجزية ، لذا فقد أثر الدخول الكثيف للمصريين في الإسلام تأثيراً سلبياًُ على خزانة الولاية ، وسيؤثر هذا على خراج مصر الذي يرسل إلى عاصمة الخلافة ( دمشق ) .
فالعذر إلى أمير المؤمنين إن رأى خراج مصر ينقص عاماً بعد عام !
العجب العجب !! أعداد المسلمين الجدد تذهل المسلمين أنفسهم ، وتثير قلق أمراء الدنيا !
وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين فكان جوابه إلى الوالي سريعاً ، جواباً دونه التاريخ ووعته أذن الزمان .
" إني والله لأرجو أن يدخل أهل مصر كلهم في الإسلام ، ولا يجبى إلي منها درهم واحد ، فإن الله بعث محمداً هادياً ، ولم يبعثه جابياً " .
ولا ندري أنعجب من والي مصر ، وهو الذي ينفي بعفويته كل التهم التي صارت تكال للمسلمين بأنهم أكرهوا الناس على اتباع دينهم ، وأدخلوهم الإسلام بالسلاسل !
أم نعجب من جواب عمر ، الذي لخص رسالة الإسلام ومقصده ، ولخص مسؤولية المسلمين من بعد نبيهم بعبارة موجزة بليغة !
ولم تتوقف الدعوة الإسلامية العالمية عند الفتوح والغزوات ، لئلا يقول قائل ، إنما انحسر المد الإسلامي لتعطيل الجهاد ، فمن زعم ذلك فقد نفى عن الإسلام قدرته الذاتية على الإقناع ودخول القلوب والعقول ، وادعى أن الإسلام لا ينتشر إلا تحت ظلال السيوف .
ففي عصر الرحلات التجارية والاستكشافية ، كان للتجار والرحالة المسلمين أثر خالد لا يزال مشهوداً في أقطار الأرض ، فعلى أيدي قلة من التجار المسلمين المخلصين تحولت أمم إلى دين الله ، فأسلمت ماليزيا وبر وناي وإندونيسيا وجنوب الهند ، ولم يدخلها جندي واحد .
وعلى أيدي عدد من رجال التصوف الصادقين ، أسلمت تشاد والنيجر والسنغال وسيراليون ، وما احتاجت إلى رمح ولا سيف .
وانقضى عهد الصحابة ، ومضى عهد الفاتحين ، وولى عهد التجار الدعاة ، فلماذا توقف الزحف ؟
في هذا السؤال أيضاً نحن متفننون في التملص من المسؤولية ، والرمي بها على الآخر .
كلنا تكلمنا عن الآخرين - غير المسلمين - ، تكلمنا عن الكفار الميؤوس من إيمانهم ، المطرودين من رحمة الله ، الذين لا يرجى منهم خير ، وليس بيننا وبينهم علاقة سوى الصراع .
وأغفلنا سر هذه الرسالة وجوهرها ، النور والهدى ، والخير الذي جاءت به للإنسانية جمعاء .
لماذا توقف تيار الداخلين في الإسلامي بعد أن كان جارفاً هداراً ؟!
أتراهم الناس فسد عنصرهم ، فكانوا ملائكة يدخلون في الإسلام لخير في طبائعهم ، فلما صاروا شياطين ، وانقلب خيرهم شراً ، أحجموا بعد إقدامهم ، وانقلبوا على الإسلام وأهله ؟!
أم تراهم المسلمون هم الذين تغيروا ، فما عادوا أولئك القوم الذين يفرضون احترامهم على العدو والصديق ، والذين لا يملك من يراهم أن لا يحبهم ويحب دينهم ويبادر إلى اتباعه ، وما عادوا أولئك الرجال الأطهار الأخيار الذين يعطون أكثر مما يأخذون ، ويصفحون ولا ينتقمون ، ويحبون ولا يبغضون ، وما عادوا أولئك الملائكة في صورة البشر ، الذين سارت بذكر أخلاقهم الركبان ، وتغنت بشمائلهم الشعراء ، وخلد الغرب والشرق مآثرهم !
لعلنا نحن الذين تغيرنا ، فتغير الآخر عندما تغيرنا .
نعيب زماننـا والعيب فينـا وما لزماننا عيب سـوانا
ونشكو ذا الزمـان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا
عندما رأى الناس ديناً سماوياً ربانياً ، يصلح دنياه وآخرته ليس فيه ما يعاب ، ورأى أهله يحسنون تمثيله وعرضه ، سارعوا إلى اتباعه ، ثم لما رأوا مسلمين ولم يروا إسلاماً وتعرفوا على الإسلام من خلال نسخ مشوهة تسيء عرضه ، وتظهر السلوك المنحرف ، والنفس الشريرة ، لم يجد في هؤلاء المسلمين ما يجذب قلبه ، أو يقنع عقله ، فيحمله على ترك دينه وتغيير حياته .
الآخر هو هو ، ولكننا تغيرنا فتغير لنا ، ولو عدنا لعاد .
نفوسنا تغيرت ، وفرط معظمنا في حمل الرسالة الشريفة التي حملها أسلافنا فاهتدت بهم شعوب وأمم ، فلما تغيرنا غير الله حالنا  ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم  .
وعلماء المسلمين هم أول من يتحمل مسؤولية هذا التفريط ، لأنهم إن عجزوا عن حمل مسؤولية الدعوة ، وهم من هم في العقل والعلم ، فإن عامة الناس عن حملها أعجز .
فأين العلماء من ذلك كله ؟!
أين هم من قوله تعالى :  وما أرسلناك إلى كافة للناس  ؟!
وأين هم من قوله :  كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر  ؟!
وأين هم من قوله :  إن هو إلا ذكر للعالمين  ؟!
لا ينكر أن الدعوة الإسلامية قائمة في بلاد الغرب والشرق ، وأن ثمة أناساً يدخلون الإسلام في هذا البلد أو ذاك ، ولكن أعداد هؤلاء المسلمين الجدد لا ترقى إلى التطلعات ، ولا تمثل على الإطلاق عظمة هذا الدين الذي فتح العالم القديم في عقود معدودة ، والذي كان الناس يدخلون فيه أفواجاً .
إن وجود عشرات أو مئات يدخلون الإسلام هنا وهناك ، لا يعني أن الدعوة الإسلامية على ما يرام ، ولا يعني أن علماء المسلمين يقومون بدورهم ، ويؤدون مسؤوليتهم على الوجه الذي ينبغي .
ومع ذلك ترانا نضخم هذه الإنجازات ، ونقنع أنفسنا ، ونقنع العامة الذين يأخذون بكلامنا ، أن هذا هو أحسن ما يمكن ، وأن دخول عشرات من الناس في الإسلام كل عام يمثل قمة الزحف الإسلامي العالمي .
ما أكثر المتعطشين لمبادئ الإسلام ، الباحثين عن فضائله وكمالاته ، وما أكثر من ملوا إلحاد الغرب وحيوانيته ، ووثنية الشرق وتناقضه ، وباتوا في حاجة ملحة إلى هذا الدين الذي ليس فيه اعتراض لمعترض ، ولا يأباه عقل ، ولا تنفر منه فطرة ... ما أكثر هؤلاء في مشارق الأرض ومغاربها ، والمسلمون بأيديهم الماء الزلال الذي يروي ظمأهم ، ويستنقذهم من الهلكة ، وهم يضنون به عليهم !
نظن أن البشرية مطبقة على حرب الإسلام ، وأن غير المسلمين كلهم سواء في ذلك ، لا فرق بين أفرادهم ، وأنهم جميعاً يستوون في خبث الطوية ، والحقد على الحق ، وممالأة قوى الشر .
ويعزب عن عقولنا أن كثيرين منهم إن حاربوا الإسلام فلجهلهم به ، وكما قيل : ( الإنسان عدو ما يجهله ) ، وليس جهلهم به إلا نتيجة لتقصيرنا في عرضه عليهم وتقديمه إليهم .
ويعزب عن عقولنا أن الآخرين كما أن فيهم الأشرار الخبثاء ، فإن فيهم أصحاب العقل وأرباب المنطق ، وفيهم من بذرة الفطرة لم تمت فيه وإن كانت ذابلة ، وأن أمثال هؤلاء لا يتوقف إيمانهم إلا على وصف صادق لمبادئ الإسلام السامية لا يحتاج - من داعية حكيم متبصر - أكثر من دقائق أو سويعات ، وأن بعضهم لا يحتاج أكثر من معاملة حسنة تتجلى فيها أخلاق الإسلام ، وكلمة طيبة تنفذ إلى قلبه لتحببه بهذا الدين وأهله .
في بلاد العرب ، قلما توجه العلماء بالدعوة إلى الأقليات غير المسلمة بمنهج حكيم مخلص ، وكأن الله قد شرع الدعوة لأهل زمان دون غيرهم ، وكأنها فريضة قد نسخت ، أو كأن الله قد أطلعهم على مصائر هؤلاء وأنهم يصدق فيهم قوله سبحانه :  إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن  .
وفي بلاد الغرب ، تسير الدعوة الإسلامية بطيئة أحياناً ، وتتعثر أو تنتكس أحياناً أخرى ، ومشكلات الدعوة هناك جمة ، تفرق في الكلمة ، وتخبط في المنهج ، وخلفيات غامضة ، وتناقض بين الطرح والسلوك .
وفي بلاد الشرق ، يعيش مئات الملايين من غير المسلمين ، جيراناً للمسلمين في قراهم ومدنهم ، بل وفي أحيائهم وبيوتهم ، يخالطونهم في معاملاتهم ، ويتعرفون على أحوالهم ، ومع ذلك لا نشم رائحة انتشار حقيقي للإسلام بينهم .
في هؤلاء المسلمين علماء أجلاء يحفظون الكتب بمتونها وحواشيها ، ويصنفون في أصول المسائل وفروعها ، وعندهم من العلم ما يشبع ويروي ، وجيرانهم إلى جنبهم جوعى وهم يعلمون .
وفي مقابل هذا الشح في أعداد من يدخلون الإسلام ، هناك الكثيرون يخرجون منه ، وعلماء المسلمين إما يجهلون ذلك وإما يتجاهلونه .
إن الأمة المسلمة تعاني وضعاً خطيراً يستحق من العلماء أن يعيروه انتباههم ، بل يستحق أن يهز كيانهم من الأعماق .
لقد استغلت جهات عديدة غفلة الأئمة عن الأمة ، وانصراف الرعاة عن الرعية ، وتقصير خاصة العلماء في حق عامة المسلمين ، فعاثت فساداً في العقول والأفكار ، والأديان والعقائد ، وجعلت تعمل في مسارات منظمة تلتقي كلها في إخراج المسلمين من حوزة دينهم إلى دين غيره أو إلى لا دين .
فمنهم من يعمل على إخراج المسلمين من الإسلام – عقيدةً وأفكاراً – وإن لم يدخلوهم في دين آخر ، يدعون إلى الإلحاد ويحاربون التوحيد ، ويستعينون بكل وسيلة متاحة ، مدعومين من قبل دول كبرى ، ومنظمات عالمية نافذة ، وكم نجح هؤلاء في بث سمومهم في أوساط الشباب المثقفين وأنصاف المثقفين .
ومنهم من يعمل على تحويل المسلمين عن دينهم إلى دين غيره ، وفي سبيل هذا تبذل جهود هائلة ، وتنفق أموال طائلة ، ويكفي لندرك خطورة الوضع أن نعلم أن آسيا وحدها ينصَّر فيها كل عام مليون إنسان مسلم ، ومثلهم ينصَّرون في أفريقيا .
كل هذا يحدث من حولنا ، والعلماء والدعاة يتغنون بإسلام أفراد الناس هنا وهناك ، والجسد المسلم ينزف ، والأمة المسلمة تفقد أبناءها ، والمجتمع المسلم صار نهبة لكل طامع ، والعلماء عن هذا غافلون !!!
لماذا نتجاهل الأخطاء ؟ ونهرب من مواجهة الأخطار ؟!
لماذا نضخم الإنجازات الصغيرة ، ونرفض الاعتراف بالهزائم الكبيرة ؟!
في يوم حنين أنزل الله على نبيه خاتمة سور القرآن - سورة النصر - التي قال فيها :  ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً  ، واليوم صار الناس يخرجون من دين الله ، ودين الله هو هو لم يتبدل ولم يتغير ، هو قائم فينا بنصوصه ومفاهيمه ، هو على حاله بكماله وجماله ، ولكن العيب طرأ على من يحملون هذا الدين .
حق لنا أن نقول : لقد انتقل علماء الإسلام ودعاته من نجاح في الهجوم إلى عجز عن الدفاع ، وثغور الإسلام تؤتى من قبلهم ، وهم حماتها والمسؤولون عن حفظها وحمايتها ، والذئاب تعيث في القطيع ، ورعاته غافلون منشغلون في غير ما هم عنه مسؤولون ، وما أعظمها من مسؤولية !!
ومما يتصل بهذه المسألة ما نراه من بعض علماء المسلمين ودعاتهم من عجز عن استقطاب أصدقاء مساندين للإسلام ، فهم ينظرون إلى الكافر على أنه خلق فاسد ميؤوس منه ، وكأنه الله أطلعه على علمه وكشف عن بصيرته أن أولئك القوم هم الذين أنزل الله فيهم :  إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون  .
ثم هم لا يتصورون أن ثمة أناساً منصفين عرفوا حقائق الإسلام فأعظموها وأعجبوا بها ، قد لا يدخلون في الإسلام لسبب شخصي أو اجتماعي ، ولكن هذا لا يمنعهم من أن يؤدوا خدمة لهذا الدين العظيم ، ويمكن أن يكونوا أصدقاء له ، مفيدين في خدمة رسالته .
لقد صار كثير من علماء المسلمين في هذا الزمان ، متفننين في تربية الأعداء ، ولهم أساليب شتى تثبت تفوقهم في حشد صفوف الناقمين .
وبما أن العامي لا يميز بين المبادئ والأشخاص الذين يحملونها ، فإنه لا يستطيع الفصل بين الإسلام وهؤلاء العلماء الذين يمثلونه ، فإن حارب عالماً منهم فإنه لن يكون عدواً شخصياً له ، بل إنه في الغالب سيكون عدواً للإسلام الذي يمثله .
ومن هؤلاء العلماء من ينفّر الناس من شخصه ، ومن ثم ينفرهم من دينه ، ويستجلب عداوة معظم الناس من حوله ، ثم تراه يتباهى ويعتز بما صنع ، زاعماً أنهم إنما يحاربونه محاربة الباطل للحق ، ويعادونه معاداة الأشرار للأخيار .
وكم سمعت ورأيت جماعات مسلمة اتبع أصحابها هذا النهج ، وجمعوا الخصوم من حولهم بسوء فعالهم وانعدام حكمتهم ، حتى إذا لم يبق لهم صديق يساندهم قالوا لتلامذتهم : هذا برهان على صلاح حالنا ، ودليل على أننا الطائفة المرضية عند الله ورسوله . أليس النبي قد قال : " بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود غريباً كما بداً ، فطوبى للغرباء " ؟!! وهانحن أولاء غرباء منبوذون لأننا على الحق !! ويا له من فهم سقيم ، وفكر عقيم ذاك الذي يظن أن الإسلام يأمر أتباعه أن يتبغضوا إلى الناس بسوء الخلق .
وشتان بين غربة المسلم الصالح المصلح في وسط المفسدين المتمردين ، وبين شذوذ هؤلاء الذين فسدت فعالهم وساء صنيعهم .
لقد استفاضت نصوص الشرع التي تأمر بطيب المعاملة ولزوم جانب الحكمة مع المسلم والكافر ، وإحسان عرض الإسلام وتمثيله .
يقول تعالى :  ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة  .
ويقول سبحانه :  وقولوا للناس حسناً 
ويقول سبحانه :  وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن 
ويقول المصطفى : " يسروا ولا تعسروا وبشروا وسكنوا ولا تنفروا "
وإننا في هذا الزمان أحوج ما نكون إلى صديق يدعم قضايانا ، وإلى جهات تتبنى آراءنا .
ولا يحتاج منا استقطاب الأصدقاء إلى كبير عناء ، فلسنا مطالبين أن نخترع ديناً جديداً ، أو نبتدع مبادئ جديدة ، لأن الإسلام يفرض حبه على كل منصف ، وفيه من الإقناع ما يغني عن تزيينه وتجميله .
لسنا مطالبين إلا بأن نعرض الإسلام كما أنزله الله تعالى دون تغيير أو تبديل ، أن نعرضه كما هو بجماله وجلاله ، بروعته ورونقه .
لسنا مطالبين إلا بأن نكون ممثلين صادقين لهذا الدين العظيم ، لا نزيد ولا ننقص ، حتى يقبل على الإسلام من كان أعرض عنه ، يقبل عليه معتنقاً لفكره وعقيدته ، متبنياً لأفكاره ومبادئه ، أو يقبل عليه مناصراً لقضاياه وإن لم بدخل فيه ، محترماً لتعاليمه وإن لم يتبعه .
واسمحوا لي أن أنتقل إلى تساؤل آخر طالما أرقني وأقض مضجعي ، حول واقع يكتوي بناره جماهير عريضة من شباب المسلمين .

معروف محمد آل جلول
01-02-2009, 09:57 PM
أخي هشام ..
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته ..
مادمت تواصل الموضوع فـ سأحاول التكيف معك ومتابعته..
نعم أخي الكريم ..
العلماء هم ورثة الأنبياء ..
هم ملح الأرض ونور البشرية ..
هم القدوة ..
ولــــكن هؤلاء صاروا محكومين ..بالقمع..بالتعذيب ..بالنفي ..
ولعلك لاحظت عدوان غزة الأخير أن بعض العلماء أفتى بفتيا السياسة ..
معظمهم خاضع لسلطانه لالله ..
هذه حقيقة مرة ..كالذي لايحرم بضاعة الصهاينة ..
إذا يريدنا أن نثخن جيوب الصهاينة بالمال لابالرصاص ..
لنضرب إخواننا الفلسطينيين بأموالنا ..
ولعل الشيخ القرضاوي ـ حفظه الله ـ لجرأته وإدراكه للحقائق ..
ومركزه العظيم عند بعض الحكام الذين يثقون فيه ..كالجزائر..
هو ما دفع بريطانيا إلى رفضه دخول أراضيها ..
واعتقد لم يدخلها إلا بعسر..السنة ما قبل الماضية..
أما الذي يدعي المعارضة فيقبلونه ليشتت الصفوف..
السبب كما ذكرت لأن اتلشيخ القرضاوي يدرك الحقائق ويفضح الغرب ..
فهو الخطر الكبير على مشاريعهم التدميرية ..
العلماء اليوم على نمطين متناقضين ..
عالم دين ..
عالم دنيا ..الناس مخدوعون فيه ..
وما أدرانا أن يكون بعض اليهود يتلبسون بلباس العلماء ..
سلطة الخفاء تفعل الأعاجيب..
بالغ تقديري أخي الحبيب هشام العز..
سأواصل معك في كل إجابتك ـ بإذن الله ـ ..
خالص تحياتي..

هشام عزاس
01-02-2009, 10:19 PM
سأواصل معك في كل إجابتك ـ بإذن الله ـ ..
خالص تحياتي..

الفاضل الأخ معروف إنما إجابات فضيلة المفكر و المربي باسل بن عبد الرحمان الجاسر رحمه الله
و لأهمية الموضوع برأيي قررتُ أن أضع هذا الموضوع الثري لنقف على بعض الحقائق التي أدت بالأمة إلى هذا المنحدر السحيق الذي نحياه , و لأنني مؤمن بأن العلماء هم مفتاح التغيير الحقيقي .

تسعدني متابعتك سيدي الكريم و كل أملي أن نستفيد من هذا الطرح السليم .

تقديري و احترامي

محمد سوالمة
01-02-2009, 10:40 PM
- لماذا فقد معظم الناس ثقتهم في العلماء ؟ ولم يعد للعلماء في نفوسهم تلك الجلالة التي كانت ؟
الناس فقدوا ثقتهم بعلماء السلاطين الذين تفتح لهم الفضائيات لبث سمومهم ولكن لم يفقدوا الثقة في العلماء الصالحين الذين يقولون كلمة حق عند سلطان جائر ولكنهم مغيبون عن الاعلام العميل الذي لا يبحث الا عمن يريدهم لفتوا للناس بما يتفق مع توجهات الانظمة .
لماذا فقد العلماء قدرتهم على شحذ الهمم وتحريك العواطف ؟
نفس الاجابة تتكر لان من نسمعهم ويروج لهم ليس هم من يشحذون الهمم لكنهم موجودون لو اردت سماعهم فهم موجودون ويعملون لما فيه خير الامة .
لماذا انقطعت الصلات الحقيقية بين المجتمع والعلماء ، وهجر الناس المساجد إلا في الجمع والأعياد ، وصار العلماء في واد والناس في واد آخر ؟
بكل بساطة لان تفكير الامة بات يسبق تفكير علماء السلاطين فالامة تريد الاسلام ليحكم وعلماء السلاطين يتغنوا باولي الامر الانظمة التي انكشفت عمالاتها فالامة في واد والعلماء في واد اخر .
(- لماذا تحول حضور خطبة الجمعة إلى مجرد فعل تعبدي لا يظهر أثره ؟
- لماذا يسعى كثير من العلماء والوعاظ والخطباء - بقصد أو بغير قصد - إلى فصل الناس عن واقعهم ، والمضي بهم إلى عالم يخترعونه لهم أو ينسخونه من صفحات الكتب لا يمت بصلة إلى العالم الذي يعيشون فيه ؟
- لماذا يعمل بعض الخطباء على تعميق الهزيمة النفسية في قلوب الناس عوضاً عن إرشادهم إلى طريق النهضة ، ويكتفون بنعي الأمة على الملأ بدلاً من تلمس سبيل إحيائها وبث الروح فيها ؟
- لماذا خلت المساجد من حلق العلم بعد أن كانت تغص بها ، وأمست المساجد في غير أوقات الصلاة خاوية بعد أن كانت تغص بطلاب العلم في كل وقت ؟
- لماذا صار العلم الشرعي تخصصاً حكراً على فئة ، وسادت الأمية الدينية بين الفئة الكبرى من المسلمين ؟
- لماذا تحول العلم إلى مجموعة من الشهادات والألقاب ، بعد أن كان سلسلة من الإنجازات التي خلدها الزمان ؟
- لماذا قل المسلمون بالانتماء ، في حين كثر المسلمون بالانتساب ؟
- لماذا يضخم العلماء أعداد المسلمين الجدد في عيون الناس ، ويتغافلون عن أضعاف أعدادهم يتركون الإسلام إلى دين غيره أو إلى لا دين ؟
- كيف تحولت الدعوة الإسلامية من الهجوم الناجح إلى الدفاع المتعثر ؟ ولماذا صرنا لا نأمن على إيمان أبنائنا في بيوتنا ، بعد أن كنا نهدي الأحمر والأصفر في أقاصي الأرض ؟
- لماذا هجر الشباب المسلم المساجد واتجهوا إلى الملاهي والمقاهي ؟ وما الذي حولهم عن المصاحف إلى شاشات التلفاز ومقاهي الإنترنت ؟
- هل الشباب المسلم بخير ؟ وهل حالهم على ما يرام ؟ أم إن بذور الإلحاد والانحراف الفكري تترعرع بينهم ؟
- هل يتحمل الشباب وحدهم وزر إعراضهم عن دين الله وانحرافهم عن جادته ، أم إن العلماء يتحملون نصيباً من هذا الوزر ؟
- إلى متى سنبقى مضطرين لسماع المهاترات المقيتة والمجادلات العقيمة بين أصحاب التيارات الفكرية والمذاهب الفقهية ؟
- لماذا صار المسلمون على وجه العموم ، والعلماء خاصة ، مضرب المثل في التفرق والتمزق ، والتحاسد والتدابر ؟
- لماذا لم يتمكن العلماء إلى الآن من إيجاد آلية للحوار البناء الذي يوصل الأمة إلى وحدة الكلمة ؟
- لماذا لم يجد أعداء للأمة المسلمة وللإنسانية حاقدون متربصون ، ذوو صفوف منظمة وخطط محكمة من العلماء من يواجه خططهم بمثلها ليحبط ما يصنعون ؟
- لماذا لم يتصد علماء الإسلام لفضح هؤلاء على الأقل إن لم يستطيعوا كبح جماحهم ، وإيقاف زحفهم ؟
- هل تعرَّف العلماء - قبل أن يعلموا غيرهم - تعرفاً عميقاً موجهاً على منظمات تعمل من أجل الباطل أكثر مما يعملون هم من أجل الحق ؟)
لماذا ولماذا وماذا بعد كلها كما ذكرت اخي تساؤلات الاجابة عنها تكمن في سطر واحد
طريقة التفكير التي غزا بها الغرب عقولنا ولن تتغير الحال وتختفي التساؤلات الا ان نعود الى طريقة التفكير السليمة الكل اصبح يفكر على اساس المنفعة والمصلحة التي جعلت من العقل هو السيد وهو الذي يضع الاحكام وع ان وظيفة العقل هي فهم الاحكام والالتزام بها اي ان طريقة التفكير هي التي يجب ان تتغير لنفكر على اساس الحلال والحرام ليس غير ولن يتغير الحال الا اذا تغير حالنا اولا وستبقى هذه التساؤلات بل سيضاف اليها تساؤلات اخرى ان استمر الناس على طريقة تفكيرهم الحالية
اسعدني ما نقلت
وان كنا نسال فمعني ذلك اننا بدانا نحس بفساد الواقع ولا بد لنا من العمل لتغييره

معروف محمد آل جلول
03-02-2009, 04:18 PM
أخي هشام..
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
لكم الأجر على نشر هذا الموضوع ..
لذا خطابنا لكم وللشيخ الكريم ..
مقارنة بين علماء الأمس واليوم هو ما يكشف الداء..
كان العالم ينشأفي بيئة علم محضة ..
يطلب العلم الشرعي كاملا ..
حتى يحصل لديه ما يسمى ..الإحاطة الشاملة بالتصور الإسلامي..
يتثقف ثقافة عصره..
يشغل الأعمال الحرة ..حتى وإن شغل مدرسا..
حتى عند السلطة ..يلتزم الإسلام ..
السلطة والعالم يتفقون على تطبيق الإسلام..
والتاريخ يشهد أن كثر عُذِّبوا بسبب رفضهم هوى السلطة..
يموتون دون آية أو حديث..
اليوم العلم الناقص الذي حذر منه عدة علماء..
المنصب عند السلطة ..
السلطة غالبا تميل إلى النظام العالمي ..
نسجل ـ إذن ـ ضعف العالِم من ضعف السلطة والأمة ..
حينما يجنح إلى ثقافة عصره لايجد إلا المناهج الغربية ..
البطش الذي يلاقيه العلماء..
اختلاط المنهج الإسلامي بالإيديولوجية الغربية ..
النفاذ العلمي الغربي إلى أذهان المسلمين ..
ونقصد العلوم الإنسانية ..
أرى الحل أن يلتزم المجتمع المدني بتوفير كل متطلبات الحياة للعالم ..قصد تحريره من السلطة ..
وتوفير مصادر رزق له ..وطرقها كثيرة متعددة ..حينما يقرر المجتمع..
العمل أولا على تصفية الثقافة الإسلامية من الفكر الغربي..
انحصار دور العالم من انحصار دور الشريعة الاسلامية في ساحة الواقع المعيش..
الإسلام حصر في المساجد ..
الله أعلم ..
بالغ تقديري أخي الكريم..

هشام عزاس
06-02-2009, 09:28 PM
وقد كثر علماء السلطان...... والعلماء الذين يخشون على انفسهم من الطاغوت
والامة شرارتها العلماء ووقودها الشعوب
تحياتي

بالفعل كما ذكرت أخي الحبيب , كم أتوق إلى زمن العز بن عبد السلام كان رجلا بأمة .

كم ابتعدنا .... و كم ابتعدوا ...

محبتي لك

البربريسي
07-02-2009, 10:21 AM
إن الدعاة يستمع إلى خطابهم شرائح عدة من المجتمع إن لم تكن كافة الشرائح؛ ولذلك فإن لهم الدور الأكبر والأساسي في تعبئة عقول الأمة وأرواحها وأبدانها وإيقاظ الوعي وتصحيح المفاهيم لديها فلذلك

على علماء أمتنا أن ينيروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة عقول أجيالنا الشابة، زينة حاضرنا وعدّة مستقبلنا، بحيث تجنبهم مخاطر الانزلاق في مسالك الجهل والفساد والانغلاق والتبعيّة، وتنير دروبهم بالسماحة والاعتدال والوسطية والخير، وتبعدهم عن مهاوي التطرّف والتشنج المدمّرة للروح والجسد؛ كما نتطلع إلى نهوض علمائنا إلى الإسهام في تفعيل مسيرتنا وتحقيق أولوياتنا بأن يكونوا القدوة والمثل في الدين والخلق والسلوك والخطاب الراشد المستنير، يقدمون للأمة دينها السمح الميسر وقانونه العملي الذي فيه نهضتها وسعادتها، ويبثون بين أفراد الأمة وفي أرجاء العالم الخير والسلام والمحبّة، بدقة العلم وبصيرة الحكمة ورشد السياسة في الأمور كلها، يجمعون ولا يفرقون، ويؤلفون القلوب ولا ينفرونها، ويستشرفون آفاق التلبية لمتطلبات القرن الحادي والعشرين والتصدي لتحدياته .

دور العلماء

شرف الله العلماء ورفع مقامهم وجعل ذكرهم في القرآن الكريم الى جانب الانبياء والمرسلين وميزهم عن غيرهم فقال عز من قائل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )الزمر 9 وخصهم بالعقل (وما يعقلها الا العالمون ) العنكبوت

العلماء هم اصحاب القرار وليس الحكام

هشام عزاس
07-02-2009, 09:27 PM
ماذا يمثل الشباب بالنسبة لعلماء المسلمين ؟
وماذا يمثل هؤلاء العلماء بالنسبة لأولئك الشباب ؟

إذا كان العلماء قد نظروا إلى الشباب على أنهم أولوية أساسية من أولويات اهتمامهم ونشاطهم ودعوتهم ، فلا بد أن الشباب سيقابلون هذا الاهتمام بمثله ، وسيُقبلون على العلماء بالحب والاحترام ، وسيتخذونهم قدوة لهم ، وستمتلئ المساجد بهم ، فهل واقع الحال يشير إلى شيء من هذا ؟
هل الشباب المسلم اليوم نواة صحوة إسلامية واعدة ؟
هل هم الجيل الذي تعقد عليه الآمال العريضة ، وترنو إليهم الأبصار المتفائلة بغد مشرق ؟
هل هم واجهة صادقة لأمة ذات تاريخ مجيد ، ومجد تليد ؟
هل هم متميزون عن شباب سائر أمم الأرض في طرائق تفكيرهم ، ومجالات اهتمامهم ، ومستوى طموحاتهم ؟
لا يخفى أن شباب المسلمين ليسوا في شيء من ذلك كله ، ولكن ما العلة ؟ أهم ظالمون أم مظلومون ؟ أهم مجرمون أم ضحايا ؟
إن خواء الشباب المسلم فكراً وروحاً وابتعادهم عن الإسلام أخلاقاً وسلوكاً لم يكن إلا نتيجة مباشرة لابتعادهم عن العلماء ، وابتعادهم عن العلماء لم يكن إلا ردة فعل لابتعاد العلماء عنهم .
لقد حفر العلماء بينهم وبين الشباب أخدوداً عريضاً ، فنأوا عنهم ، وتغافلوا عن مشكلاتهم ، وترفعوا عن النزول إلى مستواهم والاستماع إليهم والتحاور معهم ، وصغروا عقولهم ، وأغلقوا دونهم أبواب النقاش ، وكلموهم بلغة الإملاء والتلقين ، وحظروا عليهم الرد والانتقاد . فماذا كانت النتيجة ؟
لقد قابل الشباب إعراض العلماء عنهم بإعراض أشد ، فوسعوا الهوة التي ابتدأ العلماء حفرها ، وأمعنوا في الإعراض عن العلماء . ولأن الشباب مجبول على الحماس ، يغلب الطيش عليه ، فقد بالغوا في إعراضهم ، حتى تحول إعراضهم عن العلماء إلى إعراض عن الدين بأسره ، لأنهم لا يحسنون - في الغالب - التمييز بين المبادئ ومن يمثلونها ، فإذا بهم يخسرون الإسلام ويخسرهم ، ويخسر بفقدانهم خيرة عناصره ، ومن يعتمد عليهم في بناء حضارته .
انظر إلى رواد المساجد في أنحاء بلاد الإسلام شرقاً وغرباً ، من اعتادوا على حضور الجماعات الخمس أو معظمها ، وابحث عن الشباب فيهم ، فكم تجد منهم ؟
ثم ابحث عن هؤلاء الشباب الذين خلت المساجد منهم تجدهم يتسكعون على الأرصفة ، أو يتسامرون في المقاهي ، في أقل أحوالهم سوءاً .
ما أعظم فجيعتنا بشبابنا ، ونحن الأمة الفتيَّة ، التي يشكل الشباب النسبة الكبرى فيها ***!
كم من شباب المسلمين يحسن تلاوة القرآن ، فضلاً عن فهمه ؟
وكم منهم عنده اطلاع على الخطوط العريضة في سيرة النبي ( صلى الله عليه و سلم ) ، فضلاً عن تفاصيل أحداثها ؟
وكم منهم يعرف فرائض الصلاة ومبطلاتها ، فضلاً عن سننها وآدابها ؟
بل كم منهم يؤدون الصلاة أصلاً ، ويلتزمون بفروض الإسلام ، فضلاً عن كمالاته وآدابه ؟
كم من شباب المسلمين يعرف دينه حق المعرفة ، فضلاً عن أن يقوم بالدعوة إليه ويعرف الآخرين به ؟؟؟
فما الذي نفَّر الشباب من المساجد ، حتى صاروا يبحثون عن مأوى بديل لهم في المقاهي والملاهي ؟
وما الذي زهدهم في علوم دينهم ، حتى صاروا أجهل ما يكونون فيه ؟
أليس العلماء – أو معظمهم – سبباً جوهرياً في تلك الحال المأساوية ؟
لقد نظر الشباب إلى مشايخهم فرأوا معظمهم في أحد ثلاثة أحوال :
وجدوا فيهم طالب دنيا ، همه جمع أموالها ، وبلوغ مناصبها ، يأكل أموال الناس بالباطل ، ويتخذ الدين سلماً يصل به إلى مآرب دنيوية دنيئة ، ومصالح شخصية عاجلة ، وما كان مثل هذا ليستحوذ على ثقة عقلاء الناس .
والثاني شيخ ( درويش ) ، مخلص طيب القلب ، لا يطمع في بهرج الدنيا ، ولا يستميله زخرفها ، قابع في زاوية مسجده ، يرضى من دنياه بالقليل الحلال ، غير أنه لا يعرف في هذه الدنيا إلا قليلاً من الأحكام الشرعية يؤدي بها وظيفته .
والثالث شيخ جليل ، عظيم الإلمام بعلوم الدين ، واسع المعرفة في مسائل الفقه والأصول ، متبحر في أمهات الكتب القديمة ، غير أنه يعيش في زمان تلك الكتب ، وقف نفسه على التاريخ فتجاوزه الزمن ، لا يعرف من أحوال هذا العصر إلا النزر اليسير ، تطور العالم من حوله ، وهو يريد أن يعيش في زمان الكتب التي يدرسها ، ويأبى أن يتطور مع تطور المجتمع من حوله ، وقد لا يقوى على رد كثير من الشبهات الحديثة التي ترد عليه من الشباب ، فيغلق باب الحوار هرباً من الاعتراف بالعجز ، ويطالب الشباب بالتسليم لما لا يستطيع تفسيره ، بدعوى أنه مقدس ديني لا يجوز نقاشه بالعقل . فهذا العالم في نظر الشباب جزء من تراث الأمة المجيد ، ولربما لجؤوا إليه من أجل عقد نكاح ، أو فتوى طلاق ، غير أنهم لن يسلموا عقولهم لمن لا يفهمهم ولا يعيش في زمانهم .
لما رأى الشباب هذا حال علماء الإسلام خلطوا بين دين خالد كامل وتمثيل له ناقص قاصر ، فقالوا : إن ديناً لا يخاطب عقولنا ، ولا يجيب على تساؤلاتنا ، ولا يساير زماننا ، لسنا ملزمين باتباعه ، والرجوع معه نحو الوراء ، وإخماد شعلة التفكير...
فهل يتحملون الوزر وحدهم ؟!!
لقد هجروا المساجد بعد أن كانوا حمائمها ، لأن أئمة المساجد وخطباءها لم يستميلوهم إليها ، فاختطفهم المقهى والملهى والشارع والنادي .
وهجروا القراءة النافعة بعد أن كانوا أنهم الناس وأولعهم بها ، لأن المؤلفين صبوا جهدهم في تكرار القديم ونبش الماضي ، فتلقفهم إعلام خبيث ، يمتلك من أدوات الجذب ما لم يقاوموه .
وبين عوامل الطرد من جهة علماء الإسلام، وعوامل الجذب من جهة أعداء الإسلام ، ضاع إسلام الشباب ، وضاع شباب الإسلام .
وتفاقمت المشكلة ، واتسعت الهوة ، في زمان كثر فيه دعوات الكفر ، وعلت أصوات أبواق الإلحاد ، وكل يحاول استمالة الشباب إلى صفه ، ويخاطبه بالغة التي يفهمها ويقدسها ، لغة المنطق والبرهان ، الذي يستقيم حيناً ، ويعوج أحياناً كثيرة .
تفتقت في أذهان الشباب تساؤلات حساسة عديدة ، تتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها كثير من المشايخ ، يتعلق بعضها بأسس العقيدة الإيمانية ، وبعضها بحقائق التاريخ الإسلامي ، وأذكتها تلك الأفكار المستوردة فتحولت إلى شكوك وشبهات ، حتى صاروا أمام مفترق حاسم ، إيمان أو كفر ، فإلى من يلتجئون ليعينهم على حل معضلتهم وشفاء صدورهم ؟ وهل أمامهم غير علماء الإسلام ، حماة عقيدته ، والذائدون عن مبادئه ؟!!
جاء كثيرون منهم إلى هؤلاء العلماء ، فعمقوا شبهاتهم ولم يزيلوها ، وزادوا مشكلاتهم ولم يحلوها ، وعرضوا الدين الذي قامت عقيدته على موافقة العقل عرضاً يحارب العقل ويحرّم التفكير ، ولم يقف هؤلاء عند العجز عن حل الإشكالات التي اعترضت هؤلاء الشباب ، بل إنهم زادوا الطين بلة عندما حاولوا إخفاء عجزهم عن الحوار ورد الحجة بالحجة ، باتهام الشاب بالكفر والتمرد ، وإصدار تحذير شديد اللهجة أن لا يعود إلى مثل هذا الطرح لئلا يحسب على الكافرين المرتدين ، ففتحوا بهذه اللهجة المتعالية باباً واسعاً للشيطان ، وسقوا بذوراً خبيثة كان يسهل وأدها بلغة الحوار المنطقي الهادئ .
وكم رأيت من شباب زهرات ، حادوا عن الجادة ، لا لخبث في طويتهم ، بل بسبب شيخ أساء معاملة عقولهم ، وحاول قمع تفكيرهم ، وخيرهم بين خيارين زعم أنهما لا يجتمعان : إما الإيمان والشرع وإما التفكير والعقل ، فاختاروا العقل وتركوا الإيمان .
ولقد قلتها مراراً ، ولا زلت أقولها : إن الإلحاد المتستر الخجول في المجتمعات المسلمة خطر يتعاظم ، وقد تحمل العلماء مسؤولية كبيرة في السماح بوجوده ، فعليهم أن يتحملوا المسؤولية في مقاومته واحتوائه .

معروف محمد آل جلول
07-02-2009, 09:40 PM
أخي هشام ..
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
العلماء يعوِّلون على الشباب ..
والشباب يعوِّل على العلماء..
الشباب يترددون على المساجد..
ولكن أخي الكريم..
منذ استقلال الدول الإسلامية ..
ظل الإمام يشرح الإسلام في المساجد التي يحضرها على الأقل نصف الشباب ..
لِمَ لمْ يحدث تغيير؟
هنا السؤال؟؟
لأن الميدان للعلمانية والقوانين الوضعية ..لسلطة الخفاء ..
أفعالها التدميرية التهديمية ..
تسعين بالمائة يرغبون في تغيير الحياة ..يعجزون أمام نظام مدجج بالسلاح..
المشكل ..مشكل ميدان لادعوات مجرّدة ..
ما أكثر كلام العلماء النظري ..ماأقل التطبيق..
ما أضعف التحقيق..
بالغ تقديري لكم وللعالم المحترم جزاكما الله خيرا..

هشام عزاس
12-02-2009, 07:57 PM
وائذنوا لي أن أنتقل إلى تساؤل عظيم الخطر .

أين العلماء من أعداء منظمين تنظيماً دقيقاً ، يتربصون الدوائر بالإنسانية عامة ، وبالإسلام خاصة ، وضعوا لتدمير الحضارة الإنسانية ، واجتثاث جذور الفضيلة ، ونسف المبادئ النبيلة ، خططاً خبيثة محكمة بعيدة الأمد ، ثم انتقلوا - في غفلة من العالم - من طور التخطيط إلى طور التنفيذ ، وكان المسلمون واحداً من أهدافهم ، بل من أولها وآكدها ، فجعلوا يعملون على التدمير في كل مجال وعلى كل صعيد ، في الأخلاق والعقائد ، في الدول والمجتمعات ، في السياسة والإعلام والاقتصاد ، في الدين والدنيا ، وعلماء المسلمين أين هم ؟؟
أين هم من الوقوف في وجه المخططات الماسونية ، والسياسة الصهيونية ، والأفكار الوجودية ، والاقتصاد الشيوعي ، والعقيدة المادية الجدلية ؟؟
لقد انشغل الراعي بمزماره وأغانيه ، التي صارت نشازاً ينفر منها القطيع ، فانفض عنه القطيع متشرذماً . وبقي هو يلهو بمزماره وأناشيده ، بينما قطيعه يتفرق في كل جهة ، فصار صيداً سهلاً لذئاب طال انتظارها لغفلة الراعي ،وعز عليها زماناً طويلاً أن تنال فرداً من القطيع بسوء ، حتى صار بين يديها دون حارس يحميه ، تفتك منه بمن تشاء .
ظهرت في التاريخ الإسلامي حركات فكرية وسياسية هدامة ، بذلت جهوداً كبيرة في سبيل تخريب العقول وإفساد العقائد ، ولكن العلماء كانوا يقفون لها دائماً بالمرصاد ، يكشفون ويفضحون ، ويردون ويفحمون ، يساندهم في ذلك الخلفاء والأمراء ، بل حتى عندما كان بعض الخلفاء أو الأمراء ينحاز إلى صف تلك الحركات ، كان العلماء وحدهم - والله معهم - يقاومون الحليفين معاً ، ولنا في موقف أحمد بن حنبل وأصحابه أمام المعتزلة وخلفاء بني العباس الثلاثة مثل يحتذى ، ولولا صمود الإمام أحمد بن حنبل والنفر القليل الذين معه لضاعت الحقائق ، واختلط الحق بالباطل .
ظهرت بدع الجبر والإرجاء ، والاعتزال وإنكار القدر ، والتجسيم والتعطيل ، ثم تطورت الفتن ، فظهر الشعوبيون والزنج والقرامطة ، ودخلت على العالم الإسلامي فلسفات اليونان وهرطقات الفرس ، والعلماء يتصدون لذلك ، ولا يدسون رؤوسهم في التراب ، بل أطلقوا ألسنتهم وشحذوا أقلامهم في وجه الفتن حتى زالت ، وقارعوا دولة الباطل بمثل سلاحها حتى دالت .
لقد كان العلماء يطيرون أنفسهم ، ويغيرون خططهم ، ويعدلون أسلحتهم ، بحسب ما تقتضيه الفتن الحادثة ، والخطوب المتجددة .
فكان أن نشأ علم التوحيد على يد أبي الحسن الأشعري ، الذي استخدم لغة المنطق وأساليب المتكلمين في تقرير مسائل علم التوحيد ، ليحسن الرد على المعتزلة بمثل لغتهم ، ويبين ضلال ما ذهبوا إليه بمثل منطقهم . وخاض أبو حامد الغزالي في بحور الفلسفة اليونانية ، فأحسن تفنيد عقائدها الباطلة ، ورد حججها بحجج تقابلها من مثل نوعها ، وهكذا كنت تجد عامة العلماء ، كلما ظهر فكر جديد ، أشبعوه درساً وتمحيصاً ، حتى إذا هضموه أطلقوا سهامهم الصائبة التي لا تخيب .
فأين أمثال هؤلاء العلماء اليوم ؟
والأعداء اليوم صاروا أكثر تفنناً في أساليب الحرب الفكرية ، أكثر إتقاناً لفنون الغزو الثقافي ، وقد تحول عملهم من حركات ارتجالية ذات أفكار منحرفة أو مطامع محدودة ، إلى منظمات تعمل وفق خطط داهية ، مدروسة الأهداف ، بعيدة الأمد ، متشعبة النشاطات .
أين العلماء اليوم من الصهيونية والماسونية والشيوعية والوجودية والقاديانية والبهائية وشهود يهوه ... ؟؟؟
هل وقفوا من كل هذه المنظمات وغيرها كوقفة أبي الحسن أو أبي حامد ، أو ابن رشد أو ابن تيمية مما كان في أزمانهم ؟
هل عرفوا عامة المسلمين فساد العقائد الوافدة ، وخطورة الحركات الغازية ، ليكون ذلك وقاية لهم من الخطر قبل وقوعه ؟
يؤسفني أن أرى علماء الإسلام أمام هذه التحديات الكبيرة قد انقسموا في غالبهم ثلاث فرق ليس فيها ما يوازي خطورة الحال .
فمنهم فئة - ليسوا بالكثيرين عدداً - ولكنهم فاعلون مؤثرون ، اخترقهم الأعداء ، واتخذوهم أعواناً لهم ، ينفثون سمومهم في عقول الشباب ، وكم من شيخ استقطبته المحافل الماسونية فكان من خدامها المخلصين ، وكم من داعية طمع في منصب أو جاه ، فداهن أهل الباطل وتقرب إليهم طمعاً فيما عندهم من مفاتيح الأبواب المقفلة ، فقلب الحق باطلاً ، ولبَّس على المسلمين أمر دينهم .
ومنهم من غفل عما يدبر للأمة ، فكان سبباً لغفلة الناس بغفلته ، قد يكون عالماً جليلاً مستوعباً لأمهات كتب الأقدمين ، قادراً على التصنيف في فروع الفروع التي لا تهم معظم الناس ، ولا يُحتاج إليها في القرن مرة واحدة ، ولكنه لم يسمع عن بروتوكولات حكماء صهيون إلا ما يسمع العامي ، ولا يعلم ماذا فعلت أفكار ماركس وسارتر بشباب الإسلام ، ولم يعرف يوماً من هو داروين وماذا أبطل من عقائد المؤمنين ، فإذا كان هذا حاله فماذا ينتظر منه أن يقدم للأمة ؟!
ومنهم من حاول الدفاع ، فكان دفاعه متعثراً ، أحسن ما يقال فيه إنه جهد مخلص يؤجر عليه ، ولكنه يفتقر إلى الأسس العلمية ، أخذ معلوماته عن أولئك الأعداء المنظمين أصحاب الخطط العتيدة من قصاصات الجرائد ، وأطراف الأخبار ، ومن أفواه الناس ، ثم أتى بها في خطبة جمعة أو محاضرة نارية ، أو أودعها في كتاب أو مقال حماسي مثير ، فشعر بالرضى عما فعل ، ولم يعلم أن الجيش الجرار لا يقاوم برشقات أحجار .
مثل تلك المنظمات لا يمكن مقارعتها إلا بجهود مخلصة ، وخطط محكمة ، وصفوف موحدة .
وتلك مسؤولية العلماء قبل الجهلاء ، وواجب الأئمة قبل سائر الأمة .

هشام عزاس
13-02-2009, 09:34 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هم القدوة أخي هشام، ووالله لو توحدت كلمتهم لأثروا في القادة ولتبعتهم الشعوب كاملة

لكن المشكل فيهم وفينا، هم انشغلوا عن الأمة حتى انقسم أبناء الأمة بين مؤيد لهم وبين

ناقد ولا مبال ونحن تهنا وسط الانقسان نؤيد من نريد وننقد من نريد دون معرفة لم نحن مع هذا أوضد ذاك؟

عليهم أن يقفوا وقفة ذاتية مع أنفسهم ويوحدوا الكلمة لتتمكن هذا الأمة من السير على النهج الصحيح مجددا.

هم عماد البيت ويجب أن يكون هذا العماد متينا لكي لا ينهار البيت.

يا ذا الجلال والعزة انصر إخواننا في غزة.

تحيتي ومودتي.

الأخت المورقـة / سعيدة
أولا أتمنى أن تكوني بخير و عافية أيتها الصديقة الغالية .
نعم أوافقك الرأي في أن علماء الأمة هو عماد البيت و لا بد أن تكون أركانه متينة كما تفضلتِ كي يحافظ على قوته و وجوده ضد كل العواصف و الأعاصير و بالأخص الفكرية منها .
ممتن لهذا الحضور البهي
تحيتي لقلمك و فكرك

هشام عزاس
22-02-2009, 08:10 PM
عزيزي هشام
رغم مايقال أن الحوادث توحد الصفوف ومع ما وحدت بالفعل إلا أن دور العلماء لم يكن بالشكل المطلوب
وانقساماتهم باتت تشكل محور انشغالاتهم بالشكل الأولي .
ومنهم علماء السلاطين القابعون على موائدهم والمكممة أفواهم عن قول كلمة حق عند سلاطينهم .
لذا ربما يحتاج البعض منهم إلى تحرير أنفسهم أولا ً لتحرر بهم بلاد المسلمين .
خالص تحيتي

الأخ الحبيب ناصر البنا أشكرك على مرورك الكريم أخي و بلا شك أقاسمك وجهة نظرك , فدورهم اليوم ضعيف جدا بالنسبة للمخاطر التي تواجه الأمة و على كل الأصعدة و خصوصا الفكرية .

هشام عزاس
22-02-2009, 08:19 PM
وأخيراً وليس آخراً ، أتساءل ويتساءل كثيرون معي :
ألن يتوقف العلماء عن نبش الخلافات القديمة وتجديدها ؟!
ألن يطووا صفحة غابرة من الحجاج السقيم ، والخلاف العقيم ، في أمور لا يضر الاختلاف فيها ؟!
ألن يكفوا عن محاربة الإخوة الأشقاء ، في حين أن بعضهم يوالون الأعداء الألداء ؟!
لقد مزقت خلافات العلماء في الجزئيات جسد الأمة ، وأعداء الأمة ينظرون ويباركون ، بل ويسهمون في إذكاء جذوتها وتسهيل أسبابها .
بقينا زمناً نضيع أوقاتنا في مسائل من قبيل صلاة الحنفي خلف إمام شافعي هل تصح ؟ وعكسها هل يصح ؟ وانقسمت الجماعة الواحدة في المسجد الواحد إلى جماعتين ، وفي المساجد الكبرى إلى أربع جماعات لكل مذهب صلاته ، وكأن أصحاب كل مذهب يقولون لأصحاب المذهب الآخر :  لكم دينكم ولي دين  .
ثم خفت حدة تلك النزاعات المذهبية ، ولكن لحساب نوع جديد من الخلاف المقيت المذموم ، بين مذهبية ولا مذهبية ، وبين تيار المجددين وتيار المحافظين ، وبين فقه النصوص وفقه المقاصد ، ثم تشعبت الفرقة الواحدة ، فصارت الخلافات تشتد ، والهوة بين المسلمين تتسع .
والعامة في كل هذا ، إما عاقلون مبهوتون لما يرون ، لا يعرفون تفسيراً له ، فكيف يكون الدين واحداً ، وأتباعه ينقسمون على أنفسهم هكذا ، وإذا كان الإسلام هو الدين الحق ، فأي إسلام هو ذلك الدين ، إسلام هؤلاء أم إسلام أولئك ؟؟؟!! وإما عميان منقادون يعلن الحرب على أخ له إن خالفه أو خالف شيخه في فكرة ما وكأنها الجهاد المقدس . وليسوا في الحالتين إلا ضحية لمن يحرك الخلافات ، ويوقظ الفتنة ، ألا وهم فئة من العلماء دفعهم إما حمقهم وإما خبثهم إلى تمزيق صف الأمة وتفريق كلمتها .
لقد مل كثير من الناس سماع المهاترات الممجوجة المبتذلة ، التي تفتقر إلى كل مقومات الحوار الهادف ، وما زادهم الكلام فيها إلا نفوراً واستهجاناً .
أما آن للعلماء أن يتحلوا بقدر من الوعي والإخلاص ، يخرجهم من دوامة الشقاق الموروث الذي أخذوه عن أسلافهم من ضمن ما أخذوا من تراث خالط فاسدُه الدخيل صالحَه الأصيل ؟؟!
والداهية الدهياء تُرى في الغرب غير المسلم ، في أوروبا وأمريكا ، حيث نقل ( دعاة الإسلام ) خلافاتهم ليعرضوا أقبح ما عندهم على أهل تلك البلاد ، الذين لم يعرفوا الإسلام الحقيقي ، ولم يسمعوا عنه إلا اسمه ، ورأوا في موضعه خلافات وانقسامات ، ونفّرهم من قبول الإسلام أن علماءه يكفر بعضهم بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، حتى إذا شاء أن يدخل في الإسلام ، فإنه يحتار بأي إسلام يأخذ ، وكل يدعي أن الإسلام معه وحده ، وأن من على غير مذهبه كافر مارق !
بل إن نسبة كبيرة من المسلمين الجدد في تلك البلاد صاروا يسهمون في شحذ الخلافات المذهبية ، وصاروا يلقَّنون على أيدي شيوخهم الجدد الخلافات قبل أن يتعلموا أصول الدين ، فيتحولون إلى مصدر قوة للمذهب الذي هم محسوبون عليه لا للإسلام الذي اعتنقوه ، بل إنهم يضعفون بذلك الإسلام من حيث نظن أن دخولهم في الإسلام يقويه !
كل هذا يفتك بالأمة ، والعلماء بين متفرج على ذبحها ، ومشارك يضع يده فيه ، وهم مع ذلك يرون أن ما ورد في النصوص والأشعار من فضائل العلماء ومدائحهم فيهم قيلت لا في سواهم ، فيا للعجب !!!
إن أول ما ينبغي على العلماء فعله هو السعي في سبيل لم الشمل ، والعمل على رأب الصدع ورص الصفوف وتوحيد الكلمة ، لأن أي جهد إصلاحي لا يصدر عن كلمة موحدة سيفشل لا محالة ، وسترتطم إنجازاته بالخلافات والانقسامات التي تحيل النصر هزيمة .
وما من أمة أغفلت إصلاح ذات بينها إلا انقلبت انتصاراتها هزائم ، وعاد نجاحها في مساعيها فشلاً .
قبل محاربة العدو الخارجي ، لا بد من محاربة العدو الداخلي الفتاك ( فساد ذات البين ) ، الذي قد يكمن في أوقات الشدائد ، ولكن ما إن يغيب العدو الخارجي وينهزم حتى يستيقظ من سباته ، ويخرج من مكمنه ، والأمثلة في التاريخ كثيرة من قديم الأزمان ، إلى قضية أفغانستان ، وانقسام أهلها على أنفسهم بعد انتصارهم العظيم على الإمبراطورية الروسية .
قبل السعي في كسب الأصدقاء ، لا بد من كسب الإخوة الأشقاء ، الذين تجمعنا بهم أواصر الدين ، وتربطنا لحمة العقيدة ، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا .
من أشكال الوحدة التي نحتاجها ( الوحدة الجيو ثقافية ) وأعني بها التواصل المعرفي الثقافي بين علماء المسلمين في بقاع العالم الإسلامي المختلفة ، وفي سائر أقطار الأرض .
قبل مجازر البوسنة والهرسك ، قلة من المسلمين كانوا يعلمون بوجود شعب بحاله يدين بالإسلام في قلب أوروبا ، وفيهم العلماء والأتقياء .
وفي كوسوفو التي لم نكن نسمع عنها قبل محنتها ، علماء في الفقه والأصول والنحو خلفوا نفائس المخطوطات مخبوءة عن عيون الشيوعيين في شعاب الجبال .
وألبانيا المسلمة ، كثيراً ما كان من يسمعني ألفظ اسمها يصحح لي نطقي فيقول : " تقصد ألمانيا ؟ " فهو لم يعلم بوجودها ، فضلاً عن أن يعرف أنها دولة يشكل المسلمون غاليية سكانها .
وفي الصين أكبر أقلية مسلمة ، غير أننا لا نعرف عنهم أدنى معرفة .
والمسلمون في الهند ، لا تعرف الأمة المسلمة عنهم إلا النزر اليسير من الحقائق التي معظمها مغلوط ، وعندما كنت أسأل بعض الإخوة : أتعلم كم يبلغ عدد المسمين في الهند كنت أسمع إجابات شتى أكثرها تفاؤلاً أنهم عشرون أو ثلاثون مليوناً .
ولو كلمت أياً من عامة المسلمين عن الإسلام في أمريكا ، فسوف يفاجأ عندما تخبره أن أعداد المسلمين هناك تتراوح بين ستة ملايين في أقل تقدير ، وثلاثين مليوناً في بعض التقديرات غير الرسمية .
فإذا كان هذا ما انتهى إليه علم المسلمين عن شعوب إسلامية عظيمة ، وجاليات مسلمة مؤثرة ، فلا ريب في أن اطلاعهم على أحوال إخوانهم هؤلاء ووقوفهم على همومهم ومشكلاتهم أمر لا وجود له أصلاً .
فإن قيل : إن هذه مشكلة عامة ، والجهل فيها ضارب أطنابه على المجتمع المسلم بأسره ، فما ذنب العلماء في هذه المشكلة ؟ وما دورهم في حلها ؟
قلت : إن العلماء هم مصابيح الأمة وهداتها ، فإذا لم يقوموا هم بواجب التثقيف والتوعية ، فمن يقوم به ؟ أننتظر وسائل إعلامٍ أقسمت أن تجتث الخير والفضيلة ، وتحارب الحق والهدى ؟ أم مؤسسات تعليمٍ قلبت الموازين وشوهت الحقائق ، وعاهدت الشيطان أن تجعل الباطل حقاً والحق باطلاًُ ؟
ومن زعم أن مهمة العالِم المسلم تقتصر على الكلام في أحكام العبادات وقصص التاريخ فقد أخطأ الصواب .
لا بد من أن يتحول منبر الجمعة ، وكرسي الدرس ، ومحراب الموعظة ، إلى جامعات تعوض ما فوتته الجامعات ، ووسائل إعلام تصلح ما أفسدته وسائل الإعلام .
على العلماء - بناءً على ذلك - أن يثقفوا أنفسهم ويبنوا أفكارهم البناء المتكامل ، ليحسنوا تثقيف الأمة وبناء فكرها .
في سالف الزمن ، كانت وسائل الانتقال محدودة ، ووسائل الاتصال شبه مفقودة ، فالطريق من الحجاز إلى الشام يستغرق شهراً ، فما بالك بما بين مراكش وخراسان ، والسفر على الإبل والخيول ، فيه من المشقة ما فيه ، ومع انقطاع السباب هذا ، كان تواصل العلماء في أوجه ، وكان الحوار بين أئمة الأمصار ، وكانت المباحثات العلمية ، وكان التلاقح الفكري كما لو كانوا في قرية صغيرة .
يؤلف عالم في المشرق كتاباً ، فيصنف مغربي في تحشيته أو نقده ، أو تقريظه أو نقضه .
ويقول عالم في الأندلس رأياً ، فيسارع علماء الشام إلى تمحيصه وبحثه ، ثم إقراره أو دحضه .
لقد صنع المسلمون في ذلك العهد الذهبي ما يصلح أن يسمى عولمة فكرية ليس لها مثيل في تاريخ الأمم رغم قلة الوسائل ، فارتحلوا وتنقلوا ، وتراسلوا وتواصلوا ، حتى حققوا مصطلح ( القرية الصغيرة ) من مئات السنين .
فأين علماء الأمة من مثل هذا التواصل اليوم ؟ وقد تيسرت لهم أسباب التواصل ، وتطورت وسائل الاتصال ، حتى إن العالم كله يأتي إلى داخل بيتك بضغطة زر ، فتتخير منه ما تشاء .
هوة واسعة صارت تفصل بين مدرسة فكرية وأخرى داخل القطر الواحد ، فما بالك برقعة اتسعت ، وأقطار تناءت .
صار الناس يعلمون عن قصص الفنانين ، وأخبار الرياضيين ، أكثر مما يعلمون من أسماء علماء أمتهم ، وما ذاك إلا لتقصير مشايخهم في تعريفهم بهم ، وهم أنفسهم في الغالب لا يعرفون الكثير عنهم .
ثمة هيئات علنية معدودة ، لها نشاط في جمع أخبار العلماء ، وإحصاء المؤلفات التي تنشر لهم في أقطار إسلامية أخرى ، ولكن دائرة عملها محدودة ، وأثرها في المجتمع لا وجود له .
لما توفي النجاشي نعاه النبي ( صلى الله عليه و سلم ) إلى أصحابه في اليوم نفسه ، فكان في ذلك تشريعُ سنةٍ إعلاميةٍ يجدر بالعلماء أن يتفهموها ، وأن ينقلوا للناس أخبار أمتهم ، وأحوال علمائها كما نقل النبي ( صلى الله عليه و سلم ) إلى أصحابه خبر أخيهم النجاشي رغم بعد المسافة .
ومن أشكال الوحدة التي نحتاجها الانفتاح الفكري والتلاقح المذهبي .
لقد فعل التعصب للمذهب والمدرسة وتقديس فكر ( الجماعة ) و ( الطائفة ) بهذه الأمة أشد مما فعل بها أفتك أعدائها ، وذاق المسلمون من ويلات التعصب ما أذهلهم عما يحيك لهم العدو المتربص .
والأمثلة العملية للتعصب لا تخفى على ذي بصر ، ولا حاجة لتكرار المعلوم .
لقد آن الوقت لوقف هذه الشجارات الصبيانية التي تتحول في بعض الحالات من شجارات كلامية إلى حروب دامية ، وجدير بعلماء المسلمين أن يغيروا هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا رسوله ، ولا يرضي إلا إبليس وجنده .
أمام علماء الأمة تحد كبير ، يحتاج منهم شجاعة كبيرة : أن يرفعوا الحصانة عن اجتهادات السابقين ، وأن ينتقوا منها ما وافق نصوص الشرع ، وانسجم مع روحه ، وحقق مقاصده ، ومن أعظم مقاصده توحيد الكلمة .
ولا بد لهم من أن يعلموا أنه إذا تعارضت وحدة الأمة مع قداسة المذهب وحصانة أئمته ، فإن مصلحة الأمة تقدم ، فلنخالف آنئذ آراء أئمة المذهب ومشايخ الطريقة في سبيل توحيد الكلمة وتجنب الشقاق .
فلقد مر ردح من الدهر طويل والأمم تتندر بنا ، وتضرب بتفرقنا الأمثال ، وما كان تفرق العامة إلا نتيجة لتفرق العلماء ، ولا تكون وحدتهم إلا بوحدتهم واتفاقهم .
ومن أهم أشكال الوحدة التي نحتاجها إيقاف النزيف الذي تفقد به الأمة يوماً بعد يوم خيرة شبابها المثقفين ، الذين لم تتيسر لهم التربية الإيمانية العقلانية ، فنشؤوا مسلمين بالتقليد ، حتى إذا شبوا عن الطوق ، وخرجوا عن دائرة التبعية للبيئة التي ربوا فيها ، تلمسوا حقائق الإسلام العقلانية المقنعة ، التي لا يأباها العقل ، فوجدوا موضعها طروحاً نفرتهم ، وأفكاراً لا برهان عليها ، وارتطموا بعلماء لا يفقهون لغة المنطق التي يفكر بها هؤلاء الشباب ، كانوا سبباً في إعراض الشاب عن الدين لا لفساد عنصره ، بل لسوء عرضه عليه .
وبسبب انعدام حكمة هؤلاء ( العلماء ) لو جاز لنا أن نصفهم بهذا الوصف الشريف ، تخسر الأمة شباباًُ من خيرة أبنائها ، هي إليهم أحوج منها إلى ملايين من المتلقنين المقلدين.
على العلماء - تجاه هذا التحدي - أن يتعلموا أولاً منطق البحث العلمي المجرد ، الذي يقبل مناقشة كل رأي مهما بلغ تطرفه على أساس من المنطق البحت ، ليتوصلوا منه إلى منطق الحوار العلمي الهادئ ، الذي يحترم كل رأي ولا يلزم أحداً بتبني فكرة ما لم يأت عليها ببرهان دامغ .
ثم عليهم أن ينزلوا من صوامعهم وأبراجهم ، ويفتحوا صدورهم وقلوبهم لكل سؤال ، وأن يتقبلوا كل نقاش ، ليدخل إلى رحاب الإسلام من كان قد خرج .
عليهم أن يصلحوا ما أفسدوا ، ويعيدوا بناء ما هدموا .
وفي الختام
ربما بدا للبعض أن هذه الصورة القاتمة التي قد رسمناها آنفاً قد جاوزت الواقع وأغرقت في التشاؤم ، وأن كل ما سبق كلام غير مسؤول ، ولا يستند إلى أساس ، وأن الحال ليس بهذه الدرجة من السواد .
هؤلاء معذورون في هذا الظن لجهلهم - لو عذر الجاهل - لأنهم نأوا بأنفسهم عن واقعهم فلم يدروا ماذا يحدث من حولهم .
ولعل العاقلين أصحاب الأبصار والبصائر ، يعلمون أني لم أجاوز الواقع في حرف واحد مما مضى ، وما كان ذلك إلا إيضاحاً للحقائق المستورة ، ورفعاً للحجب التي يصر البعض على إسدالها على تلك الحقائق ، وما زدت على أن وضعت يدي على الجرح الذي ما فتئ الآخرون يغضون الطرف عنه ،حتى استفحل أمره ، وعظم خطره ، وصار لا بد من استئصاله ما لم يمكن علاجه ، قبل أن يودي بالجسد كله .
وأنا في كل ما ذكرت ، لا أنأى بنفسي عن المسؤولية ، ولا أتكلم من علٍ ، ولكنني في كل كلمة قلتها أتهم نفسي قبل غيري ، وأطلب الصفح من الله عما مضى والعون على ما بقي ، وما كان الكلام الذي سبق هجوماً ممن يرى نفسه أعلى على من هم أدنى ، إنما كان الدافع وراء كل ما تقدم الحب الممزوج بالحرص لمصابيح الأمة ، الذين من ورائهم الأمة كلها ، والذين أرى أدنى واحد فيهم فوقي بدرجات ، وأقلهم قدراً أرفع مني بمراتب .
ولقد كان التشخيص الذي تقدم مشحوناً بالحلول بين ثناياه ، تلك الحلول التي لا بد أن يكون تحقيقها بداية لنهضة ( علمائية ) تنتج بإذن الله نهضة عامة لأمة قال الله سبحانه في بيان فضلها :  كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله  ، ولن تعود هذه الأمة إلى مقامها الرفيع بين الأمم إلا بإرشاد من علمائها ، ولن تصل إلى مقام الرضوان الإلهي إلا إذا أخذ أئمتها بيدها ، وتلمسوا لها الطريق ، وساروا أمامها أئمة هداة مرشدين ، ليكونوا في الدار الآخرة أئمة الأمة إلى جنة الخلد ، ويحوزوا أعلى مراتب النعيم المقيم ، في الفردوس الأعلى من الجنة  وما ذلك على الله بعزيز  .
اللهم هذا الجهد وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

فضيلة المفكر و المربي
باسل بن عبد الرحمن الجاسر ( رحمه الله )

هشام عزاس
24-12-2009, 10:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال مميز ومنقول قوي ومقنع
اخي العزيز هشام
يحوي معلومات قيمة وشاملة، وايضا حقيقية
خاصة ما يتعلق بالعلماء المسلمين من منطلق
ديننا الاسلامي الحنيف فله اكبر الأثر في
القلوب والنفوس، فالدين لا يعلى عليه
ولا يناقش فيه وبما جاء به تقريباً كلياً..
فتخيل لو افتى علماء المسلمين ان الجهاد
فرض عين وواجب مقدس لنصر الاخوة
المسلمين والاسلام، وان تعاون ومشاندة
اهلنا في غزة بكل الاشكال هي فريضة
على كل مسلم مقتدر وهي كذلك في محكم
القرآن الكريم، سيتغير الوضع كثيرا للافضل.
وتأكيدا على كلامي نداءات ائمة المساجد
والشيوخ والمفتين لدينا بأي حدث ومناسبة
تجد صدا كبيرا وقويا وتفاعلاً قويا ومؤثراً.
فكيف بعلماء الأمة من فضلهم الله بعلمه؟!
وبارك الله فيك وجزاك خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
والله اكبر والله اكبر
على كل من طغى وتجبر



الأخت الكريمة ريما أشكرك على تعقيبك و مداخلتك القيمة و تساؤلاتك الوجيهة
نسأل الله أن يلطف بأمتنا من كيد أعدائها و عملائهم المخلصين في بلداننا العربية
و أن يحبط كيدهم و مخططاتهم و أن يفضحهم علمائنا و المخلصين من الشرفاء .
دمت بخير و سلام

هشام عزاس
24-12-2009, 11:07 PM
ألم يصبح التظاهر ... حرام ...
أغزة محاصرة حقاً ؟؟؟

بل هي محررة و يمكن لأي انسان أن يدخل إليها حتى بدون جواز سفر, و لكن في متخيلات و أحلام الذين لا يعيشون واقع الإنسان العربي , لأنهم يعيشون في بروج عالية و يخافون على أنفاسهم الطاهرة من أن تختلط بأنفاس الكادحين .