سعيد بنعياد
19-02-2009, 08:43 PM
كانت هنا
( في ندب مدينتي تطوان (الحمامة البيضاء) ،
وما تعرّضت له من تهميش وتشويه لتراثها الحضاري الأصيل)
كانت هُنا ، فاجْتاحَها الطُّوفانُ = وطَوَى شُجونَ حَديثِها النِّسْيانُ
رقَصتْ قُلوبُ عِصابةٍ لِرَحيلِها = وسَقَتْ خُدودَ سِواهُمُ الأجفانُ
كمْ جادتِ الأوزانُ قبْلُ بِمَدْحِها = أفلا تَجودُ بِنَدْبِها الأوزانُ ؟
كمْ ذابَ صَبٌّ ذاقَ حَرَّ وِصَالِها = أفلا يُذِيبُ فُؤادَهُ الهِجرانُ ؟
هيْهاتَ ، ما رأَتِ العُيونُ مَثيلَها = كَلاّ ، ولا سَمِعتْ به الآذانُ
سحَرتْ عَمالِقةَ البَيانِ صِفاتُها = أنَّى لِمَنْ سحَرَتْهُمُ التِّبيانُ ؟
كانت لأسْرابِ الحَمامِ أميرةًَ = تَسْبي العُقولَ ، فجُنّتِ الغِرْبانُ
كانت تُفِيضُ على الثُّلوجِ بَياضَها = فتَشابَهتْ مِن بَعْدِها الألوانُ
كانت تَتِيهُ على الشُّموسِ بِحُسنِها = فكَسَتْ مَباهِجَ حُسْنِها الأكفانُ
كانت هُنا تُزْرِي بكُلِّ مَليحةٍ = كانت هُنا ، يا سادَتي ، تِطوانُ
* * * * *
كانت هُنا ، وهُناك كان ثَعالِبٌ = لِلحِقْدِ بيْنَ ضُلوعِهمْ بُرْكانُ
كُلٌّ بسِحْرِ جَمالِها مُتَرنِّمٌ = وإلى زَكِيِّ دِمائِها ظَمْآنُ
قَومٌ إذا امْتَشَقوا الوُعودَ حَسِبْتَهُمْ = سُحُباً تلُوذُ بِغَيْثِها الأوطانُ
فإذا عَنَتْ لَهُمُ الرِّقابُ ، تَوهَّجَتْ = مُقَلٌ لَهُمْ ، وتأجَّجتْ أسنانُ
قد أفْرَطوا في شَرِّهِمْ ، حتّى بَكـى = أسَفاً على تَفريطِهِ الشّيطانُ
حَرَصوا على إحياءِ كُلِّ رَذيلةٍ = حَرَصَتْ على استِئْصالِها الأديانُ
وتنافَسوا في وأْدِ كُلِّ فضيلةٍ = لا تستقيمُ بغَيْرِها الأكوانُ
وسَعَوْا إلى إقناعِنا بسياسةٍ = لَمْ تَقتَنِعْ بصَفائِها الأذهانُ
نظَروا إلى مَكْرِ الزّمانِ ، فأقسَموا = ألاّ يُحِيطَ بِمَكرِهِمْ إنسانُ
فاللهُ أكبَرُ أرْبَعاً (1) ، قُضِيَ الذي = لا رَيْبَ فيه ، ودُمِّرتْ تِطوانُ
* * * * *
أَرْثِيكِ ، بِنتَ المَنْظَرِيِّ (2) ، بأدمُعٍ = عجَزتْ عنِ استِيعابِها الأوزانُ
والنَّفْسُ يَعْصِرُها التَّأوُّهُ والأسَى = والقلْبُ تَنسِفُ صَبْرَهُ الأشجانُ
وبأحْرُفي يأتيكِ « بَحْرٌ كامِلٌ » = والنَّقْصُ لي ولأحْرُفي عُنوانُ
بالأمْسِ كُنتِ حمامةً بيضاءَ لا = تشدُو بغيْرِ هَديلِها الأغصانُ
ومَنارةً وَهّاجةً لا يَهتدي = إلاّ بِساطِعِ نُورِها الرُّكْبانُ
أَثْنَى ابنُ زاكُورٍ عليكِ بقوْلِهِ : = « هيَ جَنّةٌ ، فِردَوسُها الكِيتَانُ » (3)
ومضى سِواهُ يَخُطُّ فيكِ مَدائحاً = لَمْ يَخْلُ مِن نَفَحاتِها دِيوانُ
فلَئِنْ قُبِرْتِ ، فإنّ ذِكْرَكِ خالِدٌ = ولَئِنْ هُجِرْتِ ، فبِئْسَتِ الخِلاّنُ
فتَعطَّري بأَرِيجِ مَجْدِكِ وافخَري = فبِمِثْلِ مَجْدِكِ تَفخَرُ البُلدانُ
إنْ تُنْكِرِ الْجُغرافِيَا اسْمَكِ مَرّةً = لنْ يُنْكِرَ التاريخُ يا تِطوانُ
تطوان ، في : 19 يونيـو 2006
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) هذا عدد تكبيرات صلاة الجنازة ، عند الجمهور .
(2) أبو الحسن عليّ المنظري ، القائد الأندلسيّ الذي جدّد بناء تطوان .
(3) يقول محمد بن زاكور الفاسي ( ت 1120 هـ ) :
تطوانُ ، ما أدراكَ ما تطوانُ ؟ *** سالتْ بها الأنهارُ والخُلجانُ
قُلْ ، إنْ لَحَاكَ مُكابِرٌ في حُبِّها : *** هيَ جَنّةٌ ، فِردَوسُها الكِيتانُكيتان : نهرٌ كانت تحيط به مساحات جميلة خضراء .
( في ندب مدينتي تطوان (الحمامة البيضاء) ،
وما تعرّضت له من تهميش وتشويه لتراثها الحضاري الأصيل)
كانت هُنا ، فاجْتاحَها الطُّوفانُ = وطَوَى شُجونَ حَديثِها النِّسْيانُ
رقَصتْ قُلوبُ عِصابةٍ لِرَحيلِها = وسَقَتْ خُدودَ سِواهُمُ الأجفانُ
كمْ جادتِ الأوزانُ قبْلُ بِمَدْحِها = أفلا تَجودُ بِنَدْبِها الأوزانُ ؟
كمْ ذابَ صَبٌّ ذاقَ حَرَّ وِصَالِها = أفلا يُذِيبُ فُؤادَهُ الهِجرانُ ؟
هيْهاتَ ، ما رأَتِ العُيونُ مَثيلَها = كَلاّ ، ولا سَمِعتْ به الآذانُ
سحَرتْ عَمالِقةَ البَيانِ صِفاتُها = أنَّى لِمَنْ سحَرَتْهُمُ التِّبيانُ ؟
كانت لأسْرابِ الحَمامِ أميرةًَ = تَسْبي العُقولَ ، فجُنّتِ الغِرْبانُ
كانت تُفِيضُ على الثُّلوجِ بَياضَها = فتَشابَهتْ مِن بَعْدِها الألوانُ
كانت تَتِيهُ على الشُّموسِ بِحُسنِها = فكَسَتْ مَباهِجَ حُسْنِها الأكفانُ
كانت هُنا تُزْرِي بكُلِّ مَليحةٍ = كانت هُنا ، يا سادَتي ، تِطوانُ
* * * * *
كانت هُنا ، وهُناك كان ثَعالِبٌ = لِلحِقْدِ بيْنَ ضُلوعِهمْ بُرْكانُ
كُلٌّ بسِحْرِ جَمالِها مُتَرنِّمٌ = وإلى زَكِيِّ دِمائِها ظَمْآنُ
قَومٌ إذا امْتَشَقوا الوُعودَ حَسِبْتَهُمْ = سُحُباً تلُوذُ بِغَيْثِها الأوطانُ
فإذا عَنَتْ لَهُمُ الرِّقابُ ، تَوهَّجَتْ = مُقَلٌ لَهُمْ ، وتأجَّجتْ أسنانُ
قد أفْرَطوا في شَرِّهِمْ ، حتّى بَكـى = أسَفاً على تَفريطِهِ الشّيطانُ
حَرَصوا على إحياءِ كُلِّ رَذيلةٍ = حَرَصَتْ على استِئْصالِها الأديانُ
وتنافَسوا في وأْدِ كُلِّ فضيلةٍ = لا تستقيمُ بغَيْرِها الأكوانُ
وسَعَوْا إلى إقناعِنا بسياسةٍ = لَمْ تَقتَنِعْ بصَفائِها الأذهانُ
نظَروا إلى مَكْرِ الزّمانِ ، فأقسَموا = ألاّ يُحِيطَ بِمَكرِهِمْ إنسانُ
فاللهُ أكبَرُ أرْبَعاً (1) ، قُضِيَ الذي = لا رَيْبَ فيه ، ودُمِّرتْ تِطوانُ
* * * * *
أَرْثِيكِ ، بِنتَ المَنْظَرِيِّ (2) ، بأدمُعٍ = عجَزتْ عنِ استِيعابِها الأوزانُ
والنَّفْسُ يَعْصِرُها التَّأوُّهُ والأسَى = والقلْبُ تَنسِفُ صَبْرَهُ الأشجانُ
وبأحْرُفي يأتيكِ « بَحْرٌ كامِلٌ » = والنَّقْصُ لي ولأحْرُفي عُنوانُ
بالأمْسِ كُنتِ حمامةً بيضاءَ لا = تشدُو بغيْرِ هَديلِها الأغصانُ
ومَنارةً وَهّاجةً لا يَهتدي = إلاّ بِساطِعِ نُورِها الرُّكْبانُ
أَثْنَى ابنُ زاكُورٍ عليكِ بقوْلِهِ : = « هيَ جَنّةٌ ، فِردَوسُها الكِيتَانُ » (3)
ومضى سِواهُ يَخُطُّ فيكِ مَدائحاً = لَمْ يَخْلُ مِن نَفَحاتِها دِيوانُ
فلَئِنْ قُبِرْتِ ، فإنّ ذِكْرَكِ خالِدٌ = ولَئِنْ هُجِرْتِ ، فبِئْسَتِ الخِلاّنُ
فتَعطَّري بأَرِيجِ مَجْدِكِ وافخَري = فبِمِثْلِ مَجْدِكِ تَفخَرُ البُلدانُ
إنْ تُنْكِرِ الْجُغرافِيَا اسْمَكِ مَرّةً = لنْ يُنْكِرَ التاريخُ يا تِطوانُ
تطوان ، في : 19 يونيـو 2006
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) هذا عدد تكبيرات صلاة الجنازة ، عند الجمهور .
(2) أبو الحسن عليّ المنظري ، القائد الأندلسيّ الذي جدّد بناء تطوان .
(3) يقول محمد بن زاكور الفاسي ( ت 1120 هـ ) :
تطوانُ ، ما أدراكَ ما تطوانُ ؟ *** سالتْ بها الأنهارُ والخُلجانُ
قُلْ ، إنْ لَحَاكَ مُكابِرٌ في حُبِّها : *** هيَ جَنّةٌ ، فِردَوسُها الكِيتانُكيتان : نهرٌ كانت تحيط به مساحات جميلة خضراء .