تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لطف الله تعالى



د عثمان قدري مكانسي
21-02-2009, 09:17 PM
الدكتور : عثمان قدري مكانسي
أخبرني متعجباً أن ابن خالتها قدم من العراق إلى الشارقة يطلب يدها .
قلت له : الأمر عادي يا أبا أيمن ، لعل الله تعالى بحكمته سبحانه يريد أن يخلق ولداً – صبياً أو أنثى – ليخدمها ، فلستَ وأمها خالدين . ولو طال عمركما فستكونان – مثلها - بحاجة لمن تستعينان به في بعض أموركما ، هذه سنة الحياة يا أخي أبا أيمن .
قال : ولكنك تعلم أن نصفها السفلي مشلول تماماً ، ولا تتحرك إلا على الكرسي أو زحفاً ، ولا يتزوج الرجل المرأة إلا لحاجته إليها ، وأنّى لعاجزة تحتاج من يقدم لها حتى الماء لتشربه أو تود من يعينها في قضاء حاجتها أن تقوم بواجب الزوج ؟!
قلت : لعل الله تعالى آذن بالفرج يا صاحبي ، فأرسل هذا الفتى ليكون سبب وجود الطفل في حياة أمه ، يعيش لها ، ويقوم على خدمتها ، فيملأ حياتها بهجة وسروراً وينسيها بحركاته وضحكاته مرارة الحياة وقسوتها .
انطلق أبو أيمن مع زوجته وولديه وابنتيه بسيارتهم أوائل عام خمسة وتسعين وتسع مئة وألف للميلاد يريدون أداء العمرة ، وهذه عادتهم كل سنة في مثل هذا الوقت حيث ينتهي الفصل الأول من العام الدراسي . فلما كانوا عائدين إلى الشارقة ، ووصلوا مشارف مدينة الرياض انقلبت بهم السيارة في الوادي – وهذا قضاء الله الذي لا يُرد – فأصيب بعضهم بخدوش خفيفة أو متوسطة إلا " نهلة " – كبرى البنتين ، وكانت في ربيع العمر – فما عادت تستطيع الحركة ، إنه أمر الله الذي كتبه على بعض عباده ليمتحنهم في هذه الدنيا ، فيصبروا ، فتكون الجنة دارهم دون حساب – إن شاء الله تعالى - .. ولم يأل أبو أيمن جهداً في عرضها على كبار الأطباء في الإمارات وألمانيا وغيرهما ، فكان لا بد من الصبر والرضا بما قضى من لا يُرد قضاؤه .
كانت نهلة وما تزال ريحانة البيت وأنسه ، فابتسامتها لا تفارق وجهها ، وسلامها حار، وحديثها طليٌّ يدل على ذكاء وأريَحية . ولعل الله تعالى يمتحن عباده المؤمنين قبل غيرهم ، فيختبرهم ليكونوا بصبرهم في عداد أحبابه المقرّبين .. هكذا كانت نهلة الصبية زهرة البيت وريحانة والديها .
قال أبو أيمن : ولكن الفتى لا يحسن عملاً ، وكأنه لم يجد في بغداد ضالته ، فقدم إلينا يعرض زواجه منها ، فيعيش بيننا يبحث عن عمل ، فإذا وجده ترك الفتاة ومضى لشأنه ، وأظن أنه خطط لذلك ، فمن ذا يتزوج من فتاة هذا شأنها ، ويتحمل عبئها ، إلا لغاية مؤقتة في نفسه ؟!
قلت : وهل نعتقد غير هذا يا صاحبي ؟ لن يصبر إلا بقدر ما يحتاج ، إما أن يجد عملاً أو يعود أدراجه من حيث أتى .
قال : فماذا تقول ؟.
قلت : على الرغم أننا نستشف مراده من الزواج منها فلا بأس أن تدخل الفتاة التجربة ، وظني أن أمر الله كائن لا محالة . وربما – وهذا حتمال ضئيل - أن يعيشا منسجمين ، فليس غريباً أن يصبر على حياته معها ، ويرزقهما الله مالاً وأولاداً وسعادة ، والمسلم متفائل ، أليس كذلك يا أخي ؟.
كان أبو أيمن يطلعني على حياتهما حين ألتقيه متوقعاً ما فكرنا فيه ... ولم تمض فترة قصيرة حتى أخبرني أن الفتى غاب عن البيت دون سابق إنذار ، وأن هناك من رآه في بغداد وتأكد أنه استقر فيها . ولأننا كنا نتوقع ذلك فلم يكن وقع الأمر مؤلماً حتى على الزوجة الطيبة . ثم نما للأخ أبي أيمن أن الفتى مات أو قتل في الهرج الذي حصل حين دخل الأمريكان بعد سنوات إلى العراق ....
لم يمض شهران حتى جاء أبو أيمن مبتسماً يقول : أتدري يا أبا حسان أن نهلة حامل في شهرها الثالث ؟
نظرت إلى السماء أحمد الله اللطيف بخلقه ، الحكيم بقدره سبحانه ،، بدأت الفتاة تعيش على أمل يدغدغ قلبها ، ويزرع في نفسها الرغبة في الحياة ، ويغرس في صدرها ابتسامة السعادة ، وفي نفسها التشوّف للوليد الجديد الذي بدأت - منذ الآن - تهبه حياتها ، وتفكر في أن تكون له ، ويكون لها . تعيش لأجله وترى فيه الحياة وجمالها والطمأنينة وظلالها .
تركْتُ الإمارات وهي في شهرها الخمس على ما أظن ، ونسيت قصتها في زحمة الحياة الجديدة في الأردن . ... وفي يوم ربيعي مشرق رن جرس الهاتف ، إنه صوت الحبيب أبي أيمن يقول : رزقت نهلة بغلام جميل ؛ يا أبا حسان . وكان صوته يتدفق في أذني مخترقاً أعلى الصدر ليستقر في شغاف القلب ، وكنت أرى من بعيد ابتسامته الوضيئة وهو يكلمني ويزف إليّ هذا النبأ السعيد .
أحمد – الفتى الناشئ ذو عشرة الأعوام – ذكي نشيط يملأ دار جده حركة دؤوباً ، وسعادة غامرة وأملاً طيباً وروحاً وثـّابة ، وهو مسؤول عن جدّيه – وقد شاخا – ويدوربين أيديهم يقدم لهم الماء البارد ، ويحمل إليهم ما يطلبه الكبير من الصغير بنشاط . ويحمل سلة الخضار من البقالة المجاورة بهمة الرجل الصغير ، ويداعبهم بروحه الطفولية البريئة الواعدة ، ويضاحكهم ببسمته الملائكية البراقة ... ثم يكتب واجبه بفهم وذكاء ، ... سيكون – كما أكد مراراً – شاباً باراً بوالدته ، محباً لها ، عطوفاً عليها وعلى جدّه وجدّته .

د. نجلاء طمان
24-02-2009, 03:11 PM
دائمًا ما تخط الأقدار كلمتها فوق صفحات عمرنا بما يسعدنا ويريحنا, شئنا ذلك أم أبينا , وسعدنا لذلك أو شقينا, في الأخير مهما عاندنا جاهلين, هناك رحمة الله دومًا بيننا تهدينا للطريق الحق. لطف الله تعالى, عنوان لقصة من واقع الحياة, اعتمد على السرد الحكائي المباشر الخالي من الرمزية , وجاءت أركانه الحبكية الأربعة بدءًا من العنوان من ثم الافتتاحية , فالتدرج في الحبك حتى الخاتمة- جاءت مناسبة مع خط الحكاء الهادئ. الافتتاحية طالت قليلًا, والنهاية كانت متوقعة أنبأنا بها المحور السردي. اللغة كانت قوية وكان البناء متماسكًا.

تقديري

سعيدة الهاشمي
25-02-2009, 12:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

لطف الله تعالى، هو كذلك أخي، من العنوان حتى آخر النص مرورا بالعقدة تبين لنا لطفه عز وجل

ومشيئته ورحمته بعباده، فكم هو لطيف رحيم وقوي شديد العقاب في نفس الوقت.

كما قالت الفاضلة د. نجلاء القصة كانت بأسلوب مباشر اعتمد السرد، راقتني لنبل قيمتها.

احترامي وتقديري.

هشام عزاس
27-02-2009, 07:53 PM
الدكتور القاص / عثمان

قصتك حملت في رأيي المتواضع هدفين / الأول ظاهري يتجلى في رحمة الله و لطفه بعباده الصابرين / و الثاني باطني نكتشفه من مجريات الأحداث و هو أن لا نحكم على ظاهر الأشياء و تأثيراتها الآنية اللحظية , بل ننظر إلى أبعد من ذلك , فلا يمكن لأحد أن يجزم أين هو الخير و كيف يتجسد بواقع حياتنا .

قصة جميلة هادفة و قد راقني أسلوبها على رغم أنه لم يعتمد التشويق و الإثارة .

اكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام

الرفاعي حافظ
18-05-2009, 08:02 AM
ان كانت تلك حقيقة أو ابداع
فقد رق لها قلبي واهتز لها وجداني
هكذا يقدر الله وتضحك الأقدار
أحييك أخي الكريم على أسلوبك الجزل الرقيق
والحبكة الدرامية المدهشة
دمت ودام ابداعك
الرفاعي

ربيحة الرفاعي
07-01-2014, 11:40 PM
قصّ إيجابي هادف اعتمد المباشرة أسلوبا وتعددية الرسالة مباشرة وضمنية ليرتقي بفائدته

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي

د عثمان قدري مكانسي
08-01-2014, 01:03 PM
يسرني أن ألتقي بعض إخوتي واخواني
وأسأل الله تعالى أن يحفظكم بحفظه وأن يرعاكم برعايته
وشكري الخاص للأخت ك
1- الدكتورة نجلاء طمان
2- وللأخت الأستاذة سعيدة الهاشمي
3- وللأخت الأديبة البارعة ربيحة الرفاعي
4- وللأخ الأستاذ الرفاعي حافظ
5- وللاخ الأستاذ هشام عزاس
وأعتذر انني لم أدخل الصفحة منذ زمن ولعلي تأخرت في قراكم
سلمكم الله فقد أثلج دخولكم قلبي وأسعدني

خلود محمد جمعة
11-01-2014, 10:39 PM
على نياتكم ترزقون
زين الأيمان حروفك والحكمة كلماتك والجمال في السرد سطورك
اسجل اعجابي
دمت بخير
مودتي وتقديري

د عثمان قدري مكانسي
11-01-2014, 11:21 PM
حكمة الله تتجلى في كل منحى من مناحي هذه القصة
فسبحان الله الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى
للأخت الأستاذة خلود تحية طيبة ودعاء من القلب

سامية الحربي
12-01-2014, 12:47 AM
يبدو أن القصة هي صدى واقع فسبحانه من لا ينسَ عباده العاجزين عن فهم لطفه بهم. قص هادف بلغة متينة. تحية وتقدير.

د عثمان قدري مكانسي
18-01-2014, 10:46 PM
القصة حقيقة واقعة ، الجد فيها أخ، له في قلبي حب وود وتقدير
قبل ما اقترحته ... فولدت البنت نور قلبها ، هو يعيش لأمه ،وأمه حيّت به
سبحان الله.

ناديه محمد الجابي
26-01-2014, 05:54 PM
سبحان الله اللطيف الرحيم
الذي لا يقطع إلا ما يوصل
هو اللطيف بعباده من حيث لا يعلمون
ويهئ مصالحهم من حيث لا يحتسبون

من الواقع وضعت لنا في قالب قصصي بهي
نص جميل زاخر بالمعاني فربطت القارئ متابعا
بحروفك الرائعة لغة وأسلوبا وسردا وحبكة
سلمت يداك وبارك الله بك.

د عثمان قدري مكانسي
26-01-2014, 11:12 PM
أستاذتي نادية الجابي
يسعدني ما خط قلمك من فضل أسبغتِه على الأقصوصة
شكر الله لك

آمال المصري
08-02-2014, 01:59 PM
لمست فيها الواقعية منذ الوهلة الأولى لقراءتها وجاء السرد سلسا ماتعا وحبكة قوية ونهاية حكيمة
وكان النص رسالة سامية تتجلى فيها رحمة الله ولطفه بعباده وتدبيره لشئون خلقه بما يتناسب واحتياجاتهم
أبدعت شاعرنا الفاضل فكرا وصياغة ورسالة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
20-08-2014, 01:43 AM
كل ما يقدره الله فيه الخير للإنسان وعلى الإنسان أن يصبر ويثق برحمة الله وعدله
قصة معبرة وفيها حكمة كثيرة فشكرا لك أخي

بوركت