تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قطار الذكرى



قوادري علي
02-04-2009, 12:28 AM
قطار الذكرى
كان صوت الصمت غريب اللكنة يتواصل مع هدير الرعد وانبلاج البرق في الأفق البعيد. أصخى إليه وهو الممتلئ بتراكمات الأيام مرّها أكثر من حلوها القليل..الليلة كان القمر مختبئا بين السحب لا يكاد يطل حتى يعود إلى مخبئه مطمئنا.في أثناء ذلك كانت خطواته تبحث عن طريق لا يصطك فيه حذاؤه بالحصى..يتوحد ظله بظل الظلام..يكاد يلتصق بالحائط. هنا ومضة من الماضي تجذبه، إحساس غريب هلامي وقوي عندما ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع..يتذكر أغنية سمعها
(وأني مارق مرّيت جنب حيوط البيت..)
يسكن تارة ويمضي أخرى.هناك وشوشة سكيرين قال الأول:
-ما يحدث لو سافرت ليلا نحو الشمس؟
قال الثاني:
-أعذرني لست من سكان المنطقة.
راحا بعدها يغنيان بصوت جميل رغم تداخل السكر..
(ما أجمل الجو هنا..)
ثم يضربان الأرض في حركة آلية موحدة.كتم أنفاسه والقهقهات التي كادت تخونه خارجة للفضاء المظلم.
-(عمّ تبحث والدياجي تخفيك؟!)
لم أعد أخاف الدجنة كما كنت صغيرا.كانت أمي تقول أن الغولة لا تخرج إلا ليلا.لم أعد أذهب إلى دورة المياه خوفا. كنت أفعلها في فراشي محتملا وابل الشتائم والصفعات.كان هذا في صباي البعيد والآن لا أخرج إلا ظلاما.هي الحكاية موطئ كل مقامر.رآها حدود ليله.إنها حبائل رقيقة شفافة لا تكاد تراها و لا تلمسها لكنّها إحساس غريب هلامي وقوي حين ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع، يسقط صريعا لدقائق ثم يقاومه
بالمشي ليلا..في الظلام صادفته الحكايا وأشاحت القرية قناعها مبدية ما خفي وكأنها تصرخ بأعلى صوتها.
-هيت لك..
-(لكنّي لم أكن نذلا وإحترمت سترتها وما هتكته)
هنا عند هذا الممر الضيق إلتقى فتى يعرفه يتسلق الجدار إلى حبيبة طائشة تنتظره..خاف فحاول رشوته..
-لها أخت هي لك
شكره ثم مضى..في الليلة الثانية رآه لم يكن لوحده لسوء الحظ..ما إن وطأت قدماه البيت حتى إنهال عليه الحجر من كل حدب وصوب..مضى غير مبال ..الليل ليس دائما ستارا، هناك عيون لا تنام، ذئاب لا تستيقظ إلا ظلاما وإمرأة دائما ترتب الطريق و تحضّر لك جلسة سمر..الليل عنوان الخيانة ،بدء حياة الخفافيش وهو رفيق المتعبّد الهاجع يتلو الورد يتفكر في الخلق منخطفا يبحث عن الفناء في الحبّ الأزلي.. صدر لدعاوي الأمهات الطيبات..ليله هو الإنعتاق يمضي حرا.لا أحد هنا ينظر إليه..يرى الجميع ويعرف كل السارين..هنا كثيرا ما التقى (الجلاني) مخمورا يغنّي.. هو الوحيد الذي يحسّ بوجوده..في بادئ الأمر كان يلتقيه ملقيا على بطنه وهو يبكي وكلما سأله عن السبب زاد نحيبا:
-كلمّا إشترى أبي لحما يعطونني أصغر العظام
ثم يسمعه وهو يمضي يقول:
-لكن ربّك لا ينسى أحدا كل ليلة يضع في جيبي 200دج..
يصل المقبرة ..يحثّ الخطى إلى المنطقة العليا..يقفز بين القبور..لم يعد الأمر صعبا..أصبح يتصرف آليا.يصل إلى القبر، يفتح يديه قارئا الفاتحة ثم ينتابه الإحساس الغريب، هلامي وقوي، ينقبض قلبه ويفيض الدمع، ينام ثلاث ساعات لا أكثر ولا أقل ثم ينهض عائدا..في طريق العودة يضع ورقة200دج في جيب (الجلاني) النائم محتضنا زجاجة الخمر الرخيص..يتفحص طريق العودة بحذر..يلج بيته بحذر..يخرج صورة ومجموعة أشرطة لعبد الحليم ومذكرة ويمضي كاتبا
(ها هو ذا قطار الذكرى ينطلق بي ككلّ مرّة، يجوب بي المحطّات، يوقفني عند محطة البدء بعد سفر طويل في أعماق هذا الماضي وهاهي ذكراك تستيقظ من أعماق النسيان.. ذكراك التي وأدتها إنها اليوم أشباح تعكر صفو حياتي وطعنات تمزق ذاتي.ليس لي كيف أن أصدها إلا أن أجوب شوارع القرية الواسعة وألوك أرصفتها.في هذه القرية النّائمة كنت ولا زلت أبحث عمّن يستأصل ذكراك، يخمدها أو يخدّرها لأهرب من عذاباتك.إنه إحساس غريب ، هلامي وقوي، ينتابني فينقبض القلب ويفيض الدمع..ما زلت أحملك ذكرى جميلة وحكاية من حكايات جدتي..أحملك جرحا قديما لا يندمل..
-"لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية..؟؟!
آه أيتها الصورة هل تذكرين كيف كانت البداية؟ فالبدايات دائما ضائعة.وحدها النهايات راسخة في العقول.أمّا أنا فأذكر البداية والنهاية.
إلى نفس الشارع تقتادني خطواتي نحو ثراك.تغتالني لحظات الأحزان..ذكريات لست أنساها محفورة ، مدفونة في الوجدان..صامتا كنت تنتابني رعشة في أوصالي..ها قد صرنا نغمة في العود حزينة..غريبة في وصلة الحسون..هل تذكرين الحسّون؟! أهديته لأحلى عيون..والآن أصبحت شمعة في ركن خيمة، في عيون ثكلى..لا أنين لا طبيب..ميتا في إنتظار الأكفان..
-"جبت الطبيب يداوي سألني الجرح فين.."
آه أما آن لهذا القلب الذي هدّه الحزن أن ينساك يا (ذكرى) ؟!أما آن لي أم أنام؟! قد طال ليلي وطال سفري معك يا ذكرى..يا ذكري الغالية الراحلة.)
أغلق كراسته، قبّل إبنته كأنّما يقبّل أمها ،ألقى بنفسه على فراشه الذي ما تغير منذ رحيل الغالية خوفا من أن تزول رائحة عطرها المفضل ..بدا عليه النعاس مع بيان الخيط الأبيض من الأسود.

د. نجلاء طمان
05-04-2009, 03:02 AM
قطارالذكرى أخذنا منبهرين في رحلته على جناح الحبك منذ ولوجه في أول محطة في ليل بطل القص وحتى انتهائه في آخر محطة وهي النهاية. رحلة القطار الليلية في قلب ليلٍ هو كل الليالي لبطل القاص التائه في ذكرى زوجته الراحلة؛ أرانا أمثلة لعيون الليل التي لا تنام, وقد استعرضها القاص في روعة وعفوية أدهشتني. البداية شعرية محلقة للغاية والتدرج في الحبك متوازن ومطرد نحو الخاتمة الرائعة التي سبقها فقرات جاءت كحشوٍ زائد أساء للقصة. بالرغم عدم تفضيلي الاستشهاد بالأغاني على العموم, إلا أن القاص استشهد بأغاني راقية ومناسبة لحالة بطل القص الشعورية, وأخذتنا معه في تيارها.
..............................................


قطار الذكرى
كان صوت الصمت غريب اللكنة يتواصل مع هدير الرعد وانبلاج البرق في الأفق البعيد. أصخى إليه وهو الممتلئ بتراكمات الأيام مرّها أكثر من حلوها القليل..الليلة كان القمر مختبئا بين السحب لا يكاد يطل حتى يعود إلى مخبئه مطمئنا.في أثناء ذلك كانت خطواته تبحث عن طريق لا يصطك فيه حذاؤه بالحصى..يتوحد ظله بظل الظلام..يكاد يلتصق بالحائط. هنا ومضة من الماضي تجذبه، إحساس غريب هلامي وقوي عندما ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع..يتذكر أغنية سمعها
(وأني مارق مرّيت جنب حيوط البيت..)
يسكن تارة ويمضي أخرى.هناك وشوشة سكيرين قال الأول:
-ما يحدث لو سافرت ليلا نحو الشمس؟
قال الثاني:
-أعذرني لست من سكان المنطقة.
راحا بعدها يغنيان بصوت جميل رغم تداخل السكر..
(ما أجمل الجو هنا..)
ثم يضربان الأرض في حركة آلية موحدة.كتم أنفاسه والقهقهات التي كادت تخونه خارجة للفضاء المظلم.
-(عمّ تبحث والدياجي تخفيك؟!)
لم أعد أخاف الدجنة كما كنت صغيرا.كانت أمي تقول أن الغولة لا تخرج إلا ليلا.لم أعد أذهب إلى دورة المياه خوفا. كنت أفعلها في فراشي محتملا وابل الشتائم والصفعات.كان هذا في صباي البعيد والآن لا أخرج إلا ظلاما.هي الحكاية موطئ كل مقامر.رآها حدود ليله.إنها حبائل رقيقة شفافة لا تكاد تراها و لا تلمسها لكنّها إحساس غريب هلامي وقوي حين ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع، يسقط صريعا لدقائق ثم يقاومه
بالمشي ليلا..في الظلام صادفته الحكايا وأشاحت القرية قناعها مبدية ما خفي وكأنها تصرخ بأعلى صوتها.
-هيت لك..
-(لكنّي لم أكن نذلا وإحترمت سترتها وما هتكته)
هنا عند هذا الممر الضيق إلتقى فتى يعرفه يتسلق الجدار إلى حبيبة طائشة تنتظره..خاف فحاول رشوته..
-لها أخت هي لك
شكره ثم مضى..في الليلة الثانية رآه لم يكن لوحده لسوء الحظ..ما إن وطأت قدماه البيت حتى إنهال عليه الحجر من كل حدب وصوب..مضى غير مبال ..الليل ليس دائما ستارا، هناك عيون لا تنام، ذئاب لا تستيقظ إلا ظلاما وإمرأة دائما ترتب الطريق و تحضّر لك جلسة سمر..الليل عنوان الخيانة ،بدء حياة الخفافيش وهو رفيق المتعبّد الهاجع يتلو الورد يتفكر في الخلق منخطفا يبحث عن الفناء في الحبّ الأزلي.. صدر لدعاوي الأمهات الطيبات..ليله هو الإنعتاق يمضي حرا.لا أحد هنا ينظر إليه..يرى الجميع ويعرف كل السارين..هنا كثيرا ما التقى (الجلاني) مخمورا يغنّي.. هو الوحيد الذي يحسّ بوجوده..في بادئ الأمر كان يلتقيه ملقيا على بطنه وهو يبكي وكلما سأله عن السبب زاد نحيبا:
-كلمّا إشترى أبي لحما يعطونني أصغر العظام
ثم يسمعه وهو يمضي يقول:
-لكن ربّك لا ينسى أحدا كل ليلة يضع في جيبي 200دج..
يصل المقبرة ..يحثّ الخطى إلى المنطقة العليا..يقفز بين القبور..لم يعد الأمر صعبا..أصبح يتصرف آليا.يصل إلى القبر، يفتح يديه قارئا الفاتحة ثم ينتابه الإحساس الغريب، هلامي وقوي، ينقبض قلبه ويفيض الدمع، ينام ثلاث ساعات لا أكثر ولا أقل ثم ينهض عائدا..في طريق العودة يضع ورقة200دج في جيب (الجلاني) النائم محتضنا زجاجة الخمر الرخيص..يتفحص طريق العودة بحذر..يلج بيته بحذر..يخرج صورة ومجموعة أشرطة لعبد الحليم ومذكرة ويمضي كاتبا
(ها هو ذا قطار الذكرى ينطلق بي ككلّ مرّة، يجوب بي المحطّات، يوقفني عند محطة البدء بعد سفر طويل في أعماق هذا الماضي وهاهي ذكراك تستيقظ من أعماق النسيان.. ذكراك التي وأدتها إنها اليوم أشباح تعكر صفو حياتي وطعنات تمزق ذاتي.


ليس لي كيف أن أصدها إلا أن أجوب شوارع القرية الواسعة وألوك أرصفتها.في هذه القرية النّائمة كنت ولا زلت أبحث عمّن يستأصل ذكراك، يخمدها أو يخدّرها لأهرب من عذاباتك.إنه إحساس غريب ، هلامي وقوي، ينتابني فينقبض القلب ويفيض الدمع..ما زلت أحملك ذكرى جميلة وحكاية من حكايات جدتي..أحملك جرحا قديما لا يندمل..

-"لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية..؟؟!

آه أيتها الصورة هل تذكرين كيف كانت البداية؟ فالبدايات دائما ضائعة.وحدها النهايات راسخة في العقول.أمّا أنا فأذكر البداية والنهاية.
إلى نفس الشارع تقتادني خطواتي نحو ثراك.تغتالني لحظات الأحزان..ذكريات لست أنساها محفورة ، مدفونة في الوجدان..صامتا كنت تنتابني رعشة في أوصالي..ها قد صرنا نغمة في العود حزينة..غريبة في وصلة الحسون..هل تذكرين الحسّون؟! أهديته لأحلى عيون..والآن أصبحت شمعة في ركن خيمة، في عيون ثكلى..لا أنين لا طبيب..ميتا في إنتظار الأكفان..
-"جبت الطبيب يداوي سألني الجرح فين.."
آه أما آن لهذا القلب الذي هدّه الحزن أن ينساك يا (ذكرى) ؟!أما آن لي أم أنام؟! قد طال ليلي وطال سفري معك يا ذكرى..يا ذكري الغالية الراحلة.)


أغلق كراسته، قبّل إبنته كأنّما يقبّل أمها ،ألقى بنفسه على فراشه الذي ما تغير منذ رحيل الغالية خوفا من أن تزول رائحة عطرها المفضل ..بدا عليه النعاس مع بيان الخيط الأبيض من الأسود.
........................

قصتكَ أيها القاص المبدع بدون الأحمر في اقتباسي -وهو حشو زائد كما ذكرت آنفًا - هي رائعة تستحق التثبيت كونها عالجت جانبًا إنسانيا ليس لبطل القص فحسب ولكن لجميع شخوص القصة, وبخاصة مخمور المقابر الذي هزتني حالته الإنسانية المعذبة والتي أفرز القاص سببها في جملة ذكية وضحت سبب معاناته داخل أسرته.

الحديث عن القصة يطول, فاعذر فقر وقتي.

تقديري لهذه الإنسانية الرائعة.

قوادري علي
06-04-2009, 12:10 PM
الفاضلة د.نجلاء طحان
قد كانت قراءتك عميقة
وغاصت بين أفكار النص
فغمرته تحليلا ذكيا..
قراءة اتسعت للمعنى والمبنى فزادت القصة
بهاء ورونقا..
شكرا لك جزيلا...
دمت ودام القك البهي..
تحاياي:0014:

شهد ماجد
07-04-2009, 10:21 PM
السلام عليك
***
أخذني التيه بين أروقة قطارك
حتى وصلت المحطة الأخيرة
ففهمت و وعيت

ذكريات مخلص
عذبه الشوق فاحتمله إخلاصا
*******
لغة مكتنزة رائعة
ألجمت قلمي
فاعذره
******
بوركت دوما

قوادري علي
08-04-2009, 09:33 PM
السلام عليك
***
أخذني التيه بين أروقة قطارك
حتى وصلت المحطة الأخيرة
ففهمت و وعيت

ذكريات مخلص
عذبه الشوق فاحتمله إخلاصا
*******
لغة مكتنزة رائعة
ألجمت قلمي
فاعذره
******
بوركت دوما
الأخت شهد
تفاعلك مع الرحلة
وحسن سبر اغواره
تحملنا كل هذه الأمور
على فرش سجادات الشكر والإمتنان
سعدت بتواجدك
سلامي الحار:0014:
ا:0014:

د. سمير العمري
16-07-2009, 06:29 PM
نص قصصي بارع ومعبر.

أحسنت أيها الأديب هنا شكلا ومعنى.

أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

قوادري علي
19-07-2009, 11:44 PM
نص قصصي بارع ومعبر.
أحسنت أيها الأديب هنا شكلا ومعنى.
أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي
د.سمير العمري
شكرا جزيلا لقراءتك وتعليقك.
مودتي وإحترامي:0014:

ربيحة الرفاعي
04-03-2014, 08:08 PM
قصة إنسانية عالية الحس سامية الإشارات عالجت مشاهد للمعاناة وألوانا من الصراع بأسلوب ملفت
شابها بزعمي بعض ترهل

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
05-03-2014, 09:10 AM
تجتاحنا الذكريات مساء كل عمر
تشاطرنا الليل والوحدة
تسامرنا حتى بزوغ الحلم
قصة باحت بأسرار الذكريات بسرد سلس ولغة جميلة
دمت بخير
تقديري واعجابي

قوادري علي
05-03-2014, 01:28 PM
الراقية ربيحة
سعدت بمرورك المميز.شكرا جزيلا.
تقديري.

قوادري علي
05-03-2014, 01:30 PM
ممنون لقراءتك الراقية خلود.
شكرا جزيلا.
تقديري.

نداء غريب صبري
03-07-2014, 04:10 PM
قصة إنسانية جميلة ومؤثرة
نقلت لنا صور المعاناة بأسلوب جميل وممتع

شكرا لك أخي

بوركت

قوادري علي
18-10-2014, 01:37 PM
قصة إنسانية جميلة ومؤثرة
نقلت لنا صور المعاناة بأسلوب جميل وممتع

شكرا لك أخي

بوركت

شكرا جزيلا الراقية نداء
للحكاية لغته ووجدانها.
تقديري.