المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صيام إمبريالي



د عثمان قدري مكانسي
10-03-2009, 12:39 AM
صيام إمبريالي
الدكتور عثمان قدري مكانسي

عرف من جاره أحمد أن سعيداً دعا الأصدقاء جميعاً إلى الإفطار عنده . أخبره أحمد بذلك لأن خالداً من الأصدقاء بل من قدمائهم الخُلّص !. ولن يظن أحمد أن خالداً لم يكن من المدعويين في رمضان هذا ، إلا أن الدعوة لم تصل خالداً .
لم يكن حزن خالد كبيراً لأن سعيداً لم يدعُه ، فقد عرف ابتداءً أنه لن يكون من المدعويين في رمضان هذا ، لقد كان تلك السنة ضيق ذات اليد ، فلم يدعُ الآخرين كما كان يفعلون . وتمنى لو رزقه الله تعالى أثناء السنة ليعوّض ما فاته ، ولكنّ العين بصيرة واليد قصيرة . إنما كان حزنه أنه لم يعرف أصدقاءه حق المعرفة ، فصارت اللقاءات بينهم واحدة بواحدة ، وكانوا يتبارون ، بل قـُلْ : كانت النساء يتبارين أيتهنّ تقدم في دورها أطايب الطعام وأشهاها ، وأكثرها تنوّعاً ، وكمية وأغلاها ثمناً .
لقد صارت دعوات الإفطار – كما تقول زوجة خالد - حلبات المنافسة في عرض الثياب وأفانين المأكولات . فبعد الإفطار تُقدم المشروبات المتعددة من عرق السوس إلى شراب الورد والبرتقال ، إلى نقيع الكركديه وشراب العسل ، ويذهب الرجال بعد ذلك إلى صلاة التراويح ، في الجامع القريب ، يؤدون ثماني ركعات سريعات بعد صلاة العشاء ، لقد كان الإمام نشيطاً ! يسرع في صلاته فيدمج الركوع بالقيام ، ويسجد فلا تلامس جبهته الأرض حتى يرتفع عنها ، ويعود بحركة رياضية إلى الأرض ليلمسها بأنفه وقليل من جبهته ، فيرتد جالساً . وتنتهي الصلاة في ماراثون سباق يرضاه الكثيرون من المصلين . فالمراد عندهم أن يًعُدّوا ثماني ركعات يحسبون أنهم أدَّوا فيها الصلاة كما علّمـَناها رسول الله صلى الله عليه وسلم !.
وتبدأ السهرة ببعض الحلويات الشرقية : كنافة مبرومة ، وبين نارين ، وبقلاوة ، وقليل من الفواكه لا تتعدى سبعة الأنواع ، فالإسراف مذموم !!
وعرف بعد ذلك أن سميراً لم يكن من المدعوّين رمضانَ هذا ، فقد كانت زوجته مريضة لا تستطيع – حين يأتي دورهما– أن تخدم هذا الجمع الوفير ، فاتفق وزوجته أن يحملا معهما في كل دعوة يحضرانها كيلين من الحلويات الغالية ، وكأنهما يقولان : اعذرونا ياجماعة ؛ فوضع الزوجة الصحي لا يسمح لها أن نفعل ما تفعلون وإن كنا ميسورَين . ..
هكذا كانا يفعلان رمضان الفائت ، ثم تبين الآن أن هذا العذر لم يكن مقبولاً ، فلم يكن سمير وزوجته من المدعوّين .

مازن لبابيدي
10-03-2009, 09:17 AM
د. عثمان : أسعدني جدا طرحك لهذا الموضوع بهذه الصورة الجميلة .
يجب فعلا لفت النظر لهذه الآفة الاجتماعية التي تغلغلت في بيوتات المسلمين وفي مختلف المناسبات ، حتى أصبحت الشكليات تطغى على الجوهر .
وأحسنت بربطك لموضوع التراويح من نمط رفع العتب ، وإن كنت أختلف معك في تشبيهها بالماراثون ، ذلك السباق الطويل المجهد المضني .
كل حبي وتقديري أخي د. عثمان

مروة عبدالله
10-03-2009, 05:23 PM
د.عثمان قدري

هى أصبحت عادة فى العالم العربي أصبحت الولائم كثيرة ويستغرق إعدادها أوقاتاً كثيرة وياليتها تؤكل بل تترك أو يكون مصيرها المهملات, هو تبذير نقع فيه ونغمس بأقدامنا ولا نستفيق منه أبداً, أما عن الصلاة فهي ستظل كما هي بكل رونقها وطهاراتها, جميل أن أقرأ لكَ.
محبتي

د عثمان قدري مكانسي
11-03-2009, 06:52 AM
أشكر لكما مروركما أخي الأستاذ مازن ، وأختي الأستاذة مروة وما خططتماه ، بارك الله فيكما .
وإن أنسَ لا أنسَ يوم كنت في الإمارات وجاءني أحد الإخوة يريد أن أتوسط له للعمل في مدرسة خاصة لرجل ملياردير كان له مدرسة بمراحلها كلها ، وكلية جامعية .
ذهبنا - معشر الثلاثة - جاري وهذا الأخ وأنا بعد صلاة التراويح مساء ليلة رمضانية إلى مضافته ، ..كان في ضيافته ثلاثة رجال وهو رابعهم ، فصرنا سبعة ... فجيء بالطعام مما تنوّع ، ولذ وطاب ، يكفي خمسين رجلاً على الأقل ، وقال إنه يفعل ذلك كل يوم . ودعانا إلى الأكل .
من عادة أهل الإمارات أنهم يتناولون الرطب والماء ويذهبون لصلاة المغرب ، ويظلون في المسجد إلى نهاية صلاة التراويح ثم يذهبون لتناول الطعام ، أما نحن معشر - أهل بلاد الشام فنأكل الرطب بعد أذان المغرب ونشرب الماء ، ثم نذهب لصلاة المغرب ، وبعدها نفطر عند من يدعونا أو ندعوه أو مع أهلنا .وعلى هذا لم نكن جائعين ، فتناولنا لقيمات .
أما الرجل وضيوفه فأكلوا ، ثم جاء الخدم ليرموا الطعام الذي يكفي خمسين رجلاً في حاوية الزبالة .
تألمت وصاحباي كثيراً لمصير الطعام يُلقى في مكان الأوساخ ولا يستفيد منه أحد ، وفي بلاد المسلمين من يبحث عن كسرة الخبز فلا يجدها !!!...
وعام ثلاثة وثمانين وتسع مئة وألف حضرنا وليمة عرس لشيخ في الشارقة ، ذبح فيها مئتا خروف ، أكل المدعوون حوالي ثلاثين منها ، وأُكل من أربعين أخرى بعضُها ، أما المئة والثلاثون الباقية فلم يقربها أحد ، فحملت بصوانيها إلى حاويات الزبالة ، وهناك مئات الفقراء من الهنود والباكستانيون يحملون أكياس القمامة السوداء الكبيرة ، يتلقون فيها الأرز واللحم ، وينطلقون بها إلى أهليهم ...

د عثمان قدري مكانسي
11-03-2009, 07:16 AM
وفي دبي نهاية الثمانينات من القرن المنصرم حضرنا عرساً لأحد شيوخها ، كانت الإمارة كلها مدعوة لحضور هذا " الحفل الأولمبي " ، حيث انتقل سوق الخضار والفواكه واللحوم إلى مكان الحفل ، ووزعت صناديقها على الطرقات ليتناول عشرات الألوف من المدعويين ما يحلو لهم من الفاكهة والأطعمة .
كثير من الناس بل جلُّهم إن لم أقل : كلّهم حملوا ما استطاعوا من صناديق الفاكهة والخضار في سياراتهم ، وتسابقوا إلى ذلك ، وكأنها غنائم حلال استحقوها بعد انتصارهم في معركة ضد الأعداء . واستحالت الطرقات التي كانت نظيفة مزابل كبيرة ، فكنت ترى بقايا الفاكهة واللحوم والأسماك هنا وهناك ، وكثيراً ما ترى الفاكهة يقضم منها قضمة أو قضمتان وتلقى شبه كاملة في الطريق ، وكأن المطلوب أن تنهش لا أن تتلذذ . وأن تقضم لا أن تتذوّق وتأكل . وأن نكتشف أنفسنا نعيش في ظل الهمجية لا الحضارة . وقد علمنا الإسلام الذوق والأدب ، فكان غائباً بتعاليمه وذوقياته وأدبياته عنا ، وكأننا لسنا من أبنائه وأتباعه .
لن أبحث عن العذر فيما جرى ويجري ، وقد أقول : إن الحرمان الذي تعيشه أمتنا في ظل سرقة الثروات دون قسمتها بالعدل بين أبناء الأمة يولّد مثل هذا التصرّف الذي يترجم حال الأمة المقهورة ، المسلوب حقها ، التي تعبر لا إرادياً عمّا تكتنزه من ألم في أحشائها ، قد يظهر بين آونة وأخرى .

راضي الضميري
11-03-2009, 03:18 PM
طرح رائع وهادف ، وقد سبقني أساتذتي وقالوا ما فيه الكفاية ، وتوضيحك كان جميلًا وكفّى ووفّى.
وهذا الأمر الذي أثرته أخي د . عثمان أصبح ظاهرة واضحة المعالم ، بل عادة مقيتة وبغيضة بكل معنى الكلمة ، وما يلقى في حاوية النفايات بعد كل وليمة تلك الولائم يكفي لإطعام أفواه لم تحلم حتّى في منامها أنْ تأكله .
وقد سمعت مؤخرًا أن بعض الجمعيات بدأت تنشر إعلانات وترسلها إلى الفنادق والأغنياء وأصحاب الولائم وممن أكرمهم الله وزادهم من فضله ، وتطلب إليهم أنْ يرسلوا إليها بما يفيض من الطعام لكي تعيد إرساله إلى الفقراء المعدمين وما أكثرهم في زمننا هذا .
سرّني المرور وقراءة نصّ أنيق يحكي بألم عن حال هذه الأمّة التي لجأ بعض أبنائها إلى إغراق أنفسهم بمزيد من الخطايا والذنوب .
تقديري واحترامي

د عثمان قدري مكانسي
11-03-2009, 10:46 PM
شكراً لمرورك وتعليقك استاذي الفاضل " راضي الضميري " حفظك الله وأدامك
ألا ترى أن والدك أحسن إذ سماك راضياً ذا ضمير ؟ ما أجمل هذه الأسماء المضيئة ، وللإنسان من اسمه نصيب
حياك الله وبياك

عطا سليمان الطل
13-03-2009, 07:06 PM
أخي الفاضل الدكتور عثمان
وصف رائع وجميل لموائد النفاق في رمضان
الحمك لله أن الشيخ ليس من المدعوين خوفا من إلغاء صلاة التراويح .........!!

ربيحة الرفاعي
28-04-2014, 02:02 AM
أسجل مروري وإعجابي بفكرة النص وتأيدي لرسالته

دمت بخير أديبنا

تحاياي

خلود محمد جمعة
30-04-2014, 07:48 AM
أتمنى أن يعود رمضان شهر عبادة
وصلة وتراحم
اسجل اعجابي
دمت بخير
مودتي وتقديري

نداء غريب صبري
27-06-2014, 01:51 AM
هذه المهزلة الاجتماعية، التي باتت جزءا من المظهر الرمضاني لدى الكثير من الأسر، تستحق هذه القصة وقصص أخرى كثيرة

قصة جميلة وهادفة

شكرا لك أخي

بوركت

د. سمير العمري
23-07-2014, 08:05 PM
قصة راصدة لواقع مؤسف لا يعتبر معاني رمضان ولا الصيام بقدر ما بعتبر التفاخر والتباهي وحب الأنا.

لا فض فوك أيها الحبيب!

تقديري

ناديه محمد الجابي
10-10-2021, 06:53 PM
الإسراف في رمضان يتنافى مع أهداف الصوم

«وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ»
يكثف علماء الإسلام من نصائحهم وتوجيهاتهم للأسر العربية بضرورة ضبط السلوك الاستهلاكي في رمضان،
ليس من أجل توفير الأموال التي تهدر في السفه الاستهلاكي فحسب،
ولكن من أجل قضاء رمضان في الأجواء التي أرادها الله له.. من عبادة وطاعة
وخروج من هذا الشهر الفضيل بالمزيد من المكاسب الروحية والبدنية،
وادخار الأموال التي تهدر في السفه الاستهلاكي فيما هو مفيد،
وما أعظم الأجر لو توجهت إلى الفقراء وأصحاب الحاجات.

موضوع هادف ومهم ـ بوركت ولك كل التحية والتقدير.
:tree::001::tree: