المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ... نُص شنب...



سمير الشريف
15-03-2009, 05:42 AM
وقف أمام المرآة يتعمق تفاصيل وجهه الذي حرثته الأيام.. لم يستوقفه مظهره و غضون وجهه و تسريحة شعره التي زحف عليها الصلع ، لم يعد يلقي بالا لمثل هذه الترهات..
تركز اهتمامه على شاربه المتهدل كغصن دالية الحوش التي لم يطالها التقليم ، والمتمدد بشموخ فوق شفتين متغضنتين تميلان للزرقة ووجه يضج أسىً على ماض لن يعود.
أمسك نهاية شاربة بأطراف أصابعه ، راهن على جزئه الثاني ، كم كان واثقا من نفسه وهو يستمع بامتلاء لنشرة الأخبار التي تتوعد الغزاة، وكم ملأته الفرحة وهو يمعن في الأرتال التي ستدك أوكارهم ،وتجعل العودة لمرابع الطفولة قاب قوسين .
تذكر بغصة آخر مرة مسد فيها شاربة قبل أن يخسر الرهان أمام رفاق المقهى ،الذين هزأوا بتحليلاته أن العدوان لن يتم، والحشود مجرد تكتيكات متفق عليها.
كم كان ساذجا عندما أمسك شاربه معلنا انه لن يتوانى عن قص نصفه ورميه في حاوية القمامة إذا ما حدثت معركة.
هل يعيدها اليوم ويراهن على نصف شاربه الآخر ؟ هل يصدق مذيعي الأخبار الذين تشترك حكوماتهم بالحرب في الإعلام ، و يتفرجون على الدماء والأشلاء والهدم ؟
يركب رأسه معاندا من يقول أن من يراهن عليهم لن يحركوا ساكنا، وأن جبهتهم ستظل آمنة والعدو على طرفها نائم ، خدعه الإعلام كالعادة، فهل هو غير مؤمن حتى يُخدع مرتين؟
لا يعقل أن تظل أبواق الحرب مفتوحة ولا يتحرك طائر هناك .
يتنافخون بهم القضية ، يذيقون الناس الآم شظف العيش بدعوى التهيئة للحرب.
ما زال غضا على فهم متاهات المصالح ولعبة الممكن والمستحيل ، ما الذي يجعل منه ساذجا حد البلاهة، وهو يطلق سمعه لمثل تلك الأكاذيب مراهنا على ورقة خاسرة، طار بسببها نصف شاربه الآخر؟
تذكر أطنان الشعارات، أشاح بوجهه عن المرآة، متجاهلا صراخ إذاعات العروبة وصخرات الصمود وخنادق التصدي ووووو.
مر بذاكرته شريط الحروب ... الهروب الكبير ... قصف المطارات ... عبور جسر الآلام ...سخرية الرفاق ...نصائحهم المجانية. ... إصراره أن الجماعة منشغلون بتهيئة السلاح والجبهة الداخلية ، فالأمر ليس نزهة ومشوار قصير.
يصر على أن الأمر تكتيك وتوازنات وليس تخاذلا، والأمر محسوم بنهايته التي لا بد لجيش الصمود من التحرك تجاهها وفي الوقت المحدد.
دماء المستضعفين هيجت عواطف الجميع ، حتى الأعداء، إذاعة التصدي، ظلت ترجم الجبهة عبر أثيرها بتحريضات لا تساوي المداد الذي كتبت به....
أمسك موسى الحلاقة ...
نظر إلى نفسه من جديد، غسلته موجة ارتياح....
هو لا يستحق هذا الشارب ، قانعا بنصف رجولة على تحمّل تأنيب الضمير.
لملم شعيرات شاربه ، فكر: أين يذهب بها!!
هل يرسلها بالبريد المضمون للقائد العام ، أم لمدير الإذاعة....
منعا لأي إحراج قد يَلحق بأنصاف الرجال؟

دكتور محمد فؤاد
15-03-2009, 06:24 AM
أخي العزيز سمير الشريف
لأن الشارب في أعرافنا العربية رمز الرجولة .. فقد اكتفى لدينا الرجال بحمله تحت الأنوف بينما العدو على الأرض يهزأ من شواربهم .. صدقت هواجس بطلك إذ لاقيمة لمايحمله الوجه إن لم تكن له ترجمة على الأرض .. قصة جيدة بلغة سليمة وحس وطني صادق..
أرق تحياتي.

سمير الشريف
15-03-2009, 07:10 AM
صباحك ندى أستاذي الدكتور محمد فؤاد......
شكرا لمرورك العطر
وإطراءك الكريم

سمير الشريف
15-03-2009, 07:45 AM
شكرا يا أميرة الحرف
تحية لقلمك يا رنيم

وفاء شوكت خضر
15-03-2009, 09:15 PM
مرحبا بك أيها الأديب بعد طول غياب ..

الشارب عند البعض كالعرض ، ومساسه مساس بالكرامة ، ومن راهن على حلقه خدعته تلك الشوارب المفتولة ،
فظن أن كل من له شارب رجل ..
لم يعد هناك حتى أنصاف رجال ، فمن أراد أن يدخل تلك اللعبة عليه أن يتخلى عن كل شيء وليس فقط الشارب ..

وربك ستر كل من ليس لديه شارب ليراهن عليه ..
وهذا لا ينقص من رجولتهم شيء ، ولكن الرمز في قصتك احرجنا في الرد ..

تقبل مروري ..
تحيتي ..

عطا سليمان الطل
15-03-2009, 10:07 PM
أخي سمير
كان على صاحبنا ( أبو شارب ) أن يعي الواقع قبل أن يراهن على شاربه
كيف يراهن على معركة خاسرة ...؟؟؟
يجب إخراجه من أنصاف الرجال إلى غير أصناف الرجال ...
دمت مبدعا .

د. سمير العمري
23-05-2013, 11:19 PM
فكرة عجيبة ورمزية مميزة جدا شدتني وأعجبتني وأوصلت الفكرة بأبسط أسلوب وأقصر طريق.

نعم نصف رجولة تائهة أخطر وأخطل ألف مرة من لا رجولة عارفة.


تمنيت بحق لو كان اهتمام باللغة وبأسلوب الكتابة أكثر. ثم أتساءل لم استعملت لفظتنين غير فصيحتين في العنوان؟


دمت بخير وعافية!

تقديري

ربيحة الرفاعي
12-06-2013, 02:06 AM
نص جسّد الخيبة واستعرض محطاتها بهارة سردية وأداء تصويري جميل
وتقنية قصّية مكينة أخضعت للكاتب الفكرة والسرد ومكنته من استقطاب المتلقي رغم عثرة اللغة

دمت بخير

تحاياي

براءة الجودي
12-06-2013, 06:48 AM
( المؤمن لايلدغ من الجحر مرتين )
وكعادة أغلب العرب اليوم الذي اصبحوا متخاذلين متواكلين يلقون الف صفعة فلا تحرك فيهم ساكنا ويظلون يأملون فيمن لامنهم أمل ولارجاء
اقتنصت الفكرة وأديتها بطريقة حاذقة وطريفة وحمية واضحة غاضبة على أمثال هؤلاء
تقديري

نداء غريب صبري
30-08-2013, 05:22 PM
الرجولة الشكلية هي ما قتل أمتنا وضيع رجالها
فكرة غير عادية والرمز فيها رائع

شكرا لك أخي

بوركت

آمال المصري
07-03-2015, 10:54 AM
رائعة وجاءت في زمن نحتاج فيه لشوارب حقيقية
نص يعري حال مابات عليه شموخ الرجولة العربية
وينعي لانتكاسة العرب التي لاتنتهي
سبرت أغوار الشخصية وخاطبت آلامنا أديبنا الفاضل
مرحباً بك في واحتك
تحاياي

خلود محمد جمعة
08-03-2015, 10:08 AM
أنصاف الرجال وانصاف الحلول وانصاف العقول هو ما قطع اوصال عروبتنا
طرح رائع لفكرة عميقة بسرد سلس و قلم جاد
اسجل اعجابي
كل التقدير
بوركت