تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بؤس الثقافة



راضي الضميري
25-01-2009, 09:40 PM
بؤس الثقافة
مثقف برسم البيع ، ومثقف باع نفسه وقبل أنْ يقبض الثمن ، ومثقف برسم الجنون ؛ ومثقف حائر لم يرسو بعد على وجهة محددة بفعل الضياع الذي سبّبه له خوفه من نفسه و على ذاته ، ومثقف ما زال يحاول أنْ يقنع نفسه بأنّه مثقف .
بعد درس غزة ، تكشفت حقائق عدّة أمام الجميع ، وخرجت جحافل الفئران من جحورها ؛ ورأينا قنوات فضائية و صحف ومجلات كتب أصحابها مقالات تهاجم ليس المقاومة فقط بل الشعوب التي خرجت ثائرة وغاضبة ، واتهموها بالجهل والمراهقة السياسية ، بل إنّ البعض منهم هاجم وبقسوة كبيرة وبتشفّي ظاهر - حسدهم عليه العدو ومن تآمر معه - بعض الشهداء ووصفهم بالهالكين وبالقتلى ، وزرعوا وما زالوا يزرعون بذور الشك والإحباط في قلوب الحائرين واللا مهتدين إلى حقيقة كل ما جرى وما سيجري لاحقًا ، ودعوا إلى الوقوف في وجه الإرهاب ؛ إرهاب صاحب الحق الشرعي ؛الضعيف ماديًا والقوي معنويًا في وجه بطش المعتدي ؛ القوي ظاهرًا - الجبان - ماديًا ؛ والفاقد لأدنى المقومات المعنوية و النفسية والروحية والتي قد تؤهله للاستمرار في مشروعه الميت إكلينيكيًا ، خرجت جحافل الفئران ( المثقفة ) وشتى أنواع القوارض والحاملة لأعلى الشهادات العلمية والأكاديمية ، والتي التي مسخت نفسها ؛ وانحازت بحكم فطرتها السقيمة إلى الجانب الآخر ، و ظنّوا بأنّ الالتحاق بركب الذين تقلبوا في البلاد ، وطغوا وتجبّروا على العباد سيكتب لهم النجاة ، فاشتغلت على بث روح اليأس والخوف من قوة ذاك الوحش – الضعيف - في قلوب العباد ، وانهمكت في مسابقة فطرتها بل والتفوق على السقامة نفسها في إبراز وجهها القبيح ، وخبث روحها ، ومنشأ هويتها ، فلم يعد من مجال أمام ما تبقَ من الأحياء إلا إعمال الفرز ومواجهة حقيقة أنّ هذا العالم الذي نعيشه لم يعد صالحًا للحياة بفعل حجم هذا التلوث الذي أفرز جراثيم وفيروسات لا مجال للعيش معها أو ملاطفتها أو إخفاء حقيقتها بعد الآن .
لم يعد يقلقني تعريف المثقف ؛ ولم يعد يشكل لي أي ارتباك ، ولم يعد مهمًا أنْ يتكلم هذا الفأر أو ذاك بمفاهيم مهجنّة وعلى طريقة النعجة دوللي وفي يده قاموس لترجمة المفاهيم المستوردة ، أو تلك التي تم تعريبها وفق مصالح فئوية أو تآمرية ، صحيح أنّ هناك من حاول و ما زال يحاول أنْ يضع تعريفًا جامعًا مانعًا يصف فيه كنه هذا المثقف ومكوناته ، رغم صعوبة هذا الأمر أكاديميًا ، إلا أنّ البعض قد حصر نفسه في زاوية ضيقة جدًا ؛ وخرج بوصف فصّله بنفسه أو بوصفة خارجية ليناسب مقاسه ، ظنًّا منّه أنّه هو المقصود بهذا التعريف لأنّه يوافق هواه ، أو على الأقل ما يدّعي أنّه يمتلك مقوماته ، فكان الأمر في أحسن الأحوال كمن يلبس حذاءً وجده جميلًا ولكن لا يناسب مقاس قدميه ؛ فلبسه رغم أنفه الذي فقد حاسة الشمّ من رائحة قدماه العفنة ، وفقد على أثرها حواسه الأخرى ، بفعل الضغط الناجم من الأسفل إلى الأعلى حيث الرأس فقد تركيزه ، وأبت الأذن الوسطى الانسجام مع واقعه فلفظته وطرحته أرضًا ، كما الأرض لم تعد تطيق هذه الجحافل من الفئران التي تكاثرت بفعل الأمراض الخبيثة التي نشأت في نفوسهم ؛ بفعل التآمر والعمالة وربما الجبن التي أحدثت دمارًا كبيرًا في جيناتهم وفي هندستهم الوراثية ، فأصبحوا كما الروبوت يوجهون عن بُعد وبدون أي عناء أو تكلفة مستسلمين لرغبات أسيادهم ، ومطيعين لأوامرهم .
لم يعد مهمًا بالنسبة لي تعريف من هو المثقف الحقيقي ، أعضوي كان أو هامشي ، أانبطاحي كان أم مستوِ ، فبعد مشاهد غزة ، وخروج طفل كتبت له النجاة ولم يتجاوز العاشرة من عمره ليقول" كيف أنسى كل هذا الدمار ومقتل أهلي وأصدقائي ، من يلومني عندما أكبر وأقاتل عدوي ، سأقاتل عدوي عندما أكبر " برأيي هذا هو المثقف الذي فهم الدرس بعيدًا عن كل الجامعات والأكاديميات العلمية والأدبية ، إنّ هذا الموقف لهذا الطفل هو انحياز للفطرة السليمة التي تأبى إلا أنْ تعبر عن نفسها وبشكل صحيح وسليم ، نعم هو ذاك المثقف الذي أطلق صرخة مدوية هدمت بفعل قوتها النابعة من الحق جحور هذه الفئران المتهالكة على رؤوس أصحابها ، وخالفت وبشكل صريح قوانين الطبيعة ومعها نيوتن نفسه " لكل فعل رد فعل مساوِ ِ له بل وأكثر في المقدار ؛ ومعاكس له وبمقدار لم نعهده من قبل وبنفس الاتجاه " ألم يعلمنا درس غزة هذا الدرس والذي هو مخالف لقوانين الطبيعة السائدة والمسيطرة على قلوب البشر في هذا الزمن الممتلئ بجحافل الفئران .
لم يعد يقلقني تعريف المثقف ، ولكن ما يقلقني هو استمرار البعض في تقمّص هذا الدور ، حاملًا بين ثنايا عقله وقلمه بذور الخنوع والاستسلام ، حاملًا معه رؤاه التي شبعت غربة عن واقعنا ، حاملًا معه بقايا سيوف تلك الحروب الصليبية ، حاملًا معه تلك الرماح التي حاربت في صفوف الردّة ، حاملًا معه شعارات مزيّفة تدّعي حبها وخوفها وحرصها على أمّة تذبح جهارًا نهارًا وبدون أنْْ يحرك ساكنًا ، اللهم إلا زعمه بأنّه من أنصار الواقعية والعقلانية ، في مفارقة عجيبة يبدو من خلالها أنّه الفاهم الوحيد والمكتشف لإكسير الحل والحياة الكريمة ، والفاقد لمشروعية رؤيته التي نفت عن نفسها وبشكل واضح أصالة تاريخها ، ومنبعها ، هذه الواقعية والعقلانية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الانجرار خلف مشاريع التهويد والتحطيم لمعنويات أمّة يعرف سلفًا أنّها لن تموت - ولكنه يكابر ليحظى بفرصة الظهور على أكتاف جرح أمّته - وغير الانبطاح ضمن صفوف رضيت بأنْ تكون جسرًا يداس فوق كرامتها - أو ما تبقَ منها - للعبور إلى مخادع الأحرار والشرفاء من أبناء هذه الأمّة ، و حصارهم وإعمال سيف الغدر في ظهورهم .
أنْ تعرف أكثر يعني أنْ تتجنب مطبات حفرت خصيصًا لتجهل أكثر ولتضيع في غياهب المعاجم الفلسفية والقانونية والفقهية والأدبية ، ولتموت و بشكل أسرع دونما فائدة تذكر ودون مبرر مشروع على الأقل بين نفسك ونفسك ، ربما يبدو هذا القول لا معنى له ، ولكن أنْ تكون مثقفًا أكثر مما ينبغي ، فهذا يعني أنْ تكون مثل ذلك الطفل الذي استوعب درس غزة ، ووضع خططًا خمسية وعشرية بل ومئوية وحتى ألفية لنا ولمن سيأتي من بعدنا ، في أول ديباجتها حروف كتبت من دم الأحرار تقول " أنْ تكون مثقفًا فهذا يعني أنْ تكون مقاومًا ومؤمنًا بأنّ النصر له ثمن ، وبأنّ الصبر على النفس خير من الموت في جحور الفئران ؛ اختناقا " .

هشام عزاس
26-01-2009, 08:01 PM
أنْ تعرف أكثر يعني أنْ تتجنب مطبات حفرت خصيصًا لتجهل أكثر ولتضيع في غياهب المعاجم الفلسفية والقانونية والفقهية والأدبية .

إذن فثقافة الميدان هي الثقافة الأحرى بأن تكون معيارا للتصنيف , و معايشة الواقع من خلال منظور الهوية السليمة أجدى من معايشة الكتب من خلال منظور أطروحات سقيمة .

المثقف الحقيقي هو الذي يفرض ذاته و يجعل الآخر خاضعا لفكره و مبادئه , لا أن يكون مرآة تعكسُ فكر الآخر و تطرحه من خلاله .

ما أروع أن تتكلم لغة الآخر بلسان ذاتك , و ما أروع أن تتفتح على كل الثقافات بشرط أن لا تذوب فيها هويتك و تصبح مسخا و أداة تتلاعب بها أصابع الآخرين .

و ما أقبح أن تتباهى يا مثقف العمالة بما ليس فيك و تفاخر بضياعك في حفلة خيرية أقيمت لتكون ضيف الشرف فيها صوريا و يكون ريعها رحيق استخلص من دمك و شرفك و كرامتك .

طفل غزة ذاك أعقلُ منكَ , و أشرف منك , و تحتفلُ المنابر إذا ما اعتلاها , و تردد صوت الحق من جوف حر غير مسلوب , لا كجوفك الخاوي منك الممتلئ بغيرك .

الأخ الكريم راضي بارك الله فيك على هذه التأملات الحية .

تقديري و احترامي

نادية بوغرارة
31-01-2009, 12:49 AM
و ما الثقافة إن لم تُخرج لنا همما عالية ؟
واعية ، لا تباع و لا تشترى ؟

ما الثقافة إن لم تكن كلمة حق؟

و ما المثقف إن لم يقف ضد تيار العفن ،
و لو كان بمفرده؟

ما المثقف إن لم يكن - ببساطة - رجلا؟

***********
شكرا لكم

خليل حلاوجي
03-02-2009, 09:26 AM
بل وماهو معنى أن أكون مسلماً سوى أن أكون مثقفاً بقيم الإسلام التي تعينني في استقراء اللحظة التي أعيشها

نحن لا نؤمن بالمخيالية التي اجهضت ثورات التحرر

ولا نؤمن بالرهبنة التي تعزل القيم عن الواقع

ولانؤمن بالجبن والخور ...بل نحن نسارع لنواكب اللحظة بكل فوازعها وفواجعها .. ولكن بشرط وحيد

أن نفهم التوحيد من الزاوية الواقعية .. فندعو للإصلاح

الإصلاح بالقتال .. منهجية قرآنية مارسها الحبيب محمد وصحابته ونحن إخوان من خلفهم لسائرون .

\

بالغ تقديري للثراء والذكاء العاطفي الذي تطرحه هنا أخي الحبيب .

راضي الضميري
08-02-2009, 11:43 PM
أنْ تعرف أكثر يعني أنْ تتجنب مطبات حفرت خصيصًا لتجهل أكثر ولتضيع في غياهب المعاجم الفلسفية والقانونية والفقهية والأدبية .

إذن فثقافة الميدان هي الثقافة الأحرى بأن تكون معيارا للتصنيف , و معايشة الواقع من خلال منظور الهوية السليمة أجدى من معايشة الكتب من خلال منظور أطروحات سقيمة .

المثقف الحقيقي هو الذي يفرض ذاته و يجعل الآخر خاضعا لفكره و مبادئه , لا أن يكون مرآة تعكسُ فكر الآخر و تطرحه من خلاله .

ما أروع أن تتكلم لغة الآخر بلسان ذاتك , و ما أروع أن تتفتح على كل الثقافات بشرط أن لا تذوب فيها هويتك و تصبح مسخا و أداة تتلاعب بها أصابع الآخرين .
و ما أقبح أن تتباهى يا مثقف العمالة بما ليس فيك و تفاخر بضياعك في حفلة خيرية أقيمت لتكون ضيف الشرف فيها صوريا و يكون ريعها رحيق استخلص من دمك و شرفك و كرامتك .

طفل غزة ذاك أعقلُ منكَ , و أشرف منك , و تحتفلُ المنابر إذا ما اعتلاها , و تردد صوت الحق من جوف حر غير مسلوب , لا كجوفك الخاوي منك الممتلئ بغيرك .

الأخ الكريم راضي بارك الله فيك على هذه التأملات الحية .

تقديري و احترامي
نعم ثقافة الميدان أخي هشام هي أكبر دليل على مدى الصدق والتفاعل مع هموم ومشاكل الأمّة .
أمّا الفلسفة الفارغة ، والانطواء تحت راية الكلام الفارغ والذي لا يغني ولا يسمن من جوع فهو مجرد سفسطة وديماغوجية يراد بها التضليل و الاستعلاء على خلق الله ، وإظهار منزلة من لا منزلة له أصلًا .
نحتاج إلى توظيف القيم والمعاني الأصيلة التي نهلت من كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنْ تكون الأفعال مطابقة للأقوال ، ولنقول كفى لكل متفلسف يظنّ نفسه فوق علم وفهم الجميع ، وهو في الحقيقة أجهل من حمار أهله .
قد أكون غاضبًا ، ومن يقرأ ردي قد يظنّ كذلك ، ولكن لا ؛ لست غاضبًا ، ولكن يجب وضع النقاط فوق الحروف ، والحقيقة مؤلمة لمن يراها وقد غيّب عن ذهنه معنى أنْ تكون الحقيقة حقيقة .
أخي الحبيب هشام
لا جدوى من المماطلة والمداهنة هذا ما اكتشفته منذ زمن بعيد ، و لا أدّعي أنّني أمتلك الحقيقة المطلقة ، كل ما في الأمر أنّ هناك أناس يجلسون في كوكب آخر ويحاولون إسقاط تفاهتهم على كوكب لم يروا فيه غير أنفسهم ومصالحهم .
شاكرًا لمرورك الكريم وإضافاتك التي ألقت الضوء على نصّي المتواضع .
تقديري واحترامي

عبدالصمد حسن زيبار
11-02-2009, 12:44 PM
ما بين بؤس الثقافة و ثقافة البؤس
نحتاج لنكون معاول إصلاح لهذا الخور
و ما هذه المقالات إلا لبنات في البناء القويم

مهمتنا صناعة الثقافة الجادة الصادقة
فالثقافة اليوم صناعة
للإعلام و التعليم و غيرها

راضي الضميري
16-03-2009, 12:22 AM
و ما الثقافة إن لم تُخرج لنا همما عالية ؟
واعية ، لا تباع و لا تشترى ؟
ما الثقافة إن لم تكن كلمة حق؟
و ما المثقف إن لم يقف ضد تيار العفن ،
و لو كان بمفرده؟
ما المثقف إن لم يكن - ببساطة - رجلا؟
***********
شكرا لكم


نعم ؛ أرجو التركيز على هذه النقطة الهامة " لا تباع ولا تشترى " والتي باتت الآن تباع وتشتري بسيد العملات الهابط الصاعد حسب تجليات العمالة ، مستر دولار .

شكرًا لك أختي الفاضلة نادية

تقديري واحترامي