د عثمان قدري مكانسي
03-03-2009, 10:57 PM
صحفي ( رجل)
عثمان قدري مكانسي
خدمت الجندية عام اثنين وسبعين وتسع مئة وألف حين استأجرت غرفة في الحلبوني أنزل فيها الإجازات الليلية ، وقد يزور دمشقَ أحد من الأهل والأقارب فيرتاح فيها ، وكان في الغرفة المجاورة صحفي مبتدئ في جريدة البعث - على ما أظن - التي كان رئيس تحريرها صابر فلعوص .. عفواً صابر فلحوط ،
قال لي الصحفي بعد أن ارتاح إليّ وارتحت إليه : عندما بدأ اليوم الثالث من رمضان عام ثلاثة وسبعين ، وعرف صابر أن هذا الصحفي صائم استدعاه بلطف إلى غرفته ، وقدم له فنجاناً من القهوة .... لم يمد صاحبي يده إلى القهوة ، فقال له رئيسه : ألا تحب القهوة ؟ هل نقدم لك كأساً من الشاي؟ . وهو يريد أن يخجله ، فيمد يده فيشرب ، أو يخيفه فيفطر ..
أراد الصحفي أن ينهي المهزلة سريعاً ، فقال بعزة المسلم وقوة المؤمن : أنا صائم .
قال له صابر بلهجة هازئة : صائم؟ وأنت في القرن العشرين ، وشاب متفتح ، وصحفي يعمل في صحيفة البعث؟!
قال الصحفي : أما القرون كلها فربها واحد ودينها واحد . وأما أنني متفتح فهذا صحيح ، وتفتحي على الحياة جعلني أعرف ما ينبغي أن أفعل ، ولهذا تراني صائماً . أما العمل الصحفي فيريد الشابَّ القوي الجلدَ والوقت الطويل ، والصيام عون على هذا .
ولم يكن من عادتك أن تدعوني إلى مكتبك ، وما دعوتك هذه وتقديم القهوة إلا لتتأكد من صيامي ، وها قد عرفتَ ، فهل تسمح لي بالانصراف ؟
كظم الفلعوص غيظه ، وقال بلسان ينقط سماً : كنت أظنك شاباً عصرياً ، وأحببت أن أرقيّك في الجريدة ، فأنا أقدر الصحفي العصري ... قال صاحبنا : اعلم أن هذا الأسلوب لا ينفع ترغيباً ولا ترهيباً ، وكنت أظن أنك رجل مواقف تحترم آراء غيرك ومعتقده ، لا تفرض ما تراه على الآخرين ولا تتصرف بأسلوب ممجوج ينبغي الترفع عنه ، ولكن خاب فألي .... اشرب قهوتك قبل أن تبرد يا أستاذ ..
نظر جاري إليّ وكأنه يقول : أأعجبتـُك ؟ قبلته بين عينيه وكان قلبي يذوب فرحاً بثباته ، حفظه الله وفقه .
عثمان قدري مكانسي
خدمت الجندية عام اثنين وسبعين وتسع مئة وألف حين استأجرت غرفة في الحلبوني أنزل فيها الإجازات الليلية ، وقد يزور دمشقَ أحد من الأهل والأقارب فيرتاح فيها ، وكان في الغرفة المجاورة صحفي مبتدئ في جريدة البعث - على ما أظن - التي كان رئيس تحريرها صابر فلعوص .. عفواً صابر فلحوط ،
قال لي الصحفي بعد أن ارتاح إليّ وارتحت إليه : عندما بدأ اليوم الثالث من رمضان عام ثلاثة وسبعين ، وعرف صابر أن هذا الصحفي صائم استدعاه بلطف إلى غرفته ، وقدم له فنجاناً من القهوة .... لم يمد صاحبي يده إلى القهوة ، فقال له رئيسه : ألا تحب القهوة ؟ هل نقدم لك كأساً من الشاي؟ . وهو يريد أن يخجله ، فيمد يده فيشرب ، أو يخيفه فيفطر ..
أراد الصحفي أن ينهي المهزلة سريعاً ، فقال بعزة المسلم وقوة المؤمن : أنا صائم .
قال له صابر بلهجة هازئة : صائم؟ وأنت في القرن العشرين ، وشاب متفتح ، وصحفي يعمل في صحيفة البعث؟!
قال الصحفي : أما القرون كلها فربها واحد ودينها واحد . وأما أنني متفتح فهذا صحيح ، وتفتحي على الحياة جعلني أعرف ما ينبغي أن أفعل ، ولهذا تراني صائماً . أما العمل الصحفي فيريد الشابَّ القوي الجلدَ والوقت الطويل ، والصيام عون على هذا .
ولم يكن من عادتك أن تدعوني إلى مكتبك ، وما دعوتك هذه وتقديم القهوة إلا لتتأكد من صيامي ، وها قد عرفتَ ، فهل تسمح لي بالانصراف ؟
كظم الفلعوص غيظه ، وقال بلسان ينقط سماً : كنت أظنك شاباً عصرياً ، وأحببت أن أرقيّك في الجريدة ، فأنا أقدر الصحفي العصري ... قال صاحبنا : اعلم أن هذا الأسلوب لا ينفع ترغيباً ولا ترهيباً ، وكنت أظن أنك رجل مواقف تحترم آراء غيرك ومعتقده ، لا تفرض ما تراه على الآخرين ولا تتصرف بأسلوب ممجوج ينبغي الترفع عنه ، ولكن خاب فألي .... اشرب قهوتك قبل أن تبرد يا أستاذ ..
نظر جاري إليّ وكأنه يقول : أأعجبتـُك ؟ قبلته بين عينيه وكان قلبي يذوب فرحاً بثباته ، حفظه الله وفقه .