المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صراع



راضي الضميري
30-03-2009, 03:12 AM
* صراع *
إلى شهر آذار

خرج من البيت مسرعًا إلى عمله بعد أنْ قضى الليل أمام التلفاز ، تأخر كثيرًا عن الموعد ، صعد الحافلة المكتظة عن آخرها ، الوجوم يخيّم على وجوه الحاضرين وكأنّ على رؤوسهم الطير و الآذان تصغي لمذيع لم يعد يدري بحجم المآسي التي يتسبّب بها أولئك الواقفون من خلفه . هبط من الحافلة بسرعة الضوء ، ودلف إلى مكتبه مثل القذيفة ليجد المدير في انتظاره وقد تورّمت عيناه واحمرّت كشرار انطلق من قنبلة ، تلقى بضعة صواريخ في وجهه وانتهى الأمر بإنذار شديد اللهجة ثمّ غادر عمله وهو يشعر بأنّه أكبر سنًا من هرم خوفو ، مشى على غير هدى ثمّ شعر بعطش شديد فتوقف عند بائع عصير ليروي ظمأه ، لم يكتفِ بكوب واحد و طلب كوبًا آخر وأخذ يرتشفه ببطء شديد نقطة نقطة ليغرق بعدها في نفسه وهو يراقب طفلًا يداعب أباه على مقربة منه .

أكلته الحسرة وهو ينظر إليه وإلى حاله ، ثمّ سرح بخياله بعيدًا ليستفيق بعدها على وقع خطوات فتاة جميلة مرت من أمامه ، أطال النظر إليها تمنى لو تنظر إليه ؛ باءت أمانيه بفشل ذريع فأشاح ببصره نحو الطفل مرّة أخرى يراقب ابتسامته العذبة وصدره يضيق به يكاد أنْ ينصهر ، أنهى الكوب وتابع سيره ، لم يترك شارعًا في المدينة إلا وعبره ، وظل هائمًا على وجهه ، ولم يدرِ بنفسه إلا في الصباح وقد تكوّر على نفسه مثل عصفور مبلّل وقد التحف السماء وافترش الأرض ليبدو لمن يراه كطفل صغير وهو يحتضن قبر أمّه .

صهيب توفيق
30-03-2009, 10:30 AM
عزيزي راضي الضميري/
قصة جميلة مرسومة برشة فنان
استمتعت بقراءتها كثيراً
هو الواقع دائما هكذا يحطم معظم الاحلام
لك خالص محبتي

عصام عبد الحميد
30-03-2009, 11:07 AM
الرائع راضي الضميري
كلمات قليلة في نص تفتح أبواب المواجع
تاركة آثارها الموحية في النفس
نص ثري
شكرا لك

مروة عبدالله
30-03-2009, 02:09 PM
الأستاذ راضي

هي شهور تمر علينا, تطغى على أجسادنا ويلاتها, من برد وحرارة ورطوبة ومرارةفي النفس, وستظل الحياة كالدائرة, ونحن نسير فيها على غير هدى آملين أن تضحك لنا يوماً أو تنتهتي على خير, جميلة القصة ومعبرة كثيراً, فطبتَ برقي.

محبتي

إدريس الشعشوعي
31-03-2009, 08:30 PM
جميلة ، رائعة

شكرا لك جزيلا على هكذا سطور ..

دمتَ مبدعا .. و دمتَ بعافية و خير

مازن لبابيدي
07-04-2009, 03:23 PM
أخي راضي الضميري
قصة معبرة بشدة ، تشعر بالوحدة القاتلة والحرمان العاطفي لرجل يبدو أن قطار الحياة قد فاته وهو يعيش على هامش الأحداث ، حتى أنه لم يجد إلا قبر أمه يلتمس فيه جرعة من الحنان .
كنت لأسميها الضياع .
لك حبي وتقديري ، كما أشكرك على تعليقك على قصتي "لأن لي قلبا" .


على الهامش : Q X b8 !

راضي الضميري
11-04-2009, 02:47 AM
عزيزي راضي الضميري/
قصة جميلة مرسومة برشة فنان
استمتعت بقراءتها كثيراً
هو الواقع دائما هكذا يحطم معظم الاحلام
لك خالص محبتي


إنّه هروب من انكسارات الرؤى في حاضر يكاد يسقط من وطأة المعاناة إلى قلب لا يعرف غير الرحمة ويعطي بدون مقابل ، إنّها الأمّ وفي راحتيها كل الحياة وفي فقدانها تذهب الحياة ليبقى الألم وسوء الواقع .

هو الواقع أيها الرائع وكم يسعدني مرورك اللطيف والذي يترك في النفس أثرًا لا ينس.

تقديري واحترامي أديبنا الجميل صهيب توفيق

كن بخير

راضي الضميري
16-05-2009, 01:27 PM
الرائع راضي الضميري
كلمات قليلة في نص تفتح أبواب المواجع
تاركة آثارها الموحية في النفس
نص ثري
شكرا لك

أخي الأديب الراقي عصام عبد الحميد

الروعة في حضورك أضافت لهذا النص المتواضع الجمال كله .

أسعدني مرورك الكريم والله وهذا شرف كبير لي .

تقديري واحترامي

حسنية تدركيت
16-05-2009, 10:51 PM
جميلة ومعبرة

تقبل مروري اخي راضي الضميري

الدكتور ماجد قاروط
25-05-2009, 06:58 PM
و أنا أقرأ في هذه الأماكن البعيدة عن الأنظار
استوقفني هذا النص الجميل الثري
قصة تحمل من الحزن ما تحمل من جمال وفن
إني فخور بهذاالنص وفخور بصاحبه المبدع
دمت بخير

هشام عزاس
27-05-2009, 05:19 PM
الأخ الحبيب / راضي الضميري

أعرف أن القصة تقرأ عادة غير منفصلة جسدا و روحا و أعني بأحداثها التي تدور في زمن معلوم و مكان أو أمكنة محددة دون أن نفصل الجانب الداخلي الذي يحرك الأحداث .

و لكن هنا أحببتُ أن أقرأ القصة من الناحية الشعورية فقط لأنها برأيي هي المحرك الأساسي للصراع , و لكنها بنفس الوقت رؤية خاصة جدا و تحليل ذاتي لا غير .
*********
خرج من البيت مسرعًا إلى عمله بعد أنْ قضى الليل أمام التلفاز ، تأخر كثيرًا عن الموعد ، صعد الحافلة المكتظة عن آخرها ، الوجوم يخيّم على وجوه الحاضرين وكأنّ على رؤوسهم الطير و الآذان تصغي لمذيع لم يعد يدري بحجم المآسي التي يتسبّب بها أولئك الواقفون من خلفه .

بعد سهر طويل مع التلفاز و هنا بداية الحالة الشعورية التي ستتأزم لاحقا , نفسية البطل التي لا تركن إلى الراحة و السكينة و الطمأنينة و ليس لها غير جهاز تتسامر من خلاله ليلا كملاذ وحيد لا يحقق التواصل أبدا بل يفرضُه على نفسية مُتابعة و مستقبلة لكل ما يُبث , و هنا نلمح الوحدة و تأثيراتها في نفسية الفرد . يركب الحافلة و التي من المفروض أن يحقق فيها نوعا من التواصل الإنساني فيحبط بوجوم و هالة من السكون غير صوت جهاز آخر هذه المرة ليس مرئيا بل مسموعا كإشارة إلى ما جلبته لنا الحضارة المادية و قتلها لحميمية كانت تسود بين الناس قديما من أحاديث و تبادل التحيات , و بذلك لم يجد ملاذا يبعدُ عن فكره هول ما ينتظره من تأنيب و صراخ فتزدداد نفسيته سوءا .

هبط من الحافلة بسرعة الضوء ، ودلف إلى مكتبه مثل القذيفة ليجد المدير في انتظاره وقد تورّمت عيناه واحمرّت كشرار انطلق من قنبلة ، تلقى بضعة صواريخ في وجهه وانتهى الأمر بإنذار شديد اللهجة .

إحساسه بالتأخر عن العمل و خوفه كان في محله , و لم يجد مهربا في أن يتلقى اللوم إضافة لكل ما تمرُ به نفسيته الصعبة فتكاثفت بداخله أحاسيس الوحدة و فقدان الحميمية مع الناس و احترامه في عمله و العتاب على شخصه .

ثمّ غادر عمله وهو يشعر بأنّه أكبر سنًا من هرم خوفو ، مشى على غير هدى ثمّ شعر بعطش شديد فتوقف عند بائع عصير ليروي ظمأه ، لم يكتفِ بكوب واحد و طلب كوبًا آخر وأخذ يرتشفه ببطء شديد نقطة نقطة ليغرق بعدها في نفسه وهو يراقب طفلًا يداعب أباه على مقربة منه .
أكلته الحسرة وهو ينظر إليه وإلى حاله ، ثمّ سرح بخياله بعيدًا ليستفيق بعدها على وقع خطوات فتاة جميلة مرت من أمامه ، أطال النظر إليها تمنى لو تنظر إليه ؛ باءت أمانيه بفشل ذريع فأشاح ببصره نحو الطفل مرّة أخرى يراقب ابتسامته العذبة وصدره يضيق به يكاد أنْ ينصهر ، أنهى الكوب وتابع سيره .

خرج مثقلا بهموم نفسه , كان المشي ملاذه في التخفيف من وطأة ما يحس به , ربما كان الكوب الأول للعصير بدافع العطش فعلا و لكن الكوب الثاني لم يكن سوى محاولة لقتل الوقت و ما ارتشاف العصير سوى دليل آخر على أنه لا يريد العودة إلى قبضة الوحدة , فكان فضوله يدفعه في مراقبة من حوله و لكن الصور ما كانت سوى وخزات قوية تزيد من حدة نفسيته المتعبة فما أشقاه بدون ولد و ما أتعسه بدون زوجة , لم يحتمل عدم تحقق أبسط أمنية خاطفة و لو نظرة عابرة تعيد له بعض الوهج فآثر الذهاب .

لم يترك شارعًا في المدينة إلا وعبره ، وظل هائمًا على وجهه ، ولم يدرِ بنفسه إلا في الصباح وقد تكوّر على نفسه مثل عصفور مبلّل وقد التحف السماء وافترش الأرض ليبدو لمن يراه كطفل صغير وهو يحتضن قبر أمّه .

بقى هائما على وجهه يطوف الطرقات و الشوارع و لم تحركه رجلاه بل نفسيته المرهقة الباحثة عن بعض الأمان و الاستقرار , لم يجد له حضنا في هذا العالم المادي الرهيب الذي يعتني بتفاصيل الوقت و الشكل و الأداء و يهمل بكل بساطة الإنسان , فقصد بشعور اللاوعي قبر أمه , و ظل يشكو لها همه و ضياعه بدونها حتى غلبه النوم ( غلبه الواقع ) و لقد وجد في احتضان قبر أمه ملاذا أخيرا هو في أعماق ذاته و بذلك كان حل العقدة على المستوى النفسي و على مستوى الأحداث .

و القراءة هنا لا تعتبر قبر الأم كمكان لجأ إليه و إنما هو موجود في ذاته و عقله الباطن , و بعد صراع نفسي طويل استطاع أن يجد نقاط التوازن التي فقدها نتيجة الضغط و تراكمات أحاسيس مختلفة .

همسة بالأخير : لوكتبت النص بمحاذاة اليمين و ليس بوسط الصفحة .

دمت مبدعا على الدوام

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام

مرحة عبد الوهاب
28-05-2009, 10:03 AM
أخى الأستاذ الفاضل راضى الضميرى
بعد التحليل النفسى والتفصيلى الدقيق لحالة البطل ، الذى قدمه لنا أخينا القدير هشام غراس
أقول
أنه الصراع النفسى البحت
بين
الشعور بحياة الفراغ والوحدة القاتلة وإفتقاده كإنسان لأبسط مقومات الحياه
وبين
إحتياجه لشعور الأمان والحنان والحُبْ الصادق
الذى لا ينبع إلا من حُضنْ الأم
إستاذى الفاضل دمت رائعا مبدعا
تحياتى وتقديرى

راضي الضميري
31-05-2009, 08:08 PM
الأستاذ راضي
هي شهور تمر علينا, تطغى على أجسادنا ويلاتها, من برد وحرارة ورطوبة ومرارةفي النفس, وستظل الحياة كالدائرة, ونحن نسير فيها على غير هدى آملين أن تضحك لنا يوماً أو تنتهتي على خير, جميلة القصة ومعبرة كثيراً, فطبتَ برقي.
محبتي
هي الأيام يا مروة تدور بنا وتلعب لعبتها في ظل وجود أشباه رجال يملكون القرار ويسخرون كل شيء لمصلحتهم ، وفي خضم كل ذلك يكون الصراع أحيانًا غير متكافئ فتضيع الأحلام وسط أنات الأمنيات التي لم يكتب لها أن ترى الشمس .

لكنها قد تضحك يوما ما من يدري ؟

شكرًا لمرورك الكريم أختنا العزيزة مروة .

كوني بخير

راضي الضميري
30-08-2009, 02:41 PM
جميلة ، رائعة
شكرا لك جزيلا على هكذا سطور ..
دمتَ مبدعا .. و دمتَ بعافية و خير

أيها الشاعر الرائع

صدقني عندما أقول لك أنك إنسان رائع ولك في القلب كل الحب والتقدير وأشكرك على هذا المرور الكريم .

كل عام وأنت بخير

تقديري واحترامي

راضي الضميري
14-12-2009, 11:17 AM
أخي راضي الضميري
قصة معبرة بشدة ، تشعر بالوحدة القاتلة والحرمان العاطفي لرجل يبدو أن قطار الحياة قد فاته وهو يعيش على هامش الأحداث ، حتى أنه لم يجد إلا قبر أمه يلتمس فيه جرعة من الحنان .
كنت لأسميها الضياع .
لك حبي وتقديري ، كما أشكرك على تعليقك على قصتي "لأن لي قلبا" .


على الهامش : Q x b8 !

أخي الجميل مازن لبابيدي

بعد قراءتي لتعليقك الرائع فكّرت أن أعيد تسميتها بــ الضياع وإن كان من نتائج هذا الصراع الرهيب الذي يعيشه إنسان هذا اليوم الضياع الكامل لمقومات وجوده.

هو الضياع بعينه .وعندما تغلق كل الطرق في وجه الإنسان فإنه يبحث عن ملاذ آمن يجد فيه الحنان والأمان ... فكانت الأم ..

وبالنسبة للهامش فقد كنت محقًا فيه .


تقبل اعتذاري الشديد على تأخري في الرد على مشاركتك الجميلة

تقديري واحترامي

راضي الضميري
14-12-2009, 11:20 AM
جميلة ومعبرة

تقبل مروري اخي راضي الضميري

الأخت الفاضلة حسنية تدركيت

شكرًا لك على هذا المرور العبق

ولعلنا نكتب لنعبر عن واقعنا - وأحيانًا بخجل شديد - لأن القلم لم يعد يقوى على تصوير هذه الفظائع التي تسحقه بكل قسوة .

تقديري واحترامي

راضي الضميري
14-12-2009, 11:24 AM
و أنا أقرأ في هذه الأماكن البعيدة عن الأنظار
استوقفني هذا النص الجميل الثري
قصة تحمل من الحزن ما تحمل من جمال وفن
إني فخور بهذاالنص وفخور بصاحبه المبدع
دمت بخير

كنت رائعًا أستاذي الفاضل في التعبير عن رؤيتك لهذه الأماكن البعيدة عن الأنظار لأنها كذلك فعلًا ، فلك الشكر الجزيل .

وما خطّه قلمك الرائع من إعجاب فهو محل تقديرنا واعتزازنا أيّها الشاعر الأصيل .

د ماجد قاروط


أنا جد فخور بك وبفكرك المستنير .


دمت رائعًا أخي الكريم .

تقديري واحترامي