المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كالنقش في الحجر



د عثمان قدري مكانسي
14-03-2009, 01:20 AM
كالنقش في الحجر...
الدكتور عثمان قدري مكانسي

أخذت الأولاد الصغار أمس إلى المسجد ،كعادتي كل يوم ، بل إن أطفال الجيران يدقون عليّ الباب كلما أذن للعشاء لآخذهم معي إلى صلاتها ، إنهم بين السادسة والاثنتي عشرة ، أضعهم في السيارة وأنطلق ..
أتدرون لماذا يسرعون في الذهاب معي إلى صلاة العشاء؟ عوّدتهم أن أشتري لهم " شيبس " أو " بفك " أو " ساندويشة فلافل "
قالت زوجتي : لِمَ هذا المصروف الزائد؟ ولسنا أغنياء ، وبعضهم ليسوا أبناءك ، فكيف تصرف عليهم ؟
قلت ضاحكاً : سعادتي وهم معي ينتظرون مكافأة الذهاب إلى الصلاة تعدل أضعاف ما أصرفه عليهم . .. لا تنسي أنهم رجال المستقبل ، فإذا تعودوا الصلاة منذ الصغر فقد تأصّلت فيهم ، وما عادوا يتركونها ، وسيكون لي مثل أجرهم - كما أخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذا بالإضافة أنهم سيكونون مسلمين مؤمنين يربون أبناءهم مثلما أفعل معهم الآن ، وسيرون ثمرة ما فعلته معهم ، وسيدعون لي وأنا في قبري ، فيزداد رصيدي من الحسنات ، وأنا بحاجة إلى هذا الصنف من المال الذي يزيد ولا ينقص .
قلت : إنني أخذتهم كعادتي إلى المسجد ، ووقف حولي بين المصلين ستة منهم . أما السابع - وهو ابن جاري ، في الصف الأول - فقد رأى صديقه في المدرسة ، ولعبا ، وأصدرا أصواتاً أزعجت بعض المصلين ، فما إن انتهت الصلاة حتى طردوهما خارج المسجد ، فلما عرفت الأمر ، وخرجت بعد صلاة السنة البعدية تعمّدت العبوس ، وقطّبت حاجبيّ . وقلت لهذا الولد الصغير الذي كان أول من يدق جرس البيت عليّ : لن آخذك مرة أخرى إلى الصلاة معي ، فقد أثبتّ أنك طفل صغير ، لا تستحق أن تماشي الرجال .!
ابتسم أصحابه ، وتغامزوا ، وسكت هو، فلم ينبس ببنت شفة ، فقد علم أنه أخطأ حين لعب وأصدر في المسجد الضجة التي آذت المصلين ، فلما أخذ كل منا مكانه في السيارة ، نظرت إليه ، من مرآتها ، فخفض رأسه ،
قلت بعد قليل - وقد تركته يضرب أخماسه بأسداسه - لا شك أن " حمزة " رجل ، فأنا أعرفه كذلك ، وأعلم أنه ليس من شيمته اللعب في المسجد ، إنما يسرع فيقف إلى جانبي ويصلي بخشوع ، إلا أنه أخطأ اليوم عن غير قصد . ألست كذلك يا ولدي ؟!
أجاب مسرعاً بلى يا عماه ، فصديقي سالم جرّني ، فلم أنتبه ، ولعبنا معاً ، إنه ولد مشاغب ، ولن أكون مثله إن أخذتني إلى المسجد مرة أخرى ..
تظاهرت أنني سأحرمه من المكافأة هذه الليلة ، فلما اشتريت أكياس " الشبس كان ينظر إليّ بطرف عينه ،
فلما قدّمت له نصيبه على أنه أخطأ ، والمسلم خطّاء ابتسم وأمسك بيدي وقال : سأكون رجلاً يصلي ولا يلعب . فقلت له : هكذا أنت دائماً ، وأنا أثق بك يا ولدي ..
وفي هذا المساء كان أول من يدق عليّ باب البيت ، ويجلس في السيارة إلى جانبي ، ويصلي معي بكل " خشوع وأدب " فساندويشة الفلافل تستحق ذلك الخشوع وتلك الطمأنينة ..
وكنت بهم سعيداً فأنا أعده وإخوته من الأولاد ليكونوا رجال الأمة ومجاهديها . ولا بد من الصبر والحكمة في التعامل مع هؤلاء الرجال الصغار ..

عطا سليمان الطل
14-03-2009, 02:17 PM
أخي الدكتور عثمان
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك ...
المعاملة الحسنة كفيلة أن ترغب وتحبب الطفل في آداء الصلاة وهذا يتطلب متابعة
ومثابرة من البيت أيضا ... وأحيانا يرتبط أداء الصلاة عند الطفل بالمكافأة فإذا ما
حرم منها يحدث التقصير ...
وأنا أقول ذلك عن تجربة ( عندما كنا في سن الطفولة كان معلم التربية الإسلامبة يزيد
علامات لمن يواظب على أداء الصلاة قي المسجد فتجدنا جميعا ملتزمين وأحيانا تجد
نسبة كبيرة منا تتغيب عندما يغيب المعلم )
فأسلوب الترغيب طريقة مجدية ولكن بحاجة إلى متابعة مستمرة من أولياء الأمور .
مع الإحترام .

د عثمان قدري مكانسي
14-03-2009, 05:52 PM
صدقت والله يا اخي الأستاذ عطا حفظك المولى ، فكلنا مرّ بمثل هذه التجربة ، وتعلم من أساتذتنا جزاهم الله كل خير
وإن أنس لا أنس تلاميذي في ثانوية الحمّادية في مدينة بجاية الجزائرية إذ كنت أتعهدهم بالمحافظة على الصلاة عام 1979 ، فلما رأيتهم في العام القابل : 1980 وسألتهم عن الصلاة جميعا إلا واحداً كان أقرب إلى السوء : قالوا : وهل ننسى يا أستاذ عنايتك بنا ، ومتابعتك إيانا ، إننا الآن وبعد سنة كاملة ازددنا تعلقاً بالصلاة ودعاء لك بظهر الغيب ... وامتلأت عيناي بالدموع وقلبي بالخفقان
اللهم اجعل ذلك في صحائف أعمالي يارب العالمين .

الطنطاوي الحسيني
15-03-2009, 04:23 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة وموعظة استاذنا الدكتور عثمان مكانسي
أراها لو تحتاج قفلة جميلة وقوية رغم مباشرتها تكون قصة قصيرة دعوية طيبة
جعل الله جهدك وسطورك في ميزان حسناتك وأؤمن على دعائك اللهم أمين
دمت لنا داعية لكل خير ورحمة وبركة

د عثمان قدري مكانسي
15-03-2009, 04:32 PM
أخي الحبيب الأستاذ الطنطاوي الحسيني حفظه الله تعالى
لو أعدت قراءة الجمل الأخيرة " وكنت بهم سعيداً فأنا أعده وإخوته من الأولاد ليكونوا رجال الأمة ومجاهديها . ولا بد من الصبر والحكمة في التعامل مع هؤلاء الرجال الصغار .." لرأيت القفلة التي أردت إنهاء الأقصوصة بها ، إنها دعوة للاهتمام بالنشء ، والهدف الذي نسعى إليه ،مع التحلي بالصبر والحكمة للوصول إلى الهدف .
كما أن نهاية الأقصوصة عبارة عن " فلاش " : لقطة نسميها " بؤرة الضوء "
بارك الله بك ولك جزيل الشكر

د. سمير العمري
01-07-2009, 06:38 PM
أخي المفكر الأديب نقي القلب د. عثمان:

لا ريب أن ما تفضلت به وسيلة تربوية رائعة يمكن أن تؤتي أكلها بإذن ربها في تربية جيل مسلم ونشء واع بهويته وبشرعه وبدوره في الحياة. أسأل الله أن لا يحرمك أجر ذلك.

أما من حيث أنها التصنيف فلا أراها من القصة في شيء بل هي سردية تنتسب للفكر وتناسب هناك أكثر ، وهذا لا ينفي عنها إبداعك الجميل وأسلوبك المتين.

أهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.



تحياتي

د عثمان قدري مكانسي
13-07-2009, 04:25 AM
الحقيقة أنها خاطرة تربوية ودعوة إلى الاهتمام بالنشء ، أكان هؤلاء أقرباء أم كانوا جيراناً ، فالمسلم داعية يقتطف رجال المستقبل و يربيهم ليكونوا خلفاءه في الدعوة . ألم يقل سيدنا زكريا عليه السلام " وإني خفت الموالي من ورائي"؟ والمقصود بقوله هذا - في اعتقادي - أنه حريص على الدعوة فخاف أن يأتي جيل من بعده لم يُرَبّ التربية الصحيحة ، فينقطع صنف الدعاة .. ثم قال : فهب لي من دنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب " فماذا يرث من آل يعقوب غير الدعوة إلى الله والاستمرار فيها .... أما أن يخطئ عثمان في تصنيف الخاطرة ، فيضعها في غير مكانها فالأمر إليكم - سادتي - فافعلوا ما شئتم
لكم حبي وودي
عثمان

عبدالرحمن حسن
15-07-2009, 12:55 PM
الدكتور عثمان مكانسي
سلام الله عليكم
نص يحمل رسالة ..... لن أضيف على ما كتبه استاذنا الدكتور سمير العمري
دمت مبدعا

آمال المصري
02-04-2013, 06:16 PM
قصة دعوية تربوية تصلح لأدب الأطفال كدرس وتوجيه بطريقة شائقة
بوركت أديبنا والمقصد النبيل
وجعلها الله في ميزان حسناتك وأثابك الخير
تحاياي

براءة الجودي
02-04-2013, 09:38 PM
أدمعت عيني ياأخي على هذه النفس الكبيرة والفكر الجميل والتربية الحسنة التي أوردتها في قصتك
فلو كا الأهل يعاملون بناءهم بهذه الطريقة أو المعلم أو عمد الحارة او شيخ المسجد لكان أجرا عظما وخيرا كبيرا وجيا قويا في إيمانه عزيزا نضمن حينها إعادة المجد السليب
حلوى فشفاش وشوكلاته وآيس كريم ولب بسيطة مع كلمت جميلة وحافز معنوي مع المادي يفعل الكثير في نفس الكبار فما بالك بالصغار الذين اراهم كصفحة بيضاء تعدل وتمحي وتضيف في عقولهم ويكونون اكثر استجابة وأثبت من الكبارعلى مبدأ علمناهم إياه فظلوا يكررونه ببراءة ويحرجون به بعض كبار السن
تقديري لقلمك الرائع

د عثمان قدري مكانسي
02-04-2013, 11:15 PM
لعل براءة الجوديّ من نقاء جبل الجوديّ الذي حطّت عليه سفينة نوح المباركة .. جبل مبارك ( واستوت على الجوديّ) فالبراء والنقاء كلمتان لسِمة طيبة
وللأخت الفاضلة آمال دعواتي القلبية أن يحقق الله آمالها ويكرمها
أما الفاضل عبد الرحمن حسن ، فأسأل الله ان يحقق فيه عبوديته للرحمن ، وأن يُحسن عمله
تجدون أيها الأفاضل أنكم أسماء طيبة على مسميات طيبة

لانا عبد الستار
27-04-2013, 12:04 AM
خاطرة جميلة ودرس تربوي أعجبني كجميع نصوصك الجادة د. عثمان
ليتنا نتعلم مما نقرأ ونسمع لنحمي أبناءنا مما يترصدهم
أشكرك

د عثمان قدري مكانسي
27-04-2013, 09:41 AM
هذا من حسن أدبك يا أختاه...
التربية فن لا يُجيدُه إلا المهتم به الراغب في الوصول إلى نشء مسلم واعٍ
لك كل التحية
عثمان

ربيحة الرفاعي
14-05-2013, 01:17 AM
مقالة أو لعلها خاطرة تربوية موفقة تبين للكبار سبل إعداد النشء وآليات تعويده ما يفترض به اعتياده وتوعيته الهادئة بقيم دينه وشرائعه

ماتع نافع حرفك ايها الكريم
لا حرمت أجره

دم بألق

تحاياي

د عثمان قدري مكانسي
14-05-2013, 06:34 AM
سلمت أختي الفاضلة
دخولك صفحتي إكرامٌ وفضل
لك خالص امتناني

ناديه محمد الجابي
28-08-2017, 05:41 PM
هو فعلا وحقا العلم في الصغر كالنقش على الحجر
خاطرة جميلة وأسلوب تربوي رائع
بارك الله فيك وجعل الله جهدك في تربية النشء
في موازين حسناتك.
تحياتي وتقديري.
:011::nj: